المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد البزي:أنا الموّزع بين عليّ وشريعته فينا وبين عليّ شريعتي وكتابه علينا



الدكتور عادل رضا
12-05-2009, 05:41 PM
محمد بزي: أنا الموّزع بين عليّ وشريعته فينا وبين عليّ شريعتي وكتابه علينا
يكتبها هذا الاسبوع محمد حسين بزي:
نادرا ما تجد الناشر متماهياً مع كتبه، حدّ التوحد، فالناشرون غالباً ما يقيمون مسافة من كتبهم تتيح لهم أن يتعاملوا معها باعتبارها مادة للتسويق، الأمر مع محمد حسين بزي، مدير عام دار الأمير للثقافة والعلوم، بيروت، مختلف تماماً. فقد وجد في التقائه بعلي شريعتي، لحظة إشراق صوفية، ورغم أنه متخصص في فيلسوف الإشراق السهروردي، إلا أنه لم يشكل سيرته ويدخل صورته الإشراقية، كما شكلها علي شريعتي، حتى صار سوق جنته الفكرية والروحية بل وحتى (المادية). في سوق جنته يروي لنا جانباً من رحلته مع شريعتي قارئاً وعاشقا وناشراً. وقريباً ينشر سيرته الموسوعة مع شريعتي، في مجلة (شريعتي) التي سيصدر العدد الأول منها نهاية هذا العام.

* علي الديري
---------------


- مُصادرة كتابي.. شرارة أولى

يعزُّ على ذاكرتي المهترئة أن تنسى ذلك اليوم من سنة 1986م. عندما وزّعت (المستشارية الثقافية الإيرانية) في بيروت مطبوعة لعلي شريعتي عنوانها ''عليّ.. عليّ''، لا أذكر أني قرأتها أو حتى تصفحتها؛ فقط حملتها إلى البيت وألقيتها كما ألقى موسى الصحف، ولم تقع عيني عليها إلاّ حينما زارنا شيخنا.
كنَّا ثلاثة؛ أنا وشيخنا وأحد أقاربي، وما أن جال الشيخ بنظره فناء غرفة الجلوس ووقعت عينه على مطبوعة شريعتي حتى انتفض المجلس وانتبهنا إلى جليس رابع أرعب الشيخ وهزّه هزاً وأسال لعاب حنقه وألمع بريق دهشتي، وحُوّلت الأنظار إلى تلك النسخة.. إلى علي شريعتي.
كنتُ إلى زمنٍ قريبٍ أرى عثراتي من نفسي.. أعلمها وأعدّها عداً، أحاذر أن تفصح عني؛ وأحذر أن أتعمد سترها؛ ولم يجل بخاطري يوماً أن أزن ثبات نفسي بموازين هناتها، وأن أعي وجود أناي بفراسة زلاتها.. وهنا، صاح الشيخ: ماذا يفعل عليّ (شريعتي) بـ عليّ؟
قال قريبي: إنما هي نسخة محمد يا مولانا.
قلتُ: إنه عليّ أمير المؤمنين بقلم علي شريعتي، فما موجب غضبك؟
صوَّب إليَّ الشيخ نظرة لا يفهمها إلا من كانت نفسه حفنة ريح في فوهة خريف؛ وأردف علي شريعتي رجل أضل فضل، فإن كنت محباً للإمام عليّ فأنا أكفيك مؤونة ما كتب عنه، وأدرأ عنك رزايا هذا المُضل يا ولدي.
بقدرة قادر تأبط الشيخ كتابي (المطبوعة) ومضى ملقياً السلام وهو يمشي إلى الباب، دون أن يشرب الشاي المُعدّ على شرفه؛ وأنا المصاب بالذهول، لكنني بدأت أفكر وأتفكّر.. وقايستُ ما جرى من انتزاع لكتابي الذي لم أقرأه بعبارات سمعتها في مجلس أحد العلماء، تتحدّث عن تيارات متزمتة وأخرى متنوّرة، ولم أكن أدرك كنه ما أسمع، -كنت حَدَثَ السِن-، ولكنّه بانتزاعه لكتابي وضعني على طريق آخر يتّصف بالتحدّي والشهادة على الذات، ومُذّاك بدأت أمسك بطرف خيط جميل، حيث بَوْصَلَتْ عمليةُ الانتزاع تلك وجهةَ الطريق وأرشدتني إلى نقطة البداية، فلله الحمد، وللشيخ وافر الشكر.
وهنا، قلت وأنا الموّزع بين عليّ وشريعته فينا وبين عليّ شريعتي وكتابه علينا؛ ودون أن أصغي لتواليف اللغة بينها أو أجراس البلاغة وأوجه الكناية فأنا الآن أمام اختبار آخر عنوانه: اقرأ باسم الشيخ.


- غضبة الشباب.. النباهة والاستحمار

كلما اقتربت من عالم شريعتي شعرت أني بدأت أتوغّل في ثنايا شبكة معرفية تؤسّس لوعيٍ متجدّد، ومن ثمَ بدأت أفهم - وأتفهم- لماذا كانت المعلّبات الاتهاميّة جاهزة وحاضرة، وهي غبّ الطلب، وبدأت أستشعر وأحسّ بأصابع السلطوي المستبد الذي يقف خلف تلك التعليبات، وكان قد صدر في بيروت عن الدار العالمية للنشر؛ كتاب ''النباهة والإستحمار''، الذي أشعل في نفسي ناراً لم تخبُ حتى كتابة هذه السطور، لقد شدّني عنوان الكتاب سواء كان (النباهة والإستحمار) أم كان (النبهاء والحمير) كما ترجمه البعض، فالنباهة تقابل الإستحمار، ومَن لم يكن نبيهاً واعياً متيقظاً فهو من الحمير أو المستحمَرين، الذين يستغلّهم أصحاب السلطة والمال ووعاظ السلاطين (فرعون، قارون، بلعم بن باعوراء)، فالإستحمار هو أن نعمل شيئاً ما بالقول أو الفعل وبصرف النظر عن قيمته ثم نترك القضية الأهم! قضية إنسانية الإنسان وحقوقه وكرامته وحريته المشروعة وعقله.. وهل وظيفة الاستحمار سوى إشغالك أو إبعادك عن التفكير في حقوقك وقضاياك المصيرية؟


- رحلة النشر والقهر..

دخلتُ عالم النشر من خلال قصة -لا يتسع المجال لسردها الآن- لا تقل استفزازاً عن قصتي مع شريعتي لأجد نفسي أمام وعد خفيّ وجميل، وهو أن أنشر مؤلفات الدكتور شريعتي وأعمل على تعريب ما أمكن منها، بهدف إخراجها للقارئ العربي بحلّة جديدة، وهنا، أي في هذا المطْرَح، وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام كلمة قالها شريعتي في وصيّته ''آه من قلّة الإمكانات وكثرة المشاغل''، وهذا ما وقعنا فيه، وبعد جهد جهيد اقتضى منّا أن نسافر إلى إيران مرات ومرات - وأيضاً لسنا بصدد التفاصيل الآن-، وُفقنا في العام 1992م لنشر كتاب ''الأمة والإمامة''.
مع كتاب ''الأمة والإمامة'' تبدأ الإنزلاقات النظرية في تلافيف ذهن القارئ أو السامع، فالإمامة والأمة والأميّون والنبي الأمي تتحوّل إلى مصطلحات كأنك تسمعها للمرة الأولى.


- شتائم باسم المقدس!

بعد نشر كتاب ''فاطمة هي فاطمة''، بدأت المشاكل، التي تحوّلت بحسب قانون التطوّر والارتقاء العربي إلى شتائم، ثم استعر إوارها لتصل حد الحملات المجنونة بعد نشر كتاب ''محمد (ص) خاتم النبيين''، وكتاب ''الإمام علي (ع) في محنه الثلاث''، وكتاب ''الشهادة'' بحلة جديدة، وخصوصاً عندما قمنا بتعريب ونشر كتاب ''التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي''، وهنا كانت القشة الثقيلة التي قسمت ظهر البعير، فبدأت الحملات وحتى الإهانات من كل حدب وصوب، ومن الأقربين قبل الأبعدين، وهنا صرت أتساءل، ما الذي استنفر كل هذا الجمع (المقدس) - الغريب عن بعضه- ضدَّ هذا الكتاب بالتحديد؟ إلى أن بدأت الصحافة اللبنانية والعربية، والمواقع الإلكترونية تنشر الردود، والردود المضادة.
للعلم فإن مصطلح شريعتي (التشيع الصفوي) راج في الآونة الأخيرة كنعتِ سياسي مصطنع، خاصة بعد غزو العراق، ووظّف هذا ''المصطلح كمادة إعلامية، يُقصد منها إثارة النعرات الطائفية، والغرائز القومية، وهذا خلاف ما أراده شريعتي في ستينات القرن الماضي.


- «هـذا هو الحـج»

قصتي مع كتاب «هذا هو الحج» لشريعتي مؤثرة، وكانت الدافع الحقيقي والمباشر للتعرّف على كتاب الحج من الناحية المعنوية، وكان الفضل فيها للدكتور السليماني الذي كان يعمل وقتها مدرّساً لمادة الحضارة في إيطاليا، ألخصها بالتالي: في النصف الأول من العام الميلادي (2002) كنت مشاركاً بصفتي ناشرا في معرض الرياض الدولي للكتاب، وأثناء وجودي في الجناح المخصص لدار الأمير في المعرض؛ حضر شخص تنبي ملامحه عن نقاء سريرة وصفاء نفس، سلم بتحيّة الإسلام وقال: هنا دار الأمير أليس كذلك؟ فأجبته: نعم. قال: أنتم الذين تقومون بنشر مؤلفات د. شريعتي؟ فأجبته بالإيجاب، ثم سأل عن كتاب الحج. قلت: حتى الآن لم ننشره ولكننا سنقوم بنشره ضمن ''مجموعة الآثار الكاملة''.. فتنهّد تنهيدة قد سمعها من هم على بعد بضعة أمتار منا، مـــــا دعـــــاني لأسأله لمــــاذا كتاب الحجّ تحديداً؟ قــال يا أخي دعـــك من هذا.. وهمّ ليسأل عن كتاب آخر للدكتور، فلم أنتظر حتى يكمل سؤاله، فقاطعته مؤكداً على استفساري، فتكرّم مجيباً وبابتسامة لطيفة ارتسمت على محيّاه، لكن نظرة سارحة ابتعدت به عني، غير أنه سرعان ما قال: يا أخي لقد أعدت بي الذاكرة لعشرين سنة أو يزيد.. لا بأس دكتور تكلم.. وهنا قال:
''في العام الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية في إيران أو العام الذي يليه جئت إلى مكة لأداء فريضة الحج، وهناك التقيت بالدكتور الشهيد مفتح - ولا أدري إن كان يعرفه من قبل - وكان يحمل معه كتاب الحج للدكتور شريعتي، وعندما بدأنا بمناسك الحج أخذ الشهيد مفتح يترجم للدكتور ولي بعض الفقرات التي تتعلق بهذا المنسك وفلسفته، وهكذا فعل مع كافة المناسك، وما زالت دموع مفتح وهو يترجم تلك الفقرات أمام عيني حتى الآن - وهنا بكى صديقنا الدكتور و... هذه يا أخي خلاصة القصة، فما كان مني إلا أن عانقته واعداً بالبحث عن الكتاب، متسائلا في نفسي أي كتاب هذا الذي يجعل مفتح الشخصية العملاقة تجهش بالبكاء على هذا النحو، وبعد جهد متواصل توصّلت إلى الكتاب وقرأته مرة.. مرتين.. ثلاثاً، حينئذ عذرت الدكتور السليماني - والأغلب أن اسمه الأول: محمد- في إلحاحه على الكتاب، وفهمت حينها دموع الشهيد الدكتور مفتح.


- حـسـن حنفي

بتاريخ 18/7/.2008 زار الدكتور حسن حنفي بيروت، وأصرَّ على زيارة المقر الجديد لدار الأمير (التي دمرت في عدوان تموز 2006)، ودار حديث طويل حول زمالته للدكتور شريعتي فترة الدراسة في جامعة السوربون (ستينات القرن الماضي).
وعن الحي اللاتيني، والسياسة والاجتماع وصولاً للمظاهرات التي كانت تشهدها فرنسا لدعم القضية الجزائرية، وفي هذا السياق قال الدكتور حنفي: ''سأخبرك بحادثة لن أنساها ما حييت.
وتابع قائلاً: صبيحة يوم باريسي استدعتني مسؤولة في الكلية التي كنا ندرس فيها، وقالت: بلّغ علي شريعتي أنه سيرسب لو لم يحضر المحاضرات، وأن تغيّبه شبه الدائم عن المحاضرات قد يستدعي اتخاذ إجراء إداري بحقه. يضيف الدكتور حنفي: علي شريعتي كان مشغولاً بالمظاهرات والندوات المتعلقة بالثورة الجزائرية، ويتابع الدكتور حنفي: فعلاً ذهبت لعلي شريعتي وأخبرته بالأمر، فقال لي شريعتي يومها: أنا أدرس يا صديقي، وأحضر كل المحاضرات أيضاً، فقلت له: كيف، وأين؟
قال: هنا.. في الشارع، في المقهى، في المظاهرة، بين الناس! وتابع شريعتي: وهل تظن أن العلم والحضارة والفلسفة خلف المقاعد الخشبية؟
لا يا صديقي.. العلم والحضارة والفلسفة هنا.. بين الناس، بين هموم الحرية وقضايا العدل.
هنا تتجلى كل العلوم، وكل الحق، هنا نصنع التاريخ، وهناك -خلف مقاعد الدراسة- نقرأ التاريخ، والحرُّ المسؤول من يصنع التاريخ ويغيره، لا من يقرأه ويحفظه كالببغاء.


- مجـلـة شـريعـتي

بعد أن مثل فكر الدكتور علي شريعتي بشهادة الكثيرين أحد مضلعات المثلث الذي قامت عليه الثورة التي انطلقت في إيران سنة 1979 وأطاحت بحكم الشاه. وفي ثنايا نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بدأ الاهتمام بشريعتي المفكر والمناضل يتزايد، إلا أنه - ولأسباب متعددة - لم يلقَ حظه من الاهتمام بالقدر الذي تستحقه أفكاره خاصة وأن الكثير منها يرتبط بشكل مباشر وما يطرح من إشكاليات ثقافية وفكرية في العالم العربي والإسلامي.
ولئن تقاطع فكر علي شريعتي في أكثر من نقطة مع شخصيات فكرية مثل ابن خلدون ومالك بن نبي، ومحمد إقبال، وسيد قطب، مع فوارق الزمان والمكان والظرف الاجتماعي، فإن شريعتي يرتبط بهم وبغيرهم أشد الارتباط في زوايا المنهج حيث تشترك وبقوة في اعتبار المجتمعات المسلمة شأنها شأن كل المجتمعات البشرية حقولاً اجتماعية حيّة، لا يمكن الحديث عن التغيير فيها إلا بعد الاستكشاف العلمي للسنن أو القوانين الاجتماعية التي تحكم مسيرتها.
ومع يقيننا بأن هذا المشروع وإن ينطلق من الاهتمام بالتراث الفكري لعلي شريعتي، فإنه لا يقف عند حدوده، بل يذهب معه وبه إلى آفاق فكرية أكثر رحابةً واتساعاً ومعاصرة: على هذه الخلفية لا تمثل مجلة ''شريعتي'' بأية حال من الأحوال تقوقعاً حول فكرة ما مهما كان عمقها المعرفي، أو طوافاً طقوسياً حول شخصية مهما على شأنها الفكري، إنما يطمح هذا المشروع إلى أن يقدم أنموذجاً ثقافياً للمسؤولية الفكرية في عالمنا العربي والإسلامي المستدرج من داخله ومن الخارج نحو تفكيك ذاته، ومسخها قسرياً في نسخ ''معولمة'' لا طعم ولا رائحة ولا لون لها، ويطرح بالتالي مسألة التغيير الاجتماعي كأحد أهم آفاقه الفكرية.
ومن ثم يمثل هذا المشروع دعوة ملحة للمتخصصين في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية المختلفة الذين يهتمون من زوايا مختلفة بمسائل التغيير الاجتماعي للشعوب والبلدان المسلمة إلى المساهمة فيه، وطرح رؤاهم وتصوراتهم لحركة الشعوب المسلمة، باتجاه إيضاح السبل المؤدية إلى مستقبل أفضل تتمكن فيه الأمة من الخروج إلى الناس وتقديم حلول لكل البشرية.
وفق هذه القناعة وهذه الأساسيات يأتي مشروع إنشاء مجلة علمية فصلية - بثلاث لغات- لمناقشة القضايا المنهجية والفكرة التي تضمنتها كتابات علي شريعتي، وطرح مسائل التغيير الاجتماعي للشعوب المسلمة، وما يرتبط بها من قضايا منهجية وفكرية تشكل في الحقيقة جزءاً أساسياً من اهتمامات النخبة المثقفة في عالمنا الإسلامي المعاصر.
وللأمانة، ولحفظ حقوق الآخرين؛ نقول: إن فكرة إنشاء المجلة تبلورت من خلال محاورات فكرية و''تقنية'' مع الأستاذ الدكتور نصر محمد عارف (جامعة زايد - الإمارات)، وكذلك الفضل للدكتور طارق عبدالله (جامعة زايد - الإمارات) الذي كان له الجهد الأساس في وضع هيكلية مشروع المجلة، والفضل موصول لسماحة الشيخ منذر آل فقيه (الحوزة العلمية - لبنان) الذي تكرّم بتحرير القسم العربي من المجلة، وما برحت أُتعبه وأُثقل عليه بكثرة الأسئلة والمراجعات بكل ما يتعلق بـ«علي شريعتي»، بما فيه هذه - القصة- التي لم تسلم من مراجعته. والفضل مشهود للدكتورة هبة رؤوف عزت (جامعة القاهرة - مصر) التي كانت من أبرز المحفزين لإطلاق المجلة، وأخذت على عاتقها مشكورة تحرير القسم الإنجليزي بالتعاون مع الأستاذة الخلاّقة أروى محمود (الجامعة الأميركية - القاهرة) التي ما برحت تناضل بالتعريب والترجمة، ولا يفوتني محبة وتشجيع الدكتور محمد بريش (المغرب) الذي أخذ على عاتقه إعداد وتحرير القسم الفرنسي من المجلة