فاطمي
12-22-2009, 07:47 AM
من عرَّاب ... "فَرِّقْ تَسُدْ"?
المحامية سلوى العجمي - السياسة
22/12/2009
دُعيت الى مخيم مرشح صديق عزيز من الاخوان الشيعة لإلقاء محاضرة في الانتخابات الماضية, وكان بانتظاري وعندما كنا نَهم بالدخول, وإذا بسيدة كبيرة في السن اتت مسرعة من بعيد تستوقفنا وكانت تبدو عليها ملامح الانفعال, وقبل ان ترمي السلام علينا, اخذت تشد بقوة على يد صديقنا المرشح قائلة وبتعصب شديد لمذهبها وبلهجة بين الايرانية والكويتية المكسرة قائلة: "انا لن احضر المحاضرة ولكن سأوصيك إن اردت صوتي والوصول للمجلس أن تكسر راس هذوله (...), ترى اذبحونا نبي تاخذون حقوقنا نبي نغلبهم" (انتهى).
طبعا مرشحنا احرج بل انني احرجت من احراجه هو اكثر مني, وانا أبتسم وقال لها محاولا اسكاتها سلَّمي على "المحامية سلمى العجمي" ستحاضر لكم اليوم, في اشارة منه الى ان تتوقف عن هذا الانفعال لأن امامها "سنية" وهي تزيد من احراجه امامي.
توقفت وقالت: "ترى قبيلة العجمان من ايران".
ضحكت وقلت: "خالتي يجوز سنناقش انا وانت مصدرك في هذا الموضوع بعدين", وذلك كان مساهمة مني في هذه الابتسامات لاستقطابها للمحاضرة واحتوائها ولرفع الحرج عن صديقنا المرشح المحترم.
وأكملت حديثي معها: "ولكني مصرة على ان تدخلي لتسمعي محاضرتي اليوم لأنها عن "الوحدة الوطنية وكلنا كويتيون", بل انني سأدلك على حقوق ناقصة لكم اطلبوها من نوابكم من "الشيعة, والسنة".
سرعان ما انخفضت حدة الانفعال وشعرت بأريحية من كلامي الذي امتص غضبها وبذكاء مني على احتوائها وقالت: "شجعتيني على ان اسمع محاضرتك... سأدخل معكم"!
لا تصدقون العدد الذي كان متواجدا في الخيمة وكلهم من المواطنين الشيعة, ابتدأوا معي بحذر وترقب من نظراتهم, ولكن سرعان ما انشرحت صدورهم لهذا الحوار الراقي والحس الوطني الذي استرسل به قلبي قبل كلماتي معهم, حتى إن التصفيق كان يقاطعني بين الفينة والاخرى.
ولم أخرج الا والكثير من حولي سعداء بوجودي بينهم, وبكل حب وهم يصرون على لقاءات تالية مقبلة, شعروا بوطنيتهم وبأنه "لا غالب ولا مغلوب" كلنا كويتيون في مركب واحد والغلبة للوطن وحده.
ليس ضعفا مني, ولكنها قوة المسؤولية الوطنية نحو الوحدة الوطنية, بل نحن مجبرون امام الله والوطن على نبذ هذه العصبيات ومحوها وتغيير وجهة نظر هذه السيدة وبإصرار حتى ولو كان فردا واحدا, قد لا يقبل هذا الموقف غيري وينفعل وينسحب من المحاضرة, وهذا ما يحصل في بعض الندوات عندما تثار بعض الحساسيات, ولكنها الحكمة والاصرار على التغيير نحو الافضل مني والدور الواعي لتغيير هذه العصبيات الطائفية والقبلية والفئوية.
العبرة من هذه الحادثة ان المسؤولية الوطنية عبء على النخب المثقفة ليؤدوا دورهم الايجابي لإسكات ابواق سفهاء الفتنة, والعمل على التقريب والألفة في الحوار بدلا من الغلظة والعبثية واثارة الحساسيات, ووقف هذه المهزلة بين المسلمين وبالتشكيك في المذاهب, ناهيك عن هذا الاستفزاز للقبائل الكريمة واهانتهم من على شاشات بعض الفضائيات السوقية, انها الفتنة بعينها لتمزيق جسد الوطن الواحد, وليتسلى كل ليلة جمهور الفضائيات حول العالم "بنشر هذا الغسيل" ويتندر علينا.
عيب ... عيب فوالله لقد شاهدت كل الفضائيات ولم نجد حولنا فضائيات بهذه السوقية, وهذا الجهل بالحريات وآداب الحوار الهادف, فحريتنا القانونية تنتهي عند كرامات الناس وتجريمها مجرَّم قانونا ومنبوذ اخلاقيا وادبيا.
ولكن, هناك سؤال غائب عن اذهان الكثير وسط هذه المعمعة وهو: لمصلحة مَنْ اثارة هذه الفتن النتنة? ومن وراءها? ومن يمولها? لتظهر علينا نهارا جهارا بهذه السوقية ولتقذف بالكلام البذيء ولتنال من كرامات الناس تجريحا?
انه المجهول المعلوم لدى قِلة, ولا شك انه القوي نفوذا ومالا, يزج بهؤلاء السفهاء ليبثوا حقدا وثأرا وانتقاما لتصفية حسابات يعلمها هو وحده ومن حوله من المهرجين والاراجوزات, يحرك خيوطهم كيفما شاء على مسرح الوطن, بل يبث سموم الفتنة ليلا ليعود ويشجبها ويستنكرها نهارا, "عجبي" "عجبي" اي نفاق هذا? ولكن ممن هذا الانتقام اللامبرر?
من اهل البلد المواطنين السواسية في الحقوق والواجبات دستوريا وقانونيا, من اهلها و"عيال بطنها وظهرها"? وما الهدف من سياسة "فرق تسد", و"عدو عدوي صديقي"?
ولنعلم جميعا ان سياسة "فرق تسد" هذه هي نهاية وطن, وكثيرة هي الشواهد من حولنا! وهي لعب بالنار التي ستحرقنا جميعا, لعبة خطرة بيد جاهل?
مسؤوليتنا جميعا وعلى كل المستويات وأد هذه الفتنة واسقاط كل جدار حاجز بيننا, وهدم هذه الاسوار التي هي تعد في البلدان الاخرى تراثا تاريخيا يكتظ بالسياح وتشكل دخلا اقتصاديا لها.
اما نحن وفي القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة فنبني اسوار فرقتنا, هل من المعقول هذا?
نكرر ونقول ليس من مصلحة دولة كالكويت ان تكون "دولة السور" وتحدد حدودها فقط بهذا "السور", لأن هذا سيؤكد لدول الشمال ان تضم شمالها, ودول الجنوب تضم جنوبها والشرق شرقها, وذلك سيجعل العراقيين يقولون من جديد: ارأيتم لقد شهد شاهد من اهلهم انها المحافظة "التاسعة عشرة"! ومن ثم "ينقلب السحر على الساحر" وتسقط الاسوار على عرَّاب "فرق تسد".
عزاؤنا لإخواننا الشيعة في عاشوراء, وتهانينا لإخواننا المسيحيين "بالكريسماس".
* مستشارة ومحامية أمام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية
المحامية سلوى العجمي - السياسة
22/12/2009
دُعيت الى مخيم مرشح صديق عزيز من الاخوان الشيعة لإلقاء محاضرة في الانتخابات الماضية, وكان بانتظاري وعندما كنا نَهم بالدخول, وإذا بسيدة كبيرة في السن اتت مسرعة من بعيد تستوقفنا وكانت تبدو عليها ملامح الانفعال, وقبل ان ترمي السلام علينا, اخذت تشد بقوة على يد صديقنا المرشح قائلة وبتعصب شديد لمذهبها وبلهجة بين الايرانية والكويتية المكسرة قائلة: "انا لن احضر المحاضرة ولكن سأوصيك إن اردت صوتي والوصول للمجلس أن تكسر راس هذوله (...), ترى اذبحونا نبي تاخذون حقوقنا نبي نغلبهم" (انتهى).
طبعا مرشحنا احرج بل انني احرجت من احراجه هو اكثر مني, وانا أبتسم وقال لها محاولا اسكاتها سلَّمي على "المحامية سلمى العجمي" ستحاضر لكم اليوم, في اشارة منه الى ان تتوقف عن هذا الانفعال لأن امامها "سنية" وهي تزيد من احراجه امامي.
توقفت وقالت: "ترى قبيلة العجمان من ايران".
ضحكت وقلت: "خالتي يجوز سنناقش انا وانت مصدرك في هذا الموضوع بعدين", وذلك كان مساهمة مني في هذه الابتسامات لاستقطابها للمحاضرة واحتوائها ولرفع الحرج عن صديقنا المرشح المحترم.
وأكملت حديثي معها: "ولكني مصرة على ان تدخلي لتسمعي محاضرتي اليوم لأنها عن "الوحدة الوطنية وكلنا كويتيون", بل انني سأدلك على حقوق ناقصة لكم اطلبوها من نوابكم من "الشيعة, والسنة".
سرعان ما انخفضت حدة الانفعال وشعرت بأريحية من كلامي الذي امتص غضبها وبذكاء مني على احتوائها وقالت: "شجعتيني على ان اسمع محاضرتك... سأدخل معكم"!
لا تصدقون العدد الذي كان متواجدا في الخيمة وكلهم من المواطنين الشيعة, ابتدأوا معي بحذر وترقب من نظراتهم, ولكن سرعان ما انشرحت صدورهم لهذا الحوار الراقي والحس الوطني الذي استرسل به قلبي قبل كلماتي معهم, حتى إن التصفيق كان يقاطعني بين الفينة والاخرى.
ولم أخرج الا والكثير من حولي سعداء بوجودي بينهم, وبكل حب وهم يصرون على لقاءات تالية مقبلة, شعروا بوطنيتهم وبأنه "لا غالب ولا مغلوب" كلنا كويتيون في مركب واحد والغلبة للوطن وحده.
ليس ضعفا مني, ولكنها قوة المسؤولية الوطنية نحو الوحدة الوطنية, بل نحن مجبرون امام الله والوطن على نبذ هذه العصبيات ومحوها وتغيير وجهة نظر هذه السيدة وبإصرار حتى ولو كان فردا واحدا, قد لا يقبل هذا الموقف غيري وينفعل وينسحب من المحاضرة, وهذا ما يحصل في بعض الندوات عندما تثار بعض الحساسيات, ولكنها الحكمة والاصرار على التغيير نحو الافضل مني والدور الواعي لتغيير هذه العصبيات الطائفية والقبلية والفئوية.
العبرة من هذه الحادثة ان المسؤولية الوطنية عبء على النخب المثقفة ليؤدوا دورهم الايجابي لإسكات ابواق سفهاء الفتنة, والعمل على التقريب والألفة في الحوار بدلا من الغلظة والعبثية واثارة الحساسيات, ووقف هذه المهزلة بين المسلمين وبالتشكيك في المذاهب, ناهيك عن هذا الاستفزاز للقبائل الكريمة واهانتهم من على شاشات بعض الفضائيات السوقية, انها الفتنة بعينها لتمزيق جسد الوطن الواحد, وليتسلى كل ليلة جمهور الفضائيات حول العالم "بنشر هذا الغسيل" ويتندر علينا.
عيب ... عيب فوالله لقد شاهدت كل الفضائيات ولم نجد حولنا فضائيات بهذه السوقية, وهذا الجهل بالحريات وآداب الحوار الهادف, فحريتنا القانونية تنتهي عند كرامات الناس وتجريمها مجرَّم قانونا ومنبوذ اخلاقيا وادبيا.
ولكن, هناك سؤال غائب عن اذهان الكثير وسط هذه المعمعة وهو: لمصلحة مَنْ اثارة هذه الفتن النتنة? ومن وراءها? ومن يمولها? لتظهر علينا نهارا جهارا بهذه السوقية ولتقذف بالكلام البذيء ولتنال من كرامات الناس تجريحا?
انه المجهول المعلوم لدى قِلة, ولا شك انه القوي نفوذا ومالا, يزج بهؤلاء السفهاء ليبثوا حقدا وثأرا وانتقاما لتصفية حسابات يعلمها هو وحده ومن حوله من المهرجين والاراجوزات, يحرك خيوطهم كيفما شاء على مسرح الوطن, بل يبث سموم الفتنة ليلا ليعود ويشجبها ويستنكرها نهارا, "عجبي" "عجبي" اي نفاق هذا? ولكن ممن هذا الانتقام اللامبرر?
من اهل البلد المواطنين السواسية في الحقوق والواجبات دستوريا وقانونيا, من اهلها و"عيال بطنها وظهرها"? وما الهدف من سياسة "فرق تسد", و"عدو عدوي صديقي"?
ولنعلم جميعا ان سياسة "فرق تسد" هذه هي نهاية وطن, وكثيرة هي الشواهد من حولنا! وهي لعب بالنار التي ستحرقنا جميعا, لعبة خطرة بيد جاهل?
مسؤوليتنا جميعا وعلى كل المستويات وأد هذه الفتنة واسقاط كل جدار حاجز بيننا, وهدم هذه الاسوار التي هي تعد في البلدان الاخرى تراثا تاريخيا يكتظ بالسياح وتشكل دخلا اقتصاديا لها.
اما نحن وفي القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة فنبني اسوار فرقتنا, هل من المعقول هذا?
نكرر ونقول ليس من مصلحة دولة كالكويت ان تكون "دولة السور" وتحدد حدودها فقط بهذا "السور", لأن هذا سيؤكد لدول الشمال ان تضم شمالها, ودول الجنوب تضم جنوبها والشرق شرقها, وذلك سيجعل العراقيين يقولون من جديد: ارأيتم لقد شهد شاهد من اهلهم انها المحافظة "التاسعة عشرة"! ومن ثم "ينقلب السحر على الساحر" وتسقط الاسوار على عرَّاب "فرق تسد".
عزاؤنا لإخواننا الشيعة في عاشوراء, وتهانينا لإخواننا المسيحيين "بالكريسماس".
* مستشارة ومحامية أمام محكمة التمييز والمحكمة الدستورية