مجاهدون
09-17-2004, 10:33 AM
خالص جلبي
تذكر تصريحات كولن باول، وزير الخارجية الأميركية، في صيف 2004، عن خطأ أميركا في العراق بقصة أسطورية عن الحمار الذي فقد ذيله; فقد جاء في كتاب «خرافات الهند» لبلباي من القرن الرابع، أن حماراً فقد يوماً ذيله، فكان يوم محزنه، وراح يبحث عن ذيله في كل مكان، فقد بلغ من حمقه أنه اعتقد أن من الممكن تركيب ذيله مرة أخرى، فاستشار ثعلبا وابن آوى في ذلك، فدلاه بغرور أن ذنبه في أرض بستاني، فانطلق الحمار لا يلوي على شيء، حتى دخل حديقة البستاني فوطأ الكثير من النباتات، فلم يتحمل البستاني المنظر واستشاط غضبا فهجم على الحمار فقطع أذنيه، وأخرجه من الأرض بعد طول عناد ومقاومة، وهكذا فإن الحمار الذي كان يندب ذيله، خرج من الحقل بدون ذنب وأذنين. وهذا المصير ينتظر أميركا في العراق، وهذه القصة تحكي حماقة أميركا ونصيحة الصهيونية والمعارضة العراقية، التي أوحت لبوش زخرف القول غرورا فغرق في المستنقع. وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.
وما حدث في سبتمبر كان يجب أن يحدث. ومن رأى فيلم (خوف كل المخاوف Sum of all Fears) يحمد الله أن لم تنفجر قنبلة نووية، فتودي بكل «مانهاتن». والخلفية الفلسفية للحدث هي صدام «الفوضى». وعندما يجتمع سكرانان في حانة، فيجب أن نتوقع تطاير الشظايا; فالغرب يعيش حالة «الفوضى»، ونحن نعيش فوضى أشد. وحسب المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي يقوم باستعراض مواز للفوضى المزدوجة في كتابه «وجهة العالم الإسلامي» فـ«إن هناك تأثيرا متبادلاً بين فوضانا وفوضى الغرب، فكلتاهما ذات وجهين، يؤلفان في مجموعهما ظاهرة مشتركة في جميع الحضارات، هي ظاهرة تخلف الضمير في نموه عن العلم وحركة الفكر، وما الضمير إلا تلخيص نفسي للتاريخ».
والعالم الإسلامي «يقف في منطقة «حرام» في التاريخ، ما بين فوضى عصر ما بعد الموحدين والنظام الغربي».
وحينما تعرف العالم الإسلامي على الغرب، لم يكن في أحسن أحواله بل «اكتشف فوضى تتعاظم داخلها الانفصالات طبقا لعاملين لهما وزن كبير هما: سرعة النمو العلمي والتوسع الاستعماري».
والاستعمار داء ذو حدين: فهو يقتل نفسية المستعمَرين، ويودي بصاحبه إلى الانحطاط الأخلاقي. وقصة سجن (أبو غريب) في العراق، مظهر للمرض الاستعماري العميق.
وبقدر ما كان «علم الكلام» قدرا محتوما في انحطاط المسلمين، بقدر تسارع الانفكاك بين العلم» و«النزعة الاستعمارية»، لتصبح قدرا مكتوبا في فوضى الغرب وانحطاطه الأخلاقي. وهو مؤشر ذهب إليه المؤرخ شبنجلر في كتابه «أفول الغرب»، أن «الاستعمار» بت في مصير الحضارة الغربية بغير رجعة. وأكده المؤرخ الألماني الكسندر ديماندت Alxander Demandt في المقابلة التي أجرتها معه مجلة المرآة الألمانية في ابريل 1994، والتي يرى فيها ظروفا مشابهة لنهاية روما أيام ماركوس أوريليوس مع الغرب الحالي.
ومجيء أميركا بدون شرعية دولية إلى العراق، يعني أن العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما كان هناك ملك يحكم الغابة، فأميركا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغابة أن «القوي يأكل الضعيف» كذلك الحال في غابة «الأمم المتحدة». فروسيا تبتلع الشيشان، والعراق يلتهم الكويت، وأميركا بدورها تلتهم العراق.
وكما تنوعت الحيوانات في «السفاري» التي تسرح فيها «الضواري»، كذلك الحال في الغابة العالمية اليوم. بين أسد أميركي ودب روسي ونمر أوربي وثعلب صهيوني وجمل عربي وفيل هندي وقرد أفريقي.
وهذه الغابة لها قوانينها الصارمة. فالأنياب والمخالب للأسود والنمور والثعالب. ويمكن لهم امتلاك السلاح النووي، ولكن حمار الوحش الإيراني ليس له أنياب؟ فكيف يركب له أنيابا نووية؟
وصدق جورج أورويل في كتابه عن المزرعةThe Farm، أن الخنازير هم الذين سيديرونها في النهاية ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العض.
وكما يقول روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة»: «إن عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة، ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، وهناك أيضاً أعداد هائلة من المخلوقات كالضباع ونسور الجيف التي تعتاش من صيد الآخرين».
وعندما يموت ابن الأسد تبكي كل الغابة. وإذا مات الجرذ فلا يسمع به أحد.
وفي أحداث سبتمبر بكى كل العالم عجما وعربا. وعندما مات ألف في قصف صاروخي في ملجأ العامرية بكى العراقيون وحدهم. وما يصدر من أميركا حاليا، هو الذي يسود حتى المصطلحات، فهم الذين عمموا كلمة العولمة Globalization والأصوليةFundamentalism والشفافيةTransparency . وهم الذين يفصّلون ونحن الذين نلبس. وكما يقول ابن خلدون في المقدمة:«إن المغلوب يقلد الغالب للاعتقاد بكماله. فهو يقلده في شعاره وزيه ونحلته وسائر عوائده».
ومع أن أميركا تمارس الإرهاب ضد كل العالم منذ أن نشأت على دم الهنود الحمر، فإن مصطلح «الإرهاب» يتبادله الجميع وفق لوغاريتم أميركي. فالقرصان يزعج البحار بسفينته الصغيرة، أما الإسكندر الأكبر فهو ينهب العالم بأسطول ويسمى امبراطورا.
والتاريخ يكتبه الأقوياء. وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس كان في نظرها إرهابيا. و«هتلر» اليوم مجرم، ولكن لو فاز في الحرب لقرأنا نسخة مختلفة للتاريخ. وعندما وقع (ترومان) بقرار واحد على مسح مدينتين يابانيتين، اعتبر بطلاً قوميا مع أنه قتل ربع مليون إنسان في ساعتين.
ومن أعجب ما حدث في سبتمبر، أن كل شيء نوقش، ولكن لم يجرؤ أحد أن يناقش «لماذا؟» حدث؟ وكل ما يناقش في الفضائيات يدور حول «من» الفاعل؟ و«كيف» كانت عبقرية الأداء فانهار البرجان في ساعتين فكانا كثيبا مهيلا.
وأهمية مناقشة «لماذا»، هي في المعالجة «السببية» وليس «العرضية» لأنه قابل للتكرار. وحينما يصاب المريض بارتفاع حرارة بسبب الملاريا قد تنفعه حبة الأسبرين، ولكن الحرارة سوف تعود ما لم يأخذ المريض «الكينين».
والعالم اليوم لم يعد كما كان قبل 11 سبتمبر، فكما أدخلت أميركا الرعب إلى العالم فقد أصيبت بنفس الداء ولم يعد مكان أمن في العالم. وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وعندما زرعت بريطانيا الخراج «الإسرائيلي» جاءها البلاء من أيرلندا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. ويبقى العدل أرخص من كلفة «ديناصورات» الأمن.
جاء في كتاب «أفضل الخرافات» لـ «جان لا فونتين» أن طاعوناً ضرب الغابة فقام الجميع يتضرع إلى الله. فقال الأسد يجب أن نعترف بذنوبنا فنقدم الأضاحي. وسأكون أول المعترفين: أعترف لكم أنني لم أقاوم شهيتي فأكلت الكثير من الخرفان. مع أنها لم تؤذني قط، وكنت أتذوق لحوم الرعاة وكأنها فطيرة محشوة بالصنوبر; فإذا دعت الحاجة فأنا مستعد للموت، ولكنني أظن أن على الرفاق أيضاَ أن يعترفوا بذنوبهم؟
همهم الجميع: نعم.. نعم. قفز الثعلب وقال: كيف تقول ذلك؟ إنك يا سيدي ملك جيد، وإن وساوسك هذه لمرهفة الإحساس أكثر مما ينبغي. ولعمري أن الخراف قطعان نجسة فظة تستحق أن تفترسهم ومعهم الرعيان؟ هكذا تكلم الثعلب فضجت الغابة بالهتافات بحياة ملك الغابة. ولم يجرؤ أحد على مراجعة ذنوب الدب والنمر والثعلب. فقد اتفق الجميع أن كلاً منها قديس لا يلمس. وهنا وقف الحمار فقال، يا قوم أريد أن أعترف: لقد مررت بجانب دير فأعجبني اخضرار العشب، فقضمت منها قضمة بعرض لساني وملء فمي وكذلك سولت لي نفسي.. ثم تابع: بصراحة.. وهنا ارتفعت أصوات الاستهجان تندد بالحمار المجرم كيف تجرأ على ارتكاب جريمة بهذا الحجم؟
وشهد «ثعلب» عنده علم من الكتاب فصاح: أيها الحمار اللعين لا تتابع فقد عرفنا مصدر البلاء. وشهدت بقية حيوانات الغابة أن الحمار فعلاً منكر الصوت متقرح الجلد فظ الأخلاق لا يحسن التصرف. فحكموا عليه أنه لا يصلح لشيء سوى أن يكون طعاما للمشنقة. فكم هو وضيع بغيض الاستيلاء على عشب الآخرين؟ فاقتيد الحمار للموت وهو ينهق بأعلى صوته بدون فائدة تذكر. وقصة بوش والعالم اليوم مسرحية مسلية من هذا النوع.
kjalabi@hotmail.com
تذكر تصريحات كولن باول، وزير الخارجية الأميركية، في صيف 2004، عن خطأ أميركا في العراق بقصة أسطورية عن الحمار الذي فقد ذيله; فقد جاء في كتاب «خرافات الهند» لبلباي من القرن الرابع، أن حماراً فقد يوماً ذيله، فكان يوم محزنه، وراح يبحث عن ذيله في كل مكان، فقد بلغ من حمقه أنه اعتقد أن من الممكن تركيب ذيله مرة أخرى، فاستشار ثعلبا وابن آوى في ذلك، فدلاه بغرور أن ذنبه في أرض بستاني، فانطلق الحمار لا يلوي على شيء، حتى دخل حديقة البستاني فوطأ الكثير من النباتات، فلم يتحمل البستاني المنظر واستشاط غضبا فهجم على الحمار فقطع أذنيه، وأخرجه من الأرض بعد طول عناد ومقاومة، وهكذا فإن الحمار الذي كان يندب ذيله، خرج من الحقل بدون ذنب وأذنين. وهذا المصير ينتظر أميركا في العراق، وهذه القصة تحكي حماقة أميركا ونصيحة الصهيونية والمعارضة العراقية، التي أوحت لبوش زخرف القول غرورا فغرق في المستنقع. وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون.
وما حدث في سبتمبر كان يجب أن يحدث. ومن رأى فيلم (خوف كل المخاوف Sum of all Fears) يحمد الله أن لم تنفجر قنبلة نووية، فتودي بكل «مانهاتن». والخلفية الفلسفية للحدث هي صدام «الفوضى». وعندما يجتمع سكرانان في حانة، فيجب أن نتوقع تطاير الشظايا; فالغرب يعيش حالة «الفوضى»، ونحن نعيش فوضى أشد. وحسب المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي يقوم باستعراض مواز للفوضى المزدوجة في كتابه «وجهة العالم الإسلامي» فـ«إن هناك تأثيرا متبادلاً بين فوضانا وفوضى الغرب، فكلتاهما ذات وجهين، يؤلفان في مجموعهما ظاهرة مشتركة في جميع الحضارات، هي ظاهرة تخلف الضمير في نموه عن العلم وحركة الفكر، وما الضمير إلا تلخيص نفسي للتاريخ».
والعالم الإسلامي «يقف في منطقة «حرام» في التاريخ، ما بين فوضى عصر ما بعد الموحدين والنظام الغربي».
وحينما تعرف العالم الإسلامي على الغرب، لم يكن في أحسن أحواله بل «اكتشف فوضى تتعاظم داخلها الانفصالات طبقا لعاملين لهما وزن كبير هما: سرعة النمو العلمي والتوسع الاستعماري».
والاستعمار داء ذو حدين: فهو يقتل نفسية المستعمَرين، ويودي بصاحبه إلى الانحطاط الأخلاقي. وقصة سجن (أبو غريب) في العراق، مظهر للمرض الاستعماري العميق.
وبقدر ما كان «علم الكلام» قدرا محتوما في انحطاط المسلمين، بقدر تسارع الانفكاك بين العلم» و«النزعة الاستعمارية»، لتصبح قدرا مكتوبا في فوضى الغرب وانحطاطه الأخلاقي. وهو مؤشر ذهب إليه المؤرخ شبنجلر في كتابه «أفول الغرب»، أن «الاستعمار» بت في مصير الحضارة الغربية بغير رجعة. وأكده المؤرخ الألماني الكسندر ديماندت Alxander Demandt في المقابلة التي أجرتها معه مجلة المرآة الألمانية في ابريل 1994، والتي يرى فيها ظروفا مشابهة لنهاية روما أيام ماركوس أوريليوس مع الغرب الحالي.
ومجيء أميركا بدون شرعية دولية إلى العراق، يعني أن العالم الذي نعيش فيه اليوم غابة. وكما كان هناك ملك يحكم الغابة، فأميركا اليوم هي أسد هذه الغابة. وكما ينص قانون الغابة أن «القوي يأكل الضعيف» كذلك الحال في غابة «الأمم المتحدة». فروسيا تبتلع الشيشان، والعراق يلتهم الكويت، وأميركا بدورها تلتهم العراق.
وكما تنوعت الحيوانات في «السفاري» التي تسرح فيها «الضواري»، كذلك الحال في الغابة العالمية اليوم. بين أسد أميركي ودب روسي ونمر أوربي وثعلب صهيوني وجمل عربي وفيل هندي وقرد أفريقي.
وهذه الغابة لها قوانينها الصارمة. فالأنياب والمخالب للأسود والنمور والثعالب. ويمكن لهم امتلاك السلاح النووي، ولكن حمار الوحش الإيراني ليس له أنياب؟ فكيف يركب له أنيابا نووية؟
وصدق جورج أورويل في كتابه عن المزرعةThe Farm، أن الخنازير هم الذين سيديرونها في النهاية ويسيطرون على الجميع بكلاب شرسة مدربة على العض.
وكما يقول روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة»: «إن عالم السلطة يتحرك بآلية الغابة، ففيه الذين يعيشون بالصيد والقتل، وهناك أيضاً أعداد هائلة من المخلوقات كالضباع ونسور الجيف التي تعتاش من صيد الآخرين».
وعندما يموت ابن الأسد تبكي كل الغابة. وإذا مات الجرذ فلا يسمع به أحد.
وفي أحداث سبتمبر بكى كل العالم عجما وعربا. وعندما مات ألف في قصف صاروخي في ملجأ العامرية بكى العراقيون وحدهم. وما يصدر من أميركا حاليا، هو الذي يسود حتى المصطلحات، فهم الذين عمموا كلمة العولمة Globalization والأصوليةFundamentalism والشفافيةTransparency . وهم الذين يفصّلون ونحن الذين نلبس. وكما يقول ابن خلدون في المقدمة:«إن المغلوب يقلد الغالب للاعتقاد بكماله. فهو يقلده في شعاره وزيه ونحلته وسائر عوائده».
ومع أن أميركا تمارس الإرهاب ضد كل العالم منذ أن نشأت على دم الهنود الحمر، فإن مصطلح «الإرهاب» يتبادله الجميع وفق لوغاريتم أميركي. فالقرصان يزعج البحار بسفينته الصغيرة، أما الإسكندر الأكبر فهو ينهب العالم بأسطول ويسمى امبراطورا.
والتاريخ يكتبه الأقوياء. وعندما كانت روما تصلب سبارتاكوس كان في نظرها إرهابيا. و«هتلر» اليوم مجرم، ولكن لو فاز في الحرب لقرأنا نسخة مختلفة للتاريخ. وعندما وقع (ترومان) بقرار واحد على مسح مدينتين يابانيتين، اعتبر بطلاً قوميا مع أنه قتل ربع مليون إنسان في ساعتين.
ومن أعجب ما حدث في سبتمبر، أن كل شيء نوقش، ولكن لم يجرؤ أحد أن يناقش «لماذا؟» حدث؟ وكل ما يناقش في الفضائيات يدور حول «من» الفاعل؟ و«كيف» كانت عبقرية الأداء فانهار البرجان في ساعتين فكانا كثيبا مهيلا.
وأهمية مناقشة «لماذا»، هي في المعالجة «السببية» وليس «العرضية» لأنه قابل للتكرار. وحينما يصاب المريض بارتفاع حرارة بسبب الملاريا قد تنفعه حبة الأسبرين، ولكن الحرارة سوف تعود ما لم يأخذ المريض «الكينين».
والعالم اليوم لم يعد كما كان قبل 11 سبتمبر، فكما أدخلت أميركا الرعب إلى العالم فقد أصيبت بنفس الداء ولم يعد مكان أمن في العالم. وضاقت عليهم الأرض بما رحبت. وعندما زرعت بريطانيا الخراج «الإسرائيلي» جاءها البلاء من أيرلندا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. ويبقى العدل أرخص من كلفة «ديناصورات» الأمن.
جاء في كتاب «أفضل الخرافات» لـ «جان لا فونتين» أن طاعوناً ضرب الغابة فقام الجميع يتضرع إلى الله. فقال الأسد يجب أن نعترف بذنوبنا فنقدم الأضاحي. وسأكون أول المعترفين: أعترف لكم أنني لم أقاوم شهيتي فأكلت الكثير من الخرفان. مع أنها لم تؤذني قط، وكنت أتذوق لحوم الرعاة وكأنها فطيرة محشوة بالصنوبر; فإذا دعت الحاجة فأنا مستعد للموت، ولكنني أظن أن على الرفاق أيضاَ أن يعترفوا بذنوبهم؟
همهم الجميع: نعم.. نعم. قفز الثعلب وقال: كيف تقول ذلك؟ إنك يا سيدي ملك جيد، وإن وساوسك هذه لمرهفة الإحساس أكثر مما ينبغي. ولعمري أن الخراف قطعان نجسة فظة تستحق أن تفترسهم ومعهم الرعيان؟ هكذا تكلم الثعلب فضجت الغابة بالهتافات بحياة ملك الغابة. ولم يجرؤ أحد على مراجعة ذنوب الدب والنمر والثعلب. فقد اتفق الجميع أن كلاً منها قديس لا يلمس. وهنا وقف الحمار فقال، يا قوم أريد أن أعترف: لقد مررت بجانب دير فأعجبني اخضرار العشب، فقضمت منها قضمة بعرض لساني وملء فمي وكذلك سولت لي نفسي.. ثم تابع: بصراحة.. وهنا ارتفعت أصوات الاستهجان تندد بالحمار المجرم كيف تجرأ على ارتكاب جريمة بهذا الحجم؟
وشهد «ثعلب» عنده علم من الكتاب فصاح: أيها الحمار اللعين لا تتابع فقد عرفنا مصدر البلاء. وشهدت بقية حيوانات الغابة أن الحمار فعلاً منكر الصوت متقرح الجلد فظ الأخلاق لا يحسن التصرف. فحكموا عليه أنه لا يصلح لشيء سوى أن يكون طعاما للمشنقة. فكم هو وضيع بغيض الاستيلاء على عشب الآخرين؟ فاقتيد الحمار للموت وهو ينهق بأعلى صوته بدون فائدة تذكر. وقصة بوش والعالم اليوم مسرحية مسلية من هذا النوع.
kjalabi@hotmail.com