المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أصغر «جاسوس» في العالم..



على
09-15-2004, 08:40 AM
دل الأميركيين على مخبأ لمقاومين اعتقلوا فيه والده


لندن: كمال قبيسي

يروي الجيش الأميركي حكايات غريبة أحيانا في موقعه على الإنترنت، خصوصا عما جرى ويجري في العراق، كقصة فتى عمل جاسوسا للأميركيين وكشف لهم في إحدى المرات عن مخبأ سري بضاحية الحصيبة في مدينة القائم على حدود العراق مع سورية، فاقتحموه واعتقلوا والده بالذات ومعه 40 من رجال المقاومة العراقية كان يتزعمهم، وزجوا بهم وراء القضبان، فيما اقتادوا الفتى الصغير ليصبح في عهدتهم، وهو ينتظر الآن «فتوى» قضائية من الولايات المتحدة تسمح بسفره إليها للإقامة فيها، لأن أحدا يجب أن يتبناه ولأنه لا يستطيع الحصول على جواز سفر عراقي باعتباره قاصرا، فعمره بالكاد 14 سنة.

لذلك وصفوه بأصغر من تعاون مع جيش الولايات المتحدة في تاريخها. وبعض التفاصيل اتضحت عن المراهق الصغير بعد أن غادرت الفرقة المدرعة الأولى في الجيش الأميركي العراق في مايو (أيار) الماضي وعادت إلى قاعدة «فورت كارسون» بولاية كولورادو، حيث روى بعض قادتها القليل عن «المتعاون الأصغر» كما يسمونه. لكن الفرقة لم تعد بكاملها إلى القاعدة، فقد نسيت في العراق أحد أهم الناشطين فيها، وهو الفتي الذي حاول عدد كبير من أعضاء الفرقة إحضاره معهم بلا طائل، لأنهم كانوا يصطدمون دائما بالمانع القانوني.

لكن انتظار المراهق، الذي أطلقوا عليه أيضا لقب «ستيف ـ أو» منذ بدأ يتعاون مع الجيش الأميركي قبل 10 أشهر تماما، وفي حقل التجسس بالذات، قارب أن ينتهي بإعلان الجيش عن توصله إلى صيغة قانونية تسمح له بمغادرة العراق والإقامة في الولايات المتحدة، إلا أن الدائرة الإعلامية في الجيش الأميركي لم تشرح المزيد، واكتفت بالقول إنه سيغادر بعد أيام قليلة، ومتى وصل إلى الولايات المتحدة سيكشفون اسمه بالكامل وماذا قدم من خدمات استحق معها الجنسية الأميركية.

يروون أن «ستيف ـ أو» بدأ يلوح للأميركيين بأنه سيتعاون معهم منذ أول يوم رآهم يدخلون فيه مدينة القائم، لكنه انتظر أن تستقر فرقة «التنين» في المدينة أكثر ليرى ممارساتها كيف ستكون «حتى اقترب في أحد الأيام من بعض الجنود وطلب منهم أن يعتقلوه، فلم يعره أحد أي اهتمام، لكنه عندما أخبرهم بأن والده عسكري، وبرتبة رفيعة في الجيش العراقي ويتزعم حاليا أكثر من 50 رجلا من المقاومين ويستطيع أن يدلهم على مخبأه، اهتموا بما قال وأسرعوا فأوعزوا إلى ثلة من الفرقة بالانطلاق إلى حيث أشار، وهناك فاجأوا القابعين في المخبأ الذي كان مكتظا بكل أنواع الأسلحة واعتقلوهم جميعا، وساقوا والد الفتى معتقلا معهم أيضا. أما الصغير فتولوا أمره لحمايته، وكان يتنقل مع الفرقة في العراق ويخدمها بالكثير من أعمال التجسس، وبسبب خدماته اعتقلت الفرقة الكثير من المقاومين، إلى أن غادرت إلى كولورادو، طبق الوارد عنه في الحكاية.

وقصة الفتى، كما رواها هو بالذات لمحققي الفرقة المدرعة الأولى، هي أن والده كان يضربه كثيرا في البيت وبوحشية، وكان يضرب والدته وأخوته أيضا، لذلك حقد عليه الأصغر بين أخوته الخمسة وراح يبحث عن فرصة لينتقم، فلم يجد أفضل مما قرره بأوائل ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو أن يغادر مدينة القائم ويرحل إلى سورية بحثا عن عمل، بحسب ما زعم لوالدته. لكن «ستيف ـ أو» كان في ذهنه عندما غادر البيت للبحث عن شيء آخر تماما، وهو الجيش الأميركي.

يروون أيضا بأن أحد قادة الفرقة المدرعة الأولى، وهو السيرجنت هيندراكس، قرر بأن يتولى هو شخصيا استخدام المراهق الصغير في أعمال تجسسية تناسب عمره، فكلفه ببعض المهمات ونجح في معظمها إلى حد كبير، وبسببه تم إحباط «الكثير من العمليات الإرهابية»، حتى اكتشف المقاومون أمره، فقام بعضهم في ليلة ممطرة بمارس (آذار) الماضي واقتحموا بيت عائلته في الحصيبة، ولم يعثروا في البيت إلا على والدته، فذبحوها وقطعوا رأسها بساطور، ثم رموه عند زاوية البيت بين النفايات.

ومع أن «أصغر جاسوس في العالم» ما زال داخل العراق بحماية الأميركيين إلى الآن، إلا أنهم في الولايات المتحدة يخوضون معركة قضائية كبيرة وصامتة لإحضاره إليها، لأن القوانين تمنع العائلة الأميركية بتبني أي طفل من دون موافقة والديه، لذلك ينتظر قادة الفرقة المدرعة الأولى إذنا قانونيا، ربما حصلوا عليه من محكمة في إحدى الولايات، يسمح للطفل بالعيش فيها كأميركي بعد أن يتم منحه الجنسية، وأن يتم سفره إلى الولايات المتحدة استنادا إلى «سبب إنساني» يضطر معه القضاء الأميركي إلى الموافقة على «إحضار إنسان من موقع معرض فيه لخطر الموت، وهو العراق في هذه الحالة، ليعيش بعيدا عن هذا الخطر في أميركا» بحسب تعبير مسؤول أميركي استشارته الدائرة القضائية بالفرقة المدرعة الأولى، وهو ستيوارت بات، المشرف في الخارجية الأميركية على عمل قنصلياتها في الخارج.

وهناك حل آخر عثرت عليه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حين استشارتها الدائرة القضائية في الفرقة بشأن المراهق الصغير، كأن يسمح له بالحضور إلى الولايات المتحدة لإجراء فحوصات على إحدى حدقتيي العين، باعتباره يعاني من علة فيهما قد تشكل خطرا على نظره «وحين يصل ويقوم بالفحوصات يمكنه إجراء المعاملات الخاصة بإقامته وهو داخل البلاد بالذات» بحسب ما ورد في الرد البنتاغوني الذي اشتمل أيضا على «نصيحة» للدائرة، وهي أن تقوم عائلة أميركية مسلمة بعملية تبني قانونية للفتى الصغير فيقيم معها كواحد من أبنائها «بحيث لا يبتعد روحيا عن جذوره».

ولم تمض أيام إلا وتسلم البنتاغون ردا سريعا من السيرجنت هيندراكس على النصيحة، وفي الرد يذكر أن زوجته حامل الآن في شهرها الرابع بابنهما الأول، وقال إنه قد يعتنق هو وعقيلته الإسلام إذا اقتضى الأمر من أجل أن يعيش المراهق الصغير بعد أن يتبناه «في ظل عائلة مسلمة حقيقية».