سيد مرحوم
09-28-2004, 10:37 AM
في العراق : إقبال على "الكتاب الديني السعودي" والمجلات الإباحية
بغداد - قدس برس
يحمل شارع أبي الطيب المتنبي، في العاصمة العراقية بغداد، وهو شارع الشعراء والأدباء والفنانين، طابعا خاصا، جبل عليه منذ أول تأسيسه في مطلع القرن الماضي، فرائحة الورق، وهدير المطابع، ومجلدات الكتب، كلها عناوين لشارع واحد، لا يختلف عليه اثنان، في مدينة ارتبط اسمها على مر القرون بالشعراء والخلفاء والقادة العظام، وكأنه كان مكتوبا على المتنبي الشاعر أن لا يفارق دواته وأقلامه حتى بعد موته بقرون.
يقع شارع المتنبي في وسط العاصمة بغداد، متفرعا من شارع الرشيد، أقدم شارع في مدينة الخلفاء. وقد عرف الشارع منذ مطلع القرن الماضي بأنه شارع الصحافة، إذ كانت الصحف العراقية، التي تصدر آنذاك، تقع أغلبها في هذا الشارع، الذي كان يضم أيضا المطابع التي تطبع فيها تلك الصحف.
وحصل للشارع الكثير من التطوير، فقد خرجت الصحافة من ردهات هذا الشارع، لتستقر في أماكن أخرى من بغداد، وحلت محلها المكتبات، ومحال تجليد وطبع الكتب وبيع القرطاسية. إلا أن الشارع اشتهر بأنه شارع الأدباء والمثقفين العراقيين، الذين كانوا يقصدونه كل يوم جمعة، بحثا عن كتاب أو رواية، لتكون إحدى المقاهي المشهورة هناك مقصدهم بعد ذلك.
شارع ديمقراطي
ويشهد شارع المتنبي في بغداد، في كل يوم جمعة، حركة كبيرة جدا، إذ يقصد الشارع الكثير من العراقيين من بغداد ومن بقية المحافظات، كل يبحث عن ضالته. ففي هذا الشارع تجد كل أنواع الكتب، من شتى المشارب والاتجاهات. فالشيوعية مازالت موجودة في "المتنبي"، ومازال لها روادها. وعشاق الأدب ورواياته لهم أيضا نصيب كبير من الشارع. كما إن للكتب الإسلامية أيضا سوقها وروادها، وللكتب العلمية وغيرها من الكتب نصيبها أيضا، فكل شيء في هذا الشارع موجود، في ديمقراطية خاصة لا تعرفها مناطق كثيرة مثلما تعرفها الشوارع المميزة للمثقفين.
فهذا الشارع ورغم التشديد الأمني، الذي كان يشتهر به النظام السابق، وخاصة على المطبوعات، فإن رواده والباعة العاملون فيه تمكنوا من تمرير العديد من المطبوعات، التي كانت تناهض النظام، وذلك عبر ما عرف بـ"ثقافة الاستنساخ"، إذ كانت الكتب الممنوعة تستنسخ في أماكن سرية في داخل الشارع، وتباع بعيدا عن أنظار الرقيب. أما الآن وبعد زوال كافة أشكال الرقابة السابقة، فإن شارع المتنبي شهد تحولا كبيرا على صعيد الكتب المعروضة، وهو تحول تلاءم مع سنوات الحرمان، التي عانى منها الكتاب والقارئ على حد سواء.
مجلات إباحية
ويتحدث خالد مطر الكناني، وهو بائع كتب منذ أكثر من عشرة أعوام في هذا الشارع العتيد، عن شارع المتنبي فيقول "طرأت الكثير من التغييرات على الشارع بعد الاحتلال، ربما لا يستطيع العابر أن يراها، ولكننا بحكم وجودنا في هذا السوق، منذ سنوات عديدة، نستطيع أن نلمس الكثير من المتغيرات على الشارع، من أبرزها دخول المجلات الإباحية إلى ساحات عرض بيع الكتب".
ويصمت قليلا ثم يضيف "شارع المتنبي اليوم يبيع المجلات الإباحية وليس فقط الكتب. هذه المجلات لم تكن موجودة سابقا، فالنظام السابق والأجهزة الأمنية كانت تمنع هذه المجلات، بل إن من يمسك وبحوزته مثل هذه المجلات فإن السجن يكون مصيره".
ويمضى للقول "بعد سقوط النظام السابق مباشرة، وفي الأشهر الأولى من الاحتلال، كانت عمليات بيع المجلات الإباحية تجري على مرأى ومسمع الجميع، خاصة بعد أن قام جنود قوات الاحتلال الأمريكي بإلقاء كميات كبيرة منها في المحلات السكنية، وفي عدد من أحياء بغداد. إلا أنه وبعد تهديد بعض الجماعات امتنع الباعة عن عرض هذه المجلات بصورة علنية، غير أنهم يبيعونها بصورة اعتيادية. ويكفي أن تقف قرب واحد منهم لتطلب منه مجلة "ثقافية" حتى يستخرجها لك مجلة إباحية من تحت مجلات يعرضها أمامه".
الباعة من كل نوع ولكل بضاعة في شارع المتنبي كثر، إلا أن باعة الكتب هم الأكثر، يأتي بعدهم أصحاب محال بيع القرطاسية، ثم باعة العطور، حيث ينتشر العشرات من باعة العطور في شارع المتنبي. وهي في أغلبها عطور يجري تصنيعها محليا من قبل هؤلاء الباعة. إذ يقومون بشراء كميات كبيرة من المواد المركزة للعطور، ثم يقومون بعمليات خلط كيماوي لتلك المواد، ويبيعونها في قناني زجاجية صغيرة.
رواج الكتب الدينية السعودية
أما باعة الكتب فإنهم ينتشرون على امتداد الشارع. ومعروف كل واحد منهم ببيع كتب في اختصاص محدد. ففي هذا الركن باعة الكتب الأدبية، وبجواره باعة الكتب السياسية، ومن ثم التاريخية، والإسلامية، والعلمية وهكذا. والكتب في أغلبها مستنسخة. فالقدرة الشرائية للناس، إبان الحصار، الذي فرض على العراق، في تسعينيات القرن الماضي، جعلت ذهنية الباعة تتفتق على آلية جديدة، يستطيعون من خلالها أن يوازنوا بين مداخيل الناس البسيطة المتواضعة، وبين رغباتهم في اقتناء الكتاب. وما زالت هذه السياسة التقشفية تسيطر على باعة شارع المتنبي وقرائه حتى الآن.
ويؤكد خالد مطر الكناني بأن الطلب على الكتب الدينية الإسلامية ازداد بعد سقوط النظام. ويقول عن ذلك "سابقا كان الكتاب الديني محاربا.. أنا مثلا قضيت عدة أشهر في السجن بسبب تهمة بيع كتب دينية ممنوعة، إذ كان الكتاب السعودي الإسلامي ممنوع على اعتبار أنها كتب "وهابية". كما أن الكتب الشيعية كانت ممنوعة أيضا. أما الآن، وبعد أن انتهت تلك القيود، فإن الكتاب الديني يشهد انتعاشا كبيرا، وكذلك فإن الكتب العلمية، وخاصة كتب البرمجيات، هي الأخرى تشهد طلبا كبيرا، من قبل القارئ العراقي".
غير أن شارع المتنبي بعد الاحتلال لم يعد حاله كما كان قبل الاحتلال، كما يرى الكناني. فالإقبال على الشراء صار ضعيفا. كما إن حركة السوق في أيام الجمع لم تعد كما كانت سابقا. إذ كان الشارع يكتظ بالرواد في أيام الجمعة، وكان من الصعب أن تسير فيه، لكثرة الازدحام. أما الآن فالأمر اختلف. فرواد الشارع في تناقص مستمر، مما انعكس سلبا على حركة بيع وشراء الكتب، والسبب في ذلك هو غياب الأمن بالدرجة الأساس.
فالمواطن العراقي الذي كان يأتي إلى الشارع يوم الجمعة من الرمادي، والفلوجة، والنجف، والموصل، لم يعد بإمكانه أن يأتي الآن، بسبب التدهور الأمني الحاصل. كما إن الشارع كان يشهد إقبالا كبيرا من الأجانب، فليس هناك أجنبي، أو عربي يزور العراق، إلا ويكون شارع المتنبي أحد محطاته الضرورية. "أما اليوم فلم نعد نشهد سائحا واحدا، بسبب عمليات الاختطاف، التي بات يتعرض لها الأجانب"، كما يقول محدثنا، الذي لا يستبعد "تعرض الشارع لعمل هجومي، وخاصة في يوم الجمعة، ونسبة هذا العمل إلى المقاومة العراقية، بقصد تشويه سمعة المقاومة".
أقراص تسجل أمجاد المقاومة
ولا يخفي الكناني وغيره من باعة الكتب، قلقهم من كساد سوق الكتاب، في ظل انتشار الانترنت والفضائيات. لكن بعض المتدينين منهم يخشون من الكتب "التي تروج للأفكار الهدامة"، إذ يسر أحد الباعة لمراسل "قدس برس" بالقول "اليوم هناك هجمة من الكتب، التي باتت تدخل العراق، وفيها الكثير من الأفكار الهدامة". ويضيف "نحن نخشى من تغلغل تلك الأفكار في عقول الشباب الصغار.. هناك كتب إلحادية لم تكن موجودة في العراق سابقا، كما إن هناك كتب تطرح أفكارا معادية للإسلام والعروبة.. صحيح أنها الآن قليلة، ولكننا نخشى من انتشارها".
ويضيف "سابقا كانت هناك رقابة على الكتاب، أما اليوم فلا توجد أية رقابة". ويصمت قليلا ويسترسل في الحديث "الرقابة قد تكون في بعض الأحيان ضرورية لحماية المجتمع".
يقف شارع المتنبي اليوم شامخا في وسط بغداد، تحيط به أكوام القمامة والأوساخ من كل مكان. الإهمال هو العنوان الأبرز في هذا الشارع العريق. وقد بات شارع المتنبي اليوم يرزح تحت وطأة عصابات عديدة.. "عصابات الكتب الخفية، وعصابات الأفكار، التي تحاول أن تروج لثقافة القبول بالمحتل، غير أن الشارع، ومع كل تلك الضغوط، يضم بين جنباته عددا كبيرا من باعة الكتب الوطنيين، الذين يرفضون أن يكون شارعهم ممرا لثقافة الهزيمة، والقبول بالأمر الواقع"، كما يقول أحد الباعة، يبدو لناظره مثقفا أكثر منه مجرد مروج للقرطاسية.
وليس هذا الأمر مجرد أحاديث عابرة، يقولها بائع هنا أو بائع هناك.. إنها ممارسة يومية. وقد شاهد مراسل "قدس برس" بنفسه عددا من الكتب المستنسخة، التي تمجد المقاومة العراقية، وتدافع عنها. كما إن بين جنبات الشارع العديد من باعة الكتب، الذين يروجون لأقراص ليزيرية تحمل تسجيلات عديدة لعمليات نفذها رجال المقاومة ضد قوات الاحتلال، ومثل تلك الأقراص صارت الأكثر رواجا اليوم في أسواق بغداد.
بغداد - قدس برس
يحمل شارع أبي الطيب المتنبي، في العاصمة العراقية بغداد، وهو شارع الشعراء والأدباء والفنانين، طابعا خاصا، جبل عليه منذ أول تأسيسه في مطلع القرن الماضي، فرائحة الورق، وهدير المطابع، ومجلدات الكتب، كلها عناوين لشارع واحد، لا يختلف عليه اثنان، في مدينة ارتبط اسمها على مر القرون بالشعراء والخلفاء والقادة العظام، وكأنه كان مكتوبا على المتنبي الشاعر أن لا يفارق دواته وأقلامه حتى بعد موته بقرون.
يقع شارع المتنبي في وسط العاصمة بغداد، متفرعا من شارع الرشيد، أقدم شارع في مدينة الخلفاء. وقد عرف الشارع منذ مطلع القرن الماضي بأنه شارع الصحافة، إذ كانت الصحف العراقية، التي تصدر آنذاك، تقع أغلبها في هذا الشارع، الذي كان يضم أيضا المطابع التي تطبع فيها تلك الصحف.
وحصل للشارع الكثير من التطوير، فقد خرجت الصحافة من ردهات هذا الشارع، لتستقر في أماكن أخرى من بغداد، وحلت محلها المكتبات، ومحال تجليد وطبع الكتب وبيع القرطاسية. إلا أن الشارع اشتهر بأنه شارع الأدباء والمثقفين العراقيين، الذين كانوا يقصدونه كل يوم جمعة، بحثا عن كتاب أو رواية، لتكون إحدى المقاهي المشهورة هناك مقصدهم بعد ذلك.
شارع ديمقراطي
ويشهد شارع المتنبي في بغداد، في كل يوم جمعة، حركة كبيرة جدا، إذ يقصد الشارع الكثير من العراقيين من بغداد ومن بقية المحافظات، كل يبحث عن ضالته. ففي هذا الشارع تجد كل أنواع الكتب، من شتى المشارب والاتجاهات. فالشيوعية مازالت موجودة في "المتنبي"، ومازال لها روادها. وعشاق الأدب ورواياته لهم أيضا نصيب كبير من الشارع. كما إن للكتب الإسلامية أيضا سوقها وروادها، وللكتب العلمية وغيرها من الكتب نصيبها أيضا، فكل شيء في هذا الشارع موجود، في ديمقراطية خاصة لا تعرفها مناطق كثيرة مثلما تعرفها الشوارع المميزة للمثقفين.
فهذا الشارع ورغم التشديد الأمني، الذي كان يشتهر به النظام السابق، وخاصة على المطبوعات، فإن رواده والباعة العاملون فيه تمكنوا من تمرير العديد من المطبوعات، التي كانت تناهض النظام، وذلك عبر ما عرف بـ"ثقافة الاستنساخ"، إذ كانت الكتب الممنوعة تستنسخ في أماكن سرية في داخل الشارع، وتباع بعيدا عن أنظار الرقيب. أما الآن وبعد زوال كافة أشكال الرقابة السابقة، فإن شارع المتنبي شهد تحولا كبيرا على صعيد الكتب المعروضة، وهو تحول تلاءم مع سنوات الحرمان، التي عانى منها الكتاب والقارئ على حد سواء.
مجلات إباحية
ويتحدث خالد مطر الكناني، وهو بائع كتب منذ أكثر من عشرة أعوام في هذا الشارع العتيد، عن شارع المتنبي فيقول "طرأت الكثير من التغييرات على الشارع بعد الاحتلال، ربما لا يستطيع العابر أن يراها، ولكننا بحكم وجودنا في هذا السوق، منذ سنوات عديدة، نستطيع أن نلمس الكثير من المتغيرات على الشارع، من أبرزها دخول المجلات الإباحية إلى ساحات عرض بيع الكتب".
ويصمت قليلا ثم يضيف "شارع المتنبي اليوم يبيع المجلات الإباحية وليس فقط الكتب. هذه المجلات لم تكن موجودة سابقا، فالنظام السابق والأجهزة الأمنية كانت تمنع هذه المجلات، بل إن من يمسك وبحوزته مثل هذه المجلات فإن السجن يكون مصيره".
ويمضى للقول "بعد سقوط النظام السابق مباشرة، وفي الأشهر الأولى من الاحتلال، كانت عمليات بيع المجلات الإباحية تجري على مرأى ومسمع الجميع، خاصة بعد أن قام جنود قوات الاحتلال الأمريكي بإلقاء كميات كبيرة منها في المحلات السكنية، وفي عدد من أحياء بغداد. إلا أنه وبعد تهديد بعض الجماعات امتنع الباعة عن عرض هذه المجلات بصورة علنية، غير أنهم يبيعونها بصورة اعتيادية. ويكفي أن تقف قرب واحد منهم لتطلب منه مجلة "ثقافية" حتى يستخرجها لك مجلة إباحية من تحت مجلات يعرضها أمامه".
الباعة من كل نوع ولكل بضاعة في شارع المتنبي كثر، إلا أن باعة الكتب هم الأكثر، يأتي بعدهم أصحاب محال بيع القرطاسية، ثم باعة العطور، حيث ينتشر العشرات من باعة العطور في شارع المتنبي. وهي في أغلبها عطور يجري تصنيعها محليا من قبل هؤلاء الباعة. إذ يقومون بشراء كميات كبيرة من المواد المركزة للعطور، ثم يقومون بعمليات خلط كيماوي لتلك المواد، ويبيعونها في قناني زجاجية صغيرة.
رواج الكتب الدينية السعودية
أما باعة الكتب فإنهم ينتشرون على امتداد الشارع. ومعروف كل واحد منهم ببيع كتب في اختصاص محدد. ففي هذا الركن باعة الكتب الأدبية، وبجواره باعة الكتب السياسية، ومن ثم التاريخية، والإسلامية، والعلمية وهكذا. والكتب في أغلبها مستنسخة. فالقدرة الشرائية للناس، إبان الحصار، الذي فرض على العراق، في تسعينيات القرن الماضي، جعلت ذهنية الباعة تتفتق على آلية جديدة، يستطيعون من خلالها أن يوازنوا بين مداخيل الناس البسيطة المتواضعة، وبين رغباتهم في اقتناء الكتاب. وما زالت هذه السياسة التقشفية تسيطر على باعة شارع المتنبي وقرائه حتى الآن.
ويؤكد خالد مطر الكناني بأن الطلب على الكتب الدينية الإسلامية ازداد بعد سقوط النظام. ويقول عن ذلك "سابقا كان الكتاب الديني محاربا.. أنا مثلا قضيت عدة أشهر في السجن بسبب تهمة بيع كتب دينية ممنوعة، إذ كان الكتاب السعودي الإسلامي ممنوع على اعتبار أنها كتب "وهابية". كما أن الكتب الشيعية كانت ممنوعة أيضا. أما الآن، وبعد أن انتهت تلك القيود، فإن الكتاب الديني يشهد انتعاشا كبيرا، وكذلك فإن الكتب العلمية، وخاصة كتب البرمجيات، هي الأخرى تشهد طلبا كبيرا، من قبل القارئ العراقي".
غير أن شارع المتنبي بعد الاحتلال لم يعد حاله كما كان قبل الاحتلال، كما يرى الكناني. فالإقبال على الشراء صار ضعيفا. كما إن حركة السوق في أيام الجمع لم تعد كما كانت سابقا. إذ كان الشارع يكتظ بالرواد في أيام الجمعة، وكان من الصعب أن تسير فيه، لكثرة الازدحام. أما الآن فالأمر اختلف. فرواد الشارع في تناقص مستمر، مما انعكس سلبا على حركة بيع وشراء الكتب، والسبب في ذلك هو غياب الأمن بالدرجة الأساس.
فالمواطن العراقي الذي كان يأتي إلى الشارع يوم الجمعة من الرمادي، والفلوجة، والنجف، والموصل، لم يعد بإمكانه أن يأتي الآن، بسبب التدهور الأمني الحاصل. كما إن الشارع كان يشهد إقبالا كبيرا من الأجانب، فليس هناك أجنبي، أو عربي يزور العراق، إلا ويكون شارع المتنبي أحد محطاته الضرورية. "أما اليوم فلم نعد نشهد سائحا واحدا، بسبب عمليات الاختطاف، التي بات يتعرض لها الأجانب"، كما يقول محدثنا، الذي لا يستبعد "تعرض الشارع لعمل هجومي، وخاصة في يوم الجمعة، ونسبة هذا العمل إلى المقاومة العراقية، بقصد تشويه سمعة المقاومة".
أقراص تسجل أمجاد المقاومة
ولا يخفي الكناني وغيره من باعة الكتب، قلقهم من كساد سوق الكتاب، في ظل انتشار الانترنت والفضائيات. لكن بعض المتدينين منهم يخشون من الكتب "التي تروج للأفكار الهدامة"، إذ يسر أحد الباعة لمراسل "قدس برس" بالقول "اليوم هناك هجمة من الكتب، التي باتت تدخل العراق، وفيها الكثير من الأفكار الهدامة". ويضيف "نحن نخشى من تغلغل تلك الأفكار في عقول الشباب الصغار.. هناك كتب إلحادية لم تكن موجودة في العراق سابقا، كما إن هناك كتب تطرح أفكارا معادية للإسلام والعروبة.. صحيح أنها الآن قليلة، ولكننا نخشى من انتشارها".
ويضيف "سابقا كانت هناك رقابة على الكتاب، أما اليوم فلا توجد أية رقابة". ويصمت قليلا ويسترسل في الحديث "الرقابة قد تكون في بعض الأحيان ضرورية لحماية المجتمع".
يقف شارع المتنبي اليوم شامخا في وسط بغداد، تحيط به أكوام القمامة والأوساخ من كل مكان. الإهمال هو العنوان الأبرز في هذا الشارع العريق. وقد بات شارع المتنبي اليوم يرزح تحت وطأة عصابات عديدة.. "عصابات الكتب الخفية، وعصابات الأفكار، التي تحاول أن تروج لثقافة القبول بالمحتل، غير أن الشارع، ومع كل تلك الضغوط، يضم بين جنباته عددا كبيرا من باعة الكتب الوطنيين، الذين يرفضون أن يكون شارعهم ممرا لثقافة الهزيمة، والقبول بالأمر الواقع"، كما يقول أحد الباعة، يبدو لناظره مثقفا أكثر منه مجرد مروج للقرطاسية.
وليس هذا الأمر مجرد أحاديث عابرة، يقولها بائع هنا أو بائع هناك.. إنها ممارسة يومية. وقد شاهد مراسل "قدس برس" بنفسه عددا من الكتب المستنسخة، التي تمجد المقاومة العراقية، وتدافع عنها. كما إن بين جنبات الشارع العديد من باعة الكتب، الذين يروجون لأقراص ليزيرية تحمل تسجيلات عديدة لعمليات نفذها رجال المقاومة ضد قوات الاحتلال، ومثل تلك الأقراص صارت الأكثر رواجا اليوم في أسواق بغداد.