أمير الدهاء
08-16-2010, 01:04 AM
المحامي خالد حسين الشطي - الدار
http://www.aldaronline.com/Dar/UploadAlDar/Author%20Pictures/khaledshatti.jpg
شخصياً، كنت أخالف بعض المؤمنين الكرام تحليلهم لشخصية السيد محمد حسين فضل الله، أو بعبارة أدق ما يقف خلف الأفكار الغريبة التي كان يتبناها ويعمد لإثارتها وبثها في الساحة الإيمانية، من خلال نظريته الشهيرة التي كان يطلق عليها: «صدم الواقع»، التي كان يؤمن بها إيماناً راسخاً، ويعمل بها على الرغم من الصعاب والمحن التي تسببت فيها والآلام والأوجاع التي خلقتها، إلى جانب ما أنزلته في الساحة من فتن وخلافات عصفت بها وأشغلتها دهراً.
أفكار وآراء قفزت على الثوابت وتخطت الأصول المتبعة في الاستنباط والقواعد العلمية المعمول بها في الاستدلال، أراد أن يصدم بها الواقع ويحركه فيما افترضه مقدمة للإصلاح الشيعي، وما يمكن أن يوحد بين الشيعة والسنة، ويلغي المذهبية، من قبيل إنكاره بعض فضائل ومقامات وكرامات أهل البيت التي يراها السنة غلواً، وإلغائه أصل البراءة، والتشكيك بمصائب الزهراء، ما أثار عاصفة لم تهدأ في قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام وإسقاط جنينها، وما زعم من عفوها وتجاوزها عمن آذاها وغصبها حقها، مما تسبب في هجوم قاس على السيد فضل الله، بلغ عند بعض المراجع العظام حد إخراجه من المذهب وعدّه على غير الشيعة الإمامية!
لقد أظهرت وفاة السيد محمد حسين فضل الله أن السيد لم يكن يتكلم من فراغ، ولا كان يبث تلك الأفكار من لدن نفسه، وأنه لم يكن بهذه الصورة التي يصوّر بها من التفرد والتوحد، وكأنه شاذ لا أحد يقول بما يقول ويتبنى ما يزعم.
لقد ثبت أن شريحة عريضة وقطاعاً كبيراً من الساحة الشيعية كانت تقف خلف السيد فضل الله، وإنما كانت تفسح له وتقدمه لجرأته، وكانت تختفي خلفه من خوف أن ينالها ما ناله من التفسيق والحكم بالضلال والانحراف، وإن كانت تقدم له ما أمكنها من دعم وإسناد، ولكن بالسر والخفاء وبخجل وحياء، فلما حانت وفاته وجاءت مصحوبة بذلك الصخب والضجة الإعلامية التي جعلته في مصاف الشخصيات العالمية، ظهر أرباب المدرسة وبانت الجهات الداعمة وأسفرت عن وجهها الحقيقي.
لقد كان السيد فضل الله ينتسب إلى مدرسة فكرية عريضة وكبيرة في حجمها، مهما صنفت شاذة ومبتورة والتقاطية في فكرها وآرائها، لكنها لفرط تنظيمها وشدة فعاليتها تبدو عريضة وكبيرة، فهي تضم أغلب (إن لم يكن جميع) الحركات الإسلامية الشيعية من حزب الدعوة ومنظمة العمل والتيار الصدري والمجلس الأعلى وحزب الله، بل حتى مؤسسات الجمهورية الإسلامية المعنية بالرسالة الفكرية والخطاب الثقافي والرؤية العقائدية، ظهرت كلها متناغمة مع السيد محمد حسين فضل الله، الذي لا يمكننا أن نعتبره زعيماً لهؤلاء جميعاً - بطبيعة الحال - فثبت أنهم جميعاً ينتسبون إلى مدرسة واحدة كان السيد فضل الله يسفر عن معالمها ويفجر مواقفها، وهم يقفون وراءه، وها قد تقدموا اليوم أمامه وحملوا نعشه، وعزموا على تشييد ضريح له في باحة مسجده.
كما جاءت وفاة السيد فضل الله لتكشف عن فرز كبير يشطر الساحة الشيعية إلى قسمين: تشيع حركي أو ما يمكن أن يطلق عليه بالتشيع السياسي، مقابل التشيع الديني الذي تمثله وتقوده الحوزات العلمية والمرجعيات الشيعية التقليدية.
فبينما أبَّن هؤلاء السيد فضل الله ووقروه وعظموه، وأقاموا له الفواتح ومجالس الترحيم وأنشدوا فيه ورثوه، تجاهله أولئك ولم يجشموا أنفسهم عناء إصدار بيان ينعاه أو إرسال برقية عزاء ومواساة، ناهيك عن إقامة مجالس الفاتحة وتعطيل الدراسة في الحوزات.
ويمكنك أن تسجل المفارقة وتقيم المقارنة من أداء محافظ النجف (الذي ينتسب إلى التيار السياسي الشيعي - حزب الدعوة) حين أعلن الحداد ثلاثة أيام، مقابل موقف الحوزات والمراجع العظام في النجف الأشرف.
في ظل هذا الواقع المشهود، أكاد أجزم أن السيد فضل الله لم يمت، وأنه حي لم يرحل عنا ولم يقبر، قد يكون في جسده جثة بليت، وفي بدنه عظاماً نخرت، وفي شخصه صفحة طويت، ولكنه في فكره والمدرسة العقائدية التي ينتسب لها حي إلى يوم يبعثون ومنظور إلى يوم الوقت المعلوم، ولا أراهن في هذا على قوة الأحزاب الشيعية التي تنتمي إلى نفس مدرسته، ولا إلى تنامي التيار السياسي الشيعي وتمدده وهيمنته الإعلامية التي تظهره الأقوى، بل على التوجه الرسمي والتعظيم العالمي الذي حظي به، وكشف موقعه في نفوس الحكام ورؤساء الدول والمنظمات الدولية، وفي نفوس السياسيين والكتاب والصحافيين وعموم الإعلاميين، وهي ظاهرة لم توفر أمثال صالح المطلك الذي أبى إلا أن يشد الرحال إلى بيروت ويشارك شخصياً في التشييع، ولا كتاباً نشهد من بعضهم عداءً للتشيع ونصباً لأهل البيت، لكنهم كانوا جميعاً مع السيد فضل الله، وأرى أنهم سيبقون مع توجهاته، يشيدون بأفكاره ويعظمون آراءه، ويترحمون عليه، ويتحسرون على فقده..
ولهؤلاء سطوة وسلطان، ونفوذ وإمكان، وخلفهم دول وحكومات وبنوك وأموال، لن تقف في وجهها عوادي الأيام، اللهم إلا سنن التغيير وأحكام التبديل، ولله في خلقه شؤون، وسننظر وتنظرون.
من هنا، سيبقى السيد فضل الله في فكره، وستستمر «الصدمات» تثير الساحة الشيعية وتشغلها، وسيبقى الفرز بين الفقه والفكر التقليدي وبين العصري السياسي المتحرك، سيبقى فضل الله حياً ما بقي تيار الإصلاح واستمرت مدرسة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي شريعتي وصالحي نجف آبادي ومرتضى العسكري وهادي معرفت وناصر مكارم الشيرازي وإبراهيم جناتي والسيد علي الخامنئي..
* مئة سؤال وسؤال:
إلى وزير الإعلام: ما هي ضوابط تحريك الدعوى الجزائية التي تمس الحق العام، أو التي لم يحرك فيها طرف الشكوى على الآخر؟
وبعبارة أوضح: تحيل وزارة الإعلام بعض الكتاب إلى النيابة العامة بتهمة مخالفتهم قانون المطبوعات، بينما تتغافل آخرين، كيف يكون ذلك ولماذا؟
Khalid-alshatti@khalid-alshatti.com
http://www.aldaronline.com/Dar/UploadAlDar/Author%20Pictures/khaledshatti.jpg
شخصياً، كنت أخالف بعض المؤمنين الكرام تحليلهم لشخصية السيد محمد حسين فضل الله، أو بعبارة أدق ما يقف خلف الأفكار الغريبة التي كان يتبناها ويعمد لإثارتها وبثها في الساحة الإيمانية، من خلال نظريته الشهيرة التي كان يطلق عليها: «صدم الواقع»، التي كان يؤمن بها إيماناً راسخاً، ويعمل بها على الرغم من الصعاب والمحن التي تسببت فيها والآلام والأوجاع التي خلقتها، إلى جانب ما أنزلته في الساحة من فتن وخلافات عصفت بها وأشغلتها دهراً.
أفكار وآراء قفزت على الثوابت وتخطت الأصول المتبعة في الاستنباط والقواعد العلمية المعمول بها في الاستدلال، أراد أن يصدم بها الواقع ويحركه فيما افترضه مقدمة للإصلاح الشيعي، وما يمكن أن يوحد بين الشيعة والسنة، ويلغي المذهبية، من قبيل إنكاره بعض فضائل ومقامات وكرامات أهل البيت التي يراها السنة غلواً، وإلغائه أصل البراءة، والتشكيك بمصائب الزهراء، ما أثار عاصفة لم تهدأ في قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام وإسقاط جنينها، وما زعم من عفوها وتجاوزها عمن آذاها وغصبها حقها، مما تسبب في هجوم قاس على السيد فضل الله، بلغ عند بعض المراجع العظام حد إخراجه من المذهب وعدّه على غير الشيعة الإمامية!
لقد أظهرت وفاة السيد محمد حسين فضل الله أن السيد لم يكن يتكلم من فراغ، ولا كان يبث تلك الأفكار من لدن نفسه، وأنه لم يكن بهذه الصورة التي يصوّر بها من التفرد والتوحد، وكأنه شاذ لا أحد يقول بما يقول ويتبنى ما يزعم.
لقد ثبت أن شريحة عريضة وقطاعاً كبيراً من الساحة الشيعية كانت تقف خلف السيد فضل الله، وإنما كانت تفسح له وتقدمه لجرأته، وكانت تختفي خلفه من خوف أن ينالها ما ناله من التفسيق والحكم بالضلال والانحراف، وإن كانت تقدم له ما أمكنها من دعم وإسناد، ولكن بالسر والخفاء وبخجل وحياء، فلما حانت وفاته وجاءت مصحوبة بذلك الصخب والضجة الإعلامية التي جعلته في مصاف الشخصيات العالمية، ظهر أرباب المدرسة وبانت الجهات الداعمة وأسفرت عن وجهها الحقيقي.
لقد كان السيد فضل الله ينتسب إلى مدرسة فكرية عريضة وكبيرة في حجمها، مهما صنفت شاذة ومبتورة والتقاطية في فكرها وآرائها، لكنها لفرط تنظيمها وشدة فعاليتها تبدو عريضة وكبيرة، فهي تضم أغلب (إن لم يكن جميع) الحركات الإسلامية الشيعية من حزب الدعوة ومنظمة العمل والتيار الصدري والمجلس الأعلى وحزب الله، بل حتى مؤسسات الجمهورية الإسلامية المعنية بالرسالة الفكرية والخطاب الثقافي والرؤية العقائدية، ظهرت كلها متناغمة مع السيد محمد حسين فضل الله، الذي لا يمكننا أن نعتبره زعيماً لهؤلاء جميعاً - بطبيعة الحال - فثبت أنهم جميعاً ينتسبون إلى مدرسة واحدة كان السيد فضل الله يسفر عن معالمها ويفجر مواقفها، وهم يقفون وراءه، وها قد تقدموا اليوم أمامه وحملوا نعشه، وعزموا على تشييد ضريح له في باحة مسجده.
كما جاءت وفاة السيد فضل الله لتكشف عن فرز كبير يشطر الساحة الشيعية إلى قسمين: تشيع حركي أو ما يمكن أن يطلق عليه بالتشيع السياسي، مقابل التشيع الديني الذي تمثله وتقوده الحوزات العلمية والمرجعيات الشيعية التقليدية.
فبينما أبَّن هؤلاء السيد فضل الله ووقروه وعظموه، وأقاموا له الفواتح ومجالس الترحيم وأنشدوا فيه ورثوه، تجاهله أولئك ولم يجشموا أنفسهم عناء إصدار بيان ينعاه أو إرسال برقية عزاء ومواساة، ناهيك عن إقامة مجالس الفاتحة وتعطيل الدراسة في الحوزات.
ويمكنك أن تسجل المفارقة وتقيم المقارنة من أداء محافظ النجف (الذي ينتسب إلى التيار السياسي الشيعي - حزب الدعوة) حين أعلن الحداد ثلاثة أيام، مقابل موقف الحوزات والمراجع العظام في النجف الأشرف.
في ظل هذا الواقع المشهود، أكاد أجزم أن السيد فضل الله لم يمت، وأنه حي لم يرحل عنا ولم يقبر، قد يكون في جسده جثة بليت، وفي بدنه عظاماً نخرت، وفي شخصه صفحة طويت، ولكنه في فكره والمدرسة العقائدية التي ينتسب لها حي إلى يوم يبعثون ومنظور إلى يوم الوقت المعلوم، ولا أراهن في هذا على قوة الأحزاب الشيعية التي تنتمي إلى نفس مدرسته، ولا إلى تنامي التيار السياسي الشيعي وتمدده وهيمنته الإعلامية التي تظهره الأقوى، بل على التوجه الرسمي والتعظيم العالمي الذي حظي به، وكشف موقعه في نفوس الحكام ورؤساء الدول والمنظمات الدولية، وفي نفوس السياسيين والكتاب والصحافيين وعموم الإعلاميين، وهي ظاهرة لم توفر أمثال صالح المطلك الذي أبى إلا أن يشد الرحال إلى بيروت ويشارك شخصياً في التشييع، ولا كتاباً نشهد من بعضهم عداءً للتشيع ونصباً لأهل البيت، لكنهم كانوا جميعاً مع السيد فضل الله، وأرى أنهم سيبقون مع توجهاته، يشيدون بأفكاره ويعظمون آراءه، ويترحمون عليه، ويتحسرون على فقده..
ولهؤلاء سطوة وسلطان، ونفوذ وإمكان، وخلفهم دول وحكومات وبنوك وأموال، لن تقف في وجهها عوادي الأيام، اللهم إلا سنن التغيير وأحكام التبديل، ولله في خلقه شؤون، وسننظر وتنظرون.
من هنا، سيبقى السيد فضل الله في فكره، وستستمر «الصدمات» تثير الساحة الشيعية وتشغلها، وسيبقى الفرز بين الفقه والفكر التقليدي وبين العصري السياسي المتحرك، سيبقى فضل الله حياً ما بقي تيار الإصلاح واستمرت مدرسة محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعلي شريعتي وصالحي نجف آبادي ومرتضى العسكري وهادي معرفت وناصر مكارم الشيرازي وإبراهيم جناتي والسيد علي الخامنئي..
* مئة سؤال وسؤال:
إلى وزير الإعلام: ما هي ضوابط تحريك الدعوى الجزائية التي تمس الحق العام، أو التي لم يحرك فيها طرف الشكوى على الآخر؟
وبعبارة أوضح: تحيل وزارة الإعلام بعض الكتاب إلى النيابة العامة بتهمة مخالفتهم قانون المطبوعات، بينما تتغافل آخرين، كيف يكون ذلك ولماذا؟
Khalid-alshatti@khalid-alshatti.com