على
09-20-2004, 10:22 AM
رغم العزلة في زنزانة داخل أحد قصوره
الرئيس المخلوع يأكل ما يأكله الجنود الأميركيون ويمارس تمارين رياضية بينما يتعرض وزراؤه للإهانات
بغداد: جون بيرنز*
بعد تسعة أشهر على إخراجه من مخبأ تحت الأرض على يد وحدات أميركية بالقرب من مدينته الأصلية تكريت أشعث الشعر وفاقدا للشعور بالاتجاهات، ها هو صدام حسين يعيش في زنزانة مزودة بتكييف هوائي وتبلغ مساحتها 10 في 13 قدما. وتقع هذه الزنزانة على أرض واحد من قصوره السابقة خارج بغداد، وهناك يقوم بالعناية بالنباتات ويكرر تأكيده على أنه الحاكم الشرعي للعراق ويقرأ القرآن وكتبا حول أمجاد العرب القديمة.
وقال مسؤولون أميركيون وعراقيون قاموا بزيارته إنه يرتدي صندلاً وثوباً عربياً تقليدياً يعرف باسم «الدشداشة» ويأكل الأطعمة الجاهزة الخاصة بالجنود الأميركيين للفطور ويسمح له بثلاث ساعات من التمارين الرياضية يوميا في فناء خارج زنزانته. وقد تم نقله بواسطة طائرة هليكوبتر إلى مستشفى أميركي عسكري في بغداد حيث أجريت له فحوص للبروستاتا المنتفخة التي يعتقدون أنها قد تكون مؤشرا مبكرا للإصابة بالسرطان.
وظل يعيش ساعات استجواب يومية على يد محققين يقومون بالتهيئة لمحاكمته على تهم بالإبادة الجماعية وجرائم ضد البشرية. لكنه ظل يرفض الاعتراف بقيامه بأي عمل خطأ أو إظهار أي نوع من مشاعر الندم لمئات الآلاف من الناس الذين قتلوا خلال الأربع وعشرين سنة من حكمه حسبما قال المسؤولون. وبدلا من ذلك يصر صدام على أن موقعه كرئيس للعراق أعطاه صلاحية شرعية لكل ما قام به، كذلك فإن ضحاياه هم «خونة». وفي كل مقابلة معه ظل يؤكد أنه الرئيس المنتخب بصورة شرعية.
هناك أكثر من 80 معتقلا آخر ممن يعتبرون ذوي «أهمية عالية» وهذا يشمل 40 ممن هم ضمن أوراق اللعب التي هيأها البنتاغون للهاربين المطلوبين. وجميعهم أبقوا بعيدا عن صدام حسين حسبما قال باختيار أمين وزير حقوق الإنسان العراقي. فالرئيس العراقي المخلوع موضوع في سجن انفرادي منذ اعتقاله يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) بسبب الخوف من أن يحاول تضييع الأدلة أو ترهيب مساعديه السابقين في السجن. لكن المجموعة الأساسية المتكونة من 11 شخصا التي ظهرت معه في المحكمة يوم 1 يوليو (تموز) يسمح لها أن تمارس الرياضة معا وأن يلعب أفرادها الشطرنج والبوكر والطاولة والدومينو. ومقابل هذه الامتيازات فإنهم واجهوا قدرا من الإهانات التي أعفي منها صدام حسين، وهذه تشمل في بداية الاعتقال حفر مراحيضهم. لكن ما زال البروتوكول المتشدد الذي تفضله الحكومات المستبدة قائما «فكل منهم ينعت الآخر باللقب القديم الذي كان له. وزير كذا أو وزير كذا... كأنه لم يتغير أي شيء» حسبما قال أمين.
وحينما جلب صدام حسين للمحكمة لإخباره بحقوقه القانونية وبالتهم الموجهة له قال المسؤولون إنه قد يتطلب التهيؤ لمحاكمته عامين أو أكثر. كذلك لن تتم محاكمة أي من أولئك الذين ظهروا معه في المحكمة قبل مرور ما لا يقل عن عام واحد، وهذا بسبب أطنان الوثائق التي تحتاج إلى الدراسة، إضافة إلى الحاجة لاستجواب آلاف العراقيين الذين تقدموا كشهود.
لكن الحكومة الانتقالية التي يرأسها إياد علاوي قررت الإسراع في الإجراءات القضائية. وبدأت بتغيير الكادر المتخصص بالمحاكمة والذي تم تشكيله قبل عام، وهي تأمل ببدء المحاكمات أولا مع علي حسن المجيد ابن عم صدام والمعروف بعلي الكيماوي قبل انتهاء شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وربما تتبعها محاكمة صدام حسين وقد يكون ذلك في بداية السنة المقبلة إذا أصبح الادعاء العام جاهزا حسبما قال مسؤولون عراقيون وأميركيون.
وفي السجن ظل صدام حسين يطلب القليل من المسرات التي كان يستمتع بها حينما كان يتنقل بين قصوره. قال أمين، 46 سنة، الذي قضى سنوات كثيرة في المنفى وتمكن من تسجيل الانتهاكات التي قام بها نظام صدام حسين وظل يلتمس من الحكومات الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان قطع علاقاتها بالحكومة العراقية «هذا الرجل الذي كان معتادا على استخدام جهاز الفرم لطحن الأجساد البشرية، يجلس الآن هناك في زنزانته ويطلب حلوى أميركية ولفائف سيجار».
وترى حكومة علاوي حسبما قال وزير حقوق الإنسان أنه «بدون تحقق العدالة فإنه لن يكون ممكنا لأن تلتئم الجراح فوق جسم هذا المجتمع» بعد تعرضه لعقود من الفظائع، وهو لن يشفى إلا بأن يحاسب أولئك المسؤولون عما لحق بالمجتمع العراقي من أهوال. وأضاف أمين «هؤلاء الأشخاص حولوا العراق إلى مقبرة جماعية كبيرة... إنه ظلوا يصنِّعون القتل».
كذلك فإن هناك ضغوطا سياسية على الدكتور علاوي لإجراء محاكمة صدام وأعوانه.
فهو سيكون مرشحا لانتخابات يناير المقبل. ولتحقيق شعبية للحكومة الدستورية التي سيتم انتخابها قبل انتهاء يناير 2006 مع تصاعد أعمال التمرد يحتاج اليوم إلى رفع شعبيته التي بدأت تتضاءل بين العراقيين الذين راحوا يلومونه على الفوضى السائدة حاليا. فعن طريق محاكمة بعض وجوه النظام السابق البارزة يرى مساعدوه أن بإمكانه أن يذكّر العراقيين بحالة الصدمة التي ظلوا تحت تأثيرها بفضل النظام السابق والتي لم تنته إلا بسقوطه.
وقال الدكتور علاوي في مقابلة معه إن الحسابات السياسية والرغبة في الانتقام لن تكون سببا للإسراع بالمحاكمات (على الرغم من أنه تعرض لمحاولة اغتيال على يد رجال صدام حينما كان يقيم في المنفى بلندن تركته مقيما في مستشفى للعلاج لما يقرب من عام). بدلا من ذلك فإن الهدف هو تطهيري بالنسبة للمجتمع العراقي، فحسب قول علاوي «نحن نريد أن ندفن الماضي» من وراء تلك المحاكمات.
وكان الدكتور علاوي نفسه قائدا طلابيا صاعدا داخل حزب البعث خلال الستينات حينما التقى بصدام حسين. ويتذكره بأنه كان عبارة عن «سفاح يستمتع بإيذاء الآخرين» وكرجل كان حكمه شبيها «بأفلام الرعب». وأضاف الدكتور علاوي «تخميني هو أن صدام يموت الآن كل يوم. إنه في السجن. إنه وحيد، وهو خسر كل شيء وليس لديه أي سلطة. لا شيء. وبالنسبة له هذا أسوأ من الموت».
لكن خبراء قانونيين غربيين على اطلاع بالتحضيرات الجارية للمحاكمة يتشككون في إمكانية إجراء المحاكمات حسب الجدول الزمني الذي طرحه علاوي والتي من المفترض أن تبدأ في نوفمبر، ففي الكثير من القضايا يستند التحضير لها إلى الأدلة التي لن تكون جاهزة عند حلول ذلك الموعد ولحد الآن لم يتم العثور على أي محامين عراقيين مستعدين للدفاع عن صدام حسين ومساعديه.
*خدمة «نيويورك تايمز»
الرئيس المخلوع يأكل ما يأكله الجنود الأميركيون ويمارس تمارين رياضية بينما يتعرض وزراؤه للإهانات
بغداد: جون بيرنز*
بعد تسعة أشهر على إخراجه من مخبأ تحت الأرض على يد وحدات أميركية بالقرب من مدينته الأصلية تكريت أشعث الشعر وفاقدا للشعور بالاتجاهات، ها هو صدام حسين يعيش في زنزانة مزودة بتكييف هوائي وتبلغ مساحتها 10 في 13 قدما. وتقع هذه الزنزانة على أرض واحد من قصوره السابقة خارج بغداد، وهناك يقوم بالعناية بالنباتات ويكرر تأكيده على أنه الحاكم الشرعي للعراق ويقرأ القرآن وكتبا حول أمجاد العرب القديمة.
وقال مسؤولون أميركيون وعراقيون قاموا بزيارته إنه يرتدي صندلاً وثوباً عربياً تقليدياً يعرف باسم «الدشداشة» ويأكل الأطعمة الجاهزة الخاصة بالجنود الأميركيين للفطور ويسمح له بثلاث ساعات من التمارين الرياضية يوميا في فناء خارج زنزانته. وقد تم نقله بواسطة طائرة هليكوبتر إلى مستشفى أميركي عسكري في بغداد حيث أجريت له فحوص للبروستاتا المنتفخة التي يعتقدون أنها قد تكون مؤشرا مبكرا للإصابة بالسرطان.
وظل يعيش ساعات استجواب يومية على يد محققين يقومون بالتهيئة لمحاكمته على تهم بالإبادة الجماعية وجرائم ضد البشرية. لكنه ظل يرفض الاعتراف بقيامه بأي عمل خطأ أو إظهار أي نوع من مشاعر الندم لمئات الآلاف من الناس الذين قتلوا خلال الأربع وعشرين سنة من حكمه حسبما قال المسؤولون. وبدلا من ذلك يصر صدام على أن موقعه كرئيس للعراق أعطاه صلاحية شرعية لكل ما قام به، كذلك فإن ضحاياه هم «خونة». وفي كل مقابلة معه ظل يؤكد أنه الرئيس المنتخب بصورة شرعية.
هناك أكثر من 80 معتقلا آخر ممن يعتبرون ذوي «أهمية عالية» وهذا يشمل 40 ممن هم ضمن أوراق اللعب التي هيأها البنتاغون للهاربين المطلوبين. وجميعهم أبقوا بعيدا عن صدام حسين حسبما قال باختيار أمين وزير حقوق الإنسان العراقي. فالرئيس العراقي المخلوع موضوع في سجن انفرادي منذ اعتقاله يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) بسبب الخوف من أن يحاول تضييع الأدلة أو ترهيب مساعديه السابقين في السجن. لكن المجموعة الأساسية المتكونة من 11 شخصا التي ظهرت معه في المحكمة يوم 1 يوليو (تموز) يسمح لها أن تمارس الرياضة معا وأن يلعب أفرادها الشطرنج والبوكر والطاولة والدومينو. ومقابل هذه الامتيازات فإنهم واجهوا قدرا من الإهانات التي أعفي منها صدام حسين، وهذه تشمل في بداية الاعتقال حفر مراحيضهم. لكن ما زال البروتوكول المتشدد الذي تفضله الحكومات المستبدة قائما «فكل منهم ينعت الآخر باللقب القديم الذي كان له. وزير كذا أو وزير كذا... كأنه لم يتغير أي شيء» حسبما قال أمين.
وحينما جلب صدام حسين للمحكمة لإخباره بحقوقه القانونية وبالتهم الموجهة له قال المسؤولون إنه قد يتطلب التهيؤ لمحاكمته عامين أو أكثر. كذلك لن تتم محاكمة أي من أولئك الذين ظهروا معه في المحكمة قبل مرور ما لا يقل عن عام واحد، وهذا بسبب أطنان الوثائق التي تحتاج إلى الدراسة، إضافة إلى الحاجة لاستجواب آلاف العراقيين الذين تقدموا كشهود.
لكن الحكومة الانتقالية التي يرأسها إياد علاوي قررت الإسراع في الإجراءات القضائية. وبدأت بتغيير الكادر المتخصص بالمحاكمة والذي تم تشكيله قبل عام، وهي تأمل ببدء المحاكمات أولا مع علي حسن المجيد ابن عم صدام والمعروف بعلي الكيماوي قبل انتهاء شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وربما تتبعها محاكمة صدام حسين وقد يكون ذلك في بداية السنة المقبلة إذا أصبح الادعاء العام جاهزا حسبما قال مسؤولون عراقيون وأميركيون.
وفي السجن ظل صدام حسين يطلب القليل من المسرات التي كان يستمتع بها حينما كان يتنقل بين قصوره. قال أمين، 46 سنة، الذي قضى سنوات كثيرة في المنفى وتمكن من تسجيل الانتهاكات التي قام بها نظام صدام حسين وظل يلتمس من الحكومات الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان قطع علاقاتها بالحكومة العراقية «هذا الرجل الذي كان معتادا على استخدام جهاز الفرم لطحن الأجساد البشرية، يجلس الآن هناك في زنزانته ويطلب حلوى أميركية ولفائف سيجار».
وترى حكومة علاوي حسبما قال وزير حقوق الإنسان أنه «بدون تحقق العدالة فإنه لن يكون ممكنا لأن تلتئم الجراح فوق جسم هذا المجتمع» بعد تعرضه لعقود من الفظائع، وهو لن يشفى إلا بأن يحاسب أولئك المسؤولون عما لحق بالمجتمع العراقي من أهوال. وأضاف أمين «هؤلاء الأشخاص حولوا العراق إلى مقبرة جماعية كبيرة... إنه ظلوا يصنِّعون القتل».
كذلك فإن هناك ضغوطا سياسية على الدكتور علاوي لإجراء محاكمة صدام وأعوانه.
فهو سيكون مرشحا لانتخابات يناير المقبل. ولتحقيق شعبية للحكومة الدستورية التي سيتم انتخابها قبل انتهاء يناير 2006 مع تصاعد أعمال التمرد يحتاج اليوم إلى رفع شعبيته التي بدأت تتضاءل بين العراقيين الذين راحوا يلومونه على الفوضى السائدة حاليا. فعن طريق محاكمة بعض وجوه النظام السابق البارزة يرى مساعدوه أن بإمكانه أن يذكّر العراقيين بحالة الصدمة التي ظلوا تحت تأثيرها بفضل النظام السابق والتي لم تنته إلا بسقوطه.
وقال الدكتور علاوي في مقابلة معه إن الحسابات السياسية والرغبة في الانتقام لن تكون سببا للإسراع بالمحاكمات (على الرغم من أنه تعرض لمحاولة اغتيال على يد رجال صدام حينما كان يقيم في المنفى بلندن تركته مقيما في مستشفى للعلاج لما يقرب من عام). بدلا من ذلك فإن الهدف هو تطهيري بالنسبة للمجتمع العراقي، فحسب قول علاوي «نحن نريد أن ندفن الماضي» من وراء تلك المحاكمات.
وكان الدكتور علاوي نفسه قائدا طلابيا صاعدا داخل حزب البعث خلال الستينات حينما التقى بصدام حسين. ويتذكره بأنه كان عبارة عن «سفاح يستمتع بإيذاء الآخرين» وكرجل كان حكمه شبيها «بأفلام الرعب». وأضاف الدكتور علاوي «تخميني هو أن صدام يموت الآن كل يوم. إنه في السجن. إنه وحيد، وهو خسر كل شيء وليس لديه أي سلطة. لا شيء. وبالنسبة له هذا أسوأ من الموت».
لكن خبراء قانونيين غربيين على اطلاع بالتحضيرات الجارية للمحاكمة يتشككون في إمكانية إجراء المحاكمات حسب الجدول الزمني الذي طرحه علاوي والتي من المفترض أن تبدأ في نوفمبر، ففي الكثير من القضايا يستند التحضير لها إلى الأدلة التي لن تكون جاهزة عند حلول ذلك الموعد ولحد الآن لم يتم العثور على أي محامين عراقيين مستعدين للدفاع عن صدام حسين ومساعديه.
*خدمة «نيويورك تايمز»