المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حالات الطلاق في العراق في إزدياد مضطرد



بركان
05-23-2010, 02:12 PM
نسبة الظاهرة العام 2009 بلغت 65%

صباح الخفاجي

gmt 2010 الأحد 23 مايو



تشير الإحصائيات إلى أن ظاهرة الطلاق في العراق تزداد بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يعتبر تهديدًا على بنيان هذا المجتمع، إذ بلغت نسبة هذه الظاهرة العام الماضي 65%، بواقع 820 ألف و453 حالة.

بغداد: نتيجة جملة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية عرفها العراق في السنوات الأخيرة، تفاقمت ظاهرة الطلاق حيث تعرضت الكثير من الأسر للتفكك مما أدى إلى إلحاق العديد من الأضرار في المجتمع وبنيانه.

ويعزو مختصون السبب في تفاقم ظاهرة الطلاق في العراق إلى الانفتاح الذي بدأ يشهده هذا البلد بعد العام 2003، والذي قاد بدور لتبدل الكثير المفاهيم المجتمعية، إذ بات المجتمع مثلاً لا يعتبر الطلاق عيبًا، إضافة إلى دخول الفضائيات والمسلسلات الأجنبية لبيوت العراقيين، وما تتضمنه من أفكار وأحداث تؤكد أن الطلاق ظاهرة عادية. وهو ما دفع العراقيات لتقبل أمر الطلاق كحادثة عابرة.

يقول المحامي حسام الغراوي: "إن العراق شهد ارتفاعًا هائلاً في نسبة حالات الطلاق. حيث تقع في محاكم بغداد الرصافة في الكرادة والمحاكم التابعة لها ملحقا بها الزعفرانية قرابة 20 إلى 50 حالة طلاق يوميًا!".

ولفت العزاوي إلى صعوبة الحصول على أرقام وإحصائيات دقيقة حول العدد الكلي لحالات الطلاق. لكن ارتفاع حالات الطلاق أصبحت ظاهرة خطيرة لها تهديداتها حال مشكلة الأرامل.

وأضاف: "يقع الطلاق بين الفئات العمرية التي تتراوح بين 28-38 سنة. وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة ارتفعت حالات الطلاق بشكل هائل. وربما يمكن إيجاد حالة طلاق واحدة بين كل حالتي زواج أو ثلاثة. والأمر يشمل تقريبا كل محافظات العراق دون استثناء.

على الرغم من حصول تفاوت في الأرقام . فقد سجلت أرقام في محكمة الأحوال الشخصية في مدينة ميسان من 52-75 حالة طلاق يوميًا. أما الانبار فسجلت 35-42 حالة طلاق يوميًا. وكربلاء أكثر من 45 حالة طلاق يوميًا، وهكذا في عموم محافظات العراق.

وصول المشاكل الزوجية للمحكمة يعني الطلاق

وأشار الغراوي إلى أن وصول المشكلة بين الزوجين في العراق يعني في الغالب وقوع الطلاق. مبينًا أن دور الباحثة الاجتماعية غير فعال. لان وضيفتها إصلاح ذات البين بين الزوجين وإبعاد الطلاق. وهو أمر لا يحدث، مما شجع على وقع الزوجة او الزوج تحت سيطرة المحامية او المحامي، اللذين يدفعان بشدة نحو وقوع الطلاق.

وفسر الغراوي ذلك بالقول: "تأتي الزوجة إلى المحكمة لرفع دعوى طلاق على زوجها. ويتم ترشيح محامية لرفع الدعوى. وتبادر المحامية المعنية بتجميل الطلاق للزوجة وإطلاق سيل من الوعود بقدرتها على استحصال اعلي معدل بالنفقة والحضانة والطلاق القضائي وغيره من إجراءات تسهل الطلاق. بالمقابل يلجا الزوج إلى محام فينصحه المحامي برفع دعوى مطاوعة واسترداد حضانة والج. مما يؤدي إلى تعقد العلاقة بين الزوجين وزيادة في عدد الدعاوى المرفوعة لصالح المحامين".

الطلاق مصدر رزق للمحاميات وكاتبي العرائض

وحسب الأرقام والإحصائيات فقد أصبحت دعاوى الطلاق مصدر رزق كبير للمحاميات والمحاميين وكاتبي العرائض الذين يصطلح على تسميتهم محليًّا (عرضحالجية) هم الذين يجلسون عند أبواب المحاكم .

وقال الغرواي: "(العرضحالجية) يتفقون مع المحاميات والمحاميين بالترويج لهم مقابل مبالغ مالية عالية يحصلون عليها. وتعمد المحاميات بشكل خاص والمحامون إلى توزيع أرقام هواتفهم وبطاقاتهم التعريفية على العرضحالجية الذين يعترضون طريق المراجعين ليروجوا لمحامية أو محامي دون غيره.

ويضيف: "وهكذا تسقط الزوجة أو الزوج في براثن كاتب العرائض والمحامية وتتخصص اغلب المحاميات في العراق في الدعاوى الشخصية. الأمر الذي دفع بالمحامي حسام الغراوي إلى تحميلهن مسؤولية وقوع الطلاق بنسبة 91%. وعن ذلك يقول: تعمد المحاميات إلى إقناع الزوجة برفع أكثر من دعوى قضائية على أزواجهن لكي يحصلن على أجور وأتعاب اكبر من كل قضية فكلما زاد عدد الدعوى كلما ارتفعت الأجور والأتعاب. وتقرب تكاليف رفع دعوى الطلاق ما قيمته مليون دينار عراقي قابلة للزيادة حسب عدد القضايا والمرافعات.

ويرى الغراوي أن الأجدر بالمحاميين محاولة إصلاح ذات البين بين الزوجين، مشيرًا إلى أنه ابغض الحلال عند الله الطلاق. ويخشى الغراوي من أن وصول المشاكل العائلية إلى المحكمة يعني وقوع الطلاق لا محالة. لأنه حتى وان هدأت النفوس بين الزوجين فانه يصعب على الزوج وعائلته قبول عودة الزوجة ثانية. خصوصًا أن الزوجة دخلت المحكمة ورفعت دعاوى قضائية على زوجها!


منظمات المجتمع المدني مسؤولة عن ارتفاع نسبة الطلاق

ويعزو المحامي حسام الغراوي أسباب الطلاق في العراق إلى تدخل العائلة في حياة الزوجين.إضافة إلى المحاميات والمحاميين الذين لا يعلموا على إصلاح ذات البين بين الزوجين.


أما المحامي طارق حرب، فقد حمل منظمات المجتمع مسؤولية ارتفاع نسبة الطلاق في العراق منذ 2003 إلى يومنا هذا. وانتقد حرب بشدة منظمات المجتمع قائلا: "تتحمل منظمات المجتمع المدني التي تتقاضى أموالاً من الولايات المتحدة الأميركية والتي انتشرت خلال الأعوام الماضية مسؤولية ارتفاع نسبة الطلاق. حيث تعمد المسؤولات والعاملات في تلك المنظمات على إقامة مؤتمرات لا عد لها.

ويتابع: "وهي بمجملها مؤتمرات تحرض المرأة على إتباع النمط الأميركي في التعامل. وتعتبر تلك المنظمات أن أي كلمة يقولها الزوج لزوجته تعتبر إساءة بالغة. وتطالب المنظمات بتطبيق اتفاقيات سيداو وغيرها غير مدركات لخصوصية وتفرد المجتمع العراقي".

وأردف: "لماذا لا تعمد مسؤولات منظمات المجتمع المدني إلى تكريس مفهوم قدسية الزواج بدلا من التطبيل والتزمير لأفكار أميركية لا تصلح في مجتمعاتنا العربية والعراقية على وجه التحديد؟!".

مطلقات ومطلقون

وتشرح عبير، وهي من مواليد 1991، حكاية انفصالها عن زوجها، قائلة: "أجبروني على الزواج بابن خالتي رغم ارتباطي عاطفيا بزميل لي في الجامعة. لم أحب زوجي ولم أتحمله، وتنازلت عن كل حقوقي حتى الذهب أعدته إليه مقابل الحصول على الطلاق. كنت أظن أني سأرتبط بمن أحب حسبما وعدني, لكنه وبعد حصولي على الطلاق أصبح يبتعد عني تدريجيًا.عندما حاولت مواجهته تملص. وعرفت فيما بعد انه لا يريد الارتباط بمطلقة!.

أبو محمد سائق تاكسي، وهو أيضًا انفصل عن شريكة حياته، وعن ذلك يقول: "توفت زوجتي وتركت لي 4 أطفال، بحثت عن زوجة تشاركني حياتي تقدمت لخطبة الكثيرات لكن لم تعجبني أي واحدة منهن. ثم أخبرتني جارة لنا بوجود امرأة طيبة في خانقين فأخذت أمي وأخواتي وتقدمت لخطبتها وتزوجتها. خلال أيام الزواج الأولى اكتشفت إنها عتيدة. ومتصلبة.لم تحظَ بقبول أولادي ورضاهم لأنها كانت قاسية جدًّا معهم. حاولت التفاهم معها ونصحها دون جدوى. لا تجيد الطبخ أو التعامل برفق معي".

ويتابع أبو محمد: "قررت النوم في غرفة منفصلة بعدما اشتدت المشاكل بيننا. وعلى الرغم من أن زوجتي ولدت لي طفلاً إلا أني قمت بتطليقها لأنه لا يمكن العيش مع امرأة متسلطة وعتيدة ولا تجيد فعل شيء سوى الصراخ وافتعال المشاكل".

اما صلاح ضابط شرطة، فهو أيضًا له حكاية مع الطلاق، وعن ذلك يشرح: طلبت زوجتي الطلاق لأني ضربتها بعد أن اعترف ابني انه سمع أمه تتحدث مع رجل آخر في الموبايل. واجهتها فأنكرت, طلبت منها الاتصال بالرجل أمامي فترددت، وضربتها. وذهبت لعملي ثم اتصلت أمي بعد اقل من ساعة لتخبرني أنها هربت وأخذت أطفالي إلى محافظة أخرى. ثم قامت برفع دعوى الطلاق وحرمتني لثمانية أشهر من التحدث مع أطفالي.

ويتابع: "وعندما رأيت الأطفال بعد تدخل أهل الخير اخبروني أنها وإخوتها يضربونهم بشدة ويربطونهم بالحبال تحت الشمس ويجوعونهم على الرغم من أنها تأخذ نفقة حضانة 400 ألف دينار (عراقي) شهريًّا. اخبرني أطفالي أنهم على استعداد ليشهدوا في المحكمة على ما يقاسونه.أريد استعادتهم وحمايتهم من شرها وعائلتها. لكن القضاء يمنح الحضانة أوّلاً".

وبدوره، تقول المطلقة رجاء، وهي أم لأربعة أطفال: "والدهم لا يعمل ولا يقوم بإعالة حتى نفسه، وقد كان ذلك سبب طلاقنا، حيث إنني كنت اسكن مع أهله . تنازلت عن كل حقوقي حتى أنني بعت مصوغاتي وغرفة النوم والحصة التموينية. كان يأخذ المال مني ويصرفه وأبقى تحت رحمة عائلته القاسية. قضيت عمري اخدمهم دون أن أجد ما اطعم به أطفالي. كان زوجي يضربني ويطردني من البيت كلما طلبت منه أن تحمل المسؤولية. طلبت الطلاق لأسلم من الضرب والتجويع".

الأرقام تتكلم

وكيل السيد السيستاني في مدينة الشعب، ويعمل في المجال الشرعي (زواج وطلاق) يقول إن نسبة الطلاق قبل 2003 قاربت 3% .لكنها ارتفعت إلى 29% في عام 2005.ثم ارتفعت الى50 % في العام 2007. وبلغت 65% العام 2009.

وحسب بيان صدر من مجلس القضاء الأعلى. فان دعاوى الطلاق لعام 2004 كانت 28 ألفا و689. ارتفعت إلى 33 ألفا و348 في 2005. ثم ارتفعت مجددًا إلى 35 ألفًا و627 في 2006. وارتفعت مجددًا في العام إلى 41 ألفًا و536 حالة طلاق في 2007. وحققت نسبة الطلاق انخفاضا في الأشهر الأولى من العام 2008. إلا أنها عادت لترتفع في العام 2009 بواقع 820 ألف و453 حالة طلاق.


أسباب اجتماعية وأخلاقية للطلاق

الباحثة الاجتماعية رونق جبار ترجع أسباب الطلاق إلى العامل الاقتصادي والتهرب من مسؤولية الإنفاق، إضافة لضعف الوازع الديني والتحلل من القيم والمبادئ والأعراف.
وتقول جبار: "التأثر بالثقافة الغربية بشكل خاطئ واعتمادها وتطبيقها في الواقع والحياة العراقي رغم عدم صلاحيتها لمجتمع كالمجتمع العراقي. وكذلك التزويج برغبة من الأهل لكلا الزوجين أو احدهما وتعطيل وغياب إرادتهما عند إبرام العقد".

وبحسبها أيضًا، فإن الزواج المبكر هو أحد الاسباب الرئيسة للطلاق، ولا سيما أن هذا النوع من الزواج يكون هدفه إشباع الرغبات الجنسية الجسدية, وأيضًا بسبب مرور المجتمع العراقي بوضع خطر متمثلاً بالانحدار الاقتصادي الاجتماعي والنفسي, الذي نجم عنه تفككًا اسريًا, سرعان ما أصبح مدعاة للخلافات والنزاعات الزوجية.

وتتابع جبار: "هذا إضافة إلى قصور الثقافة العامة في المجتمع وعدم الفهم الصحيح لمسؤولية الحياة الزوجية .الانفتاح المفاجئ على العالم الخارجي الذي حدث في 2003. فبعد أن كان العراق مغلقًا ومنغلقًا ومعزولاً، أصبح بعد 2003 منفتحًا بشكل مفاجئ على العالم الخارجي وبلدان العالم وشعوبه".

وتقول الباحثة الاجتماعية: "وساهمت سيطرة الستلايت والمسلسلات المدبلجة على إثارة المشاكل بين الأزواج .خصوصًا الزوجة التي تريد أن يصبح زوجها نسخة من بطل المسلسل التركي وهو امر لا يمكن تحقيقه، لأنه ليس واقعيًّا". ولفتت جبار إلى ان العائلة قد تؤدي دورًا أساسيًا في وقوع الطلاق. حيث تحدث المشاكل بسبب تدخل اهل الزوجة وخصوصًا تدخلاً سلبيًا وهو امر لا بد وان ينتهي بالطلاق خصوصًا عندما تتعنت الزوجة .


ماذا عن القانون؟

يرى القاضي ضليع ناصر أن ازدياد حالات الطلاق والتفريق القضائي أمام القضاء أصبحت ظاهرة، فقد احتلت قضايا الطلاق في السنوات الثلاث الأخيرة مركز الصدارة بين الدعاوي الشرعية أمام محاكم الأحوال الشخصية.

واقر القاضي ضليع أن القانون العراقي يحتوي على مرونة وثغرات تساهم في التسريع بحالات الطلاق, وطلب التفريق القضائي. ومن تلك الأسباب القانونية الأساسية أن المادة 39 من قانون (الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل) تنص على وجوب إقامة الدعوى في المحكمة الشرعية, لمن يريد الطلاق واستحصال حكم به.

الا اننا نجد ان الظاهر والأغلب هو ايقاع الطلاق خارج المحكمة غيابيًا او الطلاق الرضائي ( الخلع). وهو امر يحدث بسبب انعدام الوعي القانوني, وعدم تقدير قيمة الحياة الزوجية والتسرع. ايضًا هناك مادة رقم (40) في القضاء العراقي تجيز لمن تضرر ضررًا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية ان يطلب التفريق.

ولكن السواد الأعظم ممن يطلبون التفريق لا يعتمدون على هذه المادة خوفًا من ردّ دعواهم، لمعرفتهم بعدم وجود ضرر جسيم يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية لأن الضرر لا يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية. لهذا يتبعون طرقًا أخرى لإيقاع الطلاق. ونصت المادة (41) على جواز طلب التفريق من قبل أي من الطرفين عند قيام خلاف بينهما والزم المشرع المحكمة في هذه الحالة إجراء التحقيقات اللازمة في أسباب الخلاف وسلك المسلك الشرعي في ذلك من حيث التحكيم والسعي لإصلاح ذات البين.

لكن ما يحدث فعلاً هو أن المحاكم لم تفعل دور الباحثة أو الباحث الاجتماعي. وهو الشخص المخول قضائيًا بتقديم تقرير للمحكمة عن إمكانية استمرار الزواج من عدمه. وعن ذلك يقول ضليع: دور الباحثة الاجتماعية ضعيف جدًّا, ولو كان هناك دور ايجابي لما ارتفعت حالات الطلاق بهذا الشكل الغريب.

وأردف: القضاة ايضًا يتحملون عبءًا اكبر في هذا الموضوع، اذ يتوجب عليهم ان يردوا دعاوى الطلاق، ويعملوا وفق مبدأ تقديس الحياة الزوجية.الا في حالات معينة التي لا ينفع معها الا الطلاق.