طلال محمود
09-27-2010, 03:40 AM
كتب حسن عصفور / كتب أنهى الشعب التركي الجدل الذي سيطر أسابيع عدة على المشهد السياسي العام ليس في تركيا فحسب ، بل في كثير من الدول ذات الإهتمام بتطور التجربة التركية ' الفريدة ' ، وقرر الشعب القول بنعم كبيرة واضحة ساطعة للتغييرات الدستورية التي أرادها ' حزب العدالة والتمنية' بقيادة أردوغان – غول وخلفهم المفكر الإستراتيجي للنهج السياسي الجديد أحمد أوغلو .. جاءت نتائج الإستفتاء كما أرادها الحزب الحاكم ، وربما أكثر تصويتا مئويا مما توقع هو وغيره ، وبنسبة عالية جدا وفقا للحديث عن إستفتاء وليس إنتخابات ، حيث من المعروف أن نسبة المشاركة في كثير من الإستفتاءات لا تكون مرتفعة ، ولكنها في تركيا فاقت نسبة ( 72% ) من اصحاب حق المشاركة ، فيما قال منهم بنعم (58%) ، وهي نسبة تشير كم هناك عطش ورغبة في التغير الدستوري الديمقراطي ..
ولعل أبرز وصف لما حدث تصويتا هو ما أعلنه أردوغان نفسه بأن ' النعم' كانت لإقصاء العقلية الإنقلابية العسكرية ، ولعل هذه العبارة تجد ترجمة لها في موقف غالبية منظمات حقوق الإنسان في تركيا الني رحبت بشدة بهذا التصويت الشعبي لرد الإعتبار للحريات الأساسية التي صادرها إنقلاب الجنرال ' كنعان أفرين ' العام 1980 وأعدم يومها أكثر من 50 شخصا وإعتقل الآلاف من أبناء الشعب التركي ، التصويت الذي فتح الطريق لمطالبة عديد المؤسسات الأهلية لمحاكمة الجنرال الديكتاتور .. بينما ذهب رئيس وزراء تركيا الحالي الى الرجل الذي دفع حياته ثمنا للدفاع عن ' الدستور' العام 1960 ( عدنان مندريس) رئيس وزراء تركيا الأسبق كرسالة ذات مغزى ..
لقد أثارت نتائج الإستفتاء شهية الكثيرون للكتابة عنها ، فوصفتها الصحيفة الأمريكية ' لوس أنجلس تايمز ' بأنها أملا جديدا يقدمه أردوغان لتركيا ، فيما أعلن الرئيس الأمركي عن سعادته الكبيرة ومعه الإتحاد الأوروبي بنتائج الإستفتاء ، وتحدث أوباما عن ذلك بأنه سيعزز من ' الشراكة النموذجية' بين أنقرة وواشنطن ، فيما إعتبره قادة الإتحاد الأوروبي تقدما هاما نحو تعزيز ' المفهوم الديمقراطي في تركيا ' وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان .. فيما رحبت به غالبية القوى اليسارية التركية العلمانية (التي كانت من ابرز ضحايا الإنقلاب العسكري العام 1980 ، ودفع الآلاف من أنصارها ثمنا لمواجهة ذلك الإنقلاب الفاشي ) ..
ولذا فالتغيير الدستوري التركي لم يكن صراعا بين قوى ' العلمانية' و' الإسلامية ' كما حاولت بعض الدوائر التعبير عن ذلك ، سواء من داخل معسكر الدفاع عن العسكرة والإنقلابية ترهيبا من قوى ' الإسلام السياسي ' وإستغلال هوية حزب العدالة التركي ، مقابل بعض القوى ' المحسوبة على الإسلام السياسي ' والتي أرادت الإلتحاف بلحاف أردوغاني في كراهيتها للعلمانية المستديمة ، ولكن الواقع الذي حدث لم يكن مطابقا لما أريد من ' معسكرين ' كل له حساباته ، فجوهر التغييرات كانت تصويبا لما تم مصادرته من حقوق ديمقراطية ومرتكزات لحقوق الإنسان ، وعبث يمنح العسكريين 'سلطة داخل السلطة' عند الضرورة على حساب رغبة الشعب التصويتية ، و'سلطة قضائية تبتعد عن كونها سلطة تحكم وفقا لمصلحة البلاد العليا' ، وليس تلبية لرغبة عسكرية مرعبة ، فالمواد التي أريد تصويبها لا صلة لها بأي هوية طائفية على الإطلاق كي يقوم بعض ' الإنقلابيين ' أو ' المتأسلمين ' من الترهيب أو الترغيب فيها وفقا لحسابات خاصة ضيقة عمياء ..
جوهر التعديلات جاء لحماية ' النهج الديمقراطي ' لتركيا الباحثة عن مكانها أوروبيا بهوية إسلامية ديمقراطية المنهج والتفكير ، بعيدة كل البعد عن ذلك ' النهج' الذي يسود بين غالبية قوى ' الإسلام السياسي ' في المنطقة العربية ، فحزب العدالة التركي بقيادة أردوغان يؤسس لمنهج علماني معاصر مستند الى قيم التسامح وقبول الآخر وإحترام الدستور واصول ' اللعبة الديمقراطية' وملجأه دوما الشعب كحكم في الخلاف والإختلافات وليس القوة العسكرية ولا العقلية الإنقلابية ، حزب اطاح بقائد ' الحزب الاسلامي التركي ' أربكان دون أن تنتابه لحظة عاطفة مع من كان له الفضل في فوز 'الإسلاميين ' بالانتخابات التركية ، لكنه لم يؤمن بقواعد اللعبة الديمقراطية وأصول الحكم فيها ، وأراد فرض طريقة حكمه ، فكان قرار الإنشقاق التاريخي لغول وأردوغان وتأسيس حزب ' علماني ' بهوية إسلامية ، قال عنه أردوغان أنه مثيل للأحزاب المسيحية الديمقراطية الأوروبية ردا علة من حاول من ' الإنقلابيين الأتراك ' ترهيب الغرب من هويته الإسلامية .. ولم يكتف بترداد شعارات توفير الأمن والآمان ، بل إنتقل سريعا لتصحيح مسار الوضع الإقتصادي التركي وبناء مؤسسات علمية تعليمية تتماشى والعصر الحديث علما وتعلما ، ولم يعيش في دوامة الفتاوي ولم يشغل نفسه بما هو 'حلال وحرام' سوى المعلوم منها وما يخدم ' النهضة التركية الجديدة ' .. ونجح في تجاوز كل المطبات التي أراد الإنقلابيون وضعا له في الطريق من قضايا ذات بعد إجتماعي وديني وجره لصراع حولها وجدل بها ، لكنه كان يدرك جيدا ما يريد ، وقفز كليا نحو ' البناء الإيجابي ' لدولة متطورة إقتصاديا ، مستفيدا كل الإستفادة من تلك ' الشراكة النموذجية مع أمريكا ' وايضا من إعادة توصيب العلاقة مع العمق العربي – الإسلامي ومسار خاص مع أوربا تحت عنوان ( الجسر بين عالم أوروبي وعالم إسلامي ) .. عناوين وأسس قواهما الرؤية العلمانية لبناء المؤسسة المدنية الحديثة ، وفقا لقانون ودستور من خيار الشعب ذاته ..
تجربة تستحق الدراسة بكل ما لها وما عليها ، بعيدا عن الأحكام السياسية منها فهي تجربة فكرية غنية قد تعيد روحا إفتقدتها ' قوى الإسلام السياسي العربية ' ، مهما حاولت الإلتحاف بفوز ' حزب العدالة ' فهي ليست منه ولا شبيهة له ، وليتها تعلن ذللك الإنقلاب وتنتمي قولا وفعلا لنهج أردوغاني ، فعندها سيكون هناك أمل بعرب من نوع جديد ..
ملاحظة : زيارات براك المتكررة الى واشنطن ، تقريبا زيارة في الشهر ، الا تستحق التساؤل عن سببها وغاياتها الحقة في ظل التصعيد مع إيران وحلفائها ..
ولعل أبرز وصف لما حدث تصويتا هو ما أعلنه أردوغان نفسه بأن ' النعم' كانت لإقصاء العقلية الإنقلابية العسكرية ، ولعل هذه العبارة تجد ترجمة لها في موقف غالبية منظمات حقوق الإنسان في تركيا الني رحبت بشدة بهذا التصويت الشعبي لرد الإعتبار للحريات الأساسية التي صادرها إنقلاب الجنرال ' كنعان أفرين ' العام 1980 وأعدم يومها أكثر من 50 شخصا وإعتقل الآلاف من أبناء الشعب التركي ، التصويت الذي فتح الطريق لمطالبة عديد المؤسسات الأهلية لمحاكمة الجنرال الديكتاتور .. بينما ذهب رئيس وزراء تركيا الحالي الى الرجل الذي دفع حياته ثمنا للدفاع عن ' الدستور' العام 1960 ( عدنان مندريس) رئيس وزراء تركيا الأسبق كرسالة ذات مغزى ..
لقد أثارت نتائج الإستفتاء شهية الكثيرون للكتابة عنها ، فوصفتها الصحيفة الأمريكية ' لوس أنجلس تايمز ' بأنها أملا جديدا يقدمه أردوغان لتركيا ، فيما أعلن الرئيس الأمركي عن سعادته الكبيرة ومعه الإتحاد الأوروبي بنتائج الإستفتاء ، وتحدث أوباما عن ذلك بأنه سيعزز من ' الشراكة النموذجية' بين أنقرة وواشنطن ، فيما إعتبره قادة الإتحاد الأوروبي تقدما هاما نحو تعزيز ' المفهوم الديمقراطي في تركيا ' وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان .. فيما رحبت به غالبية القوى اليسارية التركية العلمانية (التي كانت من ابرز ضحايا الإنقلاب العسكري العام 1980 ، ودفع الآلاف من أنصارها ثمنا لمواجهة ذلك الإنقلاب الفاشي ) ..
ولذا فالتغيير الدستوري التركي لم يكن صراعا بين قوى ' العلمانية' و' الإسلامية ' كما حاولت بعض الدوائر التعبير عن ذلك ، سواء من داخل معسكر الدفاع عن العسكرة والإنقلابية ترهيبا من قوى ' الإسلام السياسي ' وإستغلال هوية حزب العدالة التركي ، مقابل بعض القوى ' المحسوبة على الإسلام السياسي ' والتي أرادت الإلتحاف بلحاف أردوغاني في كراهيتها للعلمانية المستديمة ، ولكن الواقع الذي حدث لم يكن مطابقا لما أريد من ' معسكرين ' كل له حساباته ، فجوهر التغييرات كانت تصويبا لما تم مصادرته من حقوق ديمقراطية ومرتكزات لحقوق الإنسان ، وعبث يمنح العسكريين 'سلطة داخل السلطة' عند الضرورة على حساب رغبة الشعب التصويتية ، و'سلطة قضائية تبتعد عن كونها سلطة تحكم وفقا لمصلحة البلاد العليا' ، وليس تلبية لرغبة عسكرية مرعبة ، فالمواد التي أريد تصويبها لا صلة لها بأي هوية طائفية على الإطلاق كي يقوم بعض ' الإنقلابيين ' أو ' المتأسلمين ' من الترهيب أو الترغيب فيها وفقا لحسابات خاصة ضيقة عمياء ..
جوهر التعديلات جاء لحماية ' النهج الديمقراطي ' لتركيا الباحثة عن مكانها أوروبيا بهوية إسلامية ديمقراطية المنهج والتفكير ، بعيدة كل البعد عن ذلك ' النهج' الذي يسود بين غالبية قوى ' الإسلام السياسي ' في المنطقة العربية ، فحزب العدالة التركي بقيادة أردوغان يؤسس لمنهج علماني معاصر مستند الى قيم التسامح وقبول الآخر وإحترام الدستور واصول ' اللعبة الديمقراطية' وملجأه دوما الشعب كحكم في الخلاف والإختلافات وليس القوة العسكرية ولا العقلية الإنقلابية ، حزب اطاح بقائد ' الحزب الاسلامي التركي ' أربكان دون أن تنتابه لحظة عاطفة مع من كان له الفضل في فوز 'الإسلاميين ' بالانتخابات التركية ، لكنه لم يؤمن بقواعد اللعبة الديمقراطية وأصول الحكم فيها ، وأراد فرض طريقة حكمه ، فكان قرار الإنشقاق التاريخي لغول وأردوغان وتأسيس حزب ' علماني ' بهوية إسلامية ، قال عنه أردوغان أنه مثيل للأحزاب المسيحية الديمقراطية الأوروبية ردا علة من حاول من ' الإنقلابيين الأتراك ' ترهيب الغرب من هويته الإسلامية .. ولم يكتف بترداد شعارات توفير الأمن والآمان ، بل إنتقل سريعا لتصحيح مسار الوضع الإقتصادي التركي وبناء مؤسسات علمية تعليمية تتماشى والعصر الحديث علما وتعلما ، ولم يعيش في دوامة الفتاوي ولم يشغل نفسه بما هو 'حلال وحرام' سوى المعلوم منها وما يخدم ' النهضة التركية الجديدة ' .. ونجح في تجاوز كل المطبات التي أراد الإنقلابيون وضعا له في الطريق من قضايا ذات بعد إجتماعي وديني وجره لصراع حولها وجدل بها ، لكنه كان يدرك جيدا ما يريد ، وقفز كليا نحو ' البناء الإيجابي ' لدولة متطورة إقتصاديا ، مستفيدا كل الإستفادة من تلك ' الشراكة النموذجية مع أمريكا ' وايضا من إعادة توصيب العلاقة مع العمق العربي – الإسلامي ومسار خاص مع أوربا تحت عنوان ( الجسر بين عالم أوروبي وعالم إسلامي ) .. عناوين وأسس قواهما الرؤية العلمانية لبناء المؤسسة المدنية الحديثة ، وفقا لقانون ودستور من خيار الشعب ذاته ..
تجربة تستحق الدراسة بكل ما لها وما عليها ، بعيدا عن الأحكام السياسية منها فهي تجربة فكرية غنية قد تعيد روحا إفتقدتها ' قوى الإسلام السياسي العربية ' ، مهما حاولت الإلتحاف بفوز ' حزب العدالة ' فهي ليست منه ولا شبيهة له ، وليتها تعلن ذللك الإنقلاب وتنتمي قولا وفعلا لنهج أردوغاني ، فعندها سيكون هناك أمل بعرب من نوع جديد ..
ملاحظة : زيارات براك المتكررة الى واشنطن ، تقريبا زيارة في الشهر ، الا تستحق التساؤل عن سببها وغاياتها الحقة في ظل التصعيد مع إيران وحلفائها ..