المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "العلاج بالمحبة": وصفة مدينة بلجيكية لمن يعاني من اضطراب نفسي



yasmeen
05-23-2010, 03:10 PM
http://www.alaalem.com/admin/upload/irq_357482916

مبنى البرلمان البلجيكي الذي شيد عام 1783 ويعد احد ابرز معالم العاصمة بروكسل (ارشيف)

بروكسل - وسيم ابراهيم

تشكل مدينة غيل البلجيكية حالة عالمية فريدة بفضل مواظبة عائلات كثيرة فيها على استضافة اشخاص مصابين بأمراض عقلية ونفسية ليعيشوا معهم، في تقليد توارثوه منذ قرون، ما جعل منظمة الصحة العالمية تعتبرها "مجتمعا مثاليا" للعلاج الطبيعي، لكنها صارت ايضا مصدرا لسخرية البلجيكيين بعدما ألحقوا بها وصمة "مدينة المجانين".

هذا النوع من الرعاية التي يقدمها المجتمع للمرضى اطلق عليه اسم "العلاج بالمحبة". ففي هذه الايام، تستضيف 350 عائلة في هذه المدينة الصغيرة الواقعة شمال بلجيكا اشخاصا مصابين بأمراض عقلية ونفسية ليعيشوا معهم كباقي افراد الاسرة. والمدينة تضم عددا من المستشفيات المتخصصة بعلاج الامراض العقلية والنفسية. تنظم جمعية "او بي زد" (المركز العام للعناية العقلية) المتخصصة هذا النشاط، كما تدير مراكز تشغيل للمرضى تتيح لهم ان يشغلوا وظائف تبعا للوضع الصحي لكل منهم.

ويقول يوهان كلايس المتحدث باسم "او بي زد" في حديث لوكالة فرانس برس ان هناك "عددا من الشروط الاساسية" ينبغي توافرها في أي عائلة تريد استضافة مرضى، أولها ألا يكون مكان سكن العائلة بعيدا عن تجمع المشافي، بحيث "يقدر المريض ان يكون في المشفى في غضون نصف ساعة اذا حدثت اي مشكلة". وأن توفر العائلة غرفة خاصة ومريحة للمريض. واضاف كلايس "لا مشكلة ان كانت العائلة مكونة من زوجين، او كان احد الزوجين غير موجود، او كان الزوجان مثليين"، لكن الشرط الاول والاخير يبقى ان تكون العائلة "مستقرة وقوية نفسيا".

لذلك، تؤكد الجمعية للعائلات التي تعرض الاستضافة ان "اهم شيء هو الاستعداد لقبول شخص مريض كفرد في العائلة، يشاركهم كل تفاصيل حياتهم، يشاهد معهم التلفزيون ويأكل معهم على الطاولة نفسها".

وفي تقرير صدر عام 2001، ذكرت منظمة الصحة العالمية ان مدينة غيل هي "احد افضل الامثلة على قدرة المجتمع على معالجة المصابين بالامراض العقلية"، وانها "أقدم مجتمع يوفر علاجا طبيعيا للامراض العقلية في العالم الغربي".

وجاء في التقرير ان "المرضى يعيشون مع العائلات في تقليد يسود منذ القرن الثالث عشر، وتعود جذوره الى القرن السابع". ويرتبط هذا التقليد بقصة يرويها اهل غيل عن ابنة ملك ايرلندي تدعى "ديمبنا"، وصلت الى مدينتهم هربا من والدها الذي اراد الزواج منها بعدما وصل الى حالة من الجنون عقب وفاة زوجته.

وتقول الرواية ان الاميرة عاشت في مدينة غيل مع مرضى عقليين، لكن الملك تمكن من العثور عليها، وقتلها مع الكاهن الذي ساندها في رفض الزواج. واليوم، توجد في وسط المدينة كنيسة تحمل اسم "القديسة ديمبنا"، ويسود اعتقاد بانها "شفيعة" المصابين بأمراض عقلية، فيتقاطر اليها ذوو المرضى مع مرضاهم طلبا للشفاعة.

وتشهد المدينة خلال شهر ايار (مايو) الحالي احتفالات استعراضية كبيرة، ومعارض تتيح الاطلاع على طريقة "العلاج بالمحبة" ومقابلة العائلات التي تستضيف المرضى، وتقام هذه الاحتفالات مرة كل خمس سنوات.

ويفخر اهل هذه المدينة بما يقومون به، مثل جوزفين انغلن السيدة السبعينية التي استضافت عددا من المرضى، وهي تقول عن هذه التجربة "عشت سعيدة دائما لاني لم احس مرة ان اولادي تركوا البيت. كنت محاطة دائما بمن عاملتهم كاولادي". وتروي جوزفين بفخر كيف انها نشأت في عائلة طالما نظرت الى المرضى على انهم "اصدقاء واخوة"، وتضيف "عاش مع جدتي تسعة مرضى، وفي الماضي رفضت اللباس الرمادي الموحد الذي كانوا يوزعونه عليهم، وبفضل معارضتها صار المرضى يلبسون كغيرهم".

وتؤكد الجمعية المنظمة ان المرضى المهيئين للعيش مع العائلات جميعهم "في مرحلة مستقرة من المرض"، وتلفت الى ان وجودهم ضمن عائلات "يمكنهم من التعبير عن نفسهم بشكل افضل كونهم يعيشون حياة طبيعية، ويجعلهم يحسون بسعادة تأتي من شعورهم باهتمام الآخرين بهم".

وتحصل العائلات المستضيفة على مساعدة من الحكومة ترواح بين 500 و600 يورو تقريبا، وهذه المساعدة تم اقرارها بمرسوم ملكي صدر عام 1991. وتلفت العائلات المستضيفة ان هذه المساعدة ليست أجرا بل "مصروفا للمرضى"، بينما تفاوض جمعية الرعاية الحكومة منذ سنوات لزيادة المساعدة كونها "لم تعد تتناسب مع تكاليف الحياة".

لكن استضافة المرضى ألحقت بمدينة غيل وصمة قد لا تمحى، فكثيرون يعرفونها على انها "مدينة المجانين". من هؤلاء ليزيت، وهي سيدة ستينية مقيمة في بروكسل، جاءت لحضور احتفالات المدينة مع صديقتها المقيمة في بلدة قريبة من غيل، ولدى سؤالها ما الذي كانت تعرفه عن المدينة قبل زيارتها، اجابت ليزيت بتردد وخجل "هناك نكات كثيرة عن مجانين غيل"، أما صديقتها فتروي بمزاح كيف بكت طويلا في صغرها عندما علمت انها ستدرس في غيل، وكيف كانت تعترض على ذلك قائلة لأهلها "هل تريدون مني ان أدرس عند المجانين؟"

يذكر سكان المدينة ان وجود المرضى فيها ادى الى شيوع نوع خاص من السياحة بعد الحرب العالمية الثانية، اذ كان البلجيكيون يأتون على أمل ان يعيشوا المغامرات التي كانوا يسمعونها عن "مجانين غيل"، ويروي اهل المدينة ان ذلك كان يسبب مشاحنات كثيرة بينهم وبين السياح الذين كانوا يسعون للضحك حتى لو على حساب استفزاز المرضى ومضايقتهم.