المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صار الكويتي ما له والٍ! .....عبدالرحمن العوضي



سلسبيل
04-11-2010, 06:58 AM
بقلم الدكتور عبدالرحمن العوضي

الأحد 11 أبريل 2010 - الأنباء


http://www.alanba.com.kw/AbsoluteNMNEW/templates/GlobalTemplate/86_3.jpg



هذا ما قاله أبو حسين الذي تربينا معه وكان يكبرنا بـ 15 سنة تقريبا، وكان ونحن صغار يعمل كفراش لمسجد فريجنا بمنطقة الشرق. وكنا دائما نتعلق بحبل الجليب ونحن نساعده في سحب الماء وصبه في «القرو» لوضوء المصلين. وكنا سعيدين وفرحين دائما وكنا في بعض الأوقات والمناسبات نحضر له شيئا من الطعام الذي نطبخه في بيوتنا، وكان يأكله سعيدا قنوعا يعيش ليومه وبأجره الزهيد يعوله أسرته ولم يكن يشتكي أبدا ويرضى بما يرزقه الله يوميا.

هكذا كان أبو حسين جزءا من ذكرياتنا، ذكريات الطفولة. ودارت الأيام وكبرنا وكبر أبو حسين وعمل بعد ذلك في الحكومة لأكثر من 50 عاما لأنه في تلك الأيام لم يكن هناك حدود لدخول الوظيفة والتقاعد، وعليه حُسبت له هذه السنوات كلها حتى تلك التي عمل فيها فراشا في المسجد وهو صغير حتى بلغ سن التقاعد الذي فُرض عليه مع أنه يرفض التقاعد وكان عمره قد بلغ حوالي الثمانين عاما.

ودارت الأيام وصادفني ابنه وسألته عن والده وقال الوالد منزوٍ على نفسه في البيت وقد اصبح سمعه ثقيلا ونظره ضعيفا، فطلبت منه أن يأخذني إليه وكنت لم أره منذ أكثر من 65 سنة، ودخلت عليه وهو منزو في حجرة صغيرة على فراش ومخدة قديمة، وقد ضعف كثيرا وأصبح منطويا على نفسه لا يريد مقابلة أحد لأنه كان يرفض أن يراه أي إنسان في هذا الوضع.

فجلست بجانبه بهدوء ولم يعرفني في البداية فسلمت عليه ولكن لسمعه الثقيل لم يتجاوب مع كلامي فمسكت يده ورفعت صوتي أكرر السؤال عن صحته، فقال لي أنت الدكتور عبدالرحمن، فقلت له نعم، فقال هل ترضى بما وصلت إليه من سوء الصحة وثقل السمع، وقرب العمى؟ فقلت له: العيب على ابنك لأنه لم يخبرني عن حالك حيث انك كنت لا تريد أن ترى أي إنسان.

فبدأ يخرج من انطوائه قليلا قليلا بعد ان بدأت أمازحه بأيام الطفولة، ففي مرة من المرات كدت أن أقع في بئر المسجد، وكان المرحوم والدي قد علم بذلك ونهره ووبخه وبعدها «زعل علي» لأنني أخبرت والدي بذلك مع أنني لم أخبره في الحقيقة، ولكن الأولاد الذين كانوا يلعبون معي اخبروا أمهاتهم اللواتي بدورهن أخبرن المرحومة والدتي بالأمر، وخوفا علي قامت بدورها بإخبار الوالد إلا أنني زعلت كثيرا من ذلك حيث إنني حرمت من اللعب مع الاطفال عند بئر المسجد.

وبالحوار والذكريات بدأ يتكلم قليلا وأخبرته بأنه بالإمكان تحسين سمعه الثقيل بتركيب سماعات، وكان الماء الأبيض قد زحف على عينيه وأخبرته بأنه بعملية بسيطة يمكنه أن يرى.

كان رده سريعا: يا دكتور وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ قلت له نعم، في حالتك يمكن أن يصلح العطار ما أفسده الدهر. وبعد جهد أخذته الى مستشفى الصباح، وبعد تخطيط السمع ركبنا له سماعة فتحسن سمعه كثيرا، وبعد أسبوعين من ذلك ذهبت إلى طبيب العيون وعملنا له عملية إزالة الماء الأبيض واصبح يرى فتعجب كيف أنه حرم نفسه من النور ومن الأصوات الجميلة التي كان يحبها.

ولم يمض على ذلك شهر حتى خرج أبو حسين من انزوائه وانطوائه إلى أبو حسين الذي نعرفه وصرت أزوره بين فترة وأخرى. وكان فرحا ومنطلقا وعاد واشترك مع بعض أصحابه من كبار السن في ديوانية كبار السن وعاد إلى لعبة الدامة التي كان يجيدها جيدا، وصار يستمع إلى أغاني البحر وكذلك الأغاني القديمة، وصار أبو حسين وكأن الحياة قد عادت له بعد أن يئس وسلم نفسه للموت. وفي إحدى زياراتي قلت له: يا أبو حسين لماذا لم نذهب للطبيب للعلاج؟

قال يا ولدي عبدالرحمن أنا ما عندي معرفة والكويتي أصبح في هذا الزمن ما له والي إذا لم تكن لديه واسطة. ولكن طمأنته بأنه لا يزال في الدنيا خير وطلبت منه ألا ييأس أبدا، لأن المثل يقول لا حياة مع اليأس، فرد على أبو حسين هناك الكثيرون من أمثالي في الكويت «ليس لهم والي»، وهذه الكلمات جرحتني كثيرا لأن هؤلاء الناس الذين بنوا الكويت وحموها على أكتافهم لا يجوز تركهم، وأطالب وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بأن تبحث أحوال جميع الأسر الكويتية القديمة ممن يمنعهم إيباؤهم من طلب المساعدة، هؤلاء من يستحقون أن توليهم كل عناية واهتمام، وكان الله في عونهم وعون الجميع.