المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا يروّج الاحتلال لسيناريو الفتنة؟........................



سيد مرحوم
09-26-2004, 01:43 PM
لماذا يروّج الاحتلال لسيناريو الفتنة؟


أرض السواد - عبدالزهرة الركابي

يحاول الاحتلال الأمريكي للعراق بعد مأزقه المتعاظم أن يلجأ الى أسلوب خلط الأوراق في المشهد العراقي والإبقاء على وجوده تحت مظلة مطلوبة، ومن ملامح هذا الاسلوب هو الترويج الذي تقوم به المصادر الأمريكية على مختلف اختصاصاتها بأن الوضع السائد في العراق قد يؤدي الى حدوث فتنة طائفية أو حرب أهلية، لكن هذا الترويج لم يشر الى السبب الحقيقي الذي أوصل العراق الى مثل هذا الوضع.
والحقيقة ان ملامح السيناريو المذكور لها أثر عملي في المشهد العراقي ظل يطرح أكثر من علامة استفهام حول الجهة التي تقف وراء هذا الأثر، لاسيما ان شرائح الشعب العراقي ومكوناته لا تنغمس في مخططات تبث الفرقة المذهبية والعرقية والفئوية، باعتبار ان المجتمع العراقي وعلى الرغم من سياسات النظام السابق في هذا الشأن، يمتلك قدراً كافياً من التحصين والوعي بما يجعله بعيداً عن الحساسيات المذهبية والعرقية، لكن ماشهدته الساحة العراقية ومنذ مجيء الاحتلال من اغتيالات تتصف بطابع مذهبي وكذلك إحراق وتفجير دور العبادة على منوال الطابع السالف، وكذلك الاغتيالات ذات الطابع العرقي وإحراق وتفجير الكنائس وما الى غيرها من أعمال تتصف بالطابع المذكور نفسه، دلالة تأكيدية على ان هنالك جهة ما تقف وراء هذه العمليات التي تخدم بقاء الاحتلال الأمريكي للعراق من خلال إشعال فتنة مذهبية وعرقية كي يتسنى لها إشغال الشعب العراقي باحتراب داخلي أو حرب أهلية، وبالتالي تجعل هذا الشعب يصرف النظر عن مواجهة ومقاومة الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى يكون هذا الاحتلال قد كرس وجوده من خلال تمتعه بوضع مريح، ولا أحد يشك في ان مثل هذا الهدف لن يكون بعيداً عن أهداف الاحتلال ان لم يكن هو هدفاً من أهدافه.
ان الاحتلال وأمام مايواجهه من مقاومة عسكرية وسياسية ومعارضة لآلياته المحلية لن يتوانى عن استخدام شتى السبل والأساليب والسيناريوهات المعدة سلفاً، كي يخفف من زخم المقاومة أو يشغلها عن مواجهته أو حتى إدخالها في منعطفات الاحتراب الداخلي، بل ان محاولات تشويه سمعة المقاومة مازالت مستمرة من خلال ربطها مع عمليات الإرهاب أو عمليات المخابرات الإقليمية التي اتخذت من الساحة العراقية مسرحاً لتصفية الحسابات مع هذا الطرف أو ذاك، كما ان الدوائر الصهيونية وعلى وجه التحديد جهاز “الموساد” وأدواته المحلية كان له ضلع مباشر في العمليات التي استهدفت اختطاف واغتيال العشرات من العلماء العراقيين في شتى المجالات العلمية.
وتقول إحصائية حول العلماء العراقيين الذين اغتيلوا منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 أبريل/نيسان من العام الماضي وحتى يوم الثامن والعشرين من أغسطس/آب المنصرم ان عددهم بلغ 251 أستاذاً من مختلف الجامعات والمعاهد العراقية كان اخرهم رئيسة قسم الترجمة في كلية الآداب في جامعة الموصل. وقالت رابطة المدرسين الجامعيين العراقيين التي تأسست بعد سقوط النظام العراقي السابق في إحصائية نشرتها في بغداد خلال الفترة الأخيرة إن 250 أستاذا قضوا برصاص الاغتيال والانتقام والتصفيات الجسدية خلال الستة عشر شهراً الماضية مشيرة إلى أن حصة الجامعة المستنصرية من هذه الحصيلة بلغت 13 أستاذاً بين قتيل ومختطف. وشملت حملة الاغتيالات أساتذة من مختلف الاختصاصات ومن جميع الاتجاهات السياسية مما جعل وزارة التعليم العالي وعلى لسان وزيرها الدكتور طاهر البكاء تتهم جهات مشبوهة بالوقوف وراء تصفية العقول العراقية بهدف قتل الخلايا النوعية في الجسد العراقي على حد تعبير البكاء، الذي طالب الجهات الحكومية بتوفير الحماية للأستاذ الجامعي وابعاد الجامعات عن النزعات الحزبية0 ومما يرجح وجود مخطط لتصفية العقول العراقية هو استهداف الأطباء وأساتذة الجامعات واصحاب الكفاءات العلمية بنحو استثنائي حيث تم اغتيال عشرات الأطباء العراقيين الذين يعدون من خيرة الأطباء في العالم في مجالات اختصاصهم، الأمر الذي دفع الكثيرين الى الهروب خارج العراق وخاصة بعد تفاقم ظاهرة خطف الأطباء ومساومتهم على فدية مالية كبيرة. واشارت إحصائية رابطة المدرسين إلى أن اكثر من ألف من الأطباء واصحاب الكفاءات العلمية غادروا العراق هرباً من الموت أو الخطف.
وذكر تقرير في هذا الخصوص ان وزارة الصحة العراقية قدمت الى وزارة الداخلية لائحة بأسماء الأطباء العراقيين الذين تم اغتيالهم على أيدي مجهولين بهدف التحقيق في حيثيات تلك الجرائم ودوافعها من أجل الإمساك بخيط يقود المحققين إلى معرفة الجهات المستفيدة من هذا المخطط الخطير.
والحقيقة ان سيناريو الفتنة الذي بدأ يبشر به الاحتلال كان يجري تنفيذه مع بواكير مجيء هذا الاحتلال وذلك من خلال الجانب السياسي، حيث شرع الاحتلال في إرسائه منذ تعيين مجلس الحكم المنحل على أسس المحاصصة الطائفية والعرقية، وتواصل في هذا النهج من خلال تعيين المجلسين الرئاسي والوزاري والمؤتمر الوطني، وهو اسلوب فاضح ومفتضح لمثل هذه الفتنة التي عمد الاحتلال أخيراً الى التبشير بمخاطر حدوثها، وكأن هذا الاحتلال تنطبق عليه مقولة “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”.
لذلك فإن الفتنة التي روجت لها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في أحد تقاريرها الأخيرة وتوقعت حدوثها مستقبلاً، انما هي موجودة عملياً بوجود الاحتلال وحتى الأيام الأخيرة التي شهدت عمليات اغتيال مذهبية وعرقية طالت مختلف فئات الشعب العراقي، وهو أمر لم يحدث حتى في زمن النظام السابق على الرغم من سياسته المعروفة في هذا الجانب، لكن اللافت في هذا الجانب هو تزامن عمليات الاغتيال المضاد ما يرجح ان الذي يقف وراءها هو جهة أوجهات ترمي الى خدمة الاحتلال ان لم تكن هي من صلب هذا الاحتلال.
إذاً، الترهيب والتخويف الذي تشيعه المصادر الأمريكية والذي يتسق مع مايجري من عمليات ذات نزعة تشي بالاحتراب الأهلي أو الداخلي، انما يراد من ورائه احباط الجهود الرامية الى إنهاء الاحتلال وتوابعه بشتى الوسائل، وهو مخطط أو سيناريو لم يكن خافياً على المراقبين أو حتى على عموم الشعب العراقي الذي يدرك خطورة هذا المخطط وقد تحصن بالوعي المطلوب حياله، لكن هذا التحصين وهذا الوعي لايمنعان بعض الفئات المغالية والمنفلتة من الانجرار في حلقاته، إلا ان هذا الانجرار المحدود لا يثلم وئام الشعب العراقي المعروف، وان كل مايتعرض له من حالات في الجانب المذكور يظل في عداد تداعيات الاحتلال ونواتج مخططاته التي لن يكتب لها النجاح في نهاية المطاف.

* كاتب عراقي مقيم في سوريا
rekabi@ scs-net.org