Osama
09-13-2004, 10:51 AM
د· محمد حسين اليوسفي
alysusefi@taleea.com
مع ضراوة المعارك في النجف بين جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر من جهة والقوات الأمريكية وطلائع الجيش العراقي من جهة أخرى، وفيما كانت المفاوضات تجري بين الطرفين، تواترت على مسامعنا، مرات كثيرة، مسألة مفاتيح الصحن الحيدري وما يحوي هذا الصحن من كنوز ونفائس·
والبارحة "صباح يوم الثلاثاء 31/8/2004" بالمصادفة وأنا أهم بالذهاب إلى الفراش وقعت عيناي على رف الكتب العراقية في مكتبتي، فتذكرت أن لدي بعضا من الكتب المهمة عن العراق لعل عددا منها نادر، ومن جملة تلك الكتب، بعض الكتب عن تاريخ المدن العراقية ومنها تاريخ المدن المقدسة التي يتزايد ذكرها في وسائل الإعلام فرأيت أن أستفيد من مادتها لإعطاء القارئ الكريم بعض المعلومات عن تلك المحتويات التي طال الحديث حولها والتي كانت سببا في تأجيل أو تأخير المفاوضات بين الطرفين المتحاربين إلى أن كانت مبادرة المرجع آية الله السيستاني التي كسرت جمود الموقف، ولعله من الطريف أيضا ذكر ظروف حصولي على تلك الكتب الثمينة المتعلقة بالعراق خاصة ونحن في صيف ثقيل لا نريد زيادة وطأته علينا بموضوعات دسمة!!
ففي حوالي العام 1988 قرأت إعلانا صغيرا في جريدة "القبس" الكويتية لشخص يريد أن يبيع مكتبته وعنوانه الرميثية شارع حسن البنا، فسارعت عصر ذلك اليوم وقابلت صاحب المكتبة ويدعى صبيح داود الموسى "أبو خلدون"، وكان رجلا مسنا وعرفت منه أنه كويتي ومن القلة القليلة من إخوتنا الكويتيين الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية ويرجع في أصوله إلى البصرة فجلت بمكتبته ورأيت فيما رأيت رفا كاملا به كتب عن العراق، فاشتريت ذلك الرف "بقضه وقضيضه" بمئتي دينار، فلما رأى أبو خلدون شغفي بالكتب العراقية، ذهب بالداخل وأحضر لي مجموعة من الكتيبات التي كانت تصدرها مختلف الأحزاب العراقية في فترة الخمسينات والستينات والتي تعتبر من النوادر الآن وقدمها لي هدية، وسألته عن كتابي عباس العزاوي:
تاريخ العراق بين احتلالين وعشائر العراق فأجاب أنه يمتلكهما بنسختيهما الأصليتين وإنهما في شقة ابنه بالفروانية وسيأتي بهما في أقرب فرصة، ويبدو أنني تكاسلت ولم أذهب إلى أبي خلدون - أطال الله في عمره إن كان حيا - إلى أن جاء الاحتلال العراقي للكويت·
وفي اليوم الأول من الاحتلال تركت شقتي الكائنة في السالمية على البحر، وذهبت الى بيت أحد أنسبائنا في الرميثية ثم بعد ذلك ذهبت إلى بيت العائلة في الدسمة، وتركت الشقة بما فيها، وكنت دائم التفكير بمكتبتي وبتلك الكتب على وجه الخصوص وزرت الشقة بعد شهرين حينما سمعت بأن يد السلب والنهب قد وصلها خاصة بعد رحيل طاقم السفارة الإيطالية الذين كانوا جيرانا لبنايتنا والذين كان وجودهم رادعا "للسلابة والنهابة" من القيام بنشاطهم وقد رأيت أن قفل الشقة قد كسر وأن السلابة هؤلاء قد وصلوا إلى محتوياتها ووجدت أن ما سرقوه هو عبارة عن ساعة "ثمنها كان معنويا بالنسبة لي" فضلا عن غسالة إلى جانب أشرطة كان معظمها لأغان عراقية إضافة إلى تسجيلات ندوات "دواوين الإثنين" المطالبة بعودة مجلس الأمة والتي حدثت في الأشهر الأولى من العام 1990·
والمظنون أن هذه كانت الدفعة الأولى "لحفلة السلب" لأن بعض المقتنيات الأخرى قد جمعت بطريقة تدل أن أشخاصا كانوا يريدون نقلها على دفعات، أما الكتب فلم يمسسها أحد بسوء، فتيقنت أن آخر ما يهتم به الإنسان العربي هو الكتب!!
وكانت هذه الكتب وبالذات الكتب المتعلقة بالعراق مصيبة المصائب بالنسبة لي، إذ كان بها بعض الكتب لأشخاص اختلفوا مع نظام البعث ثم بعد ذلك اختلفوا مع نظام صدام، ومنهم من أعدم وآخرون في المنافي، أو بها بعض المعلومات التي كان يريد النظام إخفاءها أو تشويهها وما إلى ذلك، فقررت أن أنقلها لبيت العائلة وأن أوزع الكتب المتعلقة بالعراق بحيث أضع بين ثنايا كل "كارتون" كتابا من تلك الكتب، وقد تجاوز عدد "الكراتين" المئة وضعتها في صالة بيت العائلة!!
وقد مثلت لي تلك الكتب قلقا حقيقيا، إذ كنت أخشى عمليات التفتيش والمداهمة التي كانت تقوم بها المخابرات العراقية - وكان هؤلاء أقصد قوات المخابرات - موالية بشكل مطلق لصدام حسين ولا تتهاون بأي شكل من الأشكال بمن تشك بهم، فكيف بها أن تكتشف كويتيا يمتلك كتبا ضد صدام من كل مناوئيه!! ثم إن هذه الكتب بالذات كانت تخطر على بالي بين فترة وأخرى وأنا رهن الأسر في مدينة الرمادي، وكأنها كل ما أملك في الدنيا!!
بعد تحرير الكويت وعودتي من الأسر في السادس والعشرين من مارس 1991 سارعت بالذهاب إلى بيت السيد صبيح داود الموسى "أبو خلدون" فلم أجده وحينما سألت عنه قيل لي إنه باع البيت وانتقل إلى منطقة سلوى، فذهبت إليه بالحال فوجدته وقد كف بصره، وأخبرني أنه في أيام الضربة الجوية زاد عليه السكر وكان هناك حظر تجول فلم يستطع الذهاب إلى المستشفى مما أدى إلى فقدان بصره، قلت له يا أبا خلدون أنا قادم للتو من الرمادي، لكن أين كتابي عباس العزاوي اللذين وعدتني بهما؟؟ قال: لم يترك السلابة شيئا!!
أين نحن من نفائس الصحن الحيدري؟؟ لقد أخذت بي الذكريات أي مأخذ، لكن، ستكون تلك النفائس حديث المرة المقبلة·
alyusefi@taleea.com
alysusefi@taleea.com
مع ضراوة المعارك في النجف بين جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر من جهة والقوات الأمريكية وطلائع الجيش العراقي من جهة أخرى، وفيما كانت المفاوضات تجري بين الطرفين، تواترت على مسامعنا، مرات كثيرة، مسألة مفاتيح الصحن الحيدري وما يحوي هذا الصحن من كنوز ونفائس·
والبارحة "صباح يوم الثلاثاء 31/8/2004" بالمصادفة وأنا أهم بالذهاب إلى الفراش وقعت عيناي على رف الكتب العراقية في مكتبتي، فتذكرت أن لدي بعضا من الكتب المهمة عن العراق لعل عددا منها نادر، ومن جملة تلك الكتب، بعض الكتب عن تاريخ المدن العراقية ومنها تاريخ المدن المقدسة التي يتزايد ذكرها في وسائل الإعلام فرأيت أن أستفيد من مادتها لإعطاء القارئ الكريم بعض المعلومات عن تلك المحتويات التي طال الحديث حولها والتي كانت سببا في تأجيل أو تأخير المفاوضات بين الطرفين المتحاربين إلى أن كانت مبادرة المرجع آية الله السيستاني التي كسرت جمود الموقف، ولعله من الطريف أيضا ذكر ظروف حصولي على تلك الكتب الثمينة المتعلقة بالعراق خاصة ونحن في صيف ثقيل لا نريد زيادة وطأته علينا بموضوعات دسمة!!
ففي حوالي العام 1988 قرأت إعلانا صغيرا في جريدة "القبس" الكويتية لشخص يريد أن يبيع مكتبته وعنوانه الرميثية شارع حسن البنا، فسارعت عصر ذلك اليوم وقابلت صاحب المكتبة ويدعى صبيح داود الموسى "أبو خلدون"، وكان رجلا مسنا وعرفت منه أنه كويتي ومن القلة القليلة من إخوتنا الكويتيين الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية ويرجع في أصوله إلى البصرة فجلت بمكتبته ورأيت فيما رأيت رفا كاملا به كتب عن العراق، فاشتريت ذلك الرف "بقضه وقضيضه" بمئتي دينار، فلما رأى أبو خلدون شغفي بالكتب العراقية، ذهب بالداخل وأحضر لي مجموعة من الكتيبات التي كانت تصدرها مختلف الأحزاب العراقية في فترة الخمسينات والستينات والتي تعتبر من النوادر الآن وقدمها لي هدية، وسألته عن كتابي عباس العزاوي:
تاريخ العراق بين احتلالين وعشائر العراق فأجاب أنه يمتلكهما بنسختيهما الأصليتين وإنهما في شقة ابنه بالفروانية وسيأتي بهما في أقرب فرصة، ويبدو أنني تكاسلت ولم أذهب إلى أبي خلدون - أطال الله في عمره إن كان حيا - إلى أن جاء الاحتلال العراقي للكويت·
وفي اليوم الأول من الاحتلال تركت شقتي الكائنة في السالمية على البحر، وذهبت الى بيت أحد أنسبائنا في الرميثية ثم بعد ذلك ذهبت إلى بيت العائلة في الدسمة، وتركت الشقة بما فيها، وكنت دائم التفكير بمكتبتي وبتلك الكتب على وجه الخصوص وزرت الشقة بعد شهرين حينما سمعت بأن يد السلب والنهب قد وصلها خاصة بعد رحيل طاقم السفارة الإيطالية الذين كانوا جيرانا لبنايتنا والذين كان وجودهم رادعا "للسلابة والنهابة" من القيام بنشاطهم وقد رأيت أن قفل الشقة قد كسر وأن السلابة هؤلاء قد وصلوا إلى محتوياتها ووجدت أن ما سرقوه هو عبارة عن ساعة "ثمنها كان معنويا بالنسبة لي" فضلا عن غسالة إلى جانب أشرطة كان معظمها لأغان عراقية إضافة إلى تسجيلات ندوات "دواوين الإثنين" المطالبة بعودة مجلس الأمة والتي حدثت في الأشهر الأولى من العام 1990·
والمظنون أن هذه كانت الدفعة الأولى "لحفلة السلب" لأن بعض المقتنيات الأخرى قد جمعت بطريقة تدل أن أشخاصا كانوا يريدون نقلها على دفعات، أما الكتب فلم يمسسها أحد بسوء، فتيقنت أن آخر ما يهتم به الإنسان العربي هو الكتب!!
وكانت هذه الكتب وبالذات الكتب المتعلقة بالعراق مصيبة المصائب بالنسبة لي، إذ كان بها بعض الكتب لأشخاص اختلفوا مع نظام البعث ثم بعد ذلك اختلفوا مع نظام صدام، ومنهم من أعدم وآخرون في المنافي، أو بها بعض المعلومات التي كان يريد النظام إخفاءها أو تشويهها وما إلى ذلك، فقررت أن أنقلها لبيت العائلة وأن أوزع الكتب المتعلقة بالعراق بحيث أضع بين ثنايا كل "كارتون" كتابا من تلك الكتب، وقد تجاوز عدد "الكراتين" المئة وضعتها في صالة بيت العائلة!!
وقد مثلت لي تلك الكتب قلقا حقيقيا، إذ كنت أخشى عمليات التفتيش والمداهمة التي كانت تقوم بها المخابرات العراقية - وكان هؤلاء أقصد قوات المخابرات - موالية بشكل مطلق لصدام حسين ولا تتهاون بأي شكل من الأشكال بمن تشك بهم، فكيف بها أن تكتشف كويتيا يمتلك كتبا ضد صدام من كل مناوئيه!! ثم إن هذه الكتب بالذات كانت تخطر على بالي بين فترة وأخرى وأنا رهن الأسر في مدينة الرمادي، وكأنها كل ما أملك في الدنيا!!
بعد تحرير الكويت وعودتي من الأسر في السادس والعشرين من مارس 1991 سارعت بالذهاب إلى بيت السيد صبيح داود الموسى "أبو خلدون" فلم أجده وحينما سألت عنه قيل لي إنه باع البيت وانتقل إلى منطقة سلوى، فذهبت إليه بالحال فوجدته وقد كف بصره، وأخبرني أنه في أيام الضربة الجوية زاد عليه السكر وكان هناك حظر تجول فلم يستطع الذهاب إلى المستشفى مما أدى إلى فقدان بصره، قلت له يا أبا خلدون أنا قادم للتو من الرمادي، لكن أين كتابي عباس العزاوي اللذين وعدتني بهما؟؟ قال: لم يترك السلابة شيئا!!
أين نحن من نفائس الصحن الحيدري؟؟ لقد أخذت بي الذكريات أي مأخذ، لكن، ستكون تلك النفائس حديث المرة المقبلة·
alyusefi@taleea.com