المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جمال البنا: الوهابية أبعد ما تكون عن التجديد



فيثاغورس
07-05-2010, 11:14 AM
http://www.middle-east-online.com/pictures/biga/_94712_gamalLLL.jpg



أمة محمد أعطت عقلها إجازة ألف عام، فلنحمد الله أننا لا نزال نسير على قدمين وكان يمكن أن ندب على أربع.

ميدل ايست اونلاين

كتب ـ محمد الحمامصي

أكد المفكر الإسلامي جمال البنا أن التجديد الإسلامي قديم قدم الإسلام نفسه، وأن الدعوة الحديثة إليه دفعت بها إلى الأمام دوافع خارجية، ورأه في توجيه الرسول صلي الله عليه وسلم لأصحابه إذ كان يقول لهم: "جددوا إيمانكم" كما كان – كما قال أحد الصحابة – يتخولهم (أي يتعهدهم) بالموعظة مخافة السأم، وفي القرآن الكريم الذي تحدث عن آثار مر الغداة وكر العشي وتقادم العهد "فقست قلوبهم" وفقدت نضارة الإيمان، وتحدث عن أجيال تأتي فتخالف أصول الدين "فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات"، وأيضا رآه في تناول الفقهاء لموضوع الإيمان الذي انتهوا فيه إلى أنه يزيد وينقص، يزيد بالحسنات وينقص بالسيئات.

وتطرق البنا في القسم الأول من كتابه "تجديد الإسلام .. إعادة تأسيس منظومة المعرفة الإسلامية" الصادر عن دار العين أخيرا إلى المجددين في الإسلام بادئا بالخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، مؤكدا أنه دخل السقيفة خائفًا يترقب، وخرج واثقًا منتصرًا ليحقق أعظم تجديد ألا وهو أن يضع في كلمات معدودة دستور الحكم الإسلامي: أن أصبت فأعينوني، وأن أخطأت فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله فلا طاعة لي.

والكتاب ينقسم إلى قسمين رئيسيين، الأول تاريخي يتابع حركات التجديد ودعاته من الأيام الأولى للإسلام حتى الحقبة المعاصرة، ويتقصى أسباب تعثر هذه الحركات، والثاني، وهو الإنشائي والإبداعي في الكتاب، ويمثل الأمل الطموح الذي تملك المؤلف، وهو عن ضرورة إعادة تأسيس منظومة المعروفة الإسلامية التي وضعها الآباء المؤسسون في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، والقسم يكشف عن الأسباب التي تستوجب ذلك. ولعل هذا أن يكون تاريخيًّا أيضًا، ولكنه يتسم بعمق ويكشف عما فات الدارسين والمؤرخين.

أما القسم الذي يمثل إضافة الأصالة، فهو "الأصول" التي يقوم عليها التأسيس الجديد، والتي تختلف عن الأصول التي قامت عليها المنظومة المعرفية السلفية.

وفي سياق رصده للمجددين وما قدموه، توقف البنا عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب الذي قال عن حركته "ولد في بلدة العيينة بنجد، وهي منطقة معروفة بالتمسك بالسُنة والنفور من البدع، فتأثر بها من نشأته الأولى ثم رحل إلى المدينة، والبصرة وبغداد وأقام في كل مدينة بضع سنوات، ثم رحل إلى كردستان فأقام بها سنة وإلى همذان فأقام بها سنتين ثم زار أصفهان ودرس فيها فلسفة الإشراق والتصوف.

من هذا نعلم أنه لم يكن منغلقًا لم يغادر نجد كما يتصور البعض، ولكن رحلاته فيما يبدو زادته إيمانًا بفكرته التي كانت تدور حول مقاومة البدع التي سادت الفكر الإسلامي وقتئذ وكان أبرزها الشفاعة، والأولياء، والتوسل، وإقامة القباب والتمسح بالقبور... إلخ. ولما قام بدعوته في بلده اضطهدوه فتركها إلى الدرعية وكان أميرها محمد بن سعود، فرض عليه دعوته فقبلها، وبهذا تم الاتفاق بين الدعوة والسلطة.

وأضاف "هذه النقطة هي ما يميز عمل محمد بن عبدالوهاب، فإنه سعى إلى إقناع السلطة بدعوته وكسبها إلى صفه، بحيث كانت السلطة في خدمة الدعوة. وهو أمر لا يستقيم حتى لو كانت الدعوة سليمة، فما بالك ودعوة محمد بن عبدالوهاب، وإن كانت سليمة إلا أنها محدودة جدًا وضيقة، ولا تعنى إلا بقضايا جدلية، ولكن التجربة نجحت في نشر الدعوة بحد السيف. وبعد وفاة الشيخ استمر الحلف ما بين " آل الشيخ" و" آل سعود" وهو الحلف الذي يحكم السعودية حاليًا.

إنها قصة الدعوة التي تلجأ إليها السلطة فتنصرها، فمن آمن بها نجا ومن خالف "حل دمه وماله".

وأكد "من هنا فإن الحركة الوهابية أبعد ما تكون عن التجديد، وحتى دعوتها لمقاومة البدع فليست من إبداعها قدر ما هي من إبداع ابن تيمية، وابن القيم، وإنما ذكرت ضمن التجديد من ناحية الأثر الجديد الذي أوجدته، ولا تزال توجده على الساحة، حتى وإن لم يكن أثرًا حميدًا من ناحية التجديد. هذا الأثر هو إقامة الدولة السعودية التي يتحالف فيها الفقيه والحاكم".

والكتاب الذي يرتكز على فكرة الإصلاح الديني ينطلق من أن الإصلاح الديني ليس إصلاح الشعائر، أو تجديد أصول الفقه... إلخ، إنه "إصلاح النفس البشرية التي شُل عقلها وشُوه ضميرها، ولا بد قبل أي إصلاح أن نعني بها".

يقول البنا "منذ ألف سنة أغلق الفقهاء باب الاجتهاد، ومعنى هذا أنه أصبح على المسلم أن يتعبد وأن يمارس شعائر عبادته، وأن يطبق أحكام فقهه "وهي تغطي مجالات الحياة كافة" دون سؤال ودون فهم العلة، وقلنا في مناسبة سابقة إن هذا يعني أن أمة محمد أعطت عقلها إجازة ألف عام، فلنحمد الله أننا لا نزال نسير على قدمين وكان يمكن أن ندب على أربع، لأن الله تعالى

يقول: "أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ"، فإذا كنا لا ندب على أربع فأشهد – صادقًا غير حانث – أني وجدت عشرات، أو مئات من الأفراد لهم عقول لا تفضل عقول الأنعام، ولا تريد أبدًا أن تفكر، وتسأل في كل صغيرة وتافهة، وتستفتي المفتي أو تلوذ باستخارة وتتحير أمام ما تعده مشاكل، وهو ما لا يقف الطفل الأوروبي الصغير أمامه، وكنت كلما أحثهم على التفكير، وأقول لهم إن لدينا من عدة البحث ما لم يكن يحلم به الأوائل، فإنهم يرفضون ويصرون على ما قاله الأسلاف، وأنه لا أحد يمكن أن يرقى إلى منزلتهم".

ويضيف "هذا الصدأ – إن لم يكن الشلل – العقلي هو في أصل تأخرنا، فلا يمكن لأمة أن تتقدم بعد أن عطلت عقلها، خاصة في هذا العصر الذي يقوم فيه كل شيء على العقل، ولا تقف الجريمة النكراء لهذا الفهم المشوه للدين عند هذا. إنها امتدت إلى الضمير، وهو الذخر الثاني للإنسان الذي يميزه عن الحيوان، وكانت الأديان هي أول من قدمه للبشرية، وبفضله ميزت بين الخير والشر، ما يجب وما لا يجب، والأساس الذي يقوم عليه التعامل بين الناس من صدق أو إخلاص أو وفاء... إلخ".

هذا الضمير الذي هو مفخرة الأديان حدث له تحول خطير، "إذ تحول من مجال العلاقات الإنسانية إلى مجال الشعائر العبادية، وتصور المسلم النمطي أن ضميره لا يمكن أن يستريح إلا إذا صلى الصلوات الخمس في ميعادها، وإذا صام رمضان، وإذا اجتنب المحرمات كأكل الخنزير وشرب الخمر، فإذا فعل هذا فقد أدى ما يمليه عليه الضمير المسلم، ولا حرج عليه بعد هذا إذا كذب أو نافق أو اتصف بخلق دنيء أو انتهز الفرص لتحقيق مكاسب فردية، أو خدع .. إلخ، وبهذا انهارت الأسس التي تقوم عليها العلاقات، كما فقد الإنسان الكرامة فأصبح يتقبل الاستغلال والاستعباد، والاستخذاء، ولا يتحرك ضميره تجاه أي ظلم، لأن أداء الشعائر قد استنفذ ضميره، بهذا انهارت الركيزتان اللتان يمكن أن يقوم عليهما مجتمع، وماذا عسى أن يفعل الإصلاح السياسي؟

إن القضية قضية عقول ونفوس وهذا مما لا يزع فيها وازع السلطان، ولا تستطيع الدولة فيها إلا أقل من القليل. كما أن الثراء المادي يزيد في أثرة هذا الفرد وأنانيته، ويدفعه للمزيد بعد أن فقد الضمير الاجتماعي وأحل محله الضمير العبادي".