سمير
09-21-2010, 04:10 PM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/09/20/176876_TRAVEL-OREGON-A-helicopter-.jpg
أندريا ساشس
جاءت الإشارة من رجل أصلع يضع كمية كبيرة من المواد العازلة على جسمه. كان يقف عند مطل في كايب ميريس، رأس بحري بانورامي يقع ضمن طريق فرعية على طول ساحل أوريغون ويجبر جماله الطبيعي عادةً الزوّار على توقيره بصمت. لكن ذلك لا ينطبق على الرجل الذي كان يرشد أحد أصدقائه إلى شاطئ صغير محشور بين تشكّلات صخرية عملاقة، لأنه أفصح بلا وعي عن مكان هذا الشاطئ بصوت عال.
قال: «هذا شاطئ هيدن (Hidden Beach). عليك السير نزولاً على مسار متعرّج لمسافة تتخطى المترين. وبما أن معظم الناس لن يقوموا بهذه الرحلة الشاقة، ستستمتع بالطريق بمفردك».
في وجهات صيفية أخرى كثيرة، قد يُكتم صوت هذا الرجل لإفصاحه عن سرّ مماثل. لكن ليس في أوريغون حيث الشواطئ للناس وملك لهم، بما فيها تلك التي يتطلّب الوصول إليها اجتياز طرقات شاقة.
يقول كيفن ماكس، ناشر ومحرر في مجلة أوريغون التي تأسست منذ العام 1859: «ساحل أوريغون مُتاح للجميع من دون استثناء، ولا توجد فيه أيّة ملكيات خاصة. لم يُسمَّ بالتالي «ساحل الشعب» عبثاً».
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/09/20/176876_TRAVEL-OREGON-Cannon-Beach,.jpg
ينبع هذا المفهوم الشعبوي من قانون صدر في العام 1913 يعلن أراضي الولاية الساحلية ملكاً عاماً ويضمن حق دخول الساحل الذي يمتد على مسافة 590 كم تقريباً من دون مواجهة عوائق. هذا وقضى قانون ثان أُقرّ في العام 1967 على محاولات خصخصة الساحل، إذن ينص على «الاستخدام الحر وغير المنقطع للشواطئ» الواقعة بين علامة الحد الأدنى لمستوى سطح الماء وحدود النبات. كذلك، غطّت الولاية معظم الساحل بدرع وقائي، واضعةً مناطق كثيرة مجاورة للبحر تحت سلطة «إدارة أوريغون للمنتزهات والاستجمام». فضلاً عن ذلك، تخضع مئات الجزر، الصخور، الخلجان ومصبات الأنهار لحماية «مجمع ملاذات الحياة البرية الوطنية على ساحل أوريغون»، لذا لا تفكّروا حتّى في تسلّق صخرة هايستاك على شاطئ كانون.
يعقّب ستيفن لاذرمان، الذي يطلق لائحة أفضل عشرة شطآن للسباحة في الولايات المتحدة سنوياً: «إنه ساحل برّي حتماً، لأنه يحوي مظاهر طبيعية كثيرة».
مع ذلك، لا يصلح ساحل أوريغون لتمضية عطلتكم الصيفية فيه، لأن المطر يهطل من حين إلى آخر على رؤوس مرتاديه. أنتم في النهاية في ولاية أوريغون حيث تسطع الشمس ثلاثة أشهر فقط في السنة، بينما تخدّر حرارة المياه الباردة أصابع أيدي السبّاحين وأقدامهم. لذلك لا يتعامل كثير من الناس مع الشاطئ كمكان فسيح للاسترخاء وإنما كقاعدة لممارسة هواياتهم.
على حدّ قول لاذرمان: «لا يتمدد الناس على الشاطئ كثيراً. وإنما يحفرون في الرمل بحثاً عن الأسماك الصدفية، يطيّرون طائرات ورقية، يشعلون النار للتخييم ويبنون قصوراً رملية، يخيّمون، يرشّون بعضهم بالماء ويستكشفون الأحواض التي تحدثها موجات المد والجزر».
لذلك، جهّزت حقيبتي لرحلتي التي تمتد مسافة نحو 200 كم من سيسايد جنوباً إلى نيوبورت، وحشوتها بخفّين، جزمة، ثوب سباحة، ومعطف، لأنها من ضروريات شاطئ أوريغون.
قبل وصولي إلى سيسايد، بلدة غرب بورتلاند، كنت أكوّن فكرة خاطئة عن الساحل. تصوّرت أن شواطئ أوريغون مليئة بالصخور، وتنتشر فيها جذوع الأشجار المتساقطة، وتتكسّر عليها الأمواج، وكأن حوريات البحر تطلق قوارير مخضوضة من المياه الغازية من أعماق البحر.
لكن اتّضح لي العكس تماماً. كانت الشواطئ التي زرتها مغطاة برمل ناعم لونه بلون اللوز المحمّص، وخالية من أي نفايات قد تشوّه امتدادها الواسع (سواء نفايات من صنع الطبيعة أو البشر). في المقابل، كان بعض المناطق مفروشاً بالحصى إذ اصطدمت قدماي بمجموعة من الصخور في الطرف الجنوبي من سيسايد، لكن معظم التشكّلات الكبيرة ظلّ منحوتات من الغرانيت بمحاذاة الساحل يحظى بتقدير أكبر من بعيد.
مع ذلك، ليس ساحل شمال غرب المحيط الهادئ للجبناء. كانت إحدى اللافتات في شاطئ أوشنسايد مثلاً تحذّر من أمواج عالية، صخور مبعثرة، تيّارات مائية قوية وموجات مد وجزر مقبلة، منحدرات شديدة، جذوع أشجار جارفة، وأمواج تتكسّر على الميناء. تتراوح حرارة المياه أيضاً بين 10 و20 درجة مئوية، ما قد يؤدي إلى انخفاض مميت في درجة حرارة الجسم في غضون ساعة.
إليكم إذن هذه النصيحة: اختبروا المد والجزر، أو جدوا لأنفسكم حوض سباحة، أو استمتعوا بالشاطئ من على علو نحو 460 متراً.
جولات جويّة
في جنوب سيسايد، يقود الطيّار غاري توريل مروحية تتسع لخمسة أشخاص في جولات جوية تدوم من خمس إلى 15 دقيقة. هذه الرحلة سريعة لذا إحرصوا على عدم تفويت أي منظر. بدأت رحلتنا بمنحىً صعودي، من ثم انعطافة إلى اليسار فوق غابات كثيفة باتّجاه رمال سيسايد المسطّحة. من هذا المرتفع، استطعت رؤية الطبيعة والحضارة على شكل أحجية قطع مصوّرة، كلها مركّبات مترابطة بحميمية.
قال توريل، الذي افتتح شركته Seaside Helicopters منذ نحو عشر سنوات: «تتيح لك المروحية رؤية أوسع لكيفية انسجام سطح الأرض مع خط الشاطئ».
بما أنني كنت أدرك قصر مدّة الرحلة، فتحت عينيّ على وسعهما. بعد انحدارنا باتّجاه سيسايد، انعطف رباننا شمالاً إلى غيرهارت، حيث كانت تسير سيارات بحجم الحشرات على الشاطئ وتُركَن أمام الأمواج المتناثرة. يُذكَر أن القيادة على الشاطئ مسموحة في أماكن معيّنة. وبالعودة جنوباً، حلّق القبطان فوق جبل مكسو بالأشجار يفصل بين سيسايد وشاطئ كانون. أبلغنا توريل بأنه في مطلع القرن التاسع عشر، سار ويليام كلارك وفرقة صغيرة على هذا الجبل، الذي بات اليوم يشكّل جزءاً من منتزه Ecola State Park، وذلك لاصطياد حوت محاذ للشاطئ في الجانب الآخر.
بحثنا في الأسفل عن متجوّلين وأيل، وهنا قال توريل ممازحاً: «عليّ فعلاً أن أضع شخصاً هناك في الأسفل بلباس أيل». لكن حالفنا الحظ برؤية مواقع تصوير بعض أفلام هوليوود: موقع نزهة الأكل من فيلم Kindergarten Cop، موقع الركمجة من Point Break، والبقعة البحرية الخالدة من فيلم The Goonies.
حين حططنا على اليابسة، عدت إلى الأماكن في سيسايد، أول منتجع بمحاذاة المحيط في أوريغون، التي بدت ضبابية من المروحية. سرت على الخط البالغ طوله نحو ثلاثة كيلومترات والموازي للشاطئ الذي يصل عرضه إلى أكثر من 75 متراً، ووثبت فوق تمثال لويس وكلارك الذي يشكل المدخل للمنطقة التجارية المركّزة. يعج «وسط البلدة»، الذي يزخر بالتصاميم الهندسية والألوان الزاهية، بمتاجر تبيع منتجات الصيف الأساسية، بما فيها بوظة تيلاموك المحلية، وسكاكر طرية بنكهات لا نجدها سوى في أوريغون مثل البلوط، والدلاء والمجارف البلاستيكية التي تُستخدم لبناء القصور الرملية.
وفي مدينة ملاهي Funland Arcade، التي افتُتحت في العام 1931، كان رجل أشيب يُدعى تيم يمارس لعبة Fascination، الشبيهة بلعبة سكي بول، بتركيز شديد كما لو أنه مقامر. بحسب تيم، تقيم الشركة مسابقة Blackout التي تتحدى فيها اللاعبين بإدخال كرة في كل من الثقوب الخمسة والعشرين. والفائز يحصل على عشر قسائم يستطيع استبدالها بجملة من الجوائز، بعضها لا قيمة له والبعض الآخر صالح بما يكفي لتقديمه كهدية زواج.
خلال تبادلنا أطراف الحديث، فاز تيم، أحد اللاعبين المواظبين، في المسابقة، المحفّز الوحيد الذي دفعني إلى المشاركة. رميت بالخمسة والسبعين سنتاً التي كانت بحوزتي وكنت على بعد ثقبين من الفوز حين سجّل الرجل الأنيق إلى يميني، الذي دفع لقاء لعبته ورقة من فئة مئة دولار، انتصاراً. فاز مراراً وتكراراً، ما يعني أنني وتوم خسرنا مرةً تلو الأخرى. مع ذلك، لم تؤسفني حال تيم لأنه فاز مسبقاً بأجهزة تشغيل دي في دي، مقراب، جهاز تلفزيون، سكين من ماركة Leatherman سيقدّمه لابنه في عيد مولده، ميزان، وغيرها.
من جانب آخر، بالنظر إلى طقس أوريغون المتقلّب، عليكم رصد أقرب ملاذ قبل التوجّه إلى الشاطئ، وفي حال تواصل هطول المطر، عليكم الانتقال إلى الخطة التالية التي تقضي بالقيام بنشاطات في الداخل، مثل لعبة Fascination.
خلال إقامتي التي امتدت لأربعة أيام، شهدت مناصفةً طقساً مشمساً وآخر ماطراً. ففي سيسايد وشاطئ كانون، بقيت في العراء أثناء غروب الشمس، أراقب السماء الشاحبة بينما تزداد شرارات المواقد الحمراء سطوعاً على الشاطئ.
منتزهات
ومع انتقالي جنوباً إلى مدينة لينكولن، كان الطقس لا يزال في صالحي. ففي منتزه Cape Lookout State Park، رحت أتنزّه على المسار الجنوبي، فوصلت بجسم دافئ وجاف إلى شاطئ مقفر جداً إلى حد أنني لم أرَ سوى آثار قدميّ خلفي. فكرت في سلك المسار عينه عائداً إلى شاطئ هيدن، لكن بعد أن خارت قوى ساقيّ نتيجة سيري مسافة نحو خمسة كيلومترات، ارتأيت استقلال سيارتي على الشاطئ في مدينة باسيفيك. من الموقع الذي ركنتها فيه عند الساحل، رحت أراقب قوّة ممارسي الركمجة عبر الأمواج من مقعد السائق المريح.
حين تهافتت السيارات، تركت مواقع الركن المتوافرة ترشدني. وجدت في نيوبورت مكاناً شاغراً بالقرب من المدخل الأمامي لمركز هاتفيلد للعلوم البحرية، الذي ضم عالماً شبيهاً بنبتون يسكنه ديريك، أخطبوط المحيط الهادئ العملاق، شقائق نعمان ونجوماً بحرية ملوّنة، وسمكة ذئب رفضت تناول غدائها خلال فترة الإطعام العامة. وفي مركز نيوبورت للفنون البصرية، خرجت مسرعاً من سيارتي إلى معرض للمنحوتات الزجاجية الأثيرية. وحين هدأ المطر لفترة وجيزة، كنت قريبة بما يكفي من شاطئ ناي، لذا خرجت فوراً للقيام بجولة عدو سريعة على الرمل، وبقيت في الخارج إلى أن أجبرتني قطرات المطر على العودة إلى الداخل.
في هذا الإطار، صرّحت هيلين ويلمان، متطوّعة في مركز الفنون: «سواء كان الطقس ماطراً أو مشمساً، ثمة دوماً نشاطات للقيام بها. في نيوبورت، ثمّة نشاطات يومية، والمكتبة فيها لا تفرض رسوماً على الغرامات التي لم تُسدد عند استحقاقها».
في المقابل، يدرس لي غراي، باحث عن طعام وطبّاخ، الرسوم البيانية الخاصة بالمد والجزر، وليس التقارير المناخية، لأن بلح البحر والبرنقيل يظهران على الشاطئ في الطقس الماطر أو المشمس، لكنهما يختفيان مع موجات المد والجزر.
انضممت إلى غراي في الساعة التاسعة والنصف خلال موسم الجزر في مدينة لينكولن. كان ينتعل جزمةً مقاومة للمياه، كنزة مقلّمة وقبّعة زرقاء مائلة بأسلوب عصري. حمل بيده دلواً وبعض الأدوات التي نجدها في مرآب. يُذكَر أن غراي، طاه سابق في لوس أنجليس، انتقل إلى أوريغون في ثمانينات القرن الماضي للفرار مما اعتبره أرض كاليفورنيا الجنوبية الخالية من الحاجات المطبخية. فجرّد نفسه من كل ما يملكه وأمضى ثلاثة أشهر ونصف الشهر في كهف بحري.
وعلى رغم أنه يعيش اليوم على أرض قاحلة، لم يتخلَّ عن مهاراته البدائية في التسوّق. فهو يبحث عن كائن حي، ويبيع ما يجده إلى المطاعم المحلية، ويدير صفوف طهو في الأحواض التي تتشكل نتيجة المد والجزر والغابات المحيطة التي ينتشر فيها الفطر.
بدأت مأدبتنا المتحرّكة بالنباتات المنتشرة بشكل متفرّق عند حافات الرمل. قال غراي، وهو يلتقط فاصولياء البحر ذات الأزهار البنفسجية كفاتح للشهية: «أراهن أنك لم تتوقّعي يوماً إيجاد نباتات صالحة للأكل على الشاطئ». من ثم التقط مزيداً من النباتات الخضراء التي أطاعته في مضغها، وقال: «والآن سنأكل الصخور».
خلال تسلّقنا بصعوبة الأحواض الصخرية المتشكّلة نتيجة المد والجزر، أعطاني حبالاً من الأعشاب البحرية، بما فيها خس بحري مفتوحة أوراقه بشكل جاهز لاستخدامها في إعداد السوشي. بعدئذ رطّبنا بشرتنا بالمواد الغروية التي تفرزها طحالب بنية. مع ذلك، أحكمت إغلاق فمي حين غطس في مياه ضحلة والتقط قملة بحر. هذا صحيح، قمل بحر يسير بتعرّج على يده، ويمرّ بعدها عبر حنجرته. قال غراي: «من الممتع مضغه. فهو حلو المذاق ومصدر جيّد للبروتين». لكنني شكرته واكتفيت بالعدس.
حيوانات بحريّة
في الحوض المكشوف من الأعلى حيث يمكن تلمّس الحيوانات البحرية، وضعت إصبعي داخل شقائق نعمان، وأحسست بذلك الكائن يمسك بإصبعي كما يد ولد منتفخة. من جانبه، راح لي يتحدث عن المرّة التي أعد فيها شقائق نعمان للعشاء، الأمر الذي أودى به إلى المستشفى. قال: «أحدثت ثقباً في معدتي». لذا ذكّرني بأن أستأصل دوماً مجسّاتها السامة في حال رغبتُ في تناول وجبته نفسها.
في تلك الأثناء خلال جولتنا، كنت قد بدأت أشعر بالشبع، وكان غراي بحاجة إلى استكمال عملية بحثه للتحضير لحفلة العشاء المقبلة. لحصد نِعَم المحيط، تتطلّب أوريغون رخصاً وتفرض كميات محددةً لكل شخص. بالنسبة إلى بلح البحر، لا يجب أن تتخطى الكمية القصوى الـ72 في اليوم، فيما يصل إجمالي عدد اللافقاريات البحرية إلى 10 في اليوم. وهكذا ملأ غراي دلوه بالكمية القانونية من الأسماك الصدفية بواسطة ملقط طويل ذي أشواك.
بعد انتهائه من جمع المكوّنات الضرورية للمقبلات، كان بحاجة إلى بعض الروبيان الشفاف، الذي يختبئ في تربة خليج سيلتز، لتقديمه مقلياً إلى جانب صلصة جبنة خاصة. ذكر: «تستطيعين القدوم إلى هنا وطلب سلطة خضار وأعشاب بحرية، وكل اللحوم التي تشتهينها». لكن لإعداد صلصة الجبنة هذه، كان عليه التوجّه إلى السوق.
معظم الذين نراهم في المحيط ههنا هم من يمارسون رياضة الركمجة مرتدين بزّات مطاطية وأولاد يتعلّمون هذه الرياضة. لكن فترة الصيف لا تبدو مناسبة من دون بعض المياه المتناثرة. لذا يُعتبر التجذيف وقوفاً، الرياضة المائية الأسرع تطوّراً في العالم، رياضة بديلة مبدعة: فطالما أنك واقف، ستبقى «فوق» المياه، ولن تسقط «فيها».
عقّب كين ويلسون الذي يعلّم رياضة التجذيف في مدينة لينكولن: «تجري معظم رياضاتنا البحرية في المحيط، فتجد نفسك إما مغموراً بالمياه أو مبللاً. لكن مع التجذيف وقوفاً، لا تغمرك المياه سوى موقّتاً، لذا يدوم عامل الراحة لفترة طويلة».
يُذكر أن ويلسون أحد ممارسي الركمجة الذي يدل الوشم المطبوع على يده على بقعته المفضّلة لممارسة هذه الرياضة، ولا يسمح للمبتدئين بالتمرّس في المحيط، وذلك لتفادي تعريضهم لإصابات خطيرة. في المقابل، يختار بركاً أكثر هدوءاً مثل بحيرة ديفيل، جسم مائي بطول نحو خمسة كيلومترات، وفيه أمواج لطيفة وحياة برية ناشطة.
ارتديت بزة سميكة رطبة، وجزمة، وقفّازين وقلنسوة، ورحت أقلّد حركات ويلسون بينما كان يصعد على لوحه الممدد على الأرض ليبدأ بالتجذيف على العشب. قال: «يكمن جمال هذه الرياضة في أنك تستطيعين تعلّمها وأنت جاثية على ركبتيك أو متّكئة على مؤخرتك. إنها رياضة أكثر تقدّماً من رياضة التجذيف في الزوارق لأنك تمارسينها وأنت واقفة».
بدأنا ندفع بأنفسنا بعيداً عن الشاطئ، وكما لقّنني ويلسون، رحت أجذّف وأنا جاثية على ركبتيّ مستشعرةً الإيقاع والتوازن. وبعد خمس دقائق، دفعت بنفسي صعوداً، وقوّمت ركبتيّ، وكما الطفل الذي يقوم بأول خطوة له، وقفت، ترنّحت، من ثم استأنفت محاولتي الوقوف. أتقنت بعض التجذيفات السلسة ونظرت بحذر إلى الأعلى حين أشار ويلسون إلى صقر على شجرة يأكل السمك ونسر أصلع يحلق فوق رؤوسنا.
مع ذلك، لم يفسد ركوبي الممتاز الغزال الذي كان يسبح عبر البحيرة، وإنما الثقة المبالغة بالنفس، لأن ويلسون كان يتحدث عن مدى سهولة هذه الرياضة. لذا وبكل غباء أحنيت رأسي موافقةً إياه الرأي، فسقطت في الماء. لكن سرعان ما صعدت مجدداً على اللوح من دون أن يحبطني ذلك. كنت عازمةً على التجذيف حتّى نهاية البحيرة، حيث استطعت، وأنا واقفة على لوحي، النظر عبر فسحة ورؤية بريق فضي للمحيط، والأمواج تلطم شواطئ أوريغون بحماسة جامحة.
أنتم في النهاية في ولاية أوريغون حيث تسطع الشمس ثلاثة أشهر فقط في السنة بينما تخدّر حرارة المياه الباردة أصابع أيدي السبّاحين وأقدامهم.
أندريا ساشس
جاءت الإشارة من رجل أصلع يضع كمية كبيرة من المواد العازلة على جسمه. كان يقف عند مطل في كايب ميريس، رأس بحري بانورامي يقع ضمن طريق فرعية على طول ساحل أوريغون ويجبر جماله الطبيعي عادةً الزوّار على توقيره بصمت. لكن ذلك لا ينطبق على الرجل الذي كان يرشد أحد أصدقائه إلى شاطئ صغير محشور بين تشكّلات صخرية عملاقة، لأنه أفصح بلا وعي عن مكان هذا الشاطئ بصوت عال.
قال: «هذا شاطئ هيدن (Hidden Beach). عليك السير نزولاً على مسار متعرّج لمسافة تتخطى المترين. وبما أن معظم الناس لن يقوموا بهذه الرحلة الشاقة، ستستمتع بالطريق بمفردك».
في وجهات صيفية أخرى كثيرة، قد يُكتم صوت هذا الرجل لإفصاحه عن سرّ مماثل. لكن ليس في أوريغون حيث الشواطئ للناس وملك لهم، بما فيها تلك التي يتطلّب الوصول إليها اجتياز طرقات شاقة.
يقول كيفن ماكس، ناشر ومحرر في مجلة أوريغون التي تأسست منذ العام 1859: «ساحل أوريغون مُتاح للجميع من دون استثناء، ولا توجد فيه أيّة ملكيات خاصة. لم يُسمَّ بالتالي «ساحل الشعب» عبثاً».
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/09/20/176876_TRAVEL-OREGON-Cannon-Beach,.jpg
ينبع هذا المفهوم الشعبوي من قانون صدر في العام 1913 يعلن أراضي الولاية الساحلية ملكاً عاماً ويضمن حق دخول الساحل الذي يمتد على مسافة 590 كم تقريباً من دون مواجهة عوائق. هذا وقضى قانون ثان أُقرّ في العام 1967 على محاولات خصخصة الساحل، إذن ينص على «الاستخدام الحر وغير المنقطع للشواطئ» الواقعة بين علامة الحد الأدنى لمستوى سطح الماء وحدود النبات. كذلك، غطّت الولاية معظم الساحل بدرع وقائي، واضعةً مناطق كثيرة مجاورة للبحر تحت سلطة «إدارة أوريغون للمنتزهات والاستجمام». فضلاً عن ذلك، تخضع مئات الجزر، الصخور، الخلجان ومصبات الأنهار لحماية «مجمع ملاذات الحياة البرية الوطنية على ساحل أوريغون»، لذا لا تفكّروا حتّى في تسلّق صخرة هايستاك على شاطئ كانون.
يعقّب ستيفن لاذرمان، الذي يطلق لائحة أفضل عشرة شطآن للسباحة في الولايات المتحدة سنوياً: «إنه ساحل برّي حتماً، لأنه يحوي مظاهر طبيعية كثيرة».
مع ذلك، لا يصلح ساحل أوريغون لتمضية عطلتكم الصيفية فيه، لأن المطر يهطل من حين إلى آخر على رؤوس مرتاديه. أنتم في النهاية في ولاية أوريغون حيث تسطع الشمس ثلاثة أشهر فقط في السنة، بينما تخدّر حرارة المياه الباردة أصابع أيدي السبّاحين وأقدامهم. لذلك لا يتعامل كثير من الناس مع الشاطئ كمكان فسيح للاسترخاء وإنما كقاعدة لممارسة هواياتهم.
على حدّ قول لاذرمان: «لا يتمدد الناس على الشاطئ كثيراً. وإنما يحفرون في الرمل بحثاً عن الأسماك الصدفية، يطيّرون طائرات ورقية، يشعلون النار للتخييم ويبنون قصوراً رملية، يخيّمون، يرشّون بعضهم بالماء ويستكشفون الأحواض التي تحدثها موجات المد والجزر».
لذلك، جهّزت حقيبتي لرحلتي التي تمتد مسافة نحو 200 كم من سيسايد جنوباً إلى نيوبورت، وحشوتها بخفّين، جزمة، ثوب سباحة، ومعطف، لأنها من ضروريات شاطئ أوريغون.
قبل وصولي إلى سيسايد، بلدة غرب بورتلاند، كنت أكوّن فكرة خاطئة عن الساحل. تصوّرت أن شواطئ أوريغون مليئة بالصخور، وتنتشر فيها جذوع الأشجار المتساقطة، وتتكسّر عليها الأمواج، وكأن حوريات البحر تطلق قوارير مخضوضة من المياه الغازية من أعماق البحر.
لكن اتّضح لي العكس تماماً. كانت الشواطئ التي زرتها مغطاة برمل ناعم لونه بلون اللوز المحمّص، وخالية من أي نفايات قد تشوّه امتدادها الواسع (سواء نفايات من صنع الطبيعة أو البشر). في المقابل، كان بعض المناطق مفروشاً بالحصى إذ اصطدمت قدماي بمجموعة من الصخور في الطرف الجنوبي من سيسايد، لكن معظم التشكّلات الكبيرة ظلّ منحوتات من الغرانيت بمحاذاة الساحل يحظى بتقدير أكبر من بعيد.
مع ذلك، ليس ساحل شمال غرب المحيط الهادئ للجبناء. كانت إحدى اللافتات في شاطئ أوشنسايد مثلاً تحذّر من أمواج عالية، صخور مبعثرة، تيّارات مائية قوية وموجات مد وجزر مقبلة، منحدرات شديدة، جذوع أشجار جارفة، وأمواج تتكسّر على الميناء. تتراوح حرارة المياه أيضاً بين 10 و20 درجة مئوية، ما قد يؤدي إلى انخفاض مميت في درجة حرارة الجسم في غضون ساعة.
إليكم إذن هذه النصيحة: اختبروا المد والجزر، أو جدوا لأنفسكم حوض سباحة، أو استمتعوا بالشاطئ من على علو نحو 460 متراً.
جولات جويّة
في جنوب سيسايد، يقود الطيّار غاري توريل مروحية تتسع لخمسة أشخاص في جولات جوية تدوم من خمس إلى 15 دقيقة. هذه الرحلة سريعة لذا إحرصوا على عدم تفويت أي منظر. بدأت رحلتنا بمنحىً صعودي، من ثم انعطافة إلى اليسار فوق غابات كثيفة باتّجاه رمال سيسايد المسطّحة. من هذا المرتفع، استطعت رؤية الطبيعة والحضارة على شكل أحجية قطع مصوّرة، كلها مركّبات مترابطة بحميمية.
قال توريل، الذي افتتح شركته Seaside Helicopters منذ نحو عشر سنوات: «تتيح لك المروحية رؤية أوسع لكيفية انسجام سطح الأرض مع خط الشاطئ».
بما أنني كنت أدرك قصر مدّة الرحلة، فتحت عينيّ على وسعهما. بعد انحدارنا باتّجاه سيسايد، انعطف رباننا شمالاً إلى غيرهارت، حيث كانت تسير سيارات بحجم الحشرات على الشاطئ وتُركَن أمام الأمواج المتناثرة. يُذكَر أن القيادة على الشاطئ مسموحة في أماكن معيّنة. وبالعودة جنوباً، حلّق القبطان فوق جبل مكسو بالأشجار يفصل بين سيسايد وشاطئ كانون. أبلغنا توريل بأنه في مطلع القرن التاسع عشر، سار ويليام كلارك وفرقة صغيرة على هذا الجبل، الذي بات اليوم يشكّل جزءاً من منتزه Ecola State Park، وذلك لاصطياد حوت محاذ للشاطئ في الجانب الآخر.
بحثنا في الأسفل عن متجوّلين وأيل، وهنا قال توريل ممازحاً: «عليّ فعلاً أن أضع شخصاً هناك في الأسفل بلباس أيل». لكن حالفنا الحظ برؤية مواقع تصوير بعض أفلام هوليوود: موقع نزهة الأكل من فيلم Kindergarten Cop، موقع الركمجة من Point Break، والبقعة البحرية الخالدة من فيلم The Goonies.
حين حططنا على اليابسة، عدت إلى الأماكن في سيسايد، أول منتجع بمحاذاة المحيط في أوريغون، التي بدت ضبابية من المروحية. سرت على الخط البالغ طوله نحو ثلاثة كيلومترات والموازي للشاطئ الذي يصل عرضه إلى أكثر من 75 متراً، ووثبت فوق تمثال لويس وكلارك الذي يشكل المدخل للمنطقة التجارية المركّزة. يعج «وسط البلدة»، الذي يزخر بالتصاميم الهندسية والألوان الزاهية، بمتاجر تبيع منتجات الصيف الأساسية، بما فيها بوظة تيلاموك المحلية، وسكاكر طرية بنكهات لا نجدها سوى في أوريغون مثل البلوط، والدلاء والمجارف البلاستيكية التي تُستخدم لبناء القصور الرملية.
وفي مدينة ملاهي Funland Arcade، التي افتُتحت في العام 1931، كان رجل أشيب يُدعى تيم يمارس لعبة Fascination، الشبيهة بلعبة سكي بول، بتركيز شديد كما لو أنه مقامر. بحسب تيم، تقيم الشركة مسابقة Blackout التي تتحدى فيها اللاعبين بإدخال كرة في كل من الثقوب الخمسة والعشرين. والفائز يحصل على عشر قسائم يستطيع استبدالها بجملة من الجوائز، بعضها لا قيمة له والبعض الآخر صالح بما يكفي لتقديمه كهدية زواج.
خلال تبادلنا أطراف الحديث، فاز تيم، أحد اللاعبين المواظبين، في المسابقة، المحفّز الوحيد الذي دفعني إلى المشاركة. رميت بالخمسة والسبعين سنتاً التي كانت بحوزتي وكنت على بعد ثقبين من الفوز حين سجّل الرجل الأنيق إلى يميني، الذي دفع لقاء لعبته ورقة من فئة مئة دولار، انتصاراً. فاز مراراً وتكراراً، ما يعني أنني وتوم خسرنا مرةً تلو الأخرى. مع ذلك، لم تؤسفني حال تيم لأنه فاز مسبقاً بأجهزة تشغيل دي في دي، مقراب، جهاز تلفزيون، سكين من ماركة Leatherman سيقدّمه لابنه في عيد مولده، ميزان، وغيرها.
من جانب آخر، بالنظر إلى طقس أوريغون المتقلّب، عليكم رصد أقرب ملاذ قبل التوجّه إلى الشاطئ، وفي حال تواصل هطول المطر، عليكم الانتقال إلى الخطة التالية التي تقضي بالقيام بنشاطات في الداخل، مثل لعبة Fascination.
خلال إقامتي التي امتدت لأربعة أيام، شهدت مناصفةً طقساً مشمساً وآخر ماطراً. ففي سيسايد وشاطئ كانون، بقيت في العراء أثناء غروب الشمس، أراقب السماء الشاحبة بينما تزداد شرارات المواقد الحمراء سطوعاً على الشاطئ.
منتزهات
ومع انتقالي جنوباً إلى مدينة لينكولن، كان الطقس لا يزال في صالحي. ففي منتزه Cape Lookout State Park، رحت أتنزّه على المسار الجنوبي، فوصلت بجسم دافئ وجاف إلى شاطئ مقفر جداً إلى حد أنني لم أرَ سوى آثار قدميّ خلفي. فكرت في سلك المسار عينه عائداً إلى شاطئ هيدن، لكن بعد أن خارت قوى ساقيّ نتيجة سيري مسافة نحو خمسة كيلومترات، ارتأيت استقلال سيارتي على الشاطئ في مدينة باسيفيك. من الموقع الذي ركنتها فيه عند الساحل، رحت أراقب قوّة ممارسي الركمجة عبر الأمواج من مقعد السائق المريح.
حين تهافتت السيارات، تركت مواقع الركن المتوافرة ترشدني. وجدت في نيوبورت مكاناً شاغراً بالقرب من المدخل الأمامي لمركز هاتفيلد للعلوم البحرية، الذي ضم عالماً شبيهاً بنبتون يسكنه ديريك، أخطبوط المحيط الهادئ العملاق، شقائق نعمان ونجوماً بحرية ملوّنة، وسمكة ذئب رفضت تناول غدائها خلال فترة الإطعام العامة. وفي مركز نيوبورت للفنون البصرية، خرجت مسرعاً من سيارتي إلى معرض للمنحوتات الزجاجية الأثيرية. وحين هدأ المطر لفترة وجيزة، كنت قريبة بما يكفي من شاطئ ناي، لذا خرجت فوراً للقيام بجولة عدو سريعة على الرمل، وبقيت في الخارج إلى أن أجبرتني قطرات المطر على العودة إلى الداخل.
في هذا الإطار، صرّحت هيلين ويلمان، متطوّعة في مركز الفنون: «سواء كان الطقس ماطراً أو مشمساً، ثمة دوماً نشاطات للقيام بها. في نيوبورت، ثمّة نشاطات يومية، والمكتبة فيها لا تفرض رسوماً على الغرامات التي لم تُسدد عند استحقاقها».
في المقابل، يدرس لي غراي، باحث عن طعام وطبّاخ، الرسوم البيانية الخاصة بالمد والجزر، وليس التقارير المناخية، لأن بلح البحر والبرنقيل يظهران على الشاطئ في الطقس الماطر أو المشمس، لكنهما يختفيان مع موجات المد والجزر.
انضممت إلى غراي في الساعة التاسعة والنصف خلال موسم الجزر في مدينة لينكولن. كان ينتعل جزمةً مقاومة للمياه، كنزة مقلّمة وقبّعة زرقاء مائلة بأسلوب عصري. حمل بيده دلواً وبعض الأدوات التي نجدها في مرآب. يُذكَر أن غراي، طاه سابق في لوس أنجليس، انتقل إلى أوريغون في ثمانينات القرن الماضي للفرار مما اعتبره أرض كاليفورنيا الجنوبية الخالية من الحاجات المطبخية. فجرّد نفسه من كل ما يملكه وأمضى ثلاثة أشهر ونصف الشهر في كهف بحري.
وعلى رغم أنه يعيش اليوم على أرض قاحلة، لم يتخلَّ عن مهاراته البدائية في التسوّق. فهو يبحث عن كائن حي، ويبيع ما يجده إلى المطاعم المحلية، ويدير صفوف طهو في الأحواض التي تتشكل نتيجة المد والجزر والغابات المحيطة التي ينتشر فيها الفطر.
بدأت مأدبتنا المتحرّكة بالنباتات المنتشرة بشكل متفرّق عند حافات الرمل. قال غراي، وهو يلتقط فاصولياء البحر ذات الأزهار البنفسجية كفاتح للشهية: «أراهن أنك لم تتوقّعي يوماً إيجاد نباتات صالحة للأكل على الشاطئ». من ثم التقط مزيداً من النباتات الخضراء التي أطاعته في مضغها، وقال: «والآن سنأكل الصخور».
خلال تسلّقنا بصعوبة الأحواض الصخرية المتشكّلة نتيجة المد والجزر، أعطاني حبالاً من الأعشاب البحرية، بما فيها خس بحري مفتوحة أوراقه بشكل جاهز لاستخدامها في إعداد السوشي. بعدئذ رطّبنا بشرتنا بالمواد الغروية التي تفرزها طحالب بنية. مع ذلك، أحكمت إغلاق فمي حين غطس في مياه ضحلة والتقط قملة بحر. هذا صحيح، قمل بحر يسير بتعرّج على يده، ويمرّ بعدها عبر حنجرته. قال غراي: «من الممتع مضغه. فهو حلو المذاق ومصدر جيّد للبروتين». لكنني شكرته واكتفيت بالعدس.
حيوانات بحريّة
في الحوض المكشوف من الأعلى حيث يمكن تلمّس الحيوانات البحرية، وضعت إصبعي داخل شقائق نعمان، وأحسست بذلك الكائن يمسك بإصبعي كما يد ولد منتفخة. من جانبه، راح لي يتحدث عن المرّة التي أعد فيها شقائق نعمان للعشاء، الأمر الذي أودى به إلى المستشفى. قال: «أحدثت ثقباً في معدتي». لذا ذكّرني بأن أستأصل دوماً مجسّاتها السامة في حال رغبتُ في تناول وجبته نفسها.
في تلك الأثناء خلال جولتنا، كنت قد بدأت أشعر بالشبع، وكان غراي بحاجة إلى استكمال عملية بحثه للتحضير لحفلة العشاء المقبلة. لحصد نِعَم المحيط، تتطلّب أوريغون رخصاً وتفرض كميات محددةً لكل شخص. بالنسبة إلى بلح البحر، لا يجب أن تتخطى الكمية القصوى الـ72 في اليوم، فيما يصل إجمالي عدد اللافقاريات البحرية إلى 10 في اليوم. وهكذا ملأ غراي دلوه بالكمية القانونية من الأسماك الصدفية بواسطة ملقط طويل ذي أشواك.
بعد انتهائه من جمع المكوّنات الضرورية للمقبلات، كان بحاجة إلى بعض الروبيان الشفاف، الذي يختبئ في تربة خليج سيلتز، لتقديمه مقلياً إلى جانب صلصة جبنة خاصة. ذكر: «تستطيعين القدوم إلى هنا وطلب سلطة خضار وأعشاب بحرية، وكل اللحوم التي تشتهينها». لكن لإعداد صلصة الجبنة هذه، كان عليه التوجّه إلى السوق.
معظم الذين نراهم في المحيط ههنا هم من يمارسون رياضة الركمجة مرتدين بزّات مطاطية وأولاد يتعلّمون هذه الرياضة. لكن فترة الصيف لا تبدو مناسبة من دون بعض المياه المتناثرة. لذا يُعتبر التجذيف وقوفاً، الرياضة المائية الأسرع تطوّراً في العالم، رياضة بديلة مبدعة: فطالما أنك واقف، ستبقى «فوق» المياه، ولن تسقط «فيها».
عقّب كين ويلسون الذي يعلّم رياضة التجذيف في مدينة لينكولن: «تجري معظم رياضاتنا البحرية في المحيط، فتجد نفسك إما مغموراً بالمياه أو مبللاً. لكن مع التجذيف وقوفاً، لا تغمرك المياه سوى موقّتاً، لذا يدوم عامل الراحة لفترة طويلة».
يُذكر أن ويلسون أحد ممارسي الركمجة الذي يدل الوشم المطبوع على يده على بقعته المفضّلة لممارسة هذه الرياضة، ولا يسمح للمبتدئين بالتمرّس في المحيط، وذلك لتفادي تعريضهم لإصابات خطيرة. في المقابل، يختار بركاً أكثر هدوءاً مثل بحيرة ديفيل، جسم مائي بطول نحو خمسة كيلومترات، وفيه أمواج لطيفة وحياة برية ناشطة.
ارتديت بزة سميكة رطبة، وجزمة، وقفّازين وقلنسوة، ورحت أقلّد حركات ويلسون بينما كان يصعد على لوحه الممدد على الأرض ليبدأ بالتجذيف على العشب. قال: «يكمن جمال هذه الرياضة في أنك تستطيعين تعلّمها وأنت جاثية على ركبتيك أو متّكئة على مؤخرتك. إنها رياضة أكثر تقدّماً من رياضة التجذيف في الزوارق لأنك تمارسينها وأنت واقفة».
بدأنا ندفع بأنفسنا بعيداً عن الشاطئ، وكما لقّنني ويلسون، رحت أجذّف وأنا جاثية على ركبتيّ مستشعرةً الإيقاع والتوازن. وبعد خمس دقائق، دفعت بنفسي صعوداً، وقوّمت ركبتيّ، وكما الطفل الذي يقوم بأول خطوة له، وقفت، ترنّحت، من ثم استأنفت محاولتي الوقوف. أتقنت بعض التجذيفات السلسة ونظرت بحذر إلى الأعلى حين أشار ويلسون إلى صقر على شجرة يأكل السمك ونسر أصلع يحلق فوق رؤوسنا.
مع ذلك، لم يفسد ركوبي الممتاز الغزال الذي كان يسبح عبر البحيرة، وإنما الثقة المبالغة بالنفس، لأن ويلسون كان يتحدث عن مدى سهولة هذه الرياضة. لذا وبكل غباء أحنيت رأسي موافقةً إياه الرأي، فسقطت في الماء. لكن سرعان ما صعدت مجدداً على اللوح من دون أن يحبطني ذلك. كنت عازمةً على التجذيف حتّى نهاية البحيرة، حيث استطعت، وأنا واقفة على لوحي، النظر عبر فسحة ورؤية بريق فضي للمحيط، والأمواج تلطم شواطئ أوريغون بحماسة جامحة.
أنتم في النهاية في ولاية أوريغون حيث تسطع الشمس ثلاثة أشهر فقط في السنة بينما تخدّر حرارة المياه الباردة أصابع أيدي السبّاحين وأقدامهم.