المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حديث المرارة و الألم للمناضل صلاح عمر العلي حفظه الله



الدكتور عادل رضا
09-13-2010, 06:33 PM
حديث المرارة والالم

صلاح عمر العلي
من منا لا يعرف المئات، بل الالاف من تجار ورجال الاعمال العراقيين الجشعين الذين استغلوا فرصة قرار مجلس الامن الدولي القاضي بفرض الحصار الاقتصادي الجائر على الشعب العراقي ، الذي اجبر الدولة حينها على البحث عن اي وسيلة شرعية او غير شرعية لفك ذلك الحصار او لتخفيف وطآته وتاثيره على حياة المواطنين وذلك بتوفير ما يمكن توفيره من مختلف الاحتياجات الانسانية للمواطن العراقي وإن في حدها الادني، ولبلوغ ذلك الهدف فقد استعان النظام آنذاك برجال الاعمال العراقيين والتجار وغيرهم من المواطنين ممن كانت لغالبيتهم العظمى علاقات مميزة بالنظام او ممن يثق بهم ثقة عالية لتحقيق تلك الغاية وذلك الهدف .



ومن منا لا يعرف طرق الابتزاز اللامشروعة التي اتبعها هؤلاء لزيادة ثرواتهم على حساب المواطنين العراقيين الذين كانوا يعانون اشد انواع المعاناة بسبب ذلك الحصار الظالم الذي لم يسبق له مثيل في أي بلد من بلدان العالم من دون العراق، ومن منا لا يعرف اولئك التجار الجشعين الانانيين ممن ماتت ضمائرهم واتخمتهم تلك المرحلة بالمزيد من الملايين من العملات الصعبة، باسمائهم وعناوينهم وحتى بارقام حساباتهم وفي اي من البنوك أُودعت .




أولئك التجار الفجار الذين كنا نعتقد بان يد القصاص ستنالهم مهما طال الزمن على ما جنوا من اموال السحت باستغلال الاوضاع الشاذة والاستثنائية التي واجهت العراق ما يزيد عن اثني عشر عاما، واذا بهم مَثَلُهم مثل الحرباوات سرعان ما غيروا مواقفهم وولائاتهم من نظام الى آخر ومن قائد الى ثاني ولسان حالهم يقول ( كل من يتزوج أمي أسميه عمي) ففي ساعات وليس ايام هرب جميعهم تاركين العراق وشعبه يواجه قدره ومستقبله بمجرد شن الحرب ودخول قوات الاحتلال الغازية المعتدية على الوطن والشعب. نعم، انهم هربوا من العراق متجهين الى البلدان التي اودعوا ملايينهم في بنوكها او اشتروا المزيد من العقارات فيها، وأسسوا شركاتهم التجارية بمجرد بدء الحرب العدوانية الانكلو - امريكية عام 2003، فهذا هرب الى عمان وذاك الى الامارات العربية وثالث الى القاهرة ورابع الى لندن وآخرين الى دول أوربية مختلفة، وهكذا...... وسرعان ما استأنفوا نشاطاتهم التجارية مع القيادة السياسية الجديدة التي نصبها العدو الامريكي الغازي قسرا وبقوة السلاح في العراق، دون مراعاة لابسط مشاعر ابناء العراق



وبدأ أولئك المحتكرين من التجار ورجال الاعمال العراقيين ممارسة عمليات الابتزاز واقتناص الفرص من جديد لمضاعفة ارصدتهم في البنوك على حساب معاناة هذا الشعب الذي لم يلمس منهم اي شعور بالتعاطف مع فقرائهم ومعوزيهم وايتامهم الذين اصبح عددهم يزيد عن خمسة ملايين يتيم كما اكدت مؤسسات اغاثية دولية، وكذلك ما يزيد عن مليون ارملة فقدت معيلها بسبب ارهاب المحتل وعملاءه وشركاته الامنية التي مارست ابشع واشنع عمليات الاجرام في جميع انحاء العراق على مدى الاعوام السبعة الماضية من وجودها داخل العراق .



ولم يتوقف الامر عند هذا الحد من الدنائة وفقدان الشرف والوطنية، فراح العديد منهم وبدوافع الشره الذي لا حدود له الى المال بالتعاون والتنسيق سرا وعلانية مع شركات تعود ملكياتها لاشخاص يعيشون داخل الكيان الصهيوني المحتل لاشرف واعظم بقعة على هذه الارض وما زال يمعن قتلا وتشريدا لاخوة احباء واعزاء لنا من ابناء شعبنا الفلسطيني الشجاع ، هؤلاء التجار يعرفهم العراقيون واحدا إثر الاخر، كما يعرف عناوين تواجدهم، وارصدتهم في البنوك العربية والاجنبية، كما يعرف عقاراتهم وعماراتهم وفنادقهم وشركاتهم المعلنة والخفية، وقد أوردت مواقع انترنيت يملكها عراقيون اسمائهم واحدا واحدا ومع من من الصهاينة يتعاملون.


ورب سائل يسال :


عن السبب الذي دفعني للكتابة عن هذا الموضوع الذي يجرح مشاعر ملايين العراقيين الشرفاء، كما يدمي قلب كل انسان حر وشريف، سؤال له اكثر من مبرر، فأقول بان شهر رمضان المبارك، هذا الشهر العظيم الذي انزل فيه اشرف واعظم الكلام، كلام الله جل في علاه على نبينا وقائدنا وقدوتنا في الحياة وفي الممات سيد الخلق وسيد الاولين والاخرين، رسولنا الاعظم محمد (ص) ، هذا الشهر الذي تفتح فيه ابواب السماء لكل المؤمنين اللاهجين بالدعاء متضرعين الى الله العزيز الكريم طلبا لرضوانه ومغفرته، الشهر الذي تلين فيه القلوب وتصفى فيه المشاعر والنفوس وتكثر فيه العطايا والصدقات لمن يستحقها من الارامل والايتام والمحتاجين.



كان يساورني شعور في تلك الايام التي لا تعود علينا الا مرة واحدة في العام، بأن الغني والتاجر العراقي الذي يتمتع بثروة طائلة من خيرات بلاده هو من سيتقدم الصفوف في كرمه وصدقاته وخيراته ومساعداته خلال تلك الايام التي جعلها الله سبحانه وتعالى ايام يسر على العباد وميزها عن غيرها من باقي ايام السنة حيث خص فيها ليلة القدر التي جعلها خير من الف شهر تزكية لثروته وتعبيرا اخلاقيا وانسانيا عن الشكر لله على ما أنعم عليه من المال، الا أنني سرعان ما اكتشفت بان هذا الشعور الذي كان يملأ راسي - ويا للخيبة - كان مجرد سراب خادع لا وجود له على ارض الواقع، فقد توفر لي في هذا الشهر المبارك بعض الوقت لمشاهدة ة برامج بعض الفضائيات العراقية وفي مقدمتها قناة الشرقية التي كان لديها برنامج يومي عنوانه (خيرات رمضان.) الذي كان يعرض علينا مساء كل يوم من أيام الشهر الفضيل صورا محزنة حد البكاء والعويل لانها تجرح القلب وتوخز ضمير الحيوان قبل الانسان عن إخوة لنا هم مواطنون عراقيون شرفاء غدر بهم الزمن وتراكمت عليهم المحن من كل حدب وصوب.


فهذا شاب في مقتبل العمر اصيب بمرض عضال اقعده عن العمل أو الدراسة وهو يلازم فراشه في داخل خربة سميت تجاوزا بالبيت، وذاك الكهل الذي فقد اطرافه بسبب اصابته بشظية عمياء لتحوله في لحظات الى انسان معوق عاجز عن العمل ولديه عدد من الاطفال ما زالوا في عمر الورود ليس لهم من معيل الا رب العباد ولا يعلم احد عن حالهم وكيف وباي مستوي يعيشون وثالث ُقتل وزوجَتَه ُبمتفجرة وترك اربعة اطفال ايتام لا معيل لهم ورابع وخامس من صور ذلك الالبوم المحزن الذي كثيرا ما وضعنا اكفنا فوق اعيننا لعدم تحملنا على مشاهدتها، أو صَمَمّنا اذاننا كي لا نسمع ما يقوله أُولئك المعذبون فوق ارضهم الذين نافسوا معذبوا المناضل الزنجي الشهير فرانس فانون من كلام مؤلم لا يتحمله ضمير انساني حر، فقد تخلت عنهم السلطة لانشغال اعضاءها بسرقة مليارات الدولارات من اموال هذا الشعب سيء الحظ، أو بالصراع على سلطة وهمية ما زالت قوات الاحتلال ماسكة بها من جهاتها الاربع، لا من أجل شيء بل طمعا وتنافسا ماراثونيا فيما بينهم على من يسرق اكثر من غيره من اموال الدولة والشعب



وطوال شهر رمضان المبارك ومساء كل يوم كانت قناة الشرقية وقليل من القنوات الاخرى تعرض لنا صورا ونماذج لحياة ابناء واخوة لنا تزيدنا هماعلى هم وترهق مشاعرنا بالمزيد من الالم واللوعة فالعين بصيرة واليد قصيرة كما يقولون، ولم اشاهد طوال تلك الايام ايا من هؤلاء الاغنياء الذين يعانون الحيرة في كيفية استثمار اموالهم الطائلة وثرواتهم الكبيرة وهي اموال وثروات سحت حرام لانهم لم يحصلوا عليها بتعب اليمين أو عرق الجبين وبالعمل والجهد الذي تقره القوانين ويباركه الرب.


اقول :


بانني لم اشاهد أو اسمع لا مباشرة ولا عن طريق المشرفين على هذه البرامج ان تاجرا واحدا فقط ليس اكثر، من بين تلك الالاف قد استيقظ ضميره وتحركت في دمه بقية شهامة او نخوة عراقية بعد ان هزه منظر أُولئك البؤساء من العراقيين الذين نافسوا بؤساء فكتور هوغو في روايته الشهيرة التي حصل بعد نشرها على شهرة عالمية وتربع على عرش ريادة الادب الانساني العالمي فترة طويلة من الزمن. ان الحالة الكارثية التي يواجهها ابناء العراق، لو حظيت باهتمام كاتب قصصي متميز لتمكن من هز ضمير العالم من اقصاه الى اقصاه ولتمكن من اثارة ضجة كبرى حول ما يجري في هذا البلد الذي يطفو على اكبر خزان من النفط في العالم، من الظلم والحيف والامعان في اذلاله وكسر كبريائه ليعيش في ظل الخوف والحرمان والجوع والتقتيل المتواصل منذ عام ١٩٩١ لغاية الان دون ذنب او اثم ارتكبه. ان ما يحز في النفس ان نرى الجميع وقد تخلوا عن نجدة ومساعدة ابناء هذا البلد المبتلى باشرس واسوأ وافسد سلطة جاء بها المحتل الغازي باسم الحرية والديمقراطية، فلا ابناءهم من الاثرياء ولا اشقاءهم العرب ولا الاصدقاء على امتداد مساحة هذا العالم الواسع فكر يوما بمد يد العون والمساعدة لهم ولكن ما يخفف علينا وطأة الشعور بهذا الالم



ان بابا الفاتيكان قد صفع كل تجار واغنياء العراق واشقاءهم واصدقائهم وشركائهم من العرب والمسلمين وفي مقدمتهم مراجع الدين الكبار من الذين شاركوا في ذلك السباق الدنيء لجني المغانم المادية والمكاسب الدنيوية دون وجه حق وهم قبل غيرهم يعرفون تمام المعرفة بانه يتقاطع كليا مع ابسط المفاهيم والقيم الاسلامية، صفعهم البابا بيندكس بحذائه فوق هاماتهم عندما اعلن عن تبرعه بمبلغ ٤٠٠ مليون دولار لبناء ٥٠٠٠ وحدة سكنية في ثلاث محافظات جنوب العراق هي البصرة والناصرية والعمارة، بينما لم نسمع او نقرأ خلال العقدين الماضيين ان احد اصحاب العمائم على مختلف الوانها واحجامها واشكالها أن واحدا من أولئك التجار والاغنياء الفسقة قد تبرع ببناء دار سكن واحدة لاي مواطن عراقي تسعفه على ايواء عائلته التي تعيش في العراء في وقت يعرف فيه القاصي والداني بان الغالبية من أُولئك الذين يطلقون على انفسهم تسمية علماء او رجال الدين وغيرهم من تجار العراق يملكون قدرات تفوق في امكانياتها دول كاملة وبامكانهم بناء مدن حديثة بكل ما تحتاجه من مستلزمات الحياة العصرية الحديثة دون ان تؤثر على ميزانياتهم الفاحشة التي اغنوها بالمزيد من المال الحرام بجشعهم ودنائاتهم وعمالتهم للاجنبي وتواطئهم معه على حساب كرامة شعبنا العراقي الابي وحريته وسيادته في وطنه.



أما اشقاؤنا العرب، فالحديث عن مواقفهم ومشاعرهم تجاه المحنة الدامية التي لو عرفتها شعوب العالم على حقيقتها لهزت الارض والسماء احتجاجا ورفضا لما يعانيه هذا الشعب العظيم الذي احتل موقعا متقدما منذ آلاف السنين في موكب الحضارة الانسانية تعليما وعطاءا وتضحية وفروسية وشجاعة ودفاعا عن كرامة أمة العرب والمسلمين قديما وحديثا، الا ان اخوتنا مع كل ذلك قابلونا بالعقوق والازدراء وبالتفرج الشامت لمحنتنا واحتلال ارضنا وتدمير دولتنا وقتل ابنائنا ونهب ثرواتنا ولم يفكر اي من زعماء هذه الامة بمد يد العون وان بصورة رمزية ليمسح عنا شعور الخيبة والصدمة وما علموا بان الايام دول. ويوم لك ويوم عليك


٢٠١٠/٩/١٣

الدكتور عادل رضا
10-16-2010, 01:56 PM
هل سيتم استيعاب الدرس؟


في الحقبة التي سبقت إحتلال القوات الامريكية للعراق، وضعت على افواه البعثيين اشرطة لاصقة كتبت عليها عبارة "نفذ ولا تناقش" في مخالفة صريحة لاحدى المقولات المنصوص عليها في النظام الداخلي للبعث تلك المقولة التي تعرضت بدورها الى الكثير من الاعتراض، اذ ان اي نقاش يفقد قيمته ويصبح عقيما ومن دون جدوى بعد ان يلزم الرفيق بتنفيذ قرار القيادات العليا في الحزب قبل مناقشتها واقرارها ومن ثم الموافقة على تنفيذها. فكيف الحال وقد اصبح مجرد ابداء الراي في اي قضية، صغيرة او كبيرة، تقع في باب المحرمات؟!!


ومع بداية فرض هذه القاعدة الاستلابية على جهاز الحزب مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي تحول البعث الى جهاز من اجهزة الدولة التنفيذية، لا فرق بينه وبين اي جهاز تنفيذي او امني من اجهزة الدولة الاخرى. ينفذ ما يملى عليه من الاوامر والقرارات الصادرة عن القيادات العليا دون ان يملك حق ابداء الراي او الاعتراض قبل او بعد تنفيذ تلك الاوامر. وهو ما ترك أثره المدمر على بناء الحزب التنظيمي والفكري بصورة جذرية، فعطل مجمل اليات العمل المنصوص عليها في النظام الداخلي، وفقد هذا الحزب المتميز بشجاعة وبطولة اعضاءه وقدراتهم النضالية العالية في الدفاع عن مصالح امتهم وابناء شعبهم ضد النظم الديكتاتورية العميلة، وبمستواه التنظيمي الدقيق، وانفتاحه المرن على تجارب وافكار الاخرين، فقد روح الابداع والمبادرة، وانعدمت اي قيمة فعلية لمؤتمراته الدورية المنصوص عليها في النظام الداخلي والتي كانت تتناول خلال فترات إنعقادها كل ما له علاقة بالدولة والحزب بالنقد والتقييم الجريء والصريح إبتداء من ادنى القيادات صعودا نحو المؤتمر القطري، أعلى سلطة في الحزب الذي تناط به مهمة وضع إستراتيجية عمل الدولة والحزب للفترة المحصورة بين مؤتمرين متتاليين. والذي يختتم عادة باجراء عمليات انتخاب ديمقراطية لقيادات الحزب المختلفة. وبدلا عن ذلك تحولت مؤتمرات الحزب الى مناسبات لفرض المزيد من السطوة الفردية والهيمنة والارهاب الفكري والترويع على جهاز الحزب يوم بعد اخر، تطبيقا حرفيا للنزعة الستالينية، وتراجعت تلك القيم والمباديء النبيلة التي اكسبت البعث دورا مهما في ساحة العمل الوطني والقومي خلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، فحلت ظاهرة بسط الهيمنة التامة على الحزب وترويضه لصالح الفرد.


لقد نمى البعث في بدايات نشوئه الاولى على منطلقات فكرية ترفض عبادة الشخص والفكر الشمولي ونظرية الحزب الواحد التي كان اول من طرحها وتبناها في الساحة العربية هو أديب الشيشكلي، بعد ان سبقه الى ذلك كل من الشيوعيين والفاشيين، وكان جهد قيادات هذا الحزب مركزا منذ عام 47 على تنشئة جيل واع وحركة عربية منفتحة، تؤمن بالحوار والانفتاح على الاخر، وكان عضو القاعدة مساويا من حيث القيمة النضالية لدور عضو القيادة، كما كانت تشجع المبادرات والابداع الفكري والنضالي للبعثيين، وكانت جهود المؤسسين الاوائل مكرسة لبناء هذا الحزب على اسس اشتراكية ديمقراطية، الا ان البعث مع اقترابه من استلام السلطة عام 63 في العراق، ومع تعقيدات الوضع السياسي السائد آنذاك بدات تظهر في عدد من ادبياته السياسية ما يشير الى بداية تخليه عن تلك المنطلقات الفكرية ، بدلا من العمل على إغنائها وتطويرها وتحويلها الى ركائز اساسية متميزة في الحكم.


وبدلا من الاستفادة من اسباب فشل تجربتي ثورة 1958 و1963 في ادارة شؤون الدولة وكذلك فشلها في إدارة العلاقات الوطنية، وتجنب الوقوع في الاخطاء التي وقعت بهما الثورتين المذكورتين فان قيادة البعث التي قادت ثورة 17 تموز عام 1968 بعد ان تخلصت في وقت مبكر من عدد لا يستهان به من المناضلين الاشداء الملتزمين بفكر الحزب ومنطلقاته النظرية، سرعان ما تبنت فكرة الحزب القائد والفرد القائد ومن ثم القائد الضرورة في تراجع خطير عن العديد من المفاهيم والمقررات المقرة من قبل مؤتمرات الحزب القومية والقطرية ومن قبل قيادته في العراق. وبدلا من حشد وتكريس الامكانيات الفكرية في الحزب وخارجه من اجل تطوير مشروع حكم في العراق يجعل من تجربته نموذجا يحتذى به وترجمة لحلم كان يراود الكثير من المناضلين العرب، فقد لجات القيادة الى المفاهيم الستالينية في شكل الدولة وكيفية ادارتها
ومثلما نجح الخط التحريفي في تعطيل اليات العمل بصورة شاملة داخل حزب البعث والغاء العديد من تقاليده النضالية والتنظيمية والعبث بكل صغيرة وكبيرة لها علاقة بهذا التنظيم، فقد حقق ايضا نجاحا مدهشا في فرض سيطرته الكاملة على اجهزة الدولة المختلفة، وتوظيفها لخدمة تلك النزعة التحريفية المدمرة مستعينا بجيش جرار من نهازي الفرص وذوي النفوس المريضة من الاعلاميين، والسياسيين، فكل مواطن عراقي اصبح في منطقهم بعثي وان لم ينتم!! هذه المقولة التي احتارت العقول في تفسيرها وفهمها.


وبعد ان تمت السيطرة على كل جزئيات الحياة في العراق بتفاصيلها الدقيقة، بدأت حملة إعلامية من الوزن الثقيل لترويج تلك الشعارات والمصطلحات التي تبشر بقيادة الفرد وعبقريته الفذة ( القائد الضرورة) على حساب قيادات الحزب الجماعية والكوادر المتخصصة في شتى المجالات تغزو اسماع وعقول البعثيين قبل غيرهم من المواطنين العراقيين الاخرين. وبتطبيق حرفي لنظرية وزير الاعلام النازي غوبلز لم يرى المواطن العراقي، بعثيا كان او غير بعثي، سوى الوجه السلبي للحقيقة، وفقد في لجة ذلك الاعلام الغوغائي مقدرته على التمييز بين الاشياء، فسقط سقوطا مدويا امام ذلك الكم الهائل من الدجل والكذب والتزوير والاعلام المظلل، الى جانب ما كان يمارس ضده من اساليب الارهاب والقمع الدموي وضد من يحاول التفكير، مجرد التفكير في الاعتراض او النقد لتلك الاساليب التي سادت ومورست على نطاق واسع والتي راح ضحيتها مناضلين معروفين، من اكثر البعثيين اخلاصا ووفاء لقيم الحزب القومية التقدمية.واصبح البعثيون المخلصون يعانون من حالة احباط وازدواج في الشخصية، ففي الوقت الذي يشاهدون فيه المؤامرة الدولية التي تستهدفهم وتستهدف بلادهم، ويجري العمل على تطويرها وانضاجها وتوفير وتحشيد كل مستلزمات نجاحها، يجدون انفسهم مسلوبي الارادة والقدرة على الفعل الجاد لدرء ما يخطط ضدهم، الامر الذي فرض عليهم شعورا بالهزيمة المعنوية والنفسية قبل وقوع الهزيمة العسكرية الكارثية.



ومن العجب العجاب ان نجد قيادات وكوادر الهزيمة وهي تعود لممارسة مسؤولياتها القيادية في الحزب من جديد بنفس الاساليب والعقليات التقليدية التي ادت الى الكارثة التاريخية التي راح ضحيتها العراق برمته ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وكأن شيئا لم يحدث، باستثناء بعض الاشارات الخجولة التي وردت في التصريحات او البيانات الاخيرة التي صدرت عن السيد عزت الدوري والتي لا ترقى الى مستوى الحد الادنى مما يطمح له البعثيون، فلا ندوة متخصصة ولا مؤتمر قومي او قطري ولا حتى مجرد إجتماع موسع يشارك فيه عدد من كوادر الحزب الثقافية يكرس لاعادة تقييم ما حدث ومحاولة بناء استراتيجية جديدة تواكب وتعالج مستجدات الاوضاع المعقدة المترتبة على تلك الهزيمة التي مني بها الحزب. أما من يحاول ممارسة حقه المشروع في المطالبة بالنقد والنقد الذاتي فانه سرعان ما يوضع على لائحة المتهمين بالتآمر على الحزب، تماما مثلما كان عليه الامر قبل الاحتلال، مع فارق لا يستهان به هو ان قيادات الحزب الراهنة لا تملك سلطة تنفيذ أحكام الاعدام على ايدي جلاوزتها المتكتلين في مواقع الانترنيت وكأنهم خلايا دبابير سامة جاهزة للسع هذا ولسع ذاك من الرفاق بتوجيه تهم جاهزة، بالتامر والخيانة والعمالة للمحتلين او لايران او لسلطة المنطقة الخضراء في العراق.


فمتى يا ترى سيتم استيعاب الدرس؟ وهل هناك ما يشي بامكانية حدوث هذه المعجزة في المستقبل القريب، أم ان بعض من بقي من قيادات الحزب المختلفة لم تعد في وارد القدرة على التخلص من عقدة الشعور بالمسؤولية عن كل ما جرى للعراق والعراقيين؟ وذلك من خلال إصرارها على انجاز مشوارها التدميري حتى القضاء النهائي على البعث ورسالته القومية التقدمية؟؟؟؟؟؟


2010/10/15
صلاح عمر العلي

الدكتور عادل رضا
11-16-2010, 05:09 AM
إتفقوا أم لم يتفقوا، فإن كارثة ألعراق، ستتواصل بكل فصولها المفجعة، ومأساة الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه وانتماءاته السياسية، ستتعمق يوما بعد آخر، لأن الولايات المتحدة الامريكية لم تاتي بهم بعد احتلالها للعراق وتدميره لتحقيق ألرفاه والأمن والحياة الآمنة ألكريمة وحقوق الانسان والديمقراطية والعدالة للشعب العراقي، ولا لضمان وحدة وسيادة العراق على كامل ترابه الوطني، والمحافظة على ثروات البلاد وتوظيفها لخدمة أبناء العراق، دون تفرقة او تمييز.

إن الاعوام السبعة العجاف التي عاشها العراقييون في ظل الاحتلال وعمليته السياسية الدموية ومن أًسندت لهم مسؤولية إدارتها من العراقيين التي لم نشهد خلالها سوى تخريب البلاد وتدمير مؤسسات الدولة ونهب الثروات والفساد الذي شهدت به مختلف المؤسسات الدولية المعتبرة، وقتل مئات الالاف من الابرياء وزرع سموم الطائفية والمحاصصات الإثنية والارهاب الدموي لا تمنحنا أية فرصة للإعتقاد أو الوهم بأن من مارسوا تلك الافعال الشنيعة بحق بلادنا وشعبنا سيعلنون التوبة وطلب الغفران من الشعب العراقي، معربين عن ندمهم وأسفهم على ما مارسوه من تدمير منهجي ونهب وقتل طوال تلك الاعوام، وأنهم سيكرسوا جهودهم وطاقاتهم من أجل إعادة بناء البلاد من جديد.

إن اللصوص كثيرا ما يختلفون فيما بينهم، ولكن جذور تلك الخلافات وأسبابها ليس لها علاقة بالاخلاق ولا المباديء، ولا بمصالح الاخرين، لأن اللص مثله مثل كل اللصوص الاخرين، لا يمكن ان يغير من طبعه ولا من سلوكه المريض، فالخلاف بينهم خلاف على المغانم والمكاسب وعلى من يجب أن يحضى بحصة الاسد من الغنيمة التي قاموا بسرقتها، وهو ما يوضح لنا ويجيب على تساؤلات العديد من الناس، عراقيين أو غير عراقيين، عن خلفيات وأسباب الصراع المحتدم منذ ثماني أشهر بين أطراف العملية السياسية في العراق.

لقد استعرت الخلافات بينهم واشتدت ازمتهم، ودخلت عمليتهم السياسية المتهاوية والآيلة للسقوط في مأزق حقيقي بات يهدد بإنهيارها الكامل، الامر الذي دفع راعيتهم وولية نعمتهم الولايات المتحدة الامريكية لبذل جهود متواصلة من أجل إنقاذ عمليتهم السياسية التي حققوا من خلال مسؤوليها من العراقيين، بعضا من المكاسب التي لا يستهان بها، كالتوقيع على عقود نفطية لاجال طويلة وباسعار تفاضلية، وكذلك التوقيع على اأاتفاقية ألامنية التي تضمن وجودا عسكريا ومخابراتيا لهم لسنين طويلة قادمة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية قام نائب الرئيس ألأمريكي جو بايدن ونائب وزيرة الخارجية ووفود من الكونغرس ومجلس الامن القومي بالاضافة الى وزيرة الخارجية بزيارات عديدة خلال الاشهر الثماني التي اعقبت ما سمي بعملية الانتخابات البرلمانية في العراق، يساند ويدعم تلك الزيارات والجهود الامريكية بعض من دول الجوار العراقي ممن تسابقوا مع غيرهم من الدول في الاعتراف بسلطة المحتل الامريكي في العراق باساليب شيطانية ماكرة، من أجل دفع الاطراف المتنازعة، على التوصل الى صيغة من صيغ ألاتفاق، بسبب تلاقي المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة وتلك الدول.

وقبل ايام قليلة طرحت مبادرة مسعود البرزاني لحل ازمتهم الداخلية، وهي مبادرة في تقديرنا لا يمكن ان تكون بعيدة عن موافقة ومباركة الادارة الامريكية إن لم تكن أصلا مبادرة أمريكية بواجهة كردية. وجرت لهذا الغرض لقاءات تمهيدية في كل من بغداد وأربيل، تمهيدا لعقد إجتماع يضم قادة القوائم الانتخابية، لنفاجأ بإعلان السيد البارزاني في مؤتمر صحفي عن الاتفاق فيما بين المجتمعين على صيغة جديدة لتقاسم السلطة والنفوذ فيما بينهم، وان الطريق أصبح مفتوحا امام عقد جلسة جديدة لمجلسهم البرلماني (الموقر) من اجل اقرار تلك الاتفاقات السياسية التي حسمت في أربيل، مكتفيا بالقول ان الصيغة التي تم الاتفاق عليها هي ان رئاسة الجمهورية اسندت لجلال الطالباني ورئاسة الوزراء اسندت مرة اخرى للمالكي ووزارة الخارجية للدكتور صالح المطلق ورئاسة البرلمان للسيد اسامة النجيفي اما طارق الهاشمي فانه سيكون نائبا لرئيس الجمهورية واما الدكتور العيساوي فسيكون نائبا لرئيس الوزراء. واما الدكتور اياد علاوي فسيكون رئيسا للمجلس الوطني للسياسات الستراتيجية.

كما اعلن علاوي من جانبه بان جو بايدن نائب الرئيس الامريكي اجرى اتصالا تلفونيا معه في نفس اليوم ليشكره نيابة عن الرئيس اوباما على تنازله عن منصب رئاسة الوزراء مؤكدا له بانه سيكون رئيسا للمجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي ستكون له صلاحيات شبيهة او قريبة من صلاحيات رئيس الوزراء وان يكون له مائة مستشار وفوجين بدلا من فوج للحماية، وذلك بتعهد من الرئيس الامريكي اوباما، مؤكدا له بان انتخابه لرئاسة المجلس ستكون قبل رئاسة الوزراء. وما أعلنه علاوي يؤكد لنا من جديد بأن المبادرة التي طرحها السيد مسعود البارزاني مبادرة امريكية بصورة كاملة، فهذه المعلومات لو كانت متوفرة لدى السيد البارزاني لاعلن عنها مع ما اعلن من المعلومات المقتضبة في مؤتمره الصحفي.

لقد حدد صباح يوم أول من امس موعدا لعقد تلك الجلسة (الميمونة)، الا انها اجلت الى الساعة الثالثة من بعد ظهر نفس أليوم، وقبل الساعة الثالثة اعلن مرة اخرى عن تاجيلها الى الساعة السادسة مساء، وفي جو من الهرج والمرج والفوضى وعدم توفر الحد الادنى من النظام والانضباط في داخل قبة البرلمان تم الاعلان عن بدء الجلسة رسميا من قبل رئيس السن الدكتور فؤاد معصوم مطالبا باجراء انتخاب لرئيس البرلمان، أُعلن بعدها عن فوز أُسامة النجيفي برئاسة المجلس، وبعد ان باشر النجيفي مهامه، اعلن ان الخطوة الثانية تقضي بانتخاب رئيس للجمهورية، وحال انتهاءه من هذا الاعلان الذي جاء تعبيرا صارخا عن إخلال وتنصل المالكي والطالباني بالاتفاق السياسي الذي حصل بين رؤساء القوائم الذي أعلن عنه مسعود البارزاني، فجاءت أولى ثماره السلبية في إنسحاب ممثلوا القائمة العراقية من القاعة ، تاركين خلفهم العديد من التساؤلات والالغاز الغامضة التي لم تجد لها تفسيرا او جوابا منطقيا ومعقولا سوى التاكيد من جديد بان هؤلاء الحاكمين هم مجموعة من اللصوص التي لا يهمها مصالح الاخرين بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية على حساب مصالح الوطن والشعب العراقي الذي ما زال يحترق في اتون تلك الصراعات العديد من ابنائه الابرياء في كل يوم.

لا شك ان بعض المطالب التي تتبناها القائمة العراقية مثل رفض الطائفية كنظام للدولة والمطالبة باطلاق سراح مئات الالاف من المعتقلين الابرياء وايقاف العمل بقانون المسائلة والعدالة وإصلاح الجيش تدغدغ مشاعر اوساط واسعة من ابناء العراق، ولكننا نتساءل، هل سيستمر ممثلوا القائمة العراقية في هذا البرلمان متمسكين بها بعدما ينالون ما وعدوا به من مناصب ومكاسب؟ وهل باستطاعتهم تغيير اي شئ نحو الافضل في ظل عملية سياسية بنيت على ثلاث مرتكزات اساسية هي اولا استخدام اجهزة الدولة لارهاب شعب العراق واحراره وثانيا افقار الشعب وتدمير حياته اليومية واستخدام المال العام في الفساد والافساد وثالثا التحايل والتضليل والعصبوية الطائفية ؟

ولكي نكون اكثر وضوحا وصدقا، فإننا نرحب مبدأياً بكل خطوة أو محاولة جادة تستهدف إنهاء معاناة شعبنا العراقي، ولكننا اعتمادا على تجربة السنوات الماضية، لا نرى ان العملية السياسية القائمة على ارهاب الحكومة وعلى الفساد ونهب ثروات البلاد وتمزيق المجتمع وتدمير الطبقة المتوسطة من عسكريين وسياسيين ومهنيين ومثقفين واختصاصيين التي هي اساس بناء المجتمع واساس بناء الديمقراطية والتي اصبحت اليوم إما مهجرة وإما مضطهدة وإما مهمشة، قادرة ان تحل اية مشكلة من مشاكل العراق حتى على مستوى حياة المواطنين اليومية.

وان الحل لمشكلتنا المزمنة لا يمكن تحقيقها الا من خلال نضال العراقيين – كل العراقيين – على مختلف نشاطاتهم وقناعاتهم واتجاهاتهم السياسية وان يتحدوا معا من أجل وطنهم وباي صيغة من الصيغ التي تضمن تكتيل وتجميع كل الطاقات الخيرة في مجتمعنا وتظافر كل الجهود المؤمنة بحتمية الانتصار النهائي للشعب مهما غلت التضحيات.

صلاح عمر العلي

الدكتور عادل رضا
11-20-2010, 04:33 AM
جريمة كنيسة النجاة..... والذاكرة العراقية

صلاح عمر العلي
iraqliberation@gmail.com


ذاكرة الشعوب لا تُمحى. فهي محفوظة في سجلات ذلك الشيخ الجليل ألقابع في صومعة الحق والحقيقة، ذلكم هو التاريخ، وسجلاته لا يطالها التشويه او التبديل او التزوير. فقد سجل لنا التاريخ قصة الانسان منذ بدء الخليقة الى الان وسيستمر في أداء مهمته هذه ما دام هناك انسان على وجه الارض. والتاريخ لا يترك صغيرة ولا كبيرة، نافعة أو ضارة، الا ودونها في كتاب مبين. فمن يريد الانتفاع من تجارب الماضي، وإستخلاص العبر والدروس، عليه العودة الى تاريخ شعبه أو الشعوب الاخرى. والعراق كما يجمع المؤرخون يحتفظ بأقدم وأغنى ذاكرة حضارية وتاريخية على وجه الارض، ما يغني المواطن العراقي عن الحاجة للبحث في تاريخ الشعوب الاخرى، لأي غرض من الاغراض ولاي سبب من الاسباب.

ففي الصفحة الثلاثين من كتابه القيم المعنون (مصرع الكولونيل ليجمن) يقول الكاتب المرحوم عبد الجبار العمر: كان الفرات الاوسط قد آذن الاحتلال بحرب منه (يقصد الاحتلال البريطاني- كاتب المقال) فجمع ليجمن شيوخ عشائر "لواء الدليم" في الرمادي (بهدف اثارة مشاعرهم الطائفية – كاتب المقال) وأولم لهم وليمة فاخرة، وقال لهم:

هنالك إضطرابات في النجف وما حولها ونريد أن نتعرف على آرائكم بشأنها.

( ولقطع الطريق على الكولونيل لجمن لاثارة تلك الفتنة – الكاتب) بادره ضاري "ويقصد الشيخ ضاري المحمود شيخ مشايخ زوبع"بقوله:إن أهل النجف يريدون حكومة وطنية لعموم العراق ونحن نتفق معهم بذلك.

فأجابه ليجمن بقوله: وأنا أتفق معكم بهذا الخصوص وأعطف على مطاليبكم الوطنية، ولكن حكومة صاحب الجلالة في حيرة من أمرها، هل تجعل حكومة العراق شيعية أو سنية؟

أجابه ضاري: ليس هناك شيعة وسنة في العراق، فالكل مسلمون ومن عنصر عربي.

فتجاهل ليجمن جواب ضاري، وعقب كما لو انه يتم كلامه، وقد قررت الحكومة أن تأخذ رجال الدين هناك بالعقاب بجريمة التحريض على الاغتشاش. فألح ضاري الذي كان مصرا على الكلام خشية ان يأخذ باطرافه أصدقاء ليجمن ويؤثروا على الحاضرين بآرائهم الشاذة: هم أًولو أمرنا في الوقت الحاضر وذلك لعدم وجود حكومة شرعية في العراق وطاعتهم واجبة على كل مسلم واذا اتخذت الحكومة إجراءات ضدهم فسنكون الى جانبهم مهما أصابنا من جراء ذلك... وبهذا الموقف أبطل ضاري لعبة ليجمن الطائفية، وعندما عاد ضاري الى ديرته واجتمع برهطه قال لهم بنبرة ذات مغزى: لقد كسبت لكم عداوة الكرنل.

وفي الصفحة 31 من الكتاب نفسه، يكمل السيد العمر قائلا: وفي عام 1900 بالضبط رد آية الله الميرزا حسين الشيرازي رحمه الله القنصل البريطاني ببغداد ردا غير جميل لأن الاخير أراد أن يستغل حادثة وقعت للامام في سامراء فعرض عليه حماية بريطانيا العظمى على ما حدثني به الاستاذ علي آل بازركان رحمه الله. ويستمر السيد العمر قائلا: ولكي ننصف الاستعمار فانه لا يفرق في تنفيذ خططه بين مسلم ومسيحي.

روى الشيخ كاظم الدجيلي في رسالته التي كتبها الى الاب انستاس ماري الكرملي عن ثورة العشرين أن الانكليز بعد أن يئسوا من إيجاد ثغرة بين المذاهب الاسلامية عمدوا الى إثارة الشحناء بين الطوائف الدينية وذلك باختلاق وسيلة يتوصلون بها الى الفتك بأهل بغداد، وقد أعدوا الفرصة المناسبة لذلك يوم عيد الجسد، وتدبروا تلك المكيدة الشنيعة وهي أنهم يأتون بعدة رجال من البوليس الوطني ( ما اشبه الليلة بالبارحة) من خادمي أفكارهم من المسلمين ويلبسونهم ثياب العلماء الاسلامية وعمائم بيضاء ويعطون بيد كل واحد منهم مسدسا ويتركونهم يندسون مع المتفرجين حتى اذا مرت الحفلة في الجادة الكبرى هجموا عليها وقتلوا من صبيانها وصباياها بضعة أنفس وبذلك يتسنى للحكومة ضرب الاهلين والمطالبة بحفظ الاقلية باسم الدين (مثلما يحصل هذه الايام تماما) . ولما طرق خبر هذه المؤامرة الفضيعة مسامع النصارى خافوا على اولادهم وبناتهم من القتل فاوعزوا الى رؤسائهم الروحيين انهم لا يرسلون اولادهم وبناتهم للاشتراك باحتفال عيد الجسد الا اذا كان الاحتفال لا يخرج عن المحلة التي في دائرة الكنائس الاربع! (التي تقع في منطقة السنك) اللاتين والسريان والارمن والكلدان.

ولما سمع المسلمون بهذه الحالة ونوايا الحكومة السيئة ارادوا أن يزيدوها غيضا على غيض فاجتمعوا في يوم الاحتفال الذي وقع في عصر الاحد 6 حزيران وساروا جمعا واحدا الى كنيسة الكلدان حيث يكون الشروع بهذا الاحتفال المقدس فيها، واشتركوا فعلا بالاحتفال مع النصارى، ولم يكتفوا بذلك بل انقسموا قسمين قسم اشترك بالاحتفال والقسم الاخر وقف صفين على الطريق الذي تقرر ان يمر منه المشهد ففرشوه بالسجاد النفيس وحملوا بايديهم الورود الكثيرة المختلفة الالوان وماءها ايضا. ولما مر مشهد المحتفلين من بينهم أخذوا ينثرون عليهم الورود ويرشون ماءها ويهتفون لهم مع التصفيق القاصف بقولهم:

ليدم مجد السيد المسيح

ليحيى آباء الكنيسة

لتعش الجامعة الوطنية

ليدم الاتفاق العراقي

ليحيى إخواننا المسيحيون

لتحيى الجامعة القومية.

فكنت تسمع قسوس النصارى مع تابعيهم يحيون المسلمين هاتفين بقولهم:

ليعش إخواننا المسلمين

ليعش العرب

أما الانكليز الذين اشتركوا في الحفلة فكانوا يتميزون غيضا من جراء هذه الحالة............." .

وهناك رواية اخرى لما حدث يوم الاحتفال بعيد الجسد، وان كانت لا تخرج في معناها العام عما كتبه السيد عبد الجبار العمر الا اننا نرى مما له مغزى في هذه الايام التي يتعرض فيها العراق المحتل الى المزيد من المكائد والمؤامرات الهادفة الى تفكيكه وتقسيمه ومن ثم تدمير ما بقي من كيانه. فقد قيل بان خبر المؤامرة البريطانية هذه وصل الى مقر المجاهد الكبير الشيخ مهدي الخالصي في الكاظمية قبل بدء الاحتفال بيوم، فما كان منه الا ان يوجه دعوة عاجلة الى عدد كبير من علماءالمسلمين شيعة وسنة للاجتماع والتباحث حول كيفية إحباط المؤامرة البريطانية. وفي ذلك الاجتماع تقرر ابلاغ رؤساء الطوائف المسيحية بخبر المؤامرة البريطانية وعندما وصل الشخص الذي أُوفد من الاجتماع الى رجال الدين المسيحيين واخبرهم بما لديه قالوا له باننا علمنا ايضا بهذه المؤامرة ولكي نفوت على الانكليز هذه المكيدة قررنا الغاء احتفال هذا العام ولكن اخوانهم المسلمين اجابوهم على الفور باننا نصر على إقامة الاحتفال بحمايتنا نحن علماء المسلمين لكي يعرف الانكليز باننا شعب واحد بديانات وطوائف مختلفة. وهو ما حدث فعلا.

ولابد ونحن نورد هذه القصص المشرقة من تاريخنا المجيد ان نذكر القاريء الكريم بان تلك القصص وعشرات من امثالها وقعت قبل تسعين عاما من الان، في وقت كانت الثقافة السائدة آنذاك متدنية جدا لدى المواطن، وهي في الغالب الاعم ثقافة دينية، وأما الوعي السياسي فقد كان محصورا في دائرة ضيقة من الاشخاص، لإن ألبلاد كانت خارجة توا من ادارة الدولة العثمانية التي استمرت في العراق قرابة خمسة قرون ونصف، الا ان الشعور الوطني وحب الوطن والتمسك بروح المواطنة لدى العراقيين تغلبت على كل ما عداها من المعايير، التي لم تجلب لنا في الماضي ولا في الحاضر سوى الكوارث والمآسي والمحن، سواء مع المحتلين الاوائل أو الجدد. واذا كانت بريطانيا قد لعبت تلك الادوار التخريبية في العراق خدمة لمصالحها في عشرينات القرن الماضي حيث لم يشهد ذلك القرن هذه الثورة العملاقة في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والاعلام العابر للقارات والاموال الطائلة والاسلحة الفتاكة وجيش المتطوعين من العراقيين لخدمة مآرب المحتل الامريكي ومخططاته الاجرامية، فماذا على الانسان أن يتوقع من هذا المحتل وهو يعاني ما يعانيه منذ سبعة أعوام من المقاومة الباسلة التي الحقت به اضرارا وخسائر في شتى مجالات الحياة عسكريا وماليا وسياسيا وبشريا وبالمعدات العسكرية المختلفة! فهل الفاجعة الدموية التي تعرض لها المصلون المسيحيون في كنيسة النجاة او في الآلاف من الجوامع والحسينيات الا من إنتاج المحتل وعملاءه المنبثين في كل زاوية من زوايا العراق.

إنني أكاد آجزم بان ما حدث لكنيسة النجاة من تدمير كامل وقتل عشرات الابرياء من النساء والاطفال والرجال سوف لن يكون الاخير، بل سيتكرر مرات ومرات للكنائس والمساجد والحسينيات ما دام ذلك الفعل الشنيع يخدم مصالح المحتلين في تفرقة الشعب واضعافه. ولا يحسبن احدكم بان مؤسسة عراقية دينية أو غير دينية سوف تكون في منجاة من تخريبهم اذا لم نقتف أثر آباءنا واجدادنا العظام قادة ثورة العشرين في الحرص الشديد على وحدة الوطن والشعب، تاركين الخيارات الدينية والمذهبية والسياسية خلف ظهورنا، حيث كانوا يضعون مصلحة البلاد الوطنية العليا كشعار عام، وهم يواجهون بصدورهم العارية وباسلحتهم البدائية وبايمانهم بالدفاع عن شرف الوطن وسيادة الشعب جنود المحتلين البريطانيين. ولم اقرأ في اي كتاب من الكتب التي تؤرخ لهذه الثورة العظيمة وقادتها الابطال أن احدا منهم طالب باقامة حكومة شيعية أو سنية أو حتى حكومة اسلامية بل كانت مطاليبهم تتركز على قيام دولة مدنية دستورية وديمقراطية، لانهم كما يبدو كانوا اكثر وعيا بطبيعة التركيبة الاجتماعية للشعب العراقي واكثر إيمانا من جيلنا بأن وحدة البلاد ومستقبلها لا يمكن ضمانهما الا بما يتساوق مع تلك المطاليب التي كانت تمثل الاهداف الكبرى لثورتهم، وبهذا تركوا لنا إرثا وطنيا خالدا. فهل تعلمت أجيالنا الراهنة شيئا من ذلك التراث؟!!

ومن نافلة القول بأن على المبدعين والكتاب والمحللين السياسيين والمثقفين العراقيين عموما، كما على كل الوطنيين العراقيين مهما إختلفت إتجاهاتهم، تقع مسؤولية التوعية ونشر الثقافة الوطنية من خلال التاكيد دائما وباستمرار ان من يمارس عملا اجراميا ضد اي مواطن عراقي مهما كان دينه او مذهبه او انتماؤه السياسي لا يمكن الا ان يكون اداة رخيصة بيد المحتل الامريكي لتنفيذ مخططاته، وخادما لمشروعه الرامي الى البقاء والاستقرار على ارضنا وفي بلادنا وتوفير المناخ الملائم لهذا المحتل لنهب ثرواتنا وإذلال شعبنا وسلب حريتنا وسيادتنا وحرماننا من ابسط شروط الاستقرار والتقدم العلمي. لتتوحد كل الجهود وتتكرس كل الطاقات الكامنة في شعبنا العراقي من أجل مقاومة المحتل وافشال مشروعه في العراق بشتى انواع المقاومة عسكريا وسياسيا وثقافيا وفكريا وإجتماعيا وقانونيا، وتحريم أي عمل يستهدف ابناء شعبنا العراقي أو مؤسساته العامة،وإدانته وفضحه على أوسع نطاق.




19/11/2010

الدكتور عادل رضا
12-27-2010, 06:57 PM
وحدتنا الوطنية ضمانتنا في افشال مشاريع تقسيم العراق
صلاح عمر العلي
لم يسجل المؤرخون العراقيون، منذ ما يزيد على قرن من الزمن، أية حادثة تصادم ذات خلفية طائفية بين الشيعة والسنة العراقيين، مهما كان حجمها، صغيراً أو كبيراً، في جميع انحاء العراق بين أبناء القبائل أو العشائر في ألبوادي ألواسعة أو ألريف ألعراقي ألممتد من شماله إلى جنوبه، أو على مستوى ألمدن، بين ألجماعات، أوعلى مستوى ألافراد.
ولو قرأنا كتاب ألمؤرخ ألعراقي ألكبير ألعلامة جواد علي المعنون “المفصل في تأريخ العرب قبل ألاسلام” بأجزائه ألعشرة، ومعه كتاب ألمحامي عباس ألعزاوي “عشائر ألعراق” ألذي يعتبر من أهم ما كتب عن ألعشائر ألعراقية في ألقرن ألماضي، بكامل أجزائه، لإكتشفنا بوضوح عمق ألروابط ألتاريخية وعلاقات ألنسب ألقائمة بين عشائر ألعراق والعشائر ألعربية في باقي أجزاء ألجزيرة ألعربية.
وعلى إمتداد تاريخ هذه ألامة كانت ألقبائل ألعربية تتنقل وترحل من منطقة إلى أخرى طلبا للكلأ والماء وتوفيراً لوسائل العيش والامن لها ولمواشيها وحيواناتها. ولما كان ألعراق يضم أكبر نهرين في ألمنطقة هما دجلة والفرات، بالاضافة لمياه ألامطار الغزيرة، وتتوفر فيه مساحات شاسعة من ألاراضي ألزراعية ألخصبة، ألتي إستحق بفضلها تسمية “أرض السواد” فقد أصبح في مراحل مبكرة من بزوغ ألحضارة ألعربية هدفا لإستيطان ألعشائر ألعربية، حيث ألمياء ألوفيرة والمراعي ألغزيرة ومصادر ألعيش ألاخرى متوفرة بأيسر وأسهل الطرق، قياسا بباقي ألاقطار ألاخرى.
وعلى مستوى ألداخل ألعراقي يحدثنا ألمرحوم عباس ألعزاوي عن أسماء تلك ألعشائر واُصولها وأنسابها وصلات ألقربى بينها وبين ألعشائر ألعربية ألتي كانت تعيش في باقي ألبلدان ألعربية، كما يحدثنا عن حركة ألتنقل والترحال ألتي كانت متواصلة ومستمرة لتلك ألعشائر بين مختلف مناطق ألعراق، بنفس ألدوافع ألتي كانت تجبر ألقبائل ألعربية في أطراف ألجزيرة ألعربية على ألترحال هنا أو هناك من أرض ألعرب ألواسعة. فكنت ترى قبيلة أو عشيرة تسكن في جنوب ألعراق لفترة زمنية، قد إنتقلت إلى وسط أو شمال ألعراق وإتخذت من هذه ألمنطقة أو تلك مقراً وسكنا لها بينما يحدث ألعكس في أحيان أُخرى حيث تجد عشيرة كانت تسكن في ألموصل أو ديالى أو ألانبار وقد إنتقلت إلى ألجنوب ألعراقي وإستوطنت فيه لنفس ألاسباب، إضافة لأسباب أُخرى قد تكون طارئة أجبرت تلك ألعشيرة أو ألقبيلة على ألرحيل من منطقة سكنها إلى منطقة أُخرى، وهو ما يحصل في حالات ألنزاع أو الصراع بين بعضها ألبعض.
ولم يقتصر ألأمر على ألعرب فقط، بل شمل ألأكراد والتركمان أيضا، حيث نجد عددا من ألعشائر ألعربية ألتي أجبرتها الظروف على ألعيش في مناطق ألتركمان أو ألأكراد ألعراقيين لسنوات طويلة من ألزمن وقد أصبحوا تركمانا أو أكرادا، كما حصل العكس أيضا حيث هناك العديد من العشائر والعوائل التركماتية تحولت هي الاخرى الى العربية لنفس الاسباب والمبررات، وتحضرني بهذه ألمناسبة قصة لا تخلو من مغزى، وملخص هذه القصة هو أنني سافرت بعد إعلان بيان 11 آذار عام 1969 ألقاضي بمنح ألأكراد حكما ذاتيا مع كل من ألسيد مسعود ألبارزاني وشقيقه ألأكبر إدريس إلى ألبصرة بطلب من رئيس ألجمهورية ألمرحوم أحمد حسن ألبكر فأقام مدير ألموانيء دعوة غداء لنا على ظهر يخت صغير في شط العرب، وكان معنا ألصحفي المعروف ألمرحوم أحمد بهاء ألدين، وقبل تناول وجبة الطعام وكنا أنا والمرحوم إدريس ألبارزاني نقف متطلعين إلى منظر شط ألعرب ومأخوذين بالمناظر الجميلة ألتي تحيط بجانبيه، خطر بذهني أن أوجه له سؤالا كان يدور في ذهني منذ زمن طويل، وكان يقف إلى جانبي السيد بهاء الدين. قلت للسيد إدريس ألبارزاني، سمعت أكثر من مرة بأن أصل عائلة البارزاني تعود في جذورها الى قبيلة عربية، فهل فيما يتداوله بعض الناس صحيح؟ أم أنه مجرد شائعات ليس لها نصيب من الصحة؟ أجابني ألسيد إدريس على ألفور ودونما تردد، نعم إن عائلة ألبرزاني عربية ألأصل وتنحدر من عائلة عباسية، ولكننا سكنا وتعايشنا وتصاهرنا وتعاملنا مع ألأكراد، طوال عقود من ألزمن، فأصبحنا جزءً منهم، وأختتم قوله بأنهم ما زالوا يحتفظون بشجرة العائلة.
والعراقي بما عرف عنه بعبقرية متميزة واهتمامه بالثقافة وعشقه للعلم والتعلم والبحث والابداع منذ فجر ألتاريخ حتى إكتسب تسميته “جمجمة العرب” بجدارة. فاذا كانت ألهند والصين ومصر قد نشأت كل منها حضارة في التاريخ ألقديم فإن ألعراق أنشأ عدد من ألحضارات كالسومرية والآشورية والبابلية والأكدية، ثم وأخيراً ألحضارة ألاسلامية، وهو أول من أخترع حروف ألكتابة وأول من صنع ألعجلة. وأول من شرع قانونا متطورا.
وفي وقت مبكر من بدء رسالة ألاسلام على أيدي ألرسول محمد بن عبد الله إستقبل ألعراقيون هذه ألدعوة وأحتضنوا قادتها وأئمتها ودعاتها ومرشديها ألاوائل، حتى أصبحت ألبصرة والكوفة والنجف وكربلاء وبغداد حواضر شاخصة لإحتضان رسالة اأاسلام وشواهد عظيمة على إعتزازهم بقادة وأئمة الاسلام الاوائل.ومع بروز ظاهرة ألاجتهاد وتعدد ألمدارس والمذاهب ألإسلامية وجدت في ألعراق ألحاضنة ألطبيعية والمرتع ألخصب لكل تلك ألفرق والمدارس والمذاهب، حتى آل ألامر في نهاية ألمطاف إلى أن يكون أكثرية أبناء ألجنوب ألعراقي من شيعة آل بيت رسول الله محمد “ص”، كما أصبح أغلب أبناء وسط وشمال ألعراق من أتباع ألسنة والجماعة، إلا أن هذا ألتوزع المذهبي لم يكن في يوم من ألايام تعبيراً عن إنشقاق أو خلاف أو صراع بين أتباع المذهبين، بل كان مبعثه ألاساسي مجرد إجتهاد إيماني ضمن مدرسة ألاسلام ألسامية ألتي إختص بها الله سبحانه وتعالى أبناء هذه ألامة وحملها مسؤولية نشرها ونقلها إلى باقي شعوب ألارض. فتجد في كثير من ألاحيان عشيرة من أتباع ألسنة والجماعة حينما تنتقل إلى جنوب ألعراق تتحول إلى ألمذهب الشيعي دون معوقات، بينما يحصل ألعكس في حالات أخرى فتجد عشيرة إنتقلت إلى شمال العراق فاصبحت من مقلدي ألسنة والجماعة، وعلى ألجانب ألآخر بقيت علاقات ألقربى والتزاوج قائمة ومستمرة بين أبناء تلك ألعشائر والمدن ألعراقية مستمرة ومتواصلة ولم تنقطع يوما من ألايام، فتداخلت ألعلاقات وتجذرت بين أبناء هذا ألشعب وإمتزجت بمرور ألايام والسنين حتى أصبح من ألسهولة أن تجد داخل ألعشيرة أو ألاسرة أو ألعائلة ألواحدة أفراد بعضهم شيعة والبعض ألاخر سنة، ويمكننا ألقول من ألصعوبى بمكان أن تجد عائلة عراقية ليس فيها شيعة وسنة، وهو ما لم تجده في ألعديد من ألبلدان ألعربية والإسلامية ألاخرى.
وعلى صعيد ألحياة أليومية للناس نجد لوحة جميلة نسجت خيوطها أيادي ألرواد من أبناء العراق الاوائل بحيث تكاد لا تجد دائرة من دوائر ألدولة ألرسمية مدنية كانت أو عسكرية أو إمنية ولا شركة أو مشروع تجاري أو صناعي، ولا مؤسسة تعليمية أو ثقافية ولا مدينة عراقية أو شارع من شوارع ألعاصمة بغداد أو أحيائها ألعديدة إلا وفيها مواطنون من كلا ألمذهبين وهم يعيشون حياتهم ألاعتيادية وعلاقاتهم ألودية برضى وقناعة ومحبة.

ومنذ ألإعلان عن تشكيل ألحكم ألوطني في ألعراق قبل قرن تقريبا من ألزمان إستقر هذا ألوضع على قواعد دستورية وقانونية وتطبيقية في جميع مجالات ألحياة فلم نجد عملا أو وظيفة حكومية مختصة بفئة من أبناء ألشعب ألعراقي دون أًخرى شيعة أو سنة مسلمين او غيرهم من أبناء ألديانات ألأُخرى. فالتدريسي في جميع مراحل ألدراسة إذا ما توفرت لديه شروط ألتوظيف فانه يشغل وظيفته دون أن يُسأل عن دينه أو قوميته، وكذلك ألطبيب والمهندس وفي القوات المسلحة.
وتعايش الشيعة والسنة وبقية العراقيين من ابناء الاديان الاخرى على مر العهود في الدولة العراقية الحديثة ، كمواطنين .تزاوجوا ، وتشاركوا في الاعمال والتجارة دون حساب للانتماء الطائفي او الديني . كما هي توجهاتهم السياسية كانت تخضع لقناعاتهم دون اي اعتبار مذهبي او ديني .توزعوا على الاحزاب والحركات السياسية يمين ويسار ، فبين الشيوعيين كما بين البعثيين والقوميين العرب كان هناك اعضاء قيادات واعضاء عاديين من مختلف التلاوين المذهبية ، قد لايعرف العضو حتى انتماء الاخرين الذين يعملون معه في نفس الخلية الحزبية (مقالة للدكتور موسى الحسيني بعنوان: الدونية لدى حسن العلوي)
وما اجمل قول رادود العباسية بمناسبة عاشوراء لهذا العام الذي عبر باسلوبه الشعبي وبكلمات بليغة عن وحدة شعبنا العراقي، اذ انشد قائلا:
شيعه وسنه احنه إخوان عشنه أبها الوطن
ما فـرقـنه كـل إرهـاب واعـبرن الـمـحـن
رادو دم يسيح ** إسلام ومسيح
باسمك يا شهيد الله ارفع صرختي
وبقي هذا الحال متواصلا ومتصاعدا وفقا لخط بياني واضح رغم انه لم يكن مثاليا ورغم ما حدث من بعض التجاوزات، التي لم ترقى الى مستوى الاخلال بالنظام الذي كان سائدا في العراق، حتى عام 2003 الذي شهد حربا عدوانية امريكية على العراق، ومن ثم احتلاله وتدمير دولته بالكامل، بذريعة تحريره من النظام الدكتاتوري واقامة نظام ديمقراطي في العراق.
دخل الجيش الامريكي ومعه العملاء والمرتزقة والمجرمين الدوليين بشركاتهم الامنية وبفرق الموت المدربة على ايدي نيغروبونتي الى العراق وهم يحملون معاولهم وفؤوسهم ليهدموا كل ما انجزته الاجيال السابقة من مظاهر التقدم العلمي والثقافي والحضاري وغيرها من اوجه الحياة العامة ولجرف وتدمير وتشويه كل صورة مشرقة وايجابية كانت سائدة في العراق، وتمزيق خارطته الاجتماعية التي كان كل عراقي يفخر بها ويعتز لكونها كانت تجسد اعلى درجات الوحدة الوطنية بين كل اطياف مجتمعنا بصورة مدهشة ورائعة خالية من وجود ندوب او خروق فيها، فبدلا من وجود عراق عربي بنسبة لا تقل عن 85 بالمئة من ابنائه من العرب الى جانب اخوانهم من الكرد والتركمان والاشوريين وغيرهم من الاقليات العراقية الاصيلة فقد اصبح العراق بفعل المحتلين الغزاة واعوانهم يتكون من كرد وشيعة وسنة، (في عملية توصيف غريبة على كل قواميس اللغة القانونية والسياسية والفقهية، فهي لم تعتمد اي اساس قومي أو ديني أوسياسي فالعراقيون من الناحية القومية هم عرب وأكراد وتركمان وغيرهم اما من الناحية الدينية فهم مسلمون ومسيحيون وأما على المستوى المذهبي فهم شيعة وسنة موزعين بين العرب والاكراد والتركمان)، كخطوة أولى على طريق تمزيق لحمة الشعب العراقي ووحدته الراسخة منذ أجيال طويلة من عمر العراق، أما المواطنون المسيحيوين فلم يترك لهم المحتلون الاوغاد اي مكان في خارطتهم الجديدة التي جاؤونا بها لفرضها على الشعب العراقي، وهو ما يفسر سكوتهم وتواطئهم على المذبحة التي يتعرض لها ابناؤنا النجباء المنشدون الى وطنهم من ابناء هذه الطائفة الكريمة.وامعانا منهم في الرغبة بالانتقام من العراقيين وتطلعهم لاذلاله وخلق الفتن والمشاكل بين ابنائه ودق اسفين في وحدته الراسخة كجبال العراق، فقد بدأوا بتاسيس نظام سياسي لا شرعي يعتمد إسلوب المحاصصة الفئوية بين المكونات الثلاثة التي قسموا بموجبها شعب العراق. والى جانب ذلك فقد عملوا على تاجيج الصراع الدموي بين مكونات الشعب وعلى الاخص بين الشيعة والسنة العرب من خلال تنفيذ عملائهم لعدد لا لايحصى من عمليات التفجير للجوامع والحسينيات وقتل بعض الرموز الدينية والسياسية والعلمية من هذه الطائفة او تلك وتسخير اجهزتهم الاعلامية المهيمنة على الاجواء العراقية لاستغلال تلك التفجيرات واعمال القتل في توجيه الاتهامات مرة الى هذه الجهة وثانية الى الجهة الاخرى ووظفوا مبالغ طائلة تقدر بمئات الملايين من الدولارات للوصول الى مبتغاهم الدنيء، الا انهم بائوا بفشل وخذلان ذريع، بفضل وعي شعبنا العراقي ومعرفته بما يخطط له المستعمرون الاوغاد في بلادنا من محاولات لخلق الفتن وتاجيج الصراعات بين ابنائه تماما مثلما حاول المحتلون البريطانيون مطلع القرن الماضي وفشلوا في مساعيهم مع العراقيين.
والى جانب تلك الممارسات الاجرامية المكشوفة الاهداف والغايات، التي اغرقوا بها شوارع بغداد وعدد من المدن العراقية الاخرى بانهار من الدماء بدأت ترتفع بعض أصوات غريبة على مسامع العراقيين مطالبة بفيدرالية في الجنوب مرة وفي الوسط العراقي ثانية وفي الانبار ثالثة، إعتقادا منهم بانهم سيلقون تأييدا وقبولا من أوساط الشعب العراقي لمشاريعهم الخبيثة التي تهدف لتمزيق كيانه الاجتماعي كمدخل لفرض الهيمنة والسيطرة عليه الى آجال طويلة من الزمن تطبيقا لقاعدتهم المعروفة “فرق تسد” التي كان المستعمر البريطاني أول من جاء بها الى العراق وفشل في فرضها على العراقيين في عشرينات القرن الماضي.
وبسبب فشلهم في تمرير مخططهم لمزيق عرب العراق الى شيعة وسنة، فقد بدأوا بتطبيق خطة جديدة لتمرير مخططهم التقسيمي وتتلخص في خلق فتنة بين المسلمين وإخوانهم المسيحيين العرب مبتدئين بتفجير كنائسهم واديرتهم ثم بعد ذلك باغتيال العديد من ابنائهم، ورهبانهم وقساوستهم، لكنهم لم يحصدوا مما فعلوه غير الخزي والعار الابدي فالشعب العراقي شعب واحد بقومياته واديانه ومذاهبه مثله مثل أغلب شعوب العالم شرقيه وغربيه.
هل توقف المحتلون عن المضي والاستمرار بمشاريعهم المشبوهة هذه؟ وهل سيتركوا الشعب العراقي يعيش بأمن وإطمئنان؟ وهل سيسمحوا له باختيار اسلوب ونمط الحياة التي ينشدها واختيار شكل النظام بمليء ارادته الحرة بعيدا عن ضغوطاتهم وتوجيهاتهم؟
ان واقع الاحداث الجارية منذ عام 2003 يجيبنا بالنفي القاطع، لأنهم لم يغزوا العراق ويحتلوه ليحرروا ألشعب ألعراقي من الدكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي بارادة وطنية حرة، تلك الخديعة التي توهم بعض العراقيين بها وصدقوها، فقد جاءوا من أجل الإستمكان في العراق للسيطرة على ثرواته الطبيعية وغيرها وليتخذوا منه حقل رماية ضد الدول العربية والاسلامية تنفيذا لمشروع صهيوني قديم كتب عنه الكثير، ومن ثم إقامة مشروع شيمون بيريز للشرق الاوسط الكبير الذي تتحكم فيه وتسيطر عليه الدولة الصهيونية.
وبسبب ما لاقوه من فشل ذريع في خلق تلك الفتن والمشاكل لتفرقة شعبنا العراقي وتحقيق حلمهم في تمزيق وحدته، فقد بدأوا مؤخرا بالتلويح بسلخ منطقة كردستان العراقية عن الجسم العراقي وإقامة دويلة كردية مستقلة، متوهمين بأن الوضع ألاستثنائي الذي يواجهه شعبنا العراقي منذ عام الاحتلال والى الان قد يسعفهم في تمرير جريمتهم الجديدة، ولكننا نؤمن ايمانا عميقا بأن ابناء كردستان النجباء سوف يتولون قبل غيرهم من العرب والتركمان والاشوريين اسقاط هذا المشروع الجهنمي الذي يوقع الضرر بالكرد مثلما يوقع الضرر باخوانهم من العرب وباقي القوميات الاخرى التي عاشت على هذه الارض بأمن وسلام وتضامن وإخاء منذ القدم. ومع ذلك لا يجب أن نغمض أعيننا أو نتغافل عما يحاول المستعمرون الامريكان وصنيعتهم دولة اسرائيل من تكرار طرح مشاريعهم الخبيثة من جديد بهدف الوصول الى غاياتهم في تمزيق وحدة العراق ارضا ومجتمعا، ولنكون نحن العراقيين بجميع مكوناتنا القومية والدينية وحركاتنا السياسية، السد المنيع الذي يحمي وحدتنا وكياننا الوطني مما يحاك ضدنا في الخفاء والعلن، والصخرة التي تتحطم عليها مشاريع المحتلين وأعوانهم وعملائهم

iraqliberation@gmail.com

الدكتور عادل رضا
02-06-2011, 11:55 PM
بعد ثورتي تونس ومصر العربية............ ما هو مستقبل الاحزاب التقليدية؟




صلاح عمر العلي

تؤكد ثورتا تونس ومصر العربية جملة حقائق مهمة، يأتي في مقدمة تلك الحقائق ان عالمنا المعاصر يشهد منذ سقوط الاتحاد السوفييتي وباقي الدول الاشتراكية تزامنا مع ظهور ثورة المعلوماتية والاعلام العابر للقارات وبداية اشتغال الشبكة العنكبوتية التي وفرت للانسان من المعلومات المجانية بسرعة خارقة ما لم يحلم به من قبل، دخوله في عصر جديد مختلف في العديد من المسائل الجوهرية عن عصر ما قبل ذلك، حيث اندثرت أو توشك على الاندثار قيم ومفاهيم وممارسات كانت سائدة منذ زمن بعيد ولم تعد صالحة للحياة الا على رفوف المكتبات او في قاعات المتاحف، وفي المقابل برزت او اوشكت على البروز قيم ومفاهيم وممارسات مختلفة بدات تشق طريقها بسرعة فائقة، لتستقر في عقول ابناء هذا العصر وتحرك مشاعرهم ومواقفهم ازاء متطلبات حياتهم الجديدة لتحل محلها.

ففي الحقبة السابقة مثلا كان للعمل الحزبي المنظم باشكاله وممارساته والتزاماته التقليدية، نيابة عن او باسم الجماهير يقوم بمهام رائدة ومتقدمة وخطيرة في قيادة الجماهير من اجل تحقيق امالها وتطلعاتها نحو اهدافها الكبرى قبل ان ينتهى دورها او يوشك على الانتهاء، بعد ان ادت ما عليها من التزامات سلبا او ايجابا، ليحل محلها اسلوب العمل الجماهيري الارادوي بعد ان لم تشعر تلك الجماهير بالحاجة الفعلية لمن يتكفل بالعمل أو يخطط نيابة عنها او باسمها أو يفكر نيابة عنها. فقد تنامى الوعي السياسي بوتائر متسارعة بفضل ما تقدمه وسائل الاعلام المختلفة من خدمات غير محدودة في هذا المجال. وعلى هذا نجد ان الجماهير في مختلف بلدان العالم أمسكت بزمام مصيرها بيدها بصورة مباشرة بعد ان اسقطت من حساباتها امكانية الاستمرار بقبول من يعمل نيابة عنها من الاحزاب والحركات السياسية.

ففي العام الماضي فوجئت السلطة في العراق باندلاع مظاهرات جماهيرية واسعة شاركت فيها اعداد هائلة من المواطنين العراقيين من مختلف الفئات في محافظة ألبصرة ثم توسعت وانتشرت في عدة محافظات عراقية وصولا الى العاصمة بغداد إحتجاجا على غياب الخدمات العامة شبه الكامل مثل الكهرباء والماء والغاز بانواعه واستعمالاته المختلفة وارتفاع اسعار المواد الاستهلاكية بصورة قاسية مما زاد من صعوبة الحياة بالنسبة للطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وكان من اهم المميزات التي اتصفت بها تلك المظاهرات التي جوبهت من قبل اجهزة الامن المختلفة باساليب وحشية استخدمت فيها الاسلحة النارية، فسقط عدد من القتلى والجرحى بين المتظاهرين، انها كانت تظاهرات عفوية تلقائية لم يقف خلفها ولم يخطط لها اي حزب من الاحزاب الوطنية التقليدية القائمة في العراق وانما فوجئت تلك الاحزاب كما هي السلطة واحزابها، ووقفت حائرة وعاجزة عن فعل اي شيء فمنهم من سكت ومنهم من اكتفى باصدار بيان لتسجيل موقف أو رفع عتب ومنهم من هاجمها تحت مبررات وتفسيرات شتى لانها كشفت عن عوراتهم وفضحت تخلفهم في التعبير عن نبض ومشاعر المواطنين ومعاناتهم الحقيقية في ظل نظام قمعي يستشري فيه الفساد بصورة غير مسبوقة.

ومع ان المتظاهرين لم يحققوا هدفهم المركزي الذي تظاهروا من اجله، لكنهم تمكنوا من تحقيق اكثر من هدف مهم واول الاهداف التي تحققت هو كسر حاجز الخوف لدى المواطن العراقي وهو ما سيتم البناء عليه في الايام المقبلة من مواقف ومفاجأت ربما تحذو حذو اشقاءهم في تونس والقاهرة، ويمكننا القول بان ما حدث قبل عام يمثل اول مؤشر على أفول دور الاحزاب السياسية في العراق ونخبنا المثقفة المنشغلة عن هموم شعبها بصورة مقحعة الا ما رحم ربي.

وجاءت التظاهرات الشعبية العارمة في تونس ضد نظام زين العابدين بن علي الذي يعتبر توأما لنظام بغداد وشريكه في الفساد والعمالة والارهاب، لنفس الاسباب والمبررات، التي حركت جماهير البصرة وبغداد ومحافظات اخرى، ومع الاخذ بنظر الاعتبار إختلاف الظروف بين البلدين الشقيقين حيث ان العراق ما زال يخضع لاحتلال عسكري مباشر، فقد تطورت وتوسعت تلك المظاهرات وامتدت الى باقي المدن التونسية حتى اصبح من غير الممكن لنظام زين العابدين التغلب عليها واحباطها فزحفت الجماهير نحو مواقع السلطة لتسقطها الواحد تلو الاخر، فلم يجد طاغية تونس من خيار امامه افضل من ترك البلاد والنجاة بجلده. فاصبحت ثورة تونس المظفرة تمثل المثال الاعلى لثورة الجماهير العفوية، بغياب اي دور لاحزاب المعارضة في تونس.

ولعل في طليعة من أدرك هذه الحقيقة وسلم بها وتجاوب مع منطقها وشروطها هو المفكر المجاهد الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية في تونس، حين اعلن بعد عودته من منفاه القسري الذي قضى فيه عقدا ونصف من الزمن مؤكدا في اول تصريح صحفي بانه ليس الخميني، وانه سوف لن يرشح للرئاسة القادمة، واعترافا ضمنيا بانتهاء عصر الاحزاب التقليدية في حياة الشعوب قال بانه سيقدم استقالته من قيادة الحزب ايضا. ولم يقتصر الحال او يتوقف عند حدود ما قرره الغنوشي وانما تعداه فشمل جميع الاحزاب السياسية التونسية التي كانت تعارض نظام الدكتاتور زين العابدين بن علي حين اصدرت برنامجها الوطني بعد اندلاع ثورة الشعب التونسي بمعزل عن تاثيراتها مجتمعة، الذي جاء في مقدمته اعتراف ضمني بان ثورة الياسمين كانت ثورة الشعب وليست ثورة الاحزاب، حيث وردت في مقدمة البيان عبارة تقول: "تأكيدا لانخراطنا في ثورة شعبنا الذي ناضل من أجل حقه في الحرية والكرامة الوطنية ........الخ ولم تقل مثلا "تاكيدا على دور الاحزاب الوطنية التونسية في قيادة الثورة او قيادة الجماهير" وانما قالت تاكيدا لانخراطنا، وهو ما يعني بان الاحزاب التحقت بالثورة بعد اندلاعها.

وما تشهده ارض الكنانة منذ يوم الخامس والعشرين من الشهر الماضي من ملحمة ثورية بطولية اشترك فيها الملايين من ابنائها الشجعان ضد نظام اجرامي فاسد ارتكب كل الموبقات ومارس جرائم كبرى بحق ابناء شعب مصر العربي الابي ، متجاوزين دور الاحزاب المعارضة، في تحركهم واعلان ثورتهم على طاغية مصر، قبل ان تصحو تلك الاحزاب من هول المفاجأة لتلتحق تلك الاحزاب لاهثة بثوار من نوع مختلف عن الانماط القديمة للثوار في عالمنا العربي وفي العالم، يؤكد من جديد بان عصر الاحزاب قد انتهى او يوشك على الانتهاء، في وقت نشهد بداية عصر سياسي جديد يتسم بقدرة الشعوب على أخذ المبادرة في التحرك ضد الظلم اينما وجد دون البحث عن وسيط او وكيل ينوب عنها في الثورة او الاحتجاج على من يمارس الظلم بحقهم. وعودة الى المشهد السياسي العراقي وما يشهده في الايام الاخيرة من احداث وتطورات هامة، اترككم مع ما يقوله الباحث والكاتب البارع السيد صافي الياسري: " اما رياح التغيير التي يرى البعض ان انسامها قد بدات تداعب العراقيين فهم يعتمدون على ما شهدته بغداد الجمعة من تظاهرات سلمية في عدد من المناطق، وهذا تقرير نشرته صحيفة الحياة - راوحت مطالبها بين توفير الخدمات ووقف تجاوزات الأجهزة الأمنية من جهة، وانتقاد الأداء السياسي في البلاد من جهة ثانية، فيما نفت الحكومة المحلية في محافظة الديوانية ، سقوط قتلى خلال تظاهرة الخميس في قضاء الحمزة احتجاجاً على تردي الخدمات وخلفت نحو أربعة جرحى على يد رجال الشرطة.

وشهد شارع المتنبي ومنطقة الحسينية ذات الغالبية الشيعية وساحة الفردوس وسط بغداد الجمعة ، تظاهرات شارك فيها المئات من الشباب والناشطين في حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني وعدد من المثقفين والصحافيين.

وتجمع العشرات من أهالي منطقتي المعالف والمواصلات الواقعة جنوب بغداد في ساحة الفردوس احتجاجاً على القوات الأمنية التي اقتحمت المنطقة قبل أيام . وقال رحيم شاكر، وهو احد المنظمين للتظاهرة إن «قوة أمنية دخلت منطقتي المواصلات والمعالف ونفذت حملة اعتقالات واسعة واقتحمت منازل وضربت النساء والأطفال وعندما اعترضها احدهم قتلته على الفور».

وأضاف أن «القوة الأمنية المسؤولة عن حماية المنطقة منذ شهور لا تعرف من دخل المنطقة، وقيل إنها مرتبطة بمكتب مكافحة الإرهاب التابع لرئيس الوزراء نوري المالكي».

وأضاف أن «هذه القوة التي لم تكشف نفسها ولم تظهر أوامر قضائية اقتحمت عدداً من المنازل وقامت بضرب النساء والأطفال أمام رجال المنطقة الذين لم يستطيعوا مقاومتها».

ورفع المتظاهرون، بينهم نساء وأطفال شعارات منددة بالقوات الأمنية ورددوا شعارات مطالبة بإعادة «الحقوق المنتهكة وتعويض المتضررين ومحاسبة المقصرين».



إلى ذلك، تظاهر الجمعة ايضا المئات من أهالي منطقة الحسينية شرق بغداد احتجاجاً على سوء الأوضاع الخدمية والبلدية وطالبوا الحكومة بالإسراع في توفير الخدمات .

وقال علاء رزوقي، احد المنظمين، في اتصال مع «الحياة» إن «التظاهرة ضمت وجهاء وشيوخ المنطقة ومنظمات مجتمع مدني الذين خرجوا بشكل عفوي للمطالبة بحقوقهم المسلوبة». وأضاف أن «التظاهرات في المنطقة ستستمر حتى تحقيق مطالب الأهالي».

وشارك في التظاهرة المئات من سكان المنطقة الذين حملوا شعارات استنكار بينها «اين الكهرباء؟» و»أوقفوا الفساد الإداري» و»يجب محاسبة المقصرين».

وشهد شارع المتنبي الثقافي في بغداد الجمعة أيضاً تظاهرة قادها شباب من بغداد وعدد من المثقفين والمفكرين والأدباء والصحافيين مطالبين الحكومة بتغيير سياساتها وإيجاد سبل لتحسين الخدمات».



واتهم المتظاهرون أعضاء البرلمان بالطائفية ونددوا باستخدام الأعيرة النارية في تظاهرة «الحمزة» الخميس في محافظة الديوانية، التي أدت إلى مقتل وإصابة أربعة مواطنين، داعين إلى عدم فرض القيود على الحريات وعدم استخدام سياسة تكميم الأفواه.

وأبلغ نائب محافظ الديوانية فيصل النائلي أن التظاهرة التي أجريت الخميس في قضاء الحمزة خلفها جهات سياسية في المحافظة». نافياً سقوط قتلى .

وقال مدير مكتب الصدر في الديوانية الشيخ نضال النعماني إن «إطلاق النار على المتظاهرين أمر مرفوض ولا يجوز شرعاً»، وأضاف أن «العراق الجديد مبني على الديموقراطية وحرية التعبير كيف نواجه مضطهدين مسلوبة حقوقهم بالرصاص الحي؟».



وكان آلاف من أهالي حي الحمزة نظموا تظاهرة تخللتها أعمال عنف فتحت قوات الشرطة خلالها النار على المتظاهرين ما أدى إلى إصابة 4 منهم .



خطباء المساجد يحذرون

وحذر خطباء الجمعة في العراق السياسيين من غضب شعبي على غرار ما يحدث في مصر وتونس واليمن حيث بدأ القادة "يتهاوون" بسبب "الفساد والقهر والظلم".

وقال محمد الجبوري خطيب مسجد ابو بكر الصديق في ناحية الحويجة غرب كركوك "قد نشهد في العراق شرارة مثل تلك التي تجتاح بلدانا عربية لكنها ستكون الاخطر في المنطقة نتيجة الفساد والصراع السياسي ووجود القوى التي تخالف القانون وتمتلك السلاح فهي لا تريد للعراق ان يكون قويا بجميع مكوناته". واضاف ان "ما تشهده بلدان عربية خصوصا الزلزال في مصر واسبابه يعاني منها الشرق الاوسط باكمله، فهؤلاء حكام اجرموا بحق شعوبهم ومارسوا الفساد والقهر".

وفي كركوك، دعا سوران عبد الله عبد الرحمن امام وخطيب مسجد "امير المؤمنين" الحكومات المحلية والمركزية الى "الاسراع بخدمة الشعب والا فان التغيير قادم (...) لان ثورة المصريين والتونسيين كانت نتيجة الظلم والحرمان".

من جهته، قال عبد الستار الجنابي امام وخطيب الجمعة في مسجد الامام ابي حنيفة النعمان في بغداد، "اشتعلت الازمات في البلدان العربية وبدأ الحكام يتهاوون الواحد تلو الاخر والسبب معلوم لدى الجميع وهو ظلم الحكام لشعوبهم".

واضاف "اتمنى من (الرئيس المصري حسني) مبارك ان يراجع التاريخ ويعمل بالنصيحة التي قدمها ل(الرئيس السابق) صدام (حسين) عام 2003 ارحل واترك العراق لشعبه واقول لك ارحل ولا تدمر مصر كما تدمر العراق"، وقال "الكثير من العرب يطالبون بمساواتهم مع حقوق الحيوان في الغرب".

وفي كربلاء اشار عبد المهدي الكربلائي الوكيل الشرعي للمرجع الشيعي علي السيستاني في مرقد الامام الحسين الى "وجود فساد مالي كبير وطبقة حاكمة تنهب ثروات واموال الشعب".

وحذر السياسيين قائلا "لا يكفي التداول السلمي للسلطة (...) لا بد من توفر النزاهة والعدالة وعدم توظيف المناصب لتحقيق امتيازات شخصية".

وقال "من الضروري ان تدرس جميع الحكومات، حتى من تعتمد النهج الديمقراطي، اسباب الغضب الشعبي العارم وهذا الغليان الجماهيري ضد الانظمة السياسية".

وفي الكوفة، قال ضياء الشوكي خطيب الجمعة ان "الحكومات المركزيه والمحلية نهبت الاموال العامة من خلال مشاريع وهمية".



وندد بقمع المتظاهرين في الديوانية الخميس، قائلا "نستغرب هذه التصرفات (لان) المتظاهرون لم يطالبوا بتغير الحكومة كما يحدث في مصر او كما حدث في تونس، انما طالبوا بالبطاقة التموينيه وتحسين الخدمات اليست هذه مطالب مشروعة؟".

واصيب اربعة اشخاص بجروح اثر اطلاق الشرطة النار على متظاهرين في قضاء الحمزة الشرقي، جنوب الديوانية.

وفي النجف، قال صدر الدين القبانجي خطيب الحسينية الفاطمية "انتهى عهد استحمار الشعوب وامتطائها وانتهى عهد الانقلابات السياسية والدكتاتوريات".

واضاف ان "ثورة شعب تونس كانت بسبب البطالة وفي مصر كذلك وليس لاسباب سياسية".

بدوره، قال مهند الموسوي خطيب الجمعة في مدينة الصدر "على جميع الحكومات ان تبادر الى اصلاح اوضاعها وخدمة شعوبها فما يجري في المنطقة سريع العدوى والانتشار فليسمع ذلك من يجلس على الكراسي في العراق"، وتابع ان "الجوع لا يعرف قانونا ولا نظاما، فحذاري من هذه العدوى".

وفي الفلوجة، قال احمد علي الدلي امام وخطيب الجمعة في مسجد ابي عبيدة بن الجراح "على الرؤساء العرب جميعا ان يتعظوا مما اصاب مصر وتونس وان يخضعوا لمطالب شعوبهم ويغيروا دساتيرهم ويبتعدوا عن حكم البلاد بطريقة ديكتاتورية". وقد تظاهر العشرات ايضا في منطقة الشعب والحميدية في مدينة الصدر السبت مركزين على انتقاد اداء الحكومة في مضامير الخدمات وبخاصة الكهرباء ، وانكماش مفردات البطاقة التموينية، اما الحديث عن تغيير سياسي في بغداد فيبدو لي بعيدا عن الواقع ذلك ان الظرف التونسي ونضجه يختلف عن الوضع والظروف العراقية وتشرذم قوى الشعب ذاتها وليس الاحزاب وحسب ، ان غياب ثقافة المشروع الوطني ولحمة النسيج الاجتماعي والقوى الفاعلة المغيرة وارادة التغيير توفر للحكومة والحكام في العراق في الوقت الحاضر نوعا من الحصانة ، انما لا يمكن الاعتماد عليها لوقت طويل ، اذ ان متلاحقات الظرف العام على ساحة الشرق العربي وانعكاساتها المحلية تنذر بالكثير مما لا يمكن توقعه من الهوامش التي يمكن ان تنقلب الى متون في غضون دقائق او ساعات او ايام وحتى اسابيع فنحن العرب بطيئون في الاستجابة للحوافز الناعمة ، وتظاهرات المدن العراقية يمكن عدها تراكمات ناعمة لهذه النذر وهي ستنقطع عن الفعل اذا لم تتواصل وتطور ادواتها ، كما يجري في مصر ومن قبلها في تونس وعلى اي حال لايمكن وضع هذه التظاهرات على الرف ، بل يمكن احتسابها سوابق ، كما تم احتساب انتفاضة الكهرباء في البصرة التي اطاحت بوزير الكهرباء ، ولا احسب ان تصريح المالكي انه لن يرشح لدورة ثالثة وتنازله وعدد من النواب والوزراء عن نسبة من الرواتب والدعوة لتخصيص 15 بالمائة من الموازنة للتوزيع على المواطنين تم بسبب هذه التظاهرات ، وان لم يتبعد عنها كثيرا ، او يمكن ان يكون له اثر سلبا او ايجابا في الفعاليات الشعبية ، فهي اولا اجراءات غير كافية لتحدث تراجعا ، كما ان التظاهرات ليس في الافق ما يوحي انها ستتحول الى عاصفة لنقول ان عدم كفاية تلك الاجراءات الفوقية الضئيلة القيمة والتي لا تمس الجوهر سيحدث تقدما وتصاعدا انفجاريا.

واذ نتفق مع ما قاله السيد الياسري بان التظاهرات التي تشهدها اكثر من منطقة أو مدينة عراقية ليس في الافق ما يوحي انها ستتحول الى عاصفة، بسبب دور النظام والاحتلال معا في اللعب على الموضوع الطائفي مستغلين بساطة الوعي لدى اوساط واسعة من ابناء الشعب العراقي خلال سنوات الاحتلال الثماني الماضية، قبل أن يكتشفوا هذه أللعبة ألقذرة وما وراءها من أهداف لا تخدم أحدا سوى المحتل الامريكي وعملاءه، على حساب مصالح العراقيين وكرامتهم وسيادة بلادهم. إلا أننا نرى انها ستشكل نواة لتراكمات متصاعدة باتجاه تشكل وبلورة حالة إنفجارية تقودها جموع الجياع والمحرومون والمضطهدون والمقموعون لتفجير ثورتهم التي ستتجاوز كل التوقعات.

6/2/2011
iraqliberation@gmail.com