الدكتور عادل رضا
12-16-2009, 01:08 AM
أن دراسة الشخصيات السياسية بصورة عامة أثارت اهتمامي بشكل خاص لما تحمله تلك الدراسة من ارتباط بأحداث تاريخية مهمة و أيضا كم و عدد الدروس التي يستنتجها و يستقيها الإنسان من تجارب الآخرين.
فليس من المفروض ن نعيد أخطاء الآخرين , بل أن نتعلم من تلك الأخطاء لكي لا نعيد تكرار ما تمت تجربته سابقا , و أيضا التثبت من النواحي الايجابية من حياة هذه الشخصيات و تعميقها في ممارستنا العامة لما تحتويه من جوانب مفيدة.
بدأت أتعرف علي الدكتور أحمد الخطيب في أوائل التسعينات حيث بدأت أدرس شخصيته و دوره السياسي علي الساحة الكويتية بالخصوص و العربية بالعموم و لقد تأثرت كثيرا بهذا التاريخ الحافل الذي يحمله الرجل و استفدت كثيرا من كمية الوعي و البصيرة التي يبثها و يشعلها هذا الرجل في العقول.
و أيضا ما يتمتع به الدكتور أحمد الخطيب من صفاء روحي يعطي الجانب العاطفي بعده الثنائي مع الجانب العملي .
ويتميز الدكتور أحمد الخطيب بإعطاء جرعات كبيرة من الوعي السياسي بجرأة كبيرة لا تعترف بالخطوط الحمراء الذي يضعها عادة السياسيون عندما يتكلمون في خطبهم و ندواتهم.
و هذه الخطوط الحمراء هو بالعادة خطوط وهمية تصنعها أمور كثيرة منها الواقع السياسي و الضغط الاجتماعي المحيط و أيضا المصالح الشخصية و الاجتماعية للفرد أو للتيار أو للعائلة.
و لكن عند الخطيب كل ذلك ممحي و غير موجود , هو ينطلق بخطاباته و أحاديثه محاولا أعطاء الحقيقة إلي الناس , و هذا هو الهدف , هو يريد صناعة الوعي و البصيرة في عقول و قلوب الناس , أن ذلك هو ما يسعي إليه لذلك لا خط أحمر لديه إلا واجبة الوطني بالخصوص و دوره القومي المتصل بالعموم.
يعتمد الدكتور أحمد الخطيب علي آليات عديدة في خطابه السياسي منها الكم المعرفي و ألمعلوماتي و الخبرة النضالية و السياسية الكبيرة التي يحملها , مضافا إليها الكاريزما الشخصية التي حباها الخالق له.
و للمحلل السياسي أن ينظر إلي الكم الهائل من السياسيين الذين يحاولون تقليد أسلوب أحمد الخطيب في الخطاب الجماهيري و هم بأعداد كبيرة, و لكن أمور كثيرة لا تساعد هؤلاء علي الوصول إلي المستوي الخطابي الجماهيري الرائع و الراقي الذي يقدمه الدكتور أحمد إلي الناس.
و من وجهة نظري تظل النية الصافية في العمل و الصدق مع الذات و المجتمع هي ما تقرب أحمد الخطيب إلي قلوب و عقول الناس....كل الناس.
و الدكتور أحمد محمد الخطيب لمن لا يعرفه هو أحد المؤسسين الرئيسيين في حركة القوميين العرب و كان له الدور البارز في تأسيس الحركة و انطلاقها و أيضا له من الاسهامات الكثيرة التي تثبت و تدل علي الإخلاص المؤمن بالحركة و لنا أن نذكر أحدي القصص المهمة التي تناولها جورج حبش حيث ذكر أن أحمد الخطيب كان يتبرع بتسعين بالمائة من راتبه الشهري للحركة و يحتفظ بعشرة بالمائة فقط لنفسه و لعائلته , و ذلك ضمن شهادة المرحوم جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و كان أيضا أحد المؤسسين لحركة القوميين العرب مع أحمد الخطيب.(راجع مذكرات جورج حبش المنشورة تحت عنوان ثوار لا يموتون ضمن اصدرات دار الساقي اللندنية).
و تناول الأستاذ علي حسين العوضي الدكتور الخطيب في أحد الدراسات المنشورة في موقع الحوار المتمدن , و التي حصلت عليها عندما وزعها الشباب القومي باليد في لندن حيث يقول:
"
ولد د• أحمد الخطيب عام 1927 في منطقة الدهلة بين إخوة ثلاثة: جاسم وعقاب والثالث هو أحمد نفسه• وفي سن السابعة بدأ دراسته في المدرسة المباركية إلا أنه لم يمكث فيها إلا نصف يوم حيث توجه للدراسة في مدرسة العنجري والتي كانت على طريقة " الكتاتيب "، وقد تعلم الخطيب فيها القرآن الكريم ومبادئ القراءة والحساب•
وفي عام 36-1937 التحق الخطيب بالمدرسة الأحمدية وبعدها المدرسة القبلية إلى العام الدراسي 37-1938 حيث عاد من جديد إلى المدرسة المباركية التي بقي فيها لفترة ثلاث سنوات وتحديدا حتى الصف الأول الثانوي الذي لم يكمله لسفره إلى بيروت في فبراير 1942 لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية•
(و نري هنا النقلة النوعية لأحمد الخطيب حيث أنتقل من مجتمع المدينة الميناء ألي أحدي الحواضر المهمة في الوطن العربي وهي مدينة بيروت و يمكن لعالم الاجتماع أن يدرس أنتقالة محورية مثل هذه التي حصلت للخطيب و تأثيرها النفسي و الاجتماعي عليه , ناهيك عن الانجاز الشخصي الكبير الذي حصل عليه كفرد كويتي أستحصل علي قبول أحدي أرقي الجامعات المعروفة علي مستوي الوطن العربي و في تخصص يعتبر و لا يزال نادرا و مهما و صعبا , ناهيك علي إن الدراسة هي باللغة الانجليزية لإنسان جاء من مجتمع الدولة الميناء أذا صح التعبير)
كانت بداية الدخول في العمل والمعترك السياسي بالنسبة إلى أحمد الخطيب انطلقت من الجامعة الأمريكية في بيروت وبخاصة بعد حرب فلسطين عام 1948 والنكبة التي تبعتها وبروز المشاكل السياسية•
(و هنا تبرز عبقرية أخري لأحمد الخطيب حيث أنه في مرحلة دراسية صعبة من ناحية صعوبة المناهج العلمية الطبية و عدم ابتعاد الخطيب عن المسئولية الاجتماعية التي كان يحسها في داخله من خلال تفاعله مع الإحداث الداخلية و الخارجية)
وكانت الجامعة معروفة بحساسيتها من القضايا القومية، وكان هناك رد فعل قوي لأي حدث عربي خصوصا إذا كانت بمشاركة طلابا فلسطينيين•
فمع هؤلاء الطلاب عاش الخطيب وتفاعل معهم في قضاياهم ومحنتهم، وشارك معهم في جمع الأموال والملابس وإعطائها للمحتاجين في مخيمات اللاجئين، كما أن قيام البنوك الأجنبية بتجميد أموال الطلبة استوجب تقسيم مخصصات الطلبة العرب مع الطلبة الفلسطينيين من أجل متابعة دراستهم، ليكون هذا الأمر إعلانا بشكل أو بآخر لدخول الخطيب الحياة السياسية•
ويتذكر الخطيب أنه في آخر سنة دراسية له في الجامعة، حدثت مظاهرات طلابية صاخبة احتجاجا على تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عام 1952، وحدثت مصادمات مع رجال الشرطة في بيروت وتم فصل الخطيب مع زميل فلسطيني له من الجامعة•
ولأن انتشار القوميين العرب كان واسعا في لبنان، فقد بدأ إضراب طلابي شمل معظم المدارس احتجاجا على قرار الفصل، بل إن الطلبة ساروا في مظاهرة كبيرة نحو الجامعة تهتف بسقوط مدير الجامعة• ولم يكتف الطلبة بذلك بل حاولوا الهجوم على مدير الجامعة في بيته وخصوصا الطلاب القادمين من طرابلس الذين كانوا يحملون شحنة من الديناميت لنسف بيته•
ويقول الخطيب: " أمام هذا التيار الجارف من مظاهرات التأييد لنا، تحركنا من أجل إيقاف المتظاهرين وتهدئتهم•• وكذلك تدخلت الحكومة اللبنانية وأعادتني مع الزميل الآخر إلى الجامعة وسحب قرار الفصل الذي أصدرته الجامعة•• والطريف أن مدير الجامعة الأمريكية بنروز كان يتساءل مندهشا ويقول: لا أدري من هو مدير الجامعة•• بنروز أو أحمد الخطيب ! "•
(هنا يظهر الإبداع الكويتي التنظيمي و أيضا تأثير الكاريزما الشخصية لأحمد الخطيب و حصول الاندفاع الجماهيري الواسع للدفاع عمن تضعه هذه الجماهير كقائد لها , و النقطة الجديرة بالاهتمام أن شخصية كأحمد الخطيب برزت كقيادة جماهيرية قائدة في أحدي الحواضر العربية المهمة و هي بيروت التي تعج و تغص و تزخر بالسياسيين و المفكرين و الثائرين , فهذا يعطينا الدليل القاطع علي تميز الخطيب و انفراده علي هذا المحيط الواسع من أهل الفكر و السياسة والثقافة )
في عام 1952 اشترك د• أحمد الخطيب مع جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وآخرون بتأسيس حركة القوميين العرب والتي برزت كإحدى المنظمات القادرة على الامتداد في بقاع مختلفة من الوطن العربي• ففي عدن التي كانت محتلة من قبل بريطانيا كان فرع الحركة الذي يطلق عليه الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل يشارك في قيادة الكفاح المسلح ضد بريطانيا وهي المنظمة التي تسلمت الدولة الجديدة بعد استقلالها عام 1967، في حين كان المركز الرئيسي للحركة يتخذ بيروت مقرا له وكانت خلاياه تنشط داخل معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويرى البعض بأن الفرع الثالث الذي لم يعلن عنه بشكل رسمي أو قانوني بسبب حرمان قيام الأحزاب السياسية كان ينشط بصيغة غير رسمية وبمعرفة الدكتور الخطيب نفسه في الكويت•
فقد نجح د• الخطيب في عام 1952 بتشكيل أول خلايا الحركة مستثمرا الانفراج الديمقراطي الذي ساد الكويت عندما أصبح الشيخ عبد الله السالم أميرا على الكويت عام 1950 والذي اتبع سياسة ليبرالية، فقد تهيأت الظروف لانتشار الحركة مع ظهور النخبة التجارية وعودة الطلاب الكويتيين الدارسين في الجامعات العربية• ويفسر الخطيب إعجابه بفكر الحركة بقوله: " لقد ظهرت (نشرة) الثأر القومية ببرامج عملية أو قل بميثاق وطني يتضامن الجميع على تحقيقه لتفادي الأزمة المقبلة ونخرج أقوياء من هذه المعركة، فطالبت بأن نبدأ بأخذ زمام المبادرة من أعدائنا ونعمل سوية لمقاومة الصلح مع اليهود ونحطم مشاريع الغرب الدفاعية ونقوي أنفسنا بالاتحاد"•
وساهم د• الخطيب في تأسيس عدد من الأندية من مثل النادي الأهلي والنادي الثقافي القومي الذي أصبح مركزا لتجمع حركة القوميين العرب التي تركزت إستراتيجيتها في الكويت في تلك الفترة على الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي ومحاربة الاستعمار الغربي وإنهاء معاهدة الحماية مع بريطانيا وتوحيد الكويت مع الوطن العربي، وأصدر النادي الثقافي القومي مجلة الإيمان لتعبر عن آرائه وأفكاره وملحقا أسبوعيا هو صدى الإيمان، وتعد هذه المجلة من أوائل المجلات القومية في الخليج العربي•
ويوضح الخطيب مفهوم الإيمان - شعار النادي - بالقول: " إن إيماننا العميق باستحقاق أمتنا الحياة الحرة الكريمة هو الذي دفعنا إلى إنشاء هذا النادي وإصدار هذه المجلة الناطقة باسمه•• " إلا أنه بعد استقلال الكويت عام 1961 تغير اسم النادي إلى نادي الاستقلال والذي استمر على نهج النادي الثقافي إلى أن صدر قرار الحكومة بحل النادي نتيجة لحل مجلس الأمة عام 1976•
وشارك الخطيب أيضا في تأسيس لجنة الأندية الكويتية والتي كان الهدف من تأسيسها العمل على دعم كل ما يتعلق بشؤون الأمة العربية، فقد دعت اللجنة على سبيل المثال إلى تجمع شعبي في أغسطس عام 1955 تأييدا للخطوة التي أقدم عليها جمال عبد الناصر في تأميمه لقناة السويس والذي حضره أكثر من 4000 شخص حيث بثت إذاعة صوت العرب من القاهرة البرقية التي بعثها د• الخطيب والذي يعلن فيها نجاح الإضراب والمظاهرات التي قامت في الكويت تأييدا لمصر•
كما شارك د• الخطيب في مؤتمر الشعب العربي الذي عقد في دمشق كممثل عن لجنة الأندية الكويتية والذي حضرته الاتحادات والنقابات العربية تضامنا مع مصر في تصديها للعدوان الثلاثي والذي دعا إلى قطع النفط عن الدول الغربية التي شاركت في العدوان•
وساهمت لجنة الأندية الكويتية مساهمة فعالة في تأييدها للثورة الجزائرية ونضال الحركة الوطنية في المغرب العربي ضد الاستعمار الفرنسي، فعندما اعتقلت السلطات الفرنسية أحمد بن بيلا ورفاقه الأربعة زعماء جبهة التحرير الوطني الجزائرية دعت اللجنة إلى إضراب عام في أكتوبر 1956 تأييدا لزعماء الثورة الجزائرية، كما نظمت اللجنة تجمعا شعبيا ألقى فيه د• أحمد الخطيب خطابا سياسيا تأييدا لنضال الشعب الجزائري، واستطاعت اللجنة جمع أكثر من ثلاثة ملايين روبية كتبرعات من الشعب الكويتي للثورة الجزائرية• ويعتبر هذا المبلغ الذي تسلمته قيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية أول مبلغ يصل إلى ثوار الجزائر من الوطن العربي•
برز نجم الدكتور أحمد الخطيب الذي اعتبره الكويتيون والعرب قائدا فعليا للجماعات الوطنية في الكويت، حيث كان الخطيب من أوائل الكويتيين من أفراد الأسر البسيطة الذي يلمع اسمه في أجواء العمل السياسي في الكويت•
وعبر حياته السياسية كان الخطيب في وضع القادر على التعبير عن موقفه واتجاهه السياسي وإزاء القضايا المطروحة، كما أنه كان قادرا على خلق تحالفات سياسية مع الجماعات الأخرى وعلى وجه الخصوص فئة التجار•
فعلى سبيل المثال تمكن الدكتور الخطيب من إقناع الأعضاء من فئة التجار بتعديل موقفهم المؤيد للحكومة والوقوف في صف المطالب التي تتبناها القوى الوطنية، فقد وجد هؤلاء الأعضاء في الخطيب الشخص الناطق باسم الجماعة والقادر على التعبير عن معاناتهم وهو تعبير عن مطالب القوى الوطنية التي كان الخطيب الناطق الفعلي باسمها•
انتخب د. أحمد الخطيب عضوا في مجلس الأمة أعوام 1963 ـ 1971 ـ 1976 ـ 1985 ـ 1992 إلى أن اعتزل العمل البرلماني عام 1996
بعد انقضاء فترة مجلس الأمة السابع (1992-1996) أعلن د. أحمد الخطيب اعتزاله العمل البرلماني تاركا الفرصة أمام الشباب الوطني ليأخذ طريقه•
ويقول الخطيب إن : "المرحلة الحالية تتطلب وجوها جديدة تتحمل المسؤولية خاصة أن الأوضاع وطبيعة الناس والمشاكل في تغير دائم، ومن هذا المنطلق فإن الشباب هم أدرى بطبيعة هذه المشاكل والمفروض من هذا الفهم تشجيع الشباب وترك المجال لهم"•
ويؤكد الخطيب أن الديمقراطية ليست بوجود المجلس وإنما بوجود رأي كويتي يحمي التجربة الديمقراطية، فإذا أحست السلطة أن المجلس مدعوم لا تقدر أن تلعب به"
كنت شخصيا أرسلت منذ زمان بعيد عدد من المقالات التي تناولت شخصية الدكتور أحمد الخطيب و دوره النضالي و امتنعت كل الجرائد الكويتية عن النشر , و لعل أحد أهم العبارات التي ذكرتها في تلك المقالات و لا زلت أذكرها هي:
" أذا كان الألمان يفتخرون بماركس و الهنود يفتخرون بغاندي و الإيرانيون بالخميني و الأفارقة بمانديلا و الصينيون يماوتسي تونج و الأرجنتينيون بأرنستو تشي غيفارا و فيجب علي الكويتيون....كل الكويتيون أن يفتخروا بأحمد الخطيب"
و أيضا ذكرت في احد تلك المقالات الممنوعة من النشر كويتيا!!!؟؟ ما يلي:
" في الحالة الكويتية نحن نعتبر أن قومية و علمانية أحمد الخطيب أقرب إلي الإسلام الحقيقي من سلفية السلف و أخوانيه الإخوان"
في أحد المرات ذهبت إلي مجلة الطليعة لأقابل هذه القيادة القومية الكبيرة حيث التجمع الرئيسي للقوميين الكويتيون,دخلت إلي القاعة الرئيسة و رأيته جالسا و حوله الإتباع و رفاق الدرب و حشد من الزوار .
كان كما كان منذ سنين بنفس الكاريزما و الجاذبية الشخصية التي تجذبك إليه كشخص و كانسان عاش الكفاح و النضال ضد كل ما يألم الإنسان العربي في كل مكان.
و بعد الترحيب الشخصي و الأسئلة الشخصية أنطلق قطار الأسئلة التي للأمانة جاءت عفوية ضمن سياق الحديث.
و لكنها أسئلة ليست كأي أسئلة!!!!
هي أسئلة لإنسان عاش التجربة لأكثر من سبعين عاما من النضال و الكفاح.
هو أمن بفكرة و عاش معها الحركة فشل من هنا و نجح من هناك و تراجع من هنالك.
إذن نحن كنا نعيش الحوار مع تأريخ إنسان عاش التجربة, و هذا يختلف مع من يعيش ضمن أجواء النظرية فقط بطبيعة الحال.
يقول الخطيب:
أن هزيمة العام 1967 التي حدثت في القطر المصري كانت محورا مهما للتجربة القومية العربية حيث شكلت زلزالا للتجربة القومية بشكل عام , وجاء معها التفكير بلماذا حدث ما حدث؟
أن هناك حاجة لإعادة تقييم الحركة من حيث النظرية التي قدمت للناس و من حيث التجربة التي عاشها الناس كذلك.
و تتمثل أهم النقاط بالاتي:
هو تحول الحركة القومية من حالة فكرية حضارية لتحرير الإنسان إلي حالة عنصرية غرائزية تفضل العربي علي ما هو سواه و بعنصرية بعيدة كل البعد عن الإيمان بالحالة الحضارية للقومية العربية.
و تأتي مع هذه العنصرية عدم وضوح دور الأقليات في حركة النهضة العربية و هي تمثل جزءا كبيرا من المجتمع العربي.
و أيضا ابتعاد الديمقراطية عن النظم التي تبنت القومية العربية و أهمها نظام جمال عبد الناصر , حيث أبتعد دور الشعب عن اتخاذ القرار , و أيضا أبتعد الدور المؤسسي عن النظام و غاصت الأنظمة القومية بشخصانية القرار عوضا عن مأسسة القرار.
و يستمر التقييم للحركة القومية مع مسألة مهمة طرحها الدكتور الخطيب حيث ذكر الفساد المتولد مع استمرار الوجود علي سدة الحكم , كحالة إنسانية تشجع علي الفساد و الإفساد مع ابتعاد دور الرقابة الشعبية عن التدقيق علي مؤسسات النظام فتصبح الدولة تركة عائلية للإثراء عوضا عن مؤسسة لصنع النهضة.
حيث طرح الخطيب فكرة مهمة و هي قصر دورات المناصب القيادية في جميع أجزاء الدولة القومية علي فترة أو فترتين لتجديد الدماء و الطاقات من ناحية و من ناحية أخري منع الفساد المتأتي مع الاستمرار في الوجود في مراكز القرار.
و يأتي انحسار التجربة القومية عموما في نظر الخطيب كحالة عامة تعانيها المنطقة العربية عموما.
و أعلن الخطيب ضمن الحوار :
انتهاء زمن الايدولوجيا و الرغبة بالعمل ضمن برامج تحاكي مشاكل الحاضر و ما سيأتي في المستقبل من مشاكل مرتقبة.
و ضمن الحديث تطرقنا إلي الدور المحلي لحركة القوميين العرب و مألت إليه؟
يقول الدكتور أحمد الخطيب أنه بصدد أعادة أطلاق الحركة الوطنية من جديد في الكويت من حيث البرامج الحالة للمشاكل البعيدة عن الايدولوجيا كما ذكرنا سابقا.
و من حيث أعادة أطلاق وسائل الإعلام المرتبطة بالتيار القومي بشكل جديد مترافقا مع انطلاقة جديدة للتنظيم.
و يأتي ذلك مع نقد شامل للحركة القومية بما تمثله من واجهة لعمل الوطني داخل دولة الكويت, و الجدير بالذكر أن مسمي الوطنية في دولة الكويت يرتبط بالمواقف النزيهة المدافعة عن المكتسبات الديمقراطية المتمثلة بالتمسك بدستور 1962 .
و يأتي أشراك الشباب و الشابات في حالة النقد الشامل من أهم مطالب أحمد الخطيب و هو أحد الساعين لإشراك الشباب و الشابات في الحراك القومي الوطني كمسئولية يتحملونها من أجل بلدهم.
الخطيب يبقي الخطيب, ضمير الكويت الحي , الذي تمثل و تجسد في إنسان أسمه أحمد الخطيب.
و يحق للكويتيين....كل الكويتيون أن يفخروا أن أحمد الخطيب منهم.
الدكتور عادل رضا
(بريطانيا)
فليس من المفروض ن نعيد أخطاء الآخرين , بل أن نتعلم من تلك الأخطاء لكي لا نعيد تكرار ما تمت تجربته سابقا , و أيضا التثبت من النواحي الايجابية من حياة هذه الشخصيات و تعميقها في ممارستنا العامة لما تحتويه من جوانب مفيدة.
بدأت أتعرف علي الدكتور أحمد الخطيب في أوائل التسعينات حيث بدأت أدرس شخصيته و دوره السياسي علي الساحة الكويتية بالخصوص و العربية بالعموم و لقد تأثرت كثيرا بهذا التاريخ الحافل الذي يحمله الرجل و استفدت كثيرا من كمية الوعي و البصيرة التي يبثها و يشعلها هذا الرجل في العقول.
و أيضا ما يتمتع به الدكتور أحمد الخطيب من صفاء روحي يعطي الجانب العاطفي بعده الثنائي مع الجانب العملي .
ويتميز الدكتور أحمد الخطيب بإعطاء جرعات كبيرة من الوعي السياسي بجرأة كبيرة لا تعترف بالخطوط الحمراء الذي يضعها عادة السياسيون عندما يتكلمون في خطبهم و ندواتهم.
و هذه الخطوط الحمراء هو بالعادة خطوط وهمية تصنعها أمور كثيرة منها الواقع السياسي و الضغط الاجتماعي المحيط و أيضا المصالح الشخصية و الاجتماعية للفرد أو للتيار أو للعائلة.
و لكن عند الخطيب كل ذلك ممحي و غير موجود , هو ينطلق بخطاباته و أحاديثه محاولا أعطاء الحقيقة إلي الناس , و هذا هو الهدف , هو يريد صناعة الوعي و البصيرة في عقول و قلوب الناس , أن ذلك هو ما يسعي إليه لذلك لا خط أحمر لديه إلا واجبة الوطني بالخصوص و دوره القومي المتصل بالعموم.
يعتمد الدكتور أحمد الخطيب علي آليات عديدة في خطابه السياسي منها الكم المعرفي و ألمعلوماتي و الخبرة النضالية و السياسية الكبيرة التي يحملها , مضافا إليها الكاريزما الشخصية التي حباها الخالق له.
و للمحلل السياسي أن ينظر إلي الكم الهائل من السياسيين الذين يحاولون تقليد أسلوب أحمد الخطيب في الخطاب الجماهيري و هم بأعداد كبيرة, و لكن أمور كثيرة لا تساعد هؤلاء علي الوصول إلي المستوي الخطابي الجماهيري الرائع و الراقي الذي يقدمه الدكتور أحمد إلي الناس.
و من وجهة نظري تظل النية الصافية في العمل و الصدق مع الذات و المجتمع هي ما تقرب أحمد الخطيب إلي قلوب و عقول الناس....كل الناس.
و الدكتور أحمد محمد الخطيب لمن لا يعرفه هو أحد المؤسسين الرئيسيين في حركة القوميين العرب و كان له الدور البارز في تأسيس الحركة و انطلاقها و أيضا له من الاسهامات الكثيرة التي تثبت و تدل علي الإخلاص المؤمن بالحركة و لنا أن نذكر أحدي القصص المهمة التي تناولها جورج حبش حيث ذكر أن أحمد الخطيب كان يتبرع بتسعين بالمائة من راتبه الشهري للحركة و يحتفظ بعشرة بالمائة فقط لنفسه و لعائلته , و ذلك ضمن شهادة المرحوم جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و كان أيضا أحد المؤسسين لحركة القوميين العرب مع أحمد الخطيب.(راجع مذكرات جورج حبش المنشورة تحت عنوان ثوار لا يموتون ضمن اصدرات دار الساقي اللندنية).
و تناول الأستاذ علي حسين العوضي الدكتور الخطيب في أحد الدراسات المنشورة في موقع الحوار المتمدن , و التي حصلت عليها عندما وزعها الشباب القومي باليد في لندن حيث يقول:
"
ولد د• أحمد الخطيب عام 1927 في منطقة الدهلة بين إخوة ثلاثة: جاسم وعقاب والثالث هو أحمد نفسه• وفي سن السابعة بدأ دراسته في المدرسة المباركية إلا أنه لم يمكث فيها إلا نصف يوم حيث توجه للدراسة في مدرسة العنجري والتي كانت على طريقة " الكتاتيب "، وقد تعلم الخطيب فيها القرآن الكريم ومبادئ القراءة والحساب•
وفي عام 36-1937 التحق الخطيب بالمدرسة الأحمدية وبعدها المدرسة القبلية إلى العام الدراسي 37-1938 حيث عاد من جديد إلى المدرسة المباركية التي بقي فيها لفترة ثلاث سنوات وتحديدا حتى الصف الأول الثانوي الذي لم يكمله لسفره إلى بيروت في فبراير 1942 لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية•
(و نري هنا النقلة النوعية لأحمد الخطيب حيث أنتقل من مجتمع المدينة الميناء ألي أحدي الحواضر المهمة في الوطن العربي وهي مدينة بيروت و يمكن لعالم الاجتماع أن يدرس أنتقالة محورية مثل هذه التي حصلت للخطيب و تأثيرها النفسي و الاجتماعي عليه , ناهيك عن الانجاز الشخصي الكبير الذي حصل عليه كفرد كويتي أستحصل علي قبول أحدي أرقي الجامعات المعروفة علي مستوي الوطن العربي و في تخصص يعتبر و لا يزال نادرا و مهما و صعبا , ناهيك علي إن الدراسة هي باللغة الانجليزية لإنسان جاء من مجتمع الدولة الميناء أذا صح التعبير)
كانت بداية الدخول في العمل والمعترك السياسي بالنسبة إلى أحمد الخطيب انطلقت من الجامعة الأمريكية في بيروت وبخاصة بعد حرب فلسطين عام 1948 والنكبة التي تبعتها وبروز المشاكل السياسية•
(و هنا تبرز عبقرية أخري لأحمد الخطيب حيث أنه في مرحلة دراسية صعبة من ناحية صعوبة المناهج العلمية الطبية و عدم ابتعاد الخطيب عن المسئولية الاجتماعية التي كان يحسها في داخله من خلال تفاعله مع الإحداث الداخلية و الخارجية)
وكانت الجامعة معروفة بحساسيتها من القضايا القومية، وكان هناك رد فعل قوي لأي حدث عربي خصوصا إذا كانت بمشاركة طلابا فلسطينيين•
فمع هؤلاء الطلاب عاش الخطيب وتفاعل معهم في قضاياهم ومحنتهم، وشارك معهم في جمع الأموال والملابس وإعطائها للمحتاجين في مخيمات اللاجئين، كما أن قيام البنوك الأجنبية بتجميد أموال الطلبة استوجب تقسيم مخصصات الطلبة العرب مع الطلبة الفلسطينيين من أجل متابعة دراستهم، ليكون هذا الأمر إعلانا بشكل أو بآخر لدخول الخطيب الحياة السياسية•
ويتذكر الخطيب أنه في آخر سنة دراسية له في الجامعة، حدثت مظاهرات طلابية صاخبة احتجاجا على تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عام 1952، وحدثت مصادمات مع رجال الشرطة في بيروت وتم فصل الخطيب مع زميل فلسطيني له من الجامعة•
ولأن انتشار القوميين العرب كان واسعا في لبنان، فقد بدأ إضراب طلابي شمل معظم المدارس احتجاجا على قرار الفصل، بل إن الطلبة ساروا في مظاهرة كبيرة نحو الجامعة تهتف بسقوط مدير الجامعة• ولم يكتف الطلبة بذلك بل حاولوا الهجوم على مدير الجامعة في بيته وخصوصا الطلاب القادمين من طرابلس الذين كانوا يحملون شحنة من الديناميت لنسف بيته•
ويقول الخطيب: " أمام هذا التيار الجارف من مظاهرات التأييد لنا، تحركنا من أجل إيقاف المتظاهرين وتهدئتهم•• وكذلك تدخلت الحكومة اللبنانية وأعادتني مع الزميل الآخر إلى الجامعة وسحب قرار الفصل الذي أصدرته الجامعة•• والطريف أن مدير الجامعة الأمريكية بنروز كان يتساءل مندهشا ويقول: لا أدري من هو مدير الجامعة•• بنروز أو أحمد الخطيب ! "•
(هنا يظهر الإبداع الكويتي التنظيمي و أيضا تأثير الكاريزما الشخصية لأحمد الخطيب و حصول الاندفاع الجماهيري الواسع للدفاع عمن تضعه هذه الجماهير كقائد لها , و النقطة الجديرة بالاهتمام أن شخصية كأحمد الخطيب برزت كقيادة جماهيرية قائدة في أحدي الحواضر العربية المهمة و هي بيروت التي تعج و تغص و تزخر بالسياسيين و المفكرين و الثائرين , فهذا يعطينا الدليل القاطع علي تميز الخطيب و انفراده علي هذا المحيط الواسع من أهل الفكر و السياسة والثقافة )
في عام 1952 اشترك د• أحمد الخطيب مع جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وآخرون بتأسيس حركة القوميين العرب والتي برزت كإحدى المنظمات القادرة على الامتداد في بقاع مختلفة من الوطن العربي• ففي عدن التي كانت محتلة من قبل بريطانيا كان فرع الحركة الذي يطلق عليه الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل يشارك في قيادة الكفاح المسلح ضد بريطانيا وهي المنظمة التي تسلمت الدولة الجديدة بعد استقلالها عام 1967، في حين كان المركز الرئيسي للحركة يتخذ بيروت مقرا له وكانت خلاياه تنشط داخل معسكرات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويرى البعض بأن الفرع الثالث الذي لم يعلن عنه بشكل رسمي أو قانوني بسبب حرمان قيام الأحزاب السياسية كان ينشط بصيغة غير رسمية وبمعرفة الدكتور الخطيب نفسه في الكويت•
فقد نجح د• الخطيب في عام 1952 بتشكيل أول خلايا الحركة مستثمرا الانفراج الديمقراطي الذي ساد الكويت عندما أصبح الشيخ عبد الله السالم أميرا على الكويت عام 1950 والذي اتبع سياسة ليبرالية، فقد تهيأت الظروف لانتشار الحركة مع ظهور النخبة التجارية وعودة الطلاب الكويتيين الدارسين في الجامعات العربية• ويفسر الخطيب إعجابه بفكر الحركة بقوله: " لقد ظهرت (نشرة) الثأر القومية ببرامج عملية أو قل بميثاق وطني يتضامن الجميع على تحقيقه لتفادي الأزمة المقبلة ونخرج أقوياء من هذه المعركة، فطالبت بأن نبدأ بأخذ زمام المبادرة من أعدائنا ونعمل سوية لمقاومة الصلح مع اليهود ونحطم مشاريع الغرب الدفاعية ونقوي أنفسنا بالاتحاد"•
وساهم د• الخطيب في تأسيس عدد من الأندية من مثل النادي الأهلي والنادي الثقافي القومي الذي أصبح مركزا لتجمع حركة القوميين العرب التي تركزت إستراتيجيتها في الكويت في تلك الفترة على الإصلاح السياسي والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار السياسي ومحاربة الاستعمار الغربي وإنهاء معاهدة الحماية مع بريطانيا وتوحيد الكويت مع الوطن العربي، وأصدر النادي الثقافي القومي مجلة الإيمان لتعبر عن آرائه وأفكاره وملحقا أسبوعيا هو صدى الإيمان، وتعد هذه المجلة من أوائل المجلات القومية في الخليج العربي•
ويوضح الخطيب مفهوم الإيمان - شعار النادي - بالقول: " إن إيماننا العميق باستحقاق أمتنا الحياة الحرة الكريمة هو الذي دفعنا إلى إنشاء هذا النادي وإصدار هذه المجلة الناطقة باسمه•• " إلا أنه بعد استقلال الكويت عام 1961 تغير اسم النادي إلى نادي الاستقلال والذي استمر على نهج النادي الثقافي إلى أن صدر قرار الحكومة بحل النادي نتيجة لحل مجلس الأمة عام 1976•
وشارك الخطيب أيضا في تأسيس لجنة الأندية الكويتية والتي كان الهدف من تأسيسها العمل على دعم كل ما يتعلق بشؤون الأمة العربية، فقد دعت اللجنة على سبيل المثال إلى تجمع شعبي في أغسطس عام 1955 تأييدا للخطوة التي أقدم عليها جمال عبد الناصر في تأميمه لقناة السويس والذي حضره أكثر من 4000 شخص حيث بثت إذاعة صوت العرب من القاهرة البرقية التي بعثها د• الخطيب والذي يعلن فيها نجاح الإضراب والمظاهرات التي قامت في الكويت تأييدا لمصر•
كما شارك د• الخطيب في مؤتمر الشعب العربي الذي عقد في دمشق كممثل عن لجنة الأندية الكويتية والذي حضرته الاتحادات والنقابات العربية تضامنا مع مصر في تصديها للعدوان الثلاثي والذي دعا إلى قطع النفط عن الدول الغربية التي شاركت في العدوان•
وساهمت لجنة الأندية الكويتية مساهمة فعالة في تأييدها للثورة الجزائرية ونضال الحركة الوطنية في المغرب العربي ضد الاستعمار الفرنسي، فعندما اعتقلت السلطات الفرنسية أحمد بن بيلا ورفاقه الأربعة زعماء جبهة التحرير الوطني الجزائرية دعت اللجنة إلى إضراب عام في أكتوبر 1956 تأييدا لزعماء الثورة الجزائرية، كما نظمت اللجنة تجمعا شعبيا ألقى فيه د• أحمد الخطيب خطابا سياسيا تأييدا لنضال الشعب الجزائري، واستطاعت اللجنة جمع أكثر من ثلاثة ملايين روبية كتبرعات من الشعب الكويتي للثورة الجزائرية• ويعتبر هذا المبلغ الذي تسلمته قيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية أول مبلغ يصل إلى ثوار الجزائر من الوطن العربي•
برز نجم الدكتور أحمد الخطيب الذي اعتبره الكويتيون والعرب قائدا فعليا للجماعات الوطنية في الكويت، حيث كان الخطيب من أوائل الكويتيين من أفراد الأسر البسيطة الذي يلمع اسمه في أجواء العمل السياسي في الكويت•
وعبر حياته السياسية كان الخطيب في وضع القادر على التعبير عن موقفه واتجاهه السياسي وإزاء القضايا المطروحة، كما أنه كان قادرا على خلق تحالفات سياسية مع الجماعات الأخرى وعلى وجه الخصوص فئة التجار•
فعلى سبيل المثال تمكن الدكتور الخطيب من إقناع الأعضاء من فئة التجار بتعديل موقفهم المؤيد للحكومة والوقوف في صف المطالب التي تتبناها القوى الوطنية، فقد وجد هؤلاء الأعضاء في الخطيب الشخص الناطق باسم الجماعة والقادر على التعبير عن معاناتهم وهو تعبير عن مطالب القوى الوطنية التي كان الخطيب الناطق الفعلي باسمها•
انتخب د. أحمد الخطيب عضوا في مجلس الأمة أعوام 1963 ـ 1971 ـ 1976 ـ 1985 ـ 1992 إلى أن اعتزل العمل البرلماني عام 1996
بعد انقضاء فترة مجلس الأمة السابع (1992-1996) أعلن د. أحمد الخطيب اعتزاله العمل البرلماني تاركا الفرصة أمام الشباب الوطني ليأخذ طريقه•
ويقول الخطيب إن : "المرحلة الحالية تتطلب وجوها جديدة تتحمل المسؤولية خاصة أن الأوضاع وطبيعة الناس والمشاكل في تغير دائم، ومن هذا المنطلق فإن الشباب هم أدرى بطبيعة هذه المشاكل والمفروض من هذا الفهم تشجيع الشباب وترك المجال لهم"•
ويؤكد الخطيب أن الديمقراطية ليست بوجود المجلس وإنما بوجود رأي كويتي يحمي التجربة الديمقراطية، فإذا أحست السلطة أن المجلس مدعوم لا تقدر أن تلعب به"
كنت شخصيا أرسلت منذ زمان بعيد عدد من المقالات التي تناولت شخصية الدكتور أحمد الخطيب و دوره النضالي و امتنعت كل الجرائد الكويتية عن النشر , و لعل أحد أهم العبارات التي ذكرتها في تلك المقالات و لا زلت أذكرها هي:
" أذا كان الألمان يفتخرون بماركس و الهنود يفتخرون بغاندي و الإيرانيون بالخميني و الأفارقة بمانديلا و الصينيون يماوتسي تونج و الأرجنتينيون بأرنستو تشي غيفارا و فيجب علي الكويتيون....كل الكويتيون أن يفتخروا بأحمد الخطيب"
و أيضا ذكرت في احد تلك المقالات الممنوعة من النشر كويتيا!!!؟؟ ما يلي:
" في الحالة الكويتية نحن نعتبر أن قومية و علمانية أحمد الخطيب أقرب إلي الإسلام الحقيقي من سلفية السلف و أخوانيه الإخوان"
في أحد المرات ذهبت إلي مجلة الطليعة لأقابل هذه القيادة القومية الكبيرة حيث التجمع الرئيسي للقوميين الكويتيون,دخلت إلي القاعة الرئيسة و رأيته جالسا و حوله الإتباع و رفاق الدرب و حشد من الزوار .
كان كما كان منذ سنين بنفس الكاريزما و الجاذبية الشخصية التي تجذبك إليه كشخص و كانسان عاش الكفاح و النضال ضد كل ما يألم الإنسان العربي في كل مكان.
و بعد الترحيب الشخصي و الأسئلة الشخصية أنطلق قطار الأسئلة التي للأمانة جاءت عفوية ضمن سياق الحديث.
و لكنها أسئلة ليست كأي أسئلة!!!!
هي أسئلة لإنسان عاش التجربة لأكثر من سبعين عاما من النضال و الكفاح.
هو أمن بفكرة و عاش معها الحركة فشل من هنا و نجح من هناك و تراجع من هنالك.
إذن نحن كنا نعيش الحوار مع تأريخ إنسان عاش التجربة, و هذا يختلف مع من يعيش ضمن أجواء النظرية فقط بطبيعة الحال.
يقول الخطيب:
أن هزيمة العام 1967 التي حدثت في القطر المصري كانت محورا مهما للتجربة القومية العربية حيث شكلت زلزالا للتجربة القومية بشكل عام , وجاء معها التفكير بلماذا حدث ما حدث؟
أن هناك حاجة لإعادة تقييم الحركة من حيث النظرية التي قدمت للناس و من حيث التجربة التي عاشها الناس كذلك.
و تتمثل أهم النقاط بالاتي:
هو تحول الحركة القومية من حالة فكرية حضارية لتحرير الإنسان إلي حالة عنصرية غرائزية تفضل العربي علي ما هو سواه و بعنصرية بعيدة كل البعد عن الإيمان بالحالة الحضارية للقومية العربية.
و تأتي مع هذه العنصرية عدم وضوح دور الأقليات في حركة النهضة العربية و هي تمثل جزءا كبيرا من المجتمع العربي.
و أيضا ابتعاد الديمقراطية عن النظم التي تبنت القومية العربية و أهمها نظام جمال عبد الناصر , حيث أبتعد دور الشعب عن اتخاذ القرار , و أيضا أبتعد الدور المؤسسي عن النظام و غاصت الأنظمة القومية بشخصانية القرار عوضا عن مأسسة القرار.
و يستمر التقييم للحركة القومية مع مسألة مهمة طرحها الدكتور الخطيب حيث ذكر الفساد المتولد مع استمرار الوجود علي سدة الحكم , كحالة إنسانية تشجع علي الفساد و الإفساد مع ابتعاد دور الرقابة الشعبية عن التدقيق علي مؤسسات النظام فتصبح الدولة تركة عائلية للإثراء عوضا عن مؤسسة لصنع النهضة.
حيث طرح الخطيب فكرة مهمة و هي قصر دورات المناصب القيادية في جميع أجزاء الدولة القومية علي فترة أو فترتين لتجديد الدماء و الطاقات من ناحية و من ناحية أخري منع الفساد المتأتي مع الاستمرار في الوجود في مراكز القرار.
و يأتي انحسار التجربة القومية عموما في نظر الخطيب كحالة عامة تعانيها المنطقة العربية عموما.
و أعلن الخطيب ضمن الحوار :
انتهاء زمن الايدولوجيا و الرغبة بالعمل ضمن برامج تحاكي مشاكل الحاضر و ما سيأتي في المستقبل من مشاكل مرتقبة.
و ضمن الحديث تطرقنا إلي الدور المحلي لحركة القوميين العرب و مألت إليه؟
يقول الدكتور أحمد الخطيب أنه بصدد أعادة أطلاق الحركة الوطنية من جديد في الكويت من حيث البرامج الحالة للمشاكل البعيدة عن الايدولوجيا كما ذكرنا سابقا.
و من حيث أعادة أطلاق وسائل الإعلام المرتبطة بالتيار القومي بشكل جديد مترافقا مع انطلاقة جديدة للتنظيم.
و يأتي ذلك مع نقد شامل للحركة القومية بما تمثله من واجهة لعمل الوطني داخل دولة الكويت, و الجدير بالذكر أن مسمي الوطنية في دولة الكويت يرتبط بالمواقف النزيهة المدافعة عن المكتسبات الديمقراطية المتمثلة بالتمسك بدستور 1962 .
و يأتي أشراك الشباب و الشابات في حالة النقد الشامل من أهم مطالب أحمد الخطيب و هو أحد الساعين لإشراك الشباب و الشابات في الحراك القومي الوطني كمسئولية يتحملونها من أجل بلدهم.
الخطيب يبقي الخطيب, ضمير الكويت الحي , الذي تمثل و تجسد في إنسان أسمه أحمد الخطيب.
و يحق للكويتيين....كل الكويتيون أن يفخروا أن أحمد الخطيب منهم.
الدكتور عادل رضا
(بريطانيا)