المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصريون يدفعون سنوياً 53 مليون جنيه للست عافية وأبوحجر والشيخ عباطة



جمال
11-22-2009, 01:52 AM
6 آلاف ضريح في أرض الكنانة معظمها مزيف ومع ذلك فالنذور تنهال عليها

خبراء الآثار: 50 في المئة منها على الأقل مزيف والحكايات عنها مجرد خيال

د.منصور النوبي: مجرد بيزنس وتجارة رابحة نتيجة جهل الناس

د. محمد الدسوقي: تصديق الناس للخرافات وراء انتشارها

علماء الدين: لا فرق بين ضريح حقيقي ومزيف... كلاهما شرك بالله

القاهرة - رشا الطهطاوي:

اذا كنت تعانين من عدم قدرتك على الانجاب فعليك بزيارة الست عافية في سوهاج, واذا كان عندك مرض نفسي فعليك بزيارة ابو الحسن الشاذلي في البحر الاحمر واذا كنت تجاوزت سن الزواج فزيارة واحدة لدير الابيض بمدينة سوهاج تفك عقدتك واذا كنت من المريدين وفي حاجة للصفاء الذهني فالسيدة عائشة أو الحسين هما الملاذان الوحيدان امامك.

مئات بل آلاف الاضرحة تنتشر في القرى والمدن المصرية حتى اصبح لكل قرية شيخ يتبركون به ويمجدونه ويتضرعون اليه بغية قضاء حوائجهم او شفاء مرضاهم, يضعون النذور ويذبحون الذبائح في "المولد" المخصص له ويتوافدون اليه من كل مدينة, ولكل ضريح من تلك الاضرحة خادم يستقبل النذور ويكون مسؤولا عن خدمة الضريح أو المقام وغالبا ما تكون له هيبة حيث يعتبره الناس خاصة في القرى واسطة قوية للولي فيناله نصيب من هذه النذور والذبائح والولائم رغم اننا لا نعلم اين تذهب تلك النذور وفي اي شيء يتم صرفها?

البعض اعتبر ان تلك الاضرحة مجرد اضرحة وهمية وخزعبلات وخرافات وبيزنس يقوم عليه بعض الجهلاء والنصابين بهدف التربح والتكسب مستغلا جهل العامة وحاجتهم, والبعض الآخر يرى أن الاضرحة حقيقة وهي قبور لاولياء صالحين, حاولنا البحث والتدقيق ومراجعة بعض الخبراء للوقوف على حقيقة الامر, وحاولنا عمل رصد لبعض الاضرحة المزيفة الموجودة في مصر للتعرف على اصحابها الحقيقيين وركزنا على الاضرحة في القرى غير المعروفة.

بدأنا بضريح ومقام "الست عافية" في محافظة سوهاج" يقول اهل المنطقة انها كانت سيدة مبروكة وكان لها قدرة على شفاء المرضي بمجرد الاستحمام بمنزلها ويذهب اليها الناس في كل يوم جمعة وداخل المقام "حمامات" يقوم المرضى بالاستحمام فيها بهدف الشفاء لكن بعض العارفين بالامور في المساجد أكدوا انه لا يوجد اصلا رفات في هذا المقام بل مجرد عادة جرت ولا يستطيع الناس أن يصدقوا ذلك وان خدام المكان يأخذون النذور ويقومون بتقسيمها فيما بينهم.
ومن أهم القرى التي ظهرت فيها الأضرحة المزيفة قرية سيف الدين مركز الزرقا بمحافظة دمياط, وفيها قبة الشيخ "عصام" وهو طفل ولد مجذوبا لأب من مواليد 1901 يعمل مفتشا بأحد المعاهد الأزهرية. لكن الناس اتخذت منه وليا من دون أي سبب ويقام له مولد سنوي.

وهناك الشيخ "طه زروق" وتقول القصة الشائعة عنه انه استطاع أن يحيي حمارا بعد موته بثلاثة عشر يوما ولذلك اعتقدوا ان له قدرات خرافية في علاج المرضى واصبح قبره مزارا وله مريدون ايضا.
وفي منطقة بولاق ابو العلا " يتخذ الناس الشيخ " ابو العلا " وليا ويقال انه يرجع تاريخيا إلى الشيخ أبو محمد يوسف عبد الله التكروري وكان رجلا تقيا.

وفي قرية" ميت اشنا " في المنصورة يعتقد الناس في حجر يقول انه مكان قبر ونصبه الناس وليا يمتلك من الكرامات الكثير ويتبركون به رغم انهم لم يذكروا ماهية الكرامات أو اي معلومة حقيقية عنه, فقط ولي من الصالحين لكنهم لا يعرفون اسمه ويدعون أن هذا الحجر ¯ يعالج السيدات العاقرات, وذلك عندما تذهب السيدة عند هذا الحجر وتدور حوله بعد خلع ملابسها كاملة, كما تقوم بغسل جسدها بالماء الموجود فوق هذا الحجر ¯ على شكل عين تخرج مياه من باطن الأرض, كما يعالج هذا الحجر المبروك من وجهة نظر زائريه ¯ أنواعا أخرى من الأمراض منها السيدات اللاتي

انقطع لبنهن وأصبحن لا يستطعن إرضاع أطفالهن فيرجع اللبن اليهن بزيارة هذا الحجر, وعمل هذه الطقوس الغريبة. حتى الجاموس والبقر المصابة بالعقم وقلة اللبن يقوم الحجر بعلاجها أيضا.
ومن الاضرحة المزيفة مقام سيدي "عباطة" والموجود بمقابر سيد جلال بالقاهرة ويقول الناس انه كان شيخا مبروكا له قدرات علاجية خاصة لمرضي العقم " وعلاج المس و"الخضة" والحقيقة انه كان طفلا متخلفا عقليا ثم مات.

ومقام حسن الذوق الموجود في شارع المعز بالقاهرة والذي نصبه الناس وليا من أولياء الله الصالحين الا ان الرواية التاريخية تقول: ان القبر لرجل مغربي كان محبا للقاهرة جدا وعندما حاول اولاده اخذه من القاهرة الى المغرب رغما عنه مات على مدخل القاهرة ودفن بها فكان المثل الشهير: "الذوق ما خرجش من مصر" نسبة له إلا أن أهل الحي جعلوا منه شيخا ووليا من أولياء الله فصنعوا فتحة في القبة لإلقاء النقود ومن ثم الحصول على البركة منه.كما ان هناك

الشيخ "ياسر", والذي يعاني من تخلف عقلي لأب نجار وأم خياطة ثم نصب وليا في المنصورة, والشيخة سناء التي توفيت عن عمر يناهز 30 عاما وقد ولدت متخلفة عقليا ايضا ونصبت كسيدة مبروكة ولها كرامات. وايضا هناك ضريح باسم "راكب الحجر" في القاهرة بجوار بئر مخصص لعلاج العقم فقط, حيث يطلب من النساء الدوران حوله سبع مرات لشفائهن من العقم.

إحصائيات

رغم رصدنا لبعض الاضرحة والمقامات الوهمية الا انه ليس هناك احصائيات واضحة عن كل الاضرحة الموجودة في مصر وان كان معظم خبراء الآثار أكدوا ان 50 في المئة منها على الاقل مزيف أو ان الحكايات عنها من ضرب الخيال.

الدراسة الوحيدة التي حاولت رصد عدد الاضرحة في مصر قام بها عالم الاجتماع د. سيد عويس"والذي قال ان مصر تضم نحو 2850 ضريحا يقام لها موالد, يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة والذين لا تمنعهم بعد المسافات من السفر والذهاب للتبرك بالاولياء الصالحين أما الاحصائيات الاخيرة والصادرة عن المجلس الاعلى للآثار فتقول ان هناك أكثر من 6 آلاف ضريح في مصر معظمها مزيف, اما الاموال التي تصرف ويجمعها خدام تلك الاضرحة حسب احصائية وزارة الاوقاف المصرية بلغت نحو 53 مليون جنية عام 2006 تزايدت خلال الاعوام الثلاثة السابقة.

التحليل التاريخي والديني

يقول الدكتور منصور النوبي استاذ الآثار الاسلامية: تلك الخرافات والخزعبلات ترجع الى العصر المملوكي والعثماني وخرجت على أيدي مجموعة من المتصوفين والذين كان يطلق عليهم الدراويش وكانت تسمى بيوتهم بالخانقاوات والتي تحورت بعد ذلك لتصبح الخانكة او مستشفى المجانين وكانت بيوتا للعلم عندما انشأها صلاح الدين الايويي وكان الملوك يغدقون عليهم بالاموال والطعام, ويعتبرالفاطميون أول من وجهوا المصريين لتلك العادات ويقال أن كل الاضرحة ذات الاسماء الوهمية هي اختراع فاطمي واستمرت العادة الى وقتنا الحاضر ولان البعض تنبأ لوله الناس

وعشقهم للاولياء والتمسح فيهم وهم غالبا من الشريحة الفقيرة ذات المستوى التعليمي المنخفض ووجدوها افضل وسيلة للربح السريع واصبح أمامهم حلان إما ان يتمسحوا في مقام الولي ويصبحوا من خدامه وبذلك يستولون على أموال النذور خاصة في القرى الصغيرة والمقامات التي لا يعرف ولا يسمع احد عنها ويقومون بالترويج للولي وكراماته وبذلك يزداد عدد الزبائن والنذور ويذكرني ذلك بقصة قديمة نذكرها دائما عندما نتحدث عن القبور والمقامات الوهمية والتي غالبا لا يكون فيها رفات أموات وايضا كلها اسماء وهمية "وهي قصة "احنا دافنينوا سوا" وهي كلمة منتشرة في مصر ويقال ان شخصين في احدى القرى قديما عندما وجدوا اهل القرية مولعين بالشيوخ

والاولياء قررا عمل ضريح وهمي وقاما بذبح حمار ودفناه وروجا على انه شيخ له كرامات وعندما ازدادت اموال النذور اختلفا واخذ يهدد كل منهما الآخر بكلمة "احنا دافنينوا سوا" اذن فالموضوع يدخل فيه نصب بنسبة كبيرة وللاسف ان الناس والمصريين خاصة يقومون بتصديق مثل هذه الخرافات والامور الغيبية وهم بذلك يساعدون النصابين والذين غالبا ما يكونون خدام المقام المزعوم في تسهيل مهمتهم والاستخفاف بعقولهم.

ويبين الدكتور عاطف العراقي استاذ الفلسفة الاسلامية في بحث مفصل له أن هناك فارقا بين الاضرحة الوهمية والنصب والدجل وبين فكرة التمسح في الضريح وهناك اضرحة في مصر قد تختلف القصص حولها ولكنها موجودة وحقيقية مثل الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة والسيدة عائشة وغيرها من الاضرحة المعروفة وقد نختلف دينيا حول فكرة التبرك بها الا انها غير مزيفة ولكن المشكلة تكمن في الاضرحة الصغيرة في القرى والتي تكون بعيدة عن الاعين فهي التي تحدث فيها التجاوزات والنصب وسرقة الناس والنذور بالاضافة الى اعمال السحر والشعوذة والتي تتم باسم الشيخ الخيالي.

ويرى الدكتور محمد الدسوقي استاذ علم الاجتماع بجامعة طنطا ان التحليل النفسي والاجتماعي لتلك الظاهرة يرجع لطبيعة المصريين, فهم في الاساس من اكثر الناس حبا لآل البيت ولذلك فهم يؤمنون بفكرة المقام والتضرع الى اولياء الله لقضاء حاجاتهم وذلك على مختلف المستويات العلمية ولكن الامر يختلف في القرى الصغيرة فهناك فقر ونسبة جهل تجعل الناس لديها استعداد نفسي لتصديق الخرافات وطبعا لانها مجتمعات صغيرة فاخبار الكرامات وتضخيمها تجعل من أي شخص عادي وليا أو رجلا خارقا له كرامات كثيرة خاصة أن أصحاب المصالح والذين يتخذون من تلك الاضرحة سبوبة يهللون ويروجون للولي الصالح ويستطيعون بكل بساطة كسب ثقة وتعاطف العامة.

يؤكد د. عبد الحميد مدكور أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة وعضو المجمع اللغوي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ القبور مساجد, واشتد نهيه في ذلك حتى لعن فاعليه وأشار إلى انه لا يجوز بناء الأضرحة والمقامات على القبور وان الأصل ان تبنى القبور خارج المساجد وان الدفن الشرعي لابد وان يكون في مكان عادي بان يشق لحد في التراب ولا يبنى عليه بنيان أو قبة, خشية ان يتوجه الناس لاصحاب القبور بالدعاء والاستغاثة والتوسل والاستعانة بهم لان هذا يتعارض مع عقيدة التوحيد التي تجعل الأمر كله مرهونا بإرادة الله عز وجل وأن انتشار تلك المظاهر نتيجة ضعف العقيدة وعدم الالتزام بأحكام الشريعة.

ويقول الدكتور - عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الاسلامية: هذه خزعبلات وخرافات ليس لها أساس من الصحة وبعد الناس عن دينهم هو السبب وراء تصديق بعضهم لتلك الخرافات وانه لا فرق بين ضريح وهمي وضريح حقيقي فالشرك بالله هو شرك سواء كان في ضريح صغير أو ضريح كبير.