سمير
07-16-2010, 02:18 PM
تعول زوجها الأعمى وابنتها الكبرى أكملت حفظ القرآن على يديها
http://www.alwatan.com.sa/Images/newsimages/3577/03AW40J_1607-9.jpg
الزوج الكفيف ربته فاطمة كما الطفل
ظهران الجنوب:عوض فرحان
2010-07-16
الستون لم تثقل كاهلها، ووعورة الطريق لم تثنها عن تحقيق هدفها، ففاطمه سعيد كردم، السيدة السعودية، حفظت القرآن الكريم كاملاً، وأجادت تجويده، حائزة على درجة الشرف العليا، بحفظها المرحلة العاشرة من سورة الناس إلى سورة البقرة، بشهادة رئيس "جمعية تحفيظ القرآن الكريم" بظهران الجنوب، الشيخ الدكتور محمد مصلح آل هاشل، والتي جاءت خلال احتفال الجمعية بحفظة القرآن الكريم، بالجامع الكبير وسط ظهران الجنوب. ثناء الشيخ، وحديثه حول القدوة الحسنة، و"ضرورة تسلح الجميع بالإيمان بالله والتوكل عليه، في تحقيق الأهداف السامية في الحياة، المقرونة بالعزيمة وقوة الإرادة" تلك الكلمات العابرة لم يتوقف عندها الحضور كثيرا، لا لشئ، لكونهم تعودوا على سماع تلك الأخبار، لكن ماهي إلا لحظات، حتى شد الشيخ الحضور إليه، بكشفه أن السيدة الحافظة "أمية، لاتقرأ، ولاتكتب، وتعيش في منطقة نائية، وتعيل زوجها الأعمى، وهي من تقوم بإدارة شؤون بيتها، ومع ذلك استطاعت خلال ثلاث سنوات، حفظ القرآن الكريم".
الطريق إلى تهامة
الفضول الصحافي، دفعنا بعد سماع قصة الحافظة المسنة، إلى القيام برحلة محفوفة بالمخاطر، عبر تضاريس جغرافية وعرة، إلى قرية "الدافعة"، في تهامة قحطان، حيث مسقط رأس فاطمة، حيث اتجهنا عبر الطريق الدولي، الواصل بين ظهران الجنوب وخميس مشيط، شمالا، إلى قرية "راحة سنحان"، ومن ثم توجهنا غربا، عبر طريق كثير التعرجات والمنحنيات، ينتهي بعقبة طرفها السفلي نقطة الوصول إلى قرية "الدافعة" المتناثرة الدور. لم نعاني كثيراً في الوصول لبيت المسنة، فعند سؤالنا عنها، بادرنا طفل في الثامنة من العمر يدعى سعيد، بعبارات ترحيبية ملفتة، هي جزء من العادات الأصيلة التي يربى النشأ عليها منذ الصغر في منطقة عسير، قائلا لنا "مرحباً ألوف بالضيوف العزاز"، رددنا عليه التحية "الله يبقيك، ويجمل حالك"، بعدها هم باستقبالنا في منزل والده، اعتذرنا له بلطف، ليقول لنا "انتم تقصدون بيت حافظة القرآن"، أجبناه "عليك نور"، وما لبث أن أوصلنا إليها، في أحد الأشعب، طرف القرية.
منزل محترق!
لحظة وصولنا إلى المنزل، استقبلنا ابنها محمد، وعدد من أحفادها، حيث تفاجأنا بأن النيران قد أتت على منزلها المتهالك بأكمله، قبل أسبوع من زيارتنا، إثر تعرضه لماس كهربائي، تدخلت معه العناية الإلهية في إنقاذ "حافظة القرآن"، يسميها أهل القرية. اعتذر منا ابنها محمد، واستقبلنا في حوش المنزل، لتدور القصة، ويبدأ الحديث.
اجتمعنا في حوش المنزل بزوجها الكفيف، حيان مسرع ثاني، وعدد من أحفاده، لنتبادل أطراف الحديث، عن فاطمة وحفظها لكتاب الله، وما أن أردنا تصويرها، حتى اعتذرت لنا، مكتفية بالرد على استفسارات "الوطن" بواسطة ابنها محمد حيان.
فاطمة ربتني
عندما بادرت المسن الكفيف، بسؤالي عن زوجته، جاوبني مسرعا "نِعمَ الزوجة الصالحة، تبزيني بزاة الأطفال"، أي أنها ترعاه وتقوم على خدمته، منذ فقدانه لبصره قبل 35عاما. كاشفا عن أنه تزوجها على كبر، وسنها لم يتجاوز 18عاما، مؤكدا أن عمره الآن قد تجاوز 120 عاما كما يدعي، حيث كان من ضمن المرابطين حقبة الحرب اليمنية المصرية، بمركز "علب" الحدودي، فيما فاطمة الزوجة الثانية له، وأم لثمانية أبناء له، وأربع بنات، جميعهم متزوجون، ويعيشون خارج القرية، مبينا أنه لم يعرف فاطمة "غير زاهدة في الدنيا، محبة لأفعال الخير، حيث تربت على يد والدها سعيد بن كردم، المعروف في عصره بالصلاح والتقوى"، مضيفا "لم تتغير عليَ فاطمة، وإنما استمرت معاملتها الطيبة معه، لم يسمعها تتضجر في يوم من الأيام من عاهته أو كبر سنة"، الأمر الذي جعله يشعر بـ"سعادتها الكبيرة"، كلما قدمت له خدمة، فيما أكبر شئ تحرص عليه، هو الذهاب به إلى المسجد، الذي يبعد عن منزلهم نحو600 م، والذي يسيرله في الصلوات الخمس، وخاصة صلاة الفجر.
الحبل الممدود
لفت نظرنا لحظة تجولنا داخل المنزل المحترق، حبل يمتد من باب المنزل، وينتهي بمسجد القرية! وعند سؤالنا عنه، أكد حيان أن زوجته فاطمة، قد تتأخر عنه أحيانا لوجودها في حلقة تحفيظ القرآن، أو رعى الماشية، مصدر معيشتهم الوحيد، أو لمراجعة المستشفى بالمدينة، لذا دربته على المشي كما يقول، معتمدا على الإمساك بالحبل، من المنزل إلى المسجد، حتى لا تفوته صلاة الجماعة، وأجرها المضاعف. موضحا أن "أكثر ما يزعج فاطمة هو قيام بعض الصبية الصغار بين الفينة والأخرى بقطع الحبل، حيث يتوجب عليها أن تذهب به بنفسها إلى المسجد، أو شراء حبل ومده من جديد".
وعن الحبل، تحكي أيضا الزوجة فاطمة قائلة إن كبر سنها ومداومتها على الحلقات ورعيها للماشية، أشعرها بتقصيرها في واجب تجاه زوجها، وتخلفه عن حضور صلاة الجماعة لبعض الفروض، وهو من ظل لأكثر من 40 عاما مؤذنا للمسجد، حتى ابتلاه الله بالعمى، حيث قامت بتدريبه على مسك حبل يمتد من باب المنزل حتى باب المسجد، مؤكدة أنها تضطر أحيانا إلى توصيل زوجها سيرا على الأقدام، عند ما يعبث الأطفال بالحبل.
فاطمة ورحلة الحفظ
اشترطت فاطمة علينا الاكتفاء بالحديث فقط عن رحلتها مع القرآن الكريم، حفظاً وتجويداً، حيث أكدت أن حفظ وترتيل وتجويد القرآن كان حلما عاش معها منذ الصغر، حيث بدأت مع والدها الداعية سعيد بن كردم، الذي كان يكافئها مع كل أية تحفظها بفنجان من السكر، لمعرفته بحبها الشديد للسكر. وهي بعد أن تزوجت حيان، وعمرها لم يتجاوز الثامنة عشرة، استمر معها حب الاستماع للقرآن، عبر الرديو أو الكاسيت، والرغبة في حفظه، حيث استطاعت خلال الثلاث سنوات الماضية، حفظ وتجويد كتاب الله، بعد التحاقها بحلقة دار "أم أيمن" لتحفيظ القرآن الكريم، بقرية "الدافعة" التي صقلتها. وحول الطريقة التي اتبعتها حتى استطاعت تحقيق هدفها، ذكرت السيدة فاطمة، أن مداومتها على الحلقة من الساعة الثامنة حتى العاشرة، ومن ثم العودة والاستماع بعد صلاة العصر لما درسته عبر أشرطة الكاسيت، في غرفة من "الهنجر" بعيدة عن المنزل تجلس إليها، ومن ثم إتمام الحفظ بقيام الثلث الأخير من الليل، مستطردة أنها لم تكتفي بحلقة "أم أيمن"، وإنما كانت تذهب لحضور الدورات المكثفة في دار "أسماء بنت أبي بكر" وسط مدينة "ظهران الجنوب"، حيث اضطرت معها إلى استئجار سيارة خاصة يقودها حفيدها، وهي رغم إصابتها بمرضي السكري والضغط، لم يثنها ذلك عن المضي قدما لتحقيق هدفها.
تعليم الأطفال
قبل مغادرتنا لقرية "الدافعة"، ودعنا طفلين، أولهما علي حيان، ذو الـ 13 عاما، والآخر يدعى سعود هادي مسفر، يصغر عليا بعام واحد، وكلاهما تعلما وحفظا القرآن عند السيدة فاطمة، التي يقضيان عندها ساعة بعد العصر من كل يوم، وهي التي رعتهما منذ نعومة أظافرهما، بالإضافة إلى حلقة "زيد بن ثابت".
http://www.alwatan.com.sa/Images/newsimages/3577/03AW40J_1607-9.jpg
الزوج الكفيف ربته فاطمة كما الطفل
ظهران الجنوب:عوض فرحان
2010-07-16
الستون لم تثقل كاهلها، ووعورة الطريق لم تثنها عن تحقيق هدفها، ففاطمه سعيد كردم، السيدة السعودية، حفظت القرآن الكريم كاملاً، وأجادت تجويده، حائزة على درجة الشرف العليا، بحفظها المرحلة العاشرة من سورة الناس إلى سورة البقرة، بشهادة رئيس "جمعية تحفيظ القرآن الكريم" بظهران الجنوب، الشيخ الدكتور محمد مصلح آل هاشل، والتي جاءت خلال احتفال الجمعية بحفظة القرآن الكريم، بالجامع الكبير وسط ظهران الجنوب. ثناء الشيخ، وحديثه حول القدوة الحسنة، و"ضرورة تسلح الجميع بالإيمان بالله والتوكل عليه، في تحقيق الأهداف السامية في الحياة، المقرونة بالعزيمة وقوة الإرادة" تلك الكلمات العابرة لم يتوقف عندها الحضور كثيرا، لا لشئ، لكونهم تعودوا على سماع تلك الأخبار، لكن ماهي إلا لحظات، حتى شد الشيخ الحضور إليه، بكشفه أن السيدة الحافظة "أمية، لاتقرأ، ولاتكتب، وتعيش في منطقة نائية، وتعيل زوجها الأعمى، وهي من تقوم بإدارة شؤون بيتها، ومع ذلك استطاعت خلال ثلاث سنوات، حفظ القرآن الكريم".
الطريق إلى تهامة
الفضول الصحافي، دفعنا بعد سماع قصة الحافظة المسنة، إلى القيام برحلة محفوفة بالمخاطر، عبر تضاريس جغرافية وعرة، إلى قرية "الدافعة"، في تهامة قحطان، حيث مسقط رأس فاطمة، حيث اتجهنا عبر الطريق الدولي، الواصل بين ظهران الجنوب وخميس مشيط، شمالا، إلى قرية "راحة سنحان"، ومن ثم توجهنا غربا، عبر طريق كثير التعرجات والمنحنيات، ينتهي بعقبة طرفها السفلي نقطة الوصول إلى قرية "الدافعة" المتناثرة الدور. لم نعاني كثيراً في الوصول لبيت المسنة، فعند سؤالنا عنها، بادرنا طفل في الثامنة من العمر يدعى سعيد، بعبارات ترحيبية ملفتة، هي جزء من العادات الأصيلة التي يربى النشأ عليها منذ الصغر في منطقة عسير، قائلا لنا "مرحباً ألوف بالضيوف العزاز"، رددنا عليه التحية "الله يبقيك، ويجمل حالك"، بعدها هم باستقبالنا في منزل والده، اعتذرنا له بلطف، ليقول لنا "انتم تقصدون بيت حافظة القرآن"، أجبناه "عليك نور"، وما لبث أن أوصلنا إليها، في أحد الأشعب، طرف القرية.
منزل محترق!
لحظة وصولنا إلى المنزل، استقبلنا ابنها محمد، وعدد من أحفادها، حيث تفاجأنا بأن النيران قد أتت على منزلها المتهالك بأكمله، قبل أسبوع من زيارتنا، إثر تعرضه لماس كهربائي، تدخلت معه العناية الإلهية في إنقاذ "حافظة القرآن"، يسميها أهل القرية. اعتذر منا ابنها محمد، واستقبلنا في حوش المنزل، لتدور القصة، ويبدأ الحديث.
اجتمعنا في حوش المنزل بزوجها الكفيف، حيان مسرع ثاني، وعدد من أحفاده، لنتبادل أطراف الحديث، عن فاطمة وحفظها لكتاب الله، وما أن أردنا تصويرها، حتى اعتذرت لنا، مكتفية بالرد على استفسارات "الوطن" بواسطة ابنها محمد حيان.
فاطمة ربتني
عندما بادرت المسن الكفيف، بسؤالي عن زوجته، جاوبني مسرعا "نِعمَ الزوجة الصالحة، تبزيني بزاة الأطفال"، أي أنها ترعاه وتقوم على خدمته، منذ فقدانه لبصره قبل 35عاما. كاشفا عن أنه تزوجها على كبر، وسنها لم يتجاوز 18عاما، مؤكدا أن عمره الآن قد تجاوز 120 عاما كما يدعي، حيث كان من ضمن المرابطين حقبة الحرب اليمنية المصرية، بمركز "علب" الحدودي، فيما فاطمة الزوجة الثانية له، وأم لثمانية أبناء له، وأربع بنات، جميعهم متزوجون، ويعيشون خارج القرية، مبينا أنه لم يعرف فاطمة "غير زاهدة في الدنيا، محبة لأفعال الخير، حيث تربت على يد والدها سعيد بن كردم، المعروف في عصره بالصلاح والتقوى"، مضيفا "لم تتغير عليَ فاطمة، وإنما استمرت معاملتها الطيبة معه، لم يسمعها تتضجر في يوم من الأيام من عاهته أو كبر سنة"، الأمر الذي جعله يشعر بـ"سعادتها الكبيرة"، كلما قدمت له خدمة، فيما أكبر شئ تحرص عليه، هو الذهاب به إلى المسجد، الذي يبعد عن منزلهم نحو600 م، والذي يسيرله في الصلوات الخمس، وخاصة صلاة الفجر.
الحبل الممدود
لفت نظرنا لحظة تجولنا داخل المنزل المحترق، حبل يمتد من باب المنزل، وينتهي بمسجد القرية! وعند سؤالنا عنه، أكد حيان أن زوجته فاطمة، قد تتأخر عنه أحيانا لوجودها في حلقة تحفيظ القرآن، أو رعى الماشية، مصدر معيشتهم الوحيد، أو لمراجعة المستشفى بالمدينة، لذا دربته على المشي كما يقول، معتمدا على الإمساك بالحبل، من المنزل إلى المسجد، حتى لا تفوته صلاة الجماعة، وأجرها المضاعف. موضحا أن "أكثر ما يزعج فاطمة هو قيام بعض الصبية الصغار بين الفينة والأخرى بقطع الحبل، حيث يتوجب عليها أن تذهب به بنفسها إلى المسجد، أو شراء حبل ومده من جديد".
وعن الحبل، تحكي أيضا الزوجة فاطمة قائلة إن كبر سنها ومداومتها على الحلقات ورعيها للماشية، أشعرها بتقصيرها في واجب تجاه زوجها، وتخلفه عن حضور صلاة الجماعة لبعض الفروض، وهو من ظل لأكثر من 40 عاما مؤذنا للمسجد، حتى ابتلاه الله بالعمى، حيث قامت بتدريبه على مسك حبل يمتد من باب المنزل حتى باب المسجد، مؤكدة أنها تضطر أحيانا إلى توصيل زوجها سيرا على الأقدام، عند ما يعبث الأطفال بالحبل.
فاطمة ورحلة الحفظ
اشترطت فاطمة علينا الاكتفاء بالحديث فقط عن رحلتها مع القرآن الكريم، حفظاً وتجويداً، حيث أكدت أن حفظ وترتيل وتجويد القرآن كان حلما عاش معها منذ الصغر، حيث بدأت مع والدها الداعية سعيد بن كردم، الذي كان يكافئها مع كل أية تحفظها بفنجان من السكر، لمعرفته بحبها الشديد للسكر. وهي بعد أن تزوجت حيان، وعمرها لم يتجاوز الثامنة عشرة، استمر معها حب الاستماع للقرآن، عبر الرديو أو الكاسيت، والرغبة في حفظه، حيث استطاعت خلال الثلاث سنوات الماضية، حفظ وتجويد كتاب الله، بعد التحاقها بحلقة دار "أم أيمن" لتحفيظ القرآن الكريم، بقرية "الدافعة" التي صقلتها. وحول الطريقة التي اتبعتها حتى استطاعت تحقيق هدفها، ذكرت السيدة فاطمة، أن مداومتها على الحلقة من الساعة الثامنة حتى العاشرة، ومن ثم العودة والاستماع بعد صلاة العصر لما درسته عبر أشرطة الكاسيت، في غرفة من "الهنجر" بعيدة عن المنزل تجلس إليها، ومن ثم إتمام الحفظ بقيام الثلث الأخير من الليل، مستطردة أنها لم تكتفي بحلقة "أم أيمن"، وإنما كانت تذهب لحضور الدورات المكثفة في دار "أسماء بنت أبي بكر" وسط مدينة "ظهران الجنوب"، حيث اضطرت معها إلى استئجار سيارة خاصة يقودها حفيدها، وهي رغم إصابتها بمرضي السكري والضغط، لم يثنها ذلك عن المضي قدما لتحقيق هدفها.
تعليم الأطفال
قبل مغادرتنا لقرية "الدافعة"، ودعنا طفلين، أولهما علي حيان، ذو الـ 13 عاما، والآخر يدعى سعود هادي مسفر، يصغر عليا بعام واحد، وكلاهما تعلما وحفظا القرآن عند السيدة فاطمة، التي يقضيان عندها ساعة بعد العصر من كل يوم، وهي التي رعتهما منذ نعومة أظافرهما، بالإضافة إلى حلقة "زيد بن ثابت".