لطيفة
06-18-2010, 05:17 PM
http://www.aljarida.com/AlJarida/Resources/ArticlesPictures/2010/06/18/164650_iraq-5_com-ea9abf596f_small.jpg
بيروت - رواد خيرالله
تصوِّر قناة «السومرية» العراقية وثائقي «كبرياء العراق» عن الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري (1900-1997)، تشارك فيها نخبة من الفنانين العراقيين واللبنانيين، من بينهم: عبد الستار البصري الذي يجسّد شخصية الجواهري العامة وكامل ابراهيم الذي يؤدي دور الجواهري في شبابه وأياد الطائي في دور الملك فيصل الأول، ووليد العبوسي في دور نوري باشا السعيد، وطه المشهداني في دور الزعيم عبد الكريم قاسم، وعمار شلق في دور الشاعر ابو الطيب المتنبي وشبل الخوري في دور لورنس العرب.
«كبرياء العراق» دراما وثائقية من سبعة أجزاء بمعدل ساعة ونصف الساعة لكل جزء، فكرة الإعلامي علي أكرم، تأليف أنور الحمداني وإخراجه. وصوِّر الجزء الدرامي من العملل في بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، واستُكمل التصوير في مناطق بعلبك والهرمل وبيروت في لبنان، فيما سيصوَّر الجزء الثالث في العاصمة التشيكية براغ بعد أسابيع قليلة.
عالم الجواهري واسع وزاخر بالتناقضات، من اهتمامه بمديح الزعماء الى كتابته بعض الطقاطيق والقصائد الإباحية التي ربما لا يجرؤ الذين يعدّون الفيلم على روايتها.
ثمة شيء ما في عنوان الفيلم يذكّرنا بسلوكية المتنبي في الحياة وهو كان «الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم». لا يختلف الجواهري كثيراً عن المتنبي في مديح الزعماء والقادة والذات، هو الذي كان منفياً من نظام بلاده، ولكنه في شعره لم يصل الى مصاف المتنبي، ولم يكتب بنكهة خاصة في حياته، وإن عاش تجربة شعرية خاصة في أروقة الدول العربية والعالمية.
الجواهري أحد أبرز الشعراء الكلاسكيين خلال القرن العشرين، كتب مذكراته في ثمانينات القرن الماضي، لكنها غير متوافرة راهناً في المكتبات، في وقت يتسابق بعض أنسبائه وعارفيه وأصدقائه في تدوين كتب عنه كلّ على طريقته، تحمل بعض المعاني والرموز عن حياته وشعره وذكرياته وسيرته الغنية. في هذا الإطار، أصدرت د. خيال الجواهري (ابنة الشاعر الجواهري) كتابها الذي يحمل عنوان «الجواهري... النهر الثالث»، افتتحته برسم للجواهري كتبت تحته «سلاماً أيها الباقي... وأعمار الطغاة قصار»، ثم تأتي المقدمة التي تقول فيها: «مرة أخرى ومن وسط أكداس المقالات والشهادات والدراسات المتنوعة التي نشرت عن الجواهري الكبير بعد رحيله في الصحف اليومية والمجلات والإنترنت... أقتطف وأنتخب باقة منها لتكون بين دفتي كتابي المعنون «الجواهري.. النهر الثالث» وليضاف الى ما سبقه من كتب حملت عناوين: «الجواهري... سيمفونية الرحيل» و»الجواهري... مسيرة قرن»، ولتكون بمجموعها مصادر لا تخلو من الفائدة والمعرفة والتحليل وبما تنطوي على جديد ومبتكر وربما للتعريف بجوانب تكاد تكون مجهولة للقارئ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الحصار الفكري المجحف الذي مورس من النظام الدكتاتوري الدموي على شخصية الجواهري والأبحاث التي تتناول شعره وحياته وعلى مدى عقود عدة».
تضيف الجواهري: «كلي أمل وثقة في أن يلعب مثل هذا التوثيق والتجميع لما ينشر عن الجواهري وطبعه في مطبوع له دوره الإيجابي والفاعل لإلقاء الضوء على محطات ومنعطفات جديدة في حياة الشاعر وشعره وبما يجعل منه معيناً ومنهلاً للباحثين والدارسين لعالمه الشعري والإبداعي ورؤاه المستقبلية وارتباطه الحميم بقضايا شعبنا العراقي والعربي والإنساني... فضلاً عن البيئة التي نشأ فيها وتمرّد عليها، وكل ما له علاقة أو صلة بمراحل حياته المتنوعة والزاخرة بالتناقضات والتعارضات».
أما إطلاق تسمية «النهر الثالث» على الجواهري فكان تماهياً مع النهرين في العراق دجلة والفرات، والعنوان بالطبع ليس من أفكار صاحبة الكتاب، وإنما اقتبسته عن عن رأي للشاعر الراحل محمود درويش بالجواهري، الذي هو «اعتبره أحد أنهار العراق الثلاثة، فهناك دجلة والفرات والجواهري»، وقد أفردت صفحة في آخر الكتاب ضمت أقوال أربعة من الشعراء العرب في الجواهري ومنهم محمود درويش ونزار قباني الذي يقول فيه: «الجواهري هو ذلك المعمار السومري البابلي العباسي الذي أثبت فقرات القصيدة العربية، ولولاه لبقي ظهر القصيدة العربية مكسوراً حتى اليأس»، أما أدونيس فيقول: «القرن العشرون، القرن الذي احتضن الجواهري وأفرد له مكاناً بارزاً فيه»، كذلك يقول سعدي يوسف: «الجواهري لا يُرثى بل يمتدح، فالجواهري علم الحرية وشهيدها، باني البلد والمنفي عنه»، وكان أيضاً رأي للروائي عبد الرحمن منيف الذي يقول: «يصعب أن نجد شاعراً عربياً انخرط في قضايا عصره كالجواهري، إنه لا يقارن بأي من معاصريه».
كذلك، أصدر فلاح (إبن الجواهري) كتاباً بعنوان «الجواهري... وعيٌ على ذكرياتي» عن دار المدى، بغلاف تزينه لوحة كُتب عليها بيت شعر للجواهري يقول فيه: «فأنت مع الصبح شدو الرعاة/ وحلم العذارى إذا الليل جا». يتماهى عنوان الكتاب مع كتاب الشاعر الجواهري «ذكرياتي» الذي اصدره عام 1988 ودوّن فيه سيرته الذاتية، إذ يقتبس المؤلف منه بعض الذكريات، ويستعيد تفاصيلها ويضيف ذكريات أخرى جعلها امتداداً لها، أو يتماهى مع ذكريات والده ليكتب ما لديه من أسرار. الأرجح أن الجواهري الإبن لم يفعل جديداً بل استعاد ذكريات الجواهري على طريقته من دون أن يضيف شيئاً مهماً عليها، ربما الذكرات هي الوعي فحسب.
جدل الشعر
أصدر الناقد عبد الحسين شعبان كتاباً بعنوان «الجواهري: جدل الشعر والحياة» (دار الآداب - بيروت 2009) وهو قراءة تاريخية (أكثر من كونه قراءة نقدية لشعر الجواهري) في محاور كشف فيها أو من خلالها عن تشكّلات ذاكرة الشاعر الشعرية عبر قصائد بذاتها وجدها تقابل صوراً من الحياة عاشها الشاعر، أو تنزل منزلة تلك الحياة. وإذا كان شعبان تابع في هذه المحاور مفاصل من حياة الجواهري، الإنسان والشاعر، فإنه تابع كذلك تطور علاقته الشخصية به، قارئاً ثم صديقاً، ما يمكن أن نعدّه «سيرة ثنائية» للشاعر موضوع الكتاب، ولمؤلف الكتاب، فهو سحب بعض مواقفه السياسية على موقف الشاعر العام. وتتواشج مع هاتين السيرتين «سيرة» الواقع السياسي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية العام 1921 الى اليوم، بعد وفاة الجواهري بأكثر من عقد. وهي «سيرة» نخلص من خلالها الى أن عهد العراق الملكي (1921- 1958) هو الأفضل من حيث التعاطي مع الإنسان والمجتمع والثقافة قياساً الى «العهود الجمهورية» التي أعقبته، وصولاً الى «عهد الاحتلال الأميركي» القائم اليوم. وثمة كتب أخرى عن الجواهري منها «الجواهري صناجة الشعر العربي في القرن العشرين» لزاهد محمد زهدي، وكتاب «الجواهري والكتب» لصباح المندلاوي...
الأرجح أن الجواهري يحتاج الى قراءة رصينة خارج إطار العاطفة لتفكيك أيقونته الشعرية، فهو مثل المتنبي أو محمود درويش، تحوَّلا صورة في الواقع الثقافي، صورة تغطي أموراً كثيرة خلفها، وهذا ينعكس سلباً على الواقع الثقافي الذي لا يحتمل تقديس أي شيء، بل إن الثقافة يجب أن تكون فكرتها قائمة على تفكيك كل مقدّس.
بيروت - رواد خيرالله
تصوِّر قناة «السومرية» العراقية وثائقي «كبرياء العراق» عن الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري (1900-1997)، تشارك فيها نخبة من الفنانين العراقيين واللبنانيين، من بينهم: عبد الستار البصري الذي يجسّد شخصية الجواهري العامة وكامل ابراهيم الذي يؤدي دور الجواهري في شبابه وأياد الطائي في دور الملك فيصل الأول، ووليد العبوسي في دور نوري باشا السعيد، وطه المشهداني في دور الزعيم عبد الكريم قاسم، وعمار شلق في دور الشاعر ابو الطيب المتنبي وشبل الخوري في دور لورنس العرب.
«كبرياء العراق» دراما وثائقية من سبعة أجزاء بمعدل ساعة ونصف الساعة لكل جزء، فكرة الإعلامي علي أكرم، تأليف أنور الحمداني وإخراجه. وصوِّر الجزء الدرامي من العملل في بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، واستُكمل التصوير في مناطق بعلبك والهرمل وبيروت في لبنان، فيما سيصوَّر الجزء الثالث في العاصمة التشيكية براغ بعد أسابيع قليلة.
عالم الجواهري واسع وزاخر بالتناقضات، من اهتمامه بمديح الزعماء الى كتابته بعض الطقاطيق والقصائد الإباحية التي ربما لا يجرؤ الذين يعدّون الفيلم على روايتها.
ثمة شيء ما في عنوان الفيلم يذكّرنا بسلوكية المتنبي في الحياة وهو كان «الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم». لا يختلف الجواهري كثيراً عن المتنبي في مديح الزعماء والقادة والذات، هو الذي كان منفياً من نظام بلاده، ولكنه في شعره لم يصل الى مصاف المتنبي، ولم يكتب بنكهة خاصة في حياته، وإن عاش تجربة شعرية خاصة في أروقة الدول العربية والعالمية.
الجواهري أحد أبرز الشعراء الكلاسكيين خلال القرن العشرين، كتب مذكراته في ثمانينات القرن الماضي، لكنها غير متوافرة راهناً في المكتبات، في وقت يتسابق بعض أنسبائه وعارفيه وأصدقائه في تدوين كتب عنه كلّ على طريقته، تحمل بعض المعاني والرموز عن حياته وشعره وذكرياته وسيرته الغنية. في هذا الإطار، أصدرت د. خيال الجواهري (ابنة الشاعر الجواهري) كتابها الذي يحمل عنوان «الجواهري... النهر الثالث»، افتتحته برسم للجواهري كتبت تحته «سلاماً أيها الباقي... وأعمار الطغاة قصار»، ثم تأتي المقدمة التي تقول فيها: «مرة أخرى ومن وسط أكداس المقالات والشهادات والدراسات المتنوعة التي نشرت عن الجواهري الكبير بعد رحيله في الصحف اليومية والمجلات والإنترنت... أقتطف وأنتخب باقة منها لتكون بين دفتي كتابي المعنون «الجواهري.. النهر الثالث» وليضاف الى ما سبقه من كتب حملت عناوين: «الجواهري... سيمفونية الرحيل» و»الجواهري... مسيرة قرن»، ولتكون بمجموعها مصادر لا تخلو من الفائدة والمعرفة والتحليل وبما تنطوي على جديد ومبتكر وربما للتعريف بجوانب تكاد تكون مجهولة للقارئ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الحصار الفكري المجحف الذي مورس من النظام الدكتاتوري الدموي على شخصية الجواهري والأبحاث التي تتناول شعره وحياته وعلى مدى عقود عدة».
تضيف الجواهري: «كلي أمل وثقة في أن يلعب مثل هذا التوثيق والتجميع لما ينشر عن الجواهري وطبعه في مطبوع له دوره الإيجابي والفاعل لإلقاء الضوء على محطات ومنعطفات جديدة في حياة الشاعر وشعره وبما يجعل منه معيناً ومنهلاً للباحثين والدارسين لعالمه الشعري والإبداعي ورؤاه المستقبلية وارتباطه الحميم بقضايا شعبنا العراقي والعربي والإنساني... فضلاً عن البيئة التي نشأ فيها وتمرّد عليها، وكل ما له علاقة أو صلة بمراحل حياته المتنوعة والزاخرة بالتناقضات والتعارضات».
أما إطلاق تسمية «النهر الثالث» على الجواهري فكان تماهياً مع النهرين في العراق دجلة والفرات، والعنوان بالطبع ليس من أفكار صاحبة الكتاب، وإنما اقتبسته عن عن رأي للشاعر الراحل محمود درويش بالجواهري، الذي هو «اعتبره أحد أنهار العراق الثلاثة، فهناك دجلة والفرات والجواهري»، وقد أفردت صفحة في آخر الكتاب ضمت أقوال أربعة من الشعراء العرب في الجواهري ومنهم محمود درويش ونزار قباني الذي يقول فيه: «الجواهري هو ذلك المعمار السومري البابلي العباسي الذي أثبت فقرات القصيدة العربية، ولولاه لبقي ظهر القصيدة العربية مكسوراً حتى اليأس»، أما أدونيس فيقول: «القرن العشرون، القرن الذي احتضن الجواهري وأفرد له مكاناً بارزاً فيه»، كذلك يقول سعدي يوسف: «الجواهري لا يُرثى بل يمتدح، فالجواهري علم الحرية وشهيدها، باني البلد والمنفي عنه»، وكان أيضاً رأي للروائي عبد الرحمن منيف الذي يقول: «يصعب أن نجد شاعراً عربياً انخرط في قضايا عصره كالجواهري، إنه لا يقارن بأي من معاصريه».
كذلك، أصدر فلاح (إبن الجواهري) كتاباً بعنوان «الجواهري... وعيٌ على ذكرياتي» عن دار المدى، بغلاف تزينه لوحة كُتب عليها بيت شعر للجواهري يقول فيه: «فأنت مع الصبح شدو الرعاة/ وحلم العذارى إذا الليل جا». يتماهى عنوان الكتاب مع كتاب الشاعر الجواهري «ذكرياتي» الذي اصدره عام 1988 ودوّن فيه سيرته الذاتية، إذ يقتبس المؤلف منه بعض الذكريات، ويستعيد تفاصيلها ويضيف ذكريات أخرى جعلها امتداداً لها، أو يتماهى مع ذكريات والده ليكتب ما لديه من أسرار. الأرجح أن الجواهري الإبن لم يفعل جديداً بل استعاد ذكريات الجواهري على طريقته من دون أن يضيف شيئاً مهماً عليها، ربما الذكرات هي الوعي فحسب.
جدل الشعر
أصدر الناقد عبد الحسين شعبان كتاباً بعنوان «الجواهري: جدل الشعر والحياة» (دار الآداب - بيروت 2009) وهو قراءة تاريخية (أكثر من كونه قراءة نقدية لشعر الجواهري) في محاور كشف فيها أو من خلالها عن تشكّلات ذاكرة الشاعر الشعرية عبر قصائد بذاتها وجدها تقابل صوراً من الحياة عاشها الشاعر، أو تنزل منزلة تلك الحياة. وإذا كان شعبان تابع في هذه المحاور مفاصل من حياة الجواهري، الإنسان والشاعر، فإنه تابع كذلك تطور علاقته الشخصية به، قارئاً ثم صديقاً، ما يمكن أن نعدّه «سيرة ثنائية» للشاعر موضوع الكتاب، ولمؤلف الكتاب، فهو سحب بعض مواقفه السياسية على موقف الشاعر العام. وتتواشج مع هاتين السيرتين «سيرة» الواقع السياسي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية العام 1921 الى اليوم، بعد وفاة الجواهري بأكثر من عقد. وهي «سيرة» نخلص من خلالها الى أن عهد العراق الملكي (1921- 1958) هو الأفضل من حيث التعاطي مع الإنسان والمجتمع والثقافة قياساً الى «العهود الجمهورية» التي أعقبته، وصولاً الى «عهد الاحتلال الأميركي» القائم اليوم. وثمة كتب أخرى عن الجواهري منها «الجواهري صناجة الشعر العربي في القرن العشرين» لزاهد محمد زهدي، وكتاب «الجواهري والكتب» لصباح المندلاوي...
الأرجح أن الجواهري يحتاج الى قراءة رصينة خارج إطار العاطفة لتفكيك أيقونته الشعرية، فهو مثل المتنبي أو محمود درويش، تحوَّلا صورة في الواقع الثقافي، صورة تغطي أموراً كثيرة خلفها، وهذا ينعكس سلباً على الواقع الثقافي الذي لا يحتمل تقديس أي شيء، بل إن الثقافة يجب أن تكون فكرتها قائمة على تفكيك كل مقدّس.