مجاهدون
09-19-2004, 08:46 AM
المؤلف : الإمام الأزرقي
ابراهيم عبد الله السماري*
تمثل مكة المكرمة بالنسبة للمسلمين تاريخا عابقا بعطر المقدسات وذكرى انطلاق الدعوة الإسلامية، فهي بهذه الصفة صورة من صور الانتماء الحقيقي الذي يشد الإنسان إليه، ولذا فلا غرو إذا حظيت من علماء المسلمين بمزيد عناية فكثرت التصانيف في تأريخ أخبارها وتوثيق ما ورد فيها من الآثار عبر العصور المتعاقبة.
والإمام أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (ت 250هـ) أحد الذين دونوا هذا التاريخ ووثقوه وكتابه «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» يعد أقدم تصنيف مستقل وجد عن تاريخ مكة، وهو مع كتاب «أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه» للإمام الفاكهي (ت 272هـ) أهم مرجعين وثقا تاريخ مكة إلى القرن الثالث الهجري. هذا السفر المهم عني بتحقيقه وإخراجه في مجلدين فاخرين في 1195صفحة، الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش الذي أولى تاريخ مكة المكرمة اهتماماً خاصاً، إذ ألف وحقق عدداً من الكتب عن مكة المكرمة.
وكانت رسالته للدكتوراه دراسة نظرية وميدانية عن أعلام حدود الحرم المكي الشريف ثم طبعها في كتاب صدرت منه عدة طبعات، وكذلك ألف كتابا عن حدود المشاعر المقدسة (الطبعة الأولى 1425هـ) كما قام بتحقيق كتاب الفاكهي السالف ذكره وكتاب «الدر الكمين بذيل العقد الثمين بتاريخ البلد الأمين» لعمر الهاشمي (ت 885هـ)، ونشر كتباً أخرى لمؤلفين ومحققين آخرين عن تاريخ مكة على نفقته الخاصة. كتاب الأزرقي قال عنه عبد الكريم السمعاني:
«كتبه بمنتهى الروعة والدقة» وقال عنه ابن النديم: «كتاب كبير»، وقد بذل المحقق جهداً علمياً وافياً لإلباسه حلة قشيبة وموثقة فتكلم في مقدمته عن أهمية هذا الكتاب والدافع لاختياره ومكانة البلد الأمين في نفوس المسلمين، ثم ترجم للمؤلف ترجمة إضافية تناول بعد ذلك في بحث مستقل أهمية كتاب أخبار مكة للأزرقي وعناية العلماء به شرحاً واختصاراً وتعليقاً، وبيّن منهجه فيه وتحققه من نسبته إلى مؤلفه ثم أوضح المحقق منهجه في عمله والنسخ الخطية التي وقف عليها، وعددها ست نسخ، وصفها وأبرز سبب اعتماد النسخة الأصل والنسخ المساعدة.
وقد ظهر في عمل المحقق عنايته بعزو الآيات الكريمة وتخريج الأحاديث الشريفة، وتبين بشكل خاص عنايته الفائقة ببحث القضايا الإسنادية دارساً السند من حيث اتصاله وعدالة رجاله وضبط رواته وسلامته من الشذوذ والعلل القادحة، كما ذيل الكتاب بفهارس للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والرواة والأعلام والكتب والأماكن والأقوام والمهن والمصطلحات الحضارية والشعر والصور التوضيحية، وهذه الفهارس التي بلغت ثلاثة عشر فهرساً كانت جهداً علمياً موثقاً للاستفادة المثلى من الكتاب، كما اتضح منها تنوع مادة الكتاب وأن فوائده متاحة ومدناة للمهتمين في مختلف العلوم العقدية والفقهية والتاريخية والجغرافية والأثرية والاجتماعية والإنسانية واللغوية والتراجم والاثبات والحديث والتفسير وغير ذلك.
وزيادة في خدمة الكتاب علمياً ألحق المحقق بالكتاب سبع خرائط ملونة توضح بعض المعالم الأثرية بمكة المكرمة في القرن الثالث الهجري، تضمنت التقسيم الجغرافي، وأشهر دورها، وآبارها، وبركها وحياضها، وحوائطها، وشبكة الطرق، والمواضع التاريخية والمساجد. ظهر من كتاب «أخبار مكة» للإمام الأزرقي أنه مؤرخ ضليع ومحدث يتقن الصنعة الحديثية وفقيه بارع في اصطياد الأحكام من أدلتها، ولاسيما أحكام الحج والمناسك، كما ظهر أنه جغرافي يحسن وصف المكان كما أنه لم يغفل التطورات السياسية في كتابه حيث تحدث عن حالة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهود الخلفاء الراشدين ليبين بعد ذلك ما طرأ من تغيرات في العهدين الأموي والعباسي .
وقد تناول الأزرقي بنفس طويل الآثار الواردة في مكة المكرمة متناولاً الأحكام الفقهية والأصولية المتعلقة بهذه الآثار، ووصف جغرافيتها وعمرانها وصفاً دقيقاً لا يصدر إلا من ساكنها متحدثاً عن أسماء مكة المكرمة ودورها وآبارها وبركها وحياضها وحوائطها والمشاعر المقدسة وغير ذلك، ولا سيما حديثه عن الكعبة المشرفة والمقام وموضعه وذرعته والحجر الأسود وزمزم وذرعة المسجد الحرام ومناراته وجدرانه وسقفه وشرفاته وأبوابه وطاقاته ومنبره وقناديله وثرياته وبركه وسقاياته وآباره وعيونه ومؤذنيه ومواضيه وظلة المؤذنين فيه، كما لمح إلى بعض الأوليات في الحرم كحديثه عن أول من تسلم الركن الأسود، وأول من أدار الصفوف حول الكعبة، ونحو ذلك.
كما أسهب المؤلف في الحديث عن المساجد والمواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة المكرمة، وحدود المشاعر المقدسة وما ورد فيها من الآثار وصفة المناسك فيها كما تحدث عن رباع مكة وأوديتها، وسيولها من جميع الجهات، وأحيائها ومن كان يسكنها وتناول ما ورد في ذكر أخشبي مكة وموضع الحطيم وما جاء فيهما.
* كاتب سعودي
ابراهيم عبد الله السماري*
تمثل مكة المكرمة بالنسبة للمسلمين تاريخا عابقا بعطر المقدسات وذكرى انطلاق الدعوة الإسلامية، فهي بهذه الصفة صورة من صور الانتماء الحقيقي الذي يشد الإنسان إليه، ولذا فلا غرو إذا حظيت من علماء المسلمين بمزيد عناية فكثرت التصانيف في تأريخ أخبارها وتوثيق ما ورد فيها من الآثار عبر العصور المتعاقبة.
والإمام أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي (ت 250هـ) أحد الذين دونوا هذا التاريخ ووثقوه وكتابه «أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار» يعد أقدم تصنيف مستقل وجد عن تاريخ مكة، وهو مع كتاب «أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه» للإمام الفاكهي (ت 272هـ) أهم مرجعين وثقا تاريخ مكة إلى القرن الثالث الهجري. هذا السفر المهم عني بتحقيقه وإخراجه في مجلدين فاخرين في 1195صفحة، الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش الذي أولى تاريخ مكة المكرمة اهتماماً خاصاً، إذ ألف وحقق عدداً من الكتب عن مكة المكرمة.
وكانت رسالته للدكتوراه دراسة نظرية وميدانية عن أعلام حدود الحرم المكي الشريف ثم طبعها في كتاب صدرت منه عدة طبعات، وكذلك ألف كتابا عن حدود المشاعر المقدسة (الطبعة الأولى 1425هـ) كما قام بتحقيق كتاب الفاكهي السالف ذكره وكتاب «الدر الكمين بذيل العقد الثمين بتاريخ البلد الأمين» لعمر الهاشمي (ت 885هـ)، ونشر كتباً أخرى لمؤلفين ومحققين آخرين عن تاريخ مكة على نفقته الخاصة. كتاب الأزرقي قال عنه عبد الكريم السمعاني:
«كتبه بمنتهى الروعة والدقة» وقال عنه ابن النديم: «كتاب كبير»، وقد بذل المحقق جهداً علمياً وافياً لإلباسه حلة قشيبة وموثقة فتكلم في مقدمته عن أهمية هذا الكتاب والدافع لاختياره ومكانة البلد الأمين في نفوس المسلمين، ثم ترجم للمؤلف ترجمة إضافية تناول بعد ذلك في بحث مستقل أهمية كتاب أخبار مكة للأزرقي وعناية العلماء به شرحاً واختصاراً وتعليقاً، وبيّن منهجه فيه وتحققه من نسبته إلى مؤلفه ثم أوضح المحقق منهجه في عمله والنسخ الخطية التي وقف عليها، وعددها ست نسخ، وصفها وأبرز سبب اعتماد النسخة الأصل والنسخ المساعدة.
وقد ظهر في عمل المحقق عنايته بعزو الآيات الكريمة وتخريج الأحاديث الشريفة، وتبين بشكل خاص عنايته الفائقة ببحث القضايا الإسنادية دارساً السند من حيث اتصاله وعدالة رجاله وضبط رواته وسلامته من الشذوذ والعلل القادحة، كما ذيل الكتاب بفهارس للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة والرواة والأعلام والكتب والأماكن والأقوام والمهن والمصطلحات الحضارية والشعر والصور التوضيحية، وهذه الفهارس التي بلغت ثلاثة عشر فهرساً كانت جهداً علمياً موثقاً للاستفادة المثلى من الكتاب، كما اتضح منها تنوع مادة الكتاب وأن فوائده متاحة ومدناة للمهتمين في مختلف العلوم العقدية والفقهية والتاريخية والجغرافية والأثرية والاجتماعية والإنسانية واللغوية والتراجم والاثبات والحديث والتفسير وغير ذلك.
وزيادة في خدمة الكتاب علمياً ألحق المحقق بالكتاب سبع خرائط ملونة توضح بعض المعالم الأثرية بمكة المكرمة في القرن الثالث الهجري، تضمنت التقسيم الجغرافي، وأشهر دورها، وآبارها، وبركها وحياضها، وحوائطها، وشبكة الطرق، والمواضع التاريخية والمساجد. ظهر من كتاب «أخبار مكة» للإمام الأزرقي أنه مؤرخ ضليع ومحدث يتقن الصنعة الحديثية وفقيه بارع في اصطياد الأحكام من أدلتها، ولاسيما أحكام الحج والمناسك، كما ظهر أنه جغرافي يحسن وصف المكان كما أنه لم يغفل التطورات السياسية في كتابه حيث تحدث عن حالة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهود الخلفاء الراشدين ليبين بعد ذلك ما طرأ من تغيرات في العهدين الأموي والعباسي .
وقد تناول الأزرقي بنفس طويل الآثار الواردة في مكة المكرمة متناولاً الأحكام الفقهية والأصولية المتعلقة بهذه الآثار، ووصف جغرافيتها وعمرانها وصفاً دقيقاً لا يصدر إلا من ساكنها متحدثاً عن أسماء مكة المكرمة ودورها وآبارها وبركها وحياضها وحوائطها والمشاعر المقدسة وغير ذلك، ولا سيما حديثه عن الكعبة المشرفة والمقام وموضعه وذرعته والحجر الأسود وزمزم وذرعة المسجد الحرام ومناراته وجدرانه وسقفه وشرفاته وأبوابه وطاقاته ومنبره وقناديله وثرياته وبركه وسقاياته وآباره وعيونه ومؤذنيه ومواضيه وظلة المؤذنين فيه، كما لمح إلى بعض الأوليات في الحرم كحديثه عن أول من تسلم الركن الأسود، وأول من أدار الصفوف حول الكعبة، ونحو ذلك.
كما أسهب المؤلف في الحديث عن المساجد والمواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة المكرمة، وحدود المشاعر المقدسة وما ورد فيها من الآثار وصفة المناسك فيها كما تحدث عن رباع مكة وأوديتها، وسيولها من جميع الجهات، وأحيائها ومن كان يسكنها وتناول ما ورد في ذكر أخشبي مكة وموضع الحطيم وما جاء فيهما.
* كاتب سعودي