مجاهدون
10-05-2004, 10:29 AM
وقفة تأمل
علي يوسف المتروك
المؤرخون المسلمون عندما بدأوا تدوين الحديث والاحداث التي مرت بالمسلمين منذ انتقال سيد الخلق محمد بن عبدالله صلوات الله عليه الى جوار ربه لم يتركوا شاردة ولا واردة الا كتبوها بالتفصيل، وللقارئ الكريم ان يرجع الى هذه الكتب ليرى تفاصيل تلك الاحداث في تاريخ الطبري وابن الاثير وصحيح احمد والبخاري والبيهقي والامامة والسياسة لابن قتيبة وغيره من المؤرخين.
ورغم اختلاف اولئك المؤرخين مع تلك الاحداث او الاتفاق معها فقد فهم اولئك الاوائل ان الفكر كالماء والهواء لا يمكن احتكاره او منعه ليبقى ذلك الفكر، وتلك الاحداث شاهدا على العصر يلجأ اليه الموافق والمعارض لينهل من تلك الاحداث خطأ او صوابا، لأن الذين صنعوا تلك الاحداث، ما عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، بشر عرضة للخطأ والصواب، وقد تفاعل اولئك البشر من صناع الاحداث مع معطيات الاحداث الاجتماعية والدينية واصاب منهم من اصاب واخطأ من أخطأ، ويبقى الحكم لمن جاء من بعدهم ليقيم تلك التجارب والمواقف والاحداث في ضوء دور كل فرد فيها.
وقد أوردت هذه المقدمة لأدخل في مناقشة موضوع مهم، وهو اقتراح سماحة السيد المهري لتدريس المذهب الجعفري في كلية الشريعة، وضمن المناهج المدرسية، وحذف بعض الفقرات في المناهج التي تثير الفتنة وتفرق بين المسلمين، وردود الفعل الغاضبة التي كانت تحذر من الفتنة، وكان لسمو الرئيس الشيخ صباح الاحمد تصريح مقطوع من سياق حديث لم تشر اليه الصحف بالتفصيل، ولكن الشيء الذي اعرفه منذ عشرين عاما ان سمو الرئيس نفسه طلب من بعض رجالات الشيعة في أحد اللقاءات مع سموه تأسيس معهد ديني لتدريس المذهب الجعفري، وذلك لتخريج العلماء والقراء والخطباء بدل ارسالهم الى الخارج حتى لا يعودوا بافكار وايديولوجيات تتعارض مع عادات المجتمع الكويتي وتقاليده، وقد كان اقتراحه في محله فمعظم الدارسين الذين عادوا من ايران عادوا مؤدلجين مشحونين سياسيا، وهم يرددون تلك المفردات الايرانية المعروفة بالاستكبار العالمي والشيطان الاكبر والشيطان الاصغر وغير ذلك من المفردات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
والذي يحدث بعد ذلك اي بعد رجوعهم ان يتلقفهم امثالهم من التيار اياه ليجعلوا منهم صيدا ثمينا تحت شعار الدين والدين منهم براء.
لقد قدّم نفر من المهتمين بالشأن العام طلبا للترخيص لذلك المعهد، وحتى اليوم لم نحصل على ذلك الترخيص، وتقدم آخرون لطلب انشاء جامعة لتدريس المذهب الجعفري في بعض اقسامها، وكان ان رخص لخمس جامعات، ولم يرخص لهذه الجامعة حتى الآن.
انني اتساءل: لماذا اصبح المواطنون الشيعة لدى السلطة كالجمرة في اليد، فهؤلاء لا يشكلون جزءا منفصلا عن شعب الكويت، بل جزء اصيل منه، واذا كانت لهم خصوصية في بعض العبادات فليكن ذلك، فالاسلام بعد رحيل الرسول الكريم (ص) انقسم الى مدرستين: مدرسة تؤمن بالشورى والمدرسة الامامية التي تؤمن بالنص ولكلتا المدرستين حججها واستنباطاتها الفقهية، ثم افترق المسلمون بعد ذلك الى ثلاث وسبعين فرقة، ويأتي القرآن الكريم ليحسم هذا الجدل بين المسلمين ليقول: قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا.
وتروي كتب الحديث حديثا لرسول الله يقول: اختلاف امتي رحمة. وهذا الاختلاف بالفعل اعطى الاسلام حيوية دافقة وجنبه الجمود ليكون هناك حيز للبحث والتمحيص والتأويل خارج نطاق الثوابت الاسلامية التي نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ان من واجب السلطة الحياد، وهذا الحياد هو ميزان المجتمع، فعندما تنحاز السلطة الى فئة دون اخرى يختل هذا التوازن، خصوصا ان الكويت تواجه واقعا دوليا واقليميا سمته الاساسية حقوق الانسان، وهذا المبدأ اجتازته الكويت بجدارة بما يملك شعبها من حرية نسبية في الصحافة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
واذا كان البعض يغمز من قناة الشيعة بان عددهم لا يتجاوز خمسة عشر في المائة فعليهم ان يعلموا ان الديموقراطية هي حفظ حقوق الاقلية مهما كان عددها، ولست بصدد مناقشة عدد الشيعة بالنسبة لعدد السنة في الكويت، فالعدد غير مهم على الاطلاق، والحقوق يجب ان تكون مضمونة للجميع حتى ولو كان العدد يقل عن خمسة في المائة فبالأمس القريب افتخرت الكويت بتسامحها الديني، وذلك بانشاء امانة للوقف ومحكمة تمييز جعفريتين رغم تحذير بعض المتشددين والمرجفين الذين خوفوا الناس والحكومة من اتخاذ هاتين الخطوتين الحضاريتين اللتين اصبحتا موضع اعتزاز وافتخار لدى الشعب الكويتي وسلطاته على حد سواء.
كما انني اناشد اولئك الذين يربطون شيعة الكويت بإيران ان يمتنعوا عن ذلك خدمة لهذا البلد، فهم في هذا الربط يقدمون لايران خدمة ثمينة بلا ثمن، فإيران تسعى جاهدة لأن تجعل من شيعة الكويت والخليج خارج حدودها قوى تخدم اغراضها السياسية، وهي بهذا تحقق هدفين: الاول سياسي والثاني اقتصادي لجباية الحقوق الشرعية التي تترتب على من يؤمن بولاية الفقيه والتي تقوم ايران بالترويج لها بشتى الوسائل عبر انصارها في الكويت، والقضية معروفة لدى الجميع.
ايها الاخوة، نحن في بلد افاء الله عليه بالخير الكثير، وكان منذ بداياته وقبل النفط يتميز بالتسامح الديني والوسطية بين مختلف فئاته، مما حدا بالكثير من الناس الذين شعروا بالاضطهاد في اوطانهم إلى اللجوء اليه، وكما قالوا قديما اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، خصوصا اذا توافرت النية المخلصة لتجنيب هذا البلد الصغير الفتنة والفرقة، فالمذهب الجعفري كأحد المذاهب الاسلامية يدرس منذ سنين في الازهر الشريف مع بقية المذاهب الاسلامية كالزيدية والاباضية وغيرها من المذاهب، وقد افتى شيخ الازهر المرحوم محمود شلتوت بجواز العمل بالمذهب الجعفري منذ اكثر من اربعين سنة، وادخل الفقه الجعفري والزيدي في الموسوعة التي اصدرتها مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
إذن من حق كل مواطن ان يعتقد ما يشاء ويطرح ما يشاء من افكار، فكل انسان يملك قناعاته الشخصية في مختلف امور الحياة سواء في الدين او الدنيا، ولكن ليس من حق شخص او فئة او جماعة ان تفرض فكرا شموليا على الآخرين بحجة العدد او السيطرة او الغلبة، فليس من الضروري ان تتطابق حسابات الفئات او الافراد مع حساب السلطة المهيمنة والمسيطرة والموكل اليها امانة الحكم، والتي تنظر بعين واحدة لجميع فئات الشعب دون النظر الى معتقداتهم ودون تفرقة او انحياز لكائن من كان، وبهذا المبدأ تسود العدالة والطمأنينة بين افراد المجتمع. وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه الكريم: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» صدق الله العظيم.
http://www.alqabas.com.kw/writersarticlesdetails.php?aid=2983
علي يوسف المتروك
المؤرخون المسلمون عندما بدأوا تدوين الحديث والاحداث التي مرت بالمسلمين منذ انتقال سيد الخلق محمد بن عبدالله صلوات الله عليه الى جوار ربه لم يتركوا شاردة ولا واردة الا كتبوها بالتفصيل، وللقارئ الكريم ان يرجع الى هذه الكتب ليرى تفاصيل تلك الاحداث في تاريخ الطبري وابن الاثير وصحيح احمد والبخاري والبيهقي والامامة والسياسة لابن قتيبة وغيره من المؤرخين.
ورغم اختلاف اولئك المؤرخين مع تلك الاحداث او الاتفاق معها فقد فهم اولئك الاوائل ان الفكر كالماء والهواء لا يمكن احتكاره او منعه ليبقى ذلك الفكر، وتلك الاحداث شاهدا على العصر يلجأ اليه الموافق والمعارض لينهل من تلك الاحداث خطأ او صوابا، لأن الذين صنعوا تلك الاحداث، ما عدا النبي المصطفى صلى الله عليه وآله، بشر عرضة للخطأ والصواب، وقد تفاعل اولئك البشر من صناع الاحداث مع معطيات الاحداث الاجتماعية والدينية واصاب منهم من اصاب واخطأ من أخطأ، ويبقى الحكم لمن جاء من بعدهم ليقيم تلك التجارب والمواقف والاحداث في ضوء دور كل فرد فيها.
وقد أوردت هذه المقدمة لأدخل في مناقشة موضوع مهم، وهو اقتراح سماحة السيد المهري لتدريس المذهب الجعفري في كلية الشريعة، وضمن المناهج المدرسية، وحذف بعض الفقرات في المناهج التي تثير الفتنة وتفرق بين المسلمين، وردود الفعل الغاضبة التي كانت تحذر من الفتنة، وكان لسمو الرئيس الشيخ صباح الاحمد تصريح مقطوع من سياق حديث لم تشر اليه الصحف بالتفصيل، ولكن الشيء الذي اعرفه منذ عشرين عاما ان سمو الرئيس نفسه طلب من بعض رجالات الشيعة في أحد اللقاءات مع سموه تأسيس معهد ديني لتدريس المذهب الجعفري، وذلك لتخريج العلماء والقراء والخطباء بدل ارسالهم الى الخارج حتى لا يعودوا بافكار وايديولوجيات تتعارض مع عادات المجتمع الكويتي وتقاليده، وقد كان اقتراحه في محله فمعظم الدارسين الذين عادوا من ايران عادوا مؤدلجين مشحونين سياسيا، وهم يرددون تلك المفردات الايرانية المعروفة بالاستكبار العالمي والشيطان الاكبر والشيطان الاصغر وغير ذلك من المفردات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
والذي يحدث بعد ذلك اي بعد رجوعهم ان يتلقفهم امثالهم من التيار اياه ليجعلوا منهم صيدا ثمينا تحت شعار الدين والدين منهم براء.
لقد قدّم نفر من المهتمين بالشأن العام طلبا للترخيص لذلك المعهد، وحتى اليوم لم نحصل على ذلك الترخيص، وتقدم آخرون لطلب انشاء جامعة لتدريس المذهب الجعفري في بعض اقسامها، وكان ان رخص لخمس جامعات، ولم يرخص لهذه الجامعة حتى الآن.
انني اتساءل: لماذا اصبح المواطنون الشيعة لدى السلطة كالجمرة في اليد، فهؤلاء لا يشكلون جزءا منفصلا عن شعب الكويت، بل جزء اصيل منه، واذا كانت لهم خصوصية في بعض العبادات فليكن ذلك، فالاسلام بعد رحيل الرسول الكريم (ص) انقسم الى مدرستين: مدرسة تؤمن بالشورى والمدرسة الامامية التي تؤمن بالنص ولكلتا المدرستين حججها واستنباطاتها الفقهية، ثم افترق المسلمون بعد ذلك الى ثلاث وسبعين فرقة، ويأتي القرآن الكريم ليحسم هذا الجدل بين المسلمين ليقول: قل كل يعمل على شاكلته فربكم اعلم بمن هو اهدى سبيلا.
وتروي كتب الحديث حديثا لرسول الله يقول: اختلاف امتي رحمة. وهذا الاختلاف بالفعل اعطى الاسلام حيوية دافقة وجنبه الجمود ليكون هناك حيز للبحث والتمحيص والتأويل خارج نطاق الثوابت الاسلامية التي نص عليها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
ان من واجب السلطة الحياد، وهذا الحياد هو ميزان المجتمع، فعندما تنحاز السلطة الى فئة دون اخرى يختل هذا التوازن، خصوصا ان الكويت تواجه واقعا دوليا واقليميا سمته الاساسية حقوق الانسان، وهذا المبدأ اجتازته الكويت بجدارة بما يملك شعبها من حرية نسبية في الصحافة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.
واذا كان البعض يغمز من قناة الشيعة بان عددهم لا يتجاوز خمسة عشر في المائة فعليهم ان يعلموا ان الديموقراطية هي حفظ حقوق الاقلية مهما كان عددها، ولست بصدد مناقشة عدد الشيعة بالنسبة لعدد السنة في الكويت، فالعدد غير مهم على الاطلاق، والحقوق يجب ان تكون مضمونة للجميع حتى ولو كان العدد يقل عن خمسة في المائة فبالأمس القريب افتخرت الكويت بتسامحها الديني، وذلك بانشاء امانة للوقف ومحكمة تمييز جعفريتين رغم تحذير بعض المتشددين والمرجفين الذين خوفوا الناس والحكومة من اتخاذ هاتين الخطوتين الحضاريتين اللتين اصبحتا موضع اعتزاز وافتخار لدى الشعب الكويتي وسلطاته على حد سواء.
كما انني اناشد اولئك الذين يربطون شيعة الكويت بإيران ان يمتنعوا عن ذلك خدمة لهذا البلد، فهم في هذا الربط يقدمون لايران خدمة ثمينة بلا ثمن، فإيران تسعى جاهدة لأن تجعل من شيعة الكويت والخليج خارج حدودها قوى تخدم اغراضها السياسية، وهي بهذا تحقق هدفين: الاول سياسي والثاني اقتصادي لجباية الحقوق الشرعية التي تترتب على من يؤمن بولاية الفقيه والتي تقوم ايران بالترويج لها بشتى الوسائل عبر انصارها في الكويت، والقضية معروفة لدى الجميع.
ايها الاخوة، نحن في بلد افاء الله عليه بالخير الكثير، وكان منذ بداياته وقبل النفط يتميز بالتسامح الديني والوسطية بين مختلف فئاته، مما حدا بالكثير من الناس الذين شعروا بالاضطهاد في اوطانهم إلى اللجوء اليه، وكما قالوا قديما اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، خصوصا اذا توافرت النية المخلصة لتجنيب هذا البلد الصغير الفتنة والفرقة، فالمذهب الجعفري كأحد المذاهب الاسلامية يدرس منذ سنين في الازهر الشريف مع بقية المذاهب الاسلامية كالزيدية والاباضية وغيرها من المذاهب، وقد افتى شيخ الازهر المرحوم محمود شلتوت بجواز العمل بالمذهب الجعفري منذ اكثر من اربعين سنة، وادخل الفقه الجعفري والزيدي في الموسوعة التي اصدرتها مصر في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
إذن من حق كل مواطن ان يعتقد ما يشاء ويطرح ما يشاء من افكار، فكل انسان يملك قناعاته الشخصية في مختلف امور الحياة سواء في الدين او الدنيا، ولكن ليس من حق شخص او فئة او جماعة ان تفرض فكرا شموليا على الآخرين بحجة العدد او السيطرة او الغلبة، فليس من الضروري ان تتطابق حسابات الفئات او الافراد مع حساب السلطة المهيمنة والمسيطرة والموكل اليها امانة الحكم، والتي تنظر بعين واحدة لجميع فئات الشعب دون النظر الى معتقداتهم ودون تفرقة او انحياز لكائن من كان، وبهذا المبدأ تسود العدالة والطمأنينة بين افراد المجتمع. وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه الكريم: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» صدق الله العظيم.
http://www.alqabas.com.kw/writersarticlesdetails.php?aid=2983