بركان
11-07-2009, 06:57 AM
تبعثر التنظيم الإرهابي عالمياً لا يعني أكثر من اقتسام أعداد الضحايا
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/11/07/9148e639-9956-4677-8121-462e01351eee_main.jpg
ترجمة شاهر عبيد - النهار
أمضى مؤلف هذا المقال نصف قرن في دراسة ظاهرة الارهاب وخططه وخرج من ذلك بنتيجة هي ان «القاعدة» من دون موقع جغرافي محدد يؤيه هو أكثر سطوة على شن هجمات ارهابية على نطاق واسع.
ومع تكشف النقاشات المتداولة حول نوايا ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاستراتيجية في أفغانستان يدرس البيت الأبيض بتمهل ما اذا كان «القاعدة» في الواقع يبحث عن مكان آمن له في أفغانستان أي ما اذا كان يريد رقعة جغرافية يسيطر عليها الطالبان هناك من أجل تجميع قواه والهجوم على الولايات المتحدة مرة ثانية هذا السيناريو يشكك فيه عدد من أبرز الباحثين وفي صفحة الرأي في «واشنطن بوست» كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس بشيء من الغموض قائلا ان «القاعدة» لا يحتاج الى اراض أفغانية لكي يشكل تهديدا اقليميا او عالميا، لكن... يبدو أن هاس على خطأ صحيح ان «القاعدة» تم اضعافه بشكل لافت منذ نهاية 2001 فان الفرصة الوحيدة التي يمكن ان تتاح لها لاعادة تنظيم قدراته بما يمكنه من شن هجوم واسع النطاق ضد الولايات المتحدة ماتزال متوافرة لـ«القاعدة».
ويبدو ان استنتاجات هاس المعترضة مستمدة من الآتي: ان الارهابيين ليسوا بحاجة الى فضاء فعلي جغرافي لانهم يحسنون التخطيط عبر الشبكة العنكبوتية وان التفجيرات في لندن ومدريد يمكن التحكم بمثلها وتخطيطها داخل مواقع مدينة غربية تحت أنوف أجهزة الاستخبارات المحلية والأمن وان حرمان الارهابيين من ملجأ آمن من شأنه بكل بساطة اجبارهم على الانتقال الى منطقة أخرى لا تسود فيها القوانين.
خمس سنوات قضيتها في مجال البحث والتحليل لدى البنتاغون حول نشاط الارهابيين درست خلالها جيدا كل الأعمال الأمنية التى نفذوها من مدريد الى لندن وحتى اعتداءات نيويورك خلال سبتمبر 2001 وما يقال هنا ربما يمتازبأهميته بالمعنى المجرد الا انه ليس منسجما في حالة محددة يمكن ان نطلق عليها صفة الخطورة اي القيام بشن هجوم واسع النطاق يوجهه «القاعدة» ضد الولايات المتحدة.
ولا شك في صحة مقولة ان الجماعات الارهابية على سبيل المثال، يمكنها القيام بكثير من المغامرات بالاستعانة بالانترنت، ثم ان الأفراد بامكانهم الاستمرار في الاتصال مع هذه الجماعات عبر برنامج الدردشة في الغرف السرية كما يمكنهم نقل الأموال باستخدام الشبكة وتنزيل مواد اعلامية مثل الكتيبات ومطبوعات بسيطة ارشادية حول كيفية تصنيع المتفجرات، وكذلك تنزيل صورلأهداف مرشحة للضرب اضافة الى صور لمواقع وأبنية.
الا ان حسابات الايميل وغرف الدردشة ووسائل الاعلام المتاحة لا تكفي لذلك لابد من بديل للأمان والثقة من خلال اللقاءات الفعلية والتدريب المشترك على أداء العمليات الارهابية الكبرى المعقدة في النصف البعيد من الكرة الارضية.
وكما حدث في 11 سبتمبر فان مدبر الاعتداءات خالد الشيخ محمد عمد الى تدريب عناصر ارهابية خلال سلسلة من الدورات على طول الحدود الافغانية الباكستانية، وتضمنت تلك الدورات تدريبات لياقة بدنية وقتالا بالأسلحة وكذلك استخدام الأسلحة الشخصية المخصصة للقتال القريب مع التعريف بالثقافة الغربية واللغة الانكليزية وذكرت اللجنة التي أعدت تقرير اعتداءات سبتمبر ان خالد الشيخ كان ينتقي عناصره من الشبان المتميزين جسديا وعقليا لتدريبهم حتى وان كانت العمليات تتطلب استخداما مكثفا للأسلحة وبراعة شخصية يتكفل بها التدريب.
وبمقارنة هذه الامور المباشرة مع النشاط عبر الانترنت يتضح ان الارهابيين بامكانهم الحصول على تدريب جيد باستخدام الشبكة وهي تفوق من حيث أهميتها وأمنها البرامج المباشرة عبر دورات فعلية في الموقع، كذلك لنلاحظ الامور من زاوية أخرى: فأنت لست في حاجة لكي ترسل أطقم البحارة الأميركيين عناصرهم الى ميدان القتال قبل تدريبهم باشراف مدربين أكفاء وعمليين في حين كان خالد الشيخ يجمع بين دور المدرب النظري والعسكري.
الشيء الثاني هو ان النقاد يجادلون بان تفجيرات مدريد 2004(راح ضحيتها 191 شخصا) مثل التفجيرات التي حدثت في لندن بعد حوالي سنة (56 قتيلا) كانت الى حد بعيد - وليس بصورة كاملة- قد استلهمت وأعدت ونفذت في الداخل (باسبانيا ولندن) الامرالذي يفترض عدم حاجة الارهابيين الى مكان آمن لهم.
وفي جميع الحالات فان اعتداءات سبتمبر بنيويورك (3000 قتيل) كانت مختلفة عن التفجيرين الآخرين في مدريد ولندن اللذين كانا بسيطين وواسعين وفي كلتا المدينتين كان المسرح هو ذاته عملياً، حيث كان المشاركون في العمل الارهابي ما بين أربعة إلى ثمانية عناصر كل ما يحتاجون إليه هو العثور على مسكن لهم وإنزال برنامج كيفية صنع المتفجرات ثم شراء المواد المتفجرة من وكلاء التوزيع والتحضر لساعة الصفر.
وهكذا فإن هذه التفجيرات التي لم يأبه منفذوها بقيمة الحياة لدى الأوروبي كانت أشبه بالتحضر لتجربة في أي مختبر مدرسي.
وبهذا المقياس كانت تفجيرات سبتمبر أقرب إلى التدرب على صناعة قنبلة نووية. لقد كانت ذات قوة أعظم، ذلك أنها احتاجت إلى عشرين شخصاً من ذوي التدريب الهائل وقدرة على التستر والتسلل الى الاجواء الأميركية لتنفيذ عملياتهم الأربع بكل دراية ومعرفة.
وفي احدى المرات اضطر خالد الشيخ إلى تعليم منفذي عمليات 11 سبتمبر على اطلاق النار للوراء من على متن دراجة مسرعة، كأمر احترازي.
ومن المؤكد أن لا أحد بوسعه القيام بذلك من غرفة النوم- إذ ان الأمر يحتاج إلى مكان للتدريب وزمان وقدرات عالية ورباطة جأش تامة غير التي لدى من يستمع للقصة.
ان المخطط الذي يكبر كلما كبر عدد المشاركين فيه وتبعاً لحجم الهدف وبعده من «القاعدة»، ودرجة تعقيدات العمليات اللوجستية فإن الحاجة إلى فضاء أنسب لتقليل فرصة الانكشاف. الشيء الآخر الممكن قوله هو ان حرمان القاعدة من مكان آمن لا معنى له عمليا فلو طرد أسامة بن لادن إلى خارج أفغانستان فإنه سيلجأ إلى أماكن أخرى من مناطق الحكم فيها ضعيف ومع هذا فإن هذه المناقشة تنطوي على مغالطتين هما: ان «القاعدة» تنظيم متحرك وإن صلاته الدولية أو بالأحرى الجماعات التابعة لها سيتحركون لمساعدة اللاجئين.
الواقع أن هذين الافتراضين على خطأ، إن ابن لادن وأتباعه القادة معروفون لدى أجهزة الاستخبارات كلها في العالم وأي محاولة يقوم بها للهرب فضلاً عن اجتياز الحدود الدولية (باستثناء الحدود الأفغانية الباكستانية) يمثل عمليا اما محاولة غير واردة أو عملاً خطراً للغاية، فالانتقال يتطلب من القاعدة إعادة النظر بتوجهاته المالية وشبكات التهريب التي يملكها.
وبالمثل سنجد أن أتباع ابن لادن من القادة لن يجدوا ترحيباً سهلاً في الخارج، أي خارج أماكنهم الجبلية الحالية ومع ان القاعدة أقام «فروعا مرخصة باسمه في شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وهناك صلات بين قادته ونقاط اتصال أخرى على درجة كبيرة من التعقيد.. وهناك مجموعات مثل الفرع في شمال أفريقيا القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ويسعدها تبني أفكار «القاعدة» وانتحال صفته من أجل تنظيم العناصر وجمع الأموال، مع أن هذه الجماعات لاتشارك «القاعدة» بالضرورة في أهدافه الإيديولوجية، فالتنظيم المسمى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» يركز أكثر على استهداف الحكومة الجزائرية أو المجتمعات الغريبة داخل الجزائر كونها لاتمتلك قدرات طائلة ولارغبة لديها في القيام بعمليات ارهابية عبر العالم.
وأخيراً ان المتطوعين الذين يلتحقون بجماعة الشمال الأفريقي، يأتون غالباً عن طريق شبكات مستقلة في أوروبا وليس من معسكرات تدريب ولامن خط دوراند (وهي حدود غير واضحة المعالم جيداً بين أفغانستان وباكستان).ولو فكرنا في علاقات مثل تلك التي في القوانين لديك فستقول إن هؤلاء قد يفكرون في المشاركة بالاسم (اسم القاعدة) ولكنهم ربما يرفضون استقبال «القاعدة» لمدة ثلاثة أسابيع مثلاً.
كذلك إن القادة الاقليميين لا يبدون متحمسين جداً للقيادات القديمة، خذ على سبيل المثال أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق هذا الرجل تلقى دعوات عدة للالتحاق بمنظمة «القاعدة» مع ابن لادن باعتباره قائداً لمجموعة ارهابية في العراق، ولكنه رفض تلك الدعوات لأنه كان يتجنب السفر كما يرفض تلقي أوامر من ابن لادن.
وأخيراً فإن موقعاً آمناً لـ«القاعدة» في جنوب أفغانستان هو الأفضل كمنطلق لعملياته الارهابية الواسعة ضد الولايات المتحدة.ولاشك في أن العمليات الأقل تعقيداً والأصغر حجماً يمكن الإعداد لها بالاستغناء عن الأراضي الأفغانية ولكنها ستكون أقل فتكا بالأميركيين والتأثير عليهم.ومن سوء الطالع أن هذا هو الخيار الذي يتعين على الرئيس باراك اوباما قبوله إذ لا يمكن لأي قوات استخباراتية أو مناهضة للارهاب أن تؤمن الولايات المتحدة تماما.وحيال هذا فإن الرئيس اوباما مضطر لتجنب حدوث عملية كبرى ضد بلاده وذلك عن طريق عدم السماح لـ«القاعدة» بامتلاك منطقة آمنة لممارسة عمله منها.
عن «فورين بوليسي»
http://www.annaharkw.com/annahar/Resources/ArticlesPictures/2009/11/07/9148e639-9956-4677-8121-462e01351eee_main.jpg
ترجمة شاهر عبيد - النهار
أمضى مؤلف هذا المقال نصف قرن في دراسة ظاهرة الارهاب وخططه وخرج من ذلك بنتيجة هي ان «القاعدة» من دون موقع جغرافي محدد يؤيه هو أكثر سطوة على شن هجمات ارهابية على نطاق واسع.
ومع تكشف النقاشات المتداولة حول نوايا ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الاستراتيجية في أفغانستان يدرس البيت الأبيض بتمهل ما اذا كان «القاعدة» في الواقع يبحث عن مكان آمن له في أفغانستان أي ما اذا كان يريد رقعة جغرافية يسيطر عليها الطالبان هناك من أجل تجميع قواه والهجوم على الولايات المتحدة مرة ثانية هذا السيناريو يشكك فيه عدد من أبرز الباحثين وفي صفحة الرأي في «واشنطن بوست» كتب رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس بشيء من الغموض قائلا ان «القاعدة» لا يحتاج الى اراض أفغانية لكي يشكل تهديدا اقليميا او عالميا، لكن... يبدو أن هاس على خطأ صحيح ان «القاعدة» تم اضعافه بشكل لافت منذ نهاية 2001 فان الفرصة الوحيدة التي يمكن ان تتاح لها لاعادة تنظيم قدراته بما يمكنه من شن هجوم واسع النطاق ضد الولايات المتحدة ماتزال متوافرة لـ«القاعدة».
ويبدو ان استنتاجات هاس المعترضة مستمدة من الآتي: ان الارهابيين ليسوا بحاجة الى فضاء فعلي جغرافي لانهم يحسنون التخطيط عبر الشبكة العنكبوتية وان التفجيرات في لندن ومدريد يمكن التحكم بمثلها وتخطيطها داخل مواقع مدينة غربية تحت أنوف أجهزة الاستخبارات المحلية والأمن وان حرمان الارهابيين من ملجأ آمن من شأنه بكل بساطة اجبارهم على الانتقال الى منطقة أخرى لا تسود فيها القوانين.
خمس سنوات قضيتها في مجال البحث والتحليل لدى البنتاغون حول نشاط الارهابيين درست خلالها جيدا كل الأعمال الأمنية التى نفذوها من مدريد الى لندن وحتى اعتداءات نيويورك خلال سبتمبر 2001 وما يقال هنا ربما يمتازبأهميته بالمعنى المجرد الا انه ليس منسجما في حالة محددة يمكن ان نطلق عليها صفة الخطورة اي القيام بشن هجوم واسع النطاق يوجهه «القاعدة» ضد الولايات المتحدة.
ولا شك في صحة مقولة ان الجماعات الارهابية على سبيل المثال، يمكنها القيام بكثير من المغامرات بالاستعانة بالانترنت، ثم ان الأفراد بامكانهم الاستمرار في الاتصال مع هذه الجماعات عبر برنامج الدردشة في الغرف السرية كما يمكنهم نقل الأموال باستخدام الشبكة وتنزيل مواد اعلامية مثل الكتيبات ومطبوعات بسيطة ارشادية حول كيفية تصنيع المتفجرات، وكذلك تنزيل صورلأهداف مرشحة للضرب اضافة الى صور لمواقع وأبنية.
الا ان حسابات الايميل وغرف الدردشة ووسائل الاعلام المتاحة لا تكفي لذلك لابد من بديل للأمان والثقة من خلال اللقاءات الفعلية والتدريب المشترك على أداء العمليات الارهابية الكبرى المعقدة في النصف البعيد من الكرة الارضية.
وكما حدث في 11 سبتمبر فان مدبر الاعتداءات خالد الشيخ محمد عمد الى تدريب عناصر ارهابية خلال سلسلة من الدورات على طول الحدود الافغانية الباكستانية، وتضمنت تلك الدورات تدريبات لياقة بدنية وقتالا بالأسلحة وكذلك استخدام الأسلحة الشخصية المخصصة للقتال القريب مع التعريف بالثقافة الغربية واللغة الانكليزية وذكرت اللجنة التي أعدت تقرير اعتداءات سبتمبر ان خالد الشيخ كان ينتقي عناصره من الشبان المتميزين جسديا وعقليا لتدريبهم حتى وان كانت العمليات تتطلب استخداما مكثفا للأسلحة وبراعة شخصية يتكفل بها التدريب.
وبمقارنة هذه الامور المباشرة مع النشاط عبر الانترنت يتضح ان الارهابيين بامكانهم الحصول على تدريب جيد باستخدام الشبكة وهي تفوق من حيث أهميتها وأمنها البرامج المباشرة عبر دورات فعلية في الموقع، كذلك لنلاحظ الامور من زاوية أخرى: فأنت لست في حاجة لكي ترسل أطقم البحارة الأميركيين عناصرهم الى ميدان القتال قبل تدريبهم باشراف مدربين أكفاء وعمليين في حين كان خالد الشيخ يجمع بين دور المدرب النظري والعسكري.
الشيء الثاني هو ان النقاد يجادلون بان تفجيرات مدريد 2004(راح ضحيتها 191 شخصا) مثل التفجيرات التي حدثت في لندن بعد حوالي سنة (56 قتيلا) كانت الى حد بعيد - وليس بصورة كاملة- قد استلهمت وأعدت ونفذت في الداخل (باسبانيا ولندن) الامرالذي يفترض عدم حاجة الارهابيين الى مكان آمن لهم.
وفي جميع الحالات فان اعتداءات سبتمبر بنيويورك (3000 قتيل) كانت مختلفة عن التفجيرين الآخرين في مدريد ولندن اللذين كانا بسيطين وواسعين وفي كلتا المدينتين كان المسرح هو ذاته عملياً، حيث كان المشاركون في العمل الارهابي ما بين أربعة إلى ثمانية عناصر كل ما يحتاجون إليه هو العثور على مسكن لهم وإنزال برنامج كيفية صنع المتفجرات ثم شراء المواد المتفجرة من وكلاء التوزيع والتحضر لساعة الصفر.
وهكذا فإن هذه التفجيرات التي لم يأبه منفذوها بقيمة الحياة لدى الأوروبي كانت أشبه بالتحضر لتجربة في أي مختبر مدرسي.
وبهذا المقياس كانت تفجيرات سبتمبر أقرب إلى التدرب على صناعة قنبلة نووية. لقد كانت ذات قوة أعظم، ذلك أنها احتاجت إلى عشرين شخصاً من ذوي التدريب الهائل وقدرة على التستر والتسلل الى الاجواء الأميركية لتنفيذ عملياتهم الأربع بكل دراية ومعرفة.
وفي احدى المرات اضطر خالد الشيخ إلى تعليم منفذي عمليات 11 سبتمبر على اطلاق النار للوراء من على متن دراجة مسرعة، كأمر احترازي.
ومن المؤكد أن لا أحد بوسعه القيام بذلك من غرفة النوم- إذ ان الأمر يحتاج إلى مكان للتدريب وزمان وقدرات عالية ورباطة جأش تامة غير التي لدى من يستمع للقصة.
ان المخطط الذي يكبر كلما كبر عدد المشاركين فيه وتبعاً لحجم الهدف وبعده من «القاعدة»، ودرجة تعقيدات العمليات اللوجستية فإن الحاجة إلى فضاء أنسب لتقليل فرصة الانكشاف. الشيء الآخر الممكن قوله هو ان حرمان القاعدة من مكان آمن لا معنى له عمليا فلو طرد أسامة بن لادن إلى خارج أفغانستان فإنه سيلجأ إلى أماكن أخرى من مناطق الحكم فيها ضعيف ومع هذا فإن هذه المناقشة تنطوي على مغالطتين هما: ان «القاعدة» تنظيم متحرك وإن صلاته الدولية أو بالأحرى الجماعات التابعة لها سيتحركون لمساعدة اللاجئين.
الواقع أن هذين الافتراضين على خطأ، إن ابن لادن وأتباعه القادة معروفون لدى أجهزة الاستخبارات كلها في العالم وأي محاولة يقوم بها للهرب فضلاً عن اجتياز الحدود الدولية (باستثناء الحدود الأفغانية الباكستانية) يمثل عمليا اما محاولة غير واردة أو عملاً خطراً للغاية، فالانتقال يتطلب من القاعدة إعادة النظر بتوجهاته المالية وشبكات التهريب التي يملكها.
وبالمثل سنجد أن أتباع ابن لادن من القادة لن يجدوا ترحيباً سهلاً في الخارج، أي خارج أماكنهم الجبلية الحالية ومع ان القاعدة أقام «فروعا مرخصة باسمه في شمال أفريقيا وجنوب شرق آسيا وهناك صلات بين قادته ونقاط اتصال أخرى على درجة كبيرة من التعقيد.. وهناك مجموعات مثل الفرع في شمال أفريقيا القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ويسعدها تبني أفكار «القاعدة» وانتحال صفته من أجل تنظيم العناصر وجمع الأموال، مع أن هذه الجماعات لاتشارك «القاعدة» بالضرورة في أهدافه الإيديولوجية، فالتنظيم المسمى «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» يركز أكثر على استهداف الحكومة الجزائرية أو المجتمعات الغريبة داخل الجزائر كونها لاتمتلك قدرات طائلة ولارغبة لديها في القيام بعمليات ارهابية عبر العالم.
وأخيراً ان المتطوعين الذين يلتحقون بجماعة الشمال الأفريقي، يأتون غالباً عن طريق شبكات مستقلة في أوروبا وليس من معسكرات تدريب ولامن خط دوراند (وهي حدود غير واضحة المعالم جيداً بين أفغانستان وباكستان).ولو فكرنا في علاقات مثل تلك التي في القوانين لديك فستقول إن هؤلاء قد يفكرون في المشاركة بالاسم (اسم القاعدة) ولكنهم ربما يرفضون استقبال «القاعدة» لمدة ثلاثة أسابيع مثلاً.
كذلك إن القادة الاقليميين لا يبدون متحمسين جداً للقيادات القديمة، خذ على سبيل المثال أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق هذا الرجل تلقى دعوات عدة للالتحاق بمنظمة «القاعدة» مع ابن لادن باعتباره قائداً لمجموعة ارهابية في العراق، ولكنه رفض تلك الدعوات لأنه كان يتجنب السفر كما يرفض تلقي أوامر من ابن لادن.
وأخيراً فإن موقعاً آمناً لـ«القاعدة» في جنوب أفغانستان هو الأفضل كمنطلق لعملياته الارهابية الواسعة ضد الولايات المتحدة.ولاشك في أن العمليات الأقل تعقيداً والأصغر حجماً يمكن الإعداد لها بالاستغناء عن الأراضي الأفغانية ولكنها ستكون أقل فتكا بالأميركيين والتأثير عليهم.ومن سوء الطالع أن هذا هو الخيار الذي يتعين على الرئيس باراك اوباما قبوله إذ لا يمكن لأي قوات استخباراتية أو مناهضة للارهاب أن تؤمن الولايات المتحدة تماما.وحيال هذا فإن الرئيس اوباما مضطر لتجنب حدوث عملية كبرى ضد بلاده وذلك عن طريق عدم السماح لـ«القاعدة» بامتلاك منطقة آمنة لممارسة عمله منها.
عن «فورين بوليسي»