الدكتور عادل رضا
06-22-2010, 04:41 PM
كشفت الافكار التي طرحها د.عبدالله النفيسي في ديوان الاستاذ سعد المعطش، وما احدثت من ضجيج وتفاعل، عن مشاكل وثغرات حقيقية في الوعي الوطني الكويتي، لا في الشارع السياسي و حده، بل وبين بعض الاعلاميين والاكاديميين كذلك. والاخطر من ذلك انها اصبحت من ادوات الصراع الحضري – القبلي، والقبلي – الطائفي، والوطني – القومي.. الخ.
واول ما يستوقفنا هنا هو هذا الاعجاب الشديد والاطراء المبالغ فيه للدكتور النفيسي. فالبعض يصفه بالعقل الجبار وآخرون يسبغون عليه لقب المفكر الاستراتيجي الكبير، وغيرهم يعتبره ممن لا يجود الزمان بأمثاله بسهولة، ولم يبق الا ان يعتبره انصاره من المصلحين الذين يأتون للمسلمين على رأس كل قرن.
وأي باحث موضوعي يتناول الجهد الفكري و المنجزات والبحوث الصادرة عن د.النفيسي لا يجد في الواقع ما يدعم كل هذه الالقاب فاذا استثنينا رسالة الدكتوراه حول شيعة العراق، التي اجبر فيها على التزام قواعد البحث لكي ينال شهادته العلمية، فان بقية كتبه لا تختلف اطلاقا عن ان تكون تقارير وبحوث ومقالات صحافية. فلكي تقرر الاوساط الثقافية الكويتية والعربية للدكتور النفيسي بانه «مفكر استراتيجي» وغير ذلك، ينبغي ان يكون قد انصرف فعلا للبحث وانكب على الدراسة، وانتج عددا كبيرا من الكتب والمقالات المتخصصة، واسهم ببعض النظريات التحليلية المبتكرة.. غير ذلك.
هذا ما نراه مع كبار الاساتذة العرب في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ. وما نراه كذلك في اوروبا والولايات المتحدة، ففي تلك الدول مثلا تصدر دوريا مجلات متخصصة في العديد من المجالات من الطب الى التاريخ، ومن الفن الى التكنولوجيا، ومن الشؤون العربية الى قضايا الصين واليابان.
وهناك كما هو معروف مراكز خاصة في اوروبا وامريكا لدراسات الشرق الاوسط والعالم الاسلامي تتدفق منها شهريا وسنويا الكتب والبحوث التي تتناول مصر والعراق ودول مجلس التعاون وايران والتشيع والتسنن وختان البنات والتمييز ضد الاقليات والحريات واسهام المسلمين الحضاري.. وآلاف المواضيع الاخرى.
ولم يبرز للدكتور عبدالله النفيسي أي كتاب او بحث متميز لا في بيروت ولا في القاهرة ولا في الدار البيضاء ولا في لندن ولا في نيويورك او شيكاغو. وحتى لو اصدر كتابا واحدا يتيما، فان شجرة واحدة لا تصنع غابة!
ولو كان د.النفيسي منذ تخرجه قبل اربعين سنة قد كرس حياته لدراسة العراق او التشيع السياسي او الاحزاب الدينية في الشرق الاوسط او اهل السنة في العراق ا و اي حقل دراسي مماثل، فقرأ كل كتاب في هذا المجال، وتابع ابرز المقالات، وقابل الفعاليات السياسية والاقتصادية والفكرية وزار المكتبات، وعاش في تلك الاوساط، وباختصار كرس حياته لمجال بحثه، لكان انتج اليوم العديد من الاسهامات الفكرية التي تشكل اضافة ذات قيمة، وتجعله من اهل القاب التفخيم والتضخيم فعلا.
ولا لوم على الجمهور الكويتي او العربي عموما في هذا المجال، فالمشكلة في جوهرها قضية اعلامية، والاعلام اليوم، من صحافة وتلفاز وانترنت، يقلب الكثير من الموازين، والجمهور لا يفرق كثيرا بين شروط ونشاط الباحث والمفكر، وبين النشاط السياسي.
فالاول كالقاضي يحكم على الامور بعد بحث و مقارنة للدلائل والثاني اشبه ما يكون بالمحامي في بعض القضايا، وكل ما يهمه ان يقنع الجمهور وهيئة المحكمة بتجريم طرف او تبرئة طرف، عن طريق عرض بعض الحقائق وإخفاء أخرى، والمؤسف أن الجمهور لم ير د.النفيسي في حوار بين محللين موضوعيين، فجل ظهوره كان في قناة تلفزيون كالجزيرة، لها وجهة نظر ثابتة ومنحازة في القضايا، ولها جمهور لا يتوقع منها إلا هذا، فما أجدر بها أن يكون شعارها «الرأي.. والرأي المماثل»! وإذا تأملنا «المشهد» في برامج هذه المحطة، فسنجد أنها بحاجة بين فترة وأخرى لمشاركة شخصية خليجية تشرق وتغرب في البرنامج، وتتحدث دون أي حساب للموضوعية وللحقائق الأخرى في القضية، ودون أدنى اهتمام بنتائج طرح هذه الآراء وآثارها، وبما يشفي غليل الجمهور المحبط المتابع، ولا يهتم هذا الجمهور عادة، وكما هو متوقع من عامة الناس، بالتمييز بين المفكر والداعية، أو الباحث والناشط السياسي الصاخب المرتفع الصوت، وهذا ما يجعل المتحدث يزهو.. والمحطة تنتعش!
ولعل مما يفيد د.عبدالله النفيسي، إلى جانب وضعه الأكاديمي وتاريخه السياسي والحماية الاجتماعية والمادية التي يتمتع بها، أن الإعلام الكويتي والخليجي والعربي لا يهتم كثيراً بجمع المعلومات حول القضايا التي يطرحها أو تطور مواقف الأستاذ منها.
فالدكتور النفيسي مثلا يطرح في لقائه بالديوان ضم دول الخليج كلها إلى دولة واحدة عاصمتها المدينة المنورة، وكان قبل سنوات ربما قبل الغزو، في أواخر الثمانينات، قد هاجم بقوة، وبجرأة كالعادة، «اتفاقية العقير» بين الكويت والسعودية سنة 1922، والتي أضاعت ثلثي مساحة البلاد.. لصالح السعودية.
ولا أعرف مثلاً تفاصيل موقفه من قضية أثارت جدلاً واسعاً عام 1990، وهي مسألة الاستعانة بالقوات الأجنبية والأمريكية ونزول هذه القوات على أرض الجزيرة العربية وأرض الحرمين، عام 1990، لتحرير الكويت، فقد اتخذت المملكة العربية السعودية قراراً تاريخيا فذا، وسط معارضة قوية وحرب إعلامية دينية في الداخل والخارج، لصالح إنزال هذه القوات لحماية نفسها ولاخراج القوات الغازية من الكويت.. بينما وقف جمع معروف من شيوخ الدين في المملكة بقوة ضد هذا القرار، ولا أعرف الآن أين وقف د.النفيسي من هذه القضية، وما إذا كان قد ناقش حجج كل طرف دينياً!
وما أن انتهت الحرب وتحررت الكويت وعادت الصحافة إلى الصدور متى عاود الدكتور نشاطه الصحافي وغيره، وكان الوضع في هذه المرحلة أفضل بكثير وأكثر رحابة كما ذكرنا في مقال سابق، بسبب توالي ظهور المحطات الفضائية، وبخاصة محطة «الرأي.. والرأي المطابق».!
لم يقدم د.النفيسي بعد التحرير أي دراسة سياسية علمية حول «الكارثة الأم» أو الدروس المستخلصة منها، أو سبل حماية الكويت ودستورها ومكاسبها، ولم يوجه كلمة شكر أو تقدير للقوى التي ساهمت في مجهود التحرير، والتي ساهمت بلا شك، وبخاصة الأسلحة الأمريكية الحديثة المتقدمة، والحزم السياسي وسرعة القرار السياسي، في حماية الكويت من تدمير هائل في البنية التحتية من مبان وجسور ومنشآت ومصانع ذلك، كان أي جهد موضوعي من قبل د.النفيسي في دراسة ما جرى في أغسطس 1990 وحرب التحرير، سيغير حتما من نظرته إلى الأمور وإلى نقد الأيديولوجيات الدينية والسياسية الرائجة، وفي مقدمتها مبادئ الإسلام السياسي، ولكن لا الكيان الكويتي في الواقع ولا الدستور ولا أي شيء آخر من هذا القبيل كانت له الأفضلية والتقدير في سلم أولوياته وتحليله، وبدأ سلسلة انتقاداته وتهجماته على الغرب والولايات المتحدة، وعاد يفسر كل ما جرى في ضوء نظرية المؤامرة الأمريكية على المنطقة، والمخططات الأمريكية لاحتلال منابع النفط، ودور السفيرة الأمريكية «ابريل جلاسبي» في خداع صدام حسين والضحك عليه «وجر رجله» لغزو الكويت، ومجيء القوات الامريكية الى المنطقة «لا لسواد عيوننا»، بل لمصالح الولايات المتحدة، وغير ذلك من الحجج التي ساقها، والتي لايزال الكثيرون داخل الكويت وخارجها يرددونها، وعلى رأسهم بالطبع كبير كهنة نكبة حزيران 1967، الاستاذ محمد حسنين هيكل.
ولقد ناقشنا والكثيرون ممن هم افضل واكثر تخصصا منا هذه الحجج والتعميمات وأنصاف الحقائق.
ونحن نعرف ان ما من دولة ديموقراطية مسؤولة امام شعبها الا وتدافع عن مصالحها، ومنها الولايات المتحدة، ولكن هل كل مصالح هذه الدولة تتضارب مع مصالح الكويت ودول العالم العربي والخليجي؟ واذا كانت امريكا قد خاضت حرب تحرير الكويت لنهب ثرواتها، فلماذا لم تخطط للحرب بطريقة تدمر كل او معظم البنية التحتية للبلاد، وتجعل الميزانية الكويتية تدفع فواتير التعمير المليارية، لسنين طويلة قادمة الى الشركات الامريكية؟ واذا كان الرئيس العراقي اداة بيد الامريكان، فلماذا لم يقبل الامريكان بهيمنته على الكويت وبقية دول المنطقة وربما سائر العالم العربي؟
ان مصالح امريكا معروفة جيدا لكل متابع، وهي استقرار المنطقة وامن اسرائيل واستمرار تدفق النفط واضيفت اليها لاحقا مكافحة الارهاب، ولا تريد امريكا ودول الغرب او اليابان التي دفعت وحدها 12 مليارا من اجل تحرير الكويت، نهب النفط وسرقة الغاز واستعمار مناطق انتاجية، فهذه الدول كانت حريصة دائما على ان تدفع لنا المليارات مقابل البترول، وهذا ما يفسر وجود الاموال بكثرة في ميزانية الكويت ودول البترول العربية. كما ان هذه الدول المستوردة للبترول تدفع لنا فورا سواء كان سعر البرميل عشرة دولارات او مائة وخمسين دولارا كما تأكد لنا يوم ارتفعت اسعاره بشكل غير مسبوق، بل ان الكويت رفضت الموافقة على مشروع استثمار نفط حقول الشمال، ولها حتى الآن مواقف مستقلة ازاء مشكلة الشرق الاوسط والملف النووي الايراني وقضايا عديدة اخرى. ومع ذلك فلديها فائض كبير من المليارات! فأين ما استفادته امريكا واوروبا من «الهيمنة على دول الخليج العربية»، ونهب ثروات المنطقة وغير ذلك من القضايا التي اثارها د.النفيسي والاستاذ هيكل وغيره؟
ولماذا لا يتحدث الاعلام العربي بدلا عن هذا عن الاستبداديات العسكرية العربية، التي دمرت فعلا مقدرات العالم العربي؟
ولماذا لا نرى في مؤلفات هيكل وغيره كتبا عن نفط العراق وليبيا والجزائر، وما جرى لثروات هذه الدول؟
وقد استجدت في ملف الغزو اوراق مثيرة، لم تلفت نظر د.النفيسي كما يبدو، ولم يضعها في مكانها المناسب من تحليله!
خذ مثلا ما نشرته صحيفة الشرق الاوسط ابتداء من 2009/7/3 حول اعترافات صدام حسين، والتي لم نسمع احدا من اهله او انصاره او المقربين ينفيها، والتي وردت في محاضر الاستجواب معه في سجنه. وقد توالى لأيام ممتدة نشر هذه الاعترافات الجريئة الفاضحة سياسيا، والتي كما قلنا لم يعترض عليها معترض، لا من بقي من رموز النظام ولا محامو صدام حسين ولا طارق عزيز ولا احد في سورية والاردن ولا بنات صدام حسين! وكانت هذه فرصة العمر لأنصار النظام السابق، وسط كل هذا «التعاطف العربي» الذي اسست له وروجت بحماس محطة الجزيرة، قناة «الرأي.. والرأي المطابق».
ولقد عرضنا ملخصا وافيا عن اقوال صدام في هذه الاستجوابات نشرناه في مقال قبل عام يوم 2009/8/4، ولا بأس من اعادة نشره، في الذكرى العشرين للعدوان على الكويت.
لم يجبر احد الرئيس على الحديث بهذا الشكل وبهذه التفاصيل ولو كان قد اجبر.. لعرفنا!
قال صدام: «ان التاريخ يقول ان الكويت جزء من العراق»، وان اهداف الغزو كانت معلنة، وهي «أن يحكم الكويتيون أنفسهم، ويقرروا نوع العلاقات التي سوف تكون مع العراق»، وبالنسبة لقادة الكويت قال صدام انهم «خائنون للعراق والكويت وكل الدول العربية». وقد «استمر هؤلاء القادة في التآمر»، حتى بعد تركهم الكويت اثر الغزو. «فقد كانت الولايات المتحدة هي التي تتحكم فيهم»، ولم يبد صدام اي ندم، وقال صراحة بأن الكويت «تستحق عشر ضربات»، واضاف ان اعلان الكويت كمحافظة رقم 19 كان «مستحقاً ومنطقيا». هل يتكلم المخدوع المظلوم هكذا؟. وفي جلسة يوم 2004/3/3 من الاستجواب الذي تم في السجن، وكانت الانفجارات و«المقاومة الشريفة» ووصول المجاهدين من الكويت والسعودية وسورية ومصر والجزائر مستمراً، وكان بيد صدام أن «يفضح الدور الأمريكي» و«مؤامرة السفيرة» ابريل جلاسبي، ولكنه بعكس د. النفيسي وكل الاعلاميين المؤيدين لنظرية المؤامرة الأمريكية، وفي هذه الجلسة بالذات، قال صدام معترفاً، بأنه هو «الذي وضع خطة الغزو العراقي للكويت»، و«لأن الكويت جغرافيا هي في الاساس ارض مفتوحة، فلم تكن هناك خطة تكتيكية محددة.. فأي شخص لديه خبرة عسكرية يستطيع ان يضع خطة غزو عسكرية فعالة»، واضاف صدام «ان غزو الكويت اكتمل خلال ساعتين ونصف الساعة كما كان مقدراً سلفا»، وقال ان الغزو كان يجب الا يستغرق اكثر من ساعة، وانه «يعتقد ان الأمر كان من المفترض ان يتم بسرعة أكبر من المقدرة سلفا، نظراً لمساندة الشعب الكويتي للغزو». [الشرق الأوسط 2009/7/7].
وقد أنكر صدام أن تكون القوات العراقية قد انسحبت من الكويت بعد أن مُنيت بالهزيمة، واصر على «ان القوات العراقية قد انسحبت نتيجة قرار رسمي».
والآن، مرة أخرى، لماذا لم يقل صدام شيئاً عن «الانخداع» بكلام السفيرة في كل هذه المحاضر التي تحدث فيها باسهاب عن اشياء كثيرة، مع ان الشارع العربي مستعد تماماً للموافقة ان قالها! ولماذا لم يشرح اطراف المؤامرة الأمريكية ضده وتفاصيلها؟ واذا كان الأمريكان الذين استجوبوه قد ألغوا مثل هذه التفاصيل فلماذا لم يبادر أحد الى تثبيتها، أو تأكيد دور السفيرة مثلاً؟ وهنا نتساءل مثلا: كيف قرأ المفكر الاستراتيجي د. النفيسي هذه المحاضر؟ وكيف حاول دراسة موقفه السابق وفق المعلومات والتفاصيل الجديدة واستمرار حماس الرئيس صدام حسين لخطوة الغزو وضم الكويت، على الرغم من انه فقد كرسيه وحريته وحكمه، وغدا اسيراً؟.
بل حتى وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، كان قد صرح عام 1991 للصحافي الأمريكي «ملتون فيورست» ضمن مقابلة نشرها في كتابه Sandcastles، منشورات دار Alfred A. Knopf 1994 بما يلي: عندما سألت «عزيز» كيف يفسر لقاء صدام مع «جلاسبي»، الذي حضره «عزيز» كذلك، تبنى الوزير وجهة نظر مستقلة detached، ولم يدع ان العراق كانت مخدوعة بأي شكل من الاشكال حول النوايا الأمريكية، وقال «عزيز» بالنص: «بما انني كنت وزير الخارجية، فانني افهم عمل السفيرة، وانني اعتقد ان تصرفات الآنسة جلاسبي كانت صحيحة، اذ كانت استدعيت فجأة، وكان الرئيس يريد ابلاغها ان الوضع آخذ بالتدهور، وان حكومتنا لن تتخلى عن خياراتها - تجاه الكويت».
وهنا سأل الصحافي الامريكي الوزير «طارق عزيز» عن تقييمه لحديث السفيرة خلال هذه المقابلة، فأجاب: «نحن نعلم بانها كانت تتصرف بموجب التعليمات المتوافرة auailable instructions» وقد تحدثت – اي السفيرة – بلغة دبلوماسية عامة او غامضة vogue وكنا نعرف وضعها».
واضاف عزيز: «تصرفها كان تجاوبا دبلوماسيا نموذجيا classic diplomatic response ولم نكن متأثرين به we were not influenced by it ». اما قرار غزو الكويت، اضاف عزيز، «فقد صدر فقط بعد انهيار المباحثات الكويتية العراقية في جدة في الاول من اغسطس «ص 344-343».. اي لا علاقة له بنتائج اللقاء مع السفيرة.. ونتوقف هنا لنسجل ملاحظة!.
فالرئيس صدام يقر ويتباهى بعبقريته العسكرية وباحتلال الكويت عن سبق اصرار وترصد، ووزير خارجيته الشهير ينفي بشكل كامل وبمهنية صادقة اي تأثير للسفيرة الامريكية في القرار العراقي، ورجال الحكم البعثي في العراق وانصار صدام لا ينفون اي كلام قاله القائد الضرورة في هذه الاستجوابات والمراجع. ولكن هذا كله لا يغير حرفا او فكرة واحدة لدى د. النفيسي!
فأي نوع من الباحثين الاستراتيجيين هو.
خليل علي حيدر
واول ما يستوقفنا هنا هو هذا الاعجاب الشديد والاطراء المبالغ فيه للدكتور النفيسي. فالبعض يصفه بالعقل الجبار وآخرون يسبغون عليه لقب المفكر الاستراتيجي الكبير، وغيرهم يعتبره ممن لا يجود الزمان بأمثاله بسهولة، ولم يبق الا ان يعتبره انصاره من المصلحين الذين يأتون للمسلمين على رأس كل قرن.
وأي باحث موضوعي يتناول الجهد الفكري و المنجزات والبحوث الصادرة عن د.النفيسي لا يجد في الواقع ما يدعم كل هذه الالقاب فاذا استثنينا رسالة الدكتوراه حول شيعة العراق، التي اجبر فيها على التزام قواعد البحث لكي ينال شهادته العلمية، فان بقية كتبه لا تختلف اطلاقا عن ان تكون تقارير وبحوث ومقالات صحافية. فلكي تقرر الاوساط الثقافية الكويتية والعربية للدكتور النفيسي بانه «مفكر استراتيجي» وغير ذلك، ينبغي ان يكون قد انصرف فعلا للبحث وانكب على الدراسة، وانتج عددا كبيرا من الكتب والمقالات المتخصصة، واسهم ببعض النظريات التحليلية المبتكرة.. غير ذلك.
هذا ما نراه مع كبار الاساتذة العرب في العلوم السياسية وعلم الاجتماع والتاريخ. وما نراه كذلك في اوروبا والولايات المتحدة، ففي تلك الدول مثلا تصدر دوريا مجلات متخصصة في العديد من المجالات من الطب الى التاريخ، ومن الفن الى التكنولوجيا، ومن الشؤون العربية الى قضايا الصين واليابان.
وهناك كما هو معروف مراكز خاصة في اوروبا وامريكا لدراسات الشرق الاوسط والعالم الاسلامي تتدفق منها شهريا وسنويا الكتب والبحوث التي تتناول مصر والعراق ودول مجلس التعاون وايران والتشيع والتسنن وختان البنات والتمييز ضد الاقليات والحريات واسهام المسلمين الحضاري.. وآلاف المواضيع الاخرى.
ولم يبرز للدكتور عبدالله النفيسي أي كتاب او بحث متميز لا في بيروت ولا في القاهرة ولا في الدار البيضاء ولا في لندن ولا في نيويورك او شيكاغو. وحتى لو اصدر كتابا واحدا يتيما، فان شجرة واحدة لا تصنع غابة!
ولو كان د.النفيسي منذ تخرجه قبل اربعين سنة قد كرس حياته لدراسة العراق او التشيع السياسي او الاحزاب الدينية في الشرق الاوسط او اهل السنة في العراق ا و اي حقل دراسي مماثل، فقرأ كل كتاب في هذا المجال، وتابع ابرز المقالات، وقابل الفعاليات السياسية والاقتصادية والفكرية وزار المكتبات، وعاش في تلك الاوساط، وباختصار كرس حياته لمجال بحثه، لكان انتج اليوم العديد من الاسهامات الفكرية التي تشكل اضافة ذات قيمة، وتجعله من اهل القاب التفخيم والتضخيم فعلا.
ولا لوم على الجمهور الكويتي او العربي عموما في هذا المجال، فالمشكلة في جوهرها قضية اعلامية، والاعلام اليوم، من صحافة وتلفاز وانترنت، يقلب الكثير من الموازين، والجمهور لا يفرق كثيرا بين شروط ونشاط الباحث والمفكر، وبين النشاط السياسي.
فالاول كالقاضي يحكم على الامور بعد بحث و مقارنة للدلائل والثاني اشبه ما يكون بالمحامي في بعض القضايا، وكل ما يهمه ان يقنع الجمهور وهيئة المحكمة بتجريم طرف او تبرئة طرف، عن طريق عرض بعض الحقائق وإخفاء أخرى، والمؤسف أن الجمهور لم ير د.النفيسي في حوار بين محللين موضوعيين، فجل ظهوره كان في قناة تلفزيون كالجزيرة، لها وجهة نظر ثابتة ومنحازة في القضايا، ولها جمهور لا يتوقع منها إلا هذا، فما أجدر بها أن يكون شعارها «الرأي.. والرأي المماثل»! وإذا تأملنا «المشهد» في برامج هذه المحطة، فسنجد أنها بحاجة بين فترة وأخرى لمشاركة شخصية خليجية تشرق وتغرب في البرنامج، وتتحدث دون أي حساب للموضوعية وللحقائق الأخرى في القضية، ودون أدنى اهتمام بنتائج طرح هذه الآراء وآثارها، وبما يشفي غليل الجمهور المحبط المتابع، ولا يهتم هذا الجمهور عادة، وكما هو متوقع من عامة الناس، بالتمييز بين المفكر والداعية، أو الباحث والناشط السياسي الصاخب المرتفع الصوت، وهذا ما يجعل المتحدث يزهو.. والمحطة تنتعش!
ولعل مما يفيد د.عبدالله النفيسي، إلى جانب وضعه الأكاديمي وتاريخه السياسي والحماية الاجتماعية والمادية التي يتمتع بها، أن الإعلام الكويتي والخليجي والعربي لا يهتم كثيراً بجمع المعلومات حول القضايا التي يطرحها أو تطور مواقف الأستاذ منها.
فالدكتور النفيسي مثلا يطرح في لقائه بالديوان ضم دول الخليج كلها إلى دولة واحدة عاصمتها المدينة المنورة، وكان قبل سنوات ربما قبل الغزو، في أواخر الثمانينات، قد هاجم بقوة، وبجرأة كالعادة، «اتفاقية العقير» بين الكويت والسعودية سنة 1922، والتي أضاعت ثلثي مساحة البلاد.. لصالح السعودية.
ولا أعرف مثلاً تفاصيل موقفه من قضية أثارت جدلاً واسعاً عام 1990، وهي مسألة الاستعانة بالقوات الأجنبية والأمريكية ونزول هذه القوات على أرض الجزيرة العربية وأرض الحرمين، عام 1990، لتحرير الكويت، فقد اتخذت المملكة العربية السعودية قراراً تاريخيا فذا، وسط معارضة قوية وحرب إعلامية دينية في الداخل والخارج، لصالح إنزال هذه القوات لحماية نفسها ولاخراج القوات الغازية من الكويت.. بينما وقف جمع معروف من شيوخ الدين في المملكة بقوة ضد هذا القرار، ولا أعرف الآن أين وقف د.النفيسي من هذه القضية، وما إذا كان قد ناقش حجج كل طرف دينياً!
وما أن انتهت الحرب وتحررت الكويت وعادت الصحافة إلى الصدور متى عاود الدكتور نشاطه الصحافي وغيره، وكان الوضع في هذه المرحلة أفضل بكثير وأكثر رحابة كما ذكرنا في مقال سابق، بسبب توالي ظهور المحطات الفضائية، وبخاصة محطة «الرأي.. والرأي المطابق».!
لم يقدم د.النفيسي بعد التحرير أي دراسة سياسية علمية حول «الكارثة الأم» أو الدروس المستخلصة منها، أو سبل حماية الكويت ودستورها ومكاسبها، ولم يوجه كلمة شكر أو تقدير للقوى التي ساهمت في مجهود التحرير، والتي ساهمت بلا شك، وبخاصة الأسلحة الأمريكية الحديثة المتقدمة، والحزم السياسي وسرعة القرار السياسي، في حماية الكويت من تدمير هائل في البنية التحتية من مبان وجسور ومنشآت ومصانع ذلك، كان أي جهد موضوعي من قبل د.النفيسي في دراسة ما جرى في أغسطس 1990 وحرب التحرير، سيغير حتما من نظرته إلى الأمور وإلى نقد الأيديولوجيات الدينية والسياسية الرائجة، وفي مقدمتها مبادئ الإسلام السياسي، ولكن لا الكيان الكويتي في الواقع ولا الدستور ولا أي شيء آخر من هذا القبيل كانت له الأفضلية والتقدير في سلم أولوياته وتحليله، وبدأ سلسلة انتقاداته وتهجماته على الغرب والولايات المتحدة، وعاد يفسر كل ما جرى في ضوء نظرية المؤامرة الأمريكية على المنطقة، والمخططات الأمريكية لاحتلال منابع النفط، ودور السفيرة الأمريكية «ابريل جلاسبي» في خداع صدام حسين والضحك عليه «وجر رجله» لغزو الكويت، ومجيء القوات الامريكية الى المنطقة «لا لسواد عيوننا»، بل لمصالح الولايات المتحدة، وغير ذلك من الحجج التي ساقها، والتي لايزال الكثيرون داخل الكويت وخارجها يرددونها، وعلى رأسهم بالطبع كبير كهنة نكبة حزيران 1967، الاستاذ محمد حسنين هيكل.
ولقد ناقشنا والكثيرون ممن هم افضل واكثر تخصصا منا هذه الحجج والتعميمات وأنصاف الحقائق.
ونحن نعرف ان ما من دولة ديموقراطية مسؤولة امام شعبها الا وتدافع عن مصالحها، ومنها الولايات المتحدة، ولكن هل كل مصالح هذه الدولة تتضارب مع مصالح الكويت ودول العالم العربي والخليجي؟ واذا كانت امريكا قد خاضت حرب تحرير الكويت لنهب ثرواتها، فلماذا لم تخطط للحرب بطريقة تدمر كل او معظم البنية التحتية للبلاد، وتجعل الميزانية الكويتية تدفع فواتير التعمير المليارية، لسنين طويلة قادمة الى الشركات الامريكية؟ واذا كان الرئيس العراقي اداة بيد الامريكان، فلماذا لم يقبل الامريكان بهيمنته على الكويت وبقية دول المنطقة وربما سائر العالم العربي؟
ان مصالح امريكا معروفة جيدا لكل متابع، وهي استقرار المنطقة وامن اسرائيل واستمرار تدفق النفط واضيفت اليها لاحقا مكافحة الارهاب، ولا تريد امريكا ودول الغرب او اليابان التي دفعت وحدها 12 مليارا من اجل تحرير الكويت، نهب النفط وسرقة الغاز واستعمار مناطق انتاجية، فهذه الدول كانت حريصة دائما على ان تدفع لنا المليارات مقابل البترول، وهذا ما يفسر وجود الاموال بكثرة في ميزانية الكويت ودول البترول العربية. كما ان هذه الدول المستوردة للبترول تدفع لنا فورا سواء كان سعر البرميل عشرة دولارات او مائة وخمسين دولارا كما تأكد لنا يوم ارتفعت اسعاره بشكل غير مسبوق، بل ان الكويت رفضت الموافقة على مشروع استثمار نفط حقول الشمال، ولها حتى الآن مواقف مستقلة ازاء مشكلة الشرق الاوسط والملف النووي الايراني وقضايا عديدة اخرى. ومع ذلك فلديها فائض كبير من المليارات! فأين ما استفادته امريكا واوروبا من «الهيمنة على دول الخليج العربية»، ونهب ثروات المنطقة وغير ذلك من القضايا التي اثارها د.النفيسي والاستاذ هيكل وغيره؟
ولماذا لا يتحدث الاعلام العربي بدلا عن هذا عن الاستبداديات العسكرية العربية، التي دمرت فعلا مقدرات العالم العربي؟
ولماذا لا نرى في مؤلفات هيكل وغيره كتبا عن نفط العراق وليبيا والجزائر، وما جرى لثروات هذه الدول؟
وقد استجدت في ملف الغزو اوراق مثيرة، لم تلفت نظر د.النفيسي كما يبدو، ولم يضعها في مكانها المناسب من تحليله!
خذ مثلا ما نشرته صحيفة الشرق الاوسط ابتداء من 2009/7/3 حول اعترافات صدام حسين، والتي لم نسمع احدا من اهله او انصاره او المقربين ينفيها، والتي وردت في محاضر الاستجواب معه في سجنه. وقد توالى لأيام ممتدة نشر هذه الاعترافات الجريئة الفاضحة سياسيا، والتي كما قلنا لم يعترض عليها معترض، لا من بقي من رموز النظام ولا محامو صدام حسين ولا طارق عزيز ولا احد في سورية والاردن ولا بنات صدام حسين! وكانت هذه فرصة العمر لأنصار النظام السابق، وسط كل هذا «التعاطف العربي» الذي اسست له وروجت بحماس محطة الجزيرة، قناة «الرأي.. والرأي المطابق».
ولقد عرضنا ملخصا وافيا عن اقوال صدام في هذه الاستجوابات نشرناه في مقال قبل عام يوم 2009/8/4، ولا بأس من اعادة نشره، في الذكرى العشرين للعدوان على الكويت.
لم يجبر احد الرئيس على الحديث بهذا الشكل وبهذه التفاصيل ولو كان قد اجبر.. لعرفنا!
قال صدام: «ان التاريخ يقول ان الكويت جزء من العراق»، وان اهداف الغزو كانت معلنة، وهي «أن يحكم الكويتيون أنفسهم، ويقرروا نوع العلاقات التي سوف تكون مع العراق»، وبالنسبة لقادة الكويت قال صدام انهم «خائنون للعراق والكويت وكل الدول العربية». وقد «استمر هؤلاء القادة في التآمر»، حتى بعد تركهم الكويت اثر الغزو. «فقد كانت الولايات المتحدة هي التي تتحكم فيهم»، ولم يبد صدام اي ندم، وقال صراحة بأن الكويت «تستحق عشر ضربات»، واضاف ان اعلان الكويت كمحافظة رقم 19 كان «مستحقاً ومنطقيا». هل يتكلم المخدوع المظلوم هكذا؟. وفي جلسة يوم 2004/3/3 من الاستجواب الذي تم في السجن، وكانت الانفجارات و«المقاومة الشريفة» ووصول المجاهدين من الكويت والسعودية وسورية ومصر والجزائر مستمراً، وكان بيد صدام أن «يفضح الدور الأمريكي» و«مؤامرة السفيرة» ابريل جلاسبي، ولكنه بعكس د. النفيسي وكل الاعلاميين المؤيدين لنظرية المؤامرة الأمريكية، وفي هذه الجلسة بالذات، قال صدام معترفاً، بأنه هو «الذي وضع خطة الغزو العراقي للكويت»، و«لأن الكويت جغرافيا هي في الاساس ارض مفتوحة، فلم تكن هناك خطة تكتيكية محددة.. فأي شخص لديه خبرة عسكرية يستطيع ان يضع خطة غزو عسكرية فعالة»، واضاف صدام «ان غزو الكويت اكتمل خلال ساعتين ونصف الساعة كما كان مقدراً سلفا»، وقال ان الغزو كان يجب الا يستغرق اكثر من ساعة، وانه «يعتقد ان الأمر كان من المفترض ان يتم بسرعة أكبر من المقدرة سلفا، نظراً لمساندة الشعب الكويتي للغزو». [الشرق الأوسط 2009/7/7].
وقد أنكر صدام أن تكون القوات العراقية قد انسحبت من الكويت بعد أن مُنيت بالهزيمة، واصر على «ان القوات العراقية قد انسحبت نتيجة قرار رسمي».
والآن، مرة أخرى، لماذا لم يقل صدام شيئاً عن «الانخداع» بكلام السفيرة في كل هذه المحاضر التي تحدث فيها باسهاب عن اشياء كثيرة، مع ان الشارع العربي مستعد تماماً للموافقة ان قالها! ولماذا لم يشرح اطراف المؤامرة الأمريكية ضده وتفاصيلها؟ واذا كان الأمريكان الذين استجوبوه قد ألغوا مثل هذه التفاصيل فلماذا لم يبادر أحد الى تثبيتها، أو تأكيد دور السفيرة مثلاً؟ وهنا نتساءل مثلا: كيف قرأ المفكر الاستراتيجي د. النفيسي هذه المحاضر؟ وكيف حاول دراسة موقفه السابق وفق المعلومات والتفاصيل الجديدة واستمرار حماس الرئيس صدام حسين لخطوة الغزو وضم الكويت، على الرغم من انه فقد كرسيه وحريته وحكمه، وغدا اسيراً؟.
بل حتى وزير الخارجية العراقي طارق عزيز، كان قد صرح عام 1991 للصحافي الأمريكي «ملتون فيورست» ضمن مقابلة نشرها في كتابه Sandcastles، منشورات دار Alfred A. Knopf 1994 بما يلي: عندما سألت «عزيز» كيف يفسر لقاء صدام مع «جلاسبي»، الذي حضره «عزيز» كذلك، تبنى الوزير وجهة نظر مستقلة detached، ولم يدع ان العراق كانت مخدوعة بأي شكل من الاشكال حول النوايا الأمريكية، وقال «عزيز» بالنص: «بما انني كنت وزير الخارجية، فانني افهم عمل السفيرة، وانني اعتقد ان تصرفات الآنسة جلاسبي كانت صحيحة، اذ كانت استدعيت فجأة، وكان الرئيس يريد ابلاغها ان الوضع آخذ بالتدهور، وان حكومتنا لن تتخلى عن خياراتها - تجاه الكويت».
وهنا سأل الصحافي الامريكي الوزير «طارق عزيز» عن تقييمه لحديث السفيرة خلال هذه المقابلة، فأجاب: «نحن نعلم بانها كانت تتصرف بموجب التعليمات المتوافرة auailable instructions» وقد تحدثت – اي السفيرة – بلغة دبلوماسية عامة او غامضة vogue وكنا نعرف وضعها».
واضاف عزيز: «تصرفها كان تجاوبا دبلوماسيا نموذجيا classic diplomatic response ولم نكن متأثرين به we were not influenced by it ». اما قرار غزو الكويت، اضاف عزيز، «فقد صدر فقط بعد انهيار المباحثات الكويتية العراقية في جدة في الاول من اغسطس «ص 344-343».. اي لا علاقة له بنتائج اللقاء مع السفيرة.. ونتوقف هنا لنسجل ملاحظة!.
فالرئيس صدام يقر ويتباهى بعبقريته العسكرية وباحتلال الكويت عن سبق اصرار وترصد، ووزير خارجيته الشهير ينفي بشكل كامل وبمهنية صادقة اي تأثير للسفيرة الامريكية في القرار العراقي، ورجال الحكم البعثي في العراق وانصار صدام لا ينفون اي كلام قاله القائد الضرورة في هذه الاستجوابات والمراجع. ولكن هذا كله لا يغير حرفا او فكرة واحدة لدى د. النفيسي!
فأي نوع من الباحثين الاستراتيجيين هو.
خليل علي حيدر