المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شاعر النيل حافظ ابراهيم ... أسكتته وظيفة في دار الكتب



فاتن
12-15-2009, 07:45 AM
http://www.alqabas-kw.com/Temp/Pictures/2009/12/15/610021e0-014b-422a-b668-acc660f0b2fc_main.jpg

حافظ إبراهيم


القاهرة - صبحي موسى:


«وصل شوقي في شيخوخته إلى ما وصل إليه حافظ في شبابه، لان شوقي سكت حين كان حافظ ينطق، ونطق حين اضطر حافظ إلى الصمت، يا لسوء الحظ، ليت حافظا لم يوظف قط، وليت شوقي لم يكن شاعر الأمير قط»، هكذا أجاب طه حسين حين سئل: أيما أشعر، شوقي أم حافظ؟ وهذا ما أثبته محمد إسماعيل كاني في مقدمة الطبعة الثانية. كانت المقدمة الأولى لأحمد أمين. لديوان حافظ إبراهيم، الصادرة أخيرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

لم يكن حافظ يعلم تاريخا محددا لمولده حسبما أقرت بذلك المعلومات الرسمية المثبتة في ملف خدمته في ادارة المعاشات، لكن القومسيون الطبي الذي عرض عليه عام 1911 لاعتماد تعيينه في دار الكتب المصرية قدر سنه بتسعة وثلاثين عاما، ولان هذا الكشف الطبي كان يوم 4 فبراير فقد كتب تاريخ ميلاد حافظ إبراهيم على هذا النحو 1872/2/4، وانه ولد في ذهبية «عوامة» في النيل بالقرب من شاطئ ديروط في الصعيد، وتقلد في الحربية وظيفتي ملازم ثان وملازم أول ما بين عامي 1893 و1894، وفي الداخلية وظيفتي ملاحظ مركز بني سويف، ومعاون مركز الإبراهيمية عام 1895، وأحيل على الاستيداع من وزارة الحربية عام 1896، ثم عاد من جديد عام 1900 ملازما أول بإدارة التعيينات، ثم أحيل على الاستيداع لمدة ثلاث سنوات، ليحال بعدها على المعاش في 1903/11/1، وذلك بناء على طلبه في تظلم قال فيه انه «مكث بخدمة الجيش 12 سنة ولم يحصل فيها على غير راتب ملازم أول، ومضى عليه أربع سنوات وهو في الاستيداع، وانه فقد الأقدمية، ويلتمس إحالته الى المعاش ليتمكن من ايجاد شغل له يقوم بنفقته ونفقة عائلته الكبيرة». وكان راتبه في الاستيداع أربعة جنيهات.

في عام 1911 عين في دار الكتب رئيسا للقسم الأدبي تحت الاختبار بمرتب ثلاثين جنيها، وفي العالم التالي عين بصفة دائمة، وبعدها بأربع سنوات عين رئيسا للمغيرين بدار الكتب، وأحيل إلى المعاش عام 1932. توفي بعد خروجه من المعاش بأربعة شهور. وكان راتبه قد وصل إلى ثمانين جنيها. هكذا دلت المعلومات الواردة بملف خدمة شاعر النيل في إدارة المعاشات.

وقد ذهبت مقدمتا الكتاب إلى انه من أب مصري يدعى إبراهيم فهمي، وسيدة تركية تدعى كريمة أحمد البورصة لي، توفي والده وهو في سن الرابعة، كما توفي من قبله جده البورصة لي، فكفله خاله محمد نيازي مهندس القناطر في الجيش المصري حتى أتم تعليمه الابتدائي في مدرسة الفرير بمدينة طنطا، ثم عمل فترة محاميا في مكتب أحد المحامين لكنه اختلف معه وعمل مع غيره، وسرعان ما ثبت فشله في مهنة المحاماة التي لم تكن تتطلب غير الصبر في متابعة القضايا، لكنه لم يكن يتمتع بذلك الصبر، فرأى خاله ان يدفع بأوراقه الى الجيش، ليبدأ مساره الوظيفي الذي رصدته السجلات الحكومية.

كان خروجه من الجيش بسبب ثورة السودان عام 1899 التي شارك فيها مع ثمانية عشر ضابطا من الجيش المصري، فأحيل على الاستيداع، وظل بلا عمل حتى ساعده ناظر المعارف أحمد حشمت باشا عام 1911 ليكون رئيسا للقسم الأدبي في دار الكتب التي استمر فيها أكثر من عشرين عاما، وهي الفترة التي رمى إليها طه حسين حين تمنى لو لم يكن حافظ موظفا قط، ولا شوقي شاعرا للأمير قط، لان مصر. حسب طه. فقدت الكثير بسعادة كل منهما.

ويمكننا القول ان الفترة التي ازدهر فيها شعر حافظ وذاع صيته هي الفترة التي ما بين تقاعده من الجيش حتى عمله في دار الكتب، إذ انه اعتاد الذهاب إلى مجالس العلماء والمشاهير، فجميعهم قربوه منهم، وجميعهم وجدوا في شعره ما هو أمضى من الحسام في الصخر، وإذا كان الإنكليز قد طردوه فقد احتضنه الزعماء والعلماء، فأصبح المعبر عن هموم الشارع المصري في مواجهة المحتل، فضلا عما تمتع به من لطافة وفصاحة لسان وجرأة عسكرية، لكن فيما يبدو ان خوفه من ان يفقد الوظيفة التي وفرت له راتبا كبيرا. أول راتب كان 30 جنيها في حين ان أعلى راتب له في الجيش كان أربعة جنيهات.

جعله يعزف عن كتابة الشعر، فلم يكن مسموحا للموظف العمومي ان يتحدث أو يكتب في السياسة، ومن ثم فلم ينشر حافظ أيا من قصائده خلال عمله في دار الكتب، وقليلة هي المناسبات التي قال فيها شعرا، مما فرق الجمهور عنه، وعاب عليه الكثيرون قبوله الوظيفة، بينما تساءل آخرون عن عدم دخوله في ألوان أخرى من الشعر كوصف الطبيعة، لكن فيما يبدو ان هذا الاتجاه في الكتابة لم يكن هوى حافظ، ولم تكن الأحداث الساخنة على الساحتين المصرية والعالمية تحضه على شعر الطبيعة، خصوصا ان أحمد أمين وغيره من النقاد يرون ان خياله في تكوين الصورة ليس بالعمق الكافي،

وإذا اضفنا إلى ذلك صعود نجم أحمد بك شوقي وتحول موقفه بعد النفي من الدفاع عن القصر إلى التعبير عن الهم الوطني، ندرك ان حافظ اقتنع بانسحابه من الساحة، وربما راودته الرغبة في الاستقالة لكن شبح الفقر كان مهيمنا على مخيلته، ومن ثم فقد قدم عام 1927 طلبا للإحالة إلى المعاش على ان يأخذ راتبا شهريا مقداره خمسون جنيها لانه أفاد اللغة والأدب لسنوات طويلة، لكن طلبه لم يلق استجابة، وربما كان هذا الطلب تعبيرا عن الثورة التي كثيرا ما يكبتها، لكنها خرجت منه هذه المرة بسبب ما أصبح عليه حال شوقي. إمارة الشعر. وما آل أمره إليه، رغم انه كان فرس الرهان الأول، لكن قبوله لشرط الوظيفة جعله أول المهنئين عام 27، وأول الراحلين عام 1933، ليلحق به رفيقه أمير الشعراء بعدها بشهور.