المهدى
09-08-2004, 10:02 AM
سمير عطا الله
تدفع «الدية» كما هو معروف، اذا اقدم احدهم على قتل رجل ما. ولكي لا ينتقم اهل القتيل من اهل القاتل، يدفع اهل القاتل الدية وتتم المصالحة. في العراق اختطف «الجيش الاسلامي» صحافيين فرنسيين ويريد من ذويهما، الدولة الفرنسية في هذه الحال، ان تدفع «فدية» قدرها 5 ملايين دولار. الواقع ان حجم تجارة الخطف في العراق خلال الاشهر الاخيرة يكاد يفوق موازنة وزارة الداخلية. فكل من احتاج الى مصروف اضافي في الازمة الاقتصادية اقدم على خطف سائق شاحنة او صحافي. تجارة سهلة ومربحة وشبه مضمونة ايضاً. والرأسمال تقريباً لا شيء: كثير من الوحشية وقليل من القحة.
وقد تطورت تجارة الخطف في بغداد الى صناعة فنية، فالذين ذبحوا الرهينة المصري عبد العال صوروا المشهد على فيديو يباع الآن في الاسواق بآلاف النسخ. ويقول مراسل «رويترز» ان محلاً واحداً يبيع 300 الى 400 سي. دي في الاسبوع. ولا بد انه رقم لا تحلم به نانسي عجرم او روبي. فلكل جمهوره في هذه الحال. ومشهد روبي تتلوى ليس اظرف بكثير من مشهد المصري عبد العال جاثماً تحت اقدام الملثمين، يعترف بأنه جاسوس للاميركيين، وبعد اعترافه يستل مقنَّع خنجره ويحز به رأس الجاسوس ويرميه جانباً. هل يرفع شارة النصر ايضاً؟ لا ادري. «رويترز» لا تطلعنا على الخاتمة السعيدة للشريط بأكثر من المشهد الحضاري المتمثل في عملية قطع الرأس. هل يوضع الرأس في كيس بلاستيكي ويحفظ في الثلاجة؟
ايضاً «رويترز» لا تدخل في التفاصيل المبهجة.
تكشف الحروب بعضاً من اعماق الغرائز الوحشية التي تخفيها عادة حالات السلم والقانون والخوف من العقاب. وخلال الحرب في لبنان، تبادل الفريقان اسوأ انواع الوحشيات والهمجيات. وكان اكثرها فظاعة الخطف والقنص والقتل على الهوية. اي عدم الاكتفاء باهراق الدم بين المتقاتلين بل نقل القتل والموت الى اناس لا يعرفهم قاتلهم ولا يعرف من هم ولا الى اين هم ذاهبون ولا مسلكهم في الحياة. وفي غياب القضاء العادي او الرسمي يتولى «المحاكمة» جزارون، لا يعرفون من امور الدنيا شيئاً سوى السكاكين. اما كيف ليد بشرية ان تمتد الى عنق رهين اعزل بهذه السهولة، فلأن الحرب تعبئة وحشية قبل اي شيء.
قضى عبد العال من دون مقايضة ومن دون ثمن. وفي بعض الحالات يكون الموت، حتى بالسكين البطولية، حلاً سعيداً للرهينة. ويفهم مما رواه السائقون السبعة الذين يعملون لشركة كويتية، ان الموت يصبح مطلباً امام ما يلقاه المختطفون على ايدي خاطفيهم. والمخطوفون اللبنانيون الذين عادوا الى اهاليهم في بيروت، تحدثوا الى الصحافيين وشكروا جميعهم الخاطفين واعربوا عن امتنانهم «للمعاملة»، لكنهم سارعوا طبعاً الى الاعراب عن سرورهم للخروج من الجحيم. وانا شخصياً لا اشاهد «الفيديو ـ كليب» على انواعه. وشكراً للريموت. لكن اذا خيرت بين مشاهدة روبي وعبد العال فإنني اضرع الى ربي الا اعيش الى يوم اقبل فيه ان اشاهد ذبح متهم في «محكمة» من هذا النوع، بمجرد تلاوة الحكم، او بمجرد «اقرار» المتهم وهو تحت اقدام المقنعين.
تدفع «الدية» كما هو معروف، اذا اقدم احدهم على قتل رجل ما. ولكي لا ينتقم اهل القتيل من اهل القاتل، يدفع اهل القاتل الدية وتتم المصالحة. في العراق اختطف «الجيش الاسلامي» صحافيين فرنسيين ويريد من ذويهما، الدولة الفرنسية في هذه الحال، ان تدفع «فدية» قدرها 5 ملايين دولار. الواقع ان حجم تجارة الخطف في العراق خلال الاشهر الاخيرة يكاد يفوق موازنة وزارة الداخلية. فكل من احتاج الى مصروف اضافي في الازمة الاقتصادية اقدم على خطف سائق شاحنة او صحافي. تجارة سهلة ومربحة وشبه مضمونة ايضاً. والرأسمال تقريباً لا شيء: كثير من الوحشية وقليل من القحة.
وقد تطورت تجارة الخطف في بغداد الى صناعة فنية، فالذين ذبحوا الرهينة المصري عبد العال صوروا المشهد على فيديو يباع الآن في الاسواق بآلاف النسخ. ويقول مراسل «رويترز» ان محلاً واحداً يبيع 300 الى 400 سي. دي في الاسبوع. ولا بد انه رقم لا تحلم به نانسي عجرم او روبي. فلكل جمهوره في هذه الحال. ومشهد روبي تتلوى ليس اظرف بكثير من مشهد المصري عبد العال جاثماً تحت اقدام الملثمين، يعترف بأنه جاسوس للاميركيين، وبعد اعترافه يستل مقنَّع خنجره ويحز به رأس الجاسوس ويرميه جانباً. هل يرفع شارة النصر ايضاً؟ لا ادري. «رويترز» لا تطلعنا على الخاتمة السعيدة للشريط بأكثر من المشهد الحضاري المتمثل في عملية قطع الرأس. هل يوضع الرأس في كيس بلاستيكي ويحفظ في الثلاجة؟
ايضاً «رويترز» لا تدخل في التفاصيل المبهجة.
تكشف الحروب بعضاً من اعماق الغرائز الوحشية التي تخفيها عادة حالات السلم والقانون والخوف من العقاب. وخلال الحرب في لبنان، تبادل الفريقان اسوأ انواع الوحشيات والهمجيات. وكان اكثرها فظاعة الخطف والقنص والقتل على الهوية. اي عدم الاكتفاء باهراق الدم بين المتقاتلين بل نقل القتل والموت الى اناس لا يعرفهم قاتلهم ولا يعرف من هم ولا الى اين هم ذاهبون ولا مسلكهم في الحياة. وفي غياب القضاء العادي او الرسمي يتولى «المحاكمة» جزارون، لا يعرفون من امور الدنيا شيئاً سوى السكاكين. اما كيف ليد بشرية ان تمتد الى عنق رهين اعزل بهذه السهولة، فلأن الحرب تعبئة وحشية قبل اي شيء.
قضى عبد العال من دون مقايضة ومن دون ثمن. وفي بعض الحالات يكون الموت، حتى بالسكين البطولية، حلاً سعيداً للرهينة. ويفهم مما رواه السائقون السبعة الذين يعملون لشركة كويتية، ان الموت يصبح مطلباً امام ما يلقاه المختطفون على ايدي خاطفيهم. والمخطوفون اللبنانيون الذين عادوا الى اهاليهم في بيروت، تحدثوا الى الصحافيين وشكروا جميعهم الخاطفين واعربوا عن امتنانهم «للمعاملة»، لكنهم سارعوا طبعاً الى الاعراب عن سرورهم للخروج من الجحيم. وانا شخصياً لا اشاهد «الفيديو ـ كليب» على انواعه. وشكراً للريموت. لكن اذا خيرت بين مشاهدة روبي وعبد العال فإنني اضرع الى ربي الا اعيش الى يوم اقبل فيه ان اشاهد ذبح متهم في «محكمة» من هذا النوع، بمجرد تلاوة الحكم، او بمجرد «اقرار» المتهم وهو تحت اقدام المقنعين.