المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عقبات في طريق الديمقراطية في العراق..........................نزار حيدر



سيد مرحوم
09-23-2004, 11:58 PM
عقبات في طريق الديمقراطية
نـــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
وصلت من خلال الكاتب عن طريق الايميل الشخصي

لو سئلت عن عدد الطرق المؤدية الى الديمقراطية ، لقلت أنها بعدد أنفاس الخلائق ، لأن الديمقراطية ثقافة وليست قرارا ، فهي تصنع أولا في عقول الناس ، قيم ومبادئ ، قبل أن تنزل الى الشارع ، مشروعا وخطة ، ولذلك لا يمكن صناعة الديمقراطية بضربة سحرية من عصا موسى ، فنقول لها ، كن فتكون ، وإنما يلزم أن تأخذ وقتا كافيا وزمنا مناسبا ، من دون ضغط أو إكراه ، أو حتى إستعجال ، لأن العجلة ، في مثل حالة الديمقراطية ، ندامة .
وهذا ما يفسر لنا ، ربما ، سبب التفاوت في الوقت ، الذي تستغرقه صناعة الديمقراطية من بلد لآخر ، ومن شعب لآخر .
أو ما يفسر لنا ، ربما كذلك ، سبب ثبات ديمقراطيات ، لفترات زمنية طويلة ، وإنهيار أخرى كلمح البصر ، أحيانا ، قياسا الى زميلاتها الأخريات .
ولكن .. ليسمح لي القارئ الكريم أولا ، أن أذكر النقاط الثلاث الاستراتيجية التالية ، التي أعتقد أن إستذكارها دائما ، يجنبنا مهاوي الانزلاق في أخطاء المشروع ، من جانب ، ومن أجل أن نكون واقعيين ، لا نحلق في فضاءات التنظير والآمال الخادعة والتفاؤل المفرط ، فنصاب ، بالتالي بمرض خداع الذات ، من جانب آخر .
إن من المهم جدا أن ننظر الآن الى الامور بواقعية ، ونقيسها بأحجامها وأوزانها الحقيقية ، من دون إفراط أو تفريط ، ليأت البناء ثابتا وسليما ومعافى من الأمراض المزمنة .
أما النقاط ، فهي ؛
أولا ـ للديمقراطية مستويين ، الأول ، هو مستوى الثوابت الانسانية ، ما يصطلح عليه بعبارة إستاندارد عالمي أو دولي ، والتي لا يختلف عليها إثنان ، كالحرية والمشاركة والمساواة والتعددية والتداول السلمي للسلطة ، وما الى ذلك من القيم الانسانية التي ترتكز عليها الديمقراطية ، وهي ذاتها في كل زمان ومكان ، وعند كل الشعوب التي تنشد بناء النظام الديمقراطي ، فهي لا تتأثر بدين أو قومية أو لون أو جنس أو تاريخ أو جغرافيا أو أي شئ آخر ، ولذلك لا يمكن أن نتصور الديمقراطية من دونها أبدا ، مهما تحجج الحاكم أوتعذر السلطان .
أما المستوى الثاني ، فهو مستوى المتغيرات التي تختلف عادة من بيئة الى أخرى ، ومن شعب لآخر ، إنها مجموعة الوسائل والتكتيكات والأدوات التي يسخرها شعب من الشعوب ، لبناء نظامه الديمقراطي ، ولهذا السبب تعددت أنواع الأنظمة الديمقراطية ، وتنوعت هياكلها ووسائلها ، حتى في أعرق الأنظمة الديمقراطية في هذا العالم ، بل وعلى مر التاريخ .
في المستوى الأول ، لا تجوز المحاججة والمجادلة ولا حتى المجاملة ، لأنها قيم استراتيجية ثابتة ، من المستحيل الاستعاضة عنها بأي بديل محتمل ، فهي حجر الزاوية في الديمقراطية ، إن وجدت في بلد ما ، وجدت معها الديمقراطية ، وإلا ، فلا معنى للديمقراطية أبدا ، فهي ، بمعنى آخر ، لا تتعدى عند القياس أحد لونين ، فإما أسود ـ ديكتاتورية ـ أو أبيض ـ ديمقراطية ـ إذ لا وجود للمنطقة الرمادية في هذا المستوى ، مهما ساقت الأنظمة من أدلة وبراهين لخداع الناس بديمقراطيتها المزيفة أو لتبرير مصادرة حرية الناس أو منعهم من المشاركة في الحياة السياسية ، أو
ما أشبه ، فحقيقة كون أن هذا النظام ديكتاتوريا ، لا تتغير بالخداع والتبرير أبدا
فإذا كان الزعيم لا يتغير في البلد على مدى أجيال ، وإذا كانت المرأة التي هي برأيي كل المجتمع وليس نصفه ، مغيبة عن الشأن العام ، وإذا كان الرأي الآخر مطاردا ومقموعا ، وإذا لم يكن في البلد إلا حزب واحد فقط هو حزب الحاكم والحكومة ، والى جانبه مجموعة من الامعات والدمى على طريقة أحزاب ، لصاحبه ، وإذا كان التمييز العنصري أو الطائفي أو الحزبي والعشائري ، هو سيد الموقف ، فعلى الديمقراطية السلام ، إذ لا يسعنا الا أن نقرأ على روحها الفاتحة ، مهما حاول السلطان تبرير ذلك ، تارة باسم الدين وأخرى باسم الوراثة وثالثة بحجة الخطر الذي يداهم البلاد ، أو الذي يتربص بالامن القومي ، أو بحجج الظروف الطارئة والتحديات الدولية ، أو ما شابهها من هذه الخزعبلات التي توظفها الأنظمة الشمولية لتبرير تشبثها بالسلطة وقمع الناس وتدمير حياتهم ، كما فعل نظام الطاغية الذليل في العراق على مدى نيف وثلاثين سنة عجاف .
إن الديمقراطية ، ممارسات يومية لا يمكن إلا أن يتلمسها المواطن في كل لحظة ، وفي كل حركة وسكنة ، وهي ليست شعارات براقة ، أو كلام فارغ ، أو نظريات مجردة ليخفي الحاكم وراءها أو تحت عباءتها ، إستبداده وظلمه وديكتاتوريته .
لا نقاش في الثوابت ، إذن ، ويبقى النقاش محصورا في المستوى الثاني ، أي مستوى المتغيرات التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار ، عند الحديث عن بناء الديمقراطية ، فلا يجوز تجاوزها أو إغماض العين عنها ، إذا ما أريد للديمقراطية أن تنجح ، ولبنائها أن يكون ثابتا مستقرا ، لا تهزه الأعاصير ، ولا تهوي به الريح في واد سحيق ، لأن تجاوز المتغيرات ، يعني تعمد تجاوز كل ما يساهم في تشكلها ، وفي رسم معالم خصوصيات كل شعب من الشعوب ، كالدين واللغة والموقع الجغرافي والتاريخ والعادات والتقاليد ، وما الى ذلك .
من هنا ، فإن البناء الديمقراطي الناجح ، هو الذي يأخذ بنظر الاعتبار خصوصيات الناس بكل تفاصيلها ، من دون القفز عليها .
أما إذا تعارضت بعض هذه الخصوصيات مع متغيرات البناء الديمقراطي ، فإن من الحكمة بمكان أن يصار الى إصلاح هذه الخصوصيات بالحكمة والموعظة الحسنة ، من دون اللجوء الى العنف والقوة والاكراه ، لأن الخصوصية لا يمكن أن تتبدل نحو الأحسن والأفضل بالقوة ، كما لا يمكن إصلاحها إذا كنت خطأ ، بالعنف والاكراه ، لأن من عادة الناس ، أنهم يتشبثون بماضيهم وتاريخهم وعاداتهم وموروثاتهم الاجتماعية ، التي يتصورونها في كثير من الأحيان ، نصوص مقدسة ، أو أنها جزء من الدين الذي أوحى به الله عزوجل إلى أنبيائه .
إن الرفق في هذه الحالة أمر مطلوب ومحمود ، فهو الحل السحري والدواء الشافي ، لأمراض الناس المتوارثة ، التي تتحول في أغلب الأوقات ، إلى عقبات في طريق البناء الحضاري والتنمية والتطور ، خاصة في بلد ينشط فيه التيار السلفي المتخلف ، وتيارات التكفير والعنف ، التي تحاول توظيف الدين والعادات الموروثة ، في خدمة أهدافها المشبوهة ، أما العنف ، فلا يزيد المشكلة إلا تعقيدا ، والحل إلا بعدا عن الواقع ، كما أنه يساهم في تكريس الخطأ والمرض ، شئنا أم أبينا ، وربما إلى هذا المعنى يشير حديث رسول الله ـ ص ـ بقوله ,, ما وضع الرفق على شئ إلا زانه ، وما وضع الخرق على شئ إلا شانه ،، أو قول الامام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ,, من عامل بالعنف ندم ،، .
ثانيا ـ الديمقراطية بناء ذاتي ، ينبع من ذات الانسان أولا ، وقبل كل شئ ، فهو قناعة وحاجة وشعور ، قبل أن تكون سلعة أو قطع غيار تستورد من الخارج . فالشعب الذي ينشد البناء الديمقراطي ، يلزمه أولا أن يبدأ البناء من ذاته ، ليشيد لبناته الواحدة تلو الاخرى ، ثم تأتي بعد ذلك كل الامور الأخرى ، كعوامل مساعدة تزيد من فرص البناء وتساعد على تشييده وتساهم في نجاحه ، ولذلك فان من المستحيل تشييد الديمقراطية في بلد يرفضها شعبه ، أو لا يتحسس بضرورتها .
إن نقطة إنطلاق التغيير نحو الديمقراطية ، تبدأ من الذات ، ومن ثم تنفتح لتستوعب كل العوامل المساعدة الأخرى ، الى جانب تجارب الآخرين ووسائلهم ، وعوامل النجاح ومقومات الثبات والاستمرار ، أما أن ترفض أمة من الامم الديمقراطية ، ثم تجلس على قارعة الطريق تستجدي المارة ليجودوا بها عليها ، فهذا ليس إلا ضرب من ضروب الخيال ، أو قل ضرب من ضروب الجنون ، لأن الديمقراطية بناء ذاتي أولا وقبل كل شئ ، يشاد في عقول الرجال ، أولا ، وفي نفوسهم وشعورهم وذواتهم ، وربما إلى هذا المعنى كذلك أشار القرآن الكريم في قول الله عزوجل ,, إن الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم ،، ففي الآية إشارة واضحة وصريحة ورائعة ، في آن ، الى رفض إرادة الله عزوجل ، الخالق الجبار ، التدخل المباشر في تغيير حال الامم والأقوام ، إذا لم يبادروا هم بأنفسهم الى إتخاذ الخطوة الاولى ، لتأتي بعد ذلك إرادة الله تعالى ، التي ستساعدهم على تحقيق التغيير الذاتي ، فهي إذن عامل مساعد وليس الأصل في عملية التغيير التي يجب أن تنطلق من الذات والذات فقط .
إن الشعب الذي يهب له الآخرون الديمقراطية ، سوف لن يتمتع بإمتيازاتها أبدا ، لأنه سيشعر وكأنها علبة سردين صدرت له قهرا ، كما أنه سوف لا يبدي أي نوع من الاستعداد للدفاع عنها إذا ما تعرضت للخطر ، لأنه لا يشعر بها كجزء من كيانه ، أو أنها نبعت من ذاته ، بالاضافة الى أنه لا يشعر بكونه قد دفع ثمنا لها ، فلماذا يدفع دما لصيانتها من عبث العابثين ؟. تشبه حالته هذه ، حالة المستأجرة التي تبكي على فقيد الناس بمقدار قيمة ما يدفع لها من أجر .
لنحرص ، إذن ، على أن يأتي البناء الديمقراطي في العراق الجديد ، نابعا من ذات كل مواطن عراقي ، وليدفع كل العراقيين ثمنا من أنفسهم لتشييده ، وليتحسسوا أهميته وضرورته ، من أجل أن يهبوا جميعا هبة رجل واحد للدفاع عنه إذا ما تعرض للخطر ، ولذلك يلزم أن نمنح العراقيين فرصة الحوار والنقاش والسؤال والتعليق وكل ما من شأنه أن يساهم في إشراكهم في عملية البناء ، ليأتي المولود عراقيا ، منسجما مع خصوصيات العراقيين ، غير مشوها أو مشبوه الانتماء الى أحد الأبوين .
ثالثا ـ العراقيون اليوم أمام مفترق طرق ، فإما أن يختاروا الديمقراطية ، لينعموا بفوائدها ويتمتعوا بحسناتها ، هم وأجيالهم القادمة ، أو أن يفشلوا في تحقيقها ، فيعودوا القهقري ويهربوا الى الماضي المظلم ، ليعود الاستبداد والديكتاتورية والانظمة الشمولية ، هي سيدة الموقف ، لتعود معها بالتالي ، الأنفال وحلبجة والمقابر الجماعية والهجرة القسرية والحروب العبثية ، وما الى ذلك .
إنهم أمام فرصة تاريخية عظيمة ، قد لا تعود ثانية إلا بشق الأنفس ، فأي الأمرين سيختارون ؟.
الحقيقة المرة التي يجب أن لا نغفل عنها أو نهرب منها ، هي ، أن تشييد الديمقراطية في العراق ، أمر صعب جدا ، ولكنه ، في نفس الوقت ، ليس مستحيلا أبدا ، وفرق بين أن يكون الهدف ، أي هدف ، صعب المنال أو مستحيل المنال ، فالهدف الذي يستحيل على التحقق لا يسير اليه صاحبه ، أما الآخر صعب المنال ، فإن صاحبه يسير اليه على أي حال ومهما طال الزمن ، وغلى الثمن ، لأنه سيناله أو بعضه ، بالرغم من كل شئ ، ومهما كانت الظروف والتحديات ، لأن بصيص الأمل يشجع المرء على ركوب الصعاب من أجل تحقيق الهدف شريطة أن يتسلح بالوسائل الصحيحة والأدوات السليمة ، وأن يتحلى بطول بال وصبر كبيرين ، وإلى هذا المعنى يشير الامام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ,, ما أعدم الصبور الظفر ، وإن طال به الزمان ،، كما أن عليه أن يتسلح بالهمة والمثابرة ، وفي الحديث الشريف ,, يطير المؤمن بهمته ، كما يطير الطائر بجناحيه ،، . طبعا ، لا أريد هنا ـ بكل تأكيد ـ تثبيط العراقيين ، ليدب اليأس في نفوسهم ، فيتوقفوا عن العمل ويتركوا الهدف ، ولكنني ، في نفس الوقت ، لا أريد أن أخدعهم ، فأسهل لهم الطريق الصعب ، وأبسط لهم الأمور ، فالصديق من صدقك ، لا من صدقك ، بتشديد الدال ، إنما أريد هنا أن أكون واقعيا معهم ، أعرض عليهم الأمور كما أراها ، بمقاييسها الصحيحة والحقيقية ، من دون تبسيط أو تهويل ، أو غش أو خداع ، إذ ,, من غش ليس منا ،، كما في الحديث الشريف ، ليعدوا العدة المطلوبة للهدف ، ويأخذوا بكل أسباب النجاح ، وزيادة، ويفكروا بكل الاحتمالات ، حتى لا يصطدموا في وسط الطريق ، أو يخدعوا بالشعارات البراقة والكلام المعسول وببالونات الأختبار ، فإن من العقل والحكمة أن يعرف المرء كل التفاصل ويرى الصورة كاملة غير منقوصة ، ويقف أمام المرآة السليمة ، وليس أمام المقعرة أو اللامة التي لا تعكس له الصورة الحقيقية ، وإلى ذلك
أشار الامام جعفر الصادق عليه السلام بقوله ,, العارف بزمانه ، لا تهجم عليه اللوابس ،، .
أقول ، إن بناء الديمقراطية في العراق ، أمر صعب مستصعب ، لعدة أسباب ؛
ألف ـ تركة النظام الشمولي البائد ، الذي خلفها وراءه ، بعد حكم إستبدادي ديكتاتوري دام أكثر من ثلاثة عقود من الزمن .
لقد ترك النظام البائد ، آثارا سلبية كثيرة ، تجذر بعضها في شخصية الانسان العراقي عبر عدة أجيال ، وليس من السهل كنس هذه الآثار بين ليلة وضحاها ، بل يلزم العمل ليل نهار من أجل إعادة صياغة الشخصية العراقية الجديدة بكل تفاصيلها ، وعلى مختلف الأصعدة ، وعلى رأسها الصعيدالفكري والثقافي والاخلاقي والاجتماعي ، بما يتلاءم ومتطلبات ومقومات الديمقراطية ، التي تتناقض مع النظام الشمولي جذريا ، إذ لا مجال للتزاوج بينهما أبدا .
المطلوب ، تغيير طريقة تفكير الانسان العراقي ، وأسلوب تعامله مع الآخرين ، وكيفية رؤيته للحدث ، لينبذ ، مثلا ، التعصف الأعمى والحقد والعنف في معالجة الامور ، وحديث التكفير والتخوين والاحتقار والاستصغار ، والسباب والتهجم غير المبرر والاستهزاء بآراء الآخرين ، مهما إختلف معهم ، إن كل ذلك يعد من مخلفات سياسات النظام البائد التي يجب أن ننظف منها العراق ، كما ننظفه من أسلحة الدمار الشامل واليورانيوم والسموم .
وإذا أضفنا الى مخلفات النظام البائد ، التركة الثقيلة التي توارثها العراقيون من تاريخهم الذي تراكمت في صفحاته وكتبه ووقائعه ، صور الفوضى أو الاستبداد ، فسنعرف كم هي معقدة مسؤولية إعادة البناء ، التي لو عرضت على الجبال لأشفقن منها .
باء ـ طبيعة البديل الذي حل محل النظام الشمولي البائد ، وأقصد به حركة المعارضة العراقية ـ سابقا ـ . فالبديل الذي أعرفه عن قرب ، بتياراته وتنظيماته وزعاماته ورموزه وشخصياته ، لا يختلف كثيرا ، وللأسف الشديد ، عن النظام البائد ، في الكثير من ثقافاته وأساليبه ووسائله ، وأحيانا حتى في أهدافه وطريقة تفكيره ، وذلك بسبب إسقاطات النظام البائد عليه طوال عقود متمادية من الزمن ، فليس البديل إلا نتاج الواقع العراقي بكل مشاكله وتناقضاته ، فهو لم ينزل علينا من السماء ، وإنما ولد ونمى وترعرع في هذا الواقع ، خاصة وأن بعضه من إفرازات النظام البائد مباشرة ومن دون واسطة .
إن من الصعب جدا ، أن ينجو معارضا لنظام شمولي ، كنظام الطاغية الذليل ، من إسقاطاته ، سواء في الوسائل والأساليب ، أو في الشعارات والأهداف وطريقة التفكير ، فلقد أثبت علماء الاجتماع ، بمشاهداتهم ودراساتهم وبحوثهم العلمية الرصينة ، أن الضحية يصاب ، في كثير من الأحيان ، بأمراض الجلاد ، خاصة على الصعيد النفسي والمعنوي ، فهذا إبن خلدون ، عالم الاجتماع المعروف ، مثلا يقول ، ـ إن المغلوب يقلد الغالب ، للاعتقاد بكماله ، فهو يقلده في شعاره وزيه ونحلته وسائر عوائده ـ ، ولهذا السبب ربما ، أصيبت حركة المعارضة العراقية ـ الأحزاب السياسية العراقية حاليا والتي تبوأت مقاعد السلطة بعد سقوط النظام ـ بالكثير من أمراض النظام البائد ، بصورة باتت تقلق المواطن العراقي كثيرا ، والذي لم يلمس حتى الآن أي فرق جوهري بين الماضي والحاضر، لدرجة أن الكثير من العراقيين بات مقتنعا ، بأن الواقع ذاته لم يتغير ، إنما الذي تغير هو الأسماء والمسميات والعناوين والأشخاص ، وأن الذي تغيرهو القشور ، أما الجوهر واللباب ، فلم يتغير منه شيئا ، وهذا هو أخطر ما يمكن أن يمر بخاطر العراقيين .
صحيح إن الأحزاب السياسية العراقية ـ حركة المعارضة العراقية سابقا ـ هي ضحية النظام البائد ، إلا أنها في الحقيقة لم تكن لتخف إعجابها به ، وبشخص الطاغية الذي يقلده الآن بعض ضحاياه بمجرد أن تسنموا موقعا أو مسؤولية ، فنراهم يوميا وهم يحاولون تقليده بطريقة الحديث وحركات اليد ، بل وحتى بالمصطلحات التي طالما كان يكررها الطاغية ، ويبقى أن يقلد مثل هؤلاء ، وبعضهم وزراء ومحافظين في العهد الجديد ، ضحكاته ، بعد أن قلدوا طريقة أزلامه في إدارة الاجتماعات ، عندما إستخدموا الأيدي والأرجل كوسيلة للتفاهم فيما بينهم ، كما حدث ذلك في الاسبوع الماضي في أحد إجتماعات الحكومة الانتقالية الموقتة ، والتي أصيب بها أحدهم بضربة كم في إحدى عينيه ، فيما أصيب آخر بكسر في يده .
ولشدة إعجاب هؤلاء بالطاغية الذليل ، طالما كان يتكرر إسمه في الاجتماعات الحركية والحزبية والجبهوية وأمثالها ، بصفته ـ الرجل ـ الحاسم والقادر على ضبط الامور مثلا أو ما أشبه ، ولذلك حاول الكثير من الزعامات ـ عن قصد أو من دون قصد ، لا أدري ـ تمثل صفاته وخصوصياته ، خاصة على صعيد الفكر الشمولي ، ولهذا السبب إستبد الزعماء ، وتحولت تنظيماتهم وأحزابهم إلى تيارات شمولية ، لا ترى إلا نفسها ، ولا تعترف إلا بزعاماتها ورموزها ، الأمر الذي أصابها بمرض التمزق والتفرق المزمن ، والذي رافق مسيرتها طوال الوقت ، كما تسببت الديكتاتورية في التنظيم ، وإستبداد القادة والزعماء ، بإنتاج مرض خطير آخر ، ألا وهو مرض الانشقاقات التي أصيبت بها طوال الوقت لدرجة الهبوط الى الحالة الأميبية ، فكان التنظيم ينقسم على نفسه حوليا ، كما كان الاثنان ينقسما على نفسهما ليعلنا عن تشكيل ثلاثة أحزاب ، وكل ذلك بسبب الديكتاتورية التي إنتقلت من الجلاد الى الضحية ، والتي عادة ـ أقصد الديكتاتورية ـ لا تستوعب الآخر ولا تصغ الى المخالف ، ولذلك ، فكلما كان يشهد حزب إنشقاقا ، كانت الفروع تنشق على نفسها كذلك ، وهكذا ، ولأن الاصل والفرع ، كل يدعي الشرعية ، وتمثيله لمبادئ الحزب لحظة التأسيس ، رافضا تغيير الاسم ليتميز عن صنوه ، إنتهت بهم الاسماء الى طريق مسدود ، فلم يعد المائز بين تنظيم وآخر إلا بحرف جر فقط ، كأن يكون حرف الجر ـ في ـ أو ـ بـ ـ ، أو ما أشبه .
طبعا ، حصل هذا لكل التيارات ، الاسلامية منها والقومية واليسارية التي تسمي نفسها بالديمقراطية كما حصل ذلك للأحزاب التي تسمي نفسها بالأساسية ، والأخرى التي ترفض وصفها بغير الأساسية ، وكل ذلك ، وغيره الكثير يدلل على أن الخلف يتطابق ، وللأسف الشديد ، الى حد بعيد مع السلف ، فكيف ، يا ترى ننتظر منه أن يصنع للعراق الجديد ديمقراطية حقيقية ، وهو الذي رأيناه كيف سقط في أول إختبار للمصداقية ، إبان تجربة مجلس الحكم المنحل ، فبين متهالك وضعيف في الشخصية وصاحب نظرة حزبية ضيقة ، ضاعت الكثير من حقوق العراقيين ؟.
إن فاقد الشئ لا يعطيه ، فكيف يمكن أن يصنع البديل نظاما ديمقراطيا ، وهو الذي لم يؤمن ، أو يتعامل ، مع مبادئها ، في وسطه الحزبي الداخلي ، فهل يمكن أن يتعامل بها مع الآخرين ؟.
كلنا يتمنى ذلك ، وإن كنا نشك في قدرتهم وإرادتهم .
إن التنظيم أو الحزب الذي لم يشهد في صفوفه ، أية عملية إنتخابية حقيقية ، لاختيار زعاماته أوهيئاته القيادية والتنفيذية طوال حياته ، والتي تمتد أحيانا لعشرات السنين ، هل سيقتنع فيتشجع للجوء الى صندوق الاقتراع ليتنافس مع الآخرين ؟.
نتمنى ذلك مرة أخرى ، وإن كنا نشك في ذلك ، إذ ربما يتعلم هؤلاء من تجاربهم النضالية العريقة ، أو على الأقل ، يأخذوا العبرة من النهاية التي آل اليها الطاغية الذليل ونظامه وزبانيته .
حقا ، إنها لمصيبة عظمى أن لا يلمس العراقيون ، فرقا بين العهدين ، بعد كل الذي جرى ، لأن ذلك يصيبهم بالأحباط الشديد لدرجة اليأس ، ربما ، من التغيير الجذري والحقيقي .
جيم ـ محيط العراق ، الذي يتشكل بمجمله ، من أنظمة شمولية بدرجة أو بأخرى ، بالاضافة الى محيطه العربي والاسلامي ، فالديمقراطية بالنسبة له ، شذوذ مستهجن ، لا يحق للعراقيين أن يختاروه أبدا ، ولذلك يدفع هذا المحيط ، باتجاه عرقلة بناء الديمقراطية في العراق الجديد ، من خلال التحريض على العنف والارهاب والقتل والاختطاف ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، وبتوظيف كل الوسائل القذرة والادوات الوسخة ، وبظل كل الشعارات واللافتات ، حتى الدين والفتوى الدينية سخرها هذا المحيط ليجهض الحمل ويقتل الجنين في بطن أمه .
إن محيط العراق ، ومعه الانظمة العربية ، يعتبر الديمقراطية أكبر تحدي له ، ولذلك نراه كيف يفعل المستحيل ، من أجل صد العراقيين عن مواصلة المشوار بالاتجاه الصحيح ، وهو بذلك يختلف جذريا عن محيط المانيا أو اليابان ، بعد الحرب العالمية الثانية ، والذي كان محيطا ديمقراطيا ، النازية فيه شذوذ ، فكان يتطلع لرؤية المانيا أو يابان ديمقراطية ، ولذلك ، عندما سقطت النازية في المانيا ، ساعدها محيطها على بناء النظام الديمقراطي ، أما في حالة العراق ، فالعكس هو الصحيح تماما ، لأن محيطه يتصور بأن الديمقراطية في العراق تحد كبير ورهيب ، وعدو لدود لأنظمته الاستبدادية الديكتاتورية الشمولية ، بدرجة أو بأخرى ، ولذلك ، لم يكتف هذا المحيط بالكف عن مساعدة العراقيين في محنتهم وتجربتهم الجديدة ، بل عمد الى فعل كل ما من شأنه أن يدمرهم ، ويقضي على الأمل

نعم ، لقد كان النظام البائد من سنخ محيطه ، ولذلك كان مقبولا ، لأن الطيور على أشكالها تقع ، فرأينا كيف دعمه محيطه بكل أسباب القوة والاستمرار ، المادية منها والمعنوية ، ومن دون أن يصغ لصرخات الضحايا ولا لحظة واحدة ، أما العراق الديمقراطي ، فسيكون كالطير الذي يغرد خارج سربه ، ولذك فهو مرفوض جملة وتفصيلا ، لأن الديمقراطية بالنسبة لهذا المحيط الشمولي حرب مصيرية ، وهي حرب وجود وليست حرب حدود ، حتى يمكن التفكير بالتنازل عنها إلى حين ، مثلا . لقد دفع هذا المحيط البائس بموجات العنف والارهاب بدرجة مرعبة ، فالأردن مثلا لم يأل جهدا في دعم مجموعات العنف والارهاب التي دخلت العراق من حدوده المفتوحة ، كما لم يوفر فرصة إلا ووظفها لتصفية حساباته مع خصوم مفترضين ، لصالح النظام البائد وأزلامه وأعوانه ، أو لصالح أجهزة مخابرات إقليمية أو دولية تتأبط شرا بالعراق ، ناسيا أو متناسيا بأن تدمير العراق سيأتي من بعده الطوفان الذي سيغرقه ومن معه .
دال ـ إسرائيل التي لا تريد أن ترى دولة قوية في المنطقة ، وعلى أي صعيد كان ، سياسيا أو إقتصاديا أو أمنيا أو ما إلى ذلك .
ومن المعلوم ، فإن الديمقراطية مصدر قوة وثبات وإستقرار ، لأية دولة في هذا العالم ، تختارها كنظام حكم ، كما أن الديكتاتورية مصدر ضعف وتخلف وقلق ودمار ، لكل شعب يبتلى بها ، ولذلك فإن قيام نظام ديمقراطي في العراق ، سيكون ، بلا أدنى شك ، سببا لقوة العراق وشعبه ، كما أنه سيكون عامل تنمية وتطور وتقدم واستقرار ، وكل هذا ما لا تريده إسرائيل أبدا ، وهي التي بنت كيانها واستمرت في وجودها ، على أساس تحقيق مبدأ أو نظرية التفوق على دول المنطقة ، فكيف يا ترى ، ستترك العراق يفلت من هذه الحلقة ، فتتركه وشأنه ، يبني نظاما ديمقراطيا ، يؤهله ليكون دولة قوية ، بشعب آمن منتج ، ونظام مستقر ؟. سيظل وجود إسرائيل في المنطقة ، عائقا مباشرا يحول دون إقامة نظام ديمقراطي ، سواء في العراق أو في غيره ، خاصة في ظل دعم إقليمي ودولي واسع لها .
هاء ـ إن الديمقراطية في العراق ، ستقلب معادلة سياسية حاكمة متوارثة على مدى أجيال وأجيال ، ستقلبها رأسا على عقب .
لقد حكمت الأقلية العراق ، قرونا طوال ، لأن كل الأنظمة التي تعاقبت على حكمه ، لم تنبثق عن صندوق الاقتراع ، ولم يختارها العراقيون بأنفسهم ، إنما فرضت عليهم فرضا ، إما باسم الشرعية الدينية ، أو بمؤامرات القصور الحاكمة ، أو بالانقلابات العسكرية ـ السرقات المسلحة ـ ، وظل العراق على هذه الحالة طوال تاريخه ، يئن تحت سلطة الأقلية التي أقصت الأكثرية عن السلطة ، فهل سيتمكن العراقيون هذه المرة من إغتنام الفرصة الذهبية ، ليبنوا نظام حكم ديمقراطي ينبثق عن صندوق الاقتراع بانتخابات حرة ونزيهة ، لا يميز بين مواطن وآخر ، إلا على أساس الكفاءة والنزاهة والتجربة والقابلية على الانجاز الصحيح والسليم ، وأن كل العراقيين فيه سواسية ومن الدرجة الاولى ، لا فرق بين عربهم وكردهم وتركمانهم وكلدانهم وآشوريهم ، ومسلمهم ومسيحيهم وشيعيهم وسنيهم ، بل أنهم شركاء في هذا الوطن ، يتقاسمون خيراته ويدافعون عنه ، ولا يفرطون في وحدة شعبه وأرضه ؟.

سيد مرحوم
09-24-2004, 12:00 AM
من الممكن ذلك ، ولكنها مهمة صعبة للغاية ، تتطلب الكثير من الحكمة والعقلانية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح الأخرى ، إذ ليس من السهل أبدا ، أن تغير نظاما سياسيا موروثا على مدى قرون طويلة ، بأيام أو أشهر ، أو حتى سنين ، لأن الأمر يتطلب عملية تمرين وترويض لعقلية قديمة من أجل أن تقبل وتستوعب الشئ الجديد الذي يتشكل في البلد ، ولذلك يلزم العراقيين أن يتحلوا بالصبر والمثابرة ، من أجل بناء معادلة سياسية جديدة ، تختلف جذريا عن الموروث التاريخي العتيد ، قوامه ، حكم الأكثرية ، مع عدم الغاء دور الأقلية أبدا ، والشراكة الحقيقية العادلة لكل مكونات الشعب العراقي .
واو ـ كذلك ، فإن تشييد نظام ديمقراطي في ظل الاحتلال الأميركي ، يعد ، هو الآخر ، مهمة شاقة وعسيرة ، فلقد أثبت الأميركيون طوال الأشهر الـ 18 الماضية ، إما أنهم يجهلون طبيعة العراق ولا يفهمون خصوصيات العراقيين ، لدرجة الغباء أحيانا ، أو أنهم لا يريدون أن يفوا بالجزء الثاني من إلتزامهم أمام العراقيين ، والذي شنوا بسببه الحرب وأسقطوا النظام الشمولي البائد ، وأقصد به
المساعدة على إقامة الديمقراطية في العراق ، ليكون مثالا يحتذى في بقية دول المنطقة .
لقد إرتكبت الولايات المتحدة الأميركية من الأخطاء الفضيعة ، ما فضحها ، وشكك في مصداقيتها الى درجة كبيرة ، فهل يا ترى سيواصل الأميركيون ، المشوار مع العراقيين ، وهم يشيدون نظامهم الجديد ، من دون أن يتدخلوا في شؤونهم ، أو يفرضوا عليهم ما يتناقض مع قيمهم ومبادئهم وعاداتهم وتقاليدهم ؟ ، أم سيظلوا يتدخلون بكل التفاصيل ، حتى النهاية ، ويحاولوا فرض خططهم وتجاربهم وقيمهم الخاصة على العراقيين ، ما يعرضهم لخطر مواجهة ثورة شعبية عارمة ضدهم ، فيأتوا على كل شئ ، ويتحول العراق والمنطقة الى مقبرة جماعية كبيرة لجنودهم وخبرائهم ورجالهم ، كما حصل لزملائهم البريطانيين مطلع القرن الماضي ، بعد أن نفد صبر العراقيين ، وطفح الكيل ، بسبب أخطائهم ، ومماطلاتهم التي كشفت عن زيف كل الشعارات البراقة التي وردت في بيان إحتلال العراق ؟.
لا زال الرئيس بوش وأركان إدارته يكررون يوميا أغلظ الأيمان لاقناعنا بأنه لا زال ملتزما بتنفيذ وعوده التي قطعها على نفسه أمام العالم ، والعراقيين على وجه التحديد ، ولكن ، ويا للأسف فان الممارسة اليومية تكذبه جملة وتفصيلا ، وأن العراقيين لم يعودوا يثقوا بما يقول ، وهم بانتظار أن يجدوا منه أفعالا وليس أقوالا ، فلقد مل العراقيون الكلام المعسول والوعود الفارغة ، وبقي على الرئيس بوش الذي يتصور بأن خالقه إختاره ليؤدي مهمة عظيمة تتمثل بانقاذ البشرية من العبودية وتحريرهم من الأغلال والاستبداد ، أن يصدق أقواله بأفعال حقيقية .
لقد ذهب الأميركيون إلى العراق وفي خطتهم إقامة نظام علماني ، لاعتقادهم بأن العلمانية شرط من شروط العولمة الجديدة ، ومن الواضح لكل ذي عين بصيرة ، أو ألقى السمع وهو شهيد ، أن العراقيين يرفضون العلمانية بكل أشكالها ، لقوة حضور الدين في الحياة الفردية والعامة للمواطن العراقي ، فهل يا ترى ، ستنجح واشنطن في إقناع العراقيين بمشروعها العلماني ؟ أم أن العراقيين سيقنعونها بضرورة التخلي عن ذلك ، فتصر الأخيرة ، ويصر العراقيون ، فتتوسل أميركا بسياسة القتل والعقاب الجماعي وممارسة الارهاب ، لحين إخضاع العراقيين للقبول بكامل مشروعها السياسي ، بما في ذلك العلمانية ، أو التخلي عن العراق ، بعد فتح أبواب كل الاحتمالات على مصراعيها ، بما فيها النفخ في نار الحرب الأهلية ؟.
أغلب الظن ، أن صندوق الاقتراع سوف لن يلد أصدقاء لأميركا ، ولذلك تراهم مترددين في اللجوء اليه ، فهم يحسبون للخطوة ألف حساب وحساب ، قبل أن يقدموا عليها ، فيتورطوا بنتائجها ، وتجربة الجزائر مع صندوق الاقتراع ماثلة أمامهم ، لا تفارقهم لحظة واحدة .
إنهم يفكرون بصورة جدية في الالتفاف على صندوق الاقتراع ، ولكن هذه المرة بصورة شرعية من خلال الاستفادة من تجربة آليات الامم المتحدة ، وهم في وارد ، ربما ، تكرار تجربة تشكيل المجلس الاستشاري الحالي الذي انبثق عن المؤتمر الوطني العام ، لضمان أغلبية مريحة ، مستعدة للالتزام بما يملى عليها من مشاريع ترد اليها من مبنى السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء في العاصمة العراقية بغداد .
كذلك ، فإن من غير المستبعد أن تساوم الولايات المتحدة الأميركية على الديمقراطية في العراق ، مع أصدقائها في المنطقة والعالم العربي ، من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية ، أو حتى مع أصدقائها في العراق ، الذين بعث لهم الرئيس بوش رسالة تطمين بيد ملك الأردن ، عبد الله الثاني ، خلال زيارته الأخيرة الى واشنطن قبل عدة أشهر .
ولقد تكشفت بعض فصول هذه المساومات المحتملة ، منذ أن سلم الرئيس بوش ملف العراق إلى وزارة الخارجية الأميركية ، ومن ورائها وكالة المخابرات المركزية ، التي تتبنى أنظمة المنطقة ، وخاصة النظام في الأردن ، بشكل مفرط ، ربما لأنها صنائعها ، فلا يعصون لها أمرا ، وهي المعروف عنها أنها لا تدخل في حساباتها ، عادة ، إلا الأنظمة والسلطات ، من دون أن تأخذ بنظر الاعتبار ، مصالح الشعوب أو حتى حالاتهم ، كما فعلت مع النظام البائد طوال نيف وثلاثين عاما ، حتى طفح الكيل ، وانقلب السحر على الساحر .
والسؤال ، أية ثقافة تصنع الديمقراطية في العراق ؟.
هذا ما سأجيب عنه في مقالة أخرى بإذن الله تعالى .
September 20 / 2004