مشاهدة النسخة كاملة : مذكرات علاء بشير الطبيب السابق للرئيس العراقي المخلوع
كانت هناك شامة سوداء كبيرة على الجانب الأيسر من وجه صدام اختفت بعد إلقاء القبض عليه
http://www.asharqalawsat.com/2004/09/15/images/news.255440.jpg
حاوره في لندن: معد فياض
يكشف الدكتور علاء بشير الذي كان طبيبا للرئيس العراقي المخلوع في الجراحة المجهرية والتجميلية، عن سر الشامة التي كانت موجودة على الجهة اليسرى من وجه صدام ثم اختفت بعد القاء القبض عليه.
لا نلتقي الدكتور بشير باعتباره كان طبيبا لصدام فحسب، فالقدر هو الذي اختاره لهذا المكان الذي لم يكن ليطيقه على الاطلاق، فهو أستاذ الجراحة المجهرية والتجميلية في كلية الطب بجامعة بغداد، ولكنه فنان تشكيلي عرف باسلوبه المميز وحاز جوائز تشكيلية مهمة عالميا، حتى انه اطلق اسم الرسام العراقي الواسطي على المستشفى التي كان يديرها، وهذا حدث للمرة الاولى والاخيرة في تاريخ العراق ان يحمل مستشفى اسم فنان تشكيلي، بل وفي ظل رئيس اطلق اسمه على الكثير من المستشفيات والجامعات والانهر والجسور، بل على كل العراق عندما اسماه «عراق صدام حسين».
في الجزء الاول من هذا الحديث يتحدث بشير عن سر اعدام صدام لطبيبين مختصين في الامراض الجلدية وامراض الاطفال، كما يتحدث عن عدم ثقة الرئيس العراقي المخلوع بالاطباء العراقيين واعتماده على طبيب كوبي رشحه له الرئيس كاسترو.
* هل تعتقد ان ظاهرة صدام حسين سوف تتكرر في العراق؟
ـ نعم سوف تتكرر اذا خرج الاميركيون من العراق في المستقبل القريب. كل واحد (من العراقيين) مرشح ان يكون صدام حسين اذا امتلك قوة مطلقة من غير ان يخضع لدستور صارم وبرلمان قوي يحاسبه وشعب يتمتع بحقوقه الدستورية وبحريته.
* هل كانت لقاءاتك به تنحصر في حدود العلاقة بين طبيب ومريض؟
ـ كل لقاءاتي مع صدام حسين كانت بحكم هذه العلاقة، ومعظم الاوقات التي كنت استدعى فيها لزيارته كانت لسبب صحي او مرضي، واحيانا لاسباب فنية كأن يكون يريد ان يتحدث عن معرض اقمته او عن مشروع فني او معماري يريد مناقشته. وفي الفترات التي كنت استدعى فيها لاسباب فنية كنت اعبر عن آرائي بصراحة اكثر من المرات التي ازوره فيها كطبيب، يعني كنت اجد حريتي في التعبير عن آرائي خلال هذه اللقاءات كوني عندما كنت أراه كطبيب كان في حالات غير طبيعية شأنه شأن أي مريض آخر.
* هل كنت تتعامل معه كمريض فقط؟
ـ نعم، دعني اقول وبصراحة أقسم أني ما نظرت في حياتي الى صدام اكثر من كونه مريضا عندي، لذلك كان يستغرب اسلوب تعاملي الطبيعي معه لاني في داخلي كنت لا اشعر به ولا أراه رئيس دولة على الاطلاق، ولا اعرف لماذا.
* ألم يوح لك بشعور بالرهبة او الخوف؟
ـ اولا بطبيعتي انا ليس عندي شعور بالخوف من أي انسان، ولاني مؤمن بالله اشعر بان لكل انسان بداية ونهاية، والنهاية واحدة. قد تختلف الطرق لكن النتيجة واحدة. وانا لا أشعر بخوف كبير من الموت واتعامل معه بشكل طبيعي وهذا ما جعلني اتصرف مع صدام بشكل طبيعي، وبالتالي لماذا اخاف منه؟ ليس عندي ما اضمره في داخلي ولم ارتكب اخطاء معه ولم يكن عندي طموح سياسي منافس له، فلماذا اخاف منه؟ كنت اصرح بالافكار التي كنت اريد قولها امامه، وعندما كان يسألني عن أي موضوع، كنت اجيبه بصراحة وبما أؤمن به، ولكنني لم اكن افتعل أي موضوع أطرحه امامه.
* ألم ينزعج من ذلك، اعني ان تعبر عن افكارك بصراحة أمامه؟
ـ كان احيانا ينزعج وكنت أشعر بذلك.
* هل تعتقد ان جميع الاطباء الخاصين به كانوا يتصرفون بذات الطريقة معه؟ـ لا أعتقد، صدام لم يكن يحترم الاطباء كثيرا في داخل نفسه. واعتقد ربما هو محق مع بعض الناس في ذلك، لأنه من الواضح جدا ان الذين كانوا حوله كانوا ينافقونه، وهو انسان ذكي ويستطيع ان يميز بين من ينافقه ويكذب عليه ومن يقول له الحقيقة، واعتقد انه كان يعجبه من ينافقه من غير ان ينال ذلك الشخص اعجابه او احترامه.
* كنت قد تحدثت في حوار سابق عن اعدام صدام لوزير الصحة الدكتور رياض حسين، ترى كم طبيبا غيره اعدمهم صدام؟
ـ من الذين اعرفهم من اصدقائي هما الطبيبان اسماعيل التتار أحد اهم الاختصاصيين في الامراض الجلدية وطبيب الاطفال هشام السلمان.
* هل تم اغتيالهما او اعدامهما؟
ـ اعدما شنقا.
* هل تعرف الاسباب؟
ـ نعم، حسب ما نقل لي احد المقربين من صدام ومن فريق مرافقيه ان السبب كان وصول شريط فيديو الى صدام يصور جلسة عائلية خاصة جمعت التتار والسلمان وهما يسخران من صدام وعائلته ويطلقان النكات عليه.
* هل كانا مقربين من صدام؟
ـ التتار كان الطبيب الخاص لصدام ومعالجه في مجال الامراض الجلدية ومقربا منه، اما السلمان فقد كان صديقا مقربا للتتار، وهما من الاطباء الجيدين بل كانا على المستوى الشخصي، طيبين وصديقين رائعين وقد تم اعدامهما معا.
* وماذا عن طبيبة النساء فاطمة الخرساني؟
ـ هذه قتلت في عيادتها ولم تعرف الاسباب.
* والدكتور راجي عباس التكريتي؟
ـ الدكتور التكريتي اعرفه جيدا ووضعه يختلف عن التتار والسلمان وكان لديه طموح سياسي كبير، بينما اسماعيل التتار وهشام السلمان لم تكن لديهما اية طموحات سياسية. والذي عنده مثل هذه الطموحات (يجب ان) يتوقع هذه النتيجة.
* هل فعلا تم قتل التكريتي بالطريقة التي يتحدثون عنها وهي ان الكلاب هجمت عليه؟
ـ لا أعرف، انا لم ار الفيلم الذي قيل انه صور طريقة قتل التكريتي، وانا لا اتحدث الا عن الحقائق التي اتأكد من صحتها تماما.
* مَنْ من اعضاء القيادة كنت تعالجهم ايضا؟
ـ لا اتذكر منهم أي واحد ولكنني كنت اعالج عوائلهم، واتذكر مرة دعيت لاجراء عملية بسيطة وعادية جدا وهي ازالة شامة من وجه عضو القيادة القومية اللبناني عبد المجيد الرافعي وكان يجب إزالة الشامة، لكنه خاف ورفض اجراء العملية ولم يتحمل حتى وخز ابرة بسيطة.
* هل كان صدام بالفعل يرفض التخدير العام خلال اجراء العمليات له؟
ـ لا اعرف فالعمليات التي كنت اجريها له كنت اخدره موضعيا ولم يبد عليه انه يهتم بوخز الابر او يظهر عليه الألم.
* هل اجريت لصدام عملية تجميل؟
ـ لا، ولكن كانت عنده شامة على الخد الايسر، وهذه الشامة بدأت تكبر ولونها بدأ يتغير، وفي هذه الحالة يجب ازالتها وبقيت تكبر وسألني عنها مرة وقلت له يجب ازالتها، واخبرته ان الشامة إذا تغير لونها وبدأت تكبر يجب إزالتها. والشامة التي في وجهه صار لونها غامقا وكانت تكبر لهذا يجب ازالتها، حدث ذلك قبل شهرين من سقوط النظام. فقال بالضبط «دعها الان اذا ازلناها سيقولون ان صدام مصاب بالسرطان ويطلقون الاشاعات وعندما تنتهي الحرب ان شاء الله ارفعها». والان انا استغرب غياب هذه الشامة التي كانت كبيرة وواضحة ففي كل الصور التي شاهدتها لصدام بعد القبض عليه لا توجد على خده الايسر أي شامة.
* هل كان عنده طبيب تجميل آخر غيرك؟
ـ كلا.
* هل تعتقد ان طبيبا آخر غيرك رفعها له؟
ـ لا أدري.
* او قد لا يكون هو صدام من اعتقلته القوات الاميركية، ربما شبيهه؟
ـ اعتقد انه صدام.
* ما الذي يجعلك تعتقد ذلك؟
ـ صوته وطريقة حديثه ووجهه، ثم اني لم اسمع طوال عملي طبيبا خاصا لصدام ان له شبيها.
* ما هي الامراض التي كان يعاني منها صدام؟
ـ صدام يتمتع بصحة جيدة وكل ما عنده آلام مزمنة في ظهره منذ كان شابا، وهذه الالام أعتقد انها احد الامور التي جعلته يفقد الثقة بالاطباء العراقيين ذلك لان الاطباء العراقيين المختصين شخصوا هذه الالام على انها انزلاق بالغضروف ويستوجب ان يبقى في الفراش لفترة طويلة
وهذا الموضوع لا يتلاءم مع عمل وطبيعة صدام، بالرغم من انه كان يلتزم بتعليمات الاطباء.
* هل كان هناك أطباء من غير العراقيين يعالجون صدام؟
ـ الطبيب الوحيد غير العراقي الذي كان يعالج صدام هو الطبيب الكوبي الفارس كامبرس وهو صديق شخصي ومن المقربين جدا للرئيس الكوبي كاسترو، وهو طبيب ممتاز ومعروف عالميا باعتباره افضل طبيب في اختصاص العظام والمفاصل.
* كيف تعرف عليه صدام؟
ـ مرة كان صدام في زيارة الى كوبا وشكا من آلام في ظهره بقوة واقترح عليه كاسترو ان يعالجه كامبرس، ومنذ ذلك اليوم اقتنع بقدرة هذا الجراح الكوبي ووثق به وكان يزوره في بغداد مرتين كل سنة، وهو الذي أكد ان صدام لا يعاني من انزلاق غضروفي وانما كان عنده تليف بسيط حول الفقرات وهذا كان سبب آلامه، يعني عكس تشخيص الاطباء العراقيين واعتقد هذه واحدة من أسباب عدم ثقته بالاطباء العراقيين لانهم كانوا يجاملونه، بينما يجب على الطبيب ان يخبر المريض بحقيقة مرضه او يخبر عائلته في الاقل، والأطباء العراقيون كانوا يحاولون التقليل من شأن المرض وهذا ما زعزع ثقته.
* هل شاهدت صدام خلال حضوره جلسة التحقيق في المحكمة؟
ـ نعم شاهدته.
سيد مرحوم
09-15-2004, 09:59 AM
* هل تعتقد ان ظاهرة صدام حسين سوف تتكرر في العراق؟
ـ نعم سوف تتكرر اذا خرج الاميركيون من العراق في المستقبل القريب. كل واحد (من العراقيين) مرشح ان يكون صدام حسين اذا امتلك قوة مطلقة من غير ان يخضع لدستور صارم وبرلمان قوي يحاسبه وشعب يتمتع بحقوقه الدستورية وبحريته.
صحيح..فالفراغ السياسي الذي ولده انهيار النظام العفلقي السابق على اثر الضربة الامريكية واحتلالها للعراق يحتم عدم خروجها فورا دون ترتيبات سياسية توضع في جدول زمني محدد يضع اللبنات الاساسية والقوية لبلد ديمقراطي حر يحترم الاديان وحرية الشعب وخياراته السياسية المكفولة دستوريا والمراقبة من قبل برلمان شعبي قوي ..ولكن هذا لن يتم ايضا من خلال اطالة مدة البقاء وزرع الفوضى من خلال الضربات العسكرية اليومية بحجج مختلفة لاتساويها بل ولم تعد مقنعة للمواطن فضلا عن المراقب لعبثيتها واستهدافها بشكل فوضوي مناطق مدنية ومجموعات سياسية مختلفة على نحو الاصرار والترصد وكأنها تكشف نيتها عن ترتيب الواقع العراقي السياسي لتكون النتائج السياسية بعد الانتخابات ملائمة لمصالحها ومشاريعها الطويلة الأمد في العراق...فالتأخر في الانتخابات والتدخل الامريكي المستمر في السياسة الحكومية العراقية المؤقة تحت عناوين جديدة كالقوات المتعددة الجنسيات سواء من جهة توصيات التعيين الخفية لوزراء غير كفوئين او من جهة التغاضي عن تعيين وارجاع الكثير من الضباط البعثيين السابقين والمتلوننين السياسين منهم واعلان البقاء في العراق لمدة طويلة تتجاوز ال(50) عاما والتلويح بتأجيل الانتخابات كله سيضع البلاد في خطورة الفوضى والحروب والتردي الامني والسياسي بشكل سيؤثر حتما على مجمل اوضاع المنطقة ومصالحها اضافة الى المصالح الاجنبية ذاتها..فلا الخروج المفاجيء مسموح به ولا البقاء الطويل دون جدولة زمنية ايضا مسموح به ايضا ..فكلاهما سلبيان وتوابعهما خطيرة جدا وحصر هذه الترتيبات بالقوة الامريكية ومصالحها دون تواجد حقيقي للامم المتحدة ورئيسي يشرف على هذه القوات وينظم عملها ويراقبها يعني استمرار التلاعب بهذا البلد واطالة امد شقائه..كل الاحزاب السياسية والتيارات تطالب بالانتخابات والكل يود الاحتكام لصوت الجمهور وصندوق الاقتراع فلماذا لايتم التحضير لهذه العملية بعيدا عن التحجج بذرائع مختلفة سترتفع حتما لو اخذت الترتيبات للعملية الديمقراطية مجالها وبشكل صادق وواضح وشفاف بحيث تعطي الثقة والقناعة التامة للمواطن العراقي باجرائها في موعدها المحدد وتحرج كل من يتحجج المحتل مخبئا خطواته الرامية لتأجيل الانتخابات او اعداد الواقع لمايعده من فرز سياسي يتلائم مع مشاريعه وطموحاته الامشروعة...الاسراع في اجراء الانتخابات لانها مطلب الجميع وبقاء القوات الاجنبية لدواعي الامن دون تدخل خارج عن الحماية ووفق برنامج زمني محدد والا فهي الفوضى التي ستكون نتيجتها مشابهة حتما لخروجه فورا فلافرق بين الخروج والبقاء اذا لم يكن واضح المعالم والاهداف ووفق خطة منهجية مدروسة وواضحة.
الدكتور عادل رضا
09-15-2004, 04:36 PM
الان المجرمين حول صدام الكل يدعي الشرف و البطولة بعد سقوط رئيس عصابتهم المجرم صدام بن صبحة .
الطبيب السابق للرئيس العراقي المخلوع ... أجريت عملية تجميل لسميرة الشاهبندر بعد إصابتها مع صدام في حادث سير
علاء بشير:لـ الشرق الاوسط : صدام أراد إعدام نزار حمدون بتهمة العمالة لأمريكا
حاوره في لندن: معد فياض
http://www.asharqalawsat.com/2004/09/16/images/news.255606.jpg
تحدث الدكتور علاء بشير، الطبيب الخاص للرئيس العراقي المخلوع سابقا في مجال الجراحة المجهرية والتجميل، عن اجرائه عملية تجميل للزوجة الثانية لصدام سميرة الشاهبندر التي وصف مستوى جمالها بانه «اعتيادي» كون «صدام لا يهتم بجمال المرأة بقدر اهتمامه بشخصيتها». كما كشف لأول مرة عن محاولة القيادة السابقة للعراق اعدام الدبلوماسي العراقي نزار حمدون ممثل العراق السابق في الامم المتحدة لاتهامه بالعمالة لاميركا، وعن شعور صدام بالاضطهاد من ماضيه، مشيرا الى انه ينظر الى هذا الماضي بانزعاج.
* ماذا كان شعورك، هل هو صدام الذي تعرفه على مدى اكثر من ربع قرن؟
* دعنا نعود الى الوراء.. صدام منذ عام 1980، في بداية الحرب العراقية الايرانية وبتأثير الناس المحيطين به وبتأثير القوى العربية والاجنبية التي ساندته في هذه الحرب صار عنده شعور بانه ربما سيكون قائدا تاريخيا، وهذا الشعور بدأ ينمو ويتغلب على كل تصرفاته بحيث تغيرت اهتماماته التي كان ينادي بها من تطوير المجتمع والعراق، وبدأت هذه الامور تحتل درجات اقل في اهتمامه وبدأ يفكر بنفسه كقائد تاريخي مهم وهذا كان واضحا حتى في خطاباته وطروحاته، ومن يتتبع خطبه يجد ان هناك اهتماما بصياغة تاريخه الشخصي وهذا ما وجدته في المحكمة، اذا انه مصر على مشروعه هذا ولم يهتم بالتهم الموجهة اليه، وستكون محاكمته الفرصة التاريخية والاخيرة بالنسبة له، ليؤكد للناس نفسه كقائد تاريخي وسوف يتحدث ويخطب بعيدا عن مسار المحكمة.
كل ما يهم صدام هو كيف تتشكل صورته كقائد تاريخي، وخلال العامين الماضيين شعر بان نظامه بدأ يتهاوى لهذا حرص على صياغة تاريخه الشخصي، حيث بدأ يقول الحكم والامثال والقصص وبدأ يؤلف الكتب. لقد زج العراق وشعبه في الحرب الاخيرة ثم هرب، وفاتته فرصة كبيرة هي ان يعبر عن نفسه كقائد ويقف مع جيشه ويقاتل كأي قائد، لكنه لم يقاتل مع جيشه ثم القي القبض عليه بالطريقة التي شاهدناه فيها وبدون مقاومة. اذن لم تبق عنده أي فرصة سوى قاعة المحكمة، وحسب اعتقادي انه سيهتم بصياغة شخصيته بشكل معقول امام الرأي العام.
* هل هو حقا من ألف هذه الكتب؟
*ـ نعم هو، لانها تعكس طريقة واسلوب تفكيره وتشبه احاديثه، ثم انه يقرأ ويكتب كثيرا. لم ادخل عليه مرة الا ووجدته يكتب ولكن ليس بالضرورة ان كل من يقرأ الكتب او يكتب هو انسان مفكر.
* هل كان يستخدم الكومبيوتر؟
*لا، ابدا لم ار أي كومبيوتر في مكتبه كان يستخدم القلم في الكتابة.
* هل تجد ان هناك صفات مشتركة بين صدام وغيره من القادة الديكتاتوريين امثال هتلر او موسوليني او ستالين؟
*هناك قاسم مشترك بين هؤلاء جميعا وكل الناس. اعتقد ان كل انسان تهيأ له الفرصة لامتلاك قوة غير محدودة وغير منضبطة من قبل مؤسسات او مجتمع او قوة خارجية سوف يتصرف مثلما تصرف صدام، الا اذا كان الانسان بدرجة من الوعي والادراك والثقافة العميقة جدا التي تجعله يمتلك حصانة داخلية تمنعه وتشذب من تعامله مع هذه القوة المفرطة. صدام انسان بسيط خرج من مجتمع متخلف اجتماعيا وبدائي تسيطر عليه قيم الخرافات والاساطير. والقادة الغربيون لولا وجود برلمانات قوية ومجتمعات متحضرة وديمقراطية وسليمة تحد من التصرفات الشخصية لهؤلاء القادة ربما كانوا مثل هتلر وموسوليني.
* هل تعتقد ان صدام يخاف كثيرا على نفسه؟
*بالتأكيد، وهو شخص لا يثق بأي انسان ولا يأمن أي أحد، وهاجسه القوي جدا جعله يشك في اي شخص. واذكر مرة انه جاء الى مستشفى ابن سيناء لتغيير ضماد لجرح في يده ونحن عادة نغسل ايدينا ونضع القفازات حرصا على النظافة، وكنت اتعمد ان اغسل يدي في المغسلة التي في داخل صالة العمليات حتى يتأكد هو من ذلك وكان هناك طبيب يقف مع فريق الحماية عند الباب، نظر صدام اليه وسأله عن سبب عدم غسل يديه فاجابه الطبيب انه غير مكلف بهذه العملية ولم يشارك بها لكن صدام امره بحزم بان يغسل يديه حتى لو لم يشارك في العملية، فغسل الطبيب يديه وبقي واقفا بعيدا.
* هل كان لا يثق بتشخيص الاطباء لامراضه ايضا؟
*نعم. ذات مرة بعث علي وكان يشكو من آلام في قدمه وكان عنده مسمار في قدمه لكن بقية الاطباء كانوا يخافون اخباره بالحقيقة وانه يجب اجراء عملية جراحية بسيطة لإزالة المسمار لانهم يعرفون انه لا يحب اجراء العمليات، ولا يوافق عليها لهذا هم يخشون اخباره بالحقيقة فاخبروه ان سبب الآلام هو ارتفاع نسبة حامض اليوريا في جسمه ووصفوا له اقراصا لتخفيض نسبة حامض اليوريا مع ان نسبة اليوريا كانت طبيعية عنده.
عندما فحصت قدمه اخبرته بان السبب هو المسمار الموجود في قدمه، فقال ان الاطباء يقولون ان اليوريا مرتفعه فقلت له هذا الذي انا متأكد منه ويجب اجراء عملية لإزالة المسمار فرفض اجراء العملية. بعد شهرين جاء الى مستشفى ابن سينا وقال لي ما قلته صحيح ويجب ان اجري العملية واجريتها له وانتهى الامر وزالت الالام لكن بعد اجراء العملية، سأل طبيبا آخر هو زميل لي ان كان قراري باجراء العملية صحيحا ام لا كما انه كان قد سأل اطباء غيري قبل اجرائها وقد اخبروني الاطباء بذلك.
* هل أجريت عمليات تجميل لأفراد عائلة صدام؟
*أجريت عمليات تجميل بسيطة لزوجته الاولى وعملية تجميل لزوجته الثانية.
* سميرة الشاهبندر؟
*نعم.
* ماذا كانت طبيعة العملية؟
*مرة كانت مع صدام واصيبت في وجهها. قيل انه بسبب حادث سيارة حيث جرح صدام أيضا وكذلك صدام كامل، ولم اكن اعرف انها زوجته الثانية. كان هناك جرح في وجهها وكسر في عظم الوجه.
* هل كانت جميلة جدا ؟
*لا، جمالها اعتيادي، وانا لا اعتقد ان جمال النساء هو الذي يجذب صدام وانما شخصيتهن، واعتقد ان صدام كان معجبا بشخصية سميرة الشاهبندر اكثر من اعجابه بجمالها.
* هل اجريت عمليات تجميل لبنات صدام؟
* نعم اجريت لهن عمليات بسيطة. لكنني اجريت عمليات الساق لعدي عندما اصيب في محاولة اغتياله. عدي اراد مرة اجراء عملية تجميل لفكه عام 1986 وسألني والده عن مضاعفات العملية فكتبتها له. بعدها ألغيت الفكرة.
* هل كان صدام يتحدث عن والده او والدته؟
*في عام 1982 جاء ذات مساء النحات خالد الرحال وطلب مني الذهاب لمشاهدة نصب الجندي المجهول الذي صممه هو قبل افتتاحه الرسمي وكان هناك تعتيم بسبب ظروف الحرب. ذهبنا الى هناك وخلال تجوالنا في داخل النصب حيث كان هناك متحف للاسلحة القديمة اخبرنا احد الجنود بوصول صدام حسين فخرجنا لتحيته وعدنا الى داخل النصب جميعنا وكان يرتدي الزي العربي ويرافقه حسين كامل وكان برتبة ملازم ثاني.
كان هناك مسدس قديم ضمن المعروضات في متحف الاسلحة مسكه صدام وتأمله وبانت عليه علامات غير مريحة، وكان المسدس قاده الى ذكرى مزعجة فقال لحسين كامل «والدك اهداني مرة مسدسا مماثلا تماما لهذا»، وحسب تعبيره «أخو هذا المسدس»، وقال «كان ابو برزان» ويقصد زوج والدته فلم يقل «عمي»، «يبعثني بالليل وانا صغير السن الى تكريت ليلا، والمسافة بين العوجة وتكريت اكثر من خمسة كيلومترات ولم تكن هناك وسائل اتصالات فكلما اراد ان يطلب شيئا او يبلغ شخصا من اصحابه في تكريت يبعث بي وكان سلاحي عصا طويلة وحصى اضعها في جيوب دشداشتي حيث كانت هناك كلاب برية وذئاب»، ونظر الى المسدس والى حسين كامل وقال له «لذلك والدك ذات ليلة منحني هذا المسدس لأصد من يعتدي علي او اذا خرج ذئب في طريقي وكنت اعشق هذا المسدس واضعه في حضني عندما انام ليلا ولا يفارقني».
لاحظت بوضوح ان صدام كان يتألم وهو يتذكر تلك الايام من حياته حيث كان خاضعا لزوج امه ولا احد يرعاه او يهتم به، حتى انه عندما كان يتحدث عن المدرسة كان يقول:
انا الذي سجلت نفسي في المدرسة ولم يسجلني احد»، ومن المعروف انه سجل في المدرسة وعمره تسع سنوات وليس ست سنوات وكانت هذه المعاناة بالتأكيد قد انعكست سلبا عليه فيما بعد، ومرة قال لي «الظروف هي التي جعلتني لا أثق بأحد وما عندي أي صديق».
* ولهذا السبب لا يثق بالمقربين منه ؟
* هو يُشعر جميع المقربين منه بانه غير مطمئن لهم وانهم ليسوا محل ثقته لهذا يضعهم في حالة قلق دائمة وهم باستمرار في حالة قلق ودفاع عن انفسهم حتى وان لم يفعلوا أي شيء.
* لكن علاقته معك كانت طيبة ؟
*نعم والغريب انه كان يمتدحني ويمتدح اعمالي الفنية بالرغم من انها لا تنتمي للاسلوب الذي يفضله هو.
* اليس هذا غريبا ؟
*كلا عندما يثق انسان بآخر تكون علاقته معه طبيعية وانا لم انافقه او أكذب عليه او انافسه بل اني لم اطلب منه أي شيء في حياتي، واقسم على ذلك. لم اطلب لنفسي او لعائلتي لانني لست بحاجة لشيء ،حالتي المادية جيدة والحمد لله، وانا طبيب معروف وعلى قناعة بحياتي مثلما هي وسعادتي في انجاز عملي بل ان سعادتي الاكبر عندما اكون في مرسمي انجز اعمالي الفنية. مرة قال لي ان له قريبا كبيرا في العمر ويثق به لانه لا يكذب عليه ويقول له آراءه بصراحة وهذا القريب سأله: لماذا لا تعين الدكتور علاء بشير وزيرا للصحة مع اني لا اعرف هذا الشخص، أخبرني صدام بان رده لهذا الشخص كان ان الدكتور علاء لا ينفع للسياسة او للوزارة كونه لا يجامل ولا ينافق او يكذب كما اننا لا نستطيع معاقبته اذا حصل أي خطأ، لهذا هو هكذا افضل.
* كيف كانت علاقتك مع بقية اعضاء القيادة وقتذاك؟
*لم تكن لي علاقات معهم، ومع ذلك كان قسم كبير منهم يكرهني، وفي مقدمتهم عدي وطه ياسين رمضان. وقد حماني صدام من نجله عدي الذي كان يكرهني بشدة. ذات مرة قال لي صدام ان فريق حمايته يقولون عني باني لا اجامل احدا ولا اتودد لهم فقد كنت اذهب لأؤدي عملي واخرج، فقلت له نعم هذه هي الحقيقة انا لا اجيد المجاملة ولا اعرف اجامل. الذين كانوا حول صدام لم يريدوا احدا يتحدث بصراحة ويقول آراءه مثلما يؤمن بها، لانهم لا يستطيعون فعل ذلك، لست وحدي من كان اعضاء القيادة يكرهونه.. خذ مثلا نزار حمدون.
* لم يكن من اعضاء القيادة ؟
*كلا، كان خارج الحلقة القيادية، لكنهم كانوا يكرهونه ولم يكن احد يحبه باستثناء طارق عزيز لانه يتحدث بصراحة ولهذا ارادوا اعدامه.
* اعدام نزار حمدون، لماذا ؟
* نعم. في عام 1998 وحسب ما اخبرني نزار، وكان من اصدقائي المقربين، وخلال وجوده كممثل دائم للعراق في الامم المتحدة طلب منه صدام وبشكل شخصي ان يكتب له تقريرا صريحا جدا عما يراه مناسبا لعودة العلاقات بين اميركا والعراق وما هو تصور الادارة الاميركية عن القيادة العراقية وماذا يجب ان يفعل العراق.
وطلب صدام من حمدون ان يكتب ذلك بصدق وصراحة، وبالفعل وحسب ما اخبرني به حمدون فقد كتب شبه دراسة عما طلبه منه صدام من اجل عودة العراق الى المحافل الدولية. يقول حمدون «ارسلت الدراسة وبقيت انتظر حتى جاءني الرد من صدام في رسالة يصفني وكأنني عميل للمخابرات الاميركية، وطلب مني العودة الى بغداد»، وبقي في بيته حيث كنت ازوره واجده قلقا ومنزعجا وكان يقول «انظر، ارسلوا في طلبي لمناقشة الدراسة التي طلبها مني ثم انا هنا منذ شهرين، لا احد يتحدث معي، حتى اني اتصلت بسكرتير صدام عبد حمود ولم يرد على هواتفي».
بعد فترة قابل صدام حسب طلبه وقال له «لقد وزعت الدراسة التي كتبتها على اعضاء القيادة وطلبت منهم آراءهم فيما كتبت وانظر ماذا كان الرد «كانت ردود اعضاء القيادة وتعليقاتهم تصفني بأني عميل لاميركا ويجب ان أعدم، وقال لي صدام لولا اعرف اخلاصك للعراق ولنا لأعدمتك، لكنني اعرفك جيدا، ثم طلب مني العودة الى مقر عملي في الامم المتحدة». انا اعرف نزار منذ سنوات طويلة وحتى وفاته بمرض السرطان وطوال عمره لم ينافق احدا، ولا يقول إلا ما هو مؤمن به وهذا ما عرّضه لمشاكل كثيرة مع القيادة ومع صدام.
* ما هي المناسبات الفنية التي كان صدام يطلب لقاءك فيها؟*هناك شيء غريب، انا اعرف ان صدام لا يعجبه الفن الحديث ولكن لماذا كان يهتم باعمالي التي تنتمي الى الفن الحديث لا ادري؟ هو يهتم بالاعمال الاكاديمية مثل منظر طبيعي، شخص واقف، فارس فوق فرسه، لكنه لم يكن يهتم بلوحات الفن الحديث التي تنطوي على افكار. ذات مرة طلب مني خالد الجنابي (كان أمين بغداد ومات في أزمة قلبية مفاجئة عشية وصوله الى روما للمشاركة في مؤتمر للامم المتحدة عام 1997) ، وهو من اصدقائي المقربين، مرافقته في جولة ببغداد لمعاينة النصب الجيدة او تلك التي يجب ان ترفع من الساحات العامة، قلت له:
كانت بغداد قبل وضع هذه النصب والتماثيل اجمل بكثير. ارفعوا كل هذه النصب وتعود بغداد جميلة. ذلك ان بغداد مدينة حضارية وهي في قلب العراق، والعراق كله ادب وفن وفكر وهي سليلة مدن حضارية مثل سومر وبابل وآشور ولا تحتاج الى نصب وتماثيل ، مثل هذه النصب ممكن وضعها في المدن الفقيرة حضاريا والاعمال الموضوعة في بغداد بسيطة وساذجة لا تعطي انطباعا عن حضارة المدينة ولا عن طبيعة ذكاء الناس وابداعهم وذوقهم العالي. والغريب ان ما حدث فيما بعد كان صدام في زيارة لمستشفى ابن سيناء وبرفقته الجنابي الذي اخبره عن رأيي بالنصب في بغداد فما كان من صدام الا ان يرد على الجنابي قائلا «يجب ان تأخذوا رأي الدكتور علاء بجدية».
* الا تعتقد ان هذه النصب جاءت لترتقي بأذواق الناس في بغداد؟
*لا ، هناك تربية خطأ، النظام السابق شوه ذوق الناس وخرب اذواقهم، كانت في بغداد حدائق مزروعة بانواع من الزهور وما كان احد ليجرؤ بقطع هذه الزهور، كان ذوق الناس عاليا اما الان فصاروا يقتلعون الاشجار ويرمونها. الطفل او الشاب الذي يقطع وردة او يقتلع شجرة لغرض اقتلاعها فقط ويرميها فهذا يعني ان هناك خطأ في التربية الاجتماعية وفي رأيي من يفعل ذلك عنده استعداد لان يقتل انسان.
* هل كان صدام يفهم طبيعة افكارك في لوحاتك الفنية ؟
*مرة اقامت جمعية الانطباعيين العراقيين، التي انا عضو فيها، معرضا في ذكرى رئيسها الفنان حافظ الدروبي واختاروا لكل فنان عملين او اكثر، ولا ادري لماذا اختاروا من اعمالي لوحتين بذات الفكرة الاولى، رجل وقد تحولت جبهته الى قفص في داخله طير يحاول الخروج منه، والثانية انسان وقد تحول صدره الى قضبان وخلفها طير يجاهد من اجل حريته، وكان لطيف نصيف جاسم، وزير الثقافة في عهد صدام، قد افتتح المعرض وشاهد العملين فقال لي «لماذا هذه الاعمال ولو كان رسام غيرك نفذ هذين العملين لقلنا انك ضد الدولة». بعد فترة التقى جاسم بصدام خلال وجودي وقال له ان «الدكتور علاء يرسم بعض الاعمال وكأن في العراق اضطهادا للانسان»، فاجابه صدام قائلا «الدكتور علاء حر فيما يرسم وانا باعتقادي انه يسجل بعمق التاريخ المعاصر للعراق»، وقد استغربت من رأيه هذا وسالت نفسي لماذا وكيف.
* هل دعاك مرة لتنفيذ أي من تماثيله؟
*لا، انا عادة لا اشترك في المسابقات التي كانت تقام لتقديم نماذج للنصب والتماثيل عامة وتماثيل صدام خاصة، وذات مرة كانت هناك مسابقة لتقديم نموذج لنصب عن ملجأ العامرية وقُدمت اعمال كثيرة عن هذا النصب لكن صدام لم يوافق عليها. ذات يوم اتصل بي رئيس الدائرة الهندسية في رئاسة الجمهورية ليبلغني ان الرئيس اختار احد اعمالي النحتية التي كنت قد انجزتها عن ملجأ العامرية ليكون نصبا تذكاريا وانا فرحت جدا لان احدى امنياتي كانت تنفيذ نصب تذكاري عن ملجأ العامرية.
* هل حاول صدام ان يرسم؟
* لا، لم يحاول ذلك، او انني لا اعرف عن محاولة مثل هذه.
* لكنه صمم عمارة ؟
* نعم صمم. دعني اقول شيئا: هو عمل ذلك بتشجيع من الآخرين، يعني أي خط يضعه يقولون له: بديع وهذا عمل عظيم وشيء عبقري. لكنه يبدي آراء في الفن قسم منها ساذجة جدا وقسم من هذه الآراء مهمة وطبعا هو يسمعها او يلتقطها من الآخرين ويعيد صياغتها ويقدما باعتبارها من افكاره.
* هل كان يتقبل آراءك برحابة صدر؟
*نعم، مرة كنا نتناقش عن النصب التي كان يريد ان تنجز وخاصة عن معارك الحرب العراقية الايرانية وعن المقاتل، فقلت له ان المقاتل واحد مهما تعددت النصب او اختلفت.
وقلت له ان المواطنة هي ليست بالقتال، والقتال جزء بسيط من المواطنة، والدفاع عن النفس ليس وطنية وانما غريزة، والجندي أوالضابط وظيفته القتال، لكن الدولة علمت الناس ان تخرج في مظاهرات تعبيرا عن وطنيتها، لكن الابداع في العمل هو قمة المواطنة، واي عمل هو تعبير عن الوطنية وعلينا ان نعلم المواطن ان العراق ليس فندقا او مطعما يقيم فيه وياكل فيه، ولكن الوطن هو تعبير عن وجود الانسان مثل البيت الذي يعبر عن وجود العائلة، اما اذا آمن المواطن ان البلد هو عبارة عن مكان يعيش وياكل فيه فقط فلن يتردد عن تخريب هذا البلد. وهذا ما حدث في العراق عند سقوط النظام، اهل البلد هم من خرب العراق، والانسان الذي يمد يده لسرقة او تخريب اموال الدولة يعني فشل المجتمع في تربية هذا الانسان الذي لم يشعر بوجوده في هذا البلد.
* ماذا كان تعليق صدام عن هذه الآراء ؟
ـ بقي ساكتا ولم يعلق.
* كيف ترى العراق اليوم؟
ـ الان هناك احزاب وكتل تقسم الناس وتكاد ان تقسم البلد باسم الديمقراطية، وهذا شيء يدعو للسخرية المرة، فالديمقراطية الحقيقية هي ان تنظر هذه الاحزاب الى العراق كجسد الانسان الذي يعمل فيه القلب والكبد والكلية بانسجام وتعاون من اجل جسم الانسان.
القلب لا يعمل من اجل نفسه وكذلك الكبد، ولو كان كذلك لانتهى الانسان، هذه الاعضاء تعمل كلها متعاونة باستمرار وبدون توقف من اجل ديمومة حياة الانسان، وعلى الاحزاب ان تعمل هكذا من اجل بناء العراق وقوته واستمراره، علينا ان ننظر الى بلدنا، وحسب قول الشاعر يوسف الصائغ «من قلب مفتوح» حتى نراه كله معا من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ولا ننظر اليه من ثقب الباب فنرى جزءا صغيرا منه. غالبية الاحزاب اليوم تنظر الى الوطن من خلال ثقب الباب. نحن نريد حزبا يكون قلبا للانسان، وحزبا يكون كبدا للانسان، وحزبا يكون كلية للانسان وهكذا.. هذه الاحزاب التي يحتضنها الانسان في قلبه وضميره. ويجب ان نعلم انفسنا ان نحب ونتسامح ونتعاون، اذا قمع احدنا الاخر تحت ظل الحقد والكراهية كيف لنا ان نحقق الديمقراطية؟ يجب ان نتقبل آراء بعضنا ونناقشها قبل ان نحكم عليها.
* هل ستعود الى العراق قريبا ؟
ـ العراق ليس وطني وحسب هو وجودي وهو اكبر من الكلمات، امي وابي صارا جزءا من تراب العراق وانا جزء من هذا البلد، وبغداد اعشقها مثلما أمرأة جميلة، ولا اريد ان ارجع لارى هذه المرأة وقد نال القبح منها. بغداد تستحق ان تبقى أجمل امرأة، ولها علاقة بتاريخ العراق الابداعي، لا اريد العودة الى بغداد التي ينال منها المجرمون والقتلة، اريد ان ارى بغداد جميلة دائما عندما اعود اليها.
* اذا طلبوا منك الان زيارة صدام في السجن لمعالجته هل ستذهب؟
ـ نعم ساذهب كوني طبيبا لمعالجة مريض، وليس صدام. افرض طلبوا مني معالجة مجرم قاتل محترف في السجن، ماذا سافعل؟ سأذهب بالتأكيد لانني ببساطة طبيب ومهنة الطب مهنة شريفة وانسانية رفيعة وهي مهنة فوق السياسة، لان السياسة دنيئة ولا مبادئ فيها ومن الخطأ ان تتلوث مهنة الطب بالسياسة. السياسة تعتمد اساليب النفاق والغش والكذب والتخلي عن الكثير من القيم الانسانية النبيلة، وهي مهنة تقترب من الادب والفن، لهذا من الصعب على السياسي مزاولة عمل الطبيب او الفنان او الشاعر.
عدي يقطع لسان منقذه أمام زوجته وأطفاله وجيرانه
http://www.alaalem.com/admin/upload/irq_722903762
الزعماء الذين خلفوا آثارا مهمة في حياة شعوبهم، بالسلب او الايجاب، يظلون موضوعا دراسيا للتأريخ، كما لكل علوم ومناهج التفكير الاخرى. فبعض اعمال الخير العظمى لا تصدق لشدة ارتفاعها عن المستوى البشري المعهود. كما ان بعض اعمال الشر العظمى لا تصدق ايضا ولكن لشدة انحدارها عن المستوى الأخلاقي المعهود.
ولربما يشكل الزعماء الأشرار اغراء اكبر للفكر من الزعماء الأخيار. ذلك انهم يمثلون تحديات خطيرة، والخطر اشد استدعاء لاستنفار الناس من سواه، لأنه يتطلب مواجهة على مستويات النظر والعمل، في محاولة للحد منه ومن ثم تجاوزه، والأهم تجنب تكراره.
ولعل النظم الشمولية (التوليتارية) ورؤوسها مثلت اخطر تجربة في تاريخ البشرية، وبالتالي فقد جذبت اوسع اهتمام للفكر والادب والفن، مقارنة بغيرها من النظم السياسية، اولا لحداثة عهدها، فهي وليدة القرن العشرين، وثانيا للمستوى الهائل من الكمال الذي بلغته في القمع، وثالثا بسبب الأعمال غير المعهودة من الدمار والموت التي ارتكبتها.
وقد صنع صدام حسين واحدا من النظم التوليتارية النادرة في العالم. ولذلك فانه سيظل، مثلما تركته الفادحة، موضوعا في حياة العراق وفي فكره، وفي تاريخ العرب الحديث ايضا.
ان هذا الكتاب الذي تنشره» العالم» مسلسلا في حلقات، ليس دراسة ولا بحثا في صدام، وانما شهادة عنه، تضيء بعضا من عوالمه وسماته الأكثر خصوصية، كما انه يمثل صورة من صور حياة التكنوقراط في ظل هذا النوع من الانظمة. ومن هاتين الزاويتين يعد كتاب د. علاء بشير (كنت طبيبا لصدام) واحدا من الوثائق المهمة، والممتعة، في سلسلة طويلة، ما زالت في طور البداية، عن « عالم صدام حسين».
وبينما كنا نفحص عدي أثناء المرور الدوري إذا به يخرج الجميع عَداي من الحجرة. “قل لي يا دكتور علاء، لقد عالجت عمي وطبان أيضا وأجريت له عملية جراحية، أين كانت إصابته، الساق اليمنى أم اليسرى”؟
“اليسرى”.
“هلا قلت لي أين بالضبط”؟!
“نعم، في الموضع نفسه الذي تحطمت فيه ساقك بفعل الأعيرة النارية”.
“يا إلهي... لقد عاقبني الله”!
وطبان في المستشفى
سكت عدي لبرهة وسألني بعدها عن المكان الذي يمكن أن يحصل فيه على أفضل علاج، هل في بغداد أم في الخارج؟ وبينما كنت أناقشه في مزايا وعيوب كل من الإمكانيتين إذا بصدام يدخل علينا وبصحبته أخوه غير الشقيق وطبان، الذي كان يمشي بصعوبة شديدة بالرغم من أنه غادر مستشفى ابن سينا منذ أكثر من نصف سنة.
ومن سخرية القدر أن يرقد الآن ابن أخيه في المستشفى نفسه لإصابته في الساق اليسرى أيضا وبطلق ناري حطم الساق كلية في الموضع نفسه الذي أصابه عدي فيه بطلق ناري يوم 8 آب (أغسطس) من العام الماضي وهم مجتمعون على وليمة على ضفة نهر دجلة، كان ذلك هو اليوم الصعب ذاته الذي هرب فيه أزواج بنات صدام بصحبة زوجاتهم وأبنائهم إلى الأردن. وبعد هذا الحادث آنذاك قدم عدي الاعتذارات لعمه وطلب منه الصفح. ولكن كان لدي شعور قوي بأن وطبان يبذل مجهودا كبيرا في إخفاء شماتته بابن أخيه عدي، على الرغم من أن وجهه كان عابسا وهو يسأل ابن أخيه عن حاله. لقد كان يكره عدي حتى النخاع.
“دكتور علاء هو الذي يجب أن يجيب عن هذا السؤال. أجب بصدق يا دكتور ما هي فرص شفائه”؟
جلس صدام ووطبان وأخبرتهما أن حالة عدي ما زالت تؤرقنا وخصوصاً بسبب حالة ساقه اليسرى شديدة السوء. وعلى الرغم من أن الأطباء وهيئة التمريض قد بذلوا أقصى جهدهم وقاموا بعمل رائع أنقذوا به حياة عدي وساقه إلا أنه لن يتمكن من السير بشكل طبيعي بعد ذلك.
سألني صدام: “كيف هذا”؟
“لأن جزءاً كبيراً من العضلات قد تهتك ومعظمها دمرت تماماً”. وهنا قاطعني عدي وطلب أن نعيده كما كان تماماً. فأجبته قائلاً: “الله وحده الذي يقدر على ذلك وليس الأطباء”. وأجهش عدي في البكاء.
فقال له صدام: “يجب أن تقبل الواقع، فالدكتور علاء لم يقل غير الحقيقة”.
وسألني الرئيس ما إذا كان لدينا كل المعدات اللازمة لعلاج عدي على أفضل وجه. فأجبته بأننا لا نملك الأجهزة المناسبة لمراقبة دورته الدموية بالدرجة المطلوبة. فليس لدينا أجهزة الموجات فوق الصوتية اللازمة لذلك. وأخبرتهم كذلك أن مشكلة الجلطات الدموية ما زالت تؤرقني، حيث انها عالقة بالأوعية الدموية ويمكن أن تتحرك في أي وقت منهية بذلك حياته.
وأصيب عدي مجدداً بألم شديد في الصدر اضطررنا على إثره من زيادة جرعة المسكنات والعقار المسمى هيبارين اللازم لخفض كثافة الدم.
ضيف غير مرغوب فيه
واقترح صدام علاج عدي خارج العراق، في باريس مثلاً، حيث أنه يقدر الأطباء الفرنسيين جداً. “لقد كانوا دائماً أصدقاء جيدين لنا، وقدموا دائماً المساعدة كلما احتجناها، هناك علاقة طيبة تربطنا بفرنسا والفرنسيين”.
وقال لي: “إذا كنت تعرف طبيباً فرنسياً جيداً فاتصل به”. فأجبته بأنني سأفعل ذلك. واتصلت بالأستاذ الدكتور دومنيك لوفيت الذي تربطني به صداقة جيدة وهو واحد من أبرع جراحي العظام في فرنسا. وشرحت له الموقف وذكرت له المشكلة التي تواجهنا في ابن سينا، وسألته إذا كان يمكنه أن يرتب لعلاج عدي في باريس ووعدني بالاهتمام بهذا الأمر ولكن بعدها بفترة وجيزة جاءني رده بالرفض شارحاً لي أن الحكومة هناك قد ألمحت بأن عدي ضيف غير مرغوب فيه.
في العاشر من كانون الثاني (يناير) تمت مناقشة الموضوع في وزارة الخارجية الفرنسية ورفض طلبنا، ولكنهم قالوا لنا في الفاكس الوارد من Quai d’Orsay بباريس أنهم لا يمانعون في إرسال فريق طبي بالتجهيزات اللازمة لعلاج عدي في العراق.
وافقنا على هذه الفكرة وبالفعل وصل الفريق الطبي في السادس عشر من كانون الثاني (يناير) وتم فحص عدي بأجهزة الموجات فوق الصوتية التي أحضروها معهم. التجلط كان في المنطقة عند التقاء البطن بالفخذ. وكان طوله خمسة سنتيمترات، وقد انفصل بشكل شبه كلي عن جدار الوريد. وربما اقترب عدي في هذه اللحظات من الموت تماماً كما كان عندما نقله صديقه إلى المستشفى في الثاني عشر من كانون الأول (ديسمبر)، وكاد ضغط دمه يومها أن يصل إلى الصفر.
لذا اقترح الأطباء الفرنسيون استئصال ذلك التجلط باستخدام تقنية جديدة تم تطويرها واختبارها على مستوى دولي ولكن عدي رفض ذلك. وعلى هذا فقد اضطررنا إلى زيادة جرعات المواد المخففة لكثافة الدم وطلبنا منه أن يخلد إلى الراحة وان لا يتحرك قدر الإمكان. وذاب التجلط تدريجياً حتى إنه اختفى تماماً في بداية شهر آذار (مارس).
وفي الثاني من شباط (فبراير) حضر الأستاذ لوفيت إلى بغداد لعمل جراحة لعدي يثبت فيها ساقه، وكان يريد أن يأخذ لهذا الغرض جزءاً من عظام الحوض ليثبته كجسر في الموضع الأعلى من الساق الذي دمر تماماً جراء الأعيرة النارية. ولأن الساق كانت ما زالت متورمة فقد قرر لوفيت تأجيل العملية عدة شهور حتى تتحسن حالة الساق. ولكن عدي استشاط غضباً عندما سمع ذلك. فقد طالب بإجراء العملية في أسرع وقت ممكن ورفض استقبال الطبيب الفرنسي مرة أخرى.
الدكتور الخضيري
ولذلك فقد تم اتخاذ قرار بإرسال زميلي الدكتور حسن الخضيري إلى أوروبا ليتحرى عمن يمكنه إجراء هذه العملية، وكذلك ليبحث عن اي إنجازات طبية حديثة يكون من شأنها مساعدة عدي.
وقد شككت في جدوى مثل هذه الرحلة ولكن أغلب زملائي صوتوا بالموافقة عندما طرحت الفكرة للمناقشة. وعاد الدكتور الخضيري في الثاني من آذار (مارس) بعد أن زار المانيا والسويد وفرنسا. وكما توقعت فقد عاد صفر اليدين دون أن يجد أي إنجازات علمية في مجال طب العظام قد تساعد عدي على الشفاء، وقد اقر بذلك وهو صاغر وذليل أمام صدام الذي حضر إلى مستشفى ابن سينا ليسأل عن ثمار الرحلة.
ثم سألنا صدام عن رأينا في الموقف، فرد أحد زملائي ان الدكتور الخضيري لم يأت بجديد، وإن كل ما جاء به معروف لدينا خير المعرفة، وإن الأفضل أن نبقى على تعاوننا مع الفريق الطبي الفرنسي والدكتور لوفيت فنحن نعرفهم ونعرف قدراتهم بالفعل.
ووافق صدام على ذلك قائلاً: “أنا لا أجد أي داع لأن نستبدل الأطباء الفرنسيين بغيرهم، فقد قاموا بعمل جيد وهم أصدقاؤنا كما كانوا دائماً، وطالما هبوا لمساعدتنا كلما احتجنا لذلك. وهذا قراري ولا أريد أن استمع لأي اقتراحات أخرى فإن هذا لن يجلب على عدي إلا القلق والحيرة”.
فتجرأ الدكتور الخضيري وقال: “ولم لا نعالج عدي في سويسرا، إنه بلد محايد”.
وهنا غضب صدام وقال: “اللعنة على سويسرا! ما هذا الاقتراح الأحمق. إننا نؤمن بالله ونعرف أن كل ما يحدث هو إرادته وهذا ما يجب علينا تقبله”. ثم تركنا وخرج.
فأسرع الدكتور الخضيري إلى عدي ليحكي له ما دار بيننا من حديث وما قرره أبوه في النهاية. ولكن عدي أصر على ألا يجري له الدكتور لوفيت العملية وفي اليوم الذي تلاه نفذ عدي رغبته وأجرى له العملية طبيب عظام ألماني من مدينة شتوتجارت. وخلال الربيع من ذلك العام قام ذلك الطبيب بإجراء العمليات الجراحية اللازمة في ساق عدي. وعلى اية حال فإن صدام لم يكن يصر على تنفيذ رغباته مع عدي وقصي.
وبعد ذلك اكتشفت أن عدي كان عنده أسباب خاصة دفعته لدعوة ذلك الطبيب من شتوتجارت، فالطبيب الألماني لم يكن جراح عظام بارعاً فحسب، بل كانت تربطه علاقات عمل بإحدى الشركات الألمانية التي وردت للعراق بضائع خلال حرب الخليج الأولى ولم تحصل على حقها كاملاً. كان المبلغ المتبقي للشركة هو تسعة ملايين دولار تعين على الطبيب تحصيلها بينما كان عدي تحت سكينه الجراحي (بالمعنى الحرفي للكلمة).
وقد اقترح عدي وأخوه قصي على الشركة الألمانية أن يرضوا بمبلغ اربعة ملايين دولار، ولم يعق موافقة الشركة على هذا الاقتراح إلا رغبة قصي وعدي في الحصول على خمسة ملايين دولار من العشرة كعمولة لهما.
ووصل فاكس غير مرغوب فيه عن طريق الخطأ لمكتب اللجنة الأولمبية مباشرة، ما أثار مخاوف قصي وعدي من أن يكون اي شخص غريب قد اطلع عليه، وبالتالي يمكن أن يخبر والدهم بالسبب الحقيقي الذي جعل الطبيب الألماني يجري عمليات الساق لعدي في بغداد بدلاً من الطبيب الفرنسي لوفيت.
وعلى الفور ألقى الأخوان مسؤولية حضور الطبيب الألماني إلى مستشفى ابن سينا على الدكتور الخضيري وألصقا به تهمة عقد صفقات مشبوهة على غير علمهما. واستشعر الدكتور الخضيري أنه سيدفع حياته ثمناً لهذه التهمة، لذا فقد هرب مع أسرته في سرعة خاطفة إلى السعودية، حيث يعيش بها حتى الآن.
عدي خارج المستشفى
عندما أخذت رقعة من جلد فخذ عدي الأيمن لأغطي بها مكان دخول الرصاصة في ساقه اليسرى استمرت فترة التئام الجرح في الفخذ مدة طويلة على غير المألوف، فعادة يتكون الجلد مرة أخرى بسرعة ولكن في حالة عدي فقد أعاق نمو الجلد تعدد مرات إصابة الجرح بتلوثات والتهابات. ولم نكن في الحقيقة نعرف كيف تحدث مثل هذه الالتهابات على الرغم من أننا نعطي مريضنا مضادات حيوية ونقوم بتطهير الجرح وتضميده بشكل مستمر.
ذات يوم أسرت إلي إحدى الممرضات أن عدي قد رجع إلى عادته القديمة وكلف أصدقاءه بالبحث عن الفتيات عند الرواد، وأن الحفلات تقام كل ليلة في المستشفى وتنتهي بزيارات نسائية لعدي في غرفته. ولأن الضمادة المثبتة على باطن فخذه الأيمن تعيقه عن الاستمتاع بملذاته وهو في فراش المرض، لذا فقد كان عدي يزيحها من طريقه. فلا عجب إذاً من تلوث الجرح وعدم شفائه.
وفي التاسع والعشرين من أيار (مايو) 1997 حضر والده بصحبة قصي إلى المستشفى وبعد زيارة عدي ذهبا إلى مكتب المدير لتحية الأطباء المناوبين. وسأل صدام عن حالة عدي وأوضحنا له أن فترة العلاج قد انتهت وأنه سيخرج من المستشفى بعد يومين.
وبدا على صدام الارتياح لسماع هذا الخبر. ثم وجه كلامه لقصي قائلاً: “يجب عليك أنت وأخوك أن تتوقعا مثل هذه الأحداث في المستقبل، توقعا الأسوأ، فإن من هم في مثل مكانتكم تمر بهم إن آجلاً أو عاجلاً أوقات صعبة”. وفي التاسع من شهر حزيران (يونيو) وبعد حوالي ستة شهور أمضاها عدي في مستشفى ابن سينا خرج وهو يعرج ويمشي بصعوبة بالغة. وكان قد استعاد القدرة على الحركة بشكل جيد في ذراعه الأيسر ورجله اليسرى واستعادت عينه اليسرى وضعها الطبيعي. ولكن لم يعد باستطاعته في اغلب الأحيان أن يكتب جملاً متصلة المعنى. وكان من الصعب فهمه عندما يتكلم. وكان حتى قبل الإصابة يتكلم بطريقة غير واضحة بسبب كبر حجم فكه العلوي بدرجة غير متناسقة مع حجم فمه. ولم يكن ابن الرئيس على أية حال من الأحوال كثير الحديث. وكان من الصعب تحديد درجة إصابة مخ عدي لأنه كان قبل الحادثة مجنوناً. ولكن قبيل مغادرته المستشفى وبعدها كان أشد ثورة وعدواناً في مواجهة ما حوله أكثر مما كان قبل الهجوم عليه في شارع المنصور.
وقد حاول صديقه علي الساهر، الذي أنقذ حياته من قبل، الهرب إلى الأردن بصحبة زوجته وأولاده في خريف 2002، ولكن تم إلقاء القبض عليه عند نقطة طريبيل الحدودية وتم إرساله إلى بغداد حيث علم عدي بمحاولة الهروب الفاشلة واستدعاه إلى مقر اللجنة الأولمبية وقال له: “إنك ستعاود المحاولة من جديد، ومثلك مثل أصدقائي الآخرين الذين هربوا إلى الخارج لن تستطيع أن تغلق فمك، ولكني لن أترك ذلك يحدث”.
وقد اخبرتني بعد ذلك إحدى بنات عم الساهر، والتي كانت تعمل ممرضة في مركز صدام لجراحات التجميل، ان عدي قد أرسل مجموعة من رجاله من ميليشيا الفدائيين إلى بيت صديقه بعد ايام من حديثه الأخير معه وقاموا بقطع لسانه أمام زوجته وأطفاله وجيرانه.
مسامير الرئيس
لقد حذرته كثيراً من ارتداء الأحذية الصغيرة والضيقة التي دأب على ارتدائها، حتى حدث ما لم يكن منه بد. في يوم الثامن والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) 1999 وكان يوماً شتوياً معتدل الجو في بغداد، جاء زهير العزاوي مدير مستشفى ابن سينا إلى مكتبي ليبلغني أن الرئيس في طريقه إلينا، وكان الخبر بمثابة مفاجأة لنا، إذ كانت المرة الأولى التي يعلن فيها الرئيس عن موعد زيارته.
كان صدام يعاني ألماً بسبب مسامير القدم في باطن قدمه اليمنى وكاد الألم أن يذهب بعقله وهو يريد الآن استئصال الجلد المريض. وعندما حضر قال لي: “كنت على حق يا دكتور.. أين ستجري العملية”.
فاقترحت إجراء الجراحة في العيادة الخارجية، وعندما اقتربنا من طاولة العمليات لاحظ صدام عليها فوطة متسخة. فنظر إلى مدير المستشفى وقال له: “ألم أخبركم بموعد وصولي..”؟
فأسرع العزاوي باستبدال الفوطة المتسخة بأخرى زاهية النظافة. وبدا عليه الخوف على حياته.
ثم قال الرئيس: “إذا كان هذا ما يحدث معي، فأنا لا أجرؤ حتى أن افكر فيما يحدث للمرضى الآخرين”.
وعلى الفور قدم العزاوي اعتذاراته، وبقي بعد ذلك في منصبه، وهذا ما لم يتوقعه أحد، ثم قمت بتخدير صدام موضعياً واكتشفت بعدها أنه ليس مسمار قدم واحدا بل اثنين. وبعد أن ضمدت الجرح نصحته أن لا يتحرك كثيراً وأن يبقي قدمه مرفوعة لأعلى لبضع ساعات.
وبعد مضي أقل من ساعة هرع إلي اثنان من حرسه الشخصيين وطلبوا مني تجهيز ضمادات وأربطة جديدة، وأن اسرع معهم إلى إحدى الدور حيث كان صدام يرقد في فراش كبير عليه بقعة هائلة من الدماء. وكانت الضمادة على قدم صدام مشربة بالدماء كما راقت دماء على الأرض وبدا صدام شاحباً.
وعندما رآني قال لي: “هذا ليس خطأك يا دكتور علاء، فأنا الذي لم أعمل بنصيحتك وخرجت بعد العملية لحضور اجتماع فإذا بقدمي تدمى بجنون”. فقمت بتغيير الضمادات وأخبرته أنه لا يوجد أي خطر مما حدث وبعد إجراء العملية بأربعة أيام أحضروني مرة أخرى لأطمئن على حالة صدام وما إذا كان كل شيء يسير على ما يرام.
كان هذه المرة ينتظرني في منزل صغير تحت اشجار كبيرة بالقرب من الجسر المعلق على نهر دجلة، حيث كان صدام يغير مكان إقامته دائماً لدواع أمنية. فاطمأنيت على حال الجرح وغيرت الضمادات. وبعد انتهائي من عملي طلب مني صدام أن أصحبه إلى غرفة مجاورة. وفي تلك الغرفة كان أحد مهندسي صدام قد قام بفرد خارطة كبيرة تشتمل على رسوم لكل المباني المقامة على الأرض الخاصة بالقصر الجمهوري.
وأشار صدام إلى أحد المباني وقال لي: “انظر إلى هذا المبنى، لقد تم تدميره أثناء الهجوم الصاروخي الأميركي الأخير. والآن يجب أن يعاد بناؤه ولكن بضعف حجمه الأصلي”.
وفي الفترة من السابع عشر وحتى العشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) 1998 سقط على بغداد وعلى بعض المدن الأخرى وابل من الصواريخ الأميركية والبريطانية.
وكنت في تلك الأيام أذهب إلى عملي كما اعتدت في مستشفى ابن سينا ومستشفى الواسطي. وقد لفت انتباهي أن خروجي مع سائقي كل يوم ومحاولتنا شق الطريق بين الانفجارات وستار الدخان قد أصبح لكلينا أمراً شبه روتيني.
وكما يقول المثل العربي: “إذا كنت مبتل الثياب، فلا تخش المطر”. وكان حالنا بالفعل هو حال المبتل.
أطلق الرئيس بيل كلينتون على العقاب العسكري للعراق اسم “ثعلب الصحراء”.
وكان تبريره هذه المرة هو أن المفتشين الدوليين الذين يبحثون في العراق منذ سبع سنوات عن أسلحة الدمار الشامل قد تم طردهم من العراق في مستهل شهر كانون الأول (ديمسبر)، وأن عملهم قد أصبح شديد الصعوبة لأنهم لا يحصلون على الموافقات اللازمة لدخول ما يريدونه من الأماكن، كما ادعى كلينتون أن صدام لم يعد يحتمل وجودهم بعد ان اتضح وجود علاقات تربطهم بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه CIA).
وقد أصابت القنابل أكثر من مائة مبنى، دمرت خلال الأيام الأربعة التي استغرقتها فترة القصف، كان أغلبها مكاتب ومباني خاصة بالإدارة الأمنية في حكومة صدام أو وكالات الأنباء، وكان بعضها على مقربة من القصر الجمهوري على نهر دجلة.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir