فاطمي
10-12-2010, 10:02 AM
سامي البحيري - ايلاف
2010 السبت 9 أكتوبر
كانت تحضر إلى بيتنا هنا فى أمريكا فتاة أمريكية مرة فى الأسبوع لمساعدة زوجتى فى نظافة المنزل ودورات المياه والمطبخ وخلافه وكانت تتقاضى 25 دولارا فى الساعة، ولم أكن أنتبه إليها كثيرا وكنت أحييها وأحترمها مثل أى شخص، ثم ذات مساء حضرت إلينا فتاة بملابس المساء والسهرة وقالت لى أنها من المفروض أن تخرج مع زوجتى لتناول العشاء خارج المنزل ولمحت من نافذة المنزل ورأيت سيارتها وقد إصطفت خارج جراج منزلنا وكانت سيارة أفخم قليلا من سيارتى، وسألت زوجتى عمن تكون تلك الفتاة فقالت لى أنها نفس "الخادمة" التى تأتى لتنظيف المنزل أسبوعيا!! وقلت لنفسى:
الحمد لله أنها لم تلفت نظرى من قبل!
وتعجبت لأن زوجتى لم يسبق لها معاملة الخدم فى مصر قبل هجرتنا إلى أمريكا بنفس المساواة لدرجة أنها تخرج مع الخادمة لتناول طعام العشاء سويا. وعرفت فيما بعد أن تلك الفتاة قد سافرت إلى ولاية أخرى لكى تحضر رسالة الماجستير، يعنى يمكننى أن أقول بكل فخر أنه كانت تخدم لدينا فتاة جامعية أمريكية فى طريقها إلى الماجستير وقد ساعدناها فى الوصول إلى هدفها.
أما من كان يعامل الخادمة على قدم المساواة حقا فى مصر، فكان والدى رحمه الله وكانت لدينا فتاة ريفية يتيمة تعمل كخادمة مقيمة فى المنزل وكان والدى رحمه الله يصر على أن تتناول معنا الطعام على نفس الطاولة، وكانت والدتى رحمها الله تحاول أن تفهم والدى بأن الفتاة تكون محرجة لتناول الطعام معنا وأنه من الأفضل أن تتناول طعامها بمفردها وعلى راحتها، ولكن والدى كان يصر على أننا لسنا أفضل منها وأن ظروفها الإجتماعية قد حكمت عليها أن تعمل كخادمة لدينا، وتقوم بعملها على أكمل وجه بعيدا عن قريتها وأهلها، فلا أقل من أن نعاملها على أنها واحدة منا وأن لها أسرة أخرى فى القاهرة، وبالفعل إستمرت فى العمل لدينا حتى جاءها إبن الحلال وزوجناها وكانت تزورنا من حين لآخر قائلة أنها تفتقد الأيام التى عاشت فيها معنا.
والحقيقة لا أحد يتمنى أن تعمل إبنته أو أخته بوظيفة قد ينظر إليها على أنها وظيفة متواضعة (وهذا هو ألطف الأوصاف)، ولكن أى وظيفة هى أفضل من البطالة أو التسول، وعندما أرادت إبنتى الكبرى أن تسافر إلى إيطاليا لأخذ فصل دراسى صيفى وأرادت أن تساعدنى فى المصاريف (رغم أنى لم أطلب منها المساعدة) فتقدمت للعمل فى محل القهوة المعروف "ستار بكس" بدون أن تأخذ رأيى أو رأى أمها، وقالت لى زوجتى وقتها: "على آخر الزمن بنتى حتشتغل قهوجية!!"
فقلت لها خليها تجرب، وكانت إبنتى تصحو فى الساعة الرابعة صباحا لكى تكون فى مقهى ستار بكس فى الرابعة والنصف وتقوم بتنظيف المكان ودورات المياه وتجهز المكان لكى يكون على إستعداد لبيع القهوة فى الساعة السادسة صباحا، وكانت تعود منهكة وتقوم بواجباتها المدرسية بعد ذلك، ولا شك أن هذه التجربة علمتها التواضع وعلى إحترام الأعمال اليدوية، وكنا إذا ذهبنا إلى أى مطعم تصر على أن نكون أسخياء فى البقشيش مع الجرسونات (من زميلاتها وزملائها). وقد تعلمت أنا أيضا من تلك التجربة وصرت أحترم الأعمال اليدوية أكثر من ذى قبل.
...
كل هذه المقدمة الطويلة كتبتها للتعليق على رسالة وصلتنى من صديق بالسعودية وفيه تعليقات عن خبر بأن:" أول دفعة من الخادمات السعوديات (30 خادمة) قد وصلت قطر للعمل هناك فى الخدمة المنزلية وأنهن سوف يتقاضين مرتبات قد تبلغ ضعف متا تتقاضاه الخادمة الفليبينية" وكانت التعليقات تتراوح بين الآتى:
أولا: الأغلبية قالت ياعيب الشوم هلى معقول أن بناتنا السعوديات يصل بهن الحال إلى العمل كخادمات والسعودية تعتبر من أغنى بلاد المنطقة؟!
ثانيا: فئة أخرى إستنكرت ونفت وشجبت الخبر تماما!!
ثالثا: الأقلية قالت وفيها إيه ما دمن يقمن بعمل شريف.
رابعا: فئة قليلة جدا إعتبرت هذا الخبر بمثابة إعلان الحرب بين بلدان الخليج وطالبت الحكومة السعودية للتدخل لإيقاف تلك الفضيحة!
...
وإن كان هذا الخبر صحيحا فأنا أود أن أوجه خالص التحية إلى الخادمات السعوديات وأرجو أن يوفقن فى عملهن، وأعتقد أنه من الأفضل للأسرة العربية أن تتولى رعاية المنزل خادمة عربية من نفس الثقافة ونفس اللغة، وإلى كل من إستنكر هذا العمل أقول: "خادم القوم سيدهم" وللا هى بس أقوال ترددوها فى المجالس والمساجد دون أن تعنوها!
وإن لم يكن الخبر صحيحا أو إشاعة فإنها لا تقلل من شأن السعوديات بل على العكس أود أن أرى فى كل بلاد الخليج الخادم الخليجى والبواب الخليجى والعامل الخليجى والسائق الخليجى والسباك الخليجى، ولقد إندهشت إندهاشا شديدا عندما وجدت أن بعض مثقفى قبائل الجزيرة العربية ينظرون نظرة عنصرية ودونية إلى أى شخص من نفس القبيلة يقوم بعمل يدوى بل أكثر من ذلك يودون أحيانا لو يكن فردا من قبيلتهم لأنه يجلب العار إليهم؟! فإن كان العمل اليدوى يجلب العار فمرحبا بهذا العار.
...
ومنذ سنوات قرأت فى مجلة فوربس حديثا لصاحبها ومؤسسها الخواجة فوربس الكبير بنفسه يقول:
" إن المجتمع الذى يرفع من شأن المهندس ويخفض من شأن العامل، لن يكون لديه أبدا لا عاملا ممتازا ولا مهندسا ممتازا"!
samybehiri@aol.com
http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/10/602544.htm?entry=opinionwriters
2010 السبت 9 أكتوبر
كانت تحضر إلى بيتنا هنا فى أمريكا فتاة أمريكية مرة فى الأسبوع لمساعدة زوجتى فى نظافة المنزل ودورات المياه والمطبخ وخلافه وكانت تتقاضى 25 دولارا فى الساعة، ولم أكن أنتبه إليها كثيرا وكنت أحييها وأحترمها مثل أى شخص، ثم ذات مساء حضرت إلينا فتاة بملابس المساء والسهرة وقالت لى أنها من المفروض أن تخرج مع زوجتى لتناول العشاء خارج المنزل ولمحت من نافذة المنزل ورأيت سيارتها وقد إصطفت خارج جراج منزلنا وكانت سيارة أفخم قليلا من سيارتى، وسألت زوجتى عمن تكون تلك الفتاة فقالت لى أنها نفس "الخادمة" التى تأتى لتنظيف المنزل أسبوعيا!! وقلت لنفسى:
الحمد لله أنها لم تلفت نظرى من قبل!
وتعجبت لأن زوجتى لم يسبق لها معاملة الخدم فى مصر قبل هجرتنا إلى أمريكا بنفس المساواة لدرجة أنها تخرج مع الخادمة لتناول طعام العشاء سويا. وعرفت فيما بعد أن تلك الفتاة قد سافرت إلى ولاية أخرى لكى تحضر رسالة الماجستير، يعنى يمكننى أن أقول بكل فخر أنه كانت تخدم لدينا فتاة جامعية أمريكية فى طريقها إلى الماجستير وقد ساعدناها فى الوصول إلى هدفها.
أما من كان يعامل الخادمة على قدم المساواة حقا فى مصر، فكان والدى رحمه الله وكانت لدينا فتاة ريفية يتيمة تعمل كخادمة مقيمة فى المنزل وكان والدى رحمه الله يصر على أن تتناول معنا الطعام على نفس الطاولة، وكانت والدتى رحمها الله تحاول أن تفهم والدى بأن الفتاة تكون محرجة لتناول الطعام معنا وأنه من الأفضل أن تتناول طعامها بمفردها وعلى راحتها، ولكن والدى كان يصر على أننا لسنا أفضل منها وأن ظروفها الإجتماعية قد حكمت عليها أن تعمل كخادمة لدينا، وتقوم بعملها على أكمل وجه بعيدا عن قريتها وأهلها، فلا أقل من أن نعاملها على أنها واحدة منا وأن لها أسرة أخرى فى القاهرة، وبالفعل إستمرت فى العمل لدينا حتى جاءها إبن الحلال وزوجناها وكانت تزورنا من حين لآخر قائلة أنها تفتقد الأيام التى عاشت فيها معنا.
والحقيقة لا أحد يتمنى أن تعمل إبنته أو أخته بوظيفة قد ينظر إليها على أنها وظيفة متواضعة (وهذا هو ألطف الأوصاف)، ولكن أى وظيفة هى أفضل من البطالة أو التسول، وعندما أرادت إبنتى الكبرى أن تسافر إلى إيطاليا لأخذ فصل دراسى صيفى وأرادت أن تساعدنى فى المصاريف (رغم أنى لم أطلب منها المساعدة) فتقدمت للعمل فى محل القهوة المعروف "ستار بكس" بدون أن تأخذ رأيى أو رأى أمها، وقالت لى زوجتى وقتها: "على آخر الزمن بنتى حتشتغل قهوجية!!"
فقلت لها خليها تجرب، وكانت إبنتى تصحو فى الساعة الرابعة صباحا لكى تكون فى مقهى ستار بكس فى الرابعة والنصف وتقوم بتنظيف المكان ودورات المياه وتجهز المكان لكى يكون على إستعداد لبيع القهوة فى الساعة السادسة صباحا، وكانت تعود منهكة وتقوم بواجباتها المدرسية بعد ذلك، ولا شك أن هذه التجربة علمتها التواضع وعلى إحترام الأعمال اليدوية، وكنا إذا ذهبنا إلى أى مطعم تصر على أن نكون أسخياء فى البقشيش مع الجرسونات (من زميلاتها وزملائها). وقد تعلمت أنا أيضا من تلك التجربة وصرت أحترم الأعمال اليدوية أكثر من ذى قبل.
...
كل هذه المقدمة الطويلة كتبتها للتعليق على رسالة وصلتنى من صديق بالسعودية وفيه تعليقات عن خبر بأن:" أول دفعة من الخادمات السعوديات (30 خادمة) قد وصلت قطر للعمل هناك فى الخدمة المنزلية وأنهن سوف يتقاضين مرتبات قد تبلغ ضعف متا تتقاضاه الخادمة الفليبينية" وكانت التعليقات تتراوح بين الآتى:
أولا: الأغلبية قالت ياعيب الشوم هلى معقول أن بناتنا السعوديات يصل بهن الحال إلى العمل كخادمات والسعودية تعتبر من أغنى بلاد المنطقة؟!
ثانيا: فئة أخرى إستنكرت ونفت وشجبت الخبر تماما!!
ثالثا: الأقلية قالت وفيها إيه ما دمن يقمن بعمل شريف.
رابعا: فئة قليلة جدا إعتبرت هذا الخبر بمثابة إعلان الحرب بين بلدان الخليج وطالبت الحكومة السعودية للتدخل لإيقاف تلك الفضيحة!
...
وإن كان هذا الخبر صحيحا فأنا أود أن أوجه خالص التحية إلى الخادمات السعوديات وأرجو أن يوفقن فى عملهن، وأعتقد أنه من الأفضل للأسرة العربية أن تتولى رعاية المنزل خادمة عربية من نفس الثقافة ونفس اللغة، وإلى كل من إستنكر هذا العمل أقول: "خادم القوم سيدهم" وللا هى بس أقوال ترددوها فى المجالس والمساجد دون أن تعنوها!
وإن لم يكن الخبر صحيحا أو إشاعة فإنها لا تقلل من شأن السعوديات بل على العكس أود أن أرى فى كل بلاد الخليج الخادم الخليجى والبواب الخليجى والعامل الخليجى والسائق الخليجى والسباك الخليجى، ولقد إندهشت إندهاشا شديدا عندما وجدت أن بعض مثقفى قبائل الجزيرة العربية ينظرون نظرة عنصرية ودونية إلى أى شخص من نفس القبيلة يقوم بعمل يدوى بل أكثر من ذلك يودون أحيانا لو يكن فردا من قبيلتهم لأنه يجلب العار إليهم؟! فإن كان العمل اليدوى يجلب العار فمرحبا بهذا العار.
...
ومنذ سنوات قرأت فى مجلة فوربس حديثا لصاحبها ومؤسسها الخواجة فوربس الكبير بنفسه يقول:
" إن المجتمع الذى يرفع من شأن المهندس ويخفض من شأن العامل، لن يكون لديه أبدا لا عاملا ممتازا ولا مهندسا ممتازا"!
samybehiri@aol.com
http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/10/602544.htm?entry=opinionwriters