على
09-10-2004, 06:32 PM
واشنطن: محمد علي صالح
حذرت دراسة اميركية من أن احتلال اميركا للعراق سيكون مثل احتلالها للفلبين قبل مائة سنة، ودعت الرئيس جورج بوش للاستفادة من اخطاء الرئيس تيودور روزفلت «الذي ظن ان اميركا تقدر على زيادة دورها في العالم بتقليد الدول الاوروبية وتأسيس مستعمرات في آسيا وافريقيا».
وقالت الدراسة ان روزفلت «اصيب بخيبة امل كبيرة لأن احتلال الفلبين سبب مشاكل كثيرة، وكان بداية ونهاية الاستراتيجية الامبريالية الاميركية». وحذرت الدراسة، ايضا، من ان يتحول احتلال العراق الى قضية دينية، مثلما حدث في الفلبين، لأن شعار تحقيق الديمقراطية وتطوير الشعب الفلبيني اصبح واجهة لعداء قديم بين البروتستانية الاميركية والكاثوليكية التي نشرتها اسبانيا في الفلبين، وسببا لحرب طويلة بين القوات الاميركية والاقلية المسلمة في جنوب الفلبين.
الدراسة كتبها جون جوديس الخبير في معهد كارنغي للسلام الدولي في واشنطن والمحرر الكبير في مجلة «نيو ريببليك»، ومؤلف كتب منها «تناقض الديمقراطية الغربية» و«ظهورالاغلبية الديمقراطية» و «حماقة امبراطورية: دروس لبوش من روزفلت وويلسون»، الذي صدر أخيرا وورد فيه هذا التحليل.
في سنة 1898 قاد الجنرال جورج ديوي القوات الاميركية التي احتلت الفلبين، وكان ذلك خلال سنوات الحرب الاميركية ـ الاسبانية التي انتهت بانسحاب اسبانيا من كوبا، ايضا، ومن دول اخرى في اميركا الوسطى والجنوبية. لكن الجنرال ديوي عين حاكما اميركيا على الفلبين، فاختلفت معه حركة استقلال الفلبين ضد اسبانيا التي كانت تعاونت معه. وكانت تلك بداية حرب الاستقلال ضد الاميركيين. وصل عدد القوات الاميركية في الفلبين الى مائة وعشرين الف جندي، واستمرت الحرب اربعة عشر سنة، قتل خلالها اربعة آلاف اميركي ومائتا الف فلبيني.
وفي سنة 1913 اصبح الديمقراطي ودرو ويلسون رئيسا، وهو صاحب مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وبادر وايد استقلال الفلبين.
لكن الجمهوريين، الذين كانوا يؤيدون تأسيس مستعمرات اميركية، عرقلوا تحقيق الاستقلال الكامل. ولم تنل الفلبين استقلالها الكامل الا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما حررتها القوات الاميركية من الاحتلال الياباني. (لكن اميركا احتفظت بقواعد عسكرية لاربعين سنة تالية).
مثلما ينظر البعض الى الغزو الاميركي للعراق باعتباره جزءا من صراع غربي تاريخي للسيطرة على الشرق الاوسط، كان التدخل الاميركي في الفلبين جزءا من صراع غربي للسيطرة على اسيا. في ذلك الوقت كان لدى بريطانيا خمسون مستعمرة، ولفرنسا ثلاث وثلاثون، ولألمانيا ثلاث عشرة. تسعون في المائة من افريقيا كان مستعمرا، وايضا ستون في المائة من آسيا، ومائة في المائة من جزر جنوب المحيط الهادي. وبالاضافة الى الاهداف العسكرية والاقتصادية كانت وراء ذلك الصارع اهداف دينية وعرقية في قالب اخلاقي. في سنة 1885 كتب الاميركي جوسيا سترونج في كتاب «وطننا» قائلا:
«الله يهيء حضارتنا الانجلو ساكسونية للسيطرة على العالم» والكتاب وزع مائتي الف نسخة، وكان اعلى الكتب توزيعا خلال القرن التاسع عشر كله. لكن هذه النوايا الدينية، شبه المخفية، ما كانت تختلف عن النوايا الدينية شبه المخفية للدول الاوروبية الاستعمارية. والرئيس روزفلت كان تلميذ المؤرخ البريطاني توماس ماكولي الذي كتب: «قدر الله للشعوب الجرمانية هو نقل الحضارة السياسية الى مناطق العالم التي تسكنها شعوب بربرية ولا تعرف السياسة». ويقول جوديس، كاتب هذه الدراسة، ان من وراء اصرار اميركا على احتلال الفلبين نوايا دينية كانت تخفيها شعارات تحقيق الديمقراطية ورفع مستوى الشعب الفلبيني.
لكن الواعز الديني ما كان وراء حرب الفلبين وحدها، انما كان وراء كل الحروب الاميركية قبلها (وربما بعدها ايضا). وحتى المهاجرون الاوائل، الذين وصلوا الى اميركا من اوروبا، كانوا متأثرين بنبوءات الانجيل، واعتقدوا ان هجرتهم لها مغزى دين، وان اميركا ستكون «اسرائيل الجديدة»، حيث ستقام «مملكة الله على الارض»، وتدوم الف سنة. لكن التاريخ الاميركي فيه، ايضا، اصوات معارضة لمشروع «امبراطورية الحرية»، وخاصة وسط المثقفين مثل مارك توين، وشارلز اليوت، والسناتور فيست الذي قال قبل مائة سنة: «الدستور الاميركي لا يعطي الحكومة الفيدرالية حق الحصول على اراض اجنبية والاحتفاظ بها كمستعمرات».
ومثل الذين يعارضون احتلال العراق، كان هناك معارضون لاحتلال الفلبين. قال وليام جيمس، استاذ في جامعة هارفارد «الفلبين تقودنا الى الجحيم. سنقدر على تدمير ما عندهم، لكننا لن نقدر على اعطائهم ماعندنا». وقال الاقتصادي ادوارد اتكنسون «هذه السياسة الامبريالية سوف تضعنا في مرتبة الدول شبه البربرية، والدول الاروبية». وقال اندرو كارنغي، رجل اعمال ترك ثروة كبيرة بنت مسرح كارنغي في نيويورك، واسست مركز كارنغي للسلام في واشطن، «ذهبنا لقتال الظالمين، لكننا اصبحنا نقاتل المظلومين». وكتب بول راينش، استاذ علوم سياسية في جامعة ويسكونسن، كتاب «السياسة العالمية في نهاية القرن التاسع عشر»، وقال فيه «الامبراطورية العالمية التي يتحدث عنها بعض الاميركيين ستقود الى حروب عالمية».
في السنة الماضية زار الرئيس بوش الفلبين، وسبب مشكلة عندما تحدث امام الكونغرس الفلبيني عن «الدور الاميركي في تحرير الفلبين من الاستعمار». وكان يقصد الاستعمار الاسباني، ولم يشر الى الاستعمار الاميركي الذي جاء بعده. واعلن ان اميركا هي التي اسست الديمقراطية في الفلبين، وانها تريد ان تفعل نفس الشيء في العراق. وقال «بعض الناس يقولون ان ثقافة الشرق الاوسط تتعارض مع الديمقراطية، ولكن بعض الناس قالوا ان ثقافة آسيا تتعارض مع الديمقراطية، لكننا، رغم ذلك، نجحنا في تأسيس اول دولة ديمقراطية في آسيا».
لكن بوش استقبل بمظاهرات عدائية صاخبة، وكان يخضع لحراسة مشددة، واقتصرت زيارته على خطابه امام الكونغرس الفلبيني وحفل عشاء ثم عاد الى المطار لأن الامن الاميركي نصحه بألا يقضي ليلة في الفلبين.
ويختم الكاتب جوديس دراسته بالقول «اذا تحققت مقارنة بوش بين الفلبين والعراق ستبقى في العراق قوات اميركية وقواعد عسكرية اميركية لأربعين سنة اخرى، ثم، بعد ذلك بعشرين سنة، سيزور رئيس اميركي العراق، ولا يقدر على قضاء ليلة واحدة فيه خوفا على حياته».
حذرت دراسة اميركية من أن احتلال اميركا للعراق سيكون مثل احتلالها للفلبين قبل مائة سنة، ودعت الرئيس جورج بوش للاستفادة من اخطاء الرئيس تيودور روزفلت «الذي ظن ان اميركا تقدر على زيادة دورها في العالم بتقليد الدول الاوروبية وتأسيس مستعمرات في آسيا وافريقيا».
وقالت الدراسة ان روزفلت «اصيب بخيبة امل كبيرة لأن احتلال الفلبين سبب مشاكل كثيرة، وكان بداية ونهاية الاستراتيجية الامبريالية الاميركية». وحذرت الدراسة، ايضا، من ان يتحول احتلال العراق الى قضية دينية، مثلما حدث في الفلبين، لأن شعار تحقيق الديمقراطية وتطوير الشعب الفلبيني اصبح واجهة لعداء قديم بين البروتستانية الاميركية والكاثوليكية التي نشرتها اسبانيا في الفلبين، وسببا لحرب طويلة بين القوات الاميركية والاقلية المسلمة في جنوب الفلبين.
الدراسة كتبها جون جوديس الخبير في معهد كارنغي للسلام الدولي في واشنطن والمحرر الكبير في مجلة «نيو ريببليك»، ومؤلف كتب منها «تناقض الديمقراطية الغربية» و«ظهورالاغلبية الديمقراطية» و «حماقة امبراطورية: دروس لبوش من روزفلت وويلسون»، الذي صدر أخيرا وورد فيه هذا التحليل.
في سنة 1898 قاد الجنرال جورج ديوي القوات الاميركية التي احتلت الفلبين، وكان ذلك خلال سنوات الحرب الاميركية ـ الاسبانية التي انتهت بانسحاب اسبانيا من كوبا، ايضا، ومن دول اخرى في اميركا الوسطى والجنوبية. لكن الجنرال ديوي عين حاكما اميركيا على الفلبين، فاختلفت معه حركة استقلال الفلبين ضد اسبانيا التي كانت تعاونت معه. وكانت تلك بداية حرب الاستقلال ضد الاميركيين. وصل عدد القوات الاميركية في الفلبين الى مائة وعشرين الف جندي، واستمرت الحرب اربعة عشر سنة، قتل خلالها اربعة آلاف اميركي ومائتا الف فلبيني.
وفي سنة 1913 اصبح الديمقراطي ودرو ويلسون رئيسا، وهو صاحب مبدأ حق تقرير المصير للشعوب، وبادر وايد استقلال الفلبين.
لكن الجمهوريين، الذين كانوا يؤيدون تأسيس مستعمرات اميركية، عرقلوا تحقيق الاستقلال الكامل. ولم تنل الفلبين استقلالها الكامل الا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما حررتها القوات الاميركية من الاحتلال الياباني. (لكن اميركا احتفظت بقواعد عسكرية لاربعين سنة تالية).
مثلما ينظر البعض الى الغزو الاميركي للعراق باعتباره جزءا من صراع غربي تاريخي للسيطرة على الشرق الاوسط، كان التدخل الاميركي في الفلبين جزءا من صراع غربي للسيطرة على اسيا. في ذلك الوقت كان لدى بريطانيا خمسون مستعمرة، ولفرنسا ثلاث وثلاثون، ولألمانيا ثلاث عشرة. تسعون في المائة من افريقيا كان مستعمرا، وايضا ستون في المائة من آسيا، ومائة في المائة من جزر جنوب المحيط الهادي. وبالاضافة الى الاهداف العسكرية والاقتصادية كانت وراء ذلك الصارع اهداف دينية وعرقية في قالب اخلاقي. في سنة 1885 كتب الاميركي جوسيا سترونج في كتاب «وطننا» قائلا:
«الله يهيء حضارتنا الانجلو ساكسونية للسيطرة على العالم» والكتاب وزع مائتي الف نسخة، وكان اعلى الكتب توزيعا خلال القرن التاسع عشر كله. لكن هذه النوايا الدينية، شبه المخفية، ما كانت تختلف عن النوايا الدينية شبه المخفية للدول الاوروبية الاستعمارية. والرئيس روزفلت كان تلميذ المؤرخ البريطاني توماس ماكولي الذي كتب: «قدر الله للشعوب الجرمانية هو نقل الحضارة السياسية الى مناطق العالم التي تسكنها شعوب بربرية ولا تعرف السياسة». ويقول جوديس، كاتب هذه الدراسة، ان من وراء اصرار اميركا على احتلال الفلبين نوايا دينية كانت تخفيها شعارات تحقيق الديمقراطية ورفع مستوى الشعب الفلبيني.
لكن الواعز الديني ما كان وراء حرب الفلبين وحدها، انما كان وراء كل الحروب الاميركية قبلها (وربما بعدها ايضا). وحتى المهاجرون الاوائل، الذين وصلوا الى اميركا من اوروبا، كانوا متأثرين بنبوءات الانجيل، واعتقدوا ان هجرتهم لها مغزى دين، وان اميركا ستكون «اسرائيل الجديدة»، حيث ستقام «مملكة الله على الارض»، وتدوم الف سنة. لكن التاريخ الاميركي فيه، ايضا، اصوات معارضة لمشروع «امبراطورية الحرية»، وخاصة وسط المثقفين مثل مارك توين، وشارلز اليوت، والسناتور فيست الذي قال قبل مائة سنة: «الدستور الاميركي لا يعطي الحكومة الفيدرالية حق الحصول على اراض اجنبية والاحتفاظ بها كمستعمرات».
ومثل الذين يعارضون احتلال العراق، كان هناك معارضون لاحتلال الفلبين. قال وليام جيمس، استاذ في جامعة هارفارد «الفلبين تقودنا الى الجحيم. سنقدر على تدمير ما عندهم، لكننا لن نقدر على اعطائهم ماعندنا». وقال الاقتصادي ادوارد اتكنسون «هذه السياسة الامبريالية سوف تضعنا في مرتبة الدول شبه البربرية، والدول الاروبية». وقال اندرو كارنغي، رجل اعمال ترك ثروة كبيرة بنت مسرح كارنغي في نيويورك، واسست مركز كارنغي للسلام في واشطن، «ذهبنا لقتال الظالمين، لكننا اصبحنا نقاتل المظلومين». وكتب بول راينش، استاذ علوم سياسية في جامعة ويسكونسن، كتاب «السياسة العالمية في نهاية القرن التاسع عشر»، وقال فيه «الامبراطورية العالمية التي يتحدث عنها بعض الاميركيين ستقود الى حروب عالمية».
في السنة الماضية زار الرئيس بوش الفلبين، وسبب مشكلة عندما تحدث امام الكونغرس الفلبيني عن «الدور الاميركي في تحرير الفلبين من الاستعمار». وكان يقصد الاستعمار الاسباني، ولم يشر الى الاستعمار الاميركي الذي جاء بعده. واعلن ان اميركا هي التي اسست الديمقراطية في الفلبين، وانها تريد ان تفعل نفس الشيء في العراق. وقال «بعض الناس يقولون ان ثقافة الشرق الاوسط تتعارض مع الديمقراطية، ولكن بعض الناس قالوا ان ثقافة آسيا تتعارض مع الديمقراطية، لكننا، رغم ذلك، نجحنا في تأسيس اول دولة ديمقراطية في آسيا».
لكن بوش استقبل بمظاهرات عدائية صاخبة، وكان يخضع لحراسة مشددة، واقتصرت زيارته على خطابه امام الكونغرس الفلبيني وحفل عشاء ثم عاد الى المطار لأن الامن الاميركي نصحه بألا يقضي ليلة في الفلبين.
ويختم الكاتب جوديس دراسته بالقول «اذا تحققت مقارنة بوش بين الفلبين والعراق ستبقى في العراق قوات اميركية وقواعد عسكرية اميركية لأربعين سنة اخرى، ثم، بعد ذلك بعشرين سنة، سيزور رئيس اميركي العراق، ولا يقدر على قضاء ليلة واحدة فيه خوفا على حياته».