على
08-13-2010, 12:01 PM
خطط طرد الصهاينة من فلسطين كانت أشبه بـ «حكاوي القهاوي»..
محمد ثروت - النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/13/c2aa85da-0629-44f8-a075-1e4d26d309a5_main.jpg
اللواء نصار يشرح للزميل محمد ثروت عن بعض الصور التاريخية التي في حوزته
يواصل اللواء فؤاد نصار رئيس الاستخبارات العامة المصرية الأسبق فتح خزانة أسراره المذهلة حول ملفات الحرب والسلام. وأسرار الغرف المغلقة فى فترة من أهم فترات الصراع العربي الاسرائيلي فيتحدث عن الجولة العربية الاولى مع إسرائيل في حرب فلسطين 48 والهدنة وقصة تعرفه على جمال عبدالناصر في حصار الفالوجا.
وكيف تعرض للموت من قبل العصابات اليهودية وهو يحاول إنقاذ ه من الحصار ليجد نفسه جريحا في مستشفى العريش.
ولم ينس اللواء نصار الذي كان يسجل يوميات الحرب في عقله وذاكرته أن يقدم خلاصة التجربة العربية المريرة، وكيف كان هناك قادة جيوش لايعرفون القراءة والكتابة، كما يتحدث عن قضية الأسلحة الفاسدة والسماسرة الذين شاركوا الملك في توريد السلاح للجيش المصري. ويلخص سيادته الموقف العام للجولة العربية الاسرائيلية الأولى بقوله «لم تكن هناك حرب فعلية.. إننا لم نكن نملك سلاحا ولا فكرا استراتيجيا يؤهلاننا للنصر»
ويضيف اللواء فؤاد نصار لله وللتاريخ قائلا:
في عام 1948 كان العاهل الأردني الملك عبد الله قائداً للقوات العربية في فلسطين، وقرر الملك فاروق أن يرسل إلى الملك عبد الله ثلاثة من القادة في أسلحة الفرسان والمدفعية والطيران وهم اللواء صبور باشا قائد المدفعية واللواء حافظ بكري من المدفعية وحشاد من الطيران وكانوا يحتاجون إلى أجهزة معاونة وخاصة المواصلات والإشارة ولذلك تم اختياري لأكون رابعهم وهو سر حبي لسلاح الإشارة فهو اقرب الأسلحة لمركز صناعة القرار.. وقد كنت وقتها ضابطا في سلاح الإشارة برتبة ملازم، وكانت مهمتي تسهيل الاتصال بين القاهرة والمجدل. أي بين القيادتين المصرية والأردنية.
وبالفعل بدأت بإعداد أجهزة اللاسلكي الخاصة بي، استعداداً إلى التحرك إلى جبهة القتال. وتحركنا من القاهرة إلى عمان في المملكة الأردنية الهاشمية. وهناك كنت قريبا من اجتماعات القادة العسكريين المصريين مع الملك عبدالله، حيث كانت تعقد سلسلة من الاجتماعات المتواصلة أو ماتسمى في اللغة العسكرية بالمؤتمرات حول الوضع الراهن وتمركز القوات العربية، والموقف على جبهة القتال، وسمعت للمرة الاولى المثل الذي يؤمن به الملك عبدالله وهو «الأيد إللي متقدرش تدوسها بوسها»، وهو ماحدث عندما انسحب بقواته وسط المعارك وترك ظهور الجيوش العربية مكشوفة.
كنت في ذلك الوقت مازلت ضابطاً صغيراً برتبة ملازم أول، ولم أكن أتمتع بالقدر الكافي من العلوم العسكرية، ولم أستطع أن أحدد طبيعة الموقف السياسي، ولأني أثناء المناقشات والاجتماعات أدركت اننا أمام «مأساة تاريخية».. فلم أكن أتصور يوماً أن تدار معارك بهذا الشكل وبهذا الأسلوب.. لقد كانت أشبه بـ «حكاوي القهاوي» الواقعية.. حماسة واندفاعا بلا قراءة إلى حقيقة الموقف.. هذا ما لمسته في الأيام الأولى للحرب.
الهدنة الأولى
فعندما فرضت الهدنة الأولى وتحركت من الأردن إلى القدس في طريقي إلى المجدل حيث قيادة الجيش المصري وأثناء تحركي مررت على «الفالوجا» وكانت محاصرة من العصابات اليهودية. ووجدت الصاغ «الرائد» جمال عبدالناصر هناك، وتناولت معه طعام الغداء. وفوجئت بعبد الناصر يقول لي ان كتيبته محاصرة وإنني لن أستطيع المغادرة إلا من طريق واحد وهو طريق اعدته الكتيبة في الصحراء لتفادي عملية الحصار، وهذا الطريق يؤدي إلى الطريق الرئيسي وحذرني من أن اليهود يقومون بـ «اصطياد» أي سيارة من سيارات الجيوش العربية وقال لي بالحرف:
«علشان كده عندما تطلع من هنا خلي السواق يسوق بأقصى سرعة».. وتلك كانت مجرد نصيحة من ضابط لضابط. وبالفعل تحركت إلى الطريق المقصود وقامت العصابات اليهودية بإطلاق عدة طلقات فانقلبت السيارة، وارتميت وارتمى السائق على الأرض ووجدت نفسي سليماً بينما كان السائق مصاباً.
فقمت بسحبه ووضعته داخل السيارة مرة أخرى وقمت بقيادة السيارة بنفسي ولا أعرف المسافة أو المدة التي قدت فيها السيارة بعدها فقدت الوعي، وصحوت لأجد نفسي في غرفة مظلمة بها سرير واحد وأنا موجود فيها بمفردي، فاعتقدت انني أسير عند إسرائيل. وفتحت الشباك لأجد نفسي في الطابق الأول فقفزت من الشباك ومشيت ووجدت سيارة من سيارات الإشارة فركبت وقلت للسائق اطلع على المجدل فقال لي استأذن من الضابط فأخرجت «الطبنجة» وأمرته بالتحرك إلى المجدل.
ففوجئنا أنا والسائق بطلقات رصاص تنهمر علينا. فانقلبت السيارة ولم أشعر بما حدث إلا وأنا ملقى على سرير فى خيمة وزميلى فى كلية الطب الدكتور إبراهيم بدران بجواري وهو يربت على يدي قائلا: «الحمد لله انك قمت بالسلامة لقد تم نقلك للعريش لاستكمال علاجك».
ظللت في مستشفى العريش عشرة أو خمسة عشر يوماً وبعد إتمام شفائي، عدت ثانية إلى ميدان القتال فى رفح الفلسطينية وخان يونس، وتوليت مهمة ضابط إشارة القوات، وكنا نعسكر فى مركز البوليس بالمدينة، فقام اليهود بضرب المعسكر بالطيران، فنقلنا القيادة الى مخابىء تحت الأرض. وعندما أبلغوني عن عطل فى الهاتف، ذهبت لإصلاحه، فوجدت الفرقة مضروبة والجميع منثورين على الأرض بشر وحمير كانت توزع الدقيق على الفلسطينيين، وكان مشهدا مؤثرا.
ولا أنسى عندما كنت فى المجدل كضابط اتصال فى الأردن مع الرجل الذى علمنى العسكرية، وهو الشاويش بلال الذي وجدنى نائماً وأنا أحمل جهاز اللاسلكي، فقال لي: أنت تنام وزملاؤك فى الجبهة معرضون للموت في أي لحظة، وأعطاني سيجارة، قائلاً: عندما تنام مرة أخرى فإنها ستحرقك.
قد كان هذا أول درس تعلمته من الشاويش بلال، في الواجبات المقررة على المقاتل...
الوضع كان يزداد سوءا، «تخبط» غير مسبق، لم نكن نملك السلاح.. كانت القوات الوحيدة التي تتمتع بصفة النظامية، هي القوات المصرية، أما بقية الدول العربية - للأسف - كانت لا تتمتع بأي روح نظامية.. ولنا أن نتخيل أن بعض القوات العربية جاءت إلى فلسطين المحتلة على ظهر «الخيول».. المهم انني بعد استئناف المعارك ذهبت إلى خان يونس، لأكون ضابط الإشارة، ثم اتجهنا إلى غزة. وللأسف كانت كل إمكاناتنا محصورة في عدة قطع من أجهزة «التليفون» وتحويلة وبعض أجهزة اللاسلكي.
وفي هذا التوقيت كنا نتمركز في مركز للشرطة. وتلقينا معلومات مهمة، حول احتمال شن الطائرات العسكرية الإسرائيلية غارة مفاجئة على الموقع الموجودين فيه. وكان لابد لنا من التحرك من هذا الموقع حتى لا نكون هدفاً سهلاً للغارات الإسرائيلية، وبالفعل صدرت لنا الأوامر بالتحرك إلى ملاجئ تحت الأرض، أعتقد أن الإنكليز قاموا ببنائها قبل إلغاء الانتداب. وتحركنا إلى الموقع المحدد باستثناء أجهزتي الخاصة بتلقي الإشارة. وكنت أقوم بتوفيق أوضاعي بين الموقعين، بينما تحركت القوات بالكامل إلى الملاجئ. وقررت أنا العودة إلى الموقع القديم لنقل الأجهزة، وعمل التوصيلات اللازمة. وعدت إلى المركز وأثناء إعدادي للأجهزة تلقيت اتصالاً يفيد بوجود عطل في مكان ما.
وتحركت مسرعاً لإصلاح هذا العطل. وبعد الانتهاء من الإصلاح عدت مرة أخرى إلى المركز، لأجد أبشع منظر رأيته في حياتي ولم أنسه حتى اليوم، فقد كان يوجد مخزن مجاور للمركز يقوم بصرف الدقيق للوفاء بحاجة الفلسطينيين أثناء الحرب.
وفي ضربة غادرة قامت الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على المركز الذي كان بجواره مخزن الدقيق، وتناثرت أشلاء الضحايا واختلط دم الآدميين بدم الحمير التي كانت تستخدم في نقل المواد التموينية بجوالات الدقيق.. كان منظرا مأساويا يدل على وحشية الاحتلال الذي لا يفرق بين المدنيين والعسكريين. وأمام هذا المشهد لم أستطع أن أتمالك نفسي ووجدت ابن عمي وكان ضابطا احتياطيا ويدعى محمد نصار واقفاً بين الأنقاض يبحث عني أو عن جثتي، فالكل كان يعلم انني كنت موجودا بمقر المركز وقت القصف.. كانت مأساة حقيقية مازالت عالقة بذهني.
جيش غير نظامي
وبعد 60 عاما على حرب فلسطين أقول بصدق من خلال معايشتي لتلك الحرب يوما بيوم أنه لم يكن هناك جيش و«لا يحزنون» قلت ان الحرب لم يكن معداً لها على الإطلاق.. كانت الانفعالات والحماس يسبقان الواقع.. حتى الجيش المصري، فبرغم تمتعه بقدر من النظامية في الهندام والشكل فإنه كان يفتقد الكثير، ويكفي انه من كان يملك مبلغ عشرين جنيهاً كان يتم إعفاؤه من الخدمة العسكرية، فيما كان يعرف بنظام «البدلية».. كان هناك قادة في الجيوش العربية لا يجيدون القراءة والكتابة.. مما دفع العرب إلى سلسلة من الانسحابات أمام القوات الإسرائيلية.
أما مايقال عن الأسلحة الفاسدة التي فجرها الصحافي إحسان عبدالقدوس فهذه القضية لم اسمع عنها على الإطلاق وأنا في الميدان. ولكن وجهة نظري الشخصية انه كانت هناك صفقات أسلحة عقدها بعض المقربين من الملك، مع عدد من سماسرة السلاح الإيطاليين، وكانت هناك «مافيا» تقوم بجمع الأسلحة المتبقية في ميادين القتال أثناء الحرب العالمية الثانية، وتقوم بإعادة بيعها مرة أخرى إلى بعض دول الشرق الأوسط. وأعتقد أن بعض هذه الأسلحة كان فاسدا، فعلى سبيل المثال بعض السماسرة اشتروا قنابل.. هذه القنابل عندما تبدأ فكها تنفجر على الفور.
لم تكن هناك حرب فعلية.. إننا لم نكن نملك سلاحا ولا فكرا استراتيجيا يؤهلاننا للنصر.
وشهادة اللواء فؤاد نصار عن الجولة العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 تدعمها شهادت أخرى مهمة وخطيرة عن وقائع ماجرى فى تلك الجولة من معارك ومواجهات ومفاوضات نظرا لأن حرب فلسطين كانت الشرارة الأولى التي أشعلت الثورة في العالم العربي.
وهناك شهادة مهمة أدلى إلى بها رفيق اللواء نصار وأحد الضباط الأحرار واحد من أهم رجال الاستخبارات المصرية الوزير السابق إبراهيم بغدادي الذي يؤيد شهادة اللواء نصار ويراها ملتزمة بتحرى الحقيقة والصدق خاصة أنها ننضمن معلومات دقيقة وليس مجرد انطباعات عن الحرب فضلا عن أهمية سلاح الاشارة الذي ينتمى إليه فؤاد نصار ويضيف الوزير بغدادي قائلا:
أذكر أنني في عام 1948 كنت في الكتيبة الأولى- وهي أول كتيبة دخلت فلسطين في 15 مايو 1948، لم يكن لدينا وسيلة مواصلات للانتقال بها من العريش إلى حدودنا في رفح! فتم تأجير أتوبيسات من متعهد نقل فلسطيني يدعي بميا، فلنا أن نتخيل كيف أنقل جنودًا إلى أرض معركة في أتوبيسات؟ وكأننا نأخذ الجنود في نزهة وليست حرب العامل النفسي لدى الجندي المقاتل شيء مهم جدًا، هذا بالإضافة إلي أننا لم نكن نملك أي معلومات حول الحرب ولا الأرض التي ستدور عليها المعركة ولا حتى معنا خطة للحرب..!!
بصفتك من أوائل الضباط الذين وصلوا إلى أرض المعركة صف لنا رحلتك من معسكرك في مصر إلى أرض المعركة ما دار فيها؟
الأتوبيسات نقلتنا إلى الحدود، ووجدنا بعد رفح مباشرة مستعمرة اسمها على ما أذكر كفر دهوم، كانت هذه المستعمرة تطلق نيرانها على أي قوات تعبر واشتبكت بالفعل معنا واستشهد أول ضابط مصري في 15 مايو 1948 وهو المرحوم اليوزباشي عزالدين الموجي، وظللنا نسير إلى غزة دون أن نعرف أي شيء عن الخطط الاستراتيجية لدخول أرض المعركة ولا حجم القوات المعادية، ونكن قد حاربنا من قبل ولا حتى في مناورة عسكرية.. الحقيقة المريرة هي أننا دخلنا حربًا لم نكن مستعدين لها لا نفسيا ولا عسكريًا ولا حتى سياسيًا!! الذي يدير عملية عسكرية لابد أن يكون قائدًا قويًا سريع البديهة يعلم كل شيء عن جيشه ومعركته القادمة وخصمه، كل ذلك لم يكن متوفرًا لدينا وبالتالي خسرنا..
وحتى الآن لا أعلم لماذا قبلنا الهدنة الأولى؟
وللعلم فإنه أثناء الهدنة الأولى تدفقت على إسرائيل كميات مهولة من الأموال والأسلحة جعلتها أكثر قوة وأكثر شراسة بعد انتهاء الهدنة. الجندي المصري لم يكن يعرف أي شيء عن فلسطين، ومسلح بأسلحة متخلفة من بقايا الحرب العالمية الأولى، ولم نكن نملك أي علاقات مع الكتلة الشرقية حتي نشتري منهم الأسلحة وأميركا لا يمكن أن تمنحنا أسلحة لتحارب بها حلفاءها في إسرائيل. ولكننا رغم الحصار والحرب كنت أنا ومعي مجموعة من الضباط والجند نقوم بطبع مجلة سميناها «الفالوجة» كان يقرأها الضباط والجنود وبعض أهالي القري الموجودة حول معسكراتنا. اعترضت على رفض العرب قرار التقسيم فهل أخطأوا بقبول الهدنة الأولى؟- أولاً لم يكن هناك من يحارب سوى الجيش المصري فقط!
لأن العراق والأردن كانتا قد أخذتا قطاع الضفة الغربية، وكان معروف أن القائد العراقي إذا أمر جنوده بالتقدم لاحتلال بلد معينة كان يرد الجندي قائلاً «ماكو أوامر» أي لا توجد أوامر، فالموقف كان عبارة عن مسرحية هزلية، ولا ننسى أبدًا أن الإنكليز عانوا كثيرًا من اليهود، فوقت أن كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني كان اليهود يقومون بجلد وقتل الجنود الإنكليز ولذلك فقد انتهزت بريطانيا الفرصة لتخليص ثأرها بزج العرب في حرب مع اليهود، لماذا دخلنا الحرب ولماذا قبلنا الهدنة؟ هذه أسئلة اعتقدنا في يوم ما أن التاريخ سيجيب عنها لكنها مازالت بلا إجابة. هل كانت هناك مؤثرات داخلية على الملك فاروق لدخول الحرب؟
وزارات ائتلافية
في عام 1948 كان النقراشي باشا هو رئيس الوزراء، والوفد كان قد خرج من الوزارة منذ عام 1944، ثم حلت بعد وزارات ائتلافية وأقليات، وفي عام 1947 كان إسماعيل صدقي، 1949 إبراهيم عبدالهادي، ولم يكن للوفد وجود قوي ولكنه كان معترضًا على دخول حرب فلسطين، وبالعودة إلى مضبطة مجلس الشيوخ ستجد أن فؤاد سراج الدين باشا اعترض على دخول الجيش المصري إلى فلسطين، ولكن لا حياة لمن تنادي. حالات الانقلابات العسكرية المتوالية في الوطن العربي هل كانت نتيجة طبيعية لنكبة 1948؟
الانقلابات بدأت في سورية في 30 مارس 1949 ثم في مصر 3 يوليو 1953، بالنسبة لمصر. الانقلاب كان ناتجًا عن ضغوط متراكمة، ربما تكون حرب 1948 سببًا من أسباب الانقلابات العسكرية لكنها ليست العامل الأساسي فيها.
هل كانت الأسلحة فاسدة أم متخلفة؟
كانت الأسلحة متخلفة وفاسدة ومن كان يجلبها هم أناس مرتبطون بالسرايا والحاشية والملك نفسه، وهناك قضية مشهورة جدًا ومعروفة وهي قضية «جيلان» وكان هذا الشخص مرتبطًا بطريقة ما بالملك وعندما أثير موضوع الأسلحة الفاسدة خاصة بعد حملة إحسان عبدالقدوس حول الأسلحة في «رزواليوسف» تم إبلاغ النيابة وتم تشميع الخزانة التي تحوي مستندات عمليات شراء الأسلحة الفاسدة، وفي اليوم التالي وجد رجال النيابة ختم الشمع وقد أزيل ولم يكن هناك أي رد فعل، وتم التخلص من المستندات نهائيًا وظلت القضية متداولة في المحاكم حتى عام 1953، ولا نستطيع أن نقول إن الهزيمة كان سببها الوحيد الأسلحة الفاسدة بل هناك أكثر من سبب منها عدم دراسة أرض المعركة، وعدم معرفة العدو وعدم كفاءة القيادات.
هل نستطيع أن نجزم بأن ثمة خيانة في حرب فلسطين؟
لا أعلم إن كان حقًا أن نصف ما حدث بالخيانة أم لا؟ فالدول العربية في ذلك الوقت كانت كلها تعاني من الاحتلال بشكل أو آخر لم يكن هناك دول خليج عربي، مصر والسودان كانتا تحت الاحتلال البريطاني، ليبيا تحت سيطرة إيطاليا، تونس والجزائر بين فرنسا وإسبانيا، سورية ولبنان تحت السيطرة الفرنسية.
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/13/fd0d072b-4380-4891-8603-bcd1d5cfe845_main.jpg
فلسطين عام 1948
محمد ثروت - النهار
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/13/c2aa85da-0629-44f8-a075-1e4d26d309a5_main.jpg
اللواء نصار يشرح للزميل محمد ثروت عن بعض الصور التاريخية التي في حوزته
يواصل اللواء فؤاد نصار رئيس الاستخبارات العامة المصرية الأسبق فتح خزانة أسراره المذهلة حول ملفات الحرب والسلام. وأسرار الغرف المغلقة فى فترة من أهم فترات الصراع العربي الاسرائيلي فيتحدث عن الجولة العربية الاولى مع إسرائيل في حرب فلسطين 48 والهدنة وقصة تعرفه على جمال عبدالناصر في حصار الفالوجا.
وكيف تعرض للموت من قبل العصابات اليهودية وهو يحاول إنقاذ ه من الحصار ليجد نفسه جريحا في مستشفى العريش.
ولم ينس اللواء نصار الذي كان يسجل يوميات الحرب في عقله وذاكرته أن يقدم خلاصة التجربة العربية المريرة، وكيف كان هناك قادة جيوش لايعرفون القراءة والكتابة، كما يتحدث عن قضية الأسلحة الفاسدة والسماسرة الذين شاركوا الملك في توريد السلاح للجيش المصري. ويلخص سيادته الموقف العام للجولة العربية الاسرائيلية الأولى بقوله «لم تكن هناك حرب فعلية.. إننا لم نكن نملك سلاحا ولا فكرا استراتيجيا يؤهلاننا للنصر»
ويضيف اللواء فؤاد نصار لله وللتاريخ قائلا:
في عام 1948 كان العاهل الأردني الملك عبد الله قائداً للقوات العربية في فلسطين، وقرر الملك فاروق أن يرسل إلى الملك عبد الله ثلاثة من القادة في أسلحة الفرسان والمدفعية والطيران وهم اللواء صبور باشا قائد المدفعية واللواء حافظ بكري من المدفعية وحشاد من الطيران وكانوا يحتاجون إلى أجهزة معاونة وخاصة المواصلات والإشارة ولذلك تم اختياري لأكون رابعهم وهو سر حبي لسلاح الإشارة فهو اقرب الأسلحة لمركز صناعة القرار.. وقد كنت وقتها ضابطا في سلاح الإشارة برتبة ملازم، وكانت مهمتي تسهيل الاتصال بين القاهرة والمجدل. أي بين القيادتين المصرية والأردنية.
وبالفعل بدأت بإعداد أجهزة اللاسلكي الخاصة بي، استعداداً إلى التحرك إلى جبهة القتال. وتحركنا من القاهرة إلى عمان في المملكة الأردنية الهاشمية. وهناك كنت قريبا من اجتماعات القادة العسكريين المصريين مع الملك عبدالله، حيث كانت تعقد سلسلة من الاجتماعات المتواصلة أو ماتسمى في اللغة العسكرية بالمؤتمرات حول الوضع الراهن وتمركز القوات العربية، والموقف على جبهة القتال، وسمعت للمرة الاولى المثل الذي يؤمن به الملك عبدالله وهو «الأيد إللي متقدرش تدوسها بوسها»، وهو ماحدث عندما انسحب بقواته وسط المعارك وترك ظهور الجيوش العربية مكشوفة.
كنت في ذلك الوقت مازلت ضابطاً صغيراً برتبة ملازم أول، ولم أكن أتمتع بالقدر الكافي من العلوم العسكرية، ولم أستطع أن أحدد طبيعة الموقف السياسي، ولأني أثناء المناقشات والاجتماعات أدركت اننا أمام «مأساة تاريخية».. فلم أكن أتصور يوماً أن تدار معارك بهذا الشكل وبهذا الأسلوب.. لقد كانت أشبه بـ «حكاوي القهاوي» الواقعية.. حماسة واندفاعا بلا قراءة إلى حقيقة الموقف.. هذا ما لمسته في الأيام الأولى للحرب.
الهدنة الأولى
فعندما فرضت الهدنة الأولى وتحركت من الأردن إلى القدس في طريقي إلى المجدل حيث قيادة الجيش المصري وأثناء تحركي مررت على «الفالوجا» وكانت محاصرة من العصابات اليهودية. ووجدت الصاغ «الرائد» جمال عبدالناصر هناك، وتناولت معه طعام الغداء. وفوجئت بعبد الناصر يقول لي ان كتيبته محاصرة وإنني لن أستطيع المغادرة إلا من طريق واحد وهو طريق اعدته الكتيبة في الصحراء لتفادي عملية الحصار، وهذا الطريق يؤدي إلى الطريق الرئيسي وحذرني من أن اليهود يقومون بـ «اصطياد» أي سيارة من سيارات الجيوش العربية وقال لي بالحرف:
«علشان كده عندما تطلع من هنا خلي السواق يسوق بأقصى سرعة».. وتلك كانت مجرد نصيحة من ضابط لضابط. وبالفعل تحركت إلى الطريق المقصود وقامت العصابات اليهودية بإطلاق عدة طلقات فانقلبت السيارة، وارتميت وارتمى السائق على الأرض ووجدت نفسي سليماً بينما كان السائق مصاباً.
فقمت بسحبه ووضعته داخل السيارة مرة أخرى وقمت بقيادة السيارة بنفسي ولا أعرف المسافة أو المدة التي قدت فيها السيارة بعدها فقدت الوعي، وصحوت لأجد نفسي في غرفة مظلمة بها سرير واحد وأنا موجود فيها بمفردي، فاعتقدت انني أسير عند إسرائيل. وفتحت الشباك لأجد نفسي في الطابق الأول فقفزت من الشباك ومشيت ووجدت سيارة من سيارات الإشارة فركبت وقلت للسائق اطلع على المجدل فقال لي استأذن من الضابط فأخرجت «الطبنجة» وأمرته بالتحرك إلى المجدل.
ففوجئنا أنا والسائق بطلقات رصاص تنهمر علينا. فانقلبت السيارة ولم أشعر بما حدث إلا وأنا ملقى على سرير فى خيمة وزميلى فى كلية الطب الدكتور إبراهيم بدران بجواري وهو يربت على يدي قائلا: «الحمد لله انك قمت بالسلامة لقد تم نقلك للعريش لاستكمال علاجك».
ظللت في مستشفى العريش عشرة أو خمسة عشر يوماً وبعد إتمام شفائي، عدت ثانية إلى ميدان القتال فى رفح الفلسطينية وخان يونس، وتوليت مهمة ضابط إشارة القوات، وكنا نعسكر فى مركز البوليس بالمدينة، فقام اليهود بضرب المعسكر بالطيران، فنقلنا القيادة الى مخابىء تحت الأرض. وعندما أبلغوني عن عطل فى الهاتف، ذهبت لإصلاحه، فوجدت الفرقة مضروبة والجميع منثورين على الأرض بشر وحمير كانت توزع الدقيق على الفلسطينيين، وكان مشهدا مؤثرا.
ولا أنسى عندما كنت فى المجدل كضابط اتصال فى الأردن مع الرجل الذى علمنى العسكرية، وهو الشاويش بلال الذي وجدنى نائماً وأنا أحمل جهاز اللاسلكي، فقال لي: أنت تنام وزملاؤك فى الجبهة معرضون للموت في أي لحظة، وأعطاني سيجارة، قائلاً: عندما تنام مرة أخرى فإنها ستحرقك.
قد كان هذا أول درس تعلمته من الشاويش بلال، في الواجبات المقررة على المقاتل...
الوضع كان يزداد سوءا، «تخبط» غير مسبق، لم نكن نملك السلاح.. كانت القوات الوحيدة التي تتمتع بصفة النظامية، هي القوات المصرية، أما بقية الدول العربية - للأسف - كانت لا تتمتع بأي روح نظامية.. ولنا أن نتخيل أن بعض القوات العربية جاءت إلى فلسطين المحتلة على ظهر «الخيول».. المهم انني بعد استئناف المعارك ذهبت إلى خان يونس، لأكون ضابط الإشارة، ثم اتجهنا إلى غزة. وللأسف كانت كل إمكاناتنا محصورة في عدة قطع من أجهزة «التليفون» وتحويلة وبعض أجهزة اللاسلكي.
وفي هذا التوقيت كنا نتمركز في مركز للشرطة. وتلقينا معلومات مهمة، حول احتمال شن الطائرات العسكرية الإسرائيلية غارة مفاجئة على الموقع الموجودين فيه. وكان لابد لنا من التحرك من هذا الموقع حتى لا نكون هدفاً سهلاً للغارات الإسرائيلية، وبالفعل صدرت لنا الأوامر بالتحرك إلى ملاجئ تحت الأرض، أعتقد أن الإنكليز قاموا ببنائها قبل إلغاء الانتداب. وتحركنا إلى الموقع المحدد باستثناء أجهزتي الخاصة بتلقي الإشارة. وكنت أقوم بتوفيق أوضاعي بين الموقعين، بينما تحركت القوات بالكامل إلى الملاجئ. وقررت أنا العودة إلى الموقع القديم لنقل الأجهزة، وعمل التوصيلات اللازمة. وعدت إلى المركز وأثناء إعدادي للأجهزة تلقيت اتصالاً يفيد بوجود عطل في مكان ما.
وتحركت مسرعاً لإصلاح هذا العطل. وبعد الانتهاء من الإصلاح عدت مرة أخرى إلى المركز، لأجد أبشع منظر رأيته في حياتي ولم أنسه حتى اليوم، فقد كان يوجد مخزن مجاور للمركز يقوم بصرف الدقيق للوفاء بحاجة الفلسطينيين أثناء الحرب.
وفي ضربة غادرة قامت الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على المركز الذي كان بجواره مخزن الدقيق، وتناثرت أشلاء الضحايا واختلط دم الآدميين بدم الحمير التي كانت تستخدم في نقل المواد التموينية بجوالات الدقيق.. كان منظرا مأساويا يدل على وحشية الاحتلال الذي لا يفرق بين المدنيين والعسكريين. وأمام هذا المشهد لم أستطع أن أتمالك نفسي ووجدت ابن عمي وكان ضابطا احتياطيا ويدعى محمد نصار واقفاً بين الأنقاض يبحث عني أو عن جثتي، فالكل كان يعلم انني كنت موجودا بمقر المركز وقت القصف.. كانت مأساة حقيقية مازالت عالقة بذهني.
جيش غير نظامي
وبعد 60 عاما على حرب فلسطين أقول بصدق من خلال معايشتي لتلك الحرب يوما بيوم أنه لم يكن هناك جيش و«لا يحزنون» قلت ان الحرب لم يكن معداً لها على الإطلاق.. كانت الانفعالات والحماس يسبقان الواقع.. حتى الجيش المصري، فبرغم تمتعه بقدر من النظامية في الهندام والشكل فإنه كان يفتقد الكثير، ويكفي انه من كان يملك مبلغ عشرين جنيهاً كان يتم إعفاؤه من الخدمة العسكرية، فيما كان يعرف بنظام «البدلية».. كان هناك قادة في الجيوش العربية لا يجيدون القراءة والكتابة.. مما دفع العرب إلى سلسلة من الانسحابات أمام القوات الإسرائيلية.
أما مايقال عن الأسلحة الفاسدة التي فجرها الصحافي إحسان عبدالقدوس فهذه القضية لم اسمع عنها على الإطلاق وأنا في الميدان. ولكن وجهة نظري الشخصية انه كانت هناك صفقات أسلحة عقدها بعض المقربين من الملك، مع عدد من سماسرة السلاح الإيطاليين، وكانت هناك «مافيا» تقوم بجمع الأسلحة المتبقية في ميادين القتال أثناء الحرب العالمية الثانية، وتقوم بإعادة بيعها مرة أخرى إلى بعض دول الشرق الأوسط. وأعتقد أن بعض هذه الأسلحة كان فاسدا، فعلى سبيل المثال بعض السماسرة اشتروا قنابل.. هذه القنابل عندما تبدأ فكها تنفجر على الفور.
لم تكن هناك حرب فعلية.. إننا لم نكن نملك سلاحا ولا فكرا استراتيجيا يؤهلاننا للنصر.
وشهادة اللواء فؤاد نصار عن الجولة العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 تدعمها شهادت أخرى مهمة وخطيرة عن وقائع ماجرى فى تلك الجولة من معارك ومواجهات ومفاوضات نظرا لأن حرب فلسطين كانت الشرارة الأولى التي أشعلت الثورة في العالم العربي.
وهناك شهادة مهمة أدلى إلى بها رفيق اللواء نصار وأحد الضباط الأحرار واحد من أهم رجال الاستخبارات المصرية الوزير السابق إبراهيم بغدادي الذي يؤيد شهادة اللواء نصار ويراها ملتزمة بتحرى الحقيقة والصدق خاصة أنها ننضمن معلومات دقيقة وليس مجرد انطباعات عن الحرب فضلا عن أهمية سلاح الاشارة الذي ينتمى إليه فؤاد نصار ويضيف الوزير بغدادي قائلا:
أذكر أنني في عام 1948 كنت في الكتيبة الأولى- وهي أول كتيبة دخلت فلسطين في 15 مايو 1948، لم يكن لدينا وسيلة مواصلات للانتقال بها من العريش إلى حدودنا في رفح! فتم تأجير أتوبيسات من متعهد نقل فلسطيني يدعي بميا، فلنا أن نتخيل كيف أنقل جنودًا إلى أرض معركة في أتوبيسات؟ وكأننا نأخذ الجنود في نزهة وليست حرب العامل النفسي لدى الجندي المقاتل شيء مهم جدًا، هذا بالإضافة إلي أننا لم نكن نملك أي معلومات حول الحرب ولا الأرض التي ستدور عليها المعركة ولا حتى معنا خطة للحرب..!!
بصفتك من أوائل الضباط الذين وصلوا إلى أرض المعركة صف لنا رحلتك من معسكرك في مصر إلى أرض المعركة ما دار فيها؟
الأتوبيسات نقلتنا إلى الحدود، ووجدنا بعد رفح مباشرة مستعمرة اسمها على ما أذكر كفر دهوم، كانت هذه المستعمرة تطلق نيرانها على أي قوات تعبر واشتبكت بالفعل معنا واستشهد أول ضابط مصري في 15 مايو 1948 وهو المرحوم اليوزباشي عزالدين الموجي، وظللنا نسير إلى غزة دون أن نعرف أي شيء عن الخطط الاستراتيجية لدخول أرض المعركة ولا حجم القوات المعادية، ونكن قد حاربنا من قبل ولا حتى في مناورة عسكرية.. الحقيقة المريرة هي أننا دخلنا حربًا لم نكن مستعدين لها لا نفسيا ولا عسكريًا ولا حتى سياسيًا!! الذي يدير عملية عسكرية لابد أن يكون قائدًا قويًا سريع البديهة يعلم كل شيء عن جيشه ومعركته القادمة وخصمه، كل ذلك لم يكن متوفرًا لدينا وبالتالي خسرنا..
وحتى الآن لا أعلم لماذا قبلنا الهدنة الأولى؟
وللعلم فإنه أثناء الهدنة الأولى تدفقت على إسرائيل كميات مهولة من الأموال والأسلحة جعلتها أكثر قوة وأكثر شراسة بعد انتهاء الهدنة. الجندي المصري لم يكن يعرف أي شيء عن فلسطين، ومسلح بأسلحة متخلفة من بقايا الحرب العالمية الأولى، ولم نكن نملك أي علاقات مع الكتلة الشرقية حتي نشتري منهم الأسلحة وأميركا لا يمكن أن تمنحنا أسلحة لتحارب بها حلفاءها في إسرائيل. ولكننا رغم الحصار والحرب كنت أنا ومعي مجموعة من الضباط والجند نقوم بطبع مجلة سميناها «الفالوجة» كان يقرأها الضباط والجنود وبعض أهالي القري الموجودة حول معسكراتنا. اعترضت على رفض العرب قرار التقسيم فهل أخطأوا بقبول الهدنة الأولى؟- أولاً لم يكن هناك من يحارب سوى الجيش المصري فقط!
لأن العراق والأردن كانتا قد أخذتا قطاع الضفة الغربية، وكان معروف أن القائد العراقي إذا أمر جنوده بالتقدم لاحتلال بلد معينة كان يرد الجندي قائلاً «ماكو أوامر» أي لا توجد أوامر، فالموقف كان عبارة عن مسرحية هزلية، ولا ننسى أبدًا أن الإنكليز عانوا كثيرًا من اليهود، فوقت أن كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني كان اليهود يقومون بجلد وقتل الجنود الإنكليز ولذلك فقد انتهزت بريطانيا الفرصة لتخليص ثأرها بزج العرب في حرب مع اليهود، لماذا دخلنا الحرب ولماذا قبلنا الهدنة؟ هذه أسئلة اعتقدنا في يوم ما أن التاريخ سيجيب عنها لكنها مازالت بلا إجابة. هل كانت هناك مؤثرات داخلية على الملك فاروق لدخول الحرب؟
وزارات ائتلافية
في عام 1948 كان النقراشي باشا هو رئيس الوزراء، والوفد كان قد خرج من الوزارة منذ عام 1944، ثم حلت بعد وزارات ائتلافية وأقليات، وفي عام 1947 كان إسماعيل صدقي، 1949 إبراهيم عبدالهادي، ولم يكن للوفد وجود قوي ولكنه كان معترضًا على دخول حرب فلسطين، وبالعودة إلى مضبطة مجلس الشيوخ ستجد أن فؤاد سراج الدين باشا اعترض على دخول الجيش المصري إلى فلسطين، ولكن لا حياة لمن تنادي. حالات الانقلابات العسكرية المتوالية في الوطن العربي هل كانت نتيجة طبيعية لنكبة 1948؟
الانقلابات بدأت في سورية في 30 مارس 1949 ثم في مصر 3 يوليو 1953، بالنسبة لمصر. الانقلاب كان ناتجًا عن ضغوط متراكمة، ربما تكون حرب 1948 سببًا من أسباب الانقلابات العسكرية لكنها ليست العامل الأساسي فيها.
هل كانت الأسلحة فاسدة أم متخلفة؟
كانت الأسلحة متخلفة وفاسدة ومن كان يجلبها هم أناس مرتبطون بالسرايا والحاشية والملك نفسه، وهناك قضية مشهورة جدًا ومعروفة وهي قضية «جيلان» وكان هذا الشخص مرتبطًا بطريقة ما بالملك وعندما أثير موضوع الأسلحة الفاسدة خاصة بعد حملة إحسان عبدالقدوس حول الأسلحة في «رزواليوسف» تم إبلاغ النيابة وتم تشميع الخزانة التي تحوي مستندات عمليات شراء الأسلحة الفاسدة، وفي اليوم التالي وجد رجال النيابة ختم الشمع وقد أزيل ولم يكن هناك أي رد فعل، وتم التخلص من المستندات نهائيًا وظلت القضية متداولة في المحاكم حتى عام 1953، ولا نستطيع أن نقول إن الهزيمة كان سببها الوحيد الأسلحة الفاسدة بل هناك أكثر من سبب منها عدم دراسة أرض المعركة، وعدم معرفة العدو وعدم كفاءة القيادات.
هل نستطيع أن نجزم بأن ثمة خيانة في حرب فلسطين؟
لا أعلم إن كان حقًا أن نصف ما حدث بالخيانة أم لا؟ فالدول العربية في ذلك الوقت كانت كلها تعاني من الاحتلال بشكل أو آخر لم يكن هناك دول خليج عربي، مصر والسودان كانتا تحت الاحتلال البريطاني، ليبيا تحت سيطرة إيطاليا، تونس والجزائر بين فرنسا وإسبانيا، سورية ولبنان تحت السيطرة الفرنسية.
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2010/08/13/fd0d072b-4380-4891-8603-bcd1d5cfe845_main.jpg
فلسطين عام 1948