لطيفة
02-05-2010, 07:38 AM
محمد علي باشا ناداه باسم «شيخ إبراهيم» عندما التقاه في الطائف
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2010/02/05/b5d9687e-d8b0-4182-83d7-a367132b0d99.jpg
غازي الجاسم - القبس
جون لويس بيركهارت واحد من اشهر المستشرقين الاوائل، فقلما توجد دراسة عن الجزيرة العربية لا يشار فيها الى اعماله، غير انه كتب عن النوبة وسواكن في السودان، وكتب عن سوريا وعن لبنان ومصر.
لديه حواس ثاقبة، فهو يرصد كل كبيرة وصغيرة ويسجلها، لا تفوته فائتة ما، ويلمح الاشياء ويسأل ويلح في الاسئلة.
اعتنق الاسلام وليس واضحا لدينا متى تم ذلك، لكن في محادثة له مع حاكم مصر الرجل الذي يشار اليه بالبنان محمد علي باشا الذي يناديه «شيخ ابراهيم» وذلك اثناء لقاء بيركهارت مع الباشا في الطائف، يصف لنا بيركهارت رحلته من جدة للقاء الباشا ويصف الجبال والاودية والمخاطر التي تكتنف الطريق، وعندما يلتقي بالباشا الالباني تكون المفارقة، فالباشا يتحدث باللغة التركية وبيركهارت يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وبينهما مترجم. وعندها يطلب الكاتب من الباشا الاذن له بزيارة مكة المكرمة وأداء مناسك الحج.
كان الباشا يتخيل بأن لزيارة بيركهارت علاقة ما بالسياسة البريطانية، لكن وبعدما كتب بيركهارت ما كتب، فنجد الباشا يسأله عن رأيه في اعتقال نابليون بونابرت وإرساله سجيناً إلى جزيرة البا، بينما لا ينشغل بيركهارت بما يدور في أوروبا وتنقصه المعلومات وهو يقطع فيافي الصحارى العربية. وبذهنه شيء واحد... الوصول إلى قدس أقداس المسلمين. وبعد أخذ وجذب مع رجال محمد علي باشا يجاز له الوصول إلى مكة برفقة قاضٍ تركي في أوائل القرن التاسع عشر.
وصف للقوافل
يكتب بيركهارت عشرات الصفحات المسهبة في وصف الحج آنذاك والمشاعر المقدسة، ويصف لنا مكة حياً حياً ودكاناً دكاناً. ويصف الحرم الشريف. وحملات الحج والطقس والأمطار والحضر والبدو والأشراف وتاريخهم. والمناسك.
ونقتطف فقرات من كتابه «رحلات إلى شبه الجزيرة العربية»:
- سنة 1814 وصل العديد من الحجاج إلى مكة قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من وقت الحج، وان إمضاء شهور رمضان في المدينة المقدسة يشكل إغراء كبيراً لمن يتحمل النفقات الكبيرة من الحجاج. وعبر البحر الأحمر وصل أربعة آلاف حاج من تركيا.
- كانت القوافل السورية هي الأقوى، حيث تنطلق من القسطنطينية وتجمع الحجاج من آسيا الشمالية عند مرورها عبر الأناضول وسوريا حتى تصل إلى دمشق حيث تبقى في هذه المدينة لعدة اسابيع. ويولى اهتمام كبير بأمن القافلة حيث ترافقها قوات أمنية من مدينة لأخرى منذ ساعة انطلاقها من القسطنطينية حيث تصاحبها كذلك الاحتفالات والمهرجانات. وفي دمشق يجب اتخاذ الاستعدادات الكافية لان أمام القافلة ثلاثين يوما لقطع الصحراء. حيث يتم تبديل الجمال لان الجمل الأناضولي لا يتمكن من مواصلة السير في رحلة كهذه. وتتم مفاوضات مع كبار مشايخ البدو على شراء الجمال من عندهم وتتولى تلك المسؤولية حكومة دمشق. فاحتياجات القافلة كبيرة جدا من الجمال.
هذا عدا عن الجمال التي تحمل الحجاج، فهناك جمال تحمل المؤن والماء والعلف للجمال ذاتها، عوضا عن جمال اضافية بدلا عن الجمال التي تنفق في الطريق. في عام 1814 كانت القافلة السورية تضم خمسة عشر ألف جمل بالرغم من أنها تتألف من أربعة أو خمسة آلاف شخص.
ويرافق هذه القافلة عادة باشا دمشق أو أحد ضباطه الرئيسيين، ويخيم أهالي المدن إلى جانب بعضهم مثل أهل حلب إلى جانب أهل حمص لضمان الانتظام.
كلفة الحجيج
ويتعاقد الحجاج عادة مع «مقوم» وهو شخص يتكفل بتأمين الجمال والمؤن ويعنى كل «مقوم» بعشرين أو ثلاثين حاجاً فيقدم لهم الوجبات والقهوة ويحل مشاكلهم ويتكلف كل شخص في عام 1814 مائة وخمسين دولارا من دمشق إلى المدينة المنورة ثم خمسين دولارا أخرى إلى مكة المكرمة. وهناك على الطريق خزانات ماء تشرب منها الجمال.
القافلة المصرية
القافلة المصرية تنطلق من القاهرة وتتبع النظام نفسه، غير أنها أقل عددا لأنها تتألف من المصريين فقط والطريق التي تتبعها أكثر خطورة. كما أن موارد المياه شحيحة وتمر القافلة على مضارب البدو المحاربين الذين يسعون الى ايقاف القافلة أو جزء منها. وفي عام 1816 انضم العديد من نبلاء القاهرة الى الحجاج. وكان واحد منهم يمتلك مائة وعشرة جمال لنقل امتعته وحاشيته وثماني خيم، وبلغت كلفة ذهابه وايابه عشرة آلاف باوند، وكان هناك نحو خمسمائة فلاح مع نسائهم من اولئك الذين لا يخشون الارهاق والمخاطر في الصحراء.
القافلة الفارسية
ويواكب القافلة الفارسية عادة العرب من «العقيلات»، والتي تنطلق من بغداد. وهم يتعرضون للابتزاز على الطريق وفرضت عليهم «ضريبة اعناق» عالية بلغت ثلاثين سكوين على الشخص الواحد. وكل الحجاج الفرس هم من الملاكين.
مكة من الداخل
ثم يصف الكاتب مكة المكرمة خلال فصل الحج: الشوارع كلها غير معبدة، وفي فصل الصيف تصبح الرمال والغبار تلفها بصورة مزعجة تماما مثل الوحل في المواسم الممطرة، وتصبح الشوارع غير سالكة. والشوارع مظلمة في الليل، وليس لا حيائها بوابات مثل العديد من المدن الشرقية، وهناك العديد من الخزانات لتجميع مياه الامطار، كما ان مياه الابار مالحة قليلا.
اما بئر زمزم الشهيرة في المسجد الحرام فهي بالفعل بئر غزيرة المياه بما يكفي لتزويد المدينة بكاملها بالمياه. ولكن لا يسمح بالغرف منها بحرية تامة. ويتم احضار المياه الى مكة عبر قناة من منطقة عرفات.
وفي وصفه لاحياء مكة يقول «يدخل السوق الصغير ضمن حارة «مسفله» وهو الحي الذي يقع على الجهتين الشرقية والجنوبية من السوق، ويسكنه التجار العرب والبدو الذين يسافرون الى اليمن لاستيراد الحبوب والبن».
وهكذا يواصل الكاتب سرد حكايته مع مكة والحج، حيث قام عدة سنوات بأداء مناسك الحج. وأقام فترات طويلة في المدينة المكرمة، وعاصر الأحداث الجسام في صراعات الجزيرة العربية الكبرى أيام محمد علي باشا وما تلاها من أحداث وحروب دموية اثرت على مواسم الحج، بل تراجع عدد الحجاج الى حد كبير.
ويضيف الكاتب «تتم عند صلاة المغرب تغطية الأرضية الخارجية المحاذية للكعبة المشرفة بالسجاد الذي يبلغ طوله من ستين الى ثمانين قدماً وعرض أربع أقدام، وهو من صناعة مصرية، ثم يعاد لفه بعد انتهاء الصلاة، ويحضر العدد الأكبر من الحجاج سجاداتهم الخاصة بهم وتمد الأجزاء البعيدة عن الكعبة المشرفة بالحصر التي أحضرت من سواكن في السودان وهنا تتم تأدية صلاة الظهر والعصر.
ويتخذ الامام موقعه قرب بوابة الكعبة، وتقتدي به الجموع المحتشدة.
وفي كل ساعة من النهار نرى أشخاصاً تحت صف الأعمدة منهمكين في قراءة القرآن وكتب دينية أخرى. وهنا يمر العديد من الهنود الفقراء حصرهم ويمضون كل فترة اقامتهم في مكة، فهنا ينامون ويأكلون، لكن اعداد الطعام غير مسموح به هنا. وخلال الظهيرة يأتي العديد من الأشخاص ليأخذوا قسطاً من الراحة تحت صف الأعمدة في ظل السقف البارد. وأقيمت مدارس عامة في أجزاء عدة من صف الأعمدة حيث يتعلم الأولاد الصغار التهجئة والقراءة، وهم يشكلون مجموعات صاخبة جداً كما أن عصا المعلم لا تكف عن اداء وظيفتها.
شيوخ العرب
قرب بوابة المسجد الحرام التي تدعى باب السلام هناك يجلس بعض الشيوخ العرب يومياً مع دواتهم وورقهم مستعدين للكتابة لكل من يطلب منهم ذلك، من رسائل وحسابات وعقود والوثائق، كما يكتبون التعاويذ والأدعية.
ونشاهد باستمرار الأكفان والأقمشة الكتانية الأخرى المغسولة بمياه بئر زمزم وقد علقت بين الأعمدة، ويشتري العديد من الحجاج الكفن الذي يرغبون في ان يكفنوا ويدفنوا فيه.
تكتظ مكة عموماً، والمسجد الحرام خصوصا، بأسراب الحمام البري، ويدعى حمام بيت الله، ولا يجرؤ أحد على قتل أي حمامة منها.
وهناك أحواض في فناء الحرم تملأ بالماء يومياً حتى يشرب الحمام وهناك أيضا تعرض نساء عربيات الحنطة والذرة للبيع الى الحجاج، حيث يشترونها لاطعام الحمام.
20 بابا و39 قنطرة و7 مآذن
وللحرم أبواب عديدة، هي: باب السلام، باب النبي، باب العباس، باب علي، باب الزيت، باب العشرة، باب بغله، باب الصفا، باب شريف، باب مجاهد، باب زليخة، باب أم هانئ، باب الوداع، باب إبراهيم، باب العمرة، باب عتيق، باب الباسطين، باب الكتبي، باب زيادة، باب دريبه.
وعدد قناطر الحرم المكي تسع وثلاثون قنطرة.
والجدران الخارجية للحرم هي تلك التي تعود للمنازل التي تحيط به من الجهات كلها.
وكانت هذه المنازل أساسا تخص الحرم اما الآن فإن القسم الأكبر منها تعود ملكيته للأفراد الذين اشتروها ويؤجرونها للموسرين من الحجاج بأجرة تعادل خمسمائة درهم للبيت الواحد.
وقد فتحت نوافذ من تلك المنازل باتجاه الحرم الشريف. ويؤدي من يسكنون فيها صلاة الجمعة في منازلهم وهم يشاهدون الكعبة الشريفة من نوافذ منازلهم ويستمعون للخطبة.
وللمسجد الحرام سبع مآذن موزعة بشكل غير منتظم على أرجاء الحرم المكي، هي مئذنة باب العمرة، مئذنة باب السلام، مئذنة باب علي، مئذنة باب الوداع، مئذنة قايل بك، مئذنة الزيارة ومئذنة مدرسة السلطان سليمان.
ويضيف المؤلف ان خدمة المسجد تشغل عدداً كبيراً من الناس، فهناك الخطباء والأئمة والمفتون والملازمون لبئر زمزم والمؤذنون واعداد كبيرة من الذين يلقون المحاضرات، وهناك المسؤولون عن إضاءة المصابيح في الحرم وحشد من الخدم وهم يتلقون أجوراً منتظمة من المسجد إضافة إلى ما يحصلون عليه من هدايا تقدم لهم من الحجاج بهدف توزيعها على الفقراء، كما أن هنالك عطايا تهدف إلى إصلاح مرافق الحرم.
الموظف الاول في المسجد الحرام هو نائب الحرم أو حارس الحرم الذي يحتفظ بمفاتيح الكعبة. وتودع بين يديه المبالغ الممنوحة كأعطيات البناء التي يوزعها بالاشتراك مع القاضي، وكذلك تتم التصليحات بارشادات منه.
ولا يفوت المؤلف ان يوجه انتقادا عادة لبعض السلوكيات التي يتحلى بها بعض الأشخاص الطماعين الذين يبتزون الحجاج وخاصة الاتراك منهم، ويوجه انتقادات لاذعة لبعض الممارسات التي تمس بقدسية الجح والمناسك.
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2010/02/05/396d0c77-8eec-4592-b12c-3efc02265888.jpg
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2010/02/05/b5d9687e-d8b0-4182-83d7-a367132b0d99.jpg
غازي الجاسم - القبس
جون لويس بيركهارت واحد من اشهر المستشرقين الاوائل، فقلما توجد دراسة عن الجزيرة العربية لا يشار فيها الى اعماله، غير انه كتب عن النوبة وسواكن في السودان، وكتب عن سوريا وعن لبنان ومصر.
لديه حواس ثاقبة، فهو يرصد كل كبيرة وصغيرة ويسجلها، لا تفوته فائتة ما، ويلمح الاشياء ويسأل ويلح في الاسئلة.
اعتنق الاسلام وليس واضحا لدينا متى تم ذلك، لكن في محادثة له مع حاكم مصر الرجل الذي يشار اليه بالبنان محمد علي باشا الذي يناديه «شيخ ابراهيم» وذلك اثناء لقاء بيركهارت مع الباشا في الطائف، يصف لنا بيركهارت رحلته من جدة للقاء الباشا ويصف الجبال والاودية والمخاطر التي تكتنف الطريق، وعندما يلتقي بالباشا الالباني تكون المفارقة، فالباشا يتحدث باللغة التركية وبيركهارت يتحدث اللغة العربية بطلاقة، وبينهما مترجم. وعندها يطلب الكاتب من الباشا الاذن له بزيارة مكة المكرمة وأداء مناسك الحج.
كان الباشا يتخيل بأن لزيارة بيركهارت علاقة ما بالسياسة البريطانية، لكن وبعدما كتب بيركهارت ما كتب، فنجد الباشا يسأله عن رأيه في اعتقال نابليون بونابرت وإرساله سجيناً إلى جزيرة البا، بينما لا ينشغل بيركهارت بما يدور في أوروبا وتنقصه المعلومات وهو يقطع فيافي الصحارى العربية. وبذهنه شيء واحد... الوصول إلى قدس أقداس المسلمين. وبعد أخذ وجذب مع رجال محمد علي باشا يجاز له الوصول إلى مكة برفقة قاضٍ تركي في أوائل القرن التاسع عشر.
وصف للقوافل
يكتب بيركهارت عشرات الصفحات المسهبة في وصف الحج آنذاك والمشاعر المقدسة، ويصف لنا مكة حياً حياً ودكاناً دكاناً. ويصف الحرم الشريف. وحملات الحج والطقس والأمطار والحضر والبدو والأشراف وتاريخهم. والمناسك.
ونقتطف فقرات من كتابه «رحلات إلى شبه الجزيرة العربية»:
- سنة 1814 وصل العديد من الحجاج إلى مكة قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من وقت الحج، وان إمضاء شهور رمضان في المدينة المقدسة يشكل إغراء كبيراً لمن يتحمل النفقات الكبيرة من الحجاج. وعبر البحر الأحمر وصل أربعة آلاف حاج من تركيا.
- كانت القوافل السورية هي الأقوى، حيث تنطلق من القسطنطينية وتجمع الحجاج من آسيا الشمالية عند مرورها عبر الأناضول وسوريا حتى تصل إلى دمشق حيث تبقى في هذه المدينة لعدة اسابيع. ويولى اهتمام كبير بأمن القافلة حيث ترافقها قوات أمنية من مدينة لأخرى منذ ساعة انطلاقها من القسطنطينية حيث تصاحبها كذلك الاحتفالات والمهرجانات. وفي دمشق يجب اتخاذ الاستعدادات الكافية لان أمام القافلة ثلاثين يوما لقطع الصحراء. حيث يتم تبديل الجمال لان الجمل الأناضولي لا يتمكن من مواصلة السير في رحلة كهذه. وتتم مفاوضات مع كبار مشايخ البدو على شراء الجمال من عندهم وتتولى تلك المسؤولية حكومة دمشق. فاحتياجات القافلة كبيرة جدا من الجمال.
هذا عدا عن الجمال التي تحمل الحجاج، فهناك جمال تحمل المؤن والماء والعلف للجمال ذاتها، عوضا عن جمال اضافية بدلا عن الجمال التي تنفق في الطريق. في عام 1814 كانت القافلة السورية تضم خمسة عشر ألف جمل بالرغم من أنها تتألف من أربعة أو خمسة آلاف شخص.
ويرافق هذه القافلة عادة باشا دمشق أو أحد ضباطه الرئيسيين، ويخيم أهالي المدن إلى جانب بعضهم مثل أهل حلب إلى جانب أهل حمص لضمان الانتظام.
كلفة الحجيج
ويتعاقد الحجاج عادة مع «مقوم» وهو شخص يتكفل بتأمين الجمال والمؤن ويعنى كل «مقوم» بعشرين أو ثلاثين حاجاً فيقدم لهم الوجبات والقهوة ويحل مشاكلهم ويتكلف كل شخص في عام 1814 مائة وخمسين دولارا من دمشق إلى المدينة المنورة ثم خمسين دولارا أخرى إلى مكة المكرمة. وهناك على الطريق خزانات ماء تشرب منها الجمال.
القافلة المصرية
القافلة المصرية تنطلق من القاهرة وتتبع النظام نفسه، غير أنها أقل عددا لأنها تتألف من المصريين فقط والطريق التي تتبعها أكثر خطورة. كما أن موارد المياه شحيحة وتمر القافلة على مضارب البدو المحاربين الذين يسعون الى ايقاف القافلة أو جزء منها. وفي عام 1816 انضم العديد من نبلاء القاهرة الى الحجاج. وكان واحد منهم يمتلك مائة وعشرة جمال لنقل امتعته وحاشيته وثماني خيم، وبلغت كلفة ذهابه وايابه عشرة آلاف باوند، وكان هناك نحو خمسمائة فلاح مع نسائهم من اولئك الذين لا يخشون الارهاق والمخاطر في الصحراء.
القافلة الفارسية
ويواكب القافلة الفارسية عادة العرب من «العقيلات»، والتي تنطلق من بغداد. وهم يتعرضون للابتزاز على الطريق وفرضت عليهم «ضريبة اعناق» عالية بلغت ثلاثين سكوين على الشخص الواحد. وكل الحجاج الفرس هم من الملاكين.
مكة من الداخل
ثم يصف الكاتب مكة المكرمة خلال فصل الحج: الشوارع كلها غير معبدة، وفي فصل الصيف تصبح الرمال والغبار تلفها بصورة مزعجة تماما مثل الوحل في المواسم الممطرة، وتصبح الشوارع غير سالكة. والشوارع مظلمة في الليل، وليس لا حيائها بوابات مثل العديد من المدن الشرقية، وهناك العديد من الخزانات لتجميع مياه الامطار، كما ان مياه الابار مالحة قليلا.
اما بئر زمزم الشهيرة في المسجد الحرام فهي بالفعل بئر غزيرة المياه بما يكفي لتزويد المدينة بكاملها بالمياه. ولكن لا يسمح بالغرف منها بحرية تامة. ويتم احضار المياه الى مكة عبر قناة من منطقة عرفات.
وفي وصفه لاحياء مكة يقول «يدخل السوق الصغير ضمن حارة «مسفله» وهو الحي الذي يقع على الجهتين الشرقية والجنوبية من السوق، ويسكنه التجار العرب والبدو الذين يسافرون الى اليمن لاستيراد الحبوب والبن».
وهكذا يواصل الكاتب سرد حكايته مع مكة والحج، حيث قام عدة سنوات بأداء مناسك الحج. وأقام فترات طويلة في المدينة المكرمة، وعاصر الأحداث الجسام في صراعات الجزيرة العربية الكبرى أيام محمد علي باشا وما تلاها من أحداث وحروب دموية اثرت على مواسم الحج، بل تراجع عدد الحجاج الى حد كبير.
ويضيف الكاتب «تتم عند صلاة المغرب تغطية الأرضية الخارجية المحاذية للكعبة المشرفة بالسجاد الذي يبلغ طوله من ستين الى ثمانين قدماً وعرض أربع أقدام، وهو من صناعة مصرية، ثم يعاد لفه بعد انتهاء الصلاة، ويحضر العدد الأكبر من الحجاج سجاداتهم الخاصة بهم وتمد الأجزاء البعيدة عن الكعبة المشرفة بالحصر التي أحضرت من سواكن في السودان وهنا تتم تأدية صلاة الظهر والعصر.
ويتخذ الامام موقعه قرب بوابة الكعبة، وتقتدي به الجموع المحتشدة.
وفي كل ساعة من النهار نرى أشخاصاً تحت صف الأعمدة منهمكين في قراءة القرآن وكتب دينية أخرى. وهنا يمر العديد من الهنود الفقراء حصرهم ويمضون كل فترة اقامتهم في مكة، فهنا ينامون ويأكلون، لكن اعداد الطعام غير مسموح به هنا. وخلال الظهيرة يأتي العديد من الأشخاص ليأخذوا قسطاً من الراحة تحت صف الأعمدة في ظل السقف البارد. وأقيمت مدارس عامة في أجزاء عدة من صف الأعمدة حيث يتعلم الأولاد الصغار التهجئة والقراءة، وهم يشكلون مجموعات صاخبة جداً كما أن عصا المعلم لا تكف عن اداء وظيفتها.
شيوخ العرب
قرب بوابة المسجد الحرام التي تدعى باب السلام هناك يجلس بعض الشيوخ العرب يومياً مع دواتهم وورقهم مستعدين للكتابة لكل من يطلب منهم ذلك، من رسائل وحسابات وعقود والوثائق، كما يكتبون التعاويذ والأدعية.
ونشاهد باستمرار الأكفان والأقمشة الكتانية الأخرى المغسولة بمياه بئر زمزم وقد علقت بين الأعمدة، ويشتري العديد من الحجاج الكفن الذي يرغبون في ان يكفنوا ويدفنوا فيه.
تكتظ مكة عموماً، والمسجد الحرام خصوصا، بأسراب الحمام البري، ويدعى حمام بيت الله، ولا يجرؤ أحد على قتل أي حمامة منها.
وهناك أحواض في فناء الحرم تملأ بالماء يومياً حتى يشرب الحمام وهناك أيضا تعرض نساء عربيات الحنطة والذرة للبيع الى الحجاج، حيث يشترونها لاطعام الحمام.
20 بابا و39 قنطرة و7 مآذن
وللحرم أبواب عديدة، هي: باب السلام، باب النبي، باب العباس، باب علي، باب الزيت، باب العشرة، باب بغله، باب الصفا، باب شريف، باب مجاهد، باب زليخة، باب أم هانئ، باب الوداع، باب إبراهيم، باب العمرة، باب عتيق، باب الباسطين، باب الكتبي، باب زيادة، باب دريبه.
وعدد قناطر الحرم المكي تسع وثلاثون قنطرة.
والجدران الخارجية للحرم هي تلك التي تعود للمنازل التي تحيط به من الجهات كلها.
وكانت هذه المنازل أساسا تخص الحرم اما الآن فإن القسم الأكبر منها تعود ملكيته للأفراد الذين اشتروها ويؤجرونها للموسرين من الحجاج بأجرة تعادل خمسمائة درهم للبيت الواحد.
وقد فتحت نوافذ من تلك المنازل باتجاه الحرم الشريف. ويؤدي من يسكنون فيها صلاة الجمعة في منازلهم وهم يشاهدون الكعبة الشريفة من نوافذ منازلهم ويستمعون للخطبة.
وللمسجد الحرام سبع مآذن موزعة بشكل غير منتظم على أرجاء الحرم المكي، هي مئذنة باب العمرة، مئذنة باب السلام، مئذنة باب علي، مئذنة باب الوداع، مئذنة قايل بك، مئذنة الزيارة ومئذنة مدرسة السلطان سليمان.
ويضيف المؤلف ان خدمة المسجد تشغل عدداً كبيراً من الناس، فهناك الخطباء والأئمة والمفتون والملازمون لبئر زمزم والمؤذنون واعداد كبيرة من الذين يلقون المحاضرات، وهناك المسؤولون عن إضاءة المصابيح في الحرم وحشد من الخدم وهم يتلقون أجوراً منتظمة من المسجد إضافة إلى ما يحصلون عليه من هدايا تقدم لهم من الحجاج بهدف توزيعها على الفقراء، كما أن هنالك عطايا تهدف إلى إصلاح مرافق الحرم.
الموظف الاول في المسجد الحرام هو نائب الحرم أو حارس الحرم الذي يحتفظ بمفاتيح الكعبة. وتودع بين يديه المبالغ الممنوحة كأعطيات البناء التي يوزعها بالاشتراك مع القاضي، وكذلك تتم التصليحات بارشادات منه.
ولا يفوت المؤلف ان يوجه انتقادا عادة لبعض السلوكيات التي يتحلى بها بعض الأشخاص الطماعين الذين يبتزون الحجاج وخاصة الاتراك منهم، ويوجه انتقادات لاذعة لبعض الممارسات التي تمس بقدسية الجح والمناسك.
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictures/2010/02/05/396d0c77-8eec-4592-b12c-3efc02265888.jpg