المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القصة الحقيقية لشيخ العرب همام بلسان أهل فرشوط



عباس الابيض
09-02-2010, 12:38 PM
http://productnews.link.net/general/Entertainment/30-08-2010/yehia150.jpg



إذا كنت ممن يتابعون مسلسل «شيخ العرب همام» الذى يقوم ببطولته «يحيى الفخرانى» أحب أن تعرف التفاصيل الأصلية لهذه الشخصية التى سمع عنها الصعايدة فى طفولتهم، وخاصة سكان مدينة «فرشوط» التى كان يدير منها «دولته الصغيرة» والتى كان يطلق عليها ولاية «جرجا» الممتدة من المنيا إلى أسوان، ومازال يردد أهل المنطقة ذلك الموال الشهير الذى يترحم على أيامه وسنوات مجده القصيرة، والذى يقول فى مطلعه «هيّاك يا باب هيّاك.. بس خبتك غيروها».


عاش همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن أبو صبيح سيبليه» فى فترة شديدة الاضطراب من الناحية السياسية والاجتماعية حكم فيها مصر المملوك «على بك الكبير» ومساعده الذى خانه وانقلب عليه «محمد بك أبو الدهب». هى فترة لم يتم تقديمها درامياً رغم ثرائها، وإن كان هناك مسلسل قديم اسمه «مارد الجبل» أخرجه نور الدمرداش، وقام ببطولته نور الشريف فى دور الشاعر «ابن عروس»، وقد ظهرت فيه شخصية «همام الفرشوطى» فى مشاهد قليلة جداً، وأدى دوره الممثل الراحل «وفيق فهمى» الذى اشتهر بدور المهراجا الهندى فى فيلم «فؤاد المهندس» «عودة أخطر رجل فى العالم».


«همام» الشخصية الأصلية ولد فى عام 1709، وتوفى فى ديسمبر من عام 1769، وهو الابن الأكبر لوالده زعيم قبائل «هوارة» الشهيرة التى عاشت فى صعيد مصر، ورغم أن على بك الكبير «الذى سيطر على منصب شيخ البلد»، وكوّن جيشاً مكوناً من 6000 مملوك، نجح فى الانفراد بالسلطة، وقهر منافسيه، فإنه واجه صراعاً شرساً مع «شيخ العرب همام» الذى نجح فى حشد قوات من الهوارة والمماليك أيضاً، بل إنه دفع المماليك الموالين له للاستيلاء على أسيوط مما أشعل الصراع المباشر مع جيوش على بك الكبير التى استعادت المدينة بصعوبة بمساعدة ثلاثة جيوش، ولم يتم القضاء على نفوذ شيخ العرب همّام إلاّ بعد استمالة ابن عمه «اسماعيل أبو عبد الله»، انكسر الرجل وترك مدينته «فرشوط» وعاش فى «إسنا» ومات مقهورا محسورا حيث دفن فى بلدة اسمها «مكمولة» واقتحمت جيوش على بك الكبير «فرشوط» وقامت بنهب المدينة، وولدت عندها هذه المواويل البديعة الحزينة رفيقة الطفولة والصبا.


«همّام» لم يكن فقط صاحب محاولة استقلالية للمصريين فى ظل سيطرة المماليك الشاملة، ولكنه أيضاً كان شخصية استثنائية شديدة الكرم والجود والعناية بأتباعه وبالناس العاديين أيضاً، ويصفه المؤرخ العظيم «عبد الرحمن الجبرتى» بأنه «الجناب الأجل والكهف الأظل الجليل المعظّم والملاذ المفخم الأصيلى الملكى ملجأ الفقراء والأمراء ومحطّ الرجال الفضلاء والكبراء» ويقول عنه إنه «عظيم بلاد الصعيد ومَنْ كان خيره وبرّه يعمّ القريب والبعيد، وقد جُمع فيه من الكمال ما ليس فيه لغيره مثال، تنزل بحرم سعادته قوافل الأسفار، وتُلقى عنده عصىّ التسيار»..

ويضيف «الجبرتى» المؤرخ المحايد المتحفظ فى أحكامه: «إذا كان الوافد عليه من أهل الفضائل أو ذوى البيوت قابله بمزيد الاحترام، وحيّاه بجزيل الانعام، وكان ينعم بالجوارى والعبيد والسكر والغلال والتمر والعسل، وإذا ورد عليه إنسان، ورآه مرة وغاب سنين ثم نظره وخاطبه عرفه وتذكره ولا ينساه»، ويضيف «الجبرتى» أملاكه وزراعاته الواسعة من قصب السكر وحواصل التمر والغلال، ويتحدث عن 12 ألف ثور كان يسخرها لزراعة القصب فقط، كما يرصد جواريه وبعض المماليك الذين انضموا إليه وتصاهروا مع الصعايدة واستعانته بالأقباط فى أمور الكتابة والمحاسبة، وكان يدير أمور دولته بحنكة ومهارة وخبرة، بل كان يجلس للاستماع بنفسه إلى شكاوى الناس العادية.

كان «همّام» ملكاً حقيقياً للصعيد، ومجرد تذكره فى حلقات هو بطلها تطور يثير التفاؤل للبحث عن شخصيات الوطن المنسية.