المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفيلم الإيراني «طعم الكرز» حيث الألم يدعونا للحياة



فاطمي
08-17-2010, 01:40 AM
عباس كيارو ستامي يحصد سعفة كان الذهبية

عبدالستار ناجي


anaji_kuwait@hotmail.com





http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/c56f9c18-47b6-45f6-bd81-f96ff78baa06_main.jpg
تحتل السينما الايرانية اليوم موقعها البارز، على يد مجموعة من ابرز صناع الفن السابع في ايران، والذين راحوا يقدمون تجارب سينمائية، تمتاز بالخصوصية والتفرد، والمقدرة على رصد الواقع، عبر انماط سينمائية تمتلك هويتها ومقدرتها على «البوح» والذهاب الى حيث الألم، ولكن من اجل الدعوة لمزيد من الحياة والأمل. وهذا ما نلمسه في النسبة الاكبر من اعمال عباس كيارو ستامي ومحسن مخملياف وابنته سميرة وجعفر بناهي ومجيد مجيدي.. وقائمة طويلة من الاسماء، التي راحت ترسخ حضور ومكانة السينما الايرانية عبر قضايا تستمد ألمها من الواقع المعاش. وقد شكلت مرحلة مطلع التسعينيات من القرن الماضي، اولى مراحل الاكتشاف، حتى جاء عام 1997 ليشكل نقلة كبرى في تاريخ السينما الايرانية، بالذات مع تجربتي المخرج عباس كيارو ستامي في فيلم «طعم الكرز» ومواطنه مجيد مجيدي مع فيلم «اطفال الجنة».

وإذا كان «أطفال الجنة» قد وجد طريقه للترشح للاوسكار (كأفضل فيلم اجنبي) في عام 1999، فان عباس كيارو ستامي في «طعم الكرز» اقتنص السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1997، مناصفة مع المخرج الياباني شوهي ايامورا عن فيلم «الثعبان» ولعل كلاهما يذهب في اتجاه قضايا الانسان، الاول في ايران والثاني في اليابان.

فيلم «طعم الكرز» عن الالم.. فما اكثر الالم في منطقتنا وحينما يذهب كيارو ستامي الى حيث الالم المتفجر، فانه يدعونا في الحين ذاته، الى البحث عن صياغة متجددة للواقع، وهو امر يشكل «المذهب الفكري» الاشمل الذي يتحرك من خلاله كيارو ستامي ورفاقه وتلامذته.. فالالم والحزن والانكسار لا يعني النهاية، بل هو مرحلة لتصور مضامين مستقبلية جديدة.

وفي تجربة «طعم الكرز» هل تريدون ان نذهب الى الفيلم اولا، او الى صانعه.

منهجية الفيلم

ونرى في الذهاب الى المخرج، مدخلا للتعرف على المنهجية التي يعمل بها هذا المخرج الذي يمتاز بتجلياته ومقدرته على تقديم حلول ومضامين للقضايا التي يتصدى لها، وسط ظروف هي الاقسى.. ولربما هي الأخطر.

ولد عباس كيارو ستامي في طهران العاصمة الايرانية عام 1940، درس الفنون الجميلة، وتخرج من جامعة طهران مع درجة البكالوريوس، ليذهب مباشرة للعمل في مجال التصميم والجرافيك على وجه الخصوص، وفي المرحلة ذاتها، انخرط في مركز تطوير الاطفال والشباب، حيث اسس قسما للسينما هناك، وكان يومها في بداية الثلاثين من عمره، وكانت ايران يومها في واحدة من اهم مراحل التغيير.

ومن خلال ذلك المركز، انطلق سينمائيا، عبر اختيارات ذكية لموضوعات تمس وجدان المشاهد عالميا، وتختزل الالم الايراني بكل مفرداته.

وتجربة بعد اخرى، راح كيارو ستامي يستقطب الاضواء ليصبح لاحقا احد اهم صناع السينما في بلاده، وآسيا.. والعالم. عبر لغته السينمائية التي تمتاز بالمشهديات البصرية المشبعة بالشاعرية والنسق الفني العامر بالخصوصية والخصوبة والتفرد.

والان تعالوا نقتطف جملة مهمة، جاءت على لسان المخرج الفرنسي القدير جان لوك غودار (احد مؤسسي السينما الفرنسية الجديد) حيث قال: «لقد بدأت السينما مع جريفث وانتهت مع عباس كيارو ستامي».

فأي مقولة تلك، وأي شهادة هي.

اما المخرج الاميركي مارتن سكورسيزي فيقول عنه: «تمثل افلام كيارو ستامي اعلى مستوى فني في السينما».

وهذه شهادة اخرى اشمل.

وحينما جاء عام 1997، حيث تجربته مع فيلم «طعم الكرز» التي حصدت السعفة الذهبية.. وشيء من الألم.

الفيلم التحفة

والآن.. نذهب الى الفيلم التحفة.

فما حكاية «طعم الكرز» انه الحديث عن المأساة والالم، حيث حكاية رجل يعيش كل الاكتئاب.. والحزن والألم، يقرر الانتحار.

فأي الأمور توصلنا الى الفكرة الموت والانتحار.. هروبا من الواقع الذي يحيط به، وقد وضع الخطة من اجل بلوغ ذلك الهدف المنشود وهو الموت. عبر رحلة تجول به في عوالم مأساوية، كل شخوصها مثقلة بالتعب والهموم.

وتأتي فكرة ذلك الرجل، من خلال التهام كمية من الحبوب وسيلقي نفسه في حفرة، بانتظار احدهم، كان قد اتفق معه، من اجل ان يردم عليه التراب ويلقى حتفه هربا من حياته، وظروفه.. وتخلصا من لجة الألم التي يدور في فعلها، وسط الظروف التي تحيط به ويعيشها لحظة بعد اخرى.

مهمة قد تبدو سهلة للغاية، للتخلص من الحياة، ولكن من ينفذ تلك المهمة، من يردم عليه قبره.. من يهيل التراب عليه.

وتبدأ مهمته في البحث عمن يقوم بتلك المهمة، عبر بحث يجعلنا في حالة تماس مع كم من الشرائح البشرية التي تدور جميعها في الموقع ذاته الذي اختاره كيارو ستامي كتعبير عن العزلة.

قبر مفتوح في انتظار صاحبه..

قبر مشرع على مصراعيه وصاحبه ينتظر من يسدي اليه الخدمة كي يردم عليه التراب ليموت وكم من الشخصيات من العمال الفقراء الذين يحيطون بالموقع الذين اغراهم بكل شيء من اجل القيام بعملية الموت.

لا شيء سوى فكرة الموت..

لا شيء الا شخوص مثقلون بالهموم والتعب والفقر والحاجة وحالة من الجفاف وشخص يبحث عن حل يتمحور في التخلص من الحياة.

ولكن كل من حوله ورغم ظروفهم التي تتجاوز ألمه ومعانيه الا انهم لا يؤمنون كحل للتخلص من واقع البؤس الذي يغرقون فيه.

حدود الشخصية

فيلم يتجاوز حدود الشخصية وايضا المكان الذي اختاره عباس كيارو ستامي لتقديم عمله الى الفضاء الاكبر والاشمل حيث ايران بكاملها بجميع شرائحها الاجتماعية والاثنية.

فيلم يتحدث عن الفقر والمعاناة والجهل والسوداوية وغياب الامل والمستقبل عبر شخوص كل منهم يمثل التعب الانساني بأنماطه المتعددة وعبر حكايات أقلها حكاية ذلك الانسان الذي يحدثه عن طعم الكرز وكأن أكل الكرز سيخفف الألم أو سيغير الظروف، لكنه بحث عن أمل وبحث عن صياغة جديدة للواقع عبر طروحات وممارسات ليست هي الحل الناجع لكنها تحمل شيئاً من الحل والدعوة الى النظر الى حياة بأشكال ومضامين مستقبلية جديدة.

طعم الكرز.. يدعونا للسؤال حول مساحة الاستمتاع بالاشياء التي يحتفظ بها لمعرفة مساحة ما يحيط بنا من مضامين قد تكون عندنا ولا نعرف قيمتها وقد تكون بعيدة المنال ولهذا يكون العمل لبلوغها من خلال الاشتغال على الامل والعمل والصيغ المتجددة للنظر الى الواقع.

فيلم خطير يذهب الى نقد وتعرية كل شيء لكنه يأتي من صيغ فلسفية عالية الجودة تجعلنا ننبهر الى الحوار تارة والى الصورة تارة أخرى والى الشخوص والقضايا والمضامين التي تؤكد عليها وحينما يأتي الكرز يعصف بنا الحوار الى أنحاء أشمل وأبعد من حدود ايران والمنطقة الى حيث الانسان في كل مكان.

فيلم يتجاوز معاناة «بادي» الايراني الذي أرهقته الكتابة والحزن والفقر للتفكير في الموت الى الانسان في كل مكان.

فيلم يتجاوز ايران الى كل مكان وكل بقعة في هذا الكون يزمجر بها الهم والتعب والفقر رحلة تحمل «بادي» الايراني للتماس مع كم من الشخصيات وفهم شاب في مقتبل العمر ترك التعليم للانخراط في العسكرية وطالب افغاني يدرس الشريعة في طهران وايضا العجوز التركي حيث الحوار الاهم ذو الابعاد الفلسفية حوار طويل ومتشعب يذهب الى فلسفة الاشياء وفلسفة الالم ومواجهة الحياة وفهم الاشياء وتذوق طعمها من بينها الحديث عن شجرة الكرز، فهل يغير الكرز حياة الانسان؟ وهل يستطيع ذلك الحوار السخي الذي يثني انساناً عن فكرة الموت التي خطط لها ووصل الى قراره الاخير.

انه الحوار القادر على الاقناع الى تغيير وجهة النظر في الامور بل في كل ما حولنا فما اروع ان نتفاءل رغم ضيق الحاجة والألم.

فيلم كبير بل هو تحفة رغم بساطته المتناهية على جميع الاصعدة بالذات موقع التصوير الا ان المضامين الفكرية والطروحات الانسانية التي يحملها هذا الفيلم هي الاهم.. وهي من دفع لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي لمنح الفيلم جائزة السعفة الذهبية.. ويومها اروي لكم حادثا طريفا، فحينما تقدمت النجمة الفرنسية كاثرين دينوف لتحية عباس كيارو ستامي وتسليمه الجائزة قبلته كتحية تقدير واحترام على خده.

ويومها قامت الدنيا ولم تقعد على تلك القبلة.. بدلا من التحية والتقدير المخرج استطاع ان يخلد اسم ايران ويدخلها تاريخ السينما العالمية، عبر ذلك النصر المحجل ويومها اضطر كيارو ستامي لان يظل بعيدا عن طهران لاكثر من اسبوعين حتى هدأت العاصفة.

فيلم الكبير.. المخرج كبير يمتاز ببصمته واسلوبه وفكره السينمائي الذي يذهب الى قضايا الانسان ولكن بصيغ فلسفية تسعى الى تقديم صياغة جديدة للواقع المعاش.. ومن هنا أهمية كيارو ستامي وفيلمه «طعم الكرز».
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/fc2ea60b-4654-437a-b284-68025ed2b252_main.jpghttp://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/a58380cc-0f3e-4cb7-8786-114fd254ceb5_main.jpghttp://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/c4a44ea6-a04d-4bcc-9f65-2b30250f30cb_main.jpghttp://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/d68b48a4-6916-4bb9-9e97-546f2392e663_main.jpghttp://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/225420_3_main.JPGhttp://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/17/225420_4_main.JPG