المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهبوط في وحل الدولة الرخوة ....عبدالله بشاره



سلسبيل
09-20-2010, 12:17 AM
http://alwatan.kuwait.tt/resources/media/images/39_w.png


كتب عبدالله بشارة - الوطن



2010/09/19

تعيش الدولة الكويتية في مشهد سينمائي نادر، مثير في سخافته، وخطر في إفرازاته، وسهل في إزالته، عندما يشتد عزم أصحاب السلطة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
هذا المشهد السينمائي الطفولي أغرى وسائل الإعلام الاقليمية لتضخ أخبار الكويت السيئة الى الخارج، وتذيع نزاع الجهال بين أهل الرياضة، وصراع المتهورين بين شاتم أهل البيت وآخر حاقد على الآخرين من بيت الرسول الكريم. .

وتشجع هذه النزقات الجاهلة مجموعة من نواب الثرثرة الذين يتبادلون اللكمات اللفظية، والاتهامات الجائرة بينهم، من أجل مكاسب شخصية على حساب السلوك التقليلدي المتعقل للدولة الكويتية.
ولم تأتِ هذه السيريالية السخيفة الى المشهد الكويتي فجأة وإنما هيأت لها ظروف التردد وتبني سياسات الاسترضاء والتلطيفات، مع إظهار مؤشر التدليعات، وكلها عناصر وفرت بيئة لم يعد فيها احترام للسلطة وليس فيها هيبة للقانون، ولا معنى فيها لمقام المؤسسات، حيث تاه الانضباط وتخلت مؤسسات الدولة عن سيادة القانون وتلاشت قدسيته.

وعندما تتآكل سطوة القانون، تتسلل الرخاوة الى هيكلة الدولة، وعندها تنهج السلطة سياسة المجاملات وتتجمل بالمظهريات لكسب جميع أطياف المجتمع وتوفير دعمها ومؤازرتها.

والدولة الرخوة هي آفة ليس فقط في مجتمعها الداخلي وإنما في علاقاتها مع الجوار ومع مراكز القوى الإقليمية، ومع محطات القرار العالمي، لأنها تتحول الى ساحة يسعى الجميع لبناء نفوذ له في داخلها ليؤثر في دبلوماسيتها وأمنها، ويسرق قرارها ويميّع شخصيتها.

هناك دول فاشلة، لا سلطة فيها، تتحكم فيها الميليشيات، وهناك دول رخوة ليس لها قدرة على اتخاذ القرار المناسب لمصالحها لأن هناك قوى في داخلها تتشابك مصالحها مع قوى خارجية تفسد ذلك القرار، واذا كانت الدولة الفاشلة معضلة أمنية اقليمية وعالمية كحال الصومال وأفغانستان، فإن الدولة الرخوة هي الأخرى عبء ثقيل على المجتمع الدولي الذي يسعى لتثبيت قوامها وتقوية عضلاتها لتقف مدافعة عن مصالحها الذاتية، وتواجه ألاعيب الآخرين.

وأستطيع القول إن الجميع ساخط على الحالة التي نعيشها، ويتعجب من عجز السلطة عن المواجهة، وهو ما جعلها تبحث دائما عن الإجماع الشعبي على قراراتها، والبحث عن الإجماع حلم لن يتحقق، فالكويت اليوم ليست كما كانت سابقا المجتمع الصغير الذي يتآلف ويتفاهم بسهولة في حضن قيم البحر مع البساطة والاطمئنان، وإنما هي الآن تركيبات سياسية وطائفية وقبلية وتوجهات متباينة ليس بالإمكان ترضيتها بقرار موحد، فلا مجال للجمود في الفكر عند أحلام الأمس التي صارت شبه خرافة في هذا الزمن، فلا يوجد قرار في هذا الوقت يرضي الجميع،

فالعامل الحاسم في القرار الآن المصلحة العليا للدولة، بصرف النظر عن معارضات وانتقادات، مع مراعاة مصالح الأغلبية وليس البحث المضني عن الاجماع الذي كان في الماضي العنصر الفاعل في القرارات التي تتخذها الدولة.

وقد علمتنا تجارب الشعوب الأخرى أن الهبوط الى منازل الدولة الرخوة له مسببات، أبرزها التصور الخاطئ من قبل المؤسسات الحاكمة، التنفيذية والتشريعية، بأن قراراتها صائبة وناجعة لا تستدعي المراجعة ولا تستوجب التصويب، فالتاريخ مملوء بالأمثلة التي سقطت فيها الدول بسبب أسلوب الحكم الذي لم يعد قادرا على التعاطي مع الواقع المسيطر، ولم يستوعب ضرورات التصويب والمراجعة.

ويكفينا القاء نظرة على النظام السوفيتي، ونظام الشاه وليس بعيدا عنا نظام صدام حسين، وأنظمة أخرى ترهلت وتخشبت ثم سقطت في مصر والسودان واليمن.

هناك عناصر أخرى لمسببات الفشل والترهل وهي استئناس الحكم للأسلوب السهل والخوف من القرار الغليظ والخشن، والاسترخاء في الشعور بأن الوضع القائم مريح وعادي ومرض للجميع، وهذا النهج يفرزه الاستسلام لنعمة الخرافة والارتياح المبسط، الذي يتهيب من صداع الرأس ويتجنب هموم الحكم ويبتعد عن مسؤوليات السلطة.

نقرأ التاريخ جيدا، ونتعرف منه إلى وقائع كويتية تعطينا دروسا في قيم الشدة والحزم وترسيخ حكم القانون وسطوة الهيبة، ونستخرج العبر بأن الكويت اليوم مدينة في استمرارها لأصحاب القرار القديم من الرجال الذين لا يهابون ولا يترددون، في تعظيم فعالية القانون والانضباط، ولم يهتموا بما يقال عنهم، ولم يبحثوا عن الإجماع الشعبي حول قرارهم وانما سلكوا مبدأ المصلحة العامة، وقد عرفوا، ربما بالغريزة، أن الدول لا تسير وفق قاعدة الاجماع الذي لو سارت عليه لأصابها بالشلل، ولذلك خلفوا لنا مجتمعا قويا متفاهما، غيورا على أمنه واستقلاله.

واقع اليوم لا علاقة له بما تعملناه من المؤسسين، فالترضيات شلت الدولة والمجاملات أدخلت الكويت في أجواء خرافية ترفيهية، لا علاقة لها بالواقع.

ومن ينظر الى الساحة الكويتية الآن، سيقف عند حالات مستجدة لم يتذوقها المجتمع سابقا، جاءت من السعي لتشكيل قواعد مؤيدة ومصفقة ومنافقة، أشبه بالمليشيات السياسية والإعلامية وفرق التصفيق والتهليل، تمكنت بسبب الاتساع الإعلامي من إعلاء كلمتها وترويج نهجها، وتسويق سلوكياتها.

وانتشر معها الفساد الأخلاقي فتوسعت الذمة وضعفت الأمانة، وأخطر ما فيها استسلام ضعاف الذمة لإغراء الفساد خاصة بين صفوف من لهم صوت في مجلس الأمة وفي عالم الفضائيات وكتاب الأعمدة.

وقد صدر بيان مجلس الوزراء بالتصدي للعبثيات السياسية والإعلامية، والعبرة هنا ليست فقط في استشعار الخطر، وإنما بإسقاط نهج الاسترضائيات والاعتماد على حكم القانون واستعادة الهيبة وسطوة الانضباط وحماية مؤسسات الدولة من الفاسدين المفسدين، وتبني القرار الصعب الذي يراعي المصلحة العامة ولا يجامل في اقتناعاته ويحافظ على أمن المجتمع وتحصين السلم الأهلي، بدلا من تأسيس تجمعات التلميع والتصفيق والانفاق على كتائب الدجالين.

وفي مسببات غياب الاقتناع ببيان مجلس الوزراء حول الحزم، وعدم الاطمئنان للتنفيذ، نتسائل عن مصير تجار الإقامات الذين أضعفوا الكيان الأمني للدولة، وعن أبطال الرشوات اللذين استغلوا مناصبهم للإثراء، وعن المتطاولين على أراضي الدولة، وعن خصوم القانون من نواب الخدمات والمخالفات، وعن آخرين كثيرين استضعفوا السلطة، أين إجراءات الردع؟

وما هي مسببات التستر عليهم؟ ولماذا الخوف من فضحهم؟ هذه تساؤلات شرعية يتحدثون عنها في اللقاءات الاجتماعية في ضوء بيان مجلس الوزراء حول الحزم والحسم، فقد علمتهم التجارب أن الدولة التي تحيا بالمواعظ وليس على الحزم والحسم، تنزلق الى وديان الرخاوة، واسألوا أهل لبنان لتتعرفوا مخاطرها…

عبدالله بشارة

رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات

بهلول
10-13-2010, 08:46 AM
كل الدلائل تشير الى اننا تحولنا الى دولة رخوه بالفعل بفضل السياسات الحكومية الضعيفة تجاه تحديات القوة