المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (السيّد) والأهلّة والفلك.. والتجديد ...بقلم السيّد جعفر فضل الله



جمال
09-18-2010, 10:28 PM
http://arabic.bayynat.org.lb/nachatat/taabin_pictures/Lebanon-tyre_07-08-2010.jpg

السيّد جعفر فضل الله - جمان

عندما كان المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله، يعلن بداية شهر رمضان وعيد الفطر قبل أيام من نهاية الشهر، بل أعلن أنه يمكنه أن يعلن بدايات الشهر لخمسين سنةً مقبلة، اعتماداً منه على المعطيات الفلكية الدقيقة، كان ذلك مثاراً للجدل في الأوساط الفقهية، ومثاراً للإثارة في أوساط عديدة، ولاسيما لدى الجمهور المتدين الذي يرجع الى مرجعيات فقهية متعددة لا ترى رأي السيد فضل الله.

ومع الأسف، كانت المرحلة السابقة تنفتح على كثير من التجاذبات التي تدفع اليها حركة الاختلاف الفقهي والمرجعي، بما كان يحاول رمي الطرح الجديد والقوي على مستوى اعلان بدايات الأشهر القمرية قبل أيام على الأقل، بمخالفة السنة الشريفة المتبعة على مدار التاريخ الإسلامي، والقائمة على التماس الهلال بالرؤية بالعين المجردة بعد 29 يوماً من الشهر السابق، أو بمحاولة مجاراة العصر دون أساس شرعي، أو بالاعتماد على أقوال المنجمين الذين نهينا عن اتباع أقوالهم من خلال ما ورد في الأحاديث والروايات الدينية، وما الى ذلك، مما عشناه ولانزال نعيشه بشكل وبآخر.

ولكن ما لم يلتفت اليه، بل ما لا يلتفت اليه عادةً، هو التأثير غير المباشر لآراء المجددين في تغيير الذهنية العامة تجاه أمرين:

الأول: النظرة الشائعة، حتى لدى المدارس الدينية والحوزات العلمية، لعلم الفلك، وتلاشي فكرة الخلط بينه وبين التنجيم، بما جعل الفكر الديني يبتعد شيئاً فشيئاً عن فكرة أنه سيبتعد عن النص الديني (الذي يتحدث بالسلب عن اعتماد التنجيم)، اذا ما أخذ بمعطيات علم الفلك والأرصاد.

وقد شهدنا خلال سنوات لاحقة، بعد اعلان السيد فضل الله المتكرر والمسبق عن أوائل الشهور القمرية، ان الثقافة الفلكية بدأت تنتشر لدى رجال الدين والمرجعيات الدينية، بما جنب الساحة اعلانات غير علمية لبداية الشهر اعتماداً على شهادات الشهود، مادام العلم ينفي امكانية رؤية الهلال في الأفق المفترض، ولاسيما ان العالم الإسلامي شهد منزلقاً كبيراً في العام 2004م، وتمثل بإعلان عيد الفطر اعتماداً على شهادات كثيرة، في حين كان القمر في طور المحاق في الآفاق المدعاة للرؤية، في حين لم يفطر السيد فضل الله الا في اليوم التالي، ودائماً استناداً الى المعطيات العلمية.

وهذا كله يؤكد ان حركة التغيير في الأفكار، تحتاج الى وقت تختبر فيه المواقع العلمية المتنوعة، قدرة الرأي الفقهي على الثبات والتعبير عن نفسه باتزان، بما يعطي الثقة الغائبة لدى الجماهير والنخبة بعلم الفلك ومعطياته.

وبدأنا نشهد منذ الأعوام السابقة في أوساط عديدة، ولاسيما في الوسط الفقهي الإسلامي الشيعي، آراء تأخذ بمعطيات الفلك في الجانب الإثباتي أيضاً، وهذا يمثل تحولاً مهماً على هذا الصعيد.

الثاني: النظرية الفقهية الاجتهادية، حيث انفتح الفكر الاجتهادي، لدى المسلمين السنة والشيعة معاً، على أفكار جديدة تتعلق بتحديد بدايات الشهور بما ينسجم مع أحاديث الرؤية، لتضعها في موقعها الطبيعي من وسائل العصر آنذاك، من دون ان تنفي انفتاح التطور العلمي على وسائل جديدة تفيد فائدة الرؤية، بل تتفوق عليها دقةً وعلمية.

كذلك، فإن الفكر الاجتهادي بدأ يقارب فكرة امكانية تجاوز أفق البلد، ليكون أفق الرؤية متسعاً للعالم تبعاً لنظرية الليل المشترك، حيث بات ينظر باحترام الى الرأي الذي يقول بكفاية امكانية رؤية الهلال في أي بلد غربي يجمعه بأي بلد شرقي جزء من الليل، بمعنى ان يكون غروب الشمس في البلد الواقع غرب خريطة العالم، قبل طلوع الفجر في البلد الواقع شرقها، وهذا ما شهدناه في العام الحالي وسابقاً، من إعلان المركز الأوروبي للافتاء بداية الشهر في أوروبا اعتماداً على امكانية الرؤية في أمريكا الجنوبية.

وعلى الهامش، فهذا الأمر لا ينبغي أن يقارب من جهة التقارب في الرأي الاجتهادي فحسب، بل هذا الأمر ينبغي ان ينظر اليه كخطوة مهمة على صعيد التقارب الإسلامي (السني الشيعي) واقعياً، في واحدة من المسائل الاجتهادية الدقيقة، بمعنى ان العقل الاجتهادي عندما يتحرك، فانه يختبر في مقاربته للأدلة، إمكانية الوصول الى نتائج مشتركة، شكل الاختلاف المذهبي عنصر غنىً للفكر الاجتهادي الإسلامي، بما يقرب فكرة امكان انتاج فقه إسلامي فوق مذهبي، في حركته وبعض نتائجه على الأقل.

وأخيراً، ينبغي علينا الاشارة الى ان تطور التفكير في هذه المسألة المهمة، يقع على عاتق التعاون بين علم الفقه والنظرة المتجددة فيه، (ولاسيما الى القرآن الكريم، حيث ان لعدد من الآيات القرآنية دلالات مهمةً يمكن ان تشكل فتحاً في هذا المجال)، وبين علم الفلك، حيث إن لتقديم المعطيات العلمية عن حركة القمر والشمس والأرض، أثراً مهماً في وضوح الرؤية للظواهر المتعلقة بها لدى العقل الاجتهادي الذي لايزال في كثير من مواقعه يقارب المسألة بكثير من الأفكار السابقة التي تغيرت وتبدلت وانفتح الواقع العلمي على كثير من معطيات مختلفة فيها.