على
09-10-2004, 07:03 PM
ركزت تقارير الصحافي الإيطالي على الجانب الإنساني ومعاناة ضحايا الحرب من المعوقين * ذهب إلى العراق لفهم ما الذي يجعل الإنسان العادي يشهر سلاحا في وجه أخيه الإنسان
عادل درويش
http://www.asharqalawsat.com/2004/09/10/images/daynight.254548.jpg
باستثناء المتخصصين والناشطين في مجالات الأعمال الخيرية، والعاملين في الصليب الأحمر، لم يسمع الشرق أوسطيون بالصحافي الإيطالي أنزو بالدوني إلا منذ اقل من شهر عندما اختطفته جماعة ارهابية تسمي نفسها الجيش الإسلامي في العراق، ثم اعدمته بدم بارد في نهاية أغسطس (آب).
ألقى اختطاف بالدوني الصحافي المستقل في المجلات والصحف الإيطالية، وblogger أو مسجل للوقائع اليومية على الإنترنت من ملاحظاته في الأماكن التي سافر فيها في موقع خاص انشأه، بالضوء على الأخطار التي يتعرض لها الصحافيون المستقلون freelance في العراق. لأنهم غير موظفين في صحف كبيرة، فليس لديهم الامكانيات المادية لاستئجار حراس أو حماية أنفسهم، ولذا فهم صيد سهل وهدف رخو للارهابيين.
وكان بالدوني الصحافي رقم 12 الذي يلقى حتفه منذ اندلاع الحرب في العراق. وعادة فإن هؤلاء الصحافيين المستقلين هم الذين يحققون السبقات الصحافية وتعتمد عليهم الصحف العالمية في التغطية من الخطوط الأمامية. ورغم شجاعة هؤلاء الصحافيين النادرة، فإن أراملهم وأيتامهم نادرا ما يحصلون على تعويض مالي فهم غير موظفين، وشركات التأمين على الحياة لا تدفع في حالة الموت في مناطق الحروب الخطرة. عرف العراقيون بالدوني في العام الماضي في نهاية الحرب كمتطوع للأعمال الخيرية مثل الصليب الأحمر قبل ان يعرفوه كصحافي. أول وأشهر صوره المنشورة كانت في العراق، وهو يجلس القرفصاء بجانب معوق عراقي فقد قدميه في الحرب، وبالدوني يقدم له قدمين صناعيتين صمما في ايطاليا بأموال المتبرعين الإيطاليين، حيث جمع بالدوني ومجموعته المال لصناعة أطراف صناعية للمعوقيين العراقيين كجزء من حملة مساعدة المعوقين وتأهيلهم للحياة المدنية.
وعملا بوصية بالدوني، ظل زملاؤه يواصلون نشر الأخبار وتسجيل الوقائع اليومية عن العراق في الموقع الإلكتروني الذي أنشأه .www.boingboing.net نشر زملائه في الموقع وصيته، حيث يطلب من مشييعي جنازته الابتسام، مذكرا الناس انه لاحظ دائما انه في نهاية كل جنازة لا بد وأن يبتسم احدهم، وأوصى بألا يعترض أقاربه اذا قرر أحد أن يدخن «أي شيء» أثناء الجنازة، وأوصى بتبادل قصص الحب، «فالحب أقوى من الموت»، كما قال.
ناصحا بإحضار نعشه بلا طقوس الى المحرقة في هدوء، مع استمرار الموسيقى والطرب بين أصدقائه طوال الليل، ونثر الرماد بعد الحرق في البحر، «واذا كان هناك مشقة فانثروه في اي مكان». كان بالدوني الذي مات عن 56 عاما، حساسا بالنسبة لتكليف الناس اية مشقة، فعمله لفترة طويلة كمراسل في افقر بلدان العالم الثالث وكمتطوع مع الصليب الأحمر مع المعوقين او في مناطق الكوارث ـ وأغلبها كوارث من صنع الانسان ـ جعله متفهما أكثر من كثير من زملائه الصحافيين للحقائق الاقتصادية والمعيشية الاجتماعية.
فبالدوني لاحظ، كعديد من المراسلين مثله، ان غالبية سكان الكرة الأرضية هم من الفقراء الذين يجاهدون في سبيل لقمة العيش. وكان قال في أكثر من مناسبة ان الأشياء البسيطة والتي يلقي بها الغربيون أو الشخص القادر بإهمال، عادة ما تكلف الفقراء في العالم الثالث أجر أيام، وما يصادفه الغربي القادر كأمر واقعي من سلع استهلاكية ملقاة هنا وهناك، تعتبر باهظة التكاليف لغالبية البشر المحرومين منها; ولذا كان حذرا من عدم إلقاء أعباء كبيرة يتحملها فقراء العالم الثالث، عندما يستضيفون زائرا من العالم الأول.
ولذا كان مسافرا مع قافلة الصليب الأحمر لإيصال الدواء الى النجف المحاصرة، عندما اختطفه الإرهابيون يوم 19 أغسطس. ورغم دماثة خلفه ومسالمته، فإنه حاول الدفاع عن نفسه في لحظاته الأخيرة أثناء قتله، الذي كان على درجة كبيرة من البشاعة لدرجة أن «الجزيرة» لم تعرض هذا الجزء من الشريط كعادتها. ولد بالدوني عام 1948 في مدينة سيتا دي كاستيللو القريبة جدا من ميلانو في مقاطعة امبريا في شمال ايطاليا لأسرة من المزارعين، وكان أبوه نائب عمدة للبلدة.
بدأ بالدوني حياته العملية في وكالات الإعلان ككاتب للنص الإعلاني، خاصة الذي تميز بالفكاهة، ثم صائغا للأخبار على الديسك قبل ان يتحول الى صحافي يجوب العالم ويسجل الأحداث. ولولوعه بالضحك، أحب بالدوني المجلات الفكاهية المصورة، مثل دوونسبري للرسام جاري ترودو، وترجمها للإيطالية.
عمل بالدوني كمتطوع في الصليب الأحمر، وكصحافي مراسل من كولومبيا، وتشيباس في المكسيك ومن ميانمار ومن شرق تيمور.
وخلال حياته المهنية، نشر مقابلات مع شخصيات كبيرة مثل زعيم الحركة الزاباتيستسية في المكسيك السابكوماندانتي مركوس. وعندما كان في شرق تيمور نشر مقابلة مع زعيم المتمردين زانانا جازماو. واثناء المقابلة قال جازماو انه يشجع فريق انترميلانو لكرة القدم، وعند نشر المقال، أرسل مدير فريق الكرة في النادي فانلة موقّعة من اللاعبين لزعيم حركة التمرد. وقد بعث فري انترميلانو ببرقية تعزية الى أسرة بالدوني ونشروا على موقعه اللإكتروني عبارة رثاء تصفه بأنه كان «شاهدا على التاريخ وباحثا عن الحقيقة».
ويوم اعلان اغتياله، وقف فريقا العراق وايطاليا لكرة القدم دقيقة، حدادا قبل مباراتهما في الدور قبل النهائي للولمبياد في اليونان. كانت هذه هي الزيارة الأولى التي قام بها للعراق كصحافي مستقل اتفق ان يرسل تقاريره لمجلة دياريو الإيطالية. وركزت تقارير بلدوني على الجانب الإنساني ومعاناة ضحايا الخرب من المعوقين. ووصف انريكو ديجيلليو، رئيس تحرير المجلة دياريو بالدوني بأنه كان متعطشا للمعرفة، وكمراسل كان صحافيا مخبرا من الطراز الأول، في سعيه للبحث عن المعلومة وفهمها وارسال التقرير بشكل محايد. وأضاف أنه كان«ذا قلب طيب».
ويتفق الصحافيون الإيطاليون على أن بالدوني كان متفائلا بشوشا يتذوق المغامرة، وكان يتمتع بسرعة بديهة وقدرة على خلق القفشات الضاحكة. كانت زوجته جيزي قد وصلت بلدة بريتشي الصغيرة، حيث تمتلك اسرته مزرعة تؤجر جزءا منها للمصطافين، مع ابنته غابريللا ابنة الأربعة والعشرين، وابنه جيدو في الواحدة والعشرين لقضاء اجازة، وكان قد ارسل مفيدا بأنه سيلتحق بهم فيما بعد. وكغيره من مئات من الصحافيين المستقلين لا يستطيع الاستمتاع بإجازة مثل الصحافيين الموظفين براتب شهري في الصحف، ولذا لم تره اسرته الا قليلا. وبعد اختطافه ظهرت ابنته وابنه في التلفزيون يتوسلان للخاطفيين ان يعيدوا الأب.
وكان بالدوني قد كتب مرة في ريبوبليكا الإيطالية ان الناس يعتقدون انه رامبو (شخصية المحارب الأميركي الذي تحول الى وحش بسبب حرب فيتنام)، يحب العواطف الجياشة وتستهويه رؤية مشاهد الناس وهي تموت، وأضاف أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة، «أنا بعيد بأميال متعددة عن هذا المزاج فأنا مسالم».
وشهد عدد من زملاء المهنة بأنه لم يكن «رامبو»، وإنما كان مناهضا للحرب. والمفارقة المأساوية أن بالدوني كان في طليعة الصحافيين والمثقفين المعارضين للتدخل العسكري في العراق والتي عارضت حكومة برلسكوني في الاشتراك في الحرب. كما ان المجلة التي نشر بها، دياريو، هي من أكثر الصحف الإيطالية معارضة للحرب وسياسة برلسكوني الخارجية. وقال بالدوني عن سبب ذهابه للعراق إنه مسالم لا يؤمن بالحرب كوسيلة لحل النزاعات ـ بمعنى انه لو كان هناك تجنيد اجباري في بلاده، لكان فضل السجن على الالتحاق بالجيش ـ ولهذا السبب، كما يقول، فإنه ذهب للعراق في محاولة لفهم ما الذي يجعل الانسان العادي يشهر سلاحا في وجه أخيه الانسان.
ومن المستبعد ان يعرف احد على وجه التحديد ما اذا كان بالدوني قد اقترب من هذا الفهم عندما فوجئ بالإنسان الذي جاء لمساعدته، يشهر السلاح في وجهه اثناء رحلته لحساب الصليب الأحمر، حاملا الدواء للمحاصرين في النجف. لكن بالدوني الذي ظل «مسالما» مع الخاطفين، قاومهم بشراسة في اللحظات الأخيرة من بقائه على قيد الحياة ووهو أعزل ومقيد.
* أنزو بالدوني في سطور:
* صحافي ومتطوع عمل خيري وناشر موقع على الإنترنت
* مواليد سيتا دي كاستيللو ـ ايطاليا عام 1948
* مات في العراق ـ 27 أغسطس 2004
* خلفه ـ زوجته جيزي وابنته غابريلا وولده جيدو
عادل درويش
http://www.asharqalawsat.com/2004/09/10/images/daynight.254548.jpg
باستثناء المتخصصين والناشطين في مجالات الأعمال الخيرية، والعاملين في الصليب الأحمر، لم يسمع الشرق أوسطيون بالصحافي الإيطالي أنزو بالدوني إلا منذ اقل من شهر عندما اختطفته جماعة ارهابية تسمي نفسها الجيش الإسلامي في العراق، ثم اعدمته بدم بارد في نهاية أغسطس (آب).
ألقى اختطاف بالدوني الصحافي المستقل في المجلات والصحف الإيطالية، وblogger أو مسجل للوقائع اليومية على الإنترنت من ملاحظاته في الأماكن التي سافر فيها في موقع خاص انشأه، بالضوء على الأخطار التي يتعرض لها الصحافيون المستقلون freelance في العراق. لأنهم غير موظفين في صحف كبيرة، فليس لديهم الامكانيات المادية لاستئجار حراس أو حماية أنفسهم، ولذا فهم صيد سهل وهدف رخو للارهابيين.
وكان بالدوني الصحافي رقم 12 الذي يلقى حتفه منذ اندلاع الحرب في العراق. وعادة فإن هؤلاء الصحافيين المستقلين هم الذين يحققون السبقات الصحافية وتعتمد عليهم الصحف العالمية في التغطية من الخطوط الأمامية. ورغم شجاعة هؤلاء الصحافيين النادرة، فإن أراملهم وأيتامهم نادرا ما يحصلون على تعويض مالي فهم غير موظفين، وشركات التأمين على الحياة لا تدفع في حالة الموت في مناطق الحروب الخطرة. عرف العراقيون بالدوني في العام الماضي في نهاية الحرب كمتطوع للأعمال الخيرية مثل الصليب الأحمر قبل ان يعرفوه كصحافي. أول وأشهر صوره المنشورة كانت في العراق، وهو يجلس القرفصاء بجانب معوق عراقي فقد قدميه في الحرب، وبالدوني يقدم له قدمين صناعيتين صمما في ايطاليا بأموال المتبرعين الإيطاليين، حيث جمع بالدوني ومجموعته المال لصناعة أطراف صناعية للمعوقيين العراقيين كجزء من حملة مساعدة المعوقين وتأهيلهم للحياة المدنية.
وعملا بوصية بالدوني، ظل زملاؤه يواصلون نشر الأخبار وتسجيل الوقائع اليومية عن العراق في الموقع الإلكتروني الذي أنشأه .www.boingboing.net نشر زملائه في الموقع وصيته، حيث يطلب من مشييعي جنازته الابتسام، مذكرا الناس انه لاحظ دائما انه في نهاية كل جنازة لا بد وأن يبتسم احدهم، وأوصى بألا يعترض أقاربه اذا قرر أحد أن يدخن «أي شيء» أثناء الجنازة، وأوصى بتبادل قصص الحب، «فالحب أقوى من الموت»، كما قال.
ناصحا بإحضار نعشه بلا طقوس الى المحرقة في هدوء، مع استمرار الموسيقى والطرب بين أصدقائه طوال الليل، ونثر الرماد بعد الحرق في البحر، «واذا كان هناك مشقة فانثروه في اي مكان». كان بالدوني الذي مات عن 56 عاما، حساسا بالنسبة لتكليف الناس اية مشقة، فعمله لفترة طويلة كمراسل في افقر بلدان العالم الثالث وكمتطوع مع الصليب الأحمر مع المعوقين او في مناطق الكوارث ـ وأغلبها كوارث من صنع الانسان ـ جعله متفهما أكثر من كثير من زملائه الصحافيين للحقائق الاقتصادية والمعيشية الاجتماعية.
فبالدوني لاحظ، كعديد من المراسلين مثله، ان غالبية سكان الكرة الأرضية هم من الفقراء الذين يجاهدون في سبيل لقمة العيش. وكان قال في أكثر من مناسبة ان الأشياء البسيطة والتي يلقي بها الغربيون أو الشخص القادر بإهمال، عادة ما تكلف الفقراء في العالم الثالث أجر أيام، وما يصادفه الغربي القادر كأمر واقعي من سلع استهلاكية ملقاة هنا وهناك، تعتبر باهظة التكاليف لغالبية البشر المحرومين منها; ولذا كان حذرا من عدم إلقاء أعباء كبيرة يتحملها فقراء العالم الثالث، عندما يستضيفون زائرا من العالم الأول.
ولذا كان مسافرا مع قافلة الصليب الأحمر لإيصال الدواء الى النجف المحاصرة، عندما اختطفه الإرهابيون يوم 19 أغسطس. ورغم دماثة خلفه ومسالمته، فإنه حاول الدفاع عن نفسه في لحظاته الأخيرة أثناء قتله، الذي كان على درجة كبيرة من البشاعة لدرجة أن «الجزيرة» لم تعرض هذا الجزء من الشريط كعادتها. ولد بالدوني عام 1948 في مدينة سيتا دي كاستيللو القريبة جدا من ميلانو في مقاطعة امبريا في شمال ايطاليا لأسرة من المزارعين، وكان أبوه نائب عمدة للبلدة.
بدأ بالدوني حياته العملية في وكالات الإعلان ككاتب للنص الإعلاني، خاصة الذي تميز بالفكاهة، ثم صائغا للأخبار على الديسك قبل ان يتحول الى صحافي يجوب العالم ويسجل الأحداث. ولولوعه بالضحك، أحب بالدوني المجلات الفكاهية المصورة، مثل دوونسبري للرسام جاري ترودو، وترجمها للإيطالية.
عمل بالدوني كمتطوع في الصليب الأحمر، وكصحافي مراسل من كولومبيا، وتشيباس في المكسيك ومن ميانمار ومن شرق تيمور.
وخلال حياته المهنية، نشر مقابلات مع شخصيات كبيرة مثل زعيم الحركة الزاباتيستسية في المكسيك السابكوماندانتي مركوس. وعندما كان في شرق تيمور نشر مقابلة مع زعيم المتمردين زانانا جازماو. واثناء المقابلة قال جازماو انه يشجع فريق انترميلانو لكرة القدم، وعند نشر المقال، أرسل مدير فريق الكرة في النادي فانلة موقّعة من اللاعبين لزعيم حركة التمرد. وقد بعث فري انترميلانو ببرقية تعزية الى أسرة بالدوني ونشروا على موقعه اللإكتروني عبارة رثاء تصفه بأنه كان «شاهدا على التاريخ وباحثا عن الحقيقة».
ويوم اعلان اغتياله، وقف فريقا العراق وايطاليا لكرة القدم دقيقة، حدادا قبل مباراتهما في الدور قبل النهائي للولمبياد في اليونان. كانت هذه هي الزيارة الأولى التي قام بها للعراق كصحافي مستقل اتفق ان يرسل تقاريره لمجلة دياريو الإيطالية. وركزت تقارير بلدوني على الجانب الإنساني ومعاناة ضحايا الخرب من المعوقين. ووصف انريكو ديجيلليو، رئيس تحرير المجلة دياريو بالدوني بأنه كان متعطشا للمعرفة، وكمراسل كان صحافيا مخبرا من الطراز الأول، في سعيه للبحث عن المعلومة وفهمها وارسال التقرير بشكل محايد. وأضاف أنه كان«ذا قلب طيب».
ويتفق الصحافيون الإيطاليون على أن بالدوني كان متفائلا بشوشا يتذوق المغامرة، وكان يتمتع بسرعة بديهة وقدرة على خلق القفشات الضاحكة. كانت زوجته جيزي قد وصلت بلدة بريتشي الصغيرة، حيث تمتلك اسرته مزرعة تؤجر جزءا منها للمصطافين، مع ابنته غابريللا ابنة الأربعة والعشرين، وابنه جيدو في الواحدة والعشرين لقضاء اجازة، وكان قد ارسل مفيدا بأنه سيلتحق بهم فيما بعد. وكغيره من مئات من الصحافيين المستقلين لا يستطيع الاستمتاع بإجازة مثل الصحافيين الموظفين براتب شهري في الصحف، ولذا لم تره اسرته الا قليلا. وبعد اختطافه ظهرت ابنته وابنه في التلفزيون يتوسلان للخاطفيين ان يعيدوا الأب.
وكان بالدوني قد كتب مرة في ريبوبليكا الإيطالية ان الناس يعتقدون انه رامبو (شخصية المحارب الأميركي الذي تحول الى وحش بسبب حرب فيتنام)، يحب العواطف الجياشة وتستهويه رؤية مشاهد الناس وهي تموت، وأضاف أن ذلك بعيد كل البعد عن الحقيقة، «أنا بعيد بأميال متعددة عن هذا المزاج فأنا مسالم».
وشهد عدد من زملاء المهنة بأنه لم يكن «رامبو»، وإنما كان مناهضا للحرب. والمفارقة المأساوية أن بالدوني كان في طليعة الصحافيين والمثقفين المعارضين للتدخل العسكري في العراق والتي عارضت حكومة برلسكوني في الاشتراك في الحرب. كما ان المجلة التي نشر بها، دياريو، هي من أكثر الصحف الإيطالية معارضة للحرب وسياسة برلسكوني الخارجية. وقال بالدوني عن سبب ذهابه للعراق إنه مسالم لا يؤمن بالحرب كوسيلة لحل النزاعات ـ بمعنى انه لو كان هناك تجنيد اجباري في بلاده، لكان فضل السجن على الالتحاق بالجيش ـ ولهذا السبب، كما يقول، فإنه ذهب للعراق في محاولة لفهم ما الذي يجعل الانسان العادي يشهر سلاحا في وجه أخيه الانسان.
ومن المستبعد ان يعرف احد على وجه التحديد ما اذا كان بالدوني قد اقترب من هذا الفهم عندما فوجئ بالإنسان الذي جاء لمساعدته، يشهر السلاح في وجهه اثناء رحلته لحساب الصليب الأحمر، حاملا الدواء للمحاصرين في النجف. لكن بالدوني الذي ظل «مسالما» مع الخاطفين، قاومهم بشراسة في اللحظات الأخيرة من بقائه على قيد الحياة ووهو أعزل ومقيد.
* أنزو بالدوني في سطور:
* صحافي ومتطوع عمل خيري وناشر موقع على الإنترنت
* مواليد سيتا دي كاستيللو ـ ايطاليا عام 1948
* مات في العراق ـ 27 أغسطس 2004
* خلفه ـ زوجته جيزي وابنته غابريلا وولده جيدو