أمير الدهاء
03-16-2010, 11:56 PM
http://1i.al-araby.com/docs/article_images/main/3.jpg
أجرى الحوار: ماهر حسن
»أقول للوطن العربي: «يوم ورا يوم أحلامه بتصغر» »تأثير احتلال العراق سيمتد على المنطقة العربية »أحد زملائى وشى بى لصدام حسين وحكم على بالإعدام بعدما تم اختطافى من الأردن »عودى بيتفلسف » شعب العراق العبقرى لا ينفع معه صدام ولا الاحتلال » الأغانى الوطنية الناصرية مازالت متجددة
» العرب فرحون بمقتل صدام واحتلال العراق ولا يعلمون أن الدوائر تدور
» رتيبة الحفنى اختطفتنى من تونس »أنا فخور بحب المصريين لى وبحبى للمصريين » محمود درويش وأدونيس اندهشا لتجربتى تلحين قصائدهما
» لم أدل بصوتى فى الانتخابات العراقية
نصير شمة حالة إبداعية استثنائية، انطلق من الأصالة إلى المعاصرة متجاوزا كل نعرات التحديث سابقا مجايليه، ولأن حوارنا هذا تقاطع مع مشهد عراقى فارق يجتاز مخاض التحول والتشكل، فقد كان للسياسة نصيب، ولا غرابة فى ذلك حيث السياسة تفصيلة حاضرة فى غير عمل من أعمال نصير شمة صاحب المغامرات الموسيقية المتعددة إذ قام بتلحين أشعار درويش وأدونيس وأمجد ناصر ولا يتسع المجال لحصر هذا الكم الضخم من الجوائز المحلية والعربية والدولية التى حاز عليها نصير.
أسس نصير شمة بيت العود فى منزل الهراوى وأسس نماذج مماثلة منه فى دول أخرى غير أن بيت عود القاهرة كان دائما الأكثر زخما وعطاء والأكثر عددا من حيث أعضائه، ألف نصير مقطوعات موسيقية وموسيقى تصويرية لأعمال فنية فى الدراما والسينما والمسرح.
وهو مولود فى الكويت بالعراق عام 1963 ودرس فى بغداد ووثق لجرائم الغزو الأمريكى للعراق فنيا مثل «حلم ريم» و«إلا بغداد» و«حدث فى العامرية» كما ألف لغزة «ألف قبلة وقبلة لغزة» قدم نصير عروضه على مسارح العالم تقريبا كلها، والتقيناه فى بيت العود وكان هذا الحوار..
{ ما قصة العمل الخيرى الذى قمت به لأطفال العراق؟
}} هل تعلم أننى أؤمن بالتزكية عن الموهبة وأنا بهذا المعنى أزكى عن موهبتى مثل من يزكى عن صحته أو ثروته.
{ وهل شكل من أشكال الزكاة عن الموهبة أن تتبرع فى تأسيس عمل خيرى للأطفال وهذا فعلته أنت؟
}}بدأت أهتم بعد 40 يوماً من وقف إطلاق النار، وبدأت حملة من أجل علاج أطفال العراق إلى اليوم من خلال مؤسسة عراقية تحمل اسم «مجلس ثقافة ورعاية أطفال العراق» وأسميتها الآن «طريق الزهور» ومن خلال هذه المؤسسة أعالج الأطفال وأتبنى الموهوبين منهم واليوم المفترض أننى على موعد مع بعض الأطفال المصابين الموجودين فى مصر فى محاولة لتلبية احتياجاتهم، لأن أولئك الأطفال استغرقوا زمناً فى العلاج بسبب ما تعرضوا له من إصابات تعجيزية وحروق إبان الغزو الأمريكى للعراق وهناك فى العراق مجموعة من أصدقائى من الأطباء المصريين الذين لا أنسى وقفتهم معى فى هذا المشروع الإنسانى فهم يقومون بتقديم العلاج لأطفال العراق بنصف التكلفة وأذكر منهم الدكتور عمر عبدالعزيز وماجد بهجت وناصر النادى وغيرهم كثيراً.
{ لم تقف مساعدتك لأطفال العراق على الدعم المادى ولكنك أيضاً تأثرت بمأساتهم وألفت الكثير من المقطوعات الموسيقية التى تناولت مأساتهم.
}} أنا أشعر بضعف خاص إزاء الأطفال عموماً فهم كائن بريء لم يلوث بعد وكائن ضعيف ومغلوب على أمره كما أنهم يمثلون المستقبل فما بالك بأطفال العراق الذين صارت نسبة 80% منهم أيتاماً أو أصابتهم التشوهات والحروق خلال فترة الغزو.
{ ولذلك فإن مقطوعتك «حدث فى العامرية» هى أقرب المقطوعات الموسيقية إلى قلبك خاصة وأنك ذهبت لملجأ العامرية للأطفال بعض قصف الأمريكيين له لتعايش الحالة؟
}} ما لا تعلمه أننى عشت فى هذا الملجأ أسبوعاً حتى انتهيت من تأليف مقطوعتي، وعلى أثر عزفى لها فى الذكرى الأولى لقصف الملجأ انتابتنى حالة نفسية سيئة ألزمتنى غرفة العناية المركزة لأكثر من أسبوع لما خلفته فى هذه الحالة من ألم نفسي، لقد كان هناك فى هذه الجريمة اللا إنسانية نحو ثمانمائة طفل أشلاؤهم موزعة فى المكان وكتبهم ملطخة بالدماء.
{ لقد خضت تجربة جميلة جداً مع قصائد الشاعر الفلسطينى الراحل الكبير محمود درويش، حيث استوحيت موسيقاك من نحو خمس قصائد له، أى القصائد التى اخترتها لمحمود درويش: كيف ترجمت أجواء القصائد ومضمونها وحالاتها موسيقياً؟ وما أهم ما أبرزته موسيقاك من ملامح درويش الشعرية وما الذى التقطه وفلسفة اختيارك لنصوصه؟
}} قد تندهش حينما أقول لك إنه فى الجلسة المطولة مع الشاعر الكبير محمود درويش إنه سألنى سؤالك هذا بالضبط؟ كما أنه سألنى قائلاً: لماذا وقفت مع تجربتى تحديداً فقلت له لأننى ضد الشعار ومع الفكر فسألنى المزيد من الإيضاح فقلت له إن تجربته الشعرية ما قبل ديوانه «لماذا تركت الحصان وحيداً» شكل وطريق واتجاه وما بعد هذا الديوان شكل آخر وتناول آخر واتجاه آخر، فقال نحن متفقون ثم عاد وسألنى قائلاً: ولكن ما الذى استوقفك فى تجربة «لماذا تركت الحصان وحيداً»؟ فقلت له، لأنه بدءاً من هذه المرحلة فصاعداً من الممكن أن يترجم شعر محمود درويش إلى شعر كونى وما قبلها كان شعاراً ومنشوراً شعرياً سياسياً مباشراً وخاصاً، أما تجربتك بدءا من ديوانك هذا فإن الأفق الإنسانى فى قصائدك مفتوح على اتساعه مثل «جدارية».. وما يعجبنى فى محمود درويش أن كل ديوان لديه يمثل مرحلة مستقلة فى مسيرته الشعرية وليس لديه ديوان يشبه الآخر، ولعلنى أشبهه إلى حد ما فى مجال الموسيقى حتى أن أحد النقاد الفرنسيين كان يقول لى إننى فى كل مرة تأتى إلى باريس تبدو «نصير شمة» مختلفاً عن العام السابق، ذلك لأن هاجس التجاوز والتنوع يشغلنى دائماً.
وقد اشتغلت على ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً: بدءاً من قصيدته لأمه حورية «تعاليم حورية» وفى عمان بالأردن وغيرها.
{ لم تقل على أى منهج اعتمدت فلسفة اختيارك لنصوص بعينها وأبرز ما أظهرته الموسيقى فى ديوان محمود درويش «لماذا تركت الحصان وحيداً».
}} الملمح الفكرى فى القصائد والملمح الفلسفى لأن الموسيقى لغة عالية من التجريد بل وتمثل ذروة التجريد، ولذلك حرصت على إنجاز نص موسيقى يمضى بالتوازى مع النص الشعرى لدرويش مستلهماً أجواءه وفكرته ومناخه وحالته وقدمت هذا فى 12 دولة فى العالم وأنا غير معنى بتقديم ترجمة موسيقية لنص شعرى حرفياً، أنا معنى باستلهام الجانب الفلسفى والفكرى والروحانى فى نص درويش ولذلك فإن «تعاليم حورية» من أجل المقطوعات التى ألفتها، وقد عنيت بين ما عنيت فى هذه القصيدة بإبراز خصوصية العلاقة بين درويش وأمه والعكس من خلال حواريين العود والأوركسترا حيث العود هو الأمم والأوركسترا هو الذى يجسد علاقات درويش بكل شيء «بأمه وبالإعلام وبالقصيدة وبالأصدقاء».
{ عودك بيتفلسف؟
}} لازم فعود بلا فلسفة أو فكر أو روح لا تعيش موسيقاه أبداً.
{ أنت أيضاً أقمت حواراً موسيقياً بالعود بينك وبين السنباطى والقصبجى وعبدالوهاب والموجى وزكريا أحمد ما طبيعة التجربة والغرض منها؟
}} هذه التجربة قدمتها من خلال الفضائية المصرية تحت عنوان «مع نصير شمة» وكان عبارة عن احتفاء برموز موسيقية مازلنا نتعلم منهم وبدأت بالخمسة الكبار الذين تفضلت بذكر أسمائهم وسيتواصل المشروع وما أفعله هو الاحتفاء بتجربتهم وتقديمها بشكل جاذب للأجيال الجديدة وبطريقة غير مألوفة، وأذكر أن الأستاذ أحمد السنباطى اتصل بى وظل يحدثنى على مدى نصف الساعة وقال فيما قال إن السنباطي.. لم ينجب أحمد ومحمود بل أنجب أحمد ومحمود ونصير، وقال لقد استمتعنا بتقديمك للجانب الصوفى حتى فى القصائد العاطفية التى لحنها السنباطى وليس فى القصائد الدينية فقط، وأنا أعتقد أن الشفافية تمنحك رحلة ممتعة داخل الآخر حتى وإن لم تربطك به علاقة طويلة مسبقة لقد قال لى الأستاذ أحمد «وكأنك عشت بيننا فى بيتنا» وأنا قدمت أولئك العمالقة كما أحسستهم وفهمتهم وفق رؤيتى وفى تصورى أن العمل الذى يعيش لأكثر من أربعة عقود فأكثر يستطيع أن يشكل ذائقة جيل كامل، لقد قدمت أولئك العمالقة كلاماً وعزفاً وقدمت ألحاناً من أعمالهم والمفترض أن يتم تعاوناً بينى وبين صوت القاهرة لمواصلة هذا المشروع.
{ وماذا عن سائر أعمالك وهى كثيرة، حيث لا توجد أسطوانة واحدة لك من إنتاج صو القاهرة؟
}} إذن دعونى لذلك سأرحب بالقطع، حيث لدى من الحياء ما يحول دون وقوفى على باب أحد، فأنا لا أعرض نفسي.
{ أنت أعدت إنتاج النشيد الوطنى الذى لحنه الموسيقار عبدالوهاب «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» ما الدافع؟
}} أنا مندهش لبقاء هذا النشيد حياً إلى الآن متجدداً، غير أغان وطنية أخرى فى عهد الزعيم عبدالناصر، والذى يدهشنى أكثر مع خلود هذا النشيد وبقائه راسخاً أن كل المعانى التى يتضمنها تشهد تراجعاً على أرض الواقع، وكل ما كان يحلم به الشاعر ويتحدث عنه فى هذا النشيد لم يتحقق حيث يقول النشيد عن الوطن العربى أن «يوم ورا يوم أمجاده بتكبر» فيما أنها فى الواقع «مجاد بتصغر»، لكننى مع رؤية الشاعر بأن ما ورد فى النشيد قد يتحقق يوماً ما فقد تكبر هذه الأمجاد سياسياً واقتصادياً وفنياً، فأنت تذكر مثلاً تلك الحرب المستعرة حول الدراما العربية وأيها أفضل وأيها أكثر تطوراً ثم ما لبثت أن خمدت المعركة ووجدنا فنانين عربا فى الدراما المصرية والعكس وحدث ما يشبه التكامل الدرامى الذى نحلم به فى سائر المجالات الأخري، وأقل مثال يمكن أن أستشهد به مثلاً هو مثال بيت العود العربى الذى صار يضم كل الجنسيات العربية بل وكثير من الدول الإسلامية على مدى 12 سنة دون خلاف ما فقط بقيت الصومال التى لم تنضم بعد إلى بيت العود والذى يضم أيضاً عازفين من أوروبا.
{ لكن لماذا لا تعيش كل الأغانى الوطنية الحديثة وبدت أشبه بظاهرة تظهر فجأة وتستمر على مدى أشهر بالأكثر ثم تخفت أو تختفى بينما بقيت الأغانى الوطنية فى الفترة الناصرية وبعضها فى العهود الملكية؟ ومازلنا فى مناسباتنا الوطنية نذيع أو نعود إلى الأغانى الوطنية القديمة؟
}} هنا أسباب كثيرة أذكر منها أن الأغانى الوطنية القديمة كان يتم كتابتها وتلحينها وغناؤها على نحو عظيم من المصداقية والحب وليس الغرض منها مثلاً أن المطرب رأى مطربين آخرين كثيرين غنوا لفوز المنتخب فيقول: «واشمعنى أنا لأ» ويرى المناسبة فرصة للظهور والاستماع الواسع فيخرج بأغنية متعجلة أشبه بـ«التيك أواي» لأن التليفزيون محتاج مادة استهلاكية لمناسبة بعينها ولكن هذا المطرب لا يعرف أن هذه الأغنية التى أضافها لرصيده قد أنقصت من رصيده لأن الدافع لم يكن وطنياً حقيقياً. ويحدث الأمر ذاته مع ظهور مطرب إسلاميات من أصل باكستانى أو بريطانى فتخرج هوجة من مطربى الغناء الإسلامى وهذا تقليد أعمي.
{ هناك مشروع لك عبارة عن أغنية جماعية عن القدس ما أخباره؟
}} أنا أعمل على هذا المشروع منذ عام كامل وقد شارك فيه بالغناء صباح فخرى وسعدون جابر وميادة الحناوى ولطفى شناق، وقام بالتوزيع الموسيقى المصرى عمر حمدى وقدمناه فى دمشق قبل أسبوع من هذا الحوار تقريباً ولا يمكن أن تتخيل رد فعل الجمهور، وميادة قالت لى هذا أول لحن أسمعه من زهرة المدائن إلى اليوم، فيما قال صباح فخرى «أنا عمرى ما سلمت دقنى لحد ولكن هذا اللحن سحرنى واستدرجني» ولطفى كان عظيما وكنا جميعا حريصين على العمق فى النشيد لكى يكتب له الخلود ودعنى أضرب لك مثلا بقصيدة «بغداد يا قلعة الأسود» التى لحنها رياض السنباطى منذ ستين عاما ومازالت من أجمل ما غنى عن بغداد ولم يتجاوزه عمل آخر إلى الآن كما أن نشيد بغداد جاء فى فترة مد قومى ناصرى عارم وواسع وممتد، اليوم هناك أعمال وطنية كثيرة وتأتى حاملة اسم حاكم عربى وسرعان ما يزول تأثيرها، فالأمر مختلف كلية بين كتابة نشيد باسم شخص أو كتابة نشيد من أجل وطن أولى له معنية أو وضع معين أو حرب.
{ ولماذا عاشت الكثير من الأغانى التى تضمنت اسم الرئيس عبدالناصر؟
}} لأنها خرجت فى سياق نهضوى شامل وفى أجواء مد قومى عربى كما أن الحالة العربية كانت مستنفرة وناهضة وحالمة بالتحرر، وأنا مندهش أيضا لخلود هذه الأغانى التى ولدت فى الفترة الناصرية رغم كمية الإجماع والاختلاف على عهد عبدالناصر فإما أن نجد من هم ضده 100% أو من معه 100% وهذه حالة فريدة فى حد ذاتها كما تمتع الرجل بحضور نوعى وكاريزما عامية ظاهرة.
{ يدهشنى أنك خضت تجربة موسيقية مع قصائد أدونيس التى تستعصى أحيانا على الأدباء أنفسهم، فهل لأن موسيقاك نخبوية الجمهور أيضا، وشاعر مثل أدونيس يحتاج احتشادا معرفيا ونفسيا فى قراءته.
}} تجربتى مع الصديق العزيز أدونيس اعتبرها أجمل رحلة فكرية عشتها وجعلتنى أتذوق الشعر بعين مختلفة، فأنا لا استطيع أن أخوض تجربة موسيقية مع الشعر إلا إذا عايشت هذا الشعر وتفاعلت معه وفهمته جيدا كما لو كان عندى امتحان، وشعر أدونيس غير جماهيرى بل هو لنخبة لأضيف مساحة جديدة إلى رصيدى وتجربتى ولأدخل منطقة جديدة وقد منحتنى هذه التجربة زادا فكرياً ومعرفياً جديداً.
{ ما النصوص التى اخترتها لأدونيس؟
}} من أول قصائده التفعيلية إلى قصائده النثرية وأول تجربة قدمناها كانت فى باريس سنة 2000م واخترت خمسة نصوص من كل مسيرته الشعرية وهى قصائد تمثل علاقته بالثوابت، مثل الأرض والوطن والمرأة وقيمته كشاعر وهناك نصوص لحنتها غنائيا وأخرى قدمتها موسيقى فقط، وقمنا بجولة واسعة فى نحو12 دولة وحظيت بمردود جماهيرى ممتاز ثم قدمت تجربة أخرى مع أمجد ناصر.
{ كعراقى هل أدليت بصوتك فى الانتخابات الأخيرة؟
}} لا
{ لماذا لست راضياً عنها أم لأنك تعرف النتيجة مسبقاً؟
}} لا كنت مسافراً وأصبت بوعكة مفاجئة
{ يقول البعض عن شعب العراق ـ وأرجو ألا تغضب أنه شعب لا يصلح له إلا حاكم مثل صدام حسين، فقد استطاع أن يسيطر على هذا التنوع الطائفى فى نسيج اجتماعى واحد.
}} هذا كلام غير صحيح، وعهد صدام حسين يمكنك أن تشبهه بأنه «كالقدر المكتوم» كما تقولون فى مصر «حلة الضغط» التى تستخدم فى الطهو، وإذا كنت تريد أن تعرف أن الشعب العراقى لم يكن مستسلما فلقد كان معى فى المعتقل أربعمائة سجين تم إعدام 198 سجينا منهم، وجميعهم كان متهما إما بمعارضة نظام صدام أو تشكيل خلايا ضده، وكانت هناك مقابر جماعية ضمت ضحايا معارضى نظام صدام وما قيل بهذا الخصوص عن شعب العراق زعم خاطئ فالعاق بلد شعراء ومثقفين وفنانين ومنه خرج النفردى والحلاج وأبوتمام ورابعة العدوية والطرق الصوفية كلها، وخرج منها العلماء فى الفلك والرياضيات والكيمياء.
وأنا ممزق مثل العراق، واحتلال العراق سيمتد تأثيره إلى المنطقة العربية كلها لصالح إسرائيل وما حدث للعراق مجرد بداية لكوارث قادمة على المنطقة، ويحزننى أن العرب فرحون بقتل صدام وأنهم شاركوا فى احتلال العراق ولا يعرفون أن الدور سيصيبهم حتما ولكن صدام كان عادلا فى ظلمه، بمعنى أن كل من عارضوه تعرضوا لظلمه، وقد ارتكب مجزرة فى الشمال وأخرى مماثلة فى الأهوار، ومع السنة والشيعة والأكراد وتكريت على حد سواء، جميعهم طالهم ظلم صدام، لقد أطلق كلابه السوداء على راجى التكريتى ابن عمه وكان طبيبا وأكلته الكلاب، لكن فى نهاية الأمر أنا ضد إعدامه بهذه الطريقة وفى توقيت عيد الأضحي.
{ لكن لم تقل لى عن أسباب وظروف اعتقالك عام 1989؟
}} خطفونى من الأردن حيث كنت هناك وفى عز نجاحى وكان هذا الاعتقال بسبب وشاية عنى لدى صدام حسين بتهمة أننى شتمته حينما كنت فى الأردن، وعصبوا عينى حتى أننى لم أكن أعرف فى أى معتقل أودعونى وهناك بقيت نحو 170 يوما وخمسين يوما أخرى فى المستشفى بسبب ما رأيته من أهوال تعذيب الناس فى المعتقل، ومسلسل الإعدام اليومي.
{ ولماذا أودعوك المستشفى فيما كان من السهل عليهم تنفيذ حكم الإعدام فيك كالآخرين حيث كان محكوماً عليك بالإعدام؟
}} كانت هناك تداخلات بشأنى من أكثر من مصدر.
{ لحنت أغنيات أو قدمت احتفاليات لصدام؟
}} أبدا لم يحدث وأنا فخور بذلك وسعيد أننى أفلت من تلك المرحلة دون أن أترك خلفى ما يسيء إلى كمبدع حر.
{ هناك من قالوا إنك قدمت أعمالاً من أجل صدام؟
}} هكذا كذب وافتراء وتلويث مقصود، فقد غادرت العراق عام 1993 وعلى من يتهمنى بذلك أن يقدم الدليل
{ كيف خرجت أولا من السجن؟
}} بتدخلات من أطراف كبيرة جدا وبالواسطات الكبيرة وبالرشاوى الكبيرة ولا توجد جمعية حقوقية فى العالم إلا وعرضت لقضيتي.
{ جمعيات أم رؤساء دول؟
}} أعتقد أن الأردن تدخلت، حيث كان اختطافى من الأردن فضيحة للنظام هناك كما تدخلت الملكة نور بوساطة وهذا ما بلغنى فضلا عن النقابات داخل وخارج العراق
{ وهل شتمت صدام فعلا؟
}} ما كنت لأشتم صدام أمام من وشى بى حيث كان ينتمى للنظام وهذا لم يكن خافيا على أحد، حتى أنا لو أردت أن أشتم صدام ما شتمته أمام ذلك الرجل لأن كل أهلى بالعراق.
{ من هو؟
}} الله يرحمه
{ من؟ ما اسمه؟
}} حينما كان على قيد الحياة «سودت عيشته» الآن لا أريد أن اذكر اسمه بعدما صار فى ذمة الله.
{ هناك ناس خانوا أوطاننا وهم فى ذمة الله أيضا ولكن التصريح بهم هو تصريح عن مخبرين للأنظمة العربية.
}}هو منير بشير وكان من أهم عازفى العود فى العراق.
{ غير فنية أليس كذلك؟
}} طبعا.. وهل كان وكيل وزارة الثقافة هناك وتركت العراق بسببه فى الأساس وقد قرأت بعينى الرسالة التى كتبها ضدى بخط يده لوزير الثقافة الذى رفعها بدوره لصدام ووقع عليها وزير الثقافة لطيف جاسم بقوله «تتخذ بحقه أشد الإجراءات القانونية» ثم وقع عليها صدام بقوله: «يرحمه الله» أى أنه حكم على بالإعدام ولم تكن هناك محاكمات وإنما هى محاكمات صورية يسألنى أفرادها عن اسمى كاملا ومن اسمى يحددون انتمائى العشائرى والطائفى ويسألون «عندك حد فى حزب الدعوة» وعندك حد فى كذا.. إذا كان كرديا أو شيوعيا «يروح فيها» والله شاهد على صدق ما أقوله الآن وما كنت أتمنى أن أتحدث فيه وكل محاكمة لا تستغرق أكثر من خمس دقائق وإذا قالوا لك «اطلع بره» يعنى تخرج ويتم إعدامك لكنهم قالوا لى «أنت معروف ولا نريد التورط فى دمك» ، «حانوديك مسقط رأسك» إذا ذكاك الناس هناك تطلع إذا لم يذكك أحد «يبقى الله يرحمك» وإذا قال رؤساء التنظيمات الخمسة إنك ليست شيوعيا أو فى حزب الدعوة ممكن يطلقون سراحك.
{ هل سامحت صدام حيث صار «فى ذمة الله» على حد تعبيرك؟
}} سامحته فيما يخصنى ولم أسامحه فيما ارتكب من فظائع وأكثرها تسببه فى احتلال العراق ولم يكن لديه حق فى غزو الكويت بعدما صارت دولة مستقلة وفق المواثيق الدولية، فمصر والسودان مثلاً كانتا دولة واحدة لكنه لا يحق لمصر الآن أن تغزو السودان ولا يحق لسوريا أن تحتل لبنان وهكذا.
{ بالطبع كعراقى تعرف الحجاج الثقفى الذى كان خطيباً مفوهاً وشاعراً كبيراً ورجلاً باطشاً وتعرف خطبته الشهيرة فى شعب العراق التى فاضت بالبلاغة ومازال البعض يستخدمها حجة على تسييس وترويض الشعب العراقى الجامح؟
}} لأن الشعب العراقى يستعصى على الترويض لأنه ابن سبع حضارات قبل الإسلام فهل تظن بذلك أنه سيكون سهل القياد مع أى طاغية، وعلى ذلك فلا يمكن التعامل مع هذا الشعب بالطريقة التى تعامل بها صدام أو الحجاج فلا الحجاج ولا صدام استطاعا السيطرة على العراق ولاحظ أن الشعب العراقى تجاوب وأفرز أجمل ما عنده مثلا فى فترة الرشيد حيث كان عهده عهد معرفة وعلم وأدب وترجمة وكان يحج عاما ويغزو عاماً وخرج فى عهده الفارابى وابن سينا وابن الهيثم والكندى حينما توفرت البيئة التى تنموا فيها العقليات الكبيرة وللأسف فإن الغرب فقط هو الذى فهم هذا وإسرائيل تفهم هذا ولهذا فإنه تم استهداف العراق وليس من أجل الإطاحة بصدام حسين، وكما تعلم فإن المتحف العراقى تم ضربه وسلبت ألواح السبى البابلى ونقلت إلى تل أبيب.
{ما رأيك فى الانتخابات العراقية؟
}} قائمة على أمور طائفية وتقسيمة برلمانية وهناك من يمثل أجندات دولية وأخرى شخصية والكثير ممن جاءوا على أسنة الرماح الأمريكية يقف العرب جميعا فى صفهم ويدعمونهم وخصوصا من جاءوا مع العراق ويدعموهم على حساب طائفى رغم معرفتهم بأنهم عملاء وما يحكم المشهد السياسى فى العراق الآن هى أجندة طائفية الغلبة فيها للأكثرية وأخشى ألا يكون هذا لصالح العراق والشعب العراقى بعد أن يجرب كل هذا وإذا لم تثبت جدية هؤلاء سيمزقهم الشعب العراقى وسندخل دوامة جديدة وأوباما سيخرج حتما لأن غزو العراق أثقل كاهل الميزانية الأمريكية.
{ كيف جاء مشروع بيت العود وفرقة عيون؟
}} كانت بيت العود حلم روادنى عام 1986 فى بغداد وكانت العراق فى حرب مع إيران وتم تأجيل الحلم فى تونس درست فى المعهد هناك لخمس سنوات إلى أن قررت أغادر تونس إلى لندن لأسس لمشروع بيت العود هناك وقطعنا شوطا فى هذا السياق، ثم قبل رحيلى بأربعين يوما إلى لندن التقيت الدكتورة رتيبة الحفنى على إفطار رمضانى فى تونس وكان بيننا صديق مشترك وسألتنى عن مشروع بيت العود فشرحت لها الأمر فقالت لماذا طاقتنا دائما تذهب للغرب، تعالى إلى مصر الناس يحبونك هناك وهناك بيئة مماثلة لبيئتك العراقية ومناخك العربي، وطلبت منى الانتظار وإذا بى أتلقى منها «فاكساً» بأنها تنتظرنى فى مصر فحضرت إلى مصر عام 1998 ودرست العود فى الأوبرا لمدة أسبوع وكانت مستشارة لدار الأوبرا وبدأ العدد يكبر والمكان يضيق فطلبت من الفنان فاروق حسنى ـ أن يخصص لى أحد البيوت الأثرية التى تم ترميمها فى القاهرة الفاطمية فإذا به يقول لى «فكرة هايلة» ورحب جدا حتى استقر بنا المقام فى بيت الهراوى فهو بيت مختلف معمارا وروحا ومكانا.
{ هل هناك مقابل مادى مجز؟
}} لا ولو أردت عائدا ماليا كبيرا ما جئت إلى مصر لكننى فخور بأننى أنجزت مشروعا كهذا فى مصر وفخور أن مصر أحبتنى وأنا أحببتها، وأنا صرت جزءا من النسيج الثقافى فى مصر.
{ أنت معنى بالموروث الموسيقى القديم وبالأخص العراقى مثل التراث الموسيقى البدوى وتراث زرياب والتراث الكردي
}} ما أقوم به هو إحياء وتحديث وتوثيق يعكس التنوع الثقافى للشعب العراقى مثل الموسيقى والبابلية الكروية ومقامات زرياب تحديدا وموسيقاى مزيج من هذا التنوع الفنى وخرجت موسيقاى مختلفة عن أبناء جيلى تماما وهى مازالت تعيش إلى الآن وقد ساعدتنى البحوث المسبقة يعنى حققت التأجيل والمعاصرة.
{ كيف تغلبت على الحس التطريبى فى الموسيقى العربية؟
}} هذه النزعة مهمة لأنها عاشت قرونا وهى تفصيلة من ثقافتنا والطرب ليس سبة إذا كان متأصلاً ولا يشكل معوقاً.
أجرى الحوار: ماهر حسن
»أقول للوطن العربي: «يوم ورا يوم أحلامه بتصغر» »تأثير احتلال العراق سيمتد على المنطقة العربية »أحد زملائى وشى بى لصدام حسين وحكم على بالإعدام بعدما تم اختطافى من الأردن »عودى بيتفلسف » شعب العراق العبقرى لا ينفع معه صدام ولا الاحتلال » الأغانى الوطنية الناصرية مازالت متجددة
» العرب فرحون بمقتل صدام واحتلال العراق ولا يعلمون أن الدوائر تدور
» رتيبة الحفنى اختطفتنى من تونس »أنا فخور بحب المصريين لى وبحبى للمصريين » محمود درويش وأدونيس اندهشا لتجربتى تلحين قصائدهما
» لم أدل بصوتى فى الانتخابات العراقية
نصير شمة حالة إبداعية استثنائية، انطلق من الأصالة إلى المعاصرة متجاوزا كل نعرات التحديث سابقا مجايليه، ولأن حوارنا هذا تقاطع مع مشهد عراقى فارق يجتاز مخاض التحول والتشكل، فقد كان للسياسة نصيب، ولا غرابة فى ذلك حيث السياسة تفصيلة حاضرة فى غير عمل من أعمال نصير شمة صاحب المغامرات الموسيقية المتعددة إذ قام بتلحين أشعار درويش وأدونيس وأمجد ناصر ولا يتسع المجال لحصر هذا الكم الضخم من الجوائز المحلية والعربية والدولية التى حاز عليها نصير.
أسس نصير شمة بيت العود فى منزل الهراوى وأسس نماذج مماثلة منه فى دول أخرى غير أن بيت عود القاهرة كان دائما الأكثر زخما وعطاء والأكثر عددا من حيث أعضائه، ألف نصير مقطوعات موسيقية وموسيقى تصويرية لأعمال فنية فى الدراما والسينما والمسرح.
وهو مولود فى الكويت بالعراق عام 1963 ودرس فى بغداد ووثق لجرائم الغزو الأمريكى للعراق فنيا مثل «حلم ريم» و«إلا بغداد» و«حدث فى العامرية» كما ألف لغزة «ألف قبلة وقبلة لغزة» قدم نصير عروضه على مسارح العالم تقريبا كلها، والتقيناه فى بيت العود وكان هذا الحوار..
{ ما قصة العمل الخيرى الذى قمت به لأطفال العراق؟
}} هل تعلم أننى أؤمن بالتزكية عن الموهبة وأنا بهذا المعنى أزكى عن موهبتى مثل من يزكى عن صحته أو ثروته.
{ وهل شكل من أشكال الزكاة عن الموهبة أن تتبرع فى تأسيس عمل خيرى للأطفال وهذا فعلته أنت؟
}}بدأت أهتم بعد 40 يوماً من وقف إطلاق النار، وبدأت حملة من أجل علاج أطفال العراق إلى اليوم من خلال مؤسسة عراقية تحمل اسم «مجلس ثقافة ورعاية أطفال العراق» وأسميتها الآن «طريق الزهور» ومن خلال هذه المؤسسة أعالج الأطفال وأتبنى الموهوبين منهم واليوم المفترض أننى على موعد مع بعض الأطفال المصابين الموجودين فى مصر فى محاولة لتلبية احتياجاتهم، لأن أولئك الأطفال استغرقوا زمناً فى العلاج بسبب ما تعرضوا له من إصابات تعجيزية وحروق إبان الغزو الأمريكى للعراق وهناك فى العراق مجموعة من أصدقائى من الأطباء المصريين الذين لا أنسى وقفتهم معى فى هذا المشروع الإنسانى فهم يقومون بتقديم العلاج لأطفال العراق بنصف التكلفة وأذكر منهم الدكتور عمر عبدالعزيز وماجد بهجت وناصر النادى وغيرهم كثيراً.
{ لم تقف مساعدتك لأطفال العراق على الدعم المادى ولكنك أيضاً تأثرت بمأساتهم وألفت الكثير من المقطوعات الموسيقية التى تناولت مأساتهم.
}} أنا أشعر بضعف خاص إزاء الأطفال عموماً فهم كائن بريء لم يلوث بعد وكائن ضعيف ومغلوب على أمره كما أنهم يمثلون المستقبل فما بالك بأطفال العراق الذين صارت نسبة 80% منهم أيتاماً أو أصابتهم التشوهات والحروق خلال فترة الغزو.
{ ولذلك فإن مقطوعتك «حدث فى العامرية» هى أقرب المقطوعات الموسيقية إلى قلبك خاصة وأنك ذهبت لملجأ العامرية للأطفال بعض قصف الأمريكيين له لتعايش الحالة؟
}} ما لا تعلمه أننى عشت فى هذا الملجأ أسبوعاً حتى انتهيت من تأليف مقطوعتي، وعلى أثر عزفى لها فى الذكرى الأولى لقصف الملجأ انتابتنى حالة نفسية سيئة ألزمتنى غرفة العناية المركزة لأكثر من أسبوع لما خلفته فى هذه الحالة من ألم نفسي، لقد كان هناك فى هذه الجريمة اللا إنسانية نحو ثمانمائة طفل أشلاؤهم موزعة فى المكان وكتبهم ملطخة بالدماء.
{ لقد خضت تجربة جميلة جداً مع قصائد الشاعر الفلسطينى الراحل الكبير محمود درويش، حيث استوحيت موسيقاك من نحو خمس قصائد له، أى القصائد التى اخترتها لمحمود درويش: كيف ترجمت أجواء القصائد ومضمونها وحالاتها موسيقياً؟ وما أهم ما أبرزته موسيقاك من ملامح درويش الشعرية وما الذى التقطه وفلسفة اختيارك لنصوصه؟
}} قد تندهش حينما أقول لك إنه فى الجلسة المطولة مع الشاعر الكبير محمود درويش إنه سألنى سؤالك هذا بالضبط؟ كما أنه سألنى قائلاً: لماذا وقفت مع تجربتى تحديداً فقلت له لأننى ضد الشعار ومع الفكر فسألنى المزيد من الإيضاح فقلت له إن تجربته الشعرية ما قبل ديوانه «لماذا تركت الحصان وحيداً» شكل وطريق واتجاه وما بعد هذا الديوان شكل آخر وتناول آخر واتجاه آخر، فقال نحن متفقون ثم عاد وسألنى قائلاً: ولكن ما الذى استوقفك فى تجربة «لماذا تركت الحصان وحيداً»؟ فقلت له، لأنه بدءاً من هذه المرحلة فصاعداً من الممكن أن يترجم شعر محمود درويش إلى شعر كونى وما قبلها كان شعاراً ومنشوراً شعرياً سياسياً مباشراً وخاصاً، أما تجربتك بدءا من ديوانك هذا فإن الأفق الإنسانى فى قصائدك مفتوح على اتساعه مثل «جدارية».. وما يعجبنى فى محمود درويش أن كل ديوان لديه يمثل مرحلة مستقلة فى مسيرته الشعرية وليس لديه ديوان يشبه الآخر، ولعلنى أشبهه إلى حد ما فى مجال الموسيقى حتى أن أحد النقاد الفرنسيين كان يقول لى إننى فى كل مرة تأتى إلى باريس تبدو «نصير شمة» مختلفاً عن العام السابق، ذلك لأن هاجس التجاوز والتنوع يشغلنى دائماً.
وقد اشتغلت على ديوان «لماذا تركت الحصان وحيداً: بدءاً من قصيدته لأمه حورية «تعاليم حورية» وفى عمان بالأردن وغيرها.
{ لم تقل على أى منهج اعتمدت فلسفة اختيارك لنصوص بعينها وأبرز ما أظهرته الموسيقى فى ديوان محمود درويش «لماذا تركت الحصان وحيداً».
}} الملمح الفكرى فى القصائد والملمح الفلسفى لأن الموسيقى لغة عالية من التجريد بل وتمثل ذروة التجريد، ولذلك حرصت على إنجاز نص موسيقى يمضى بالتوازى مع النص الشعرى لدرويش مستلهماً أجواءه وفكرته ومناخه وحالته وقدمت هذا فى 12 دولة فى العالم وأنا غير معنى بتقديم ترجمة موسيقية لنص شعرى حرفياً، أنا معنى باستلهام الجانب الفلسفى والفكرى والروحانى فى نص درويش ولذلك فإن «تعاليم حورية» من أجل المقطوعات التى ألفتها، وقد عنيت بين ما عنيت فى هذه القصيدة بإبراز خصوصية العلاقة بين درويش وأمه والعكس من خلال حواريين العود والأوركسترا حيث العود هو الأمم والأوركسترا هو الذى يجسد علاقات درويش بكل شيء «بأمه وبالإعلام وبالقصيدة وبالأصدقاء».
{ عودك بيتفلسف؟
}} لازم فعود بلا فلسفة أو فكر أو روح لا تعيش موسيقاه أبداً.
{ أنت أيضاً أقمت حواراً موسيقياً بالعود بينك وبين السنباطى والقصبجى وعبدالوهاب والموجى وزكريا أحمد ما طبيعة التجربة والغرض منها؟
}} هذه التجربة قدمتها من خلال الفضائية المصرية تحت عنوان «مع نصير شمة» وكان عبارة عن احتفاء برموز موسيقية مازلنا نتعلم منهم وبدأت بالخمسة الكبار الذين تفضلت بذكر أسمائهم وسيتواصل المشروع وما أفعله هو الاحتفاء بتجربتهم وتقديمها بشكل جاذب للأجيال الجديدة وبطريقة غير مألوفة، وأذكر أن الأستاذ أحمد السنباطى اتصل بى وظل يحدثنى على مدى نصف الساعة وقال فيما قال إن السنباطي.. لم ينجب أحمد ومحمود بل أنجب أحمد ومحمود ونصير، وقال لقد استمتعنا بتقديمك للجانب الصوفى حتى فى القصائد العاطفية التى لحنها السنباطى وليس فى القصائد الدينية فقط، وأنا أعتقد أن الشفافية تمنحك رحلة ممتعة داخل الآخر حتى وإن لم تربطك به علاقة طويلة مسبقة لقد قال لى الأستاذ أحمد «وكأنك عشت بيننا فى بيتنا» وأنا قدمت أولئك العمالقة كما أحسستهم وفهمتهم وفق رؤيتى وفى تصورى أن العمل الذى يعيش لأكثر من أربعة عقود فأكثر يستطيع أن يشكل ذائقة جيل كامل، لقد قدمت أولئك العمالقة كلاماً وعزفاً وقدمت ألحاناً من أعمالهم والمفترض أن يتم تعاوناً بينى وبين صوت القاهرة لمواصلة هذا المشروع.
{ وماذا عن سائر أعمالك وهى كثيرة، حيث لا توجد أسطوانة واحدة لك من إنتاج صو القاهرة؟
}} إذن دعونى لذلك سأرحب بالقطع، حيث لدى من الحياء ما يحول دون وقوفى على باب أحد، فأنا لا أعرض نفسي.
{ أنت أعدت إنتاج النشيد الوطنى الذى لحنه الموسيقار عبدالوهاب «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» ما الدافع؟
}} أنا مندهش لبقاء هذا النشيد حياً إلى الآن متجدداً، غير أغان وطنية أخرى فى عهد الزعيم عبدالناصر، والذى يدهشنى أكثر مع خلود هذا النشيد وبقائه راسخاً أن كل المعانى التى يتضمنها تشهد تراجعاً على أرض الواقع، وكل ما كان يحلم به الشاعر ويتحدث عنه فى هذا النشيد لم يتحقق حيث يقول النشيد عن الوطن العربى أن «يوم ورا يوم أمجاده بتكبر» فيما أنها فى الواقع «مجاد بتصغر»، لكننى مع رؤية الشاعر بأن ما ورد فى النشيد قد يتحقق يوماً ما فقد تكبر هذه الأمجاد سياسياً واقتصادياً وفنياً، فأنت تذكر مثلاً تلك الحرب المستعرة حول الدراما العربية وأيها أفضل وأيها أكثر تطوراً ثم ما لبثت أن خمدت المعركة ووجدنا فنانين عربا فى الدراما المصرية والعكس وحدث ما يشبه التكامل الدرامى الذى نحلم به فى سائر المجالات الأخري، وأقل مثال يمكن أن أستشهد به مثلاً هو مثال بيت العود العربى الذى صار يضم كل الجنسيات العربية بل وكثير من الدول الإسلامية على مدى 12 سنة دون خلاف ما فقط بقيت الصومال التى لم تنضم بعد إلى بيت العود والذى يضم أيضاً عازفين من أوروبا.
{ لكن لماذا لا تعيش كل الأغانى الوطنية الحديثة وبدت أشبه بظاهرة تظهر فجأة وتستمر على مدى أشهر بالأكثر ثم تخفت أو تختفى بينما بقيت الأغانى الوطنية فى الفترة الناصرية وبعضها فى العهود الملكية؟ ومازلنا فى مناسباتنا الوطنية نذيع أو نعود إلى الأغانى الوطنية القديمة؟
}} هنا أسباب كثيرة أذكر منها أن الأغانى الوطنية القديمة كان يتم كتابتها وتلحينها وغناؤها على نحو عظيم من المصداقية والحب وليس الغرض منها مثلاً أن المطرب رأى مطربين آخرين كثيرين غنوا لفوز المنتخب فيقول: «واشمعنى أنا لأ» ويرى المناسبة فرصة للظهور والاستماع الواسع فيخرج بأغنية متعجلة أشبه بـ«التيك أواي» لأن التليفزيون محتاج مادة استهلاكية لمناسبة بعينها ولكن هذا المطرب لا يعرف أن هذه الأغنية التى أضافها لرصيده قد أنقصت من رصيده لأن الدافع لم يكن وطنياً حقيقياً. ويحدث الأمر ذاته مع ظهور مطرب إسلاميات من أصل باكستانى أو بريطانى فتخرج هوجة من مطربى الغناء الإسلامى وهذا تقليد أعمي.
{ هناك مشروع لك عبارة عن أغنية جماعية عن القدس ما أخباره؟
}} أنا أعمل على هذا المشروع منذ عام كامل وقد شارك فيه بالغناء صباح فخرى وسعدون جابر وميادة الحناوى ولطفى شناق، وقام بالتوزيع الموسيقى المصرى عمر حمدى وقدمناه فى دمشق قبل أسبوع من هذا الحوار تقريباً ولا يمكن أن تتخيل رد فعل الجمهور، وميادة قالت لى هذا أول لحن أسمعه من زهرة المدائن إلى اليوم، فيما قال صباح فخرى «أنا عمرى ما سلمت دقنى لحد ولكن هذا اللحن سحرنى واستدرجني» ولطفى كان عظيما وكنا جميعا حريصين على العمق فى النشيد لكى يكتب له الخلود ودعنى أضرب لك مثلا بقصيدة «بغداد يا قلعة الأسود» التى لحنها رياض السنباطى منذ ستين عاما ومازالت من أجمل ما غنى عن بغداد ولم يتجاوزه عمل آخر إلى الآن كما أن نشيد بغداد جاء فى فترة مد قومى ناصرى عارم وواسع وممتد، اليوم هناك أعمال وطنية كثيرة وتأتى حاملة اسم حاكم عربى وسرعان ما يزول تأثيرها، فالأمر مختلف كلية بين كتابة نشيد باسم شخص أو كتابة نشيد من أجل وطن أولى له معنية أو وضع معين أو حرب.
{ ولماذا عاشت الكثير من الأغانى التى تضمنت اسم الرئيس عبدالناصر؟
}} لأنها خرجت فى سياق نهضوى شامل وفى أجواء مد قومى عربى كما أن الحالة العربية كانت مستنفرة وناهضة وحالمة بالتحرر، وأنا مندهش أيضا لخلود هذه الأغانى التى ولدت فى الفترة الناصرية رغم كمية الإجماع والاختلاف على عهد عبدالناصر فإما أن نجد من هم ضده 100% أو من معه 100% وهذه حالة فريدة فى حد ذاتها كما تمتع الرجل بحضور نوعى وكاريزما عامية ظاهرة.
{ يدهشنى أنك خضت تجربة موسيقية مع قصائد أدونيس التى تستعصى أحيانا على الأدباء أنفسهم، فهل لأن موسيقاك نخبوية الجمهور أيضا، وشاعر مثل أدونيس يحتاج احتشادا معرفيا ونفسيا فى قراءته.
}} تجربتى مع الصديق العزيز أدونيس اعتبرها أجمل رحلة فكرية عشتها وجعلتنى أتذوق الشعر بعين مختلفة، فأنا لا استطيع أن أخوض تجربة موسيقية مع الشعر إلا إذا عايشت هذا الشعر وتفاعلت معه وفهمته جيدا كما لو كان عندى امتحان، وشعر أدونيس غير جماهيرى بل هو لنخبة لأضيف مساحة جديدة إلى رصيدى وتجربتى ولأدخل منطقة جديدة وقد منحتنى هذه التجربة زادا فكرياً ومعرفياً جديداً.
{ ما النصوص التى اخترتها لأدونيس؟
}} من أول قصائده التفعيلية إلى قصائده النثرية وأول تجربة قدمناها كانت فى باريس سنة 2000م واخترت خمسة نصوص من كل مسيرته الشعرية وهى قصائد تمثل علاقته بالثوابت، مثل الأرض والوطن والمرأة وقيمته كشاعر وهناك نصوص لحنتها غنائيا وأخرى قدمتها موسيقى فقط، وقمنا بجولة واسعة فى نحو12 دولة وحظيت بمردود جماهيرى ممتاز ثم قدمت تجربة أخرى مع أمجد ناصر.
{ كعراقى هل أدليت بصوتك فى الانتخابات الأخيرة؟
}} لا
{ لماذا لست راضياً عنها أم لأنك تعرف النتيجة مسبقاً؟
}} لا كنت مسافراً وأصبت بوعكة مفاجئة
{ يقول البعض عن شعب العراق ـ وأرجو ألا تغضب أنه شعب لا يصلح له إلا حاكم مثل صدام حسين، فقد استطاع أن يسيطر على هذا التنوع الطائفى فى نسيج اجتماعى واحد.
}} هذا كلام غير صحيح، وعهد صدام حسين يمكنك أن تشبهه بأنه «كالقدر المكتوم» كما تقولون فى مصر «حلة الضغط» التى تستخدم فى الطهو، وإذا كنت تريد أن تعرف أن الشعب العراقى لم يكن مستسلما فلقد كان معى فى المعتقل أربعمائة سجين تم إعدام 198 سجينا منهم، وجميعهم كان متهما إما بمعارضة نظام صدام أو تشكيل خلايا ضده، وكانت هناك مقابر جماعية ضمت ضحايا معارضى نظام صدام وما قيل بهذا الخصوص عن شعب العراق زعم خاطئ فالعاق بلد شعراء ومثقفين وفنانين ومنه خرج النفردى والحلاج وأبوتمام ورابعة العدوية والطرق الصوفية كلها، وخرج منها العلماء فى الفلك والرياضيات والكيمياء.
وأنا ممزق مثل العراق، واحتلال العراق سيمتد تأثيره إلى المنطقة العربية كلها لصالح إسرائيل وما حدث للعراق مجرد بداية لكوارث قادمة على المنطقة، ويحزننى أن العرب فرحون بقتل صدام وأنهم شاركوا فى احتلال العراق ولا يعرفون أن الدور سيصيبهم حتما ولكن صدام كان عادلا فى ظلمه، بمعنى أن كل من عارضوه تعرضوا لظلمه، وقد ارتكب مجزرة فى الشمال وأخرى مماثلة فى الأهوار، ومع السنة والشيعة والأكراد وتكريت على حد سواء، جميعهم طالهم ظلم صدام، لقد أطلق كلابه السوداء على راجى التكريتى ابن عمه وكان طبيبا وأكلته الكلاب، لكن فى نهاية الأمر أنا ضد إعدامه بهذه الطريقة وفى توقيت عيد الأضحي.
{ لكن لم تقل لى عن أسباب وظروف اعتقالك عام 1989؟
}} خطفونى من الأردن حيث كنت هناك وفى عز نجاحى وكان هذا الاعتقال بسبب وشاية عنى لدى صدام حسين بتهمة أننى شتمته حينما كنت فى الأردن، وعصبوا عينى حتى أننى لم أكن أعرف فى أى معتقل أودعونى وهناك بقيت نحو 170 يوما وخمسين يوما أخرى فى المستشفى بسبب ما رأيته من أهوال تعذيب الناس فى المعتقل، ومسلسل الإعدام اليومي.
{ ولماذا أودعوك المستشفى فيما كان من السهل عليهم تنفيذ حكم الإعدام فيك كالآخرين حيث كان محكوماً عليك بالإعدام؟
}} كانت هناك تداخلات بشأنى من أكثر من مصدر.
{ لحنت أغنيات أو قدمت احتفاليات لصدام؟
}} أبدا لم يحدث وأنا فخور بذلك وسعيد أننى أفلت من تلك المرحلة دون أن أترك خلفى ما يسيء إلى كمبدع حر.
{ هناك من قالوا إنك قدمت أعمالاً من أجل صدام؟
}} هكذا كذب وافتراء وتلويث مقصود، فقد غادرت العراق عام 1993 وعلى من يتهمنى بذلك أن يقدم الدليل
{ كيف خرجت أولا من السجن؟
}} بتدخلات من أطراف كبيرة جدا وبالواسطات الكبيرة وبالرشاوى الكبيرة ولا توجد جمعية حقوقية فى العالم إلا وعرضت لقضيتي.
{ جمعيات أم رؤساء دول؟
}} أعتقد أن الأردن تدخلت، حيث كان اختطافى من الأردن فضيحة للنظام هناك كما تدخلت الملكة نور بوساطة وهذا ما بلغنى فضلا عن النقابات داخل وخارج العراق
{ وهل شتمت صدام فعلا؟
}} ما كنت لأشتم صدام أمام من وشى بى حيث كان ينتمى للنظام وهذا لم يكن خافيا على أحد، حتى أنا لو أردت أن أشتم صدام ما شتمته أمام ذلك الرجل لأن كل أهلى بالعراق.
{ من هو؟
}} الله يرحمه
{ من؟ ما اسمه؟
}} حينما كان على قيد الحياة «سودت عيشته» الآن لا أريد أن اذكر اسمه بعدما صار فى ذمة الله.
{ هناك ناس خانوا أوطاننا وهم فى ذمة الله أيضا ولكن التصريح بهم هو تصريح عن مخبرين للأنظمة العربية.
}}هو منير بشير وكان من أهم عازفى العود فى العراق.
{ غير فنية أليس كذلك؟
}} طبعا.. وهل كان وكيل وزارة الثقافة هناك وتركت العراق بسببه فى الأساس وقد قرأت بعينى الرسالة التى كتبها ضدى بخط يده لوزير الثقافة الذى رفعها بدوره لصدام ووقع عليها وزير الثقافة لطيف جاسم بقوله «تتخذ بحقه أشد الإجراءات القانونية» ثم وقع عليها صدام بقوله: «يرحمه الله» أى أنه حكم على بالإعدام ولم تكن هناك محاكمات وإنما هى محاكمات صورية يسألنى أفرادها عن اسمى كاملا ومن اسمى يحددون انتمائى العشائرى والطائفى ويسألون «عندك حد فى حزب الدعوة» وعندك حد فى كذا.. إذا كان كرديا أو شيوعيا «يروح فيها» والله شاهد على صدق ما أقوله الآن وما كنت أتمنى أن أتحدث فيه وكل محاكمة لا تستغرق أكثر من خمس دقائق وإذا قالوا لك «اطلع بره» يعنى تخرج ويتم إعدامك لكنهم قالوا لى «أنت معروف ولا نريد التورط فى دمك» ، «حانوديك مسقط رأسك» إذا ذكاك الناس هناك تطلع إذا لم يذكك أحد «يبقى الله يرحمك» وإذا قال رؤساء التنظيمات الخمسة إنك ليست شيوعيا أو فى حزب الدعوة ممكن يطلقون سراحك.
{ هل سامحت صدام حيث صار «فى ذمة الله» على حد تعبيرك؟
}} سامحته فيما يخصنى ولم أسامحه فيما ارتكب من فظائع وأكثرها تسببه فى احتلال العراق ولم يكن لديه حق فى غزو الكويت بعدما صارت دولة مستقلة وفق المواثيق الدولية، فمصر والسودان مثلاً كانتا دولة واحدة لكنه لا يحق لمصر الآن أن تغزو السودان ولا يحق لسوريا أن تحتل لبنان وهكذا.
{ بالطبع كعراقى تعرف الحجاج الثقفى الذى كان خطيباً مفوهاً وشاعراً كبيراً ورجلاً باطشاً وتعرف خطبته الشهيرة فى شعب العراق التى فاضت بالبلاغة ومازال البعض يستخدمها حجة على تسييس وترويض الشعب العراقى الجامح؟
}} لأن الشعب العراقى يستعصى على الترويض لأنه ابن سبع حضارات قبل الإسلام فهل تظن بذلك أنه سيكون سهل القياد مع أى طاغية، وعلى ذلك فلا يمكن التعامل مع هذا الشعب بالطريقة التى تعامل بها صدام أو الحجاج فلا الحجاج ولا صدام استطاعا السيطرة على العراق ولاحظ أن الشعب العراقى تجاوب وأفرز أجمل ما عنده مثلا فى فترة الرشيد حيث كان عهده عهد معرفة وعلم وأدب وترجمة وكان يحج عاما ويغزو عاماً وخرج فى عهده الفارابى وابن سينا وابن الهيثم والكندى حينما توفرت البيئة التى تنموا فيها العقليات الكبيرة وللأسف فإن الغرب فقط هو الذى فهم هذا وإسرائيل تفهم هذا ولهذا فإنه تم استهداف العراق وليس من أجل الإطاحة بصدام حسين، وكما تعلم فإن المتحف العراقى تم ضربه وسلبت ألواح السبى البابلى ونقلت إلى تل أبيب.
{ما رأيك فى الانتخابات العراقية؟
}} قائمة على أمور طائفية وتقسيمة برلمانية وهناك من يمثل أجندات دولية وأخرى شخصية والكثير ممن جاءوا على أسنة الرماح الأمريكية يقف العرب جميعا فى صفهم ويدعمونهم وخصوصا من جاءوا مع العراق ويدعموهم على حساب طائفى رغم معرفتهم بأنهم عملاء وما يحكم المشهد السياسى فى العراق الآن هى أجندة طائفية الغلبة فيها للأكثرية وأخشى ألا يكون هذا لصالح العراق والشعب العراقى بعد أن يجرب كل هذا وإذا لم تثبت جدية هؤلاء سيمزقهم الشعب العراقى وسندخل دوامة جديدة وأوباما سيخرج حتما لأن غزو العراق أثقل كاهل الميزانية الأمريكية.
{ كيف جاء مشروع بيت العود وفرقة عيون؟
}} كانت بيت العود حلم روادنى عام 1986 فى بغداد وكانت العراق فى حرب مع إيران وتم تأجيل الحلم فى تونس درست فى المعهد هناك لخمس سنوات إلى أن قررت أغادر تونس إلى لندن لأسس لمشروع بيت العود هناك وقطعنا شوطا فى هذا السياق، ثم قبل رحيلى بأربعين يوما إلى لندن التقيت الدكتورة رتيبة الحفنى على إفطار رمضانى فى تونس وكان بيننا صديق مشترك وسألتنى عن مشروع بيت العود فشرحت لها الأمر فقالت لماذا طاقتنا دائما تذهب للغرب، تعالى إلى مصر الناس يحبونك هناك وهناك بيئة مماثلة لبيئتك العراقية ومناخك العربي، وطلبت منى الانتظار وإذا بى أتلقى منها «فاكساً» بأنها تنتظرنى فى مصر فحضرت إلى مصر عام 1998 ودرست العود فى الأوبرا لمدة أسبوع وكانت مستشارة لدار الأوبرا وبدأ العدد يكبر والمكان يضيق فطلبت من الفنان فاروق حسنى ـ أن يخصص لى أحد البيوت الأثرية التى تم ترميمها فى القاهرة الفاطمية فإذا به يقول لى «فكرة هايلة» ورحب جدا حتى استقر بنا المقام فى بيت الهراوى فهو بيت مختلف معمارا وروحا ومكانا.
{ هل هناك مقابل مادى مجز؟
}} لا ولو أردت عائدا ماليا كبيرا ما جئت إلى مصر لكننى فخور بأننى أنجزت مشروعا كهذا فى مصر وفخور أن مصر أحبتنى وأنا أحببتها، وأنا صرت جزءا من النسيج الثقافى فى مصر.
{ أنت معنى بالموروث الموسيقى القديم وبالأخص العراقى مثل التراث الموسيقى البدوى وتراث زرياب والتراث الكردي
}} ما أقوم به هو إحياء وتحديث وتوثيق يعكس التنوع الثقافى للشعب العراقى مثل الموسيقى والبابلية الكروية ومقامات زرياب تحديدا وموسيقاى مزيج من هذا التنوع الفنى وخرجت موسيقاى مختلفة عن أبناء جيلى تماما وهى مازالت تعيش إلى الآن وقد ساعدتنى البحوث المسبقة يعنى حققت التأجيل والمعاصرة.
{ كيف تغلبت على الحس التطريبى فى الموسيقى العربية؟
}} هذه النزعة مهمة لأنها عاشت قرونا وهى تفصيلة من ثقافتنا والطرب ليس سبة إذا كان متأصلاً ولا يشكل معوقاً.