أمير الدهاء
11-26-2009, 04:46 PM
الحمد لله رب العالمين والصلاة على المبعوث رحمة للعالمين محمد واله الطيبين الطاهرين.
يسرنا ان نلتقي بكم عبر لقاء آخر من لقاءات "القصص الحق" لنقف واياكم وقفة متانية متدبرة اخري عند حكاية قرآنية اخری، في هذه الحلقة سنخوض معاً في حكاية طالوت وجالوت التي تحدثت عنها سورة البقرة في الآيات 246 حتى الآية 252 عسى الله ان يكتبنا من المتدبرين في آياته.
اذن في بداية البرنامج وبعد المقدمة عن اجواء الحكاية القرآنية ننصت معاً الى تلاوة هذه الآيات، ثم نتعرف على اهم المفردات ومعاني العبارت القرآنية، ثم ننتقل الى ضيف هذه الحلقة فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين الاستاذ في العلوم القرآنية ليجيبنا عن بعض الاسالة حول الايات القرآنية.
لنقدم لكم بعدها الروايات المروية عن ائمة اهل البيت (عليه السلام) بشأن الحكاية، واخيراً ننهي البرنامج بالقاء الضوء علی اهم النقاط والدروس المستفادة منها بتوفيق من الله.
*******
كما تعلمون فان اليهود الذين كانوا قد استضعفوا تحت سلطة الفراعنة استطاعوا أن ينجوا من وضعهم المأساوي بقيادة نبي الله موسى (عليه السلام) الحكيمة حتى بلغوا القوّة والعظمة.
ولكن تلك القوة والعظمة أثارت في اليهود الغرور شيئاً فشيئاً، وأخذوا بمخالفة القوانين، وأخيراً اندحروا على أيدي الفلسطينيين وخسروا قوّتهم ونفوذهم، فكان أن تشتّتوا وضعفوا ولم يعودوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم حتـّى أمام أتفه أعدائهم، بحيث طردوا من أرضهم وأسر أبناءهم.
استمرّت حالهم على هذا سنوات طوالاً، إلى أن أرسل إليهم الله نبيّاً اسمه «اشموئيل» لإنقاذهم وهدايتهم، فتجمّع حوله اليهود الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالظلم وكانوا يبحثون عن ملجأ يأوون إليه، وطلبوا منه أن يختار لهم قائداً وأميراً لكي يتوحّدوا تحت لوائه، ويحاربوا العدوّ متـّحدين يداً ورأياً، لإستعادة عزّتهم الضائعة.
«الْمَلإِ» هم الجماعة يجتمعون على رأي فيملأون العيون رواءً ومنظراً والنفوس بهاءً وجلالاً ولذلك يقال لأشراف كلّ قوم «الْمَلإِ» لأنّهم بما لهم من مقام ومنزلة يملأون العين.
اما عبارة «قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ» تعني انه يمكن أن يصدر إليكم الأمر للجهاد فلا تطيعون.
«قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» اي، كيف يمكن أن نتملّص من محاربة العدو الذي أجلانا عن أوطاننا وفرّق بيننا وبين أبنائنا وبذلك أعلنوا وفاءهم وتمسّكهم بالعهد.
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا
أصل البعث: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال: بعثته فانبعث، وهنا يعني أنّ الله اختار طالوت ليكون ملكاً على بني إسرائيل وقائداً لعسكرهم، «قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ».
بمعنى إنّنا أجدر من طالوت بالحكم لأنّ الحكم لابدّ فيه من شرطين لا يتوفـّران في طالوت وهما: الحسب والنسب من جهة، والمال والثروة من جهة اُخرى.
«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ».
فأفهمهم بذلك أنّ اختيار الله طالوت ملكاً وقائداً هو لما يتمتّع به من علم وحكمة وعقل، ومن الناحية البدنيّة فهو قوي ومقتدر.
«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ»
فالمقصود من التَّابُوتُ هو الصندوق الذي وضعت فيه أُمّ موسى ابنها موسى وألقته في اليم، وسنتعرف على هذه المفردة اكثر في طيات هذا اللقاء، اما عبارة وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تشير الى الألواح المقدّسة ـ التي تحمل على ظهرها أحكام الله ـ ودرع نبي الله موسى وأشياء أُخرى كانت تخصّه (عليه السلام) «فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ» «السكينة» بمعنى الهدوء، ويقصد بها هنا هدوء النفس والقلب.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ الفصل هنا بمعنى مفارقة المكان كما في قوله تعالى: «وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ» والجند هو المجتمع الغليظ من كل شيء وسمي العسكر جنداً لتراكم الأشخاص فيه وغلظتهم، «قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم» اي ان الله يختبركم «إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» الاغتراف والغرف رفع الشيء وتناوله، يقال: غرف الماء غرفة واغترفه غرفة إذا رفعه ليتناوله ويشربه.
«وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» البروز هو الظهور، ومنه البراز وهو الظهور للحرب
«رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا» الإفراغ صب نحو المادة السيالة في القالب والمراد إفاضة الله سبحانه الصبر عليهم على قدر ظرفيتهم.
«وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» الدفع هو الردّ بقوّة وهنا بمعنى قانون الصراع التاريخي في حركة المجتمعات.
*******
اسئلة الخبير
ننتقل الى حوار مع ضيف هذه الحلقة سماحة السيد عبد السلام زين العابدين للوقوف عند بعض التساؤلات:
المحاور: فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين وموضوع حلقتنا لهذا اليوم حول قصة طالوت وجالوت يعني سؤال اول ما هو سبب طلب بني اسرائيل من نبيهم ان يبعث لهم ملكاً من اجل القتال مع الاعداء؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الامر يتعلق بتاريخ بني اسرائيل يعني بنو اسرائيل كانت هناك اسباط عند بني اسرائيل كما نعلم فكانت النبوة في سبط لاوي بن يعقوب (عليه السلام) وكانت المملكة في سبط يهوذا بن يعقوب وقيل في سبط يوسف (عليه السلام) فبينما كان طالوت من ولد بن يامين بن يعقوب ولن يكون من سبط النبوة ولا من سبط المملكة يعني هناك سبط للمملكة وللرئاسة وهناك سبط للنبوة فطالوت (عليه السلام) لم يكن من سبط النبوة يعني من سبط لاوي ولم يكن من سبط المملكة والملوكية والرئاسة من سبط يهوذا بن يعقوب (عليه السلام) ولهذا هؤلاء تعجبوا قالوا «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ» طبعاً هذه اشارة «نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ» يعني هو ليس من العائلة المالكة كما يعبر اليوم مثلاً يعني هو لامن سبط لاوي ولا من سبط يهوذا «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ» على الاقل لو لم يكن له نسب او حسب يعني ينتمي الى الملوكية لااقل يكون غنياً ويكون ذا ثروة كبيرة وواسعة ربما تعوض عن هذا الامتداد الطبيعي للملوكية والرئاسة فالله عزوجل يعني طبعاً من خلال النبي وتذكر بعض الروايات كان احد الانبياء عليهم السلام فقال «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» يعني يقال ان طالوت كان اعلم بني اسرائيل في وقته وكان اعظمهم جسماً واقواهم شجاعة واكثرهم تديناً وطبعاً هذا درس كبير لنا يعني حينما يعترض بعض الناس لأن التقييم خاطئ يكون التقييم من خلال المال كما نقرأ في سورة الزخرف «لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» القرآن يقول «أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» يعني اعترضوا على ان يكون النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم هو النبي قالوا «لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» يعني في الطائف وفي مكة، هذه المقاييس الخاطئة، القرآن من خلال هذه القصة اراد ان يعلمنا ان هناك مقاييس العلم والبسط في العلم وفي الجسم، يقال ان النبي ارميا النبي الذي كان في زمن طالوت (عليه السلام).
المحاور: نعم في سياق هذه القصة فضيلة السيد لماذا لم يذكر نبي اليهود في الايات؟
السيد عبد السلام زين العابدين: طبعاً هنا القرآن الكريم يختصر الكثير من القصص، القاعدة الاساسية في القصص القرآني ان القرآن الكريم يذكر الامور التي لها اساس بالعبرة «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ» العبرة بمعنى العبور يعني ان تعبر من الحادثة القديمة التاريخية الى الواقع الحاضر يعني الدرس الكبير الذي يستفيده، القرآن الكريم حينما يذكر شيء لابد ان يكون له عبرة وله موضوعية وله دلالة في الايات المباركة وفي القصة اما حينما يكون الاسم ليس ضرورياً يعني لايدخل في العبرة مهما كان هذا النبي لأن القضية الاساس ليست بالنبي وانما برفض هؤلاء لطالوت فكان التركيز على طالوت (عليه السلام) وذكر طالوت والموقف من طالوت مع انهم هم الذين طلبوه من نبيهم هذا الامر فمهما يكون اسم هذا النبي لايؤثر على العبرة والدرس الكبير
وهذه هي القاعدة القرآنية في تناول القصص التاريخي «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا» ما معنى منه ذكرى؟ يعني لا اتحدث ما هو اسمه وما هي عشيرته وأين كان يسكن وانما اذكر لكم ما يفيدكم في الذكر وما يكون عبرة لكم.
المحاور: طيب في سؤالنا الاخير فضيلة السيد عن هذه القصة، ماذا عن الصندوق وكيف كان فيه السكينة من الله؟
السيد عبد السلام زين العابدين: احسنتم كثيراً، الصندوق طبعاً هو ذات الصندوق الذي وضعت فيه ام موسى موسى (عليه السلام) والقته في البحر، هذا انزله الله على موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم فكان في بني اسرائيل يتبركون به فلما حضر موسى الموت (عليه السلام) وضع فيه الالواح و وضع كذلك الدرع التي كانت عنده وما كان عنده من آيات النبوة و اودعه عند يوشع بن نون (عليه السلام) طبعاً وصي موسى والتابوت كما جاء في الروايات لم يزل بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به كما تنص الرواية في الطرقات فلم يزل بنو اسرائيل في عز وشرف مادام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث عليهم «طَالُوتَ مَلِكًا» فقاتل معهم فرد الله عليهم التابوت وطبعاً هذه الرواية يؤيدها النص
القرآني «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ».
المحاور: نعم فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرأنية من قم المقدسة شكراً لكم.
*******
في رحاب اهل البيت (عليهم السلام)
وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام)، قال: كان داوود وإخوة له أربعة، ومعهم أبوهم شيخ كبير، وتخلف داوود في غنم لابيه، ففصل طالوت بالجنود فدعاه أبو داوود وهو أصغرهم، فقال: يا بني اذهب إلى اخوتك بهذا الذي صنعناه لهم يتقووا به على عدوهم وكان رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب، فخرج وقد تقارب القوم بعضهم من بعض فذكر عن أبي بصير، قال سمعته يقول:
فمر داوود على حجر فقال الحجر: يا داوود خذني واقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله، فأخذه فوضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته التي يرمي بها عن غنمه بمقذافه، فلما دخل العسكر سمعهم يتعظمون أمر جالوت.
فقال لهم: داوود ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنه فحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت.
فقال: يا فتى وما عندك من القوة؟ وما جربت من نفسك؟
قال: كان الاسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفك لحييه منها فاخذها من فيه قال:
فقال: ادع لي بدرع سابغة فاتي بدرع فقذفها في عنقه فتملا منها حتى راع طالوت ومن حضره من بني إسرائيل.
فقال طالوت: والله لعسى الله أن يقتله به.
قال: فلما أن اصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس.
قال داوود: أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصك به بين عينيه فدمغه ونكس عن دابته.
وقال الناس: قتل داوود جالوت، وملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت بنو إسرائيل على داوود، وأنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينه له، وأمر الجبال والطير يسبحن معه، قال: ولم يعط أحد مثل صوته، فأقام داوود في بني إسرائيل مستخفياً، وأعطى قود في عبادته.
وجاء في مجمع البيان عن الامام علي (عليه السلام) قال: إن السكينة التي كانت فيه ريح هفانة من الجنة لها وجه كوجه الانسان.
*******
قصة طالوت وجالوت
ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 246-251.
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوماً وسألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى.
قالوا: ألسنا مشرّدين؟
قال: بلى.
قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم مستعدون للقتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكاً علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنياً وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية مُلْكِهِ؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ.
ووقعت هذه المعجزة. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلاً حتى أحس الجنود بالعطش.
قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهراً في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش.
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلاً، وكان جيش العدو كبيراً وقوياً. فشعر بعض - هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ»، فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحداً يبارزه وخاف منه جنود طالوت جميعاً وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داوود، كان مؤمناً بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائداً على الجيش ويتزوج ابنتي ولم يكن داوود يهتـّم كثيراً لهذا الإغراء، كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله وسمح الملك لداوود أن يبارز جالوت.
وتقدم داوود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهي نبلة يستخدمها الرعاة)، تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع وسخر جالوت من داوود وأهانه وضحك منه، ووضع داوود حجراً قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
*******
دروس وعبر
اولاً: هذا درس للعاملين في سبيل اللّه أن يقفوا موقف الحذر من كثير من المتحمسين والمندفعين الذين يطرحون الشعارات الحادّة، ويعلنون ـ في حماسٍ زائد ـ استعدادهم للجهاد والقتال في ما إذا حصلت لهم القيادة الحكيمة الصالحة، وهم يظنّون أو يأملون في أنفسهم أن لا تحصل.
ثانياً: إنَّ قضية النصر والهزيمة ليست بالقلة والكثرة، بل هي بالإيمان والتخطيط والتنظيم، والأخذ بأسباب القوّة؛ ما يجعل النصر في جانب القلة المؤمنة المنظمة، على الكثرة التي تفقد الإيمان والتنظيم والتخطيط، انطلاقاً من الشعار الذي طرحه هؤلاء المؤمنون الذين واجهوا المعركة بقلوبٍ مؤمنة واثقة باللّه: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»، الأمر الذي يجعل العاملين في موقع الثقة، مهما كانت قوّة الخصوم كبيرة.
ثالثاً: إنَّ قيمة الحوار في هذه القصة، هو أننا استطعنا أن نتمثّل كلّ المشاعر والأجواء التي كان يعيشها هؤلاء من خلال مواقفهم القلقة في جانب، والثابتة في جانب آخر؛ مما لا يتسنى لنا معرفته لو كانت القضية تعيش في إطار التقرير العادي للقصة. إنه الفرق بين أن يُحكى الموقف من خلال الآخرين، أو ينقل الموقف بنفسه وتتمثّله بنفسك.
رابعاً: أن يبقى المؤمن المجاهد في موقف الاستعانة باللّه، والشعور بالحاجة إليه في ما يحصل عليه من قوّة، وما يحتاج إليه من مواقف الصبر والصمود والثبات، وما يتطلّع إليه من نصر لاعتقاده بأنَّ النصر من عند اللّه أولاً وأخيراً.
خامساً: إنَّ الآية تؤكد بأنَّ الإخراج من الديار والأموال يشكِّل عدواناً على الإنسان الفرد والمجتمع، وذلك لو قام بها إنسان فردا أو جماعة، وبذلك يعتبر مبرراً للدخول في قتال ضدّ المعتدي، بحيث يعتبر ذلك شرعياً عند اللّه.
يسرنا ان نلتقي بكم عبر لقاء آخر من لقاءات "القصص الحق" لنقف واياكم وقفة متانية متدبرة اخري عند حكاية قرآنية اخری، في هذه الحلقة سنخوض معاً في حكاية طالوت وجالوت التي تحدثت عنها سورة البقرة في الآيات 246 حتى الآية 252 عسى الله ان يكتبنا من المتدبرين في آياته.
اذن في بداية البرنامج وبعد المقدمة عن اجواء الحكاية القرآنية ننصت معاً الى تلاوة هذه الآيات، ثم نتعرف على اهم المفردات ومعاني العبارت القرآنية، ثم ننتقل الى ضيف هذه الحلقة فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين الاستاذ في العلوم القرآنية ليجيبنا عن بعض الاسالة حول الايات القرآنية.
لنقدم لكم بعدها الروايات المروية عن ائمة اهل البيت (عليه السلام) بشأن الحكاية، واخيراً ننهي البرنامج بالقاء الضوء علی اهم النقاط والدروس المستفادة منها بتوفيق من الله.
*******
كما تعلمون فان اليهود الذين كانوا قد استضعفوا تحت سلطة الفراعنة استطاعوا أن ينجوا من وضعهم المأساوي بقيادة نبي الله موسى (عليه السلام) الحكيمة حتى بلغوا القوّة والعظمة.
ولكن تلك القوة والعظمة أثارت في اليهود الغرور شيئاً فشيئاً، وأخذوا بمخالفة القوانين، وأخيراً اندحروا على أيدي الفلسطينيين وخسروا قوّتهم ونفوذهم، فكان أن تشتّتوا وضعفوا ولم يعودوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم حتـّى أمام أتفه أعدائهم، بحيث طردوا من أرضهم وأسر أبناءهم.
استمرّت حالهم على هذا سنوات طوالاً، إلى أن أرسل إليهم الله نبيّاً اسمه «اشموئيل» لإنقاذهم وهدايتهم، فتجمّع حوله اليهود الذين كانوا قد ضاقوا ذرعاً بالظلم وكانوا يبحثون عن ملجأ يأوون إليه، وطلبوا منه أن يختار لهم قائداً وأميراً لكي يتوحّدوا تحت لوائه، ويحاربوا العدوّ متـّحدين يداً ورأياً، لإستعادة عزّتهم الضائعة.
«الْمَلإِ» هم الجماعة يجتمعون على رأي فيملأون العيون رواءً ومنظراً والنفوس بهاءً وجلالاً ولذلك يقال لأشراف كلّ قوم «الْمَلإِ» لأنّهم بما لهم من مقام ومنزلة يملأون العين.
اما عبارة «قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ» تعني انه يمكن أن يصدر إليكم الأمر للجهاد فلا تطيعون.
«قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا» اي، كيف يمكن أن نتملّص من محاربة العدو الذي أجلانا عن أوطاننا وفرّق بيننا وبين أبنائنا وبذلك أعلنوا وفاءهم وتمسّكهم بالعهد.
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا
أصل البعث: إثارة الشيء وتوجيهه، يقال: بعثته فانبعث، وهنا يعني أنّ الله اختار طالوت ليكون ملكاً على بني إسرائيل وقائداً لعسكرهم، «قَالُواْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ».
بمعنى إنّنا أجدر من طالوت بالحكم لأنّ الحكم لابدّ فيه من شرطين لا يتوفـّران في طالوت وهما: الحسب والنسب من جهة، والمال والثروة من جهة اُخرى.
«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ».
فأفهمهم بذلك أنّ اختيار الله طالوت ملكاً وقائداً هو لما يتمتّع به من علم وحكمة وعقل، ومن الناحية البدنيّة فهو قوي ومقتدر.
«وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ»
فالمقصود من التَّابُوتُ هو الصندوق الذي وضعت فيه أُمّ موسى ابنها موسى وألقته في اليم، وسنتعرف على هذه المفردة اكثر في طيات هذا اللقاء، اما عبارة وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تشير الى الألواح المقدّسة ـ التي تحمل على ظهرها أحكام الله ـ ودرع نبي الله موسى وأشياء أُخرى كانت تخصّه (عليه السلام) «فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ» «السكينة» بمعنى الهدوء، ويقصد بها هنا هدوء النفس والقلب.
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ الفصل هنا بمعنى مفارقة المكان كما في قوله تعالى: «وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ» والجند هو المجتمع الغليظ من كل شيء وسمي العسكر جنداً لتراكم الأشخاص فيه وغلظتهم، «قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُم» اي ان الله يختبركم «إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ» الاغتراف والغرف رفع الشيء وتناوله، يقال: غرف الماء غرفة واغترفه غرفة إذا رفعه ليتناوله ويشربه.
«وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ» البروز هو الظهور، ومنه البراز وهو الظهور للحرب
«رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا» الإفراغ صب نحو المادة السيالة في القالب والمراد إفاضة الله سبحانه الصبر عليهم على قدر ظرفيتهم.
«وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ» الدفع هو الردّ بقوّة وهنا بمعنى قانون الصراع التاريخي في حركة المجتمعات.
*******
اسئلة الخبير
ننتقل الى حوار مع ضيف هذه الحلقة سماحة السيد عبد السلام زين العابدين للوقوف عند بعض التساؤلات:
المحاور: فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين وموضوع حلقتنا لهذا اليوم حول قصة طالوت وجالوت يعني سؤال اول ما هو سبب طلب بني اسرائيل من نبيهم ان يبعث لهم ملكاً من اجل القتال مع الاعداء؟
السيد عبد السلام زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الامر يتعلق بتاريخ بني اسرائيل يعني بنو اسرائيل كانت هناك اسباط عند بني اسرائيل كما نعلم فكانت النبوة في سبط لاوي بن يعقوب (عليه السلام) وكانت المملكة في سبط يهوذا بن يعقوب وقيل في سبط يوسف (عليه السلام) فبينما كان طالوت من ولد بن يامين بن يعقوب ولن يكون من سبط النبوة ولا من سبط المملكة يعني هناك سبط للمملكة وللرئاسة وهناك سبط للنبوة فطالوت (عليه السلام) لم يكن من سبط النبوة يعني من سبط لاوي ولم يكن من سبط المملكة والملوكية والرئاسة من سبط يهوذا بن يعقوب (عليه السلام) ولهذا هؤلاء تعجبوا قالوا «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ» طبعاً هذه اشارة «نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ» يعني هو ليس من العائلة المالكة كما يعبر اليوم مثلاً يعني هو لامن سبط لاوي ولا من سبط يهوذا «أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ» على الاقل لو لم يكن له نسب او حسب يعني ينتمي الى الملوكية لااقل يكون غنياً ويكون ذا ثروة كبيرة وواسعة ربما تعوض عن هذا الامتداد الطبيعي للملوكية والرئاسة فالله عزوجل يعني طبعاً من خلال النبي وتذكر بعض الروايات كان احد الانبياء عليهم السلام فقال «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» يعني يقال ان طالوت كان اعلم بني اسرائيل في وقته وكان اعظمهم جسماً واقواهم شجاعة واكثرهم تديناً وطبعاً هذا درس كبير لنا يعني حينما يعترض بعض الناس لأن التقييم خاطئ يكون التقييم من خلال المال كما نقرأ في سورة الزخرف «لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» القرآن يقول «أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» يعني اعترضوا على ان يكون النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم هو النبي قالوا «لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» يعني في الطائف وفي مكة، هذه المقاييس الخاطئة، القرآن من خلال هذه القصة اراد ان يعلمنا ان هناك مقاييس العلم والبسط في العلم وفي الجسم، يقال ان النبي ارميا النبي الذي كان في زمن طالوت (عليه السلام).
المحاور: نعم في سياق هذه القصة فضيلة السيد لماذا لم يذكر نبي اليهود في الايات؟
السيد عبد السلام زين العابدين: طبعاً هنا القرآن الكريم يختصر الكثير من القصص، القاعدة الاساسية في القصص القرآني ان القرآن الكريم يذكر الامور التي لها اساس بالعبرة «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ» العبرة بمعنى العبور يعني ان تعبر من الحادثة القديمة التاريخية الى الواقع الحاضر يعني الدرس الكبير الذي يستفيده، القرآن الكريم حينما يذكر شيء لابد ان يكون له عبرة وله موضوعية وله دلالة في الايات المباركة وفي القصة اما حينما يكون الاسم ليس ضرورياً يعني لايدخل في العبرة مهما كان هذا النبي لأن القضية الاساس ليست بالنبي وانما برفض هؤلاء لطالوت فكان التركيز على طالوت (عليه السلام) وذكر طالوت والموقف من طالوت مع انهم هم الذين طلبوه من نبيهم هذا الامر فمهما يكون اسم هذا النبي لايؤثر على العبرة والدرس الكبير
وهذه هي القاعدة القرآنية في تناول القصص التاريخي «وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا» ما معنى منه ذكرى؟ يعني لا اتحدث ما هو اسمه وما هي عشيرته وأين كان يسكن وانما اذكر لكم ما يفيدكم في الذكر وما يكون عبرة لكم.
المحاور: طيب في سؤالنا الاخير فضيلة السيد عن هذه القصة، ماذا عن الصندوق وكيف كان فيه السكينة من الله؟
السيد عبد السلام زين العابدين: احسنتم كثيراً، الصندوق طبعاً هو ذات الصندوق الذي وضعت فيه ام موسى موسى (عليه السلام) والقته في البحر، هذا انزله الله على موسى فوضعته فيه امه والقته في اليم فكان في بني اسرائيل يتبركون به فلما حضر موسى الموت (عليه السلام) وضع فيه الالواح و وضع كذلك الدرع التي كانت عنده وما كان عنده من آيات النبوة و اودعه عند يوشع بن نون (عليه السلام) طبعاً وصي موسى والتابوت كما جاء في الروايات لم يزل بينهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به كما تنص الرواية في الطرقات فلم يزل بنو اسرائيل في عز وشرف مادام التابوت عندهم فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم فلما سألوا النبي بعث عليهم «طَالُوتَ مَلِكًا» فقاتل معهم فرد الله عليهم التابوت وطبعاً هذه الرواية يؤيدها النص
القرآني «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ».
المحاور: نعم فضيلة السيد عبد السلام زين العابدين استاذ العلوم القرأنية من قم المقدسة شكراً لكم.
*******
في رحاب اهل البيت (عليهم السلام)
وفي تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام)، قال: كان داوود وإخوة له أربعة، ومعهم أبوهم شيخ كبير، وتخلف داوود في غنم لابيه، ففصل طالوت بالجنود فدعاه أبو داوود وهو أصغرهم، فقال: يا بني اذهب إلى اخوتك بهذا الذي صنعناه لهم يتقووا به على عدوهم وكان رجلاً قصيراً قليل الشعر طاهر القلب، فخرج وقد تقارب القوم بعضهم من بعض فذكر عن أبي بصير، قال سمعته يقول:
فمر داوود على حجر فقال الحجر: يا داوود خذني واقتل بي جالوت فإني إنما خلقت لقتله، فأخذه فوضعه في مخلاته التي تكون فيها حجارته التي يرمي بها عن غنمه بمقذافه، فلما دخل العسكر سمعهم يتعظمون أمر جالوت.
فقال لهم: داوود ما تعظمون من أمره فو الله لئن عاينته لاقتلنه فحدثوا بخبره حتى أدخل على طالوت.
فقال: يا فتى وما عندك من القوة؟ وما جربت من نفسك؟
قال: كان الاسد يعدو على الشاة من غنمي فأدركه فآخذ برأسه فأفك لحييه منها فاخذها من فيه قال:
فقال: ادع لي بدرع سابغة فاتي بدرع فقذفها في عنقه فتملا منها حتى راع طالوت ومن حضره من بني إسرائيل.
فقال طالوت: والله لعسى الله أن يقتله به.
قال: فلما أن اصبحوا ورجعوا إلى طالوت والتقى الناس.
قال داوود: أروني جالوت فلما رآه أخذ الحجر فجعله في مقذافه فرماه فصك به بين عينيه فدمغه ونكس عن دابته.
وقال الناس: قتل داوود جالوت، وملكه الناس حتى لم يكن يسمع لطالوت ذكر، واجتمعت بنو إسرائيل على داوود، وأنزل الله عليه الزبور، وعلمه صنعة الحديد فلينه له، وأمر الجبال والطير يسبحن معه، قال: ولم يعط أحد مثل صوته، فأقام داوود في بني إسرائيل مستخفياً، وأعطى قود في عبادته.
وجاء في مجمع البيان عن الامام علي (عليه السلام) قال: إن السكينة التي كانت فيه ريح هفانة من الجنة لها وجه كوجه الانسان.
*******
قصة طالوت وجالوت
ورد ذكر القصة في سورة البقرة الآيات 246-251.
ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوماً وسألوه: ألسنا مظلومين؟
قال: بلى.
قالوا: ألسنا مشرّدين؟
قال: بلى.
قالوا: ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم مستعدون للقتال لو كتب عليكم القتال؟
قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
قال نبيهم: إن الله اختار لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا عليكم.
قالوا: كيف يكون ملكاً علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنياً وفينا من هو أغنى منه؟
قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
قالوا: ما هي آية مُلْكِهِ؟
قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ.
ووقعت هذه المعجزة. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلاً حتى أحس الجنود بالعطش.
قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهراً في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش.
وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، لكن جميعهم من الشجعان.
كان عدد أفراد جيش طالوت قليلاً، وكان جيش العدو كبيراً وقوياً. فشعر بعض - هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار؟!
قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ»، فثبّتوهم.
وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحداً يبارزه وخاف منه جنود طالوت جميعاً وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داوود، كان مؤمناً بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.
وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائداً على الجيش ويتزوج ابنتي ولم يكن داوود يهتـّم كثيراً لهذا الإغراء، كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله وسمح الملك لداوود أن يبارز جالوت.
وتقدم داوود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهي نبلة يستخدمها الرعاة)، تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع وسخر جالوت من داوود وأهانه وضحك منه، ووضع داوود حجراً قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.
*******
دروس وعبر
اولاً: هذا درس للعاملين في سبيل اللّه أن يقفوا موقف الحذر من كثير من المتحمسين والمندفعين الذين يطرحون الشعارات الحادّة، ويعلنون ـ في حماسٍ زائد ـ استعدادهم للجهاد والقتال في ما إذا حصلت لهم القيادة الحكيمة الصالحة، وهم يظنّون أو يأملون في أنفسهم أن لا تحصل.
ثانياً: إنَّ قضية النصر والهزيمة ليست بالقلة والكثرة، بل هي بالإيمان والتخطيط والتنظيم، والأخذ بأسباب القوّة؛ ما يجعل النصر في جانب القلة المؤمنة المنظمة، على الكثرة التي تفقد الإيمان والتنظيم والتخطيط، انطلاقاً من الشعار الذي طرحه هؤلاء المؤمنون الذين واجهوا المعركة بقلوبٍ مؤمنة واثقة باللّه: «كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»، الأمر الذي يجعل العاملين في موقع الثقة، مهما كانت قوّة الخصوم كبيرة.
ثالثاً: إنَّ قيمة الحوار في هذه القصة، هو أننا استطعنا أن نتمثّل كلّ المشاعر والأجواء التي كان يعيشها هؤلاء من خلال مواقفهم القلقة في جانب، والثابتة في جانب آخر؛ مما لا يتسنى لنا معرفته لو كانت القضية تعيش في إطار التقرير العادي للقصة. إنه الفرق بين أن يُحكى الموقف من خلال الآخرين، أو ينقل الموقف بنفسه وتتمثّله بنفسك.
رابعاً: أن يبقى المؤمن المجاهد في موقف الاستعانة باللّه، والشعور بالحاجة إليه في ما يحصل عليه من قوّة، وما يحتاج إليه من مواقف الصبر والصمود والثبات، وما يتطلّع إليه من نصر لاعتقاده بأنَّ النصر من عند اللّه أولاً وأخيراً.
خامساً: إنَّ الآية تؤكد بأنَّ الإخراج من الديار والأموال يشكِّل عدواناً على الإنسان الفرد والمجتمع، وذلك لو قام بها إنسان فردا أو جماعة، وبذلك يعتبر مبرراً للدخول في قتال ضدّ المعتدي، بحيث يعتبر ذلك شرعياً عند اللّه.