المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيبة اليد النسائية تثير الفضول حتى الهوس



yasmeen
01-19-2010, 07:36 AM
الخميس, 14 يناير 2010


زكي محفوظ - الحياة


http://international.daralhayat.com/files/imagecache/medium_thumb/files/rbimages/1263393969766896200.jpg


لو أمكن زرعها في الذراع لما تأخرن!

كيف تتسع لكل هذه الأشياء؟جزدان «الحجّة» أم توفيقينتظر أمه بفارغ الصبر لتعود من زيارة الخالة أنيسة.

على رغم صغر حجمه، يذرع الشرفة الطويلة بخطوات واسعة، روحة وجيئة. يمسح الشارع بعينيه مفتشاً عن سيارة أجرة تترجّل منها أمه. وكلما سمع خرير محرّك، يكاد ينط من سياج الشرفة، فتصدر صرخة تحذير من الداخل: «انتبه يا مجنون، كنت وقعت. ادخل وتابع درسك»، يقول الصوت الجهوري.

يعود مكرهاً ليسقط في الكرسي أمام كتبه. الكتب تعبت من أن تكون مفتوحة باستمرار. هي تنتظر أن يقرأها ليعيدها إلى مهدها لكي تنام. الكتب لا تطيق أن يتعرض حبرها للبرد أو الحر. تحب دفء العيون عندما تنهل منها، والأصابع عندما تقلّبها. وتحب الحقيبة التي تستريح فيها نائمة، لا المكتبة التي تنتظر فيها، وقوفاً، من يحملها ويهدهدها بين يديه.

يكرّ «مسلسل الكتب» الوهمي لترغيب الصغير هشام في الدرس، ولكن الأخير يحلم في وادٍ آخر. خرج خلسة إلى الشرفة وعاد خائباً كالمرات السابقة. وفي طريق عودته، انفتح باب المدخل وضربه على رأسه ضربة جامدة طرحته أرضاً... «ييي تقبرني يا ابني، لماذا كنت خلف الباب؟»، زعقت أمه بصوت رفيع. ورمت كل الأغراض من يديها وانحنت عليه لتتفحّصه. أما هو فابتسم ابتسامة عريضة، على رغم الكدمة الزرقاء الواضحة على جبهته.

هي تفتح الباب عادة على وسعه عندما تريد الدخول حاملة أغراضاً. عادة سيئة، ربما ولكنها لم تؤثّر هذه المرة على هشام الذي، وهو على الأرض، جال بنظره لكي يحدد موقع جزدان (حقيبة) أمه، بين الأكياس المبعثرة. رآه فانتفض واقفاً وسار نحوه مختالاً بالكدمة الزرقاء التي زادت انتفاخاً. قاطعت أمه اندفاعه نحو الجزدان الأسود لتضع ثلجاً على الكدمة. أجلسته في حضنها وعينه على ضالته. لم يبكِ ولم يتألّم. هدأ قليلاً بفضل الهدهدة، لكن عينيه بقيتا متسمّرتين على الجزدان.

انتهى الحادث بسلام. وانصرفت الأم إلى عملها في المطبخ واستأنف أبوه إلحاحه على أن ينهي دروسه وفروضه.

وبدل أن يتحيّن الفرص للانقضاض على الجزدان، قرر أن ينهي دروسه فأنهاها، وراجع والده فروض الحساب والقواعد والإملاء. ثم ألقى هشام قصيدة نجح في حفظها جيداً من المرة الأولى، أمام دهشة والده ووالدته التي خرجت من المطبخ. علّق الوالد قائلاً: «يبدو أن هذه الضربة نفعته كثيراً».

انتظر موعد العشاء وغياب والديه في المطبخ ليتقدّم بخفر من جزدان أمه الأسود الذي بقي مرمياً في إحدى زوايا غرفة الجلوس. وكشاعر راشد بالغ، دنا منه. تحسسه. تأمّله. ثم فتحه ببطء. شمّ رائحته وفتّش برفق بين أغراضه. وقع نظره على ما كان ينتظره من الخالة أنيسة، ولكنه لم يسحبه. استمر في التفتيش مدة من الزمن. ثم تناول قطع الحلوى والشوكولاته اللذيذة وتناولها بلذة. رجع والداه إلى غرفة الجلوس ليجداه قد غفا محتضناً الجزدان وأوراق تغليف الحلويات مبعثرة من حوله.

كبر هشام واستمر ولعه بحقائب اليد النسائية، وأخذ يمد يده إلى جزادين أخته سلمى وأخته سارة. ولعلّ فرحه بولادتهما كان من هذا المنطلق. ولم يلبث أن نقل عادته إلى حقائب زوجته هالة. وقبل ذلك كاد يتّهم بالسرقة والتدخل في ما لا يعنيه، عندما كان يعبث بحقائب صديقاته في الجامعة. وحدها هالة نفذ بصرها إلى شغف هشام البريء الشاعري.

كان «يقرأ» داخل الحقيبة كمن «يقرأ» في فنجان. يعرف عنهن أشياء وأشياء من دون أن يتكبّد عناء السؤال. أصدقاؤه كانوا يحسدونه على جرأته ويغتاظون منه لأنه لم يكن يفشي أسراراً.

لعلّه مرض به. لعلّه فضول أو خساسة. لكن هشام كان يعتبر نفسه مكتشفاً.