yasmeen
09-15-2010, 11:40 PM
عصرايران - كتاب (الاساطير الايرانية) للكاتب جان راسل هينلز يعتبر بحثا شاملاً ومعرفياً نسبياً حول عالم الاساطير الايرانية الواسع والمليء بالاسرار. هذا الكتاب بامكانه ان يكون عوناً للباحثين والقراء الذين يريدون الدخول الى عمق الاساطير الايرانية وانه يوفر ارضية للمزيد من البحث حول ماهية وطبيعة الاساطير الايرانية.
واشار جان هينلز في بداية الكتاب بصوابية الى انه من غير الممكن دراسة مذهب واساطير شعب ما دون معرفة تاريخه. بناء على ذلك يقوم في مقدمة الكتاب بتعريف القارئ على افاق من تاريخ ايران القديم. هذا التاريخ يبدأ من التاريخ الذي سكن فيه الاريائيون الهضبة الايرانية (وكذلك ارض الهند) وجاؤوا معهم باساطير ومعتقدات لازالت جذورها باقية حتى الان. نماذج من هذه الاساطير القديمة يمكن العثور عليها في الاناشيد الدينية –التقليدية (ريغ ودا) الهندية و(يشت) الايرانية.
ويتطرق هينلز من ثم الى نبوة اشو زرادشت ويقول بان اهمية هذا الحدث (وزمانه) يعود الى ان زرادشت هو (اكبر نبي للاديان الكبرى في العالم القديم). ومن ثم يلقي الضوء سريعاً على تعاليم النبي الايراني ويقول، بانه لا يولي فقط الاهمية للاساطير الحديثة، بل يهتم ايضاً بما بقي من الاساطير القديمة، ولكن قول هينلز بان عقيدة زرادشت (انغرة مئين يو مصدر كل خبث وشر في العالم) ربما لا يكون بعيدا عن الفهم الخاطئ ويحتاج على الاقل الى توضيح مقتضب. في دين زرادشت يكون (انغرة مئين يو) في الفكر فقط وليس خالق وموجد السوء ومن الواضح انه ينبغي التفريق بين الاساطير الايرانية مع ما جاء في (الغات) (اناشيد اشو زرادشت). ولا شك ان نسب الاساطير الى زرادشت امر بعيد عن الحقيقة والصواب.
ومن ثم يتطرق الكاتب الى انتشار الديانة الزرادشتية في الامبراطورية الاخمينية والفترات اللاحقة لها الى نهاية سلسلة الساسانيين ويتابع مصير الايرانيين الزرادشتيين مع دخول الاسلام وتغير دين الايرانيين ومن ثم يلقي نظرة الى الوضع الراهن لاتباع الديانة القديمة للايرانيين.
البحث حول مصادر الاساطير، يشكل جزءا اخر من الكتاب. ومن المعلوم ان (اوستا) هو اهم هذه المصادر، (ريغ ودا) الهندي، النصوص المتبقية من العهد وشاهنامة فردوسي، تعد مصادر اخرى للكتاب في معرفة الاساطير الايرانية. الجزء الختامي لمقدمة الكتاب يختص بـ(طبيعة الاسطورة).
يشير هينلز في هذا القسم الى انه ينبغي الفصل بين الاسطورة والخيال. الاساطير تبني مفاهيم بنيوية للوجود في فكر الانسان وتعد منطق فكر المجتمع.
في الفصل الاول من الكتاب، الذي يتحدث عن (معرفة الاسطورة في بارس القديمة)، يتم التطرق اولاً الى تصوير الكائنات في نظر الايرانيين. ومثلما يذّكر به القارئ فان الايرانيين كانوا يعتبرون الارض دائرية ومسطحة وعلى شكل اناء. هذا الفصل جذاب من حيث انه يتناول معتقدات الايرانيين في العهود الغابرة والايام الاولى لبدء التاريخ.
وبطبيعة الحال فان البحث في (الالهة القديمة) يمكن ان يشكل فصلاً مهماً ومفتاحياً لاي كتاب كان حول الاساطير. هذه الالهة في المعتقد الايراني القديم يشمل «وايو -باد» (خالق الحياة في صلب المطر، وخالق الموت في قلب العاصفة)، (تيشتر) (اله ينبري لمقارعة غول الجفاف)، (آناهيتا) (ايزد الهة المياه وباك المدبّر القوي)، (ورترغنه) (اله عظيم يقارع الشيطان)، ومن ثم (رييثوين) (اله حرارة منتصف النهار).
في هذا الخضم هنالك ايضاً الهة مراسيم دينية تقليدية حظيت باهتمام ودراسة جان هينلز في القسم الاول من كتاب (الاساطير الايرانية). (آتر) او النار انموذج للالهة التي كانت الاقوام الاريائية القديمة تولي اهمية لها. يوضح هينلز بان (آغني) اله مقدس لدى الهنود يقدمون له القرابين التي تكون وسيطة بين البشر والالهة. (هيومة) يمكن الاشارة اليه كآله للزرع حظي بالتبجيل. هذه الآلهة كانت حاضرة في اجراء المناسك والمراسم الدينية التقليدية ولم تعتبر منعزلة وبعيدة.
وهنالك ايضاً شخصيات واساطير يذكرها هينلز على انها (ابطال الالوهية). وفي مقدمتهم جمشيد (جم- يمه). ويشير هينلز الى ان شخصية هذه الاسطورة تختلف كثيراً لدى الايرانيين عما هي لدى الهنود. في المعتقد الهندي يفضل جمشيد الموت على الحياة، اما في الاسطورة الايرانية فهو الذي يصل الى ذروة الحكم ولكن اطماعه تؤدي به الى السقوط والتعاسة والموت.
(هوشنغ) و(تهمورث) لهما كذلك في الاساطير الايرانية مكانة بارزة. (هوشنغ) حسب تعبير الكاتب هو (حاكم الاقاليم السبعة في العهد القديم) و(تهمورث) المتصارع مع الغيلان والشياطين. فريدون (تريته) كذلك كالبطل القاتل للعرابيد مثل كرشاسب، يعدون من اكبر الابطال الاسطوريين الايرانيين واكثرهم شهرة. في نهاية هذا الفصل يمر هينلز بصورة اجمالية على الاساطير القديمة كي يصل القارئ الى حصيلة لما مضى ويحصل على صورة من العالم الاسطوري القديم.
(علم الاسطورية الزرادشتية) هو عنوان الفصل الثاني من كتاب (الاساطير الايرانية). يشير هينلز في البداية الى قوتي الخير والشر في المعتقد الزرادشتي، حيث ان احدهما يتبع الصدق (اشون) والاخر يتبع الكذب (دروغون)، ولكنه مع ذلك ينسب مسالة التثنية للدين الزرادشتي خطأ وربما يؤدي بذلك الى تضليل القارئ. في الديانة الزرادشتية التوحيدية لا وجود لشيء باسم التثنية. في اناشيد (غات) اشو زرادشت يتم التأكيد دوماً على وحدانية الله (اهورامزدا). على اي حال فمثلما ذُكر آنفاً ينبغي التفريق ما بين الافكار الغاتائية والمعتقدات الاسطورية.
الفصل الاخر للكتاب هو حول (الزروانية). زروان هو آله الزمن والذي يصبح فيما بعد المؤسس لفكر انحرافي في ايران القديمة. يشير هينلز الى ان اسلوب الفكر هذا ربما انتشر في عهد الاخمينيين وتحت تأثير البابليين. في بداية هذا الفصل يولي المؤلف الاهمية للمعتقدات الزروانية واساطيرها، ويشير الى الفكر المطلق الذي كان لاتباع هذه المدرسة حول الزمن والتثنية (مواجهة اهورامزدا واهريمن).
(معرفة الاسطورة في الميترائية) عنوان فصل اخر من هذا الكتاب. ميترا كانت من الآلهة المهمين عند الاريائيين حيث انتشرت العقيدة المنسوبة الى الآله حتى اوروبا واثرت على الرومان والديانة المسيحية ايضاً. ما ذُكر آنفاً يمثل جانبا من البحث الذي اجراه هينلز حول هذه الديانة العالمية. الفن الميترائي ايضاً جدير بنظرة عميقة وواسعة حيث اولى به المؤلف اهتماما خاصاً. ميترا في النقوش والرسوم له صورة رجل شاب يحمل مشعلاً بيده وسكيناً بيده الاخرى يقتل به ثوراً. النقوش الاخرى الملغزة للمعابد الميترائية لكل منها اسرار خاصة وليست عديمة الارتباط مع الصور الفلكية.
ويؤكد هينلز في فصل (الاسطورة والنبي) بان زرادشت شخصية تاريخية وهذا مبدأ تم اثباته وهو ان فهم الديانة الزرادشتية يكمن فيها. الا ان حياة زرادشت كجميع الشخصيات التاريخية البارزة ممتزجة بالاساطير. وهو يتطرق في هذا الفصل الى ناحية الاسطورة في حياة النبي الايراني. وعلى هذا المنوال فصل «الاسطورة والملك». في العهود الغابرة كان بين الشرقيين الملك يُرفع الى مرتبة الالوهية ويتبوأ ذروة بعيدة عن قدرات الانسان العادي. وفي هذا الفصل تم تناول مثل هذه المعتقدات الاسطورية.
فأن السؤال المطروح وهو اين حدود الاسطورة والتاريخ، يعتبر سؤالاً مهماً، حتى يمكن السؤال هل ان هذين الامرين مستقلان عن بعضهما؟ يعتبر هينلز في فصل (الاسطورة والتاريخ) الاساطير بأنها وسيلة لتفسير التاريخ ويقول بما ان الاسطورة مظهر لرؤية الانسان الى نفسه وعالمه وتقدمه، لذا بالامكان اعتبار الاسطورة جزءا من التاريخ. لكنه لا يعتبر هدف الاسطورة تفسير الماضي فقط، بل يعتبره ايضاً شرح وتوضيح الحاضر ايضاً. اعادة صياغة التاريخ بمساعدة الماضي، يعد كذلك جزءاً مما تطرق اليه هينلز في هذا الفصل من الكتاب. وهو يعتبر فهم الماضي التاريخي لايران كامن في ظل معرفة الاساطير، لذا فانه يشير الى قدم النماذج الاسطورية مثل كيومرث ولاسيما جمشيد ويوضح على اساس الشاهنامة قصة مقتل جمشيد على يد ضحاك.
نحن نعلم بأن الاسطورة والمناسك الدينية ممتزجة ببعضها بعضاً في جميع الاديان. يقول هينلز بان هذه المسألة ملموسة في الديانة الزرادشتية اكثر من اي ديانة اخرى. وهو في فصل (الاسطورة، المناسك الدينية والتوجه الرمزي) يشير الى القوة المؤثرة لتلك المناسك ويتطرق الى علم اساطير النار وتقاليد الدفن ويوضح في جانب منفصل منه (ادراك الاسطورة والمناسك الدينية).
بصورة اجمالية يمكن اعتبار كتاب هينلز بحثاً شاملاً وقيماً للاساطير الايرانية ويقدم ايضاحات مفيدة ومختصرة حول الاساطير الايرانية. وقد صدرت قبل ذلك ترجمة لهذا الكتاب ايضاً من قبل جالة آموزكار واحمد تفضلي (دار جشمة للنشر)، الا ان ميزة الترجمة التي انجزها الدكتور شايستة فر تكمن في احتوائها العديد من الصور التوضيحية التي تساعد في فهم المواضيع.
كتاب (الاساطير الايرانية) هو من ضمن مجموعة اثار الفن الاسلامي، تم تأليفه من قبل جان راسل هينلز ويضم تسعة فصول. وتولت عضو الهيئة العلمية لكلية الفن بجامعة اعداد المدرسين الدكتورة مهناز شايستة فر ترجمته بشكل جيد يتسم بالسلاسة والانسيابية.
اساطير ايران القديمة لها مكانة راقية في هذا العالم المليء بالاسرار، وان معرفتها تدلنا على معرفة الثقافة الغنية والقيمة لهذه الارض الاهورائية. يضع المؤلف في كتاب (الاساطير الايرانية) مجموعة شاملة وبسيطة من الاساطير تحت تصرف القارئ. ان المؤلف ومن خلال الاستفادة من مصادر الهند القديمة والاستناد الى المصادر الايرانية الموثقة مثل اوستا والنصوص البهلوية وشاهنامة فردوسي والنصوص التاريخية للعهد الاسلامي والتقاليد الموروثة ومع الاخذ بالاعتبار دراسات الخبراء في قضايا ايران القديمة، يقدم اولاً طرحا تاريخياً ويعرض القضايا المتعلقة ببدء الخليقة، نماذج مسبقة للمخلوقين، نماذج سابقة للالهة القديمة والالهة المتغيرة في العهود التالية، والابطال التاريخيين الذين اخذوا لون الاسطورة، ويخصص فصلاً للاساطير خاصة الزرادشتية ومن ثم يتحدث عن الاساطير الزروانية والميترائية (المهرية) ومن ثم يجعل الاسطورة امام التاريخ والديانات المتداولة اليوم.
واشار جان هينلز في بداية الكتاب بصوابية الى انه من غير الممكن دراسة مذهب واساطير شعب ما دون معرفة تاريخه. بناء على ذلك يقوم في مقدمة الكتاب بتعريف القارئ على افاق من تاريخ ايران القديم. هذا التاريخ يبدأ من التاريخ الذي سكن فيه الاريائيون الهضبة الايرانية (وكذلك ارض الهند) وجاؤوا معهم باساطير ومعتقدات لازالت جذورها باقية حتى الان. نماذج من هذه الاساطير القديمة يمكن العثور عليها في الاناشيد الدينية –التقليدية (ريغ ودا) الهندية و(يشت) الايرانية.
ويتطرق هينلز من ثم الى نبوة اشو زرادشت ويقول بان اهمية هذا الحدث (وزمانه) يعود الى ان زرادشت هو (اكبر نبي للاديان الكبرى في العالم القديم). ومن ثم يلقي الضوء سريعاً على تعاليم النبي الايراني ويقول، بانه لا يولي فقط الاهمية للاساطير الحديثة، بل يهتم ايضاً بما بقي من الاساطير القديمة، ولكن قول هينلز بان عقيدة زرادشت (انغرة مئين يو مصدر كل خبث وشر في العالم) ربما لا يكون بعيدا عن الفهم الخاطئ ويحتاج على الاقل الى توضيح مقتضب. في دين زرادشت يكون (انغرة مئين يو) في الفكر فقط وليس خالق وموجد السوء ومن الواضح انه ينبغي التفريق بين الاساطير الايرانية مع ما جاء في (الغات) (اناشيد اشو زرادشت). ولا شك ان نسب الاساطير الى زرادشت امر بعيد عن الحقيقة والصواب.
ومن ثم يتطرق الكاتب الى انتشار الديانة الزرادشتية في الامبراطورية الاخمينية والفترات اللاحقة لها الى نهاية سلسلة الساسانيين ويتابع مصير الايرانيين الزرادشتيين مع دخول الاسلام وتغير دين الايرانيين ومن ثم يلقي نظرة الى الوضع الراهن لاتباع الديانة القديمة للايرانيين.
البحث حول مصادر الاساطير، يشكل جزءا اخر من الكتاب. ومن المعلوم ان (اوستا) هو اهم هذه المصادر، (ريغ ودا) الهندي، النصوص المتبقية من العهد وشاهنامة فردوسي، تعد مصادر اخرى للكتاب في معرفة الاساطير الايرانية. الجزء الختامي لمقدمة الكتاب يختص بـ(طبيعة الاسطورة).
يشير هينلز في هذا القسم الى انه ينبغي الفصل بين الاسطورة والخيال. الاساطير تبني مفاهيم بنيوية للوجود في فكر الانسان وتعد منطق فكر المجتمع.
في الفصل الاول من الكتاب، الذي يتحدث عن (معرفة الاسطورة في بارس القديمة)، يتم التطرق اولاً الى تصوير الكائنات في نظر الايرانيين. ومثلما يذّكر به القارئ فان الايرانيين كانوا يعتبرون الارض دائرية ومسطحة وعلى شكل اناء. هذا الفصل جذاب من حيث انه يتناول معتقدات الايرانيين في العهود الغابرة والايام الاولى لبدء التاريخ.
وبطبيعة الحال فان البحث في (الالهة القديمة) يمكن ان يشكل فصلاً مهماً ومفتاحياً لاي كتاب كان حول الاساطير. هذه الالهة في المعتقد الايراني القديم يشمل «وايو -باد» (خالق الحياة في صلب المطر، وخالق الموت في قلب العاصفة)، (تيشتر) (اله ينبري لمقارعة غول الجفاف)، (آناهيتا) (ايزد الهة المياه وباك المدبّر القوي)، (ورترغنه) (اله عظيم يقارع الشيطان)، ومن ثم (رييثوين) (اله حرارة منتصف النهار).
في هذا الخضم هنالك ايضاً الهة مراسيم دينية تقليدية حظيت باهتمام ودراسة جان هينلز في القسم الاول من كتاب (الاساطير الايرانية). (آتر) او النار انموذج للالهة التي كانت الاقوام الاريائية القديمة تولي اهمية لها. يوضح هينلز بان (آغني) اله مقدس لدى الهنود يقدمون له القرابين التي تكون وسيطة بين البشر والالهة. (هيومة) يمكن الاشارة اليه كآله للزرع حظي بالتبجيل. هذه الآلهة كانت حاضرة في اجراء المناسك والمراسم الدينية التقليدية ولم تعتبر منعزلة وبعيدة.
وهنالك ايضاً شخصيات واساطير يذكرها هينلز على انها (ابطال الالوهية). وفي مقدمتهم جمشيد (جم- يمه). ويشير هينلز الى ان شخصية هذه الاسطورة تختلف كثيراً لدى الايرانيين عما هي لدى الهنود. في المعتقد الهندي يفضل جمشيد الموت على الحياة، اما في الاسطورة الايرانية فهو الذي يصل الى ذروة الحكم ولكن اطماعه تؤدي به الى السقوط والتعاسة والموت.
(هوشنغ) و(تهمورث) لهما كذلك في الاساطير الايرانية مكانة بارزة. (هوشنغ) حسب تعبير الكاتب هو (حاكم الاقاليم السبعة في العهد القديم) و(تهمورث) المتصارع مع الغيلان والشياطين. فريدون (تريته) كذلك كالبطل القاتل للعرابيد مثل كرشاسب، يعدون من اكبر الابطال الاسطوريين الايرانيين واكثرهم شهرة. في نهاية هذا الفصل يمر هينلز بصورة اجمالية على الاساطير القديمة كي يصل القارئ الى حصيلة لما مضى ويحصل على صورة من العالم الاسطوري القديم.
(علم الاسطورية الزرادشتية) هو عنوان الفصل الثاني من كتاب (الاساطير الايرانية). يشير هينلز في البداية الى قوتي الخير والشر في المعتقد الزرادشتي، حيث ان احدهما يتبع الصدق (اشون) والاخر يتبع الكذب (دروغون)، ولكنه مع ذلك ينسب مسالة التثنية للدين الزرادشتي خطأ وربما يؤدي بذلك الى تضليل القارئ. في الديانة الزرادشتية التوحيدية لا وجود لشيء باسم التثنية. في اناشيد (غات) اشو زرادشت يتم التأكيد دوماً على وحدانية الله (اهورامزدا). على اي حال فمثلما ذُكر آنفاً ينبغي التفريق ما بين الافكار الغاتائية والمعتقدات الاسطورية.
الفصل الاخر للكتاب هو حول (الزروانية). زروان هو آله الزمن والذي يصبح فيما بعد المؤسس لفكر انحرافي في ايران القديمة. يشير هينلز الى ان اسلوب الفكر هذا ربما انتشر في عهد الاخمينيين وتحت تأثير البابليين. في بداية هذا الفصل يولي المؤلف الاهمية للمعتقدات الزروانية واساطيرها، ويشير الى الفكر المطلق الذي كان لاتباع هذه المدرسة حول الزمن والتثنية (مواجهة اهورامزدا واهريمن).
(معرفة الاسطورة في الميترائية) عنوان فصل اخر من هذا الكتاب. ميترا كانت من الآلهة المهمين عند الاريائيين حيث انتشرت العقيدة المنسوبة الى الآله حتى اوروبا واثرت على الرومان والديانة المسيحية ايضاً. ما ذُكر آنفاً يمثل جانبا من البحث الذي اجراه هينلز حول هذه الديانة العالمية. الفن الميترائي ايضاً جدير بنظرة عميقة وواسعة حيث اولى به المؤلف اهتماما خاصاً. ميترا في النقوش والرسوم له صورة رجل شاب يحمل مشعلاً بيده وسكيناً بيده الاخرى يقتل به ثوراً. النقوش الاخرى الملغزة للمعابد الميترائية لكل منها اسرار خاصة وليست عديمة الارتباط مع الصور الفلكية.
ويؤكد هينلز في فصل (الاسطورة والنبي) بان زرادشت شخصية تاريخية وهذا مبدأ تم اثباته وهو ان فهم الديانة الزرادشتية يكمن فيها. الا ان حياة زرادشت كجميع الشخصيات التاريخية البارزة ممتزجة بالاساطير. وهو يتطرق في هذا الفصل الى ناحية الاسطورة في حياة النبي الايراني. وعلى هذا المنوال فصل «الاسطورة والملك». في العهود الغابرة كان بين الشرقيين الملك يُرفع الى مرتبة الالوهية ويتبوأ ذروة بعيدة عن قدرات الانسان العادي. وفي هذا الفصل تم تناول مثل هذه المعتقدات الاسطورية.
فأن السؤال المطروح وهو اين حدود الاسطورة والتاريخ، يعتبر سؤالاً مهماً، حتى يمكن السؤال هل ان هذين الامرين مستقلان عن بعضهما؟ يعتبر هينلز في فصل (الاسطورة والتاريخ) الاساطير بأنها وسيلة لتفسير التاريخ ويقول بما ان الاسطورة مظهر لرؤية الانسان الى نفسه وعالمه وتقدمه، لذا بالامكان اعتبار الاسطورة جزءا من التاريخ. لكنه لا يعتبر هدف الاسطورة تفسير الماضي فقط، بل يعتبره ايضاً شرح وتوضيح الحاضر ايضاً. اعادة صياغة التاريخ بمساعدة الماضي، يعد كذلك جزءاً مما تطرق اليه هينلز في هذا الفصل من الكتاب. وهو يعتبر فهم الماضي التاريخي لايران كامن في ظل معرفة الاساطير، لذا فانه يشير الى قدم النماذج الاسطورية مثل كيومرث ولاسيما جمشيد ويوضح على اساس الشاهنامة قصة مقتل جمشيد على يد ضحاك.
نحن نعلم بأن الاسطورة والمناسك الدينية ممتزجة ببعضها بعضاً في جميع الاديان. يقول هينلز بان هذه المسألة ملموسة في الديانة الزرادشتية اكثر من اي ديانة اخرى. وهو في فصل (الاسطورة، المناسك الدينية والتوجه الرمزي) يشير الى القوة المؤثرة لتلك المناسك ويتطرق الى علم اساطير النار وتقاليد الدفن ويوضح في جانب منفصل منه (ادراك الاسطورة والمناسك الدينية).
بصورة اجمالية يمكن اعتبار كتاب هينلز بحثاً شاملاً وقيماً للاساطير الايرانية ويقدم ايضاحات مفيدة ومختصرة حول الاساطير الايرانية. وقد صدرت قبل ذلك ترجمة لهذا الكتاب ايضاً من قبل جالة آموزكار واحمد تفضلي (دار جشمة للنشر)، الا ان ميزة الترجمة التي انجزها الدكتور شايستة فر تكمن في احتوائها العديد من الصور التوضيحية التي تساعد في فهم المواضيع.
كتاب (الاساطير الايرانية) هو من ضمن مجموعة اثار الفن الاسلامي، تم تأليفه من قبل جان راسل هينلز ويضم تسعة فصول. وتولت عضو الهيئة العلمية لكلية الفن بجامعة اعداد المدرسين الدكتورة مهناز شايستة فر ترجمته بشكل جيد يتسم بالسلاسة والانسيابية.
اساطير ايران القديمة لها مكانة راقية في هذا العالم المليء بالاسرار، وان معرفتها تدلنا على معرفة الثقافة الغنية والقيمة لهذه الارض الاهورائية. يضع المؤلف في كتاب (الاساطير الايرانية) مجموعة شاملة وبسيطة من الاساطير تحت تصرف القارئ. ان المؤلف ومن خلال الاستفادة من مصادر الهند القديمة والاستناد الى المصادر الايرانية الموثقة مثل اوستا والنصوص البهلوية وشاهنامة فردوسي والنصوص التاريخية للعهد الاسلامي والتقاليد الموروثة ومع الاخذ بالاعتبار دراسات الخبراء في قضايا ايران القديمة، يقدم اولاً طرحا تاريخياً ويعرض القضايا المتعلقة ببدء الخليقة، نماذج مسبقة للمخلوقين، نماذج سابقة للالهة القديمة والالهة المتغيرة في العهود التالية، والابطال التاريخيين الذين اخذوا لون الاسطورة، ويخصص فصلاً للاساطير خاصة الزرادشتية ومن ثم يتحدث عن الاساطير الزروانية والميترائية (المهرية) ومن ثم يجعل الاسطورة امام التاريخ والديانات المتداولة اليوم.