المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شبهات حول الحجاب



بيان
09-06-2010, 04:55 PM
شبهات حول الحجاب

بسم الله الرحمن الرحيم
(يـا أيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُـواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا اْلنَّاسُ وَاْلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلـئِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اْللهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَـا يُؤْمَرُونَ)
صدق الله العلي العظيم سورة التحريم آية 6


الإهداء

إليك يا بنت خير البرية - إليك يا بنت سيد الكونين - إليك يا حليلة سيد الوصيينإليك يا أم الحسن والحسين - إليك يا أم الأئمة الهادين - إليك يا قدوة المؤمنات - إليك يا مبعث فخر الغيارى - السلام على سورة النور، وآية الحجاب.

خادمكم المتمسك بأذيال الولاية المحمدية

وإلى كل مؤمنة تبحث عن ستر الزهراء (ع)
أهدي خلاصة هذا البحث
- غيـورٌ عليـكِ

المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسـلام على سيدِ الخلق أجمعين، وأشرفِ الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا وشفيع ذنوبنا أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين الذينَ أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا

لا شك أن المرأة نصف المجتمع، ولها كرامتها واحترامها كإنسانٍ يعيش على ظهر هذا الكوكب، وليست المرأة مخلوقاً غريباً في هذا العالم، ولا عنصراً أجنبياً في هذه العالم، بل هي من صميم هذه الحياة.

وبما أن الإسلام دين الحياة، فقد أولى المرأة اهتماماً كبيراً ، وشملـها برعايته وعطفه وحنانه، فوضع لها الأحكام الحكيمة، والقوانين العادلة لمختلف جوانب حياتهـا الفردية والعـائلية، والاجتماعية، وغير ذلك، وترك لها فرصة تمكنها من السمو إلى صفوف الملائكـة، والوصول إلى الدرجات العالية في الدنيا والآخرة .

وبما أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجـل من الناحية الإجتماعية ومن جوانب أخرى، فإن من الطبيعي والحكمة أن يكون هناك فرقٌ بينها وبين الرجل في بعض الأحكام والقوانين، ولم يأتِ هذا الفرق إلا انسجامـاً مع طبيعة المرأة واتفاقاً مـع نفسيتها ومركزيتها، وليس تنقيصاً لها .

ويأتي قانون الحجاب في طليعة القوانين الشرعية التي قررها الإسـلام وفرضها على المرأة لضمان سعادتها والحفاظ على عزتها وكرامتها .
وقد تعرض الحجـاب من قبل أعداء الإسلام ومن بعض المشتبهين في مسألة الحجاب، لحملات عنيفة، زاعمين أن الحجاب عبارة عن كبت للمرأة، ولا يسمح لها بالحرية الكاملة على حد زعمهم ومن الغريب جداً أن يتعرض الحجاب لتحويرات في مفهومه، فتارة يعبرون عنه بأنه غطاء للشعر فقط، وتارة أخرى أنه غطاء لبعض الوجه، فيطلقون فتاواهم ؟!! بأنه لا بأس أن تكشف المرأة وجهها أو بعضه، وهذا ما يسمى بالنقـاب أو البرقع ، وهنا تكمن المصيبة الكبرى، حيث أنه بداية السفور والانحلال .

وهؤلاء يضربون بمعاولهم الهدامة من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون على الوتر الحساس في المجتمع، ألا وهو النساء ، كما هو ديدن الشيطان، إذا عجز عن غواية الرجـل، دخل إليه عن طريق المرأة .

وفي هذه العجالة سنتعرض لبعض أقوالهم ثم ندفع شبهاتهم . ويجب أن نضع نصب أعيننا فتاوى الفقهاء بشكل كامل، ولا نترك جزءاً منها كما يفعله أولئك، فيأخذ من الفتوى ما وافق هواه ويترك ما لا يوافقه . نعم سوف ننظر إلى بعض الآيـات والروايات التي أشارت إلى مسألة الحجاب وما قاله العلماء حولها، ولكن يجب أن نفهم أن ما نتوصل إليه لا يجوز الأخذ به على أنه مفهوم آية أو رواية.
أما أقوال الفقهاء فنحن مأمورون بالأخذ والعمل بها لأنه " يجب على العامي أن يكون مقلِّداً في جميع أقواله وأفعاله في فروع الدين"، بغض النظر عن مفهوم الآية أو الرواية، لأنه لا يحق لغير المجتهد التصدي لاستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم أو الروايات الشريفة، والله من وراء القصد، وهو الهـادي إلى سواء السبيل .

الحجاب وعادة كشف الوجه في بعض البلاد

الشبهة الأولى:- القول بجواز كشف الوجه لقيام العادة على كشفه في البلدان الإسلامية !! .
وملخص هذه الشبهة :- أن المرأة المؤمنة قد تلقى بعض الشبهات، بأن هناك بعض البلدان الإسلامية، يكشف النساء فيها عن وجوههن، وتلك البـلاد بها علمـاء الدين، فلو كان حـراماً لأنكروا ذلك، وهم على أمر الدين أحرص ؟.
فنقول بأبسط الأقوال : أننا نقلد علماءً لا شعوباً، فوجود أمرٍ مـا، في بلدٍ إسلامي، لا يعني بالضـرورة أنه موافقُ للحكم الشرعي الذي يصدره الفقيه .

الحجاب وسيرة المسلمات

الشبهة الثانية :- القول بجواز كشف الوجه لأن سيرة النساء في أول الإسلام كانت على كشفه !
هذه الشبهة واهية في حقيقتها، ذلك لأن سيرة المسلمـات في صدر الإسـلام كانت على ستره، لا على كشفه كما يدعون، والدليل على ذلك ما ستعرفه بعد قليل، وفي الرد على الشبهة السادسة أيضاً .
بل إن العرب قبل الاسلام كانت تعرف الحجاب بستر الوجه لنسائهم، ويظهر ذلك من أشـعارهم، وأن ستر الوجه كان عـادة مألوفة لدى أشراف العرب .
قال ربيع ابن زياد العبسي يرثي مالك بن زهير :
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليـأت نسوتنا بوجه نهـار
يجد النسـاء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحـار
قد كن يخبأن الوجـوه تسترًا *** فاليوم حيـن برزن للنظـار
يخمشن حرّ وجوههنّ على فتىً *** سهل الخليقة طيّب الأخبار

وقال المهلهل يرثي كليباً :

يحسرن عن بيض الوجوه سوافرا *** من بعده ويعدن بالأزمان

وكذلك من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد .
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت .
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى;إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع ( غطاء للوجه فيه خرقان للعينين) على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد.
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم ;قانون أوبيايحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها :الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء :

والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها
واتخذت من شَعَرٍ صدارها

جاء في لسان العرب، الصدار: ثوب رأسه كالمقنعة وأسفله يغشى الصدر، بلا كمين غير مشقوق تلبسه نساء العرب. قال الازهري : وكانت المرأة الثكلى إذا فقدت حميمها فأحدت عليه لبست صداراً من الصوف .
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند .
النقاب: قال أبو عبيد : النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستورهالوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق،، قال الشاعر:

يا ليتها قد لبست وصواصًا

البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء الأعراب، قال الشاعر:

وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت *** فقد رابني منها الغداة سفورها

ومما يدلنا على أن الحجاب بستر الوجه كان عادة مألوفة لدى أشراف العرب، ما ذكره المؤرخون عن سبب حرب الفجار الثانية، أن امرأة من بني عدنان كانت جالسة بسوق عكـاظ، فطاف بها شاب من قريش من بني كنانة، وسألها أن تكشف له وجهها فأبت، فجلس خلفها وهي لا تشعر وعقد ذيلها بشوكة، فلما قامـت انحسر ذيلها من خلفها، فضحك الناس عليها، وقيل لها انك بخلت بكشف وجهك فبان غيره، فنادت يا آل عامر، فساروا بالسلاح، ونادى الشاب يابني كنانة، فجاؤوا بالسيوف والرمـاح، فحصل الحرب بينهما بسبب ذلك.

فمن خـلال ما سبق ذكره، نرى أن ستر الوجه كان موجوداً لدى العرب قبل الاسلام، وكانت عادة حسنة لدى أشراف العرب فأتى الاسلام وأبقى عليها، بل أمر بها ، وحث عليها .
وقد حدثت في صدر الاسلام معارك بسبب تعرض النساء لكشف وجههن وإجبارهن، فقد ذكر المؤرخون أن من أسباب إجلاء النبي صلى الله عليه وآله ليهود بني قينقاع من المدينة، أنهم نقضوا العهد مع الرسول، وذلك أنهم تحالفوا مع مشركي مكة لقتال الرسول، وحاولوا قتله، وكشفوا وجه امرأة مسلمة في سوقهم ، وإليك نص السبب الثالث :
" صادف أن امرأة مسلمة دخلت سوق الصاغة، وكان تحت سيطرتهم وأكثر العاملين فيه منهم، ومع المـرأة بعض الحلي تريد عرضها للبيع، فجلست إلى يهودي، فاجتمع عليها جماعة من اليهود أرادوا أن تكشف عن وجهها وهي تأبى عليهم، فجاء يهودي من خلفها من حيث لا تعلـم، فأثبت طرف ثوبها بشـوكة إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا منها، فصاحت تستغيث بالمسلمين، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ وكان يهودياً فقتله، وشد اليهود على المسلم فقتلوه، فاستنجد أهل المسلم بالمسلمين، ووقع بينهم وبين بني قينقاع الشر.
ولقد كان من الطبيعي أن يثب الرجل المسلم على ذلك اليهودي الوقح الشرير الذي فعل بالمرأة العربية ذلك الصنع، فإن قضية "الأعراض" قضية حياتية وحساسة في أي مجتمع، فهي قضية شرف، وكان هذا الأمر يحظى في المجتمع العربي خاصة بأهمية كبرى.
وعلى الرغم من أن هذه الحادثة ( إخراج بني قينقاع من المدينة ) كانت في السنة الثانية للهجرة بعد أحد ، وأن الحجاب قد فرض في السنة الخامسة، إلا أن ذلك لم يمنع النبي صلى الله عليه وآله من قتال اليهود، نعم هذه القضية لا تدل على أن الحجاب قد فرض آنذاك، إلا أن يقال أن الحجاب قد كان موجوداً في الجاهلية، لكن الالتزام به على اعتبار أنه محبوب ومطلوب لله ، وأمر راجح وحسن قد كان قبل ذلك بسنين . وذلك اتباعاً لتوجيهات النبي صلى الله عليه وآله وترغيباته، ودعواته إلى ذلك، إذ لا يبعد أن يكون تشريع الحجاب تدريجياً، لتتقبله النفوس، وتألفه العادة .
أقول: عرفت مما تقدم أن حربين قد حدثتا، من أجل المحافظة على ستر وجه النساء، الأولى في العصر الجاهلي قبل الاسلام بين بني عامر وبني كنانة، والثانية في صدر الاسلام بين المسلمين ويهود بني قينقاع، فإذا كان المسلمون قد اتخذوا اعتداء اليهود لكشف وجه إحدى نساء المسلمين، أحد الأسباب التي من أجلها كان إجلاء اليهود من المدينة، فهذا يدل على أهمية الحجاب ( أعني ستر الوجه )، مع الأخذ في الإعتبار أن الحجاب لم يُشرع إلا في السنة الخامسة، إذاً فما بالك بما بعد تشريعه وفرضه . ويدل كذلك على وجود الحجاب بستر الوجه . ثم يدّعون عدم وجود ستر الوجه في صدر الإسلام وقد قدمنا مثالين على وجوده، في الإسـلام وقبله، والآثار التي حدثت من أجل المحافظة على ستر الوجه .

(سِترُ السيدة زينب عليها السلام )

الشبهة الثالثة:- القول بجواز كشف الوجه لخروج العقيلة زينب وباقي الهاشميات إلى مصرع الإمام الحسين(عليه السلام) كاشفات للوجوه .
عن مقام الصديقة الصغرى عقيلة الطالبيين زينب( عليها السلام )، نقول:-
أولاً:- (بالنسبة لظروف حـرب الطفوف، وخروج النساء ناشرات لشعورهن، ولاطمات على خدودهن، فإن النسـاء كن في ظروف حرب لا يرحم فيها العدو، ولا يخشى الله تعالى، وهذه الظروف ربما توجد حالة من الذعر والإندهاش، وتؤدي بالنساء أن يخرجن على حالة لا يخرجن عليها في الظروف العادية ).
قال الامـام نابغة الدهر وفيلسوف الزمن وفقيه الأمة الشيـخ محمد حسين الأصفهاني (قدس الله سره الشريف) عنها( سلام الله عليها) :-
ربة خدر القدس والطهارة *** في الصون والعفاف والخفارة
فـإنها تمثل الـكـنـز الـخـفي *** بالـستـر والـحيـاء والـتعـفـف
وقال المقدس الشيخ علي بن الحاج حسن الجشي القطيفي (قدس الله سره) في قصيدته التي يجاري فيها الشيخ حسن الدمستاني (رضوان الله تعالى عليه) :-
فبدت مُسفرة الوجه من الخطب المهول *** لاطمات بالأكف الخد والدمع همول
وروى الشيخ عباس القميأبياتاً :
بنفسي النساء الفاطميات أصبحت *** من الأسر يسترئفن من ليس يرأف

ومذ أبرزوها جهرة من خـدورها *** عــشـيـة لا حـــامٍ يــذود ويـكـنـف

توارت خـدور من جـلالة قـدرها *** بـهــيـبــة أنــوار الإلـــه يـسـجــف

لـقـد قـطّع الأكباد حـزناً مـصابها *** وقـد غادر الأحشاء تهفو وترجف
وقال السيد حيدر الحلي :

وأعظم خطب أعقب القلب لوعة *** هجوم العدى بالخيل والنبّل الرفش

فوزّعن ما ضم الخبا عـن نفـائس *** ومـن سابقـات للهياج ومـن قـرش

تصون محيّاها بأيدٍ تقرحت *** من السوط لم يملكن قبضاً من الرعش


وبعد هذه المرثيات، نجد أن خروج نساء الحسين كان صعباًًُ وهن حواسـر، فهن كنوز العفة والطهـارة والستر، وهن ربائب التطهير والخفارة، وقد تسترن بهيبة أنوار الله جل جلاله على حـد تعبير الفقهاء والعلماء .



هذا ستر زينب في الأحوال غير العادية، والآن انظر معي إلى سترها في الأحوال العادية :


قال الشيخ العلامة فرج العمران(قدس الله سره )من ضمن رواية ساقها ((…… وحدث يحيا المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة، وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته، فلا والله ما رأيت لها شخصـاً ولا سمعت لها صوتـاً، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها رسول الله صلى الله عليه وآله تخرج ليلاً، والحسنعن يمينها، والحسينعن شمالها وأمير المؤمنينأمامها، فإذا اقتربت من القبر الشريف، سبقها أمير المؤمنينفأخمد ضوء القناديل فسأله الحسنمرة عن ذلك، فقال : أخشى أن ينظر أحدٌ إلى شخص زينب عليها السلام ))

أقول : إذا كان أمير المؤمنين يعتبر النظر إلى شخص (أي شبح أو ظل) زينب عليها السلام مهانة وكبيرة، فكيف بوجه المرأة ؟!.

ويحق لنا أن نتساءل، لماذا لا يريد صاحب الغيرة أن ينظر أحدٌ إلى ظل ابنته ؟! طبعاً حتى لا يُميَّز ذلك الشخص المقدس ليعرف أنها امرأة، وتعرف مميزاته، فما ظنك بوجه المـرأة إذاً والنظر إليه ؟! ، فعلى النساء الإقتداء بالزهراء وابنتها عليهما السلام .


ثانياً :- ليس هناك دليل قطعي بأن إحدى بنات الرسالة قد خرجت على تلك الهيئة على نحو الإختيار، بل إنهن أُخرِجن قهراً ، ولقد كـانت المصيبة عظيمة جداً، بحيث كن يستـرن وجوههن بأيديهن، وقد سُلِبَت الأقراط من آذانهن، إلى غير ذلك كما تصرح به الروايات، بل قد تعدى الأمر إلى درجة كبيرة، ولكن قيام يزيد بسبيهن، كان بسوء اختياره، فلو لم يُقدَّر لهن السبي لاندثرت واقعة الطف، ولم يصل ذكرها للناس، ولم يعلموا جرائم يزيد (لعنة الله عليه)، وإذا كان إتلاف النفس في رزء سيد الشهداء قليـلاً، فكيف الخروج على تلك الهيئة؟!، وهو أقل بكثير من إتلاف النفس، كما قـال المجتهد الأكبر الشيخ حسن الدمستاني :-


حق للشارب من زمزم حب المصطفى *** أن يرى حق بنيه حرماً معتكفا

ويواسيهم وإلا حاد عن باب الصفا *** وهو من أكبر حوبٍ عند رب الحرمين


فمن الواجب عيناً لبس سربال الأسى*** واتخاذ النوح ورداً كل صبح ومسا

واشتعال القلب أحزاناً تذيب الأنفسا *** وقليل تتلف الأرواح في رزء الحسين



ثالثاً:- خروج النساء على تلك الهيئة قهراً كان في الليل، فلم يتحدث الرواة عن خروج إحدى العقائل النبوية نهاراً في حياة الإمام الحسين سوى العقيلة زينب الكبرى عليها السلام عندما رجع الإمـام بعد استشهاد أبي الحسن علي الأكبر


وهذا يدل على الإصرار الشديد على مسألة ستر الوجه وعدم إبدائه حتى في الليل المظلم، ولكي يكون الليل سـاتراً لهن، إضافة لتسترهن بالنور الإلهي .


فمعظم المصادر التي بين أيدينا تشير إلى أن بني أمية قتلوا الإمام الحسين ما بين صلاتي الظهر والعصر، وبقية المصادر تشير إلى أن القتل حصل قبل مغيب الشمس بنصف ساعة من أيام العرب، ثم مال الأعداء على سلب الإمام الحسين، ثم رضوا الجسد الشريف، وبعدها تسابقوا على نهب بنات الرسالة . وهذا يعطي دلالة على طول الوقت حتى المغرب أو ما يقربه، وهو الوقت الذي أُخرجت فيه بنات الوحي . ثم إن أغلب المصادر تذكر أن النساء قد " أُخرِجَت " ولم " تـَخرُج "، وهذا يشير إلى أن الأعـداء قد سلبوا النساء المقـانع والثياب ثم أجبروهن على الخروج . وترى ذلك في أشعارهم :


أزعجت من خدرها حاسرة *** كالقطا روّع من بعد هجود

تندب الصون الذي قد فقدت *** صبرها فيه إلى خير فقيد


ومنها :- أنشد الحسن بن الضحّاك :


ومما شجى قلبي وكفكف عبرتي *** محارم من آل النبي استحلتِ

ومهتوكة بالطف عنها سجومها *** كِعابٌ كقرن الشمس لما تبدتِ


رابعاً :- توبيخ الحوراء زينب عليها السلام ليزيد اللعين على جرائمـه المخالفة للشرع الحنيف، ومنها تعمده كشف وجوه النساء، أكبر شاهد على عدم جـواز الكشف، وقد تظافرت بذلك النصوص ، فمنها :-

ألف :- من ضمن كلامها عليها السلام من الخطبة الزينبية في مجلس يزيد (لع) بالشام، قالت (……… أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائـرك وإمائك، وسوقـك بنات رسول الله صلى الله عليه وآله قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد …… )

نستنتج من هذا المقطع بعضاً من الفوائد :-


الفائدة الأولى :- نلاحـظ أن لفظة " أبديت " تدل على أن إبداء الوجه موبقة كبيرة، حيث أن زينب عليها السلام قد بيـَّنت بعض الموبقات التي ارتكبها يزيد (لع) وعدَّدتها، وذكرت منها قتل الحسين، وسبي النسـاء، وكشف وجوههن، حيث عبـَّرت عن ذلك بقولها " قد أبديت وجوههن " فكانت جريمة كشف وجوه النساء ، كقتل الحسين في فداحة الوزر .


واسمع ما قاله العلماء :


فمنهم : الشيخ محمد حسين الأصفهاني طيب الله ثراه الطاهر :

وأفظع الكل دخول الطاهرة حاسرة على ابن بنت هند اللعين


ومنهم : الشيخ علي الجشي رضوان الله تعالى عليه :-



آهِ من جورِ يزيدٍ وهي لا تطفي اللهيب *** خفراتُ المصطفى من كان لله حبيب

تدخل المجلس حسرى الوجه والله رقيب *** غير أن النور والهيبة كانا ساترين



فترى أن الشيخ الأصفهاني والشيـخ الجشي قد جعلا إدخال زينب عليها السلام حاسـرة على يزيد اللعين، أفظع وأمر وأدهى وأعظم حوادث الطف، بل أفظع من قتل الحسـين ، وكذلك تـأوه الشيخ الجشي على ذلك الدخول، لكن جلال الله تعالى والنور الإلهي حجب الطاهرات وسترهن بستر الله العظيم .

الفائدة الثانية :- لو أن كشف الوجه كان جائزاً، لما أنكرته السيـدة زينب عليها السلام، وذلك بقولهـا (أمن العـدل يا ابن الطلقاء..... )

الفائدة الثالثة:- أن السيدة زينب عليها السلام ألقت تلك الخطبة بحضور حجة الله الإمام زين العابدين ، وكذلك حضور ابنه باقر علم النبيين، ونعلم أن الأحكام الشرعية تستنبط من القرآن الكريم، والسنة المقدسة الشريفة، كما نعلم أن السنة المقدسة عبارة عن قـول المعصوم أو فعله أو تقريره. وعدم اعتراض الإمامعلى كـلام عمته تقرير ودليل على أن إبداء الوجه موبقة ومخالفة للشرع، إذ لو كان كشف الوجه جـائزاً لأنكر عليها كلامها. فإمضاؤهلما قالته عمته، دليل على ما قلناه .

الفائدة الرابعة :- إن كلام العقيلة ، بحـد ذاته تشريع موافق لحكم الله الواقعي، ويشهد له بذلك عـدة أدلة وقرائن، من ضمنها :-

أولاً:- كلمة الإمـام زين العابدينبحـق عمته عقيلة الطالبيين عليها السلام (……… أنت عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة) ، تكفي في إثبات ملكة العصمة لها سلام الله عليها، وأن كل ما تقول به فهو موافق لحكم الله الواقعي .

ثانياً :- ذكر المقدس الشيـخ فرج العمران القطيفي (قدس الله سره الشريف) :-


(........، وأما علمها، فهو البحـر الذي لا ينزف، فإنها سلام الله عليها هي المترباة في مدينة العلم النبوي، المعتكفة بعده ببابها العلوَي، المغتذاة بلبانة من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ،…………، وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة، يريد بذلك أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع، أفيض عليها إلهاماً لا يتخرج على أستاذ أو أخذ عن مشيخة، وإن كان الحصول على تلك القوة الربانية بسبب تهذيبات جدها وأبيها وأمها وأخويها، أو لمحض انتمائها عليهاالسلام إليهم واتحـادها معهم في الطينـة المكهربين لذاتها القدسية،……………، وذكر" قدس سره" (أي الفاضـل الدربندي) عند كلام السجاد لها: يا عمة أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة . إن هذا الكلام حجة على أن زينب بنت أمير المؤمنينكانت محدثة، أي ملهمة، وأن علمها من العلوم اللدنية والآثار الباطنية ،………، وعن الصدوق محمد بن بابويه (طاب ثراه ) كانت زينبلها نيابة خاصة عن الحسين، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدينمن مرضه )

ثالثاً :- قال سماحة آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ الميرزا جواد التبريزي "رضوان الله عليه " في رده عن سؤال حول ذلك :-

س 1235:- هل يصح أن نقول بالعصمة لغير الأنبياء والأئمة عليهم السـلام كالسيدة الحوراء زينب عليها السلام وأبي الفضل العبـاس، وهل للعصمة مراتب ؟


جواب :- العصمة التي ذكرها الله في آية التطهير مختصة بالنبي وفاطمة والأئمة عليهم السـلام، المعبر عنهم بالأربعة عشر معصوماً ، وفي سائر الناس من المنتسبين إلى النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم لا تكون هذه العصمة، ولكن يمكن أن تكون بمرتبة نازلة، يمتازون بها عن سائر الأتقياء و الصلحاء، وهذا كما في أبي الفضل العباس والسيدة زينب عليهما السـلام، وغيرهما ممن ورد في حقهم بعض الأخبـار سلام الله عليهم أجمعين، كيف لا يكـون كذلك، فإن السيدة زينب شريكة الحسين عليهما السلام في قيامه بوجه الظالمين، فإن أسرها وخطبها التي إذا نطقت بها كأنها نطقت عن لسان أبيها معروف مشـهور متواتر، وإن أبا الفضل العباس فداؤه في سبيل أخيه الحسين ، وما تحمَّل من المصائب في سبيل الدين وتشييد مذهب التشيـع أمر معروف بين عامة المسلمين، فضلاً عن المؤمنين، والله العالم


رابعاً :- قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني ( قده) :

مليكة الدنيا عقيلة النسا *** عديلة الخامس من أهل الكسا

ما ورثته من نبي الرحمة *** جوامع العلم أصول الحكمة

فـانـهـا ســلالـة الــولايــة *** ولايــة لـيس لـهـا نـهـايـــة



وقال الشيـخ علي الجشي القطيفي " عطر الله مرقده " في قصيدته التي جارى فيها الشيخ حسن الدمستاني:-


ولقد أوصى إلى الصديقة الصغرى التي *** قد حوت من حيدر كل معاني العصمة

واغتذت من لبن الطهر بنور الحكمة *** فهي غصنٌ ظهرت فيه صفات الدوحتين



وبعد هذا هل يحق لمدّعٍ، أن يقول بأن هذا الكلام من قول السيدة زينب عليها السلام، وهي ليست مشرّعة في الدين ! حتى يمكن العمل بمقتضى الرواية ؟!، وقد عرفت أقوال العلماء في حق السيدة زينب عليها السلام إضافة إلى تقرير الإمام عمته بالعصمة في جميع أقوالها وأفعالها .

بـاء :- في الرواية التي ذكرها السيد المقرم عليه الرحمة، في بيـان ما حدث لأهل البيت عليهم السلام في الشام قال : (……… ثم أخرج ( أي يزيد"لع") الرأس، وصلبه على باب القصر ثلاثة أيام، فلما رأت هند بنت عمرو بن سهيل زوجة يزيد الرأس على باب دارها والنور الإلهي يسطع منه، ودمه الطـري لم يجف، ويشم منه رائحة طيبة، دخلت المجلـس مهتوكة الحجاب وهي تقول : رأس ابن بنت رسول الله على باب دارنا، فقام إليها يزيد وغطاها، وقال لها أعولي عليه يا هند، فإنه صريخة بني هاشم، عجَّـل عليه ابن زياد، ……)


وفي رواية الشيخ المجلسي أعلى الله مقامه:قال(…… وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد، وكانت قبل تحت الحسين ، حتى شقت الستر وهي حاسرة، فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام، فقالت يا يزيد، أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي، فوثب إليها يزيد فغطاها . وقال نعم فأعولي عليه يا هند وابكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش ، عجَّل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله ، قتله الله ……)


وفي رواية الشيخ عباس القمي، قال (………فلما رأى (أي يزيد) زوجته على تلك الحالة مهتوكة الستر وثب إليـها فغطاها ، وقال يا هند فاغمري ……)


أقول : إذا كان هذا حال الفاسق يزيد، شارب الخمور، الفاعل في المحارم، الذي لم يرَ محرّماً إلا ارتكبه، يكون غيوراً على أهله من أن تخرج كاشفة أمام الأجانب، فكيف بالمؤمن الموالي ؟! ، هل يرضى هذا المؤمن أن يكون يزيد الخمور أفضل منه في غيرته على أهله ؟! لا أظن مؤمناً يرضى بذلك أبداً .


أما الروايات التي تقول (……فلما دخلنا دمشق، أدخل بالنساء والسبايا بالنهار مكشفات الوجوه، فقال أهل الشام الجناة ………ما رأينا سبـايا أحسن من هؤلاء، فمن أنتم ؟، فقالت سكينة بنت الحسين : نحن سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله…… )

وكذلك (………ثم رحل (أي عمر بن سعد"لع") بمن تخلف من عيـال الحسين، وحمل نساءه صلوات الله عليهن على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء، مكشفات الوجوه بين الأعـداء ، وهن ودائع الأنبياء وساقوهن كما يسـاق سبي الترك والروم في أشد المصـائب والهموم……)

وفي رواية أخرى (…وحمل نساءه على أحلاس الأقتاب بغير وطاء ولا حجاب ، مكشفات الوجوه بين الأعداء ، ……)

وقال صاحب البحار (……ولزينب بنت فاطمة البتول من قصيدة، انتخبت منها :


تمسك بالكتاب ومن تلاه *** فأهل البيت هم أهل الكتاب


ثم ساق عطر الله مرقده الأبيات إلى أن قال :

فقد نُقلوا إلى جنات عدن *** وقد عيضوا النعيم من التعاب

بنات محمد أضحت سبايا *** يسقن مع الأسارى والنهاب

مغبرة الذيول مكشفات *** كسبي الـروم دامـيـة الـكـعـاب

فإن أبرزن كرها من حجاب *** فهن من التعفف في حجاب


فهي عليها السلام تصف النسـاء السبايا بأنهن مكشفات الوجوه، ولو كانت سيرة المسلمات على كشف الوجه كما يدعون ، لما احتاجت إلى التعبـير بهذا الشكـل، ولكنها عليها السلام عبّرت بهذا النحو، لأن البغاة خالفوا الشرع والدين المقدس والسيرة والعرف .

بيان
09-06-2010, 04:57 PM
(سِترُ الزهراء عليها السلام )


الشبهة الرابعة :- القـول بجواز كشف الوجه لادعائهم الباطل بأن الزهراء سلام الله عليها أول من تنقبت !!



لقد تعرض هؤلاء إلى مقـام الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام، فقالوا أنها أول من تنقبت !!، ويعضدون ذلك بأقوال لا تصمد أمام الدليل والنقد !! .

إن الإنسان المؤمن بغيرته الإيمانية على السيدة الزهراء ، ينفي هذا التصور القبيح في حقها عليها السلام .

إن مقام الزهراء سلام الله عليها أعلى وأجل من أن ينظر إليها أجنبي، ويؤيد ذلك أن سيرة المسلمات كانت بلزوم الحجاب بستر الوجه على خلاف مدعاهم ، ولم تكن عليها السلام خارجة عن نطاقهن، بل هي ربيبة الرسالة، وستعرف ذلك في تفسير الآيات لاحقاً، إضافة إلى هذا، فإن هناك جملة من الروايات الشريفة، تؤكد بأن الزهراء سلام الله عليها كانت ملتزمة بستـر الوجه لأبعد الحدود، وإليك بعضها:-


** النبي يسأل والزهراء تجيب :

نقل أبو نعيم الأصفهاني عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لجمع من الحاضرين:
( ما خيرٌ للنساء؟). فلم يدرِ الحاضرون ما يقولون، فسار عليٌ إلى فاطمة فأخبرها بذلك. فقالت: هلا ّقلت له: (خيرٌلهنّ أن لا يرين الرجال ولا يرونهن ). فرجع علي فأخبره بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من علّمَك هذا ؟ قال : فاطمة "عليها السلام" ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله إنها بضعة مني )
لا يخفى على من له أدنى معرفة من أن الإمام علي يعلم الجواب ، كيف لا؟! وهو باب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولكن سكوته عن الجواب كان لبيان مقام فاطمة عليها السلام، حتى تقتدي النساء بها .

** الزهراء عليها السلام والرجل الأعمى :

في التاريخ يُذكر أن السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت ذات يوم جالسة عند أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ استأذن عليه ابن أم مكتوم ، وكان رجلا أعمى قد فقد بصره ، وقبل أن يدخل على النبي صلى الله عليه وآله قامت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وغادرت الغرفة وعندما انصرف ابن مكتوم عادت السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لتدخل على أبيها مرة ثانية ، وهنا سألها النبي صلى الله عليه وآله عن سبب خروجها من الغرفة مع العلم أن ابن أم مكتوم لا يبصر شيئا .
سألها النبي صلى الله عليه وآله عن السبب - وهو يعلم ذلك - لكي تجيب بدورها على هذا السؤال ويكتب التاريخ هذا الحوار الإيماني ليبقى مثالاً رائعا طوال الحياة ، فقالت ( عليها السلام ) إن كان لا يراني فإنني أراه ، وهو يشم الريح - أي يشم رائحة المرأة .
فأُعجِب النبي الأكرم صلوات الله عليه وعلى آله بهذا الجواب - الذي يتفجرعفة وشرفا - من ابنته الحكيمة ، ولم يعاتبها على هذا الالتزام الشديد بالستر، بل شجعها وأيدها وقال لها : أشهد أنك بضعة مني .

** الزهراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله :

في أحداث الخطبة الفاطمية في المسجد النبوي الشريف لما أرادت الزهراء الخروج إلى المسجد لإلقاء خطبتها ... يروى أنها (…لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابهـا ، ثم أقبلت في لِمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ أذيالها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله) .
ولما أرادت الزهراء ( عليها السلام ) أن تخطب تلك الخطبة العظيمة ،ضربوا لها ستاراً في المسجد ، فجلست ( عليها السلام ) مع نساء قومها في جانب ، بينما جلس الرجال في الجانب الآخر .

وكان هذا الستار يحمل عدة معان ٍ : فهو من جانبٍ تطبيق لقانون (الستر) ، حيث أنه حائل وفاصل بين الجنسين.


هذه ثلاثة نماذج من حياة سيدة نساء العالمين ، والمرأة المثالية في الإسلام ، والقدوة الصالحة السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . ويجدر بك ِ أيتها المؤمنة أن تستلهمي منها دروس الكرامة والعفة والحياء ، وتجعلي من نفسكِ امرأة صالحةً ملتزمة بالإسلام وأحكام القرآن .

لقد كانت هذه السيدة العظيمة قمة في الحجـاب والعفة والطهارة، لا تخرج من البيت إلا والعباءة تستر جميع بدنها الشريف من الرأس إلى القدم،…كانت تذم التبرج بكشف الوجه والسفور، أشد الـذم ، وما ذاك إلا لأن الله تعالى يذم ذلك ويكرهه، ولأن ذلك مفتاح كل رذيلة، وطريق للفجـور، ومقدمة للسقوط، بل هو السقوط بعينه
إن السيدة الزهراء عليها السلام مثـال كل فضيلة، ونموذج كل خير، سعدت كل امرأة اقتدت بها، وشقت كل امرأة تركتها واقتدت بغيرها .

وإليك أقوال العلماء في شرح هذه المقاطع :


القول الأول : للمولى محمد علي الأنصاري ( لاثت خمارها، أي عصبته، يقال : لاث العمـامة على رأسه يلوثها لوثاً، أي شدها وربطها، والخمار (المقنعة)، سميت بذلك لأن الرأس يخمَّر بها أي يغطى، وكل شيء غطيته فقد خمرته، والتخمير هو التغطية . والجلباب يُطلـق على الملحفة والرداء والإزار،والثوب الواسع للمرأة دون الملحفة، والثوب كالمقنعة وهو ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها ويبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى" يدنين عليهن من جلابيبهن " أي يرخينها عليهن، ويغطين به وجوههن وأعطافهن . "واشتملت" الاشتمال على الشيء الإحاطة به ، والمـراد أنها عليها السلام غطت رأسها وصدرها أولا بالمقنعة، ثم لبست ملحفة تغطي جميع بدنها، فالتفّت بها، وهذا كناية عن غاية التستر وهي عادة النساء الخفرات،(الخَفَرُ شدة الحياء)، إذا أردن الخـروج من الدار إلى الخارج تحفظاً عن الأجانب. و" اللمة " الجماعة والمراد أنها عليها السلام خرجت في لِمّة من نسائها تتوطأ ذيلها. و" الحفدة " الأعوان والخدم وقيل ولد الولد أيضاً، والمراد هنا الأول. والإتيان بلفظ " في" في قوله " وأقبلت في لمة من حفدتها " دون أن يقول " مع لمة " إشارة إلى أنها كانت بينهن وهن مجتمعات حولها، محيطات بها، و" تطأ ذيولها " أي كانت أثوابها طويلة تستر قدميها، وتضع عند المشي قدمها عليها. وجمع الذيل باعتبار الأجزاء، أو تعدد الأطراف الأربعة، وفي نسخة أخرى " تجر أدرعها " ودرع المرأة قميصها، وجـرَّ الأدرع كناية عن كون أذيال قميصها طويلة ملاصقة للأرض )


القول الثاني: لاثت أي شدت ولفّت، وخمارها: ثوب يغطى به الرأس. واشتملت: وهو ما يدار على الجسد كله بحيث لا يخرج منه شيئ . وجلبابها: الجلبـاب هو ما يستر جميع البـدن كالملحفة .

القول الثالث: اللوث هو الطيّ، ولاثت خمارها لفته، والخمار المقنعة، و" اشتملت " جعلته شاملاً، والجلباب الرداء والإزار أي جعلت الإزار أو الرداء شاملاً لجسدهـا حتى وصفتها الرواية بأنها تطأ ذيولها أي أن أثوابها كانت طويلة تستر قدمها الشريف فكانت تطأها عند المشي

القول الرابع : يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (…… فإن ستارًا قد أسدل ليحجب النساء، ثم إنها كانت تتوسط جمع النساء اللاتي رافقنها، مرتدية عباءة غطت جميع أجزاء جسدها الشريف بشكل لا يمكن تشخيصها أو تمييزها ، ثم ألقت خطبتها من وراء الستر )

القول الخامس: قال الشيـخ عباس القمي (……لاثت خمارها أي لفته، والجلباب هو الرداء والإزار )


ويظهر مما تقدم ، بعض من الفوائد وهي : -


الفائدة الأولى :- أن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت محجبة بستر الوجه، ونعرف ذلك من "لاثت خمارها"،وقد عرفت أن الخمار هو المقنعة والتي تغطي رأسها إلى صدرها، وهذا يعني أن الوجه مستور، إضافة إلى هذا "واشتملت بجلبابها" أي ولفت عليها رداء، وهي العباءة التي تكون فوق الخمار، أو ما تسمى بـ"البوشية".


الفائدة الثانية :- أن رداء الزهراء عليها السلام وعباءتها، كانا طويلين جداً لدرجة أنها عليها السلام تطأ ( أي تدوس ) على الزائد منها .


الفائدة الثالثة :- أن تلك العباءة قد غطت جميع أجزاء بدنها الشريف، بحيث لا يمكن تشخيصها، وهذا يدلل على أن العبادة واسعة "أي فضفاضة"، وغير مجسمة كما هي العباءة المغربية المحرمة أو ما تعرف بـ" الكتافي أو الكاب".


الفائدة الرابعة:- أن الزهراء عليها السلام قدمت إلى المسجد في جماعة من النساء، حتى لا يمكن تمييز شخصها، ولا يعرفها الأجنبي، ولا يطلع على قامة الزهراء عليها السلام، هل هي طويلة أم قصيرة، أم …،أم …، وبهذا تختلط الزهراء مع النساء، ولا يعرف مكانها، فضلاً عن شخصها المقدس .


فقولهم " أنها أول من تنقبت " باطل، فهي عليها السلام حريصة على أن لا يُعرف شخصها، فكيف يمكن التصديق بأنها أبدت عينيها أو جزءاً من بدنها الشريف ؟!، بل إن أول من ابتدعت النقاب هي آكلة الأكباد هند بنت عتبة، فراجع التاريخ الصحيح .


وأما عن هذا القول بأن الزهراء سلام الله عليها هي أول من تنقبت !!! .


فنقول في رد هذه المزاعم : إضافة لما ذكرناه سابقاً، وأن ذلك ينفي أن تكون الزهـراء عليها السلام متنقبة، وأنها أشرف من أن تُظهـر شخصها الشريف، أو أن تخالف الشرع المقدس لما عرفت من سيرة المسلمات، وحرمة كشف الوجه ولو جزءاً منه، كما عرفت ذلك، ولا فرق بين النقاب أو البرقع في الحرمة، نعم هناك فرق في وصفهما، فالنقاب عبارة عن قناع يستر وجهة المرأة إلا عينيها، أما البرقع فهو عبارة عن ستر المرأة للنصف الأسفل من وجهها من أنفها إلى نحرها، وتنكشف العينان والجبهة
" و جاء في (لسان العرب): البرقع : معروف وهو للدواب ونساء الأعراب، ، قال الليث : تلبسها الدواب وتلبسها نساء الأعراب وفيه خرقان للعينين . ..........النقاب : القناع على مارن الأنف .......، قال الفراء : إذا أدنت المرأة نقابها إلى عينها، فتلك الوصوصة، فإن أنزلته دون ذلك إلى المَحجِر، فهو النّقاب، فإن كان على طرف الأنف، فهو اللفام . "
ونقول إن أول من تنقبت هي هند بنت عتبة، ولدينا ما يثبت ادعائنا .

فنرد على ذلك، بذكر بعض ما نقله العلماء من روايات شريفة، تؤكد بطلان ما ذهبوا إليه في مقام أشرف نساء العالمين، فنقول وبالله التوفيق :-

منها ما رواه الشيخ المجلسي "أعلى الله مقامه" ( ……… أن النبي صلى الله عليه وآله بايعهن(2)، وكان على الصفا، وكان عمر أسفل منه، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً، فقالت هند: إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأينـاك أخذته على الرجـال، وذلك أنه بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجـهاد …إلخ )


ومنها ما رواه ابن أبي الحديـد ( ………أن هند بنت عتبة جاءت رسول الله صلى الله عليه وآله مع نساء قريش متنكرة متنقبة لحدثها الذي كان في الإسلام، وما صنعت بحمزة حين جدعته وبقرت بطنه عن كبده، فهي تخاف أن يأخذها رسول الله صلى الله عليه وآله بحدثها ذلك فلما دنت منه، وقال حين بايعنه على ألا يشركن بالله …………إلخ )

ومنها مارواه المفسرون حول آية { يـا أيـها النبي إذا جائك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ..}

فقد جاء في تفسير هذه الآية (..... وروي أنه صلى الله عليه وآله بايعهن على الصفا، وكان عمر أسفل منه وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء خوفاً من أن يعرفها رسول الله صلى الله عليه وآله .

ومنها ما رواه الشيخ السبحاني ( وقد تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ما نزل من قوله تعالى من شروط البيعة عليهن، فلما بلغ إلى قوله تعالى (ولا يسرقـن ) نهضت هند وكانت آنذاك متنقبة متنكر، وقالت.......)

ولقد بحثنا جاهدين - ويشهد الله - في ما بأيدينا من كتب، علنا نظفر برواية واحدة تتحدث أن الزهراء قد تنقبت فضلاً عن أنها أول من تنقبت، فلم نظفر بشيء من ذلك، بل على العكس، رأينا أن هناك الكثير من الروايات التي تصرح بـ " ابتداع " آكلة الأكباد لما يعرف بالتنقب.



وهناك عدة اشكالات قد يوردها البعض في مقـام الصديقة الطاهرة عليها السلام :-


منها: أن فاطمة عليها السلام سيدة النساء، وبنت خير الأنبياء، وزوجة سيد الأوصياء، وهي المخدرة العظمى، ومحل العصمة الكبرى، فكيف يصح لشأنها في شرع أبيها خروجها من خدرها، وتدخل المسجد الغاص بالمهاجرين والأنصار، وهـم أجانبة عنها، تـُسمعهـم صوتها، وتتكلم معهم، ويتكلمون معها ؟ وكيف رضي أمير المؤمنين بذلك منها؟ مع أنه كان بإمكانه أن يقوم بدورها بالوكالة عنها حتى لا يسمع الأجانبة كلامها .

وقد أجاب عن هذا الاشكال المولى محمد علي الأنصاري (قده) بقوله: " إن الضـرورات تبيح المحذورات، وأنهم عليهم السلام لم يكونوا مكلفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية والإتصاف بلوازم البشر …"

ونقل (قده) عن الفاضل البهبهاني : أن أخبار تكلـّم فاطمة عليها السلام في فدك في حضور الصحابة متواتر البتة، وكـانت عليها السلام أعلم من غيرها بالأحكام الشرعية، ولعله من باب الضرورة التي يجوز لأجلها تكلم النساء مع الرجال باجماع الأمة .

وأما تكلمها مع سلمان وجـابر وسائر الصحابة، فلم يتحقق لنا، وبعض النظرات الواقعة منهم ومنها، لعله من باب الاتفاقات الضرورية، وأن الأحكام بالنسبة إلى الأعصـار مختلفة، ولعله لم ينزل في تلك الأوقات آية الحجاب ونحوه، وعلى نحوه يحمل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله سمع صوت جماعة من النساء في ليلة زفاف فاطمة علها السلام على فرض إن كانت فيهن من لم تكن محرماً بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وكذلك خروج النساء يوم الطف من باب الضرورة

ومنها :- أنها عليها السلام كانت تلتقي بالرجال وتتحدث معهم في مناسبات كثيرة، وكانت عليها السلام تخرج مع من يخرجن مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته ليقمن بشؤون الحرب . وكان النبي صلى الله عليه وآله يستقبل النساء، ولو صح أنه خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يرونها، لكان ينبغي أن يجعل صلى الله عليه وآله حاجزاً بينه وبين كل امرأة تأتيه، ويقول لهـا: تكلمي من وراء حجاب .

وفي رد هذا الإشكال، ننقل ما سطره السيد جعفر مرتضى العاملي :-

أولاً :- إن التقاءهـا عليها السلام بالرجال في أيام الأزمة التي واجهتها…، لا يعني أنها قد كشفت عن وجهها للناظرين، وحديثها معهم قد يكون من وراء الحجاب، أو في حالة لا تريهم فيها وجهها.وليس المقصود من عدم رؤيتها للرجال، وعدم رؤيتهم لها : أن لا ترى ولا يرى كل منهم حجم وشكل الطرف الآخر .


كما أن خروجها مع النبي صلى الله عليه وآله في غزواته، لا يلازم أن يرى الرجال وجهها أو محاسنها، وليس ثمة أي دليـل على أنها عليها السلام كـانت تتولى بنفسها القيـام بشؤون الحرب، وخروجها على هذا النحو مع النبي صلى الله عليه وآله لا يدل على ما ادُّعي .


وكذلك الحال بالنسبة لاستقبـال النبي صلى الله عليه وآله للنساء، لا يلازم في ذلك أن يجعل حاجزاً بينه صلى الله عليه وآله وبين كل امرأة تأتيه، ولا أن يجعل لها حجـاباً لتكلمه من وراء الحجاب، إذ يكفي أن تتحفظ هي بما تملكه من وسـائل الستر، وتكلمه وهي مكتملة الحجاب، فإن الكلام مع شخص لا يلازم شيئاً مما نهي عنه من التزين والتبرج، أو الخضوع بالقول .


ثانياً:- أنها حينما خطبت عليها السلام في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم قد نيطت دونها ملاءة كما تذكر النصوص

ثالثاً :- إن موضوع رجحان عدم رؤية الرجال لها، وعدم رؤيتها لهم، لا ينحصر ثبوته بالحديث المذكور، فهناك أحاديث ونصوص أخرى تثبت ذلك ، ثم ذكر السيد مجموعة من الأحاديث، وقد ذكرنا بعضاً منها .

في خبر زفـاف فاطمة الزهراء عليها السلام " فكـان مما اشتروه: قميص بسبعة دراهم، وخماراً بأربعة دراهم، وقطيفة سوداء خيبرية، وعباءة قطوانية ، و .. و.. ، "

فترى أن الخمار والعباءة كانا ضمن جهـاز الزهراء عليها السلام، ولم يكن فيه إلا اللوازم الأساسية، والمقصود بالخمـار هو غطاء الوجه كما قاله الشيخ إبراهيم نجل العلامة الأميني

والقطيفة هي الثوب الذي يكون فوق الشعار، أي تلتف به على ثيابها، والشعار هو الجسد .

الحجاب والعرف


الشبهة الخامسة :-القول بجواز كشف الوجه لأن العرف العام لا يرى فيه فتنة !!..


نتساءل: ما المقصود من العرف ؟ هل هو عرف الناس أم عرف الشرع أو ما يطلق عليه بعرف المتشرعة ؟! .

قبل الحديث عن مقصود الفقهاء في ذلك ، نشرع في تقديم تمهيد ، ثم نجيب عن السؤال .

يُعرَّف العرف بأنه " ما تعارف الناس وتسالموا على قوله أو فعله أو تركه ، وجروا على ذلك في حياتهم العامة وعلاقاتهم "

ثم اعلم أن الأحكام الشرعية لها مصاديق وحدود ، تدور حولها ، وحتى يمكن فهم حكم أي مسألة، فإن الفقهاء يبحثون عن كل ما يتعلق بها، وتسمى تلك بالموضوعات .


ويعرف الموضوع بأنه :- الشيء الذي يحمل عليه الحكم، والذي يلعب دوراً مباشراً في فعلية هذا الحكم .


وتقسم الموضوعـات إلى قسمين رئيسيين من حيث تعـيين المصاديق الخارجية للعناوين :-


القسم الأول :-

الموضوعات الخارجية :- وهي التي يشخصها العقلاء من المجتمع، لحكم في الشريعة، لمسألة لم يعطِ الشارع المقدس ( أعني لم يبينها القرآن الكريم أو الروايات الشريفة) فيها رأيه . أو هي تلك الموضوعات التي لا دخل للشارع المقدس فيها، وإنما بين أصولها، ولكن تشخيصها ووصفها يعود للمجتمع ، وعلى ضوءه يعطي الشرع الحكم .

فمثلاً، يجوز الوضوء بالماء الطاهر، لكن هل يصدق على ذلك المـاء اسم ماء مطلق أو ماء مضاف (ورد مثلاً) ؟ فالتفريق بينها يعود للمجتمع ، حسب مفهومهم ومعرفتهم بالماء . وكذلك هل أن هذا المائع خمر أو خل ؟، فهذا يعود لتشخيص المجتمع أيضا ليحدد مصداقيتة، ومن ثم يفتي المجتهد على ضوء ذلك التشخيص .


القسم الثاني :- الموضوعات المستنبطة، ولها قسمان أيضاً :


ألف: موضوعات مستنبطة شرعية :- وهي المواضع المخترعة من الشارع المقدس، أي العناوين التي تملك معاني لغوية معينة، لكنها خضعت لتصرف الشارع، واستُعمِلت للدلالة على مفاهيم جديدة، وأبرز مثال الصلاة التي تعني في اللغة : الدعاء، وأما في الشرع فتعني تلك الأقوال والحركات العبادية المحددة . وكذلك الصوم الذي يعني في اللغة الامتناع عن كل شئ، أما في الشرع فأصبح معناه الإمسـاك عن جملة من أشياء محددة، وفي وقت محـدد تقرباً إلى الله تعالى . وكذلك الفتنة التي تعني في اللغة الاختبار، أما في الشرع في معرض النساء، فتعني الإغراء، والوقوع في الحرام، أو الإضلال عن الحق .


وقد اصطلح على هذا الأمر عند القدماء بـ"عرف المتشرعة أو الشرع". ويحدده الشرع وليس المجتمع، ومثالنا من هذا القبيل .


باء: الموضوعات اللغوية والعرفية، وهذه تقسم إلى قسمين أيضاً :-


1- موضوعـات عرفية ولغوية من اختراع وتصرف الشارع أيضاً، ولكنه وضع لها حـدوداً معينة، مثل الربا والغناء والحجـاب، فقد وضع لها الشرع المقدس حدوداً، إذا تجاوزتها حكم بأنها ربا أو غناء أو حجاب، فالربا يعني في اللغة الزيادة، ولكن ليس كل زيادة حرام، بل يشترط فيه أن تكون الزيادة من نفس الجنس، ومكيلاً أيضاً . والغناء ( بحسب معناه اللغوي أعم من ذلك، فيشمل كل صوت حسن، ولذلك أمر في بعض الأحـاديث بالتغني بالقرآن ) أي حسنوا أصواتكم إذا قرأتموه، لكن إذا كان على نحو الترجيع بما يناسب مجالس أهل اللهو والباطل فإن ذلك هو المحرم . وكذلك الحجاب فإنه يعني الحاجز في اللغة، ولكن في الشـرع فيعني تغطية الجسم ، كما ستعرف ذلك لاحقاً .
فهذه الموضوعات يتصرف فيها الشارع المقدس، فيتولى عملية التعيين والتحديد، بأن يقول مثلاً أن المرأة بطبيعتـها، وبحد ذاتها مفتنة للرجل (وهي كذلك) . وكذلك فإن السفر في مفهوم الناس، هو الانتقال لمكان بعيد، وإقامته فيه أيضـاً، لكن الشرع الشريف يعتبر قطع مسافة مقدارها أربعة وأربعين كيلو متراً، سواء امتدادية أو تلفيقية، يعتبر ذلك سفراً شرعياً، ويفرض على ذلك أحكام السفر، بغض النظر عن اعتباره سفراً بنظر الناس أم لا .


2 - موضوعات عرفية ولغوية لم يتصرف فيها الشارع، ولم يضع لها حدوداً، والمعيار المستخدم في إدراك مفاهيمها وتعيين مصاديقها، هو العرف العـام واللغة، فقد كان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومـين عليهـم السلام يرجعون إلى العرف في تعيين المفاهيم، وبيان المصاديق، فيشرِّعـون الحكم على أساس الفهم العرفي، كالمائع هل هو خمر أم خل ؟ فيرجع إلى الخبراء في معرفة ذلك، ثم إعطاء الحكم على ضوء ذلك، وهذا يعـرف بالموضوعات الخارجية. ولكن وضعت تحت الموضوعـات اللغوية والعرفية على حسب تقسمها تبعا للزاوية التي ينظر منها إلى تلك الموضوعات، فقد توضع تحت هذا العنوان، أو في عنوان مستقل كما في أول التقسيم . وهناك تقسيمات عديدة لا مجال لاستعراضها .

فحدود مسؤولية المرجع في تعيين الموضوعات التي هي من اختـراع الشرع، وذات حقيقة شرعية، وهي الموضوعـات المستنبطة الشرعية اللغوية والعرفية التي يتصرف فيها الشرع المقدس، فالذي يحدد أن المرأة مفتنة هو الشرع لا الناس .

والكثير من الفقهاء يوجبون الرجوع إلى المرجع الفقيه في تعيين وفهم الأحكام المستنبطة، الفرعية منها واللغوية، وكما قال السيد الخوئي" قده" أن {الصحيـح وجوب التقليد في الموضوعـات المستنبطة الأعم من الشرعيـة وغيرها، وذلك لأن الشك فيها بعينه الشك في الأحكام، ومن الظاهر أن المرجـع في الأحكام الشرعية المترتبة على تلك الموضوعات المخترعة هـو المجتهد، فالرجوع إليه عبارة أخرى عن الرجوع إليه في الأحكـام المترتبة عليها }


وبالجملة : فإن { محل التقليد هو الأحكـام الفرعية العملية فحسب ، فلا يجري في الأحكام الأصولية، ولا في مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف والمنطق ونحوها، ولا في الموضوعات الخارجية، فلو شك المقلِّد (بالكسر) في مائع أنه خمر أو خل مثلاً وأخبر المجتهد أنه خمر لم يجب عليه التقليد فيه بل لا يجوز، نعم يقبل قوله بعنوان أنه مجرد عادل. كما في إخبار العامي، وأما في الموضوعـات المستنبطة العرفية أو اللغوية أو الشرعية فلا مناص من الالتزام بجريان التقليد فيها،فإذا بنى المجتهد أن الصلاة مثلاً اسم للصحيحة منها أو الأعم أو أن الغناء اسم للصوت المطرب لا ما اشتمل على الترجيع من دون طرب مثلاً ، وجب على العـامي أن يقلد فيهما كوجوب تقليده في الأحكام }، وكذلك لو أراد العـامي أن يعمل مشروعاً خيرياً، فلا بأس بذلك، ولكن لا بد أن يحرز رضا الشـارع المقدس في ذلك المشروع وفي أهدافه وفي تحديد جهـات مصروفاته، فتحديد شرعية تلك الأمور من وظيفة الشرع لا من وظيفة الناس .

ولمعرفة المزيـد من الآراء الفقهية في أن تقليد المجتهد في الموضوعـات المستنبطة باقسامها جائز عند الفقهاء، بل عند أكثرهم واجب كما ستعرف، فلا أعلم حسب تتبعي لآراء الفقهاء من يقول بعدم جواز تقليد المجتهد في الموضوعات المستنبطة العرفية واللغوية، والموضوعات المستنبطة الصرفة، سوى السيد محمد كاظم اليزدي(أعلى الله مقامه)صاحب العروة . أما باقي الأعلام فلم يوافقوه في فتواه، وسنورد فتوى السيد اليزدي(قده)، ثم تعليقات الأعلام بعد ذلك .

قال السيد اليزدي(قده) : (مسألة:67):- محل التقليد ومورده هـو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجزئ في أصول الدين وفي مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعـات المستنبطة العرفية أو اللغوية، ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل مثلاً، وقال المجتهد أنه خمر، لا يجوز له تقليده . نعم من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله، كما في إخبار العامي العادل، وهكذا، وأما الموضوعات المستنبطة الشرعية كالصلاة والصوم ونحوهما فيجزي التقليد فيها كالأحكام العملية.

وأما تعليقات الأعلام فهي كالتالي :-

أ_ السيد الخوئي(رحمه الله): علق على قول السيد اليزدي (قده)"ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية" بقوله" لا فـرق في الموضوعات المستنبطة بين الشرعية والعرفية في أنها محل للتقليد، إذ التقليد فيها مساوق للتقليد في الحكم الفرعي كما هو ظاهر " .

ب_ السيد الكلبيكاني (رحمه الله)": علق على قول السيد اليزدي السـابق بقوله " لكن الحكم المترتب عليها مورد للتقليد".

ج_ السيد شهاب الدين المرعشي النجفـي(رحمه الله): علق بعد القـول السابق للسيد اليزدي بقوله " الأقوى جواز التقليد فيها، فانها وإن لم تكن بنفسـها موارد للتقليد لكنها مما يؤول التقليد فيها إلى التقليد في الأحكـام الشرعية ".

د_ السيـد حسن القمي(رحمه الله): علق على القول السابق بقولـه " الظاهر جريانه فيها".

هـ_ الشيـخ محمد اسحاق الفياض(دام ظله): علق على قول السيد اليزدي" ولا في مبادئ الاستنباط " بقوله " لا بأس بالتقليد في مسائل أصول الدين، فاذا كان شخص قادر على عملية الاستنباط وهي تطبيق القواعد العامة الأصولية على عناصرها ولكنه غير متمكن من الاجتهاد في نفس تلك القواعد كحجية خبر الواحد أو الاستصحاب او نحو ذلك لا بأس بالرجوع إلى المجتهد فيها لأنه من رجوع الجاهل إلى العـالم فيكون مشمولاً لسـيرة العقلاء، وأما التقليد في الموضوعات المستنبطة كالصـلاة والصيام والغـناء والجـذع والثني ومحوها فلا مناص عنه، والا فلا بد فيها من الاجتـهاد أو الاحتياط". أقـول : ترى أن الشيخ(دام ظله) قال" في الموضوعـات المستنبطة" ولم يقيدها بمعنى أنه أطلق مقصوده، فتشمل الموضوعات المستنبطة العرفية والشرعية والصرفة واللغوية وغيرها، بقرينة قوله "ونحوها" .

و_ السيد السيستاني(دام ظله): علق على قول السيد اليزدي " ولا في مسائل أصول الفقه " بقوله " الأظهر جواز التقليد فيها بالجملة". ثم علـق على قول السيد اليزدي " ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية "بقوله "الأظهر جواز التقليد فيها "

ز_ السيد الشيرازي (رحمه الله): علق على قول السيد اليزدي "فلا يجري في أصول الدين "بقوله " فيه تفصيل "، ثم علق على قـول السيد اليزدي " ولا في مبادئ الاستنبـاط من النحو والصرف" بقوله " لا يبعد جريان التقليد فيها وفيما ذكر بعدها "

وبعد هذه المقدمة نستنتج أن العرف ينقسم إلى قسمين رئيسيين من حيث حكمه ومشروعيته :-

الأول: العرف الصحيـح : وهو ما ليس فيه مخالفة لنص شرعي، ولا تفويت مصلحة ولا جلب مفسدة، من قبيل تعارفهم على استعمال لفظ في غير معناه اللغوي، أو تعارفهم على تقديم بعض المهر وتأخير بعضه .

الثاني: العرف الفـاسد : وهو ما خالف الشرع، كتعارف العقـود الربوية بين الناس، والعاب المقامرة، وحرمان البنت من الميراث، وغير ذلك مما علم بردع الشارع عنه .


فقد رأيت أن كشف المراة يوجب تفويت مصلحة وجلب مفسـدة أيضاً ، فهو عرف فاسد غير صحيح .


إذاً، فالعرف الذي يعنيه الفقهاء في ستر المرأة وجهها، وفي الحجاب ، أو أي شئ له علاقة بالشـرع ، هو عرف الشرع أو المتشرعة، وليس عرف الناس أو العوام ، فذاك ليس من اختصاصهم، بل هو من اختصاص الشرع الأقدس .
أقوال العلماء حول ( إلا ما ظهر منها)

الشبهة السادسة :-القـول بجواز كشف الوجه لوروده في القـرآن الكريم في قوله تعالى ( . . . إلا ما ظهر منها ) وغير ذلك من الآيات الشريفة !!

من ضمن أقوالهم :- "أنه يجوز أن تكشف المرأة عن وجهها، باعتبار مفهوم الآية الشريفة ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )، فالظاهر منها هو الوجه واليدان بشرط عدم وضع الزينة ".


ونقول في الرد على ذلك :-


أولاً :- إن هؤلاء لا يحق لهم التصدي لاستنباط الأحكام الشرعية من الآيات أو الروايات، فتلك وظيفة نواب الإمام ، حيث لا يعرف المحكم من المتشابه والناسخ من المنسوخ وغير ذلك إلا المجتهد .

ثانياً :- إن هؤلاء يفسرون الآيات والروايات ولم يستندوا في أقوالهم الاجتهادية إلى واحد من المجتهدين العظام، وهذا فيه إشكال شرعي، فضلاً عما به من تضليل للعوام .

ثالثاً :- ما هي المصلحة المتوخاة من جراء ترويج كشف المرأة وجهها أو بعضه ؟، حيث لا يخفى على العاقل اللبيب أن شرعنا الشريف إنما يشرع من منطلق جلب المصالح ودفع المفاسد، فهل في كشف وجه المرأة وتبرجها جلب مصلحة أو درء مفسدة ؟!! . بل العكس، في ذلك دفع للمصلحة وجلب للمفسدة، والعياذ بالله العاصم .

ثم ألا يكفي هؤلاء ما صنعه أعداء الإسـلام من هدم للقيم والمبادئ الحقة ؟ ، أليس من العقـل أن يحفظ هؤلاء ما تبقى منها، ويعملـوا على تثبيتها ؟! . ألا يكفي هؤلاء هذه المحطات الفضائية التي زرعها يهود الدنيا لتدمير الإسلام ومبادئه؟، أليس من العقل أن تكون منازلنا جبهة تقصف هذه الأوكـار، بدلا من أن تكون حاميات لها ومروجة لأغراضها .

رابعاً :- إذا كان هؤلاء _هداهم الله _من الدعاة إلى الحق، فالواجب عليهم أن يرشدوا العوام إلى ما فيه صلاحهم وخيرهم، لا أن يحشوهم بما فيه فسادهم وبعدهم عن الدين، ويفسد المجتمع ويمكن الشيطان فيه أكثر . ويعلم العاقل ما في كشف وجه المرأة من المفسدة والخراب والدمار، خصوصـاً للشباب والشابات، ولو سألتَ طفلاً عن ذلك لأجاب، فإن صبيـاً إذا كان عليه شئ من الجمال وخرج من بيته بمفرده، فإن أهله يخشون عليه لما يعلموا من وجود بعض المنحرفين،والشواهد على ذلك كثيرة لا يسع المقام لذكرها، فقل لي بربك ماذا يحدث لو خرجت امرأة شابة في مقتبل عمرها كاشفة لوجهها، وحولها ذئاب جياع متعطشون، ينتهزون الفرصة لذلك ؟! .

خامساً :- حتى نفهم المعنى الحقيقي للآية الشريفة، نعود إلى أقوال المفسرين العظام، فنقول:-

الآية الأولى:- بالنسبة إلى الآية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) سورة الأحزاب آية 59


أقوال المفسرين العظام لهذه الآية الكريمة :-


ألف :- قـال آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي "قده" :-

وبمناسبة تقدم الحديث عن النسـاء والتنصيص على حجـاب زوجـات الرسول صلى الله عليه وآله في قوله "وإن سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب " يأتي السياق لنص عام على وجوب التحجب على كل امرأة، "يا أيها النبي قل لأزواجك "أي نسائك وبناتك" فقد كانت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة سلام الله عليها ، ولعل بعض بناته الأخريات كانت في الحياة "ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" جمع جلباب، وهو ما كانت المرأة تجعل على رأسها، فقد أمرن بأن يقربن الجلباب نحو نفسهن، وهو الوجه والرقبـة والصدر ، فإن الجلباب يُدنى من هذه المواضع "ذلك" الإدناء للجلباب ليكون لهن زي خاص "أدنى" أي أقرب إلى "أن يعرفن" بأنهن عفائف نجيبات "فلا يؤذين" فإن عادة الفساق حتى في زماننا هذا أن يتعرضوا إلى المرأة المبتذلة بظهور وجهها وشعرها، أما إذا كـانت متسترة، عرفت بالستر والنجابة، لم يتعرض لها الفساق "وكان الله غفورا" ما يصدر منهن بدون تعهد وقصد ، فإن المرأة مهما كانت محجبة لابد وأن يظهر بعض مفاتنها في نادر الأوقات "رحيما" يتفضل بالرحمة - فوق الغفران - على المعطيات .

وإنما قال "من جلابيبهن" لأن المرأة ترخي بعض جلبابها . أقول قد ذكر بعض المفسرين كلاماً حول كون الآية إنما هي بالنسبة إلى الحرائـر لا الإماء، لكن إطلاقها وحكمة الإسلام في الحجاب بأن لا تمازح المرأة مهما كانت، ينفيان هذا التفصيل الذي لم يعلم وجهه، ثم إن الظاهر من الآيـات والروايات، لزوم الحجاب بستر الوجه، وقد كانت سيرة المسلمات منذ زمن الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم على هذا، ولهذا استثني وجه المرأة، حـالة الإحرام، إلى غير ذلك من الشواهد، حتى جاء الغربيون وانهزم أمامهم بعض المسلمين الأعزاء، فقالوا بأن الحجاب موجب لخنق المرأة، وعدم ازدهار الحياة، كل ذلك لإشباع الشهوات الدنيا، والله غالب على أمره.

باء :- قال أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي "عطر الله ضريحه" المتوفى سنة 558 هج ، ومعنى "يدنين عليهن من جلابيبهن" يرخينها عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن، يقـال إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدني ثوبك على وجهك. والخمار: ثوب واسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها، وتبقي منه ما ترسله على صدرها .

جيم :- قال المولى محسن الملقب بالفيض الكاشاني "طاب ثراه"المتوفى سنة 1091 هج، يغطين وجوههن وأبدانهن، إذا برزن لحاجة، و"من" للتبعيض فان المرأة ترخي بعض جلبابها وتتلفع ببعض .

دال :- قال المولى نور الدين محمد بن مرتضى الكاشاني"قده"المتوفى بعـد 1115 هج، … يغطين وجـوههن وأبدانهن بملاحفهن إذا برزن لحاجـة .

هاء :- قال الشيخ محمد بن رضا القمي المشهدي "طيب الله ثراه"من مشاهير القرن الثاني عشر … قال مثل القول السابق .

واو:- قال المولى محمد علي بن أحمد القراجه داغي التبريزي الأنصاري (قده) المتوفى عام 1310هـ نقلاً عن مجمع البحرين ….. ومعنى "يدنين عليهن من جلابيبهن" أي يرخينها عليهن ويغطين به_أي الجلباب_ وجوههن وأعطافهن .

زاي :- قال السيد عبد الله شبر"قدس الله تربته"لمتوفى سنة 1242 هج، يرخـين على وجوههن وأبدانهن بعض ملاحفـهن الفـاضل من التلفع .

حاء :- قال الحاج سلطان محمد الجنابنذي الملقب بسلطان على شاه " قده"المتوفى سنة 1327 هج، … كن لا يغطين وجوههن وسـائر مواضع زينتهن بجلبابهن، فأمرهن الله تعالى بستر الوجوه والصدور بالجلابيب،… والجلباب للنسـاء ثوب وسيع يلبسنه فوق الثيـاب دون الملحفة أو هـو الملحفة .

طاء :- قال السيد محمد حسين الطباطبائي " عطر الله مثواه المقدس" المتوفى سنة 1402 هج، {… الجلابيب جمع جلباب وهو ثوب تشتمل به المرأة، فيغطي جميع بدنها أو الخمار الذي تغطي به رأسها و وجهها }(2).

ياء :- قال الشيخ محمد السبزواري "قدس الله تربته"المتوفى سنة 1410 هج، … أي يرخين على وجوههن وأبدانهن بعض ملاحفهن ويتلفعن بالفاضل منها حين يخرجن من بيوتهن لقضاء حوائجهن " ذلك أدنى أن يعرفن " أي تغطية الرأس والوجه .

كاف :- قال الشيخ محمد جواد مغنية " طاب ثراه"المتوفى سنة 1400 هج، … فان قوله تعالى "يدنين عليهن من جلابيبهن" عام يشمل الستر والحجاب لجميع أجزاء البدن بما فيه الرأس والوجه،ويؤيد هذا الشمول قوله سبحانه " ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ")

لام :- قال الشيخ محمد أمين زين الدين (قده) المتوفى سنة 1419 هـ … والجلباب ثوب كبير يشمل البدن كله، ومن أجل هذه الصفة فيه، استعارته العرب لما يشمل، فقالوا: جلببه الهم مثلاًً إذا استولى عليه وأخذ كل نواحيه .

ميم :- السيد محمد تقي المدرسي … الجلباب خمـار المرأة الذي يغطي رأسها ووجهها .



أقول :

أفاد المفسرون فيما سبق أن الوجه لا يجوز كشفه، وأن المرأة الكاشفة وجهها، مبتذلة على حد تعبير بعض المفسرين، وأن سيرة المسلمات هو تغطية الوجه، لا كما يتشدق به البعض .

بيان
09-06-2010, 05:02 PM
يتبع ....

وليضربن بخمرهن على جيوبهن



الآية الثانية:- ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ] النور:31 [


ولنعد إلى أقوال المفسرين العظام، لتتجلى لنا الحقيقة واضحة ناصعة:-


ألف :- قال شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي "نور الله روحه"المتوفى سنة460 هج، … والزينة المنهي عنها زينتان : فالظاهرة الثياب، والخفية الخلخال والقرطان والسوار - في قول ابن مسعود - ………والأحوط قول ابن مسعود . فعلى هذا يكون معنى " إلا ما ظهر منها " هي الثياب .

باء :- قال السيد محمد الحسيني الشيرازي "قده" ……"ولا يبدين" أي أن لا يظهرن عن عمد "زينتهن" المراد إما مواضع الزينة كالمعصم والأذن والرقبة والرجل، أو الزينة نفسها، وإذا صـار اللفظ محتملاً وجب الاجتناب عن الأمرين تحصيلاً للبرآءة، عما علم إجمالاً تحريمه "إلا ما ظهر منها" أي من الزينة، والذي أراه ظاهراً من الآية أنه استثناء عن الإبداء، يعني أن ما ظهر بغير اختيارهن ليس عليه بأس، كما إذا ذهبت به الريح، فرفع العباءة وأبدت الزينة "وليضربن بخمرهن" جمع خمار، وهو ما تلف المرأة على رأسها خماراً، لأنه يستر الرأس وما حولها، فإن مادة خمر يعني الستر، ومنه سمي (الخمر) خمراً لسترها العقل، "على جيوبهن" الجيب هو شق الثوب طرف الصدر، وذلك لئلا يبدو الصـدر من الشق، أو ستر الوجـه والصدر، فإن سدل طرف الخمار إلى الصدر مستلزم لستر الوجه، ويؤيد ذلك ما روي عن الإمام الباقر ع " استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة، وكانت النساء يتقنعن خلف آذانهن، فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه لبني فلان، فجعل ينظر خلفها واعترض عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه المراد به، فلما مضت المرأة، نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأخبرنه ، قال فأتاه ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : ما هذا؟ فأخبره، فهبط جبرئيل بهذه الآية "ولا يبدين زينتهن" أي لا يظهرن الزينة، وقد كرر ذلك تأكيداً وفي الاستثناء دلالة على ما ذكرناه سابقاً في معنى "إلا ما ظهر منها" إذ السياق الواحد …………

جيم :- قال الشيخ الأجل جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري " طاب رمسه" المتوفى سنة 826 هج، …… هنا فوائد :-


1- أن حكم النساء حكم الرجال في وجوب غض الطرف وحفظ الفرج .
روي عن أم سلمة أنها قالت : كنت أنا وميمونة عند رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل علينا ابن أم مكتوم بعد آية الحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وآله لنا : احتجبا، فقلنا يا رسول الله إنه أعمى ؟ فقال أفعمياوان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟! وإنما قدم غض الطرف على حفظ الفرج لكونه مقدما عليه وداعيا إلى الجماع .


2- تحريم إبداء الزينة ، فقيل المـراد مواقعها على حـذف المضاف لا نفس الزينة، لأن ذلك يحل النظر إليه كالحلي والثياب والأصباغ، وقيل المراد نفسها. ويظهر لي أن المراد نفس الزينة، وإنما حرم النظر إليها إذ لو أبيح لكان وسيلة إلى النظر إلى مواضعها، وأما ما ظهر منها فليس بمحرم ، للزوم الحرج المنفي في الدين .

3- قيل المراد بالظاهرة الثياب فقط، وهو الأصح عندي لإطباق الفقهاء على أن بدن المرأة كله عورة إلا على الزوج والمحارم، فعلى هذا المراد بالباطنة الخلخال والسوار والقرط، وجميع ما هو مباشر للبدن ويستلزم نظره نظر البدن .
وأما باقي الأقوال في ذلك، فهي أنه الوجه والكفـان، أو الكحـل والخضاب أو الخاتم، وأنه إنما تسومح فيها للحاجة إلى كشفها، فضعيفة لا تحقيق لها، فإنه إن حصل ضرورة ولزم الحرج فذلك هو المبيح لا الآية، وإلا فلا وجه لذلك .


4- الخُمُر جمع خمار وهي المقنعة، والمراد بضربها إسدالها على الصدر والعنق ستراً لهما، وتغييراً لعادة الجاهلية في لبس المخانق، مع كشف الصدر وما فوق
دال :- قال الشيخ محمد أمين زين الدين "قده"المتوفى سنة 1419 هـ …وما هذا الذي يظهر من الزينة بعد الحجاب؟ خضاب في الكف، أو خاتم في الأنامل، أو ما يشبه هذين من زينة ظاهرة غير فاتنة، أما إذا أوجب الفتنة فهو وغيره في التحريم سواء بسواء

وقد عرفت بحمد الله بعد استعراض أقوال جملة من المفسرين العظام ، أن هاتين الآيتين نزلتا تأمران النبي صلى الله عليه وآله بأن يأمر النساء بالستر والحجاب الكامل لا الناقص، حتى لا يتعرض لهن أحد بسوء . وفي الآيتين أحكام خاصة لجميع النساء، وليس لنساء النبي صلى الله عليه وآله أو بناته فقط، وهذا يرشدنا إلى أهمية الحجاب، وأن على كل النساء دون استثناء التقيد بهذا القانون الحكيم .

وعرفت أيضاً أن هناك استثناءان "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها"، " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو.." وتكريرهما دليل على عدم جواز إظهار الزينة، إلا لمن استثنتهم الآية الشريفة في الإستثناء الثاني، فتقيدت الزينة المستثناة بالإظهار، في الإستثناء الثاني، أي أنه لا يجوز أن تبدي المرأة زينتها الظاهرة والباطنة، إلا لمن استثنتهم الآية فقط، وهم إثنا عشر صنفاً .

والمتمعن في تفاسير العلماء يكتشف أمراً في غاية الأهمية ، وهو أن الآية استثنت الذي يظهر من الآية " إلا ما ظهر منها "، والفاعل هنا يعود على الزينة، أي إلا ما ظهر من الزينة من دون فاعل، كأن تظهر الزينة إتفاقاً بريح، أو بغفلة، وما أشبه، ولم تقل الآية " إلا ما أظهر منها " بصيغة المبني للمجهول، فلو كان المراد من ذلك الزينة التي تقوم المرأة بإظهارها، لناسب القول " أُظهر " بصيغة المبني للمجهول . فالإتيان بالإظهار، بالفعل المبني للمعلوم، دليل على عدم جواز إظهار المرأة زينتها لغير المستثنين، وعدم بأسية ظهور الزينة بغير اختيار المرأة، فافهم واغتنم واحمد الله تعالى على هذه النعم.

إن المرأة قد تكون محجبة - إن صح هذا التعبير- ، ولكن بحجـاب ناقص، كما نشاهد ذلك كثيراً، فهي لابسة للعبـاءة الفضفاضة، لا العباءة المسماة بالمغربية المحرمـة، والتي تحكي الهيكل العـام لجسم المرأة، ولكنها مكشوفة الوجه أو العينين، إن لم تكن لابسة العباءة المغربية مع النقاب أو البرقع، ثم يدعون ظلماً وزوراً، أن الزهراء سلام الله عليها هي أول من لبست النقاب- يالله، كبرت كلمة تخرج من أفواههم، إن يقولون إلا كذبا - ، وما ذاك إلا لضعف الولاء لآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا قول لا يحتاج إلى دليل .

هذا الحجاب لا يحقق الهدف الذي أراده الله سبحانه وتعالى، فعلى المرأة المؤمنة أن تطيع ربها الحكيم، وتتحجب بالحجاب الكامل الذي يضمن لها العفـاف والنزاهة والطـهارة، والسلامة من نظر الخائنين، والفوز بالجنة والرضوان، والاقتداء بسيدة النساء الزهراء سلام الله عليها، وآلها.
ستر الوجه وإحرام المرأة


الشبهة السابعة :- القول بجواز كشف الوجه لوجوب ذلك في العمرة أو الحج حال إحرام المرأة !!

وملخص قولهم، بأنه لو كان كشف الوجه حرامـاً، فكيف يكون كشف الوجه واجباً في الحج والعمرة ؟!، فلو كان ذلك صحيحاً، فيكون هناك تناقض فاضح في الجمع بين الفتويين ؟! .

ونقول في الرد على مزاعمهم :- حتى نفهم الفتويين فهماً صحيحاً، ونوفق بينهما، لا بد وأن نستعرض جملة من بعض المسائل الشرعية الخـاصة بمسألة ستر الوجه للمرأة المحرمة .


أولاً :- الفتاوى من الرسالة العملية :-

ألف :- قال الفقيه الأعظم سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم الطباطبائي" عطر الله مرقده الشريف " :-

الخامس عشر (من محرمات الإحرام) :………وكذا يحرم على المرأة تغطية وجهها كلاً أو بعضاً، وإن كان حـال النوم، بنقاب أو غيره ، ويجوز لها أن تنام على وجهها، كما يجوزلها أيضا أن تستره بإسدال قناع ونحوه، والأظهر عدم لزوم تباعد السـاتر عن الوجه، وإن كان أحوط ……

باء :- قال سيد الأساطين، واستاذ الفقهاء والمجتهدين، وقدوة العلماء والمربين، سماحة آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي "قدس الله نفسه المباركة":-

العشرون - من محرمات الإحرام _ ستر الوجه للمرأة :

"مسألة 266": لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك . والأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان. كما أن الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضاً. نعم يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم، ولا بأس بستر بعض وجهـها مقدمة لستر الرأس في الصلاة ، والأحوط رفعه عند الفراغ منها .

"مسألة267": للمرأة المحرمة أن تتحجب من الأجنبي بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها. والأحوط أن تجعل القسم النازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها

جيم :- قال سماحة آية الله العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي "دام ظله العالي"، كما قال أستاذه المرحوم السيد الخوئي"قدس سره الشريف" ، في رسالته الشريفة


دال :- قال الفقيه الأصولي العظيم سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني " عطر الله مرقده الشريف" :-

العشرون_من تروك الإحرام_ستر الوجه :

"مسألة263": لا يجـوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقـع أو النقاب وغيرهما مما يلاصق الوجه، ولا مانع من إسدال الخمار وإن لامس الوجه أحياناً، نعم يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة ، والأحوط رفعه عند الفراغ منها .

"مسألة 264": للمرأة أن تتحجب من الأجنبي بأن تنـزل ما على رأسها من الخمـار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفـها، والأولى أن تجعل القسم النازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها

هاء :- قال سماحة آية الله العظمى الشيخ الميرزا علي الغروي التبريزي "قدس الله سره الشريف" :

التاسع عشر_من تروك الإحرام_تغطية المرأة وجهها :

"مسألة235": يجوز لها إسدال القناع ونحوه من الرأس إلى الأنف بل إلى النحر للتستر عن الأجنبي أو لغرض آخر، والأحوط مراعاة أن لا يلصق ذلك بوجهها

زاي :- قـال سماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبيكـاني "طاب ثراه الطاهر" :

التاسع عشر من محرمـات الإحرام ………تغطية المرأة وجهها بنقاب وغيره مما يلصق على الوجه كلاً أو بعضاً حتى في حال النوم. ويجوز أن تنام على وجهها وإن استوجب ذلك تغطيته، كما يجوز لها أن تستـر وجهها بـ"بوشيه" بحيث يكون بعيداً عن وجهها .

ويجوز لها إسدال قناع ونحوه على وجهها إلى ما يحاذي أنفها فقط ،………، ويجوز لها لبس عباءتها وستر وجهـها بها، ولكن تحافظ على إبعاد العباءة عن وجهها ، …

حاء :- قال سماحة آية الله السيد محمد الحسيني الشـيرازي"طاب ثراه" :

التاسع عشر من محرمات الإحرام : تغطية المرأة وجهـها بنقاب وغيره، مما يلصق على الوجه كلاً أو بعضاً وحتى في حال النوم. نعم يجوز للمرأة أن تنام على وجهـها، وإن استوجب ذلك النوم التغطية لوجهها . وكما يجوز لها أيضا أن تستر وجهها بحيث يكون بعيداً عن وجهـها.…ويجوز لها أيضاً لبس عباءتها وستر وجهها بها، ولكن تحافظ على إبعاد العباءة عن وجهها.

وقال أيضاً : { (مسألة 843): لا يجوز للرجل المحرم تغطية رأسه، كما لا يجوز للمرأة المحرمة تغطية وجهها، ويلحق بهما في الحكم الصبي والصبية .

(مسألة 848): الظـاهر جواز تغطية المرأة وجهـها عند النـوم من الذباب أو غيره………،نعم يعتبر في تغطية الوجه المماسة للوجه، فإن اسدلت قناعها إلى طرف أنفها بحيث لا يمس وجهها جاز .

(مسألة 849): يحوز للمرأة ستر وجهها بيديها، كما يجوز لها النوم على وجهها، ولا بأس بستر بعض وجهها سواء كان للصلاة أم للتستر عن الأجنبي، أم لغير ذلك }

طاء :- قال سماحة آية الله السيد علي الحسيني السيستاني "دام ظله الوارف" :

العشرون- من تروك الإحرام- ستر الوجه للنساء :

"مسألة167": للمرأة المحرمة أن تتحجب من الأجنبي بإسدال ثوبهـا على وجهها، بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها بل إلى نحرها، والأظهـر عدم لزوم تباعد الساتر عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها، وإن كان ذلك أحوط }

ياء :- قال سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اسحاق الفياض "دام ظله العالي" في تعاليقه على منـاسك سيد الأساطين السيد الخوئي "عطر الله مثواه المقدس" :-

{العشرون : ستر الوجه للنساء :

(مسألة 266):"لا يجـوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقـع أو النقـاب أو ماشابه ذلك، والأحوط أن لا تستر وجهها بأي سـاتر كان "، وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله "بل على الأظهر أن لا تستر وجهـها بأي ساتر كان ".

ثم قال السيد الخوئي(قده)"كما أن الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضـاً "، وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله " لكن الأظهر الجواز …. ولكن مع هذا فالاحتياط في محله . ثم أن هناك طائفة أخرى من الروايـات التي تنص على أنه يجوز للمرأة المحرمة أن تسدل ثوبها على وجهها إلى الذقن، وإذا كانت راكبة فإلى النحر ".

ثم قال السيد الخوئي (قده) " نعم، يجوز لها أن تغطي وجهها حـال النوم ولا بأس بستر بعض وجهـها" وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله "بل إلى الذقن إذا لم تكن راكبة، وإلى النحـر إذا كانت راكبة، شريطة أن يكون إسدال ثوبها من فوق رأسها، وتدل على ذلك مجموعة من الروايات ".

ثم قال السيـد الخوئي (قده) "… مقدمة لستر الرأس في الصـلاة، والأحوط رفعه عند الفراغ منها " وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله "لا بأس بتركه، لما مر من أنه لا دليل على حرمة ستر بعض الوجه عليها " .

(مسألة267): " للمرأة المحرمة أن تتحجب من الأجنبي" وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله " إذ لا فرق في وجوب الحجاب عليها من الأجنبي بين حال الاحرام وغيرها " .

ثم قال السيد الخوئي (قده) " .. بأن تنـزل ما على رأسها من الخمار ونحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها. والأحوط أن تجعل القسم النـازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها " وعلق الشيخ الفياض على ذلك بقوله " لا بأس بتركه، فإن الروايات مطلقة من هذه الناحية، ومقتضى اطلاقها أنه يجوز لها أن تنزل ما على رأسها من الخمار أو الثياب إلى ما يحاذي الذقن أو النحر إذا كانت راكبة وإن لامس وجهها مباشرة "

تلك بعض الفتاوى لبعض من الفقهاء، أخذت من رسائلهم العملية، والآن دعنا نستعرض بعضاً من الاستفتاءات التي وردت لبعض من الفقهاء .


ثانياً :- بعض الاستفتاءات الموجهة إلى بعض من الفقهاء :-

ألف :- سؤال وجه لزعيم الطائفة في عصره الإمام الحكيم " عطر الله مرقده الشريف، وصب عليه شآبيب رحمته":

س:هل يجوز للمرأة تغطية وجهها بعباءة ونحوها،مع علمها بإصابتها وجهها ؟

جواب : لا يجوز، نعم لها ستر وجهها بمنديل يستره من دون التصاق به، والعباءة لا بأس بها إذا كان الستر كذلك(3)}(4).

باء :- سؤال وجه للسيد الخوئي "طاب ثراه" :

س : الأحوط للمرأة أن تستر وجهها عن الأجنبي، ويجـوز لهـا في الإحرام ذلك، فهل هذا الاحتياط باقٍ حتى في حالة الإحرام أم لا ؟

جواب : لا يجـوز لها ستر الوجه حال الإحرام بالبرقع أو النقاب، بل الأحوط عدم الستر بأي ساتر، ولا بأس عليها بالتحجب عن الأجنبي بما لا يمس وجهها، بل يجب على الأحوط


جيم :- سؤال وجه للسيد الروحاني "عطر الله مرقده الشريف":

نفس السؤال الذي وجه للسيد الخوئي"قدس" :

جواب:- لا يجـوز لها حال الإحرام ستر الوجه بالبرقع أو النقـاب وغيرهما، مما يلاصق الوجه، ولا مانع من إسدال الخمـار وإن لامس الوجه أحيانا، والاحتياط باقٍ حتى في حال الإحرام }

دال :- سؤال وجه للسيد الشيرازي "'طاب ثراه":

س : هل يجوز للمرأة المحرمة تغطية وجهها بعباءتها ونحوها مع علمها بإصابتها وجهها ؟

جواب :- لا بأس بإسدال ما على رأسها، على وجهها وإصابة الوجه أحيانا لا بأس به، والله العالم


وبعد هذه المقتطفات من فتاوى الفقهاء، وبعض من الاستفتـاءات، حول ستر المرأة المحرمة وجهها حال الإحرام، نستنتج فوائداً، فنقول :-

الفائدة الأولى:- يلاحظ من كلمات الفقهاء، أن المحرَّم هو ستر الوجه لا الحجاب، وشتان ما بين الكلمتين، فستر الوجه هو تغطيته بخمار أو رداء يلاصقه، أما الحجاب فهو إخفاء الوجه عن الناظرين بلا ملاصقة .

وهذا الفرق يظهر لنا جليـاً من جواب الاستفتاء الموجه للسيد الخوئي (قدس)، حيث أنه لم يجـوِّز للمحرمة ستر الوجه حال الإحرام، ثم أوجب عليها التحجب عن الأجنبي حال الإحرام، فلو كان معنى الستر هو الحجاب، لما نهى عنه في أول القول، ثم أوجبه في آخره، وكذلك يظهر هذا الفرق من كلام الشيخ الفياض (دام ظله) بقوله"لا فرق في وجوب الحجاب عليها من الأجنبي بين حال الاحرام وغيرها "، فلو أن ستر الوجه هو الحجاب لما أوجبه حال الاحرام وغيره، فذاك شئ، وهذا شئ آخر، فافهم واغتنم .

الفائدة الثانية :- أن الفقهاء قد اشترطوا في الحرمة إلصاق الساتر أو الغطاء ببشرة الوجه، أما إذا لم يكن هناك إلصاق فلا حرمة ، بل هو الواجب ، أعني تغطية الوجه بشرط عدم ملاصقة الوجه .

الفائدة الثالثة :- أن الفقهاء قد جـوَّزوا إسدال الخمار أو القنـاع أو البوشية أو العباءة أو الثوب أو ما شابه ذلك، حسب اختلاف تعابيرهم، بل إن أكثرهم أوجب ذلك .

الفائدة الرابعة :- يلاحظ أن كلمات الفقهـاء في أوائل الفتاوى " لا يجوز ستر أو تغطية الوجه بالنقاب أو البرقع "، ثم يختمونها بجواز أو وجوب إسـدال القناع أو الثوب أو الخمار أو العباءة أو البوشية أو المقنعة، ولكن لم نرَ فقيهاً واحداً من المذكورين قد جوَّز _فضلاً عن الوجوب_ إسدال البرقع أو النقاب دون ملامسة، بل كانوا يعبرون بإسدال القناع أو الثوب أو الخمار أو العباءة أو البوشية . فمن هذا الكلام يتبين لنا، أن البرقع والنقـاب ليس بحجابين شرعيين للمرأة المؤمنة .


وقد ذكر أحد المؤلفين الفضلاء، بأن { ما ذكر من ستر الوجه للنساء من محرمات الإحرام،لا يعني عدم وجوب الحجاب على النساء كما يتوهم، بل الممنوع هو إلصـاق القناع ونحوه بالوجه، ولذا نبه في الاستفتـاءات وغيرها على ذلك، على أن مماسة الساتر للوجه لا تضر عند بعض الفقهاء، ولتُـلاحظ المسألة، وليعتمِدالمقلِّد (بالكسر) رأي مرجِعِه ، والله العاصم }

ولهذا، فيجب على المرأة المحرمة أن تتحجب بشكل كامل، بحيث لا يرى الناظر الأجنبي وجهـها، بشرط أن لا يلتصق الحجاب ببشرة الوجه ، وإن لامسها عن غير عمد وبدون قصد فلا بأس كما عرفت عند الفقهـاء المذكورين .



الفرق بين الحجاب والستر والتغطية

ولعلك تسأل، ما الفرق بين الستر والتغطية والحجاب ؟

فنقول:- أن الحجاب أعم من الستر والتغطية، فهو يشملهما، فغطى الشيء : ستره، وستر الشيء : غطاه ، والسَتر _بالفتح_ هو الإخفاء .

فالستر هو ما يسترك عن غيرك وإن لم يكن ملاصقاً لك مثل الحائط والجبل، والغطاء لا يكون إلا ملاصقاً . ألا ترى أنك تقول تسترت بالحيطان ولا تقول تغطيت بالحيطان، وإنما تغطيت بالثياب لأنها ملاصقة لك .

أما الحجاب فهو في اللغة: الشيء الذي يحول بين شيئين، ولذلك أطلق على الغشاء الموجود بين الأمعاء والقلب والرئة، اسم الحجاب الحاجز. فتقول حجبني فلان عن كذا، ولا تقول سترني عنه ولا غطاني، وتقول احتجبت بشيء كما تقول تسترت به . فالحجاب هو المانع والممنوع به، والستر هو المستور به. ويجوز أن يُقال حجاب الشيء ما قُصد ستره، ألا ترى أنك لا تقول لمن منع غيره من الدخول إلى الرئيس داره من غير قصد المنع له أنه حجبه، وإنما يُقال حجبه إذا قصد منعه، ولا تقول احتجبت بالبيت إلا إذا قصدت منع غيرك عن مشاهدتك، ألا ترى انك إذا جلست في البيت ولم تقصد ذلك لم تقل أنك قد اجتجبت. وفرق آخر أن الستر لا يمنع من الدخول على المستور، والحجاب يمنع (1).

ويستعمل في القرآن الكريم بمعنى الحائل أو الساتر في كل موضع . أما كلمات الفقهاء، فقد استعملت كلمة الستر فيما يتعلق بلبـاس النساء على الأخص منذ قديم الأيام وإلى يومنا هذا. وورد في الروايـات الإسلامية هذا التعبير أو ما يشبهه .

واستعمال كلمة الحجاب بشأن لباس المرأة اصطلاح ظهر في عصرنا على الأكثر، وإذا وجد في التواريخ والروايات فقليل جداً .

فالستر والتغطية مترادفان في المعنى، لكن إذا أريد تغطية بدن الإنسان أو عورته يُعبَّر بكلمة الستر، بينما على غير الإنسان يُعبَّر بكلمة تغطية، وهذا غالباً. فيقال احتجبت الشمس بالغيم أو الجبال، ولا يقال تسترت، ويقال ستر الانسـان عورته، ولا يقال حجبها، فالأول لا يلازم الالصـاق، فبين الشمس والغيم أو الجبال مسافات كبيرة، بينما الثاني يلازم الملاصقة غالباً .

أما الحجاب، فيراد منه غالبا الحائل والفاصل، وفي الإنسان هو الستر، لكن إذا أريد به المرأة شمل جميع ما تتغطى به المرأة من ثياب حائلة دون رؤية بشرتها، بما في ذلك الوجه والكفان.

ولذا نبه في الفتاوى_ في محرمات الاحرام للمرأة_ بعدم جواز التستر والتغطية، ووجوب التحجب، وهذا يعني تغطية الوجه والكفين _ أقول حجبهما ولا أقول سترهما، فسترت المرأة يديها أي لبست القفازين ، وليس من المعقول القـول بتغطية الجسم وشعر الرأس دون الوجه، لأنه لا يجوز كشف جزء من الجسـم أو شعر الرأس بأي حال من الأحوال، إلا في حالة الضرورة المبيحة للمحرم، ولذا اقتضى وجوب تغطية الوجه .

وبعد هـذا تبين لك بأن ما ادعاه أولئك من تناقض بين الفتويين، محض افتراء، أو جهل بالمسألة، أو عدم فهمها، أو تحريف الكلم عن موضعه، أو تحقيق أغراض هدامة .
أقوال وفتاوى العلماء حول ستر الوجه

الشبهة الثامنة :-القول بجواز كشف الوجه لورود ذلك في فتـاوى العلماء !!

وذكر أولئك، بأن فقهاء الإمامية ينقسمون في مسألة ستر الوجه إلى قسمين هما :-

ألف :- قسم يحتاط في عدم جواز الكشف .

باء :- قسم يجوِّز الكشف .

ومما ذكروه، بأنه لا يوجد فقيه واحد أفتى بحرمة كشف الوجه، على نحو الفتوى، وليس على نحو الاحتياط .


نقول في ذلك :- حتى يمكننا رد دعواهم ومفترياتهم، لا بد من تقديم بعضٍ من الآراء الفقهية لبعض من مراجع الطـائفة المتأخرين، فنقول :-

أولاً :- الفتاوى من الرسائل العملية :-

ألف:- الفقيه الأعظم، فقيه عصره، السيد محسن الحكيم ( قدس سره )

{مسألة4": يجب على المرأة ستر ما زاد على الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج ، حتى المحـارم مع تلذذه، ولا يجب على الرجال الستر مطلقاً}

باء:- أستاذ الفقهاء والمجتهدين، السيد أبو القاسم الخوئي ( قدس سره )

{مسألة 1233":يجب على المرأة ستر الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج حتى المحارم مع تلذذه، بل عن غير المحـارم مطلقاً على الأحوط ، ولا يجب على الرجال الستر مطلقاً }

جيم:- السيد محمد الروحاني( قدس سره ) قال { مثل قول أستاذه السيد الخوئي "قده" }


دال:- الشيخ التبريزي ( قدس سره )

{مسألة 862 ": يجب على المرأة ستر جميع بدنها عدا الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم، بل يجب عليها ستر الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم أيضاً على الأحوط إذا لم يكن عن تلذذ وشهوة، وإلا وجـب الستر عليها من غير الزوج مطلقا ، سواء كان من المحارم أم لم يكن، ولا يجب الستر على الرجال }

هاء :- الشيخ محمد اسحاق الفياض" دام ظله العالي " :

{ مسألة 14": يجب على المرأة ستر مازاد على الوجه والكفين عن غير الزوج والمحارم ، وأما ستر الوجه والكفين عن غيرهما فعلى الأحوط ، ولا يجب على الرجل الستر مطلقاً }

واو :- السيد علي الحسيني السيستاني " دام ظله "

{مسألة 496": يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها أمام الناظر غير المحرم، إذا كانت لا تخاف الوقوع في الحرام، ولم يكن إبرازها للوجه والكفين بداعي إيقاع الرجال في النظر المحرم، ولم يكن موجبا للفتنة بوجه عام، وإلا فيجب عليها الستر حتى عن المحارم }

زاي : السيد أبو الحسن الأصفهاني" قدس سره الشريف":

{مسألة 23": كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية ، يجب عليها التستر من الأجانب،……… }


حاء :- السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ( قدس سره )

{مسألة 51 ": يجب على النساء التستر، كما يحرم على الرجال النظر ، ………}

وقد أمضى هذه الفتوى كل من الأعلام :-


1- السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ( قدس سره )

2- السيد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني ( قدس سره ) ( قدس سره )

3- السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ( قدس سره )

4- السيد محمد الحسيني الشيرازي ( قدس سره ) ، لكنه لم يمضها بشكل مطلق، بل قيدها بشروط، وستأتيك هذه الشروط .

5- السيد حسن القمي ( قدس سره )

ثانياً :- ما يتعلق بالاستفتاءات الموجهة إلى بعض الفقهاء:-


ألف: الشيخ الميرزا جواد التبريزي ( قدس سره )

{سؤال: لقد ذكرتم في استفتاء سابق أن الأحوط استحباباً ستر الوجه والكفين، ثم بينتم أن ذلك يتم بالنسبة للحكم الأولي، وأما بالنسبة للحكم الثانوي، فقد يجب . فنسأل : في أي حال يجب ذلك ؟ وهل تشخصون تلك الحال في بلادنا القطيف وأمثالها، باعتبار التزام جل النساء بستر جميع البدن ؟

جواب: بسمه تعالى: إذا كان كشف الوجه ولو بالمقدار الجائز في الصلاة موجباً للوهن على المرأة وجلب نظر الأجانب إليها_كما أن الأمر كذلك في بلادكم _ يجب عليها ستر الوجه . والله العالم }


باء :- السيد محمد رضا الكلبايكاني "قده" :

{ سؤال : ما هو الحكم في كشف المرأة للوجه والكفين ؟

جـواب : يجب عليها أن تستر الوجه واليدين من الأجـانب على الأحوط ، والله العالم }

جيم :- السيد محمد الحسيني الشيرازي"طاب ثراه" :-

{سؤال:النظر إلى قرص وجه المرأة بدون ريبة أو شهوة، هل هو جائز ؟

جـواب : إذا كان هناك ريبة أو شهوة أو خوف افتتان أو تزين، لم يجز )

سؤال : هل يجب ستر الوجه على المرأة ؟

جواب : يجب ذلك إذا استلزم الكشف النظر بلذة أو ريبة أو كان هناك خوف أو افتتان أو تزين }

بيان
09-06-2010, 05:04 PM
وبعد هذه المقدمة من الفتاوى والاستفتاءات وأجوبتها، نستخلـص منها عدة أمور في الرد على مزاعمهم، ثم معرفة الحكم فهماً صحيحاً :-


الأمر الأول :- اتضح خطأ كلامهم في تقسيمهم لفقهاء الإماميـة في رؤيتهم للحجاب .

الأمر الثاني:- انكشف خلاف مدعاهم، من عدم وجود فقيه واحد يوجب_على نحو الفتوى_ستر الوجه واليدين، بل اتضح لنا وجود من يحرم الكشف مطلقاً على نحو الفتوى، كالسيد الحكيم " عطر الله مرقده الشريف "، بل وينقل عنه الفضـلاء كلمة في هذا المضمون، وهي ( لو لم يحرم الدينُ كشفَ الوجهِ، لحرمته الغيرة الإيمانية ، فتكفي غيرة الرجل المؤمن على أهله لتحريمه، وأي إيمان عند يزيد "لع" حتى يكون أكثر غيرة من المؤمن المـوالي، كما عرفت ذلك سابقاً ؟!!،

وورد أيضـاً في الحديث الشريف عنه ع أنه قال ( إن الله تبـارك وتعالى غيور يحب كل غيور،ولغيرته حرم الفواحش ظاهرها وباطنها). وحد الغيرة أن لا يرضى الرجل مخالطة حرمه مع الرجال الأجانب بدخولهم، أو بخروجها عن البيت وكشف الوجه والمحاسن أمامهم .

الأمر الثالث:- عرفنا مما تقدم أن الفقهاء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :-

القسم الأول:- هناك من يحرم كشف الوجه، ويوجب التستر_على نحو الفتوى_، وكذا الحكم في الكفين، كالسيـد الأعظم الحكيم "قده".

القسم الثاني:- هناك من يحتاط بالمسألة ، ولكنه نوع من الاحتياطات التي يجب على المقلِّد_بالكسر_أن يقلد فيها مرجعه، وليس له الرجوع إلى غير مرجِعِه فيها، وهو ما يسمى بــــ " الفتوى بالاحتياط ".
بيان ذلك :- أن الاحتياطات على قسمين :-


الأول : احتياطات المجتهد، ويبحث الفقيه عنه باعتباره إحدى نتيجتي الاجتهاد، والنتيجة الأخرى المعبرة عن الجزم بالحكم أو ترجيح الحكم استناداً إلى الحجة الشرعية والاحتيـاط_بهذا الاعتبار_ من شؤون المجتهد في مقام الاستنباط .

يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله تعالى :

فاحتياطات الفقيه _من حيث منشؤها _ على قسمين :-

الأول :- أن تنشأ من عدم استيفاء الفقيه للاطـلاع على الأدلة، أو عدم استيفاء الفحص عن عوارض الأدلـة من التقييد والتخصيص، أو من جهة تعارض الأدلة وعدم امكان الجمع العرفي بينهما فيما هو مورد لأصالة الحل والإباحة شرعاً وعقلاً .

وفي هذا القسم لا تكون للفقيه فتوى في المسألة، فإما أن يهمل ذكرها أو يأمر فيها بالاحتياط . وفي الحالتين يتخير المقلد في هذه المسألة بين العمل بالاحتياط وبين الرجوع إلى فقيه آخر لمعرفة حكم المسألة مع مراعاة الأعلم فالأعلم . ومن هذا الباب ما أفاده استاذنا السيد الخوئي (قدس سره) في رسالته العملية وهو قوله " إذا تردد المجتهد في الفتوى، أو عدل من الفتوى إلى التردد، تخير المقلد بين الرجوع إلى غيره وبين الاحتياط إن أمكن " .

الثاني :- أن تنشأ _الاحتياطات_ من جهة إجمـال الدليل عند الفقيه، أو جهة تعارض الأدلة وعدم إمكـان الجمع العرفي بينهما فيمـا هو مورد لأصالة الاشتغال شرعاً أوعقلاً .

وفي هذا القسم تكون الفتوى هي الإحتياط، فيجب على المقلِّد العـمل بالاحتياط، ولا يجوز له الرجـوع إلى مجتهد آخر بنـاء على وجوب تقليد الأعلـم، لأن فتوى الفقيه الآخر في المسألة بحكـم مخالف للاحتياط مبنية على نظر غير صحيح عند الأعلم، فالرجوع في المسألة إلى غيره في هذه الحالة رجوع عن العالم إلى الجاهل وليس رجوعاً إلى العالم .

والظاهر أن أستاذنا السيد الخوئي(قدس سره) قد لاحظ ما ذكرناه في ما أورده في شأن احتياطاته، حيث قال " الإحتياط المذكور في هذه الرسالة، إن كان مسبوقاً بالفتوى أو ملحوقاً بها، فهو استحبابي يجـوز تركه، وإلا تخير العامي بين العمل بالاحتياط والرجوع إلى مجتهد آخر، الأعلم فالأعلم . وكذلك موارد الإشكال والتأمل . فإذا قلنا : يجوز على إشكال، أو على تأمل، فالإحتياط في مثله استحبابي . وإن قلنا يجب على إشكال أو على تأمل، فإنه فتوى بالوجوب، وإن قلنا المشهور كذا، أو قيل كذا، أو فيه تأمل، أو فيه إشكال، فالـلازم العمل بالإحتياط، أو الرجوع إلى مجتـهد آخر }


ومجمل الكلام أن احتياطات المجتهد على نوعين:

النوع الأول : وهو قسم يستند إلى عدم علم المجتهد بالحكـم في مورد الإحتياط، فيحتاط في الفتوى، أو بعبارة أخرى أن المجتهد لا يعلم الحكم بخصوص مسألة ما _مثلاً _ فيحتاط فيها، فلعل غيره من المجتهـدين يعلم حكمها، وهذا النوع يسمى بـ "الإحتياط في الفتوى" عند المجتـهد، أو الإحتياط الوجوبي عند المقلِد_بالكسر_، كما إذا قال الأحوط وجوباً أو غير مما سنذكره بعد قليل، فله تعابير مختلفة تدل عليه .

وهذا النوع يجوز للمقلِد_بالكسر_ الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، أو البقاء على تقليد المجتهد .

النوع الثاني: وهو قسم يستند إلى علم المجتهد بانسداد الطريق إلى الحكم، فيفتي بالإحتياط، أو بعبارة أخرى أن المجتهد يعلم حكم المسألة ، ولكن طريق الحكم منقطع للوصول إليه، ويسمى بـ " الفتوى بالإحتياط".

وهذا النوع يجب العمل به، ولا يجوز تركه، والرجوع فيه إلى مجتهد آخر، كما إذا قال يجب على الأحوط، أو يجب على إشكال، أو على تأمل ، فإنه فتوى بالوجوب ومثالنا من هذا القبيل .


الثاني : احتياطات المقلِد_بالكسر_، باعتبار الحجة على المكلف باعتبار أن المجتهد يبحث عن الإحتياط باعتبـاره من شؤون المقلِد في اتباعه لمرجِعِه في الموارد التي ليس له فيها فتوى، وهذه الاحتياطات على نوعين أيضاً :-

النوع الأول: الإحتياط الوجوبي : وهو الإحتياط الذي لا يكون مسبوقاً ولا ملحوقاً بذكر فتوى، وهذا يتخير فيه المقلِد_بالكسر_بين العمل به أو الرجوع فيه لمجتهد آخر مع مراعاة الأعلمية، كما إذا قال : فيه تأمل أو إشكال أو نظر، أو قال: محل تأمل أو غيره مما ذكر، ولم يسبقه بذكر فتوى ، ولم يلحقه، أو قال الأحوط...."كذا وكذا"……ولم يلحقه أو يسبقه بذكـر فتوى، وليس مثالنا من هذا القبيل كما يدعون .

النوع الثاني : الإحتياط الإستحبابي : وهو الإحتياط الذي يكون مسبوقاً أو ملحوقاً بذكر فتوى، كما إذا قال : الأحوط …"كذا وكذا"… وإن كان الأظهر أو الأقوى خلافه، أو قال ……"كذا وكذا"…… وإن كان أحوط، أو وإن كان تركه جائزاً، وما أشبه، ومثله قوله : يجوز على إشكال، أو على تأمل أو الأحوط الأولى .

وهذا النوع من الاحتياط يجوز العمل به ويجوز تركه ، وإن كان العمل به أحوط .

نعود إلى أصل الموضوع، فمن يحتاط من الفقهاء المذكورين، إنما يفتي بالإحتياط لا أنه يحتاط في فتواه، وعليه فتعتبر هذه فتوى، فلا يجوز تركـها، ولا الرجوع إلى مجتهد آخر، بل يجب العمل بها .

ومثل هذا النوع من الفتيا يقول به السيد الخوئي، والسيد الروحاني، والسيد الكلبايكاني، والشيخ الغروي "قدس الله أسرارهم". الشيخ محمد إسحاق الفياض دام ظله العالي .

النوع الثالث:- هناك من جـوَّز كشف الوجه والكفين، لكن هذا الجواز مشروط بشروط، إن توفرت كلها جاز الكشف، وإلا فهو حـرام ، واليك هذه الشروط :-

1- أن لا تكون هناك ريـبة .

2- أن لا تكون هناك شهوة أو لذة .

3- أن لا يكون هناك خوف افتتان .

4- أن لا تتزين .

5- أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في المحرم .


قبل التحدث عن هذه الشروط ، وانطباقها على مجتمعنا ، نقول:

إن كشف الوجه تارة يكون أمام المحارم، أي أن المرأة تكشـف عن وجهها أمام المحارم، فيكون حكم هذا الكشف كالتالي:-

إن كـان كشفها يؤدي إلى أن يتلذذ محرمها_أعني محارمهـا باستثناء زوجها_بالنظر إليها بشهوة، فهذا حرام من دون أدنى شبهة ، وهذا عادة لا يحدث، بأن يتلذذ محرم في نساءه بطريق الشهوة، نعم قد يحدث ذلك نادراً ، فإذا كان كذلك فيجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها عنهم .

وأما إذا كان الكشف لا يحصل معه تلذذ بشهوة، فيجوز الكشف .

لكن ذلك الحكم بالنسبة إلى المحارم، ونحن بصدد الحكـم في كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب، فإذا كان كذلك وأسفرت المرأة عن وجهها أمام الأجانب، فهلمَّ معي للنظر إلى هذه الشروط، وانطباقها في مجتمعنا .

أولاً :- أن لا يكون هناك افتتان : أي أن لا تكون هناك فتنة بوجه عام في المجتمع، وقبل التطرق إلى انطباق هذا الشرط من عدمه، يجب أن نعرف معنى الإفتتان .

سؤال وجه للسيد الشيرازي : ما معنى خوف الإفتتان والريبة؟ وهل يشمل الرجل والمرأة أو يختص بأحدهما ؟

(جواب : خوف الإفتتان بمعنى خوف وقوع أحدهما في الحرام، والريبة بمعنى النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً، ويشمل كليهما)، وقـال الدكتور أحمد فتح الله "الافتتان: في اللغة الإبتلاء والإختبـار، وفي الشـرع الوقوع في الحـرام "

فإذاً، الافتتان هو عبارة عن خوف_فضلاً عن اليقين_ وقوع الرجـل أو المرأة في الحرام .

أسألك بالله العظيم، أليس نظر الرجل إلى المرأة في مجتمعنا _ بل في أي مجتمع آخر_ يسبب فتنة ؟!، أي نظراً محرماً، إن كنت منصفاً ومتواجداً بين صفوف المجتمع، ستجيب ببلى، وإن كنت مكابراً وبعيداً عن ما يحـدث من ملاحقات ومطاردات وجرائم وغير ذلك، بسبب خروج المرأة كاشفة، سيكون لك جواب آخر .

وإذا كان النظر إلى وجه المرأة بريبة ، فقد دخل دائرة الإفتتان، وعليه فقد دخل دائرة الحرام .

ولماذا تذهب بعيداً ؟!، فإن الإنسان المؤمن يخاف على ابنته الصغيرة أن تخرج مكشوفة الوجه، بل إن أهل البيت المؤمنين يخافون من خروج صبي صغير عليه شئ من الجمال بمفرده، تُرى من ماذا يخافون عليه ؟! يخافون عليه افتتان أتباع الشيطان به، وما أكثرهم، فكيف بالمرأة الشابة ؟!، راقبوا الله في نساء المؤمنين .

ثانياً :- أن لا تكون هناك ريبة ، ومعنى الريبة هو النظر بقصد السوء وإن لم تحصل لذة فعلاً، فعلى هذا، فإن النظر بهذا الوصف حـرام، ولا تنسَ "وإن لم تحصل لذة فعلاً"، فإن معنى اللذة هو المتعة والاستئناس برؤية الشيء، ثم قال "فعلاً" أي على وجه الحقيقة . فيكون المعنى: أن النظـر إلى وجه المرأة بقصد الاستئناس برؤيتها، حرام وإن لم يتلذذ على وجه الحقيقة .

ثم إن النظر بذلك القصد_أعني قصد السوء_، كأن يرى جمال وجهها ومفاتنـها، فيقوده ذلك إلى فعل الحرام، فإن النظـر سهم سـام من ابليس وجنوده، فالرجـل لا يدخل إلا من خـلال نافذة مفتوحة ، كما يقفـز السارق إلى البستان من خلال بابه أو فتحة في سياجه، وأي نافذة هي أوسع من وجه المرأة ؟!، وتزداد هذه النافذة إغراءاً إذا بُرقعت أو نُقبت .

ثالثاً:- أن لا تكون هناك شهوة أو لذة، والمراد من النظر بالشهوة، أو النظـر التذاذاً كما ورد في النص بأن زنى العين النظر، فالنظر الاستمتـاعي الغريزي نظير النظر إلى المحللة تمتعاً والتذاذاً هو المـراد من النظر بالشهوة، ويقابله النظر الإعتيادي كالنظـر إلى الشجر والمدر.وفي مجتمعنا هلمَّ إلى الأسواق والمتنزهات والأماكن العامة، وانظر المعتكفين من الرجـال لغرض التلذذ بالنظر إلى وجوه المبتذلات، وتصفح وجوههن ، فهذا دليل واضح لكل عاقل لبيب .

رابعاً :- أن لا تتزين المرأة، فالمرأة زينة وإن لم تضع زينة ، كما لا يخفى عليك ما عليه النساء في مجتمعنا من التزين والإهتمام بهذه الأمور، فإنه يندر خروج امرأة دون أن تضع زينة، وإن كنت لا تصدق هذه الأمـور ، فاسأل زوجتك ، أو أختك، أو أمك عما تراه في حفلات الزفاف على النساء، حتى على الصبايا الصغيرات لتقتنع . بل يكفي المرأة زينة _على زينتها الحقيقية_خروجها وهي متعطرة مما يجذب إليها الأنظـار، ولو من مسافة بعيدة .


وقد عرفت مما قدمناه أن الحجاب كان موجوداً في الشرائع السابقة على الإسلام،حتى عند العرب أنفسهم، وإن اختص ببعض منهم دون الآخر، وذلك لما في الإنسان من القوة النفسانية المسماة بالغيرة، لأن المرأة موضع للشهوة، فتبذّلها وعدم احتجابها يعرضانها إلى ما لايحمـد عقباه، فكان من الرحمة الإلهية أن جاء وجوب الحجاب للمرأة في الاسلام (1). إضافة إلى أن عدم احتجاب المرأة مخالفة لشرعها الحنيف لما قد تسببه من إشاعة للفسـاد وانتهاك المحرمات التي أمر الله تعالى الإبتعاد عنها .

خامساً :- أن لا يؤدي كشف وجهها إلى وقوعها في الحـرام، وقد عرفت ذلك مفصلاً، فراجع . وعرفت أن كشف المرأة وجهها في بلادنا، يوجب الوهن، أي الإحتقار، وتكون منبوذة من العاقلين، وكذلك جلـب أنظار الأجانب إليها، حسب تشخيص الشيخ التبريزي(دام ظله).بل حسبك أن في خروج المرأة متعطرة، ووجوب لفت الأنظار باتجاهها، أن يكون ذلك حراماً قد أوقعت نفسها فيه. فإن حلال محمد صلى الله عليه وآله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، بل إن حلاله صلى الله عليه وآله حلال في كل مكان وفي كل زمان، وكذلك حرامه، فكشف الوجه حرام في مجتمعـنا وفي غيره ، فهل يُعقل أن المرأة تُفِتن في مجتمعنا ولا تفتن في غيره كالبلاد الغربية مثلاً ، أو بعض الدول الاسلامية؟!.

إن من ينكر أن المـرأة لا تفتن، أو أنها تفتن في بعض المجتمعات، ولا تفتن في غيره، فإن ذلك يعتبر مكابراً للفطرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الإنسان، فإن الإنسان بطبعه وبغريزته، يميل إلى الجنس الآخر ، بل يعتبر مخالفاً لتلك الفطرة، أو يقول أنها مفتنة لبعض الأشخاص فقط، دون بعضهم الآخر، فإن ذلك الشخص يعتبر معصـوماً، أو من أمثال الصالحين كأبي ذرٍ والمقـداد وعمار وغيرهم من العارفين، فهل مجتمعنا مثلهم ؟! .

وأما الحجاب فإنه سد منيع بين المفاسد، ولو لم يكن فيه من الفوائد إلا دفع الفتنة ، واتقاء التهمة، وعزة النساء لدى الرجال، وإبقاء المرأة في بُرد حيائـها وعدم طمع الأغيار فيها، لكان جديراً بالوجوب. كيف وفوائـده أضعاف هذه الأمور .

وهناك من يختلق الإشكالات، بل إن أكثرها من النساء، بقولهـا: أنا واثقة بنفسي من عدم الإنحراف والإنزلاق في الفسـاد فلا يلزم أن ألتزم بستر الوجه !، والجواب عن هذا الإشكال :-

أولاً :أن الحجاب واجب شرعي على النساء، في جميع الأحوال، وفي جميع البلاد، سواء كنتِ واثقة بنفسكِ أم لا .

ثانياً: إن الثقة وحدها لا تجدي، لأن النفس أمارة بالسوء، [ إن النفس لأمارة بالسـوء إلا ما رحم ربي ]

ثالثاً: إن سفورك بكشف الوجه أو العينين يُسبب إثارة الغريزة في مَنْ يراكِ، في معظم الأحـوال، وقد يؤدي به إلى الفساد والمنكرات، إن لم يكن معكِ فمع غيركِ، فهل هذا جائز أيضاً ؟، لأن مقدمة الحرام حرام، كما هو مقرر في أصول الفقه .

ثم عليكِ_ أختي المؤمنة_ أن تكوني فخورة بربك وأحكامه ، فخورة بحجـابك، لأنك تطيعين الله رب العالمين في هذا القانون الحكيـم، ولذلك تكتسبين الأجر والثواب العظيم في الحجاب، بينما المرأة السافرة عن محاسنها _ بما في ذلك الوجه أو أي جزء منه_ تبوء بالإثم والعدوان وهي سافرة .

إن قيمة المرأة بدينها وحيائها وعفافها، وإن الحجاب هو المفتاح الذهبي لذلك، فالتزمي به يرحمكِ الله تعالى، فالحجاب سمو وهيبة ووقار، فعليكِ به .

إن خفر المرأة وفرط حياءها ، يصونها من أن تكون هي المبتدئة في هذا المجال، وإن الرجل إذا غض بصره، وملك أمره، وأبدى اتزانه، فقد انهار أكبر الدواعي لتبرج المرأة، فإنها لن تتبرج ولن تبدي زينتها، ولن تعرض فتنتها وإغرائها إلا لتلفت نظر الرجل وإعجابه .

نعم نحن لا ننكر أن في مجتمعنا نساء مؤمنات خفِرات خيرات ملتزمات بستر الوجه ، طاعة لله رب العالمين جلَّ وعلا، فهنيئاً لهن بهذا الالتزام والعفة ، فهن أقوى من أقـوال المشتبهين في مسألة الحجـاب ، يعرفن مغزى هـذه المفتريات والشبهات ، فعلى هؤلاء المؤمنـات عدم الإكتارث بمثلها، وعليهن أن يبيـِّنَّ ضعف تلك الأقوال ، ويفنّدنها للمؤمنات المغرّر بهن ، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمهن وإيانا بحق محمد وآله الطاهرين .


ملاحظة هامة :

لا يُقصد بالنظر، أنه النظر الحقيقي المجرد بالعين، بل يتحقق بالتفكير والإهتمام بها عند مرورها بقصد السوء، بل إن الإلتفات إليها بقلبه بذلك القصد، يكفي لتحقق النظر .


خلاصة الأمر :-

وبعد هـذا، فإن الفقهاء_حتى من يقول بالجواز المشروط_لا يجيزون للمرأة أن تكشف عن وجهها، سواء بقولهم بشكل مطلق أو بحسب العنوان الثانوي. ولا يجوز للمرأة أن تسفر عن وجهها حال الإحرام، بل يجب عليها أن تتحجب بأن تسدل خمارها على وجهها، بشرط أن لا تلصقه بوجهها، وإن لامس الوجه أحياناً من غير قصد فلا بأس ، كما عرفت . وكذلك لا يجوز لبس ما يعرف بالنقـاب أو البرقع وأمثالها، إذ أن العينين وما حولـها جزء من الوجه، فبأي دليل شرعي خرجت العينان وما حولها من حكم الوجه؟!، وكذلك لا يجوز لبس ما يُعرف بـ"الكاب" أو الكتافي لأنه مجسم لجسد المرأة . سواء في بلادنا أو في غيرها .



وختام هذه الكراسة بعض الأبيات والقصائد، التي تجمع الكلام القليل والمعنى الكثير، حول الحجاب :-


قصيدة للحاج أحمد بن عبدالله العوى القطيفي (رحمة الله تعالى عليه ):-

إلزمي يا ابنة القطيف الحجابا *** واستري الوجه واسدلي الجلبابا

إلى أن يقول :-

إنما الستر في الشريعة فرضٌ *** فاسمعي يا فتاة مني الجـوابـا

أنت درٌّ مع العفاف، فصوني *** حسنك الغض لا تريه الكلابا

أنت ماء تحيا به الأرض لكن *** بعدرفع الحجاب صرت سرابا

أنت للناظرين نجم، ولكـن *** باختلاط الرجال صرت ضبابا

كم أصابت سهامكِ من شباب *** تركت عقله السليم مصابـا

تظهري الوجه للرجال وتدري *** أن بعض الرجال يحكي الذئابا

ربـة البيت رحمـة ببنيـكِ *** لا تديفـي لهم سموماً شرابـاً

أنسيتِ المعادَ ؟ هلاّ قـرأت *** سورة النور أم نسيتِ الكتابا؟

فعلى سترك العفا يا ابنة الخط *** وهـل أمٌّ لا تخـاف العقابـا؟

قد تركنَ البنات من غير سترٍ *** خارج البيت قد فتـنَّ الشبابا

وختامـاً على النبي صـلاتي *** وبنيه المـحالفـين الصوابا



وقال الشيخ حسن العاملي في شأن الحجاب:-


سيري لمجـدك تحت ظل عفـاف

وتجملـي بمطـارف الألطـاف

ودعي التـبرج والسفور ففيـهما

سر السـقوط ومنتهى الإسفاف

ليـس التـبرج للفتـاة بزينـة

تسـمو بـه لمراتب الأشـراف

لكنمـا هـو دعوة من جـاهل

متجـاهر بالمكـر والإرجـاف

يبغي الوصـول إلى مناه بخدعـة

مستـورة بمظـاهـر الإنصـاف

لو كنت تدرين المراد لخفت من

عقبى الخـداع وغائل الإجحـاف

فتحـذري سوء النهايـة واتقي

لهـب اللظى بتحجـب وعفـاف

ما الـدُّر وهو مجرد عن حـرزه

بمقـدّرٍ كالـدُّرِ في الأصــداف

وتُصـان بالستر الثمار وتغتذي

ببروزهـا في معـرض الإتــلاف

ولذا يقـول الديـن لا تتبرجي

للأجنـبي وحققــي أهـــدافي

كي تسـعدي بهدايـتي وتحققي

هدف السـمو بأمثل الأوصــاف



# # # # #

يا ابنـتي إن أردت آية حسـنٍ

وجمالاً يزين جسماً وعقـلا

فانبذي عـادة التـبرج نبـذاً

فجمال النفوس أسمى وأعلى

زينة الوجه أن ترى العـين فيه

شـرفاً يسحر العيون ونبلا

واجعلي شيمة الحيـاء خمـاراً

فهـو بالغـادة الكريمة أولى

والبسي من عفاف نفسك ثوباً

كل ثوب سواه يفنى ويبلى

المصادر و المراجع



1- ابن منظور ، محمد بن كرم .لسـان العرب .

2- الأحقاقي ، الشيخ ميرزا الحائري . خير المنهج إلى مناسك الحج .

3- الأصفهاني ، السيد أبو الحسن . تحرير الوسيلة .

4- الأصفهاني ، الشيخ محمد حسين .ديوان الأنوار القدسية .

5- الأميـني، الشيــــخ إبراهيــم نجل العــلامة الشيـخ عبدالحسين. إختيـار الزوج .

6- الأنصـــاري ، الشيخ المولى محمد علي اللمعة البيضـاء في شرح خطبة الزهراء (ع) .

7- التبريزي ، الميرزا الشيخ جواد. التعليقة على صراط النجاة. التعليقة على منهاج الصالحين . مناسك الحج .

8- التويسـركاني ، السيـد حسـين شيخ الاســـلام . مسنـد فاطمة الزهراء (ع) .

9- الجشي ، العلامة الشيخ علي .ديوان العـلامة الجشي .

10- الجنابنذي ، الشيخ سلطان محمد المعروف بـ سلطان علي شاه. تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة .

11- الجواهري ، الشيخ شريف . مثير الأحزان في احوال أمناء الرحمان .

12- الحسيني ، السيد ابو القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن طاووس . اللهوف في قتلى الطفوف .

13- الحسيني ، الشيخ باقر شريف .سيرة الأئمة الاثنا عشـر .

14- الحكيـم ، السيد محمد تقي. الأصـول العـامة للفقـه المقارن .

15- الحلـــي ، الشيــخ أبو إبراهيم نحم الدين محمد بن نما . مثير الأحزان .

16- الخاقاني ، الشيخ محمد طاهر آل شبير .شـرح خطبـة الصديقة فاطمة الزهراء (ع) .

17- الخوئي ، السيد أبو القاسم الموسوي . صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات . المسائل المنتخبة . مناسك الحج .منهـاج الصالحين.

18- الخويلدي ، الشيخ سعيد . زينب(ع) القدوة والرمز .

19- دخيل ، الشيخ علي محمد علي .روائع من حياة الأئمة (ع) .

20- الدمستاني ، الشيخ حسن .المربعة الدمستانية .

21- الرضوي ، السيد عباس .أهميـة تشخيص الموضوعـات والاحاطة بالواقع المعاش في العمل المرجعي .

22- الروحاني ، السيد محمد .أوضح المسـائل فيما يبتلي به السائل . المسائل المنتخبة . مناسك الحج . منهاج الصالحين .

23- زين الدين، الشيخ محمد أمين . الحجـاب أو العفاف بين السلب والايجاب .


24- السبحاني،الشيخ جعفر نجل الشيخ محمد حسين . سيد المرسلين. 25- الســبزواري ، الشيخ محمد .الجديـد في تفسـير القرآن الكريم .

26- السيستاني ، السيد علي الحسيني .التعليقة على العروة الوثقى . الفقـه للمغتربين . المسـائل المنتخـبة. مناسك الحج . منهاج الصالحين .

27- السيوري ، الشيخ جمال الدين المقداد بن عبدالله . كنز العرفـان في فقه القرآن .

28- الشامي . السيد حسين هادي . حقيقـة الحجـاب لا العباءة_ المغربية_ والنقاب . زواج بلا اعوجاج .

29- شبر ، السيد عبدالله. تفسير القرآن الكريم(تفسير شبر). الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين .

30- شمس الدين . الشيخ محمد مهدي .الاجتـهاد والتقليد.

31- الشيرازي ، السيد محمد نجل السيد مهدي .الحسيني . أجوبة المسائل الشرعية . تقريب القرآن إلى الذهان . جامع مناسك الحج. الحاج في مكة والمدينة .

32- الشيرازي ، الشيخ ناصر مكارم .التفسير الأمثل في كتاب الله المنزل . الزهراء (ع) خير نساء العالمين .

33- الطباطبائي ، السيد محسن الحكيم . منهاج الصالحين . منهاج الناسكين .

34- الطباطبائي ، السيد محمد حسين .الميـزان في تفسـير القـرآن .

35- الطبرسي ، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن . تفسير جوامع الجامع . مجمـع البيان في تفسير القرآن .

36- الطبرسي ، الميرزا الشيخ حسين بن الميرزا محمد تقي . مستدرك الوسائل ( مستدرك وسائل الشيعة ) .

37-الطبري، ابو جعفر محمد بن جرير بن رستم الامامي. دلائل الامـامة .

38- الطريحي ، فخر الدين .منتخب الطريحي .

39- الطوسي ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي . التبيان في تفسير القرآن .

40- العاملي ، السيد جعفر مرتضى .خلفيات مأساة الزهراء. الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، مأساة الزهـراء عليها السلام، مسائل وردود .

41- العسكري ، أبو هلال الحسن بن عبدالله اللغوي . الفـروق اللغوية .

42- الغروي ، الميرزا الشيخ علي . مناسك الحـج . موجـز الفتاوى المستنبطة .

43- فتح الله ، الدكتور أحمد . معجم ألفاظ الفقه الجعفري .

44- الفياض ، الشيخ محمد اسحــاق .تعاليـق مبسوطة على العروة الوثقى . تعاليق مبسوطة على مناسك الحج للسيد الخوئي. منهاج الصالحين .

45- الفيض الكاشاني ، الشيخ محمد بن مرتضى .الصافي في تفسير كلام الله .

46- القطيفي ، الحــاج أحمد بن عبدالله العوى . ديـوان محرك الأحزان .

47- القطيفي ، الشيخ فرج العمران ، وفاة زينب الكـبرى (ع) .

48- القطيفي ، الشيخ عبدالله منصور . طريق الكـرام من الكوفة إلى الشـام .

49- القمي ، الشيخ عباس . بيت الأحزان . نفس المهموم في مصيبة الامام الحسين المظلوم (ع) .

50- الكاشــاني ، الشيخ نور الدين ، بن مرتضى . التفسـير المعين .

51- الكلبايكاني ، السيد محمد رضا . إرشـاد السـائل . التعليقة على تحرير الوسيلة . مناسك الحج .

52- الكليني، ثقة الاسلام محمد بن يعقوب بن اسحاق. الكـافي الشـريف.

53- المجلسي ، الشيخ محمد باقر بن الشيخ محمد تقي .بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار .

54- المدائني ، أبو حامد عز الدين بن هبة الله ابن أبي الحديد المعتزلي .شرح نهج البلاغة .

55- المدرسي ، السيد محمد تقي .من هـدي القرآن .

56- المشـهدي ، الشيخ محمد بن رضا القمي .تفسـير كـنز الدقائق وبحر الغرائب .

57- المطهري ، الشيخ مرتضى .مسـألة الحجاب .

58- المعلم ، الشيخ علي .الحـج معالمه ، ومعارفه .

59- مغنية ، الشيخ محمد جواد .التفسـير الكاشف .

60- المقرم ، السيد عبدالرزاق .مقتل الامـام الحسين (ع) .

61- الموحد، السيد محمد إبراهيم .الحجاب سعادة لا شقاء.

62- الميلاني ، فاضل الحسيني .فاطمة الزهـراء(ع) أمُّ أبيها .

63- النقدي ، الشيخ جعفر .الاسلام والمـرأة .

64- الهديبي ، الشيخ حبيب .إشراقات فكرية في شرح الخطبة الفدكية .
65- اليزدي ، الســـيد محمد كاظم الطباطبائي.العـروة الـوثقى .