سلسبيل
11-23-2009, 07:29 AM
هيلاري كلينتون تتحدث للمرة الأولى عن «جناح عسكري» لحزب الله. مستشار للبيت الأبيض يدعو إلى الأخذ بالاعتبار التطورات التي طرأت على الحزب منذ نشأته «كمنظمة إرهابية» حتى مشاركته في الحياة السياسية. فهل هي خطوات تمهيدية نحو حوار ضمن شروط محددة؟ ما هي الأسباب وراء بوادر التحوّل في الموقف الأميركي؟
جمانة فرحات
الولايات المتحدة تتجه نحو تبنّي استراتيجية جديدة تجاه حزب الله. لا شك في أن مجرد طرح الفكرة يثير مخاوف جمّة لدى الدولة العبرية التي تخشى تعاظم نفوذ هذا التنظيم بعدما استطاع أن يتحول إلى الرقم الأصعب في المعادلة العسكرية والسياسية على الجبهة اللبنانية.
لم تجد تل أبيب مفرّاً من دق ناقوس الخطر ورفع صوت مفكريها عالياً بعدما بدأت ترصد إشارات إلى احتمال إقدام الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، على تعديل سياستها المتّبعة منذ عقود تجاه حزب الله. حذر تصاعدت وتيرته بعد التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي أوحت من خلاله بأن إدارتها بدأت تميّز بين جناحين لحزب الله؛ أحدهما عسكري «يثير القلق»، وآخر سياسي، وبعد دعوات مستشار البيت الأبيض الأعلى لشؤون الإرهاب، جون برينان، إلى تبنّي مقاربة جديدة تجاه الحزب تنطلق من «ابتعاده عن العنف بفعل انخراطه في العمل السياسي»، فضلاً عن تأكيد برينان أنه لا مفرّ من المفاوضات، التي يرى فيها خياراً أدركته كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل بالتعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينة، داعياً إلى اعتماد النهج نفسه مع حزب الله. هذا فضلاً عن همس في أروقة الأبيض بين بعض مسؤولي الإدارة الأميركية يدعو إلى «حزبلة» طالبان (أي جعلها تشبه حزب الله) سبيلاً للتوصل إلى حل للمأزق الأميركي في أفغانستان.
تصريح كلينتون المذكور جاء مقتضباً، خلال مقابلة تلفزيونية مع برنامج شارلي روز شو على شبكة «بي بي أس» التلفزيونية الأميركية، في سياق مناقشتها للخطر الإيراني. قالت إن «الإيرانيين لا يقلقوننا بسبب برنامجهم النووي فقط، إنهم يثيرون قلقنا بسبب دعمهم للإرهاب، ودعمهم للجناح العسكري لحزب الله، ودعمهم لحركة حماس، وتدخّلهم في الشؤون الداخلية لجيرانهم، في محاولة لزعزعة استقرار دول الخليج وغيرها من البلدان في جميع أنحاء المنطقة على نطاق أوسع».
هذا الحديث، الذي أتى غداة تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري بعد تعثّر دام أكثر من خمسة أشهر، رأى البعض أنه يمثّل قطيعة مع السياسة الأميركية القديمة تجاه حزب الله، المدرج منذ عام 1999 على لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة بوزراة الخارجية الأميركية، من دون أن يكون هناك أيّ فصل بين «جناحه العسكري» و«جناحه السياسي».
تحوّل أميركي!
حاولت الإدارة الأميركية، على لسان متحدث باسم خارجيتها، نفي حصول أي تحوّل في السياسة، محاولاً التخفيف من وطأة تصريحات كلينتون بالقول إن ما جاء على لسانها «يتّسق تماماً مع سياستنا القائمة. حزب الله هو منظمة إرهابية». ولكن هذا التبرير لم يقنع الكاتبة في صحيفة «ذا هافينغتون بوست»، شارمين نارواني، التي رأت أنه «إذا كان حديث كلينتون مجرد زلة لسان، إلّا أن لغتها كانت دقيقة جداً ومحددة»، معتبرةً أنه «سواء كان حديث كلينتون مقصوداً أو لا، لإعادة تعريف السياسة الأميركية تجاه حزب الله، فإنه يبدو أن التفكير في هذا الأمر داخل الإدارة قد بدأ». وشددت نارواني على أن أيّ تغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن مجموعة المقاومة اللبنانية يمكن أن يعكس هذا الواقع الجديد: «ان حزب الله شارك في انتخابات ديموقراطية وأصبح الآن جزءاً من الجسم الحكومي اللبناني الرسمي».
وترى نارواني أنه يمكن أيضاً «رصد حافز آخر محتمل وراء تغيّر في السياسة الأميركية. الحرب الكلامية بين إسرائيل وحزب الله بعد انتهاء حرب تموز التي استمرت 33 يوماً، وبروز مأزق جديد مرتبط بهزيمة إسرائيل، وهي الدولة التي تعتمد على الجانب النفسي في النصر ليكون رادعاً لجيرانها العرب. وما سبّبه ذلك من إحباط داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ترجم تحذيرات للبنان في الصيف الماضي، وصلت إلى ذروتها عندما أصبح واضحاً أنه على الرغم من أن التحالف المؤيّد للولايات المتحدة قد انتصر في الانتخابات اللبنانية، فإن تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ حزب الله كان أمراً لا مفرّ منه، ما زاد التكهنات بأن صراعاً عسكرياً آخر قد يندلع في المستقبل القريب».
ولذلك تتساءل الكاتبة «هل يمكن أن يكون تليين الإدارة الأميركية موقفها بخصوص حزب الله من أجل إعطاء الحكومة اللبنانية الجديدة دفعة للنجاح، وتحذيراً لإسرائيل في الوقت نفسه يطالبها بالتنحّي جانباً؟»، ذلك أن «الرئيس أوباما لديه الكثير في جعبته، بدءاً بالمحادثات مع إيران ـــــ عدو إسرائيل وحليف حزب الله ـــــ وإدارة الأنشطة العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق وصولاً إلى محاولة تحريك محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وآخر شيء يحتاج إليه هو توسّع نطاق النزاع المسلح في المنطقة لتحويل الأنظار عن جدول أعماله في الشرق الأوسط».
قنبلة مساعد أوباما
مهادنة بدت واضحة في آب الماضي عندما قدّم مستشار البيت الأبيض الأعلى لشؤون الإرهاب، جون برينان، الذي يُرجّح أن يعرض عليه منصب رفيع في مجلس الأمن القومي، لغة أكثر اعتدالاً عن حزب الله، خلال إحدى الندوات التي عقدت في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، «CSIS».
هل يمكن أن يكون تليين واشنطن موقفها من حزب الله من أجل إعطاء الحكومة اللبنانية الجديدة دفعة للنجاح؟فبينما أكد برينان مجدداً موقف الولايات المتحدة بشأن حزب الله كمنظمة إرهابية، إلا أنه رسم صورة مثيرة للاهتمام عنه. قال إن «حزب الله بدأ بوصفه منظمة إرهابية بحتة في بداية الثمانينيات، وتطور تطوراً كبيراً على مرّ الزمن، والآن لديه أعضاء في البرلمان، في مجلس الوزراء، وهناك محامون وأطباء وغيرهم ممن هم جزء من تنظيم حزب الله... هكذا، وبكل صراحة، أنا سعيد بأن أرى أن الكثير من أفراد حزب الله يتخلّون في الواقع عن هذا النوع من الإرهاب والعنف، ويحاولون المشاركة في العملية السياسية بطريقة مشروعة جداً». وأضاف «ومع ذلك، داخل حزب الله، لا تزال هناك نواة إرهابية، وآمل أن يُعدّ العناصر الذين ابتعدوا عن العنف داخل المجتمع الشيعي في لبنان وداخل حزب الله، تلك النواة بأنها متعارضة مع تطلّعاتهم». وتابع أنه يأمل أيضاً أن «يحاولوا اجتيازها (النواة الإرهابية) من خلال تحقيق تطلعاتهم إلى أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية في لبنان».
وفي ردّه على سؤال عن الدور الذي يجب أن تؤدّيه الولايات المتحدة، أوضح برينان أن ما فعلته بلاده «هو إثبات أن الولايات المتحدة، سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية، على استعداد للمشاركة وإجراء حوار مع أي منظمات أو جماعات هي في الواقع عاكفة على تحقيق حلول سلمية للمشاكل القائمة. وأعتقد أن هذه العناصر داخل لبنان، سواء كانوا حزب الله أو غيره، يعرفون أن الولايات المتحدة حاولت أن تكون وسيطاً أميناً جداً هناك، وتوفّر الدعم للمؤسسات اللبنانية».
وكشف الصحافي في صحيفة «ذا نايشون»، روبرت درايفوس،
في مقال بعنوان «البيت الأبيض ينفتح على حزب الله، حماس؟» في الثامن من الشهر الماضي، أن برينان أعرب له قبل تولّيه منصباً رسمياً في إدارة أوباما، لكن خلال عمله مستشاراً له لشؤون الاستخبارات، عن اعتقاده بأن «التحدث إلى حماس وحزب الله هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله». وأضاف درايفوس أنّ كلاماً كهذا «لم يقله (برينان) مجدداً بعد تعيينه في الإدارة الأميركية، إلا أنه لمّح (في الندوة المذكورة آنفاً) إلى أنه يمكن إقناع كلتا المنظمتين بالابتعاد عن استخدام العنف لتحقيق أهدافهما، وأن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات مع كلتيهما إذا فعلتا ذلك».
كلام برينان هذا استدعى في اليوم التالي لإلقائه توضيحاً من أحد المتحدثين باسم الخارجية الأميركية، روبرت وود، الذي أعاد التأكيد، في معرض ردّه على استفسار مراسل صحيفة «ذا نايشون» بشأن موقف الوزارة من هذه التصريحات، قائلاً إن «سياسة الولايات المتحدة تجاه حزب الله لم تتغيّر، ونحن لا نفرّق بين الجناحين السياسي والعسكري». وشدّد وود على أنه «حتى يقرّر حزب الله أنه سيتغيّر، ويوقف تنفيذ الأعمال الإرهابية وغيرها من الأفعال التي تسبّب عدم الاستقرار في المنطقة، ليس لدينا سبب لتغيير سياستنا».
إلا أن تصريحات المتحدث لا تبدو أنها تعكس الموقف الحقيقي لإدارة أوباما. فقد كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، في التاسع من الشهر الماضي، عن أن البعض من داخل الإدارة الأميركية «قد ذكر حزب الله، الحركة السياسية المسلحة اللبنانية، مثالاً على ما يمكن أن تصبح عليه حركة طالبان»، في إطار استراتيجية جديدة تقوم على محاولة إضعافها بدلاً من القضاء عليها. ووفقاً للصحيفة، فإنه رغم أن «الإدارة الأميركية تعدّ حزب الله منظمة إرهابية، إلّا أنه يحظى بدعم سياسي داخل لبنان ويشارك ـــــ وأحياناً من خلال التخويف ـــــ في العملية السياسية».
ووفقاً للصحيفة نفسها، فإن بعضاً من مستشاري البيت الأبيض لاحظوا أنه «على الرغم من أن حزب الله هو مصدر عدم الاستقرار في المنطقة، إلا أنه لا يمثّل تهديداً للولايات المتحدة». ولفت مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية إلى أن «مثال حزب الله لم يُستشهد به على وجه التحديد أمام الرئيس أوباما، ولكن المناقشات بشأنه أثيرت فقط في اجتماعات غير رسمية».
وعلّق طوني بدران، من مركز استراتيجيا الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، تحت عنوان «التعليق على حزب الله الأفغان؟ كن حذراً مما ترغب فيه»، بالقول إنه «سواء كان برينان المصدر وراء تقرير واشنطن بوست أو لم يكن، يمكن المرء الكشف عن أن التشابه واضح في وجهات النظر التي يثيرها بعض المستشارين في البيت الأبيض، والأدبيات العلمية التي تواكب تطوّر حزب الله، وخاصة أنصار ما يسمى لبننة حزب الله من الناحية النظرية، وفي مقدّمهم أوغسطس ريتشارد نورتون». وأضاف أن «أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن حزب الله قد تطوّر من جماعة إرهابية إلى حزب سياسي صلب، مستشهدين بذلك بابتعاد حزب الله عن النشاط الإرهابي أو على الأقل الحدّ منه بعد مشاركته في الحياة السياسية اللبنانية». وأكد بدران أن «هذا المعيار كان متّبعاً لدى جماعة حزب الله قبل اغتيال عماد مغنية في شباط 2008».
«أن نكون واقعيّين»
نظرة “الاعتدال” تجاه حزب الله سبق لجون برينان أن أعرب عنها في دراسة له بعنوان “لغز إيران: تعزيز المعتدلين من دون التسليم بالعدوانية” نُشرت في “الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية” في حزيران 2008. ففي فقرة بعنوان “أن نكون واقعيين حيال حزب الله” الذي قارب وضعه من خلال ارتباطه بإيران،
قال برينان إن “واشنطن يجب ألا تتوقع في أي وقت أن تقطع طهران علاقاتها مع حزب الله اللبناني. العلاقات السياسية والدينية بين الزعماء الإيرانيين وحزب الله هي ببساطة عميقة الجذور جداً لكي لا تتأثر بالضغوط الخارجية، سواء من الولايات المتحدة وإسرائيل، أو من أماكن أخرى”.
وأضاف “من التهوّر أن نعتقد أن حزب الله لن يبقى قوة سياسية داخل لبنان لسنوات مقبلة، بما أن المنظمة تتمتع بدعم قوي داخل الطائفة الشيعية اللبنانية، ولديها مؤسسات سياسية ورعاية اجتماعية راسخة في أنحاء البلاد”. وأوضح أن “تنامي قوة حزب الله شبه العسكرية والسياسية والاجتماعية المرنة ظهر بوضوح في عام 2006، عندما أظهرت إسرائيل عجزاً ملحوظاً عن إلحاق ضرر استراتيجي بحزب الله على الرغم من شنّ حملة عسكرية كبيرة لتحقيق ذلك”.
ولفت برينان إلى أنه مع ذلك “لن يكون مجازفة تساهل الولايات المتحدة، بل حتى التشجيع على زيادة استيعاب حزب الله في النظام السياسي في لبنان، وهي عملية تخضع للنفوذ الإيراني”، مضيفاً إن «حزب الله ممثّل بالفعل في البرلمان اللبناني، وسبق لأعضائه أن شاركوا في الحكومة اللبنانية، ما يعكس مصلحة حزب الله في صياغة المستقبل السياسي للبنان من داخل المؤسسات الحكومية”.
ورأى برينان أن “هذه المشاركة السياسية بعيدة كل البعد عن نشأة حزب الله كمنظمة إرهابية مكرّسة للقتل والخطف والعنف”. وأوضح أنه “ليس من قبيل الصدفة، ترافق تطور حزب الله إلى لاعب كليّ راسخ في النظام السياسي اللبناني مع انخفاض ملحوظ في الهجمات الإرهابية التي يقوم بها”.
وأكد أن “أفضل أمل في الحفاظ على هذا الاتجاه والحد من نفوذ المتطرفين العنيفين داخل المنظمة ـــــ فضلاً عن تأثير المسؤولين الإيرانيين المتطرفين الذين يعتبرون حزب الله في المقام الأول بمثابة بيدق لطهران ـــــ يتمثل في زيادة حصة حزب الله في التقدم في العمليات الديموقراطية في لبنان”.
إلا أن برينان كان مدركاً لحساسية الموضوع بالنسبة إلى تل أبيب، فكتب يقول “لأن إسرائيل تنظر إلى حزب الله باعتباره خصماً خطيراً ومميتاً، لن يكون من السهل الترويج له (خيار الاندماج).
وستحتاج واشنطن إلى إقناع المسؤولين الإسرائيليين بأن عليهم التخلي عن هدف القضاء على حزب الله كقوة سياسية. هذه الاستراتيجية الإسرائيلية التي استُخدمت سابقاً، لم تُجدِ مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح”.
وبعد هذه المقارنة بحركة “فتح”، خلص برينان إلى أن “تغييراً مماثلاً يجب أن يجري داخل عقول المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بالنسبة إلى حزب الله”، مشيراً إلى أن “إحدى طرق المساعدة على إحداث هذا التغيير ستكون من خلال استعداد إيران للضغط على حزب الله لوقف هجماته ضد أهداف مدنية، وأن يعلن ذلك”.
وختم وجهة نظره بالقول “وإن كانت هذه الخطوة غير كافية لإرضاء العديد من الإسرائيليّين الذين يعتبرون حزب الله تهديداً عسكرياً خطيراً، فإنها ستكون خطوة أولى إيجابية”.
ورأى برينان، في المقال نفسه، في إطار حديثه عن الدعم الإيراني للمنظمات التي يصفها بالإرهابية، أن “معظم الهجمات التي نفّذها الوكلاء الشيعة لإيران، هي في طبيعتها شبه عسكرية وموجّهة ضد أهداف مقاتلة؛ إمّا ضد الجنود الإسرائيليين على طول الحدود اللبنانية، أو قوات التحالف في العراق”.
ج. ف.
وجهات نظر سياسيّة مخيفة جدّاً!
انتقد المفكّر الإسرائيلي باري روبن، وهو باحث في مركز هرتسيليا المتعدد المجالات في إسرائيل “اي دي سي”، في مقال بعنوان “برينان حول حزب الله: لا يمكنهم أن يكونوا إرهابيين! بعد كل شيء، بعضهم من المحامين!” تحليلات جون برينان بدءاً بمفهومه للجهاد ووصولاً إلى حديثه عن العلاقة بحزب الله.
وروبن معروف بأنه ذو ميول يمينية واضحة، وهو من أهمّ الباحثين الإسرائيليين المتخصّصين في الشؤون الأميركية، ولديه اطّلاع واسع على دوائر القرار في الولايات المتحدة وما يجري في أروقة القائمين على هذه الدوائر.
ورأى روبن، الذي يؤشر كلامه إلى وجود “ما يقلق إسرائيل”، أنه “لا يكفي لمستشار أوباما لمكافحة الإرهاب، أن يقدّم خطاباً يعرض في خلاله، ربما للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، تعريفاً حكومياً لممارسة دينية، معتبراً أن الجهاد مسعى نبيل. إلا أنه أعطى موافقة أساسية لجماعة إرهابية، قتلت مئات من الأميركيين”.
وقال روبن إن “برينان يعتقد أنه يستطيع أن يعالج موضوع حزب الله ليجعله موالياً لأميركاً من دون أن يعرف الكثير عن الشرق الأوسط، لبنان وإيران والإسلام، أو حتى ما يفترض أنه خبير فيه”، في إشارة إلى موضوع الإرهاب. وذهب روبن بعيداً إلى حد اتهام برينان بأنه “غبي”، لافتاً إلى أنه لم يكن يجب تعيينه في منصبه كمسشتار لأوباما، وخصوصاً أن “أفكاره بدأ بطرحها منذ سنوات”.
بدلاً من إبعاد سوريا عن إيران، استراتيجية إدارة أوباما هي إبعاد الولايات المتحدة عن الغربوفقاً لروبن، فإن “حزب الله لا يقوم بالاندماج في النظام السياسي اللبناني”، وإن أقصى أهدافه “السيطرة على لبنان وإخراج كل النفوذ الغربي، ومحو إسرائيل عن الخريطة، وبسط حكم الإسلاميين في المنطقة بأسرها”. وأضاف إن “هدف الحد الأدنى للحزب (الذي أنجز بالفعل) هو أن يصبح القوة الوحيدة في البلاد، من أجل بناء ميليشيا قوية ومدرّبة تدريباً عالياً، لمهاجمة إسرائيل عندما يرغب، والسيطرة الكاملة على جميع المناطق الشيعية في البلاد، وخاصةً في جنوب لبنان”.
وأوضح روبن أن “مقولة برينان بأن مشاركة حزب الله في العمل السياسي والاجتماعي اللبناني من خلال نوابه وأطبائه ومحاميه ساهمت في وقف ارتكابه الأعمال الإرهابية، خاطئة”، مذكّراً إياه بـ“الحرب على إسرائيل التي سببت حرباً واسعة النطاق، كانت جد مدمّرة للبنان”، وبأن عدداً من الأطباء “قادوا منظمة التحرير الفلسطينية والجماعات الإرهابية الفلسطينية”، وبأن “كبار قادة حماس والرجل الثاني في تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري) هم أطباء”. وشدّد روبن على أن “تصريحات كهذه تدل على عدم قدرة المسؤولين في الإدارة الأميركية على الاقتناع تماماً بحقيقة أن القوة في بعض الأحيان لها تأثير ردعي”، داعياً إلى التفكير ملياً في معنى ذلك بالنسبة إلى مستقبل السياسة الخارجية الأميركية.
وتناول روبن مثلين للتدليل على أن برينان غير مدرك لطبيعة حزب الله؛ أولهما تصريح للنائب عن الحزب، نواف الموسوي، الذي وصفه بأنه “رئيس جناحه السياسي”، وقال فيه “في الأساس، دورنا في حزب الله هو الجهاد. ومن دون ذلك، لا قيمة أو دور للبنان، وإذا أتيحت لي الفرصة للعودة، لكنت قد اخترت طريق الجهاد العسكري، لأن موقع محارب حقيقي أكثر أهمية من أحد أعضاء البرلمان”.
أما المثل الثاني، فاختار روبن أن يكون مبنياً على رأي نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الذي يرى أن “كل العمل السياسي والاجتماعي والجهاد مرتبط بقرارات هذه القيادة. القيادة ذاتها التي توجّه عمل الحكومة والبرلمان، توجّه العمليات الجهادية في النضال ضد إسرائيل”.
وخلص روبن إلى التشديد على أن “حديث برينان عن قيام بعض عناصر الحزب بنبذ العنف ومحاولتهم الانخراط في العملية السياسة أمر مرفوض”، معتبراً “أنهم يشاركون في العملية السياسية لأن هذه هي المهمة التي منحتهم إيّاها المنظمة، فيما الآخرون يواصلون أنشطتهم الميليشياوية والإرهابية». كما ذكّر أيضاً بارتباطات الحزب بإيران من خلال “تمويله تسليحه الذي يصله عبر سوريا” وبأن الحزب “غزا المناطق المسيحية والدرزية، وتوقّف فقط بسبب المعارك الضارية من جانب الميليشيا الدرزية”.
لفت روبن، في مقال ثانٍ بعنوان “البيت الأبيض في ذكرى تفجير مقر المارينز في بيروت لا يستطيع أن يتذكّر من قتل 241 أميركياً”، في الثالث والعشرين من الشهر الماضي على مدوّنته الإلكترونية http://rubinreports.blogspot.com إلى أن “البيان الذي صدر عن البيت الأبيض في المناسبة، أعاد التذكير بأن التفجير عمل إرهابي، إلا أنه أغفل عن قصد أو غير قصد تحديد الجهة المنفّذة، وختم البيان بأمل العمل مع الحكومة اللبنانية من أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة ورفاهية شعبها”.
ووضع روبن البيان في سياق التعاطي الأميركي الجديد مع الحزب من وجهة نظر برينان باعتباره لم يعد “منظّمة إرهابية”. وقال روبن “هذا الرجل (برينان) جاهل بطريقة خطيرة جداً، ويحمل وجهات نظر سياسية مخيفة جداً، هناك خلل خطير في إدارة يمكن أن يكون لديها مثل هذا الرجل بوصفه مستشاراً لمكافحة الإرهاب”. وطالب روبن بالضغط على برينان “للاستقالة أو على الأقل أن يجري استجوابه جدياً وبطريقة مفصّلة حول وجهات نظره”، مشيراً إلى أنه يبدو، وفقاً لأحد المنشقّين السوريين، أنه “بدلاً من إبعاد سوريا عن إيران، استراتيجية إدارة أوباما هي إبعاد الولايات المتحدة عن الغرب”.
وعلى الرغم من هذا التهجّم الكبير على برينان، فإنّ روبن لم يخفِ حقيقة أنه يوجد الكثير من الحجج التي يمكن تسويقها لتبرير هذه التعديلات في السياسة الأميركية، وأن بعضها قد يكون مقنعاً، إلا أنه رأى أن “هناك نقطتَين مهمتين للغاية، والذهاب بعيداً جداً فيهما لا داعي إليه، وقد يكون مضراً للغاية في المستقبل”.
النقطة الأولى، المتعلّقة بحديث برينان عن انتهاء الحرب على الإرهاب وإعادة تعريف الحرب على تنظيم “القاعدة” وشركائه. وأوضح روبن أن هذا التوجّه يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد في حرب مع “الإرهابيين” عموماً، بل فقط مع أولئك الذين يستهدفونها، معتبراً أن موقف الإدارة الأميركية الجديدة يمكن تعريفه بأنه “سياسة انعزالية لمكافحة الإرهاب” تحمل رسالتين؛ الأولى موجّهة إلى “الإرهابيين” يمكن تفسيرها على النحو التالي “اعرف، أنت الإرهابي، يمكنك مهاجمة أيّ كان ولكن باستثناء الولايات المتحدة ونحن لن نرى أنك عدو بالكامل”. أما الرسالة الثانية، فرأى روبن أنها استطراداً موجّهة إلى حلفاء الولايات المتحدة، “أنتم حلفاء الولايات المتحدة، إذا جرى تفجير أناسكم في السينما والمسرح أو رمياً بالرصاص في مدرسة، أو إذا فجّر شخص قنبلة على متن طائرة مليئة بالركاب، فأفضل أمل لكم أن تستطيعوا الربط بين الجماعة المسؤولة عن الهجوم وتنظيم القاعدة أو نسيان الحصول على تأييد قوي من الولايات المتحدة”.
أما النقطة الثانية، فهي مرتبطة بموقف الولايات المتحدة من مفهوم “الجهاد”. ورأى روبن أنه يجب الانتباه لهذه النقطة جديّاً، إذ إن قول برينان إن “الرئيس أوباما لا يرى في هذا التحدي معركة ضد الجهاديين”، وقوله إن “وصف الإرهابيين باستخدام هذا المصطلح الشرعي “الجهاد” الذي يعني تزكية النفس وتطهيرها أو خوض حرب مقدّسة لأهداف أخلاقية ـــــ قد يمنح هؤلاء القتلة مظلّة شرعية دينية لطالما بحثوا عنها، مع أنهم لا يستحقونها بأي حال. والأسوأ أنه يخاطر بذلك بتعزيز الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة هي بطريقة ما في حالة حرب مع الإسلام نفسه. وهذا هو السبب في أن الرئيس أوباما واجه هذا التصور مباشرةً وبقوة في خطبه إلى الجمهور المسلم، معلناً أن أميركا ليست ولن تكون أبداً في حالة حرب مع الإسلام”.
ج. ف.
عدد السبت ٢١ تشرين الثاني ٢٠٠٩
جمانة فرحات
الولايات المتحدة تتجه نحو تبنّي استراتيجية جديدة تجاه حزب الله. لا شك في أن مجرد طرح الفكرة يثير مخاوف جمّة لدى الدولة العبرية التي تخشى تعاظم نفوذ هذا التنظيم بعدما استطاع أن يتحول إلى الرقم الأصعب في المعادلة العسكرية والسياسية على الجبهة اللبنانية.
لم تجد تل أبيب مفرّاً من دق ناقوس الخطر ورفع صوت مفكريها عالياً بعدما بدأت ترصد إشارات إلى احتمال إقدام الإدارة الأميركية، برئاسة باراك أوباما، على تعديل سياستها المتّبعة منذ عقود تجاه حزب الله. حذر تصاعدت وتيرته بعد التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي أوحت من خلاله بأن إدارتها بدأت تميّز بين جناحين لحزب الله؛ أحدهما عسكري «يثير القلق»، وآخر سياسي، وبعد دعوات مستشار البيت الأبيض الأعلى لشؤون الإرهاب، جون برينان، إلى تبنّي مقاربة جديدة تجاه الحزب تنطلق من «ابتعاده عن العنف بفعل انخراطه في العمل السياسي»، فضلاً عن تأكيد برينان أنه لا مفرّ من المفاوضات، التي يرى فيها خياراً أدركته كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل بالتعاطي مع منظمة التحرير الفلسطينة، داعياً إلى اعتماد النهج نفسه مع حزب الله. هذا فضلاً عن همس في أروقة الأبيض بين بعض مسؤولي الإدارة الأميركية يدعو إلى «حزبلة» طالبان (أي جعلها تشبه حزب الله) سبيلاً للتوصل إلى حل للمأزق الأميركي في أفغانستان.
تصريح كلينتون المذكور جاء مقتضباً، خلال مقابلة تلفزيونية مع برنامج شارلي روز شو على شبكة «بي بي أس» التلفزيونية الأميركية، في سياق مناقشتها للخطر الإيراني. قالت إن «الإيرانيين لا يقلقوننا بسبب برنامجهم النووي فقط، إنهم يثيرون قلقنا بسبب دعمهم للإرهاب، ودعمهم للجناح العسكري لحزب الله، ودعمهم لحركة حماس، وتدخّلهم في الشؤون الداخلية لجيرانهم، في محاولة لزعزعة استقرار دول الخليج وغيرها من البلدان في جميع أنحاء المنطقة على نطاق أوسع».
هذا الحديث، الذي أتى غداة تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري بعد تعثّر دام أكثر من خمسة أشهر، رأى البعض أنه يمثّل قطيعة مع السياسة الأميركية القديمة تجاه حزب الله، المدرج منذ عام 1999 على لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة بوزراة الخارجية الأميركية، من دون أن يكون هناك أيّ فصل بين «جناحه العسكري» و«جناحه السياسي».
تحوّل أميركي!
حاولت الإدارة الأميركية، على لسان متحدث باسم خارجيتها، نفي حصول أي تحوّل في السياسة، محاولاً التخفيف من وطأة تصريحات كلينتون بالقول إن ما جاء على لسانها «يتّسق تماماً مع سياستنا القائمة. حزب الله هو منظمة إرهابية». ولكن هذا التبرير لم يقنع الكاتبة في صحيفة «ذا هافينغتون بوست»، شارمين نارواني، التي رأت أنه «إذا كان حديث كلينتون مجرد زلة لسان، إلّا أن لغتها كانت دقيقة جداً ومحددة»، معتبرةً أنه «سواء كان حديث كلينتون مقصوداً أو لا، لإعادة تعريف السياسة الأميركية تجاه حزب الله، فإنه يبدو أن التفكير في هذا الأمر داخل الإدارة قد بدأ». وشددت نارواني على أن أيّ تغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن مجموعة المقاومة اللبنانية يمكن أن يعكس هذا الواقع الجديد: «ان حزب الله شارك في انتخابات ديموقراطية وأصبح الآن جزءاً من الجسم الحكومي اللبناني الرسمي».
وترى نارواني أنه يمكن أيضاً «رصد حافز آخر محتمل وراء تغيّر في السياسة الأميركية. الحرب الكلامية بين إسرائيل وحزب الله بعد انتهاء حرب تموز التي استمرت 33 يوماً، وبروز مأزق جديد مرتبط بهزيمة إسرائيل، وهي الدولة التي تعتمد على الجانب النفسي في النصر ليكون رادعاً لجيرانها العرب. وما سبّبه ذلك من إحباط داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ترجم تحذيرات للبنان في الصيف الماضي، وصلت إلى ذروتها عندما أصبح واضحاً أنه على الرغم من أن التحالف المؤيّد للولايات المتحدة قد انتصر في الانتخابات اللبنانية، فإن تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ حزب الله كان أمراً لا مفرّ منه، ما زاد التكهنات بأن صراعاً عسكرياً آخر قد يندلع في المستقبل القريب».
ولذلك تتساءل الكاتبة «هل يمكن أن يكون تليين الإدارة الأميركية موقفها بخصوص حزب الله من أجل إعطاء الحكومة اللبنانية الجديدة دفعة للنجاح، وتحذيراً لإسرائيل في الوقت نفسه يطالبها بالتنحّي جانباً؟»، ذلك أن «الرئيس أوباما لديه الكثير في جعبته، بدءاً بالمحادثات مع إيران ـــــ عدو إسرائيل وحليف حزب الله ـــــ وإدارة الأنشطة العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق وصولاً إلى محاولة تحريك محادثات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. وآخر شيء يحتاج إليه هو توسّع نطاق النزاع المسلح في المنطقة لتحويل الأنظار عن جدول أعماله في الشرق الأوسط».
قنبلة مساعد أوباما
مهادنة بدت واضحة في آب الماضي عندما قدّم مستشار البيت الأبيض الأعلى لشؤون الإرهاب، جون برينان، الذي يُرجّح أن يعرض عليه منصب رفيع في مجلس الأمن القومي، لغة أكثر اعتدالاً عن حزب الله، خلال إحدى الندوات التي عقدت في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، «CSIS».
هل يمكن أن يكون تليين واشنطن موقفها من حزب الله من أجل إعطاء الحكومة اللبنانية الجديدة دفعة للنجاح؟فبينما أكد برينان مجدداً موقف الولايات المتحدة بشأن حزب الله كمنظمة إرهابية، إلا أنه رسم صورة مثيرة للاهتمام عنه. قال إن «حزب الله بدأ بوصفه منظمة إرهابية بحتة في بداية الثمانينيات، وتطور تطوراً كبيراً على مرّ الزمن، والآن لديه أعضاء في البرلمان، في مجلس الوزراء، وهناك محامون وأطباء وغيرهم ممن هم جزء من تنظيم حزب الله... هكذا، وبكل صراحة، أنا سعيد بأن أرى أن الكثير من أفراد حزب الله يتخلّون في الواقع عن هذا النوع من الإرهاب والعنف، ويحاولون المشاركة في العملية السياسية بطريقة مشروعة جداً». وأضاف «ومع ذلك، داخل حزب الله، لا تزال هناك نواة إرهابية، وآمل أن يُعدّ العناصر الذين ابتعدوا عن العنف داخل المجتمع الشيعي في لبنان وداخل حزب الله، تلك النواة بأنها متعارضة مع تطلّعاتهم». وتابع أنه يأمل أيضاً أن «يحاولوا اجتيازها (النواة الإرهابية) من خلال تحقيق تطلعاتهم إلى أن يكونوا جزءاً من العملية السياسية في لبنان».
وفي ردّه على سؤال عن الدور الذي يجب أن تؤدّيه الولايات المتحدة، أوضح برينان أن ما فعلته بلاده «هو إثبات أن الولايات المتحدة، سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية، على استعداد للمشاركة وإجراء حوار مع أي منظمات أو جماعات هي في الواقع عاكفة على تحقيق حلول سلمية للمشاكل القائمة. وأعتقد أن هذه العناصر داخل لبنان، سواء كانوا حزب الله أو غيره، يعرفون أن الولايات المتحدة حاولت أن تكون وسيطاً أميناً جداً هناك، وتوفّر الدعم للمؤسسات اللبنانية».
وكشف الصحافي في صحيفة «ذا نايشون»، روبرت درايفوس،
في مقال بعنوان «البيت الأبيض ينفتح على حزب الله، حماس؟» في الثامن من الشهر الماضي، أن برينان أعرب له قبل تولّيه منصباً رسمياً في إدارة أوباما، لكن خلال عمله مستشاراً له لشؤون الاستخبارات، عن اعتقاده بأن «التحدث إلى حماس وحزب الله هو الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله». وأضاف درايفوس أنّ كلاماً كهذا «لم يقله (برينان) مجدداً بعد تعيينه في الإدارة الأميركية، إلا أنه لمّح (في الندوة المذكورة آنفاً) إلى أنه يمكن إقناع كلتا المنظمتين بالابتعاد عن استخدام العنف لتحقيق أهدافهما، وأن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات مع كلتيهما إذا فعلتا ذلك».
كلام برينان هذا استدعى في اليوم التالي لإلقائه توضيحاً من أحد المتحدثين باسم الخارجية الأميركية، روبرت وود، الذي أعاد التأكيد، في معرض ردّه على استفسار مراسل صحيفة «ذا نايشون» بشأن موقف الوزارة من هذه التصريحات، قائلاً إن «سياسة الولايات المتحدة تجاه حزب الله لم تتغيّر، ونحن لا نفرّق بين الجناحين السياسي والعسكري». وشدّد وود على أنه «حتى يقرّر حزب الله أنه سيتغيّر، ويوقف تنفيذ الأعمال الإرهابية وغيرها من الأفعال التي تسبّب عدم الاستقرار في المنطقة، ليس لدينا سبب لتغيير سياستنا».
إلا أن تصريحات المتحدث لا تبدو أنها تعكس الموقف الحقيقي لإدارة أوباما. فقد كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، في التاسع من الشهر الماضي، عن أن البعض من داخل الإدارة الأميركية «قد ذكر حزب الله، الحركة السياسية المسلحة اللبنانية، مثالاً على ما يمكن أن تصبح عليه حركة طالبان»، في إطار استراتيجية جديدة تقوم على محاولة إضعافها بدلاً من القضاء عليها. ووفقاً للصحيفة، فإنه رغم أن «الإدارة الأميركية تعدّ حزب الله منظمة إرهابية، إلّا أنه يحظى بدعم سياسي داخل لبنان ويشارك ـــــ وأحياناً من خلال التخويف ـــــ في العملية السياسية».
ووفقاً للصحيفة نفسها، فإن بعضاً من مستشاري البيت الأبيض لاحظوا أنه «على الرغم من أن حزب الله هو مصدر عدم الاستقرار في المنطقة، إلا أنه لا يمثّل تهديداً للولايات المتحدة». ولفت مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية إلى أن «مثال حزب الله لم يُستشهد به على وجه التحديد أمام الرئيس أوباما، ولكن المناقشات بشأنه أثيرت فقط في اجتماعات غير رسمية».
وعلّق طوني بدران، من مركز استراتيجيا الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، تحت عنوان «التعليق على حزب الله الأفغان؟ كن حذراً مما ترغب فيه»، بالقول إنه «سواء كان برينان المصدر وراء تقرير واشنطن بوست أو لم يكن، يمكن المرء الكشف عن أن التشابه واضح في وجهات النظر التي يثيرها بعض المستشارين في البيت الأبيض، والأدبيات العلمية التي تواكب تطوّر حزب الله، وخاصة أنصار ما يسمى لبننة حزب الله من الناحية النظرية، وفي مقدّمهم أوغسطس ريتشارد نورتون». وأضاف أن «أصحاب هذا الرأي يعتقدون أن حزب الله قد تطوّر من جماعة إرهابية إلى حزب سياسي صلب، مستشهدين بذلك بابتعاد حزب الله عن النشاط الإرهابي أو على الأقل الحدّ منه بعد مشاركته في الحياة السياسية اللبنانية». وأكد بدران أن «هذا المعيار كان متّبعاً لدى جماعة حزب الله قبل اغتيال عماد مغنية في شباط 2008».
«أن نكون واقعيّين»
نظرة “الاعتدال” تجاه حزب الله سبق لجون برينان أن أعرب عنها في دراسة له بعنوان “لغز إيران: تعزيز المعتدلين من دون التسليم بالعدوانية” نُشرت في “الأكاديمية الأميركية للعلوم السياسية والاجتماعية” في حزيران 2008. ففي فقرة بعنوان “أن نكون واقعيين حيال حزب الله” الذي قارب وضعه من خلال ارتباطه بإيران،
قال برينان إن “واشنطن يجب ألا تتوقع في أي وقت أن تقطع طهران علاقاتها مع حزب الله اللبناني. العلاقات السياسية والدينية بين الزعماء الإيرانيين وحزب الله هي ببساطة عميقة الجذور جداً لكي لا تتأثر بالضغوط الخارجية، سواء من الولايات المتحدة وإسرائيل، أو من أماكن أخرى”.
وأضاف “من التهوّر أن نعتقد أن حزب الله لن يبقى قوة سياسية داخل لبنان لسنوات مقبلة، بما أن المنظمة تتمتع بدعم قوي داخل الطائفة الشيعية اللبنانية، ولديها مؤسسات سياسية ورعاية اجتماعية راسخة في أنحاء البلاد”. وأوضح أن “تنامي قوة حزب الله شبه العسكرية والسياسية والاجتماعية المرنة ظهر بوضوح في عام 2006، عندما أظهرت إسرائيل عجزاً ملحوظاً عن إلحاق ضرر استراتيجي بحزب الله على الرغم من شنّ حملة عسكرية كبيرة لتحقيق ذلك”.
ولفت برينان إلى أنه مع ذلك “لن يكون مجازفة تساهل الولايات المتحدة، بل حتى التشجيع على زيادة استيعاب حزب الله في النظام السياسي في لبنان، وهي عملية تخضع للنفوذ الإيراني”، مضيفاً إن «حزب الله ممثّل بالفعل في البرلمان اللبناني، وسبق لأعضائه أن شاركوا في الحكومة اللبنانية، ما يعكس مصلحة حزب الله في صياغة المستقبل السياسي للبنان من داخل المؤسسات الحكومية”.
ورأى برينان أن “هذه المشاركة السياسية بعيدة كل البعد عن نشأة حزب الله كمنظمة إرهابية مكرّسة للقتل والخطف والعنف”. وأوضح أنه “ليس من قبيل الصدفة، ترافق تطور حزب الله إلى لاعب كليّ راسخ في النظام السياسي اللبناني مع انخفاض ملحوظ في الهجمات الإرهابية التي يقوم بها”.
وأكد أن “أفضل أمل في الحفاظ على هذا الاتجاه والحد من نفوذ المتطرفين العنيفين داخل المنظمة ـــــ فضلاً عن تأثير المسؤولين الإيرانيين المتطرفين الذين يعتبرون حزب الله في المقام الأول بمثابة بيدق لطهران ـــــ يتمثل في زيادة حصة حزب الله في التقدم في العمليات الديموقراطية في لبنان”.
إلا أن برينان كان مدركاً لحساسية الموضوع بالنسبة إلى تل أبيب، فكتب يقول “لأن إسرائيل تنظر إلى حزب الله باعتباره خصماً خطيراً ومميتاً، لن يكون من السهل الترويج له (خيار الاندماج).
وستحتاج واشنطن إلى إقناع المسؤولين الإسرائيليين بأن عليهم التخلي عن هدف القضاء على حزب الله كقوة سياسية. هذه الاستراتيجية الإسرائيلية التي استُخدمت سابقاً، لم تُجدِ مع منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح”.
وبعد هذه المقارنة بحركة “فتح”، خلص برينان إلى أن “تغييراً مماثلاً يجب أن يجري داخل عقول المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية بالنسبة إلى حزب الله”، مشيراً إلى أن “إحدى طرق المساعدة على إحداث هذا التغيير ستكون من خلال استعداد إيران للضغط على حزب الله لوقف هجماته ضد أهداف مدنية، وأن يعلن ذلك”.
وختم وجهة نظره بالقول “وإن كانت هذه الخطوة غير كافية لإرضاء العديد من الإسرائيليّين الذين يعتبرون حزب الله تهديداً عسكرياً خطيراً، فإنها ستكون خطوة أولى إيجابية”.
ورأى برينان، في المقال نفسه، في إطار حديثه عن الدعم الإيراني للمنظمات التي يصفها بالإرهابية، أن “معظم الهجمات التي نفّذها الوكلاء الشيعة لإيران، هي في طبيعتها شبه عسكرية وموجّهة ضد أهداف مقاتلة؛ إمّا ضد الجنود الإسرائيليين على طول الحدود اللبنانية، أو قوات التحالف في العراق”.
ج. ف.
وجهات نظر سياسيّة مخيفة جدّاً!
انتقد المفكّر الإسرائيلي باري روبن، وهو باحث في مركز هرتسيليا المتعدد المجالات في إسرائيل “اي دي سي”، في مقال بعنوان “برينان حول حزب الله: لا يمكنهم أن يكونوا إرهابيين! بعد كل شيء، بعضهم من المحامين!” تحليلات جون برينان بدءاً بمفهومه للجهاد ووصولاً إلى حديثه عن العلاقة بحزب الله.
وروبن معروف بأنه ذو ميول يمينية واضحة، وهو من أهمّ الباحثين الإسرائيليين المتخصّصين في الشؤون الأميركية، ولديه اطّلاع واسع على دوائر القرار في الولايات المتحدة وما يجري في أروقة القائمين على هذه الدوائر.
ورأى روبن، الذي يؤشر كلامه إلى وجود “ما يقلق إسرائيل”، أنه “لا يكفي لمستشار أوباما لمكافحة الإرهاب، أن يقدّم خطاباً يعرض في خلاله، ربما للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، تعريفاً حكومياً لممارسة دينية، معتبراً أن الجهاد مسعى نبيل. إلا أنه أعطى موافقة أساسية لجماعة إرهابية، قتلت مئات من الأميركيين”.
وقال روبن إن “برينان يعتقد أنه يستطيع أن يعالج موضوع حزب الله ليجعله موالياً لأميركاً من دون أن يعرف الكثير عن الشرق الأوسط، لبنان وإيران والإسلام، أو حتى ما يفترض أنه خبير فيه”، في إشارة إلى موضوع الإرهاب. وذهب روبن بعيداً إلى حد اتهام برينان بأنه “غبي”، لافتاً إلى أنه لم يكن يجب تعيينه في منصبه كمسشتار لأوباما، وخصوصاً أن “أفكاره بدأ بطرحها منذ سنوات”.
بدلاً من إبعاد سوريا عن إيران، استراتيجية إدارة أوباما هي إبعاد الولايات المتحدة عن الغربوفقاً لروبن، فإن “حزب الله لا يقوم بالاندماج في النظام السياسي اللبناني”، وإن أقصى أهدافه “السيطرة على لبنان وإخراج كل النفوذ الغربي، ومحو إسرائيل عن الخريطة، وبسط حكم الإسلاميين في المنطقة بأسرها”. وأضاف إن “هدف الحد الأدنى للحزب (الذي أنجز بالفعل) هو أن يصبح القوة الوحيدة في البلاد، من أجل بناء ميليشيا قوية ومدرّبة تدريباً عالياً، لمهاجمة إسرائيل عندما يرغب، والسيطرة الكاملة على جميع المناطق الشيعية في البلاد، وخاصةً في جنوب لبنان”.
وأوضح روبن أن “مقولة برينان بأن مشاركة حزب الله في العمل السياسي والاجتماعي اللبناني من خلال نوابه وأطبائه ومحاميه ساهمت في وقف ارتكابه الأعمال الإرهابية، خاطئة”، مذكّراً إياه بـ“الحرب على إسرائيل التي سببت حرباً واسعة النطاق، كانت جد مدمّرة للبنان”، وبأن عدداً من الأطباء “قادوا منظمة التحرير الفلسطينية والجماعات الإرهابية الفلسطينية”، وبأن “كبار قادة حماس والرجل الثاني في تنظيم القاعدة (أيمن الظواهري) هم أطباء”. وشدّد روبن على أن “تصريحات كهذه تدل على عدم قدرة المسؤولين في الإدارة الأميركية على الاقتناع تماماً بحقيقة أن القوة في بعض الأحيان لها تأثير ردعي”، داعياً إلى التفكير ملياً في معنى ذلك بالنسبة إلى مستقبل السياسة الخارجية الأميركية.
وتناول روبن مثلين للتدليل على أن برينان غير مدرك لطبيعة حزب الله؛ أولهما تصريح للنائب عن الحزب، نواف الموسوي، الذي وصفه بأنه “رئيس جناحه السياسي”، وقال فيه “في الأساس، دورنا في حزب الله هو الجهاد. ومن دون ذلك، لا قيمة أو دور للبنان، وإذا أتيحت لي الفرصة للعودة، لكنت قد اخترت طريق الجهاد العسكري، لأن موقع محارب حقيقي أكثر أهمية من أحد أعضاء البرلمان”.
أما المثل الثاني، فاختار روبن أن يكون مبنياً على رأي نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الذي يرى أن “كل العمل السياسي والاجتماعي والجهاد مرتبط بقرارات هذه القيادة. القيادة ذاتها التي توجّه عمل الحكومة والبرلمان، توجّه العمليات الجهادية في النضال ضد إسرائيل”.
وخلص روبن إلى التشديد على أن “حديث برينان عن قيام بعض عناصر الحزب بنبذ العنف ومحاولتهم الانخراط في العملية السياسة أمر مرفوض”، معتبراً “أنهم يشاركون في العملية السياسية لأن هذه هي المهمة التي منحتهم إيّاها المنظمة، فيما الآخرون يواصلون أنشطتهم الميليشياوية والإرهابية». كما ذكّر أيضاً بارتباطات الحزب بإيران من خلال “تمويله تسليحه الذي يصله عبر سوريا” وبأن الحزب “غزا المناطق المسيحية والدرزية، وتوقّف فقط بسبب المعارك الضارية من جانب الميليشيا الدرزية”.
لفت روبن، في مقال ثانٍ بعنوان “البيت الأبيض في ذكرى تفجير مقر المارينز في بيروت لا يستطيع أن يتذكّر من قتل 241 أميركياً”، في الثالث والعشرين من الشهر الماضي على مدوّنته الإلكترونية http://rubinreports.blogspot.com إلى أن “البيان الذي صدر عن البيت الأبيض في المناسبة، أعاد التذكير بأن التفجير عمل إرهابي، إلا أنه أغفل عن قصد أو غير قصد تحديد الجهة المنفّذة، وختم البيان بأمل العمل مع الحكومة اللبنانية من أجل تعزيز الاستقرار في المنطقة ورفاهية شعبها”.
ووضع روبن البيان في سياق التعاطي الأميركي الجديد مع الحزب من وجهة نظر برينان باعتباره لم يعد “منظّمة إرهابية”. وقال روبن “هذا الرجل (برينان) جاهل بطريقة خطيرة جداً، ويحمل وجهات نظر سياسية مخيفة جداً، هناك خلل خطير في إدارة يمكن أن يكون لديها مثل هذا الرجل بوصفه مستشاراً لمكافحة الإرهاب”. وطالب روبن بالضغط على برينان “للاستقالة أو على الأقل أن يجري استجوابه جدياً وبطريقة مفصّلة حول وجهات نظره”، مشيراً إلى أنه يبدو، وفقاً لأحد المنشقّين السوريين، أنه “بدلاً من إبعاد سوريا عن إيران، استراتيجية إدارة أوباما هي إبعاد الولايات المتحدة عن الغرب”.
وعلى الرغم من هذا التهجّم الكبير على برينان، فإنّ روبن لم يخفِ حقيقة أنه يوجد الكثير من الحجج التي يمكن تسويقها لتبرير هذه التعديلات في السياسة الأميركية، وأن بعضها قد يكون مقنعاً، إلا أنه رأى أن “هناك نقطتَين مهمتين للغاية، والذهاب بعيداً جداً فيهما لا داعي إليه، وقد يكون مضراً للغاية في المستقبل”.
النقطة الأولى، المتعلّقة بحديث برينان عن انتهاء الحرب على الإرهاب وإعادة تعريف الحرب على تنظيم “القاعدة” وشركائه. وأوضح روبن أن هذا التوجّه يشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد في حرب مع “الإرهابيين” عموماً، بل فقط مع أولئك الذين يستهدفونها، معتبراً أن موقف الإدارة الأميركية الجديدة يمكن تعريفه بأنه “سياسة انعزالية لمكافحة الإرهاب” تحمل رسالتين؛ الأولى موجّهة إلى “الإرهابيين” يمكن تفسيرها على النحو التالي “اعرف، أنت الإرهابي، يمكنك مهاجمة أيّ كان ولكن باستثناء الولايات المتحدة ونحن لن نرى أنك عدو بالكامل”. أما الرسالة الثانية، فرأى روبن أنها استطراداً موجّهة إلى حلفاء الولايات المتحدة، “أنتم حلفاء الولايات المتحدة، إذا جرى تفجير أناسكم في السينما والمسرح أو رمياً بالرصاص في مدرسة، أو إذا فجّر شخص قنبلة على متن طائرة مليئة بالركاب، فأفضل أمل لكم أن تستطيعوا الربط بين الجماعة المسؤولة عن الهجوم وتنظيم القاعدة أو نسيان الحصول على تأييد قوي من الولايات المتحدة”.
أما النقطة الثانية، فهي مرتبطة بموقف الولايات المتحدة من مفهوم “الجهاد”. ورأى روبن أنه يجب الانتباه لهذه النقطة جديّاً، إذ إن قول برينان إن “الرئيس أوباما لا يرى في هذا التحدي معركة ضد الجهاديين”، وقوله إن “وصف الإرهابيين باستخدام هذا المصطلح الشرعي “الجهاد” الذي يعني تزكية النفس وتطهيرها أو خوض حرب مقدّسة لأهداف أخلاقية ـــــ قد يمنح هؤلاء القتلة مظلّة شرعية دينية لطالما بحثوا عنها، مع أنهم لا يستحقونها بأي حال. والأسوأ أنه يخاطر بذلك بتعزيز الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة هي بطريقة ما في حالة حرب مع الإسلام نفسه. وهذا هو السبب في أن الرئيس أوباما واجه هذا التصور مباشرةً وبقوة في خطبه إلى الجمهور المسلم، معلناً أن أميركا ليست ولن تكون أبداً في حالة حرب مع الإسلام”.
ج. ف.
عدد السبت ٢١ تشرين الثاني ٢٠٠٩