بهلول
02-05-2010, 12:05 PM
الوجه الآخر للحجاج ابن يوسف الثقفي
2010 الجمعة 5 فبراير
محمد صالح السبتي - الرأي الكويتية
هذا المقال ليس دفاعاً عن الحجاج فقد مضى إلى وجه بارئه ولقي ما يستحقه، وهو بالنسبة لنا ليس سوى تاريخ، ونحن في غنى عن كثرة الحديث في الماضي لأننا في حاجة للحديث عن المستقبل أكثر من اختلافنا ونزاعنا عما حدث في ماضي الزمان. لكني أسرد الوجه الآخر للحجاج استفادة من أحداث التاريخ، إذ ان كثيراً مما يتناقله الناس عن بعض الشخصيات، أو يعرف عنهم قد لا تكون الحقيقة كاملة، وقد ينتشر عن بعض الرموز سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو غيرها، جزء بسيط من حياتها ويخفى كثير، والحكم على الأشخاص لابد أن يكون من خلال «ميزان» توضع فيها السلبيات والإيجابيات، ويعرف الناس محاسن من يتكلمون عنه كما يعرفون عيوبه.
ومن هذا، فإن ما يعرفه الناس، كل الناس، عن الحجاج أنه كان طاغية من الطغاة، قتل نفوساً كثيرة، وعذب وضرب. وليست للحجاج صورة في الأذهان سوى أنه ذاك الوحش الكاسر، لكن للحجاج بن يوسف الثقفي وجهاً آخر سنعرض له باختصار كما هو منقول في كتب التاريخ ليتعرف الناس كم أخفت عنهم الروايات، فقد كان الحجاج من بلغاء العرب المعدودين، ولا يجاريه أحد في بلاغته، قال عنه الشعبي «سمعت الحجاج يتكلم بكلام ما سبقه اليه أحد من بلاغته...». وكان كريماً سخياً، يقيم في كل يوم مئة مائدة تجتمع على كل مائدة عشر أنفس، وكان يطوف بنفسه عليها يتفقد أهلها، وكان كما قال ابن كثير... قليل الضحك كثير الاستغفار.
ومن أهم محاسن الحجاج أنه هو من أمر بتنقيط أحرف القرآن، فلم تكن العرب تعرف النقط على الحروف بل كانت بلا أي نقاط وتقرأ هكذا بالمعرفة والسليقة، ولما كثر المسلمون الجدد دخولاً في الاسلام وصعب عليهم قراءة القرآن قام الحجاج بتشكيل جماعة لوضع نقط على الأحرف، كما قام بتقسيم القرآن إلى أجزاء، وأحزاب، وأرباع كما هو الآن. وقد أصلح الحجاج كثيراً من أرض العراق بعد أن أهلكتها المستنقعات والأهوار، فقام بإصلاح هذه الأراضي لتكون أراضي زراعية. وهو من بنى مدينة واسط وشيراز.
وللحجاج فتوحات كثيرة جيش لها الجيوش نشراً للدين الإسلامي، ويكفي أن نقول أن الحجاج، وهو في دولة كانت في قمة الرفاهية والتبذير والبذخ، مات ولم يجدوا له مالاً سوى 200 دينار ذهب وليس له تركة سواها... وهو الذي تولى سلطة العراق في زمن كان فيه البذخ سيد عصره.
نعم كل هذه الخصال قد لا تغفر للحجاج سطوته وقتله وبطشه عندنا، وعلينا تركه هو وخالقه، لكن يبقى السؤال: حين ننقل سيرة الحجاج لماذا نغفل هذا الوجه من حياته؟ للأسف هذه عادة الناس حين الحديث عن آخرين... يأخذون جانبا واحدا ويركزون عليه، وينسون أو يتناسون جوانب أخرى.
أنا على يقين أن كل الأشخاص الذين نذمهم أو نمدحهم، ويكونون حديث المجتمع، لهم جوانب أخرى في حياتهم يغفل عنها الناس، أو يتغافلون عنها، وهذا من أشد الظلم.
وعلينا جميعاً حين الحكم على الآخرين أن نضع ميزاناً، توضع المآخذ في كفة والمحاسن في الكفة الأخرى، وكما قيل «لا تكن كالذبابة لا تقع إلا على القذر»... هذه من عبر التاريخ، وعلينا الأخذ بها، فالتاريخ، أي تاريخ، ليس لنا فيه إلا العبرة وإلا فهو من حديث الماضي.
2010 الجمعة 5 فبراير
محمد صالح السبتي - الرأي الكويتية
هذا المقال ليس دفاعاً عن الحجاج فقد مضى إلى وجه بارئه ولقي ما يستحقه، وهو بالنسبة لنا ليس سوى تاريخ، ونحن في غنى عن كثرة الحديث في الماضي لأننا في حاجة للحديث عن المستقبل أكثر من اختلافنا ونزاعنا عما حدث في ماضي الزمان. لكني أسرد الوجه الآخر للحجاج استفادة من أحداث التاريخ، إذ ان كثيراً مما يتناقله الناس عن بعض الشخصيات، أو يعرف عنهم قد لا تكون الحقيقة كاملة، وقد ينتشر عن بعض الرموز سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو غيرها، جزء بسيط من حياتها ويخفى كثير، والحكم على الأشخاص لابد أن يكون من خلال «ميزان» توضع فيها السلبيات والإيجابيات، ويعرف الناس محاسن من يتكلمون عنه كما يعرفون عيوبه.
ومن هذا، فإن ما يعرفه الناس، كل الناس، عن الحجاج أنه كان طاغية من الطغاة، قتل نفوساً كثيرة، وعذب وضرب. وليست للحجاج صورة في الأذهان سوى أنه ذاك الوحش الكاسر، لكن للحجاج بن يوسف الثقفي وجهاً آخر سنعرض له باختصار كما هو منقول في كتب التاريخ ليتعرف الناس كم أخفت عنهم الروايات، فقد كان الحجاج من بلغاء العرب المعدودين، ولا يجاريه أحد في بلاغته، قال عنه الشعبي «سمعت الحجاج يتكلم بكلام ما سبقه اليه أحد من بلاغته...». وكان كريماً سخياً، يقيم في كل يوم مئة مائدة تجتمع على كل مائدة عشر أنفس، وكان يطوف بنفسه عليها يتفقد أهلها، وكان كما قال ابن كثير... قليل الضحك كثير الاستغفار.
ومن أهم محاسن الحجاج أنه هو من أمر بتنقيط أحرف القرآن، فلم تكن العرب تعرف النقط على الحروف بل كانت بلا أي نقاط وتقرأ هكذا بالمعرفة والسليقة، ولما كثر المسلمون الجدد دخولاً في الاسلام وصعب عليهم قراءة القرآن قام الحجاج بتشكيل جماعة لوضع نقط على الأحرف، كما قام بتقسيم القرآن إلى أجزاء، وأحزاب، وأرباع كما هو الآن. وقد أصلح الحجاج كثيراً من أرض العراق بعد أن أهلكتها المستنقعات والأهوار، فقام بإصلاح هذه الأراضي لتكون أراضي زراعية. وهو من بنى مدينة واسط وشيراز.
وللحجاج فتوحات كثيرة جيش لها الجيوش نشراً للدين الإسلامي، ويكفي أن نقول أن الحجاج، وهو في دولة كانت في قمة الرفاهية والتبذير والبذخ، مات ولم يجدوا له مالاً سوى 200 دينار ذهب وليس له تركة سواها... وهو الذي تولى سلطة العراق في زمن كان فيه البذخ سيد عصره.
نعم كل هذه الخصال قد لا تغفر للحجاج سطوته وقتله وبطشه عندنا، وعلينا تركه هو وخالقه، لكن يبقى السؤال: حين ننقل سيرة الحجاج لماذا نغفل هذا الوجه من حياته؟ للأسف هذه عادة الناس حين الحديث عن آخرين... يأخذون جانبا واحدا ويركزون عليه، وينسون أو يتناسون جوانب أخرى.
أنا على يقين أن كل الأشخاص الذين نذمهم أو نمدحهم، ويكونون حديث المجتمع، لهم جوانب أخرى في حياتهم يغفل عنها الناس، أو يتغافلون عنها، وهذا من أشد الظلم.
وعلينا جميعاً حين الحكم على الآخرين أن نضع ميزاناً، توضع المآخذ في كفة والمحاسن في الكفة الأخرى، وكما قيل «لا تكن كالذبابة لا تقع إلا على القذر»... هذه من عبر التاريخ، وعلينا الأخذ بها، فالتاريخ، أي تاريخ، ليس لنا فيه إلا العبرة وإلا فهو من حديث الماضي.