سمير
01-30-2010, 01:04 AM
خالد القطان - جريدة أوان
قول مأثور: «نصف المعرفة أكثر خطراً من الجهل».
يعيش بيننا الكثير من هواة الفكر والسياسة، من الذين أعلنوا أنفسهم أنهم في صدد الانخراط في لجج الواقع السياسي المحلي ليقدموا فكرا إصلاحيا مغايرا للصراعات أو الأفكار السياسية التقليدية السائدة، وأنه بات لهم موطئ قدم لا بأس به، وذلك بتبنيهم شعارات قد تلتقي في جزء منها مع أفكار المعارضة، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يستهدفون إلا أمرا آخر، يعكس هدفهم الضيق والوحيد، وهو الظهور لمجرد الظهور، غير آبهين بما يتقولون من شعارات وإعلان مبادئ يرهقوننا بها.
ولا يخفى على أصغر متعاط في السياسية، كيف يصبح الواحد من هؤلاء معارضاً، بين ليلة وضحاها، (والعكس صحيح أيضا).. متى اقتضت الضرورة ذلك، فدائماً تتمحور صفات المعارضة لديهم في:
ميل نحو التعاطي السطحي مع المشكلات الأساسية القائمة، البحث عن حلول ترقيعية، ترديد مقولات لا عقلانية، إخضاع الطرف الآخر، بخطابات جازمة غير قابلة للجدل أو الحوار، وإن أمكن إطلاق الانتقادات اللاذعة له، حتى ولو انتقل إلى الآخرة،.. ولم ينج من انتقاداتهم إلا من رحم ربي،
ومن أبرز سمات هؤلاء المعارضين الجدد:
المغالاة في الوطنية، (بشكل استعراضي طبعا). واتخاذ جزء كبير من المجتمع خصما إيديولوجيا محوريا لهم.. وبعض من هؤلاء المعارضين الجدد هم نواب في مجلس الأمة، أفرطوا في استنساخ القوانين التي تضيق على حرية الفكر.. وبمقابل هذا كله، اتسعت مساحة اللامفكر فيه عندنا.. وبتنا في متاهة سياسية لا نحسد عليها، إذ المعارض اليوم، هو موال في الغد، وربما بعد ساعات قليلة، حتى ألفينا أنفسنا لا نعرف مثلا، إذا كان هذا النائب معارضا أم مواليا للحكم أو للسلطة.
في الأساس ليس لدينا معارضة جدية، ومن يعارض من نوابنا، إنما يفكر في الانتخابات المقبلة، ومحاولة جذب الناخبين أو الإبقاء على نسبتهم، أو استقطاب المزيد منهم، أكثر مما يفكر مثلا في مصالح الناس الذين يدعي تمثيلهم، أو الحفاظ على مصالحهم، حتى وإن اقتضى منه الشرط المسرحي هنا، الوجود في منطقة تحتدم فيها خطوط المواجهة مع القانون... فالمعارضون الجدد يختزلون المواطنة والحرية وكل شيء، في نظرة اعتباطية مجانية واحدة وسياق نظري ألعباني واحد.
وإجمالا المعارضة في المجتمعات الكسولة، المنكمشة لا تتصف بمحفزات فكرية تغييرية هادفة، لأنها لا تهتم إلا في نفسها وفي كيف تتمنبر، وتخدم مصالحها الضيقة فقط.. ولو على حساب الناس والسلطة الرسمية معا. ومن هنا مثلا نجد حملتهم الضارية المفتوحة على الحكومة وعدم إعطائها أي فرصة لتحقيق مشاريعها التنموية، فهي عرضة لسهامهم حتى قبل أن تبدأ بتنفيذ أي مشروع.. يشكون بنوايا وجهود رئيس الحكومة وبالوزراء.. ويستغلون الديمقراطية لضربها في هذا البلد، ولضرب آمال الناس معها في قيام كويت نامية ومتقدمة على دروب التطور سياسيا وتنمويا. لقد اعتادت هذه المعارضة على الشكوى لمجرد الشكوى، وعلى نوع من التجييش المغلوط الذي من شأنه أن يضاعف من الجهل والخواء ويزيد من روح الإحباط والخمود.
في مقابل هذه المعارضات الشخصية الأنانية الضيقة، لا بد إذن من وجود نقابات شرعية حديثة، قادرة على حمل وإدارة مصالح الناس والكتل المهنية، وكل حراك جدي فاعل لفئات المجتمع المدني.. من مثقفين وأدباء ونخب وطنية عقلانية.
وآن للمعارضة التقليدية وللمعارضين الجدد من أسياد الوهم والمتاهة، أن يبدأوا بنقد تجاربهم، هم بين بعضهم البعض، قبل أن يتصدوا للآخرين وللشأن العام،
أجل، فالعلاقات بينهم غير ديمقراطية أصلا، ولا أخلاقية ولا عقلانية.. وفاقد الشيء لايعطيه.
إنهم لا يجيدون شيئا، اللهم إلا إعطاء دروس متميزة جدا في كيف تصبح معارضا في 24 ساعة؟.
كاتب من الكويت
تاريخ النشر : 2010-01-30
قول مأثور: «نصف المعرفة أكثر خطراً من الجهل».
يعيش بيننا الكثير من هواة الفكر والسياسة، من الذين أعلنوا أنفسهم أنهم في صدد الانخراط في لجج الواقع السياسي المحلي ليقدموا فكرا إصلاحيا مغايرا للصراعات أو الأفكار السياسية التقليدية السائدة، وأنه بات لهم موطئ قدم لا بأس به، وذلك بتبنيهم شعارات قد تلتقي في جزء منها مع أفكار المعارضة، ولكنهم في حقيقة الأمر لا يستهدفون إلا أمرا آخر، يعكس هدفهم الضيق والوحيد، وهو الظهور لمجرد الظهور، غير آبهين بما يتقولون من شعارات وإعلان مبادئ يرهقوننا بها.
ولا يخفى على أصغر متعاط في السياسية، كيف يصبح الواحد من هؤلاء معارضاً، بين ليلة وضحاها، (والعكس صحيح أيضا).. متى اقتضت الضرورة ذلك، فدائماً تتمحور صفات المعارضة لديهم في:
ميل نحو التعاطي السطحي مع المشكلات الأساسية القائمة، البحث عن حلول ترقيعية، ترديد مقولات لا عقلانية، إخضاع الطرف الآخر، بخطابات جازمة غير قابلة للجدل أو الحوار، وإن أمكن إطلاق الانتقادات اللاذعة له، حتى ولو انتقل إلى الآخرة،.. ولم ينج من انتقاداتهم إلا من رحم ربي،
ومن أبرز سمات هؤلاء المعارضين الجدد:
المغالاة في الوطنية، (بشكل استعراضي طبعا). واتخاذ جزء كبير من المجتمع خصما إيديولوجيا محوريا لهم.. وبعض من هؤلاء المعارضين الجدد هم نواب في مجلس الأمة، أفرطوا في استنساخ القوانين التي تضيق على حرية الفكر.. وبمقابل هذا كله، اتسعت مساحة اللامفكر فيه عندنا.. وبتنا في متاهة سياسية لا نحسد عليها، إذ المعارض اليوم، هو موال في الغد، وربما بعد ساعات قليلة، حتى ألفينا أنفسنا لا نعرف مثلا، إذا كان هذا النائب معارضا أم مواليا للحكم أو للسلطة.
في الأساس ليس لدينا معارضة جدية، ومن يعارض من نوابنا، إنما يفكر في الانتخابات المقبلة، ومحاولة جذب الناخبين أو الإبقاء على نسبتهم، أو استقطاب المزيد منهم، أكثر مما يفكر مثلا في مصالح الناس الذين يدعي تمثيلهم، أو الحفاظ على مصالحهم، حتى وإن اقتضى منه الشرط المسرحي هنا، الوجود في منطقة تحتدم فيها خطوط المواجهة مع القانون... فالمعارضون الجدد يختزلون المواطنة والحرية وكل شيء، في نظرة اعتباطية مجانية واحدة وسياق نظري ألعباني واحد.
وإجمالا المعارضة في المجتمعات الكسولة، المنكمشة لا تتصف بمحفزات فكرية تغييرية هادفة، لأنها لا تهتم إلا في نفسها وفي كيف تتمنبر، وتخدم مصالحها الضيقة فقط.. ولو على حساب الناس والسلطة الرسمية معا. ومن هنا مثلا نجد حملتهم الضارية المفتوحة على الحكومة وعدم إعطائها أي فرصة لتحقيق مشاريعها التنموية، فهي عرضة لسهامهم حتى قبل أن تبدأ بتنفيذ أي مشروع.. يشكون بنوايا وجهود رئيس الحكومة وبالوزراء.. ويستغلون الديمقراطية لضربها في هذا البلد، ولضرب آمال الناس معها في قيام كويت نامية ومتقدمة على دروب التطور سياسيا وتنمويا. لقد اعتادت هذه المعارضة على الشكوى لمجرد الشكوى، وعلى نوع من التجييش المغلوط الذي من شأنه أن يضاعف من الجهل والخواء ويزيد من روح الإحباط والخمود.
في مقابل هذه المعارضات الشخصية الأنانية الضيقة، لا بد إذن من وجود نقابات شرعية حديثة، قادرة على حمل وإدارة مصالح الناس والكتل المهنية، وكل حراك جدي فاعل لفئات المجتمع المدني.. من مثقفين وأدباء ونخب وطنية عقلانية.
وآن للمعارضة التقليدية وللمعارضين الجدد من أسياد الوهم والمتاهة، أن يبدأوا بنقد تجاربهم، هم بين بعضهم البعض، قبل أن يتصدوا للآخرين وللشأن العام،
أجل، فالعلاقات بينهم غير ديمقراطية أصلا، ولا أخلاقية ولا عقلانية.. وفاقد الشيء لايعطيه.
إنهم لا يجيدون شيئا، اللهم إلا إعطاء دروس متميزة جدا في كيف تصبح معارضا في 24 ساعة؟.
كاتب من الكويت
تاريخ النشر : 2010-01-30