المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفات الشهداء ....عبدالنبي العطار



فاتن
11-06-2009, 03:39 AM
كتب عبدالنبي العطار : القبس

أعلم يقيناً ان الغالبية العظمى من الأخوة في العراق، سواء الرسميون منهم أو المواطنون، يشاطرون أخوتهم في الكويت ذوي المفقودين والشهداء آلام الفرقة وحرقة غياب المعلومات عن احبائهم. فقد ذاق اكثرهم المرارة نفسها على يد صدام وزبانيته، وعليه فالمعاناة واحدة، ولكن ملاحظاتي موجهة للقلة التي ترى عدم جدوى بل وعدم شرعية اصرار الكويت - كل الكويت - الرسمية والشعبية على استعادة المفقودين - اثر غزو صدام للكويت عام 1990 - الاحياء أو رفات من كانوا قد رزقوا الشهادة.

بداية نعلم أن كل الرسالات السماوية والمذاهب الانسانية بجميع توجهاتها تجمع على احترام الانسان ليس فقط الحي، بل المتوفى أيضا، حتى ان أكثرها يرى أن ابراز هذا الاحترام بعد الوفاة يعد من الكمالات الانسانية وعنوان تحضر المجتمعات،

ومن ثم نرى ان ظاهرة الاصرار على استرجاع رفات المتوفين الى أوطانهم ظاهرة انسانية ممتدة عبر كل ثقافات العالم، ولا تجد كياناً سياسياً يحترم شعبه ومواطنيه يفرّط في المطالبة بهذا الحق، والأمثلة لا تكاد تحصى، فمطالبة الولايات المتحدة باسترجاع رفات جنودها الذين قضوا في فيتنام على اساس انساني واكبته استجابة انسانية فيتنامية لهذا المطلب رغم مرارة الذكريات التي يحملها الفيتناميون تجاه هؤلاء الغزاة. ونجاح اللبنانيين في استرجاع اسراهم ورفات شهدائهم ما كان ليتم لولا ايمانهم بعدالة وانسانية قضية الأسرى والشهداء، ومن هذا المنطلق أيضاً اعادوا رفات القتلى الاسرائيليين. وللهدف نفسه،

أي احترام الانسان حياً وميتاً، كان اصرار الأشقاء في السعودية على اعادة رفات الشهيد الطيار السعودي الذي استشهد اثناء عمليات تحرير الكويت وكان لهم ما ارادوا لأنها قضية حق وقضية انسانية.

وبالتالي لا تخرج مطالبتنا باسترجاع اسرانا الاحياء أو رفات من كانوا شهداء عن هذا المنطلق، وأقول للقلة الرافضة لعودتهم والتي تحاول تسييس هذه القضية ونقلها من خانتها الانسانية ووضعها في علبة التجاذبات السياسية:

ارجوكم تحلّوا بشيء من العقل وشيء من الانسانية، بماذا تضركم عودة هذه الجثامين الطاهرة الى ذويها؟

ماذا يضركم لو تضمدت بعض جراحات ذوي الشهداء النفسية والعاطفية؟

ماذا يسوءكم لو عادت تلكم الأجساد الى وطنها لتدفن في ثراه الطاهر؟ نحن في الكويت قد تعالينا على جراحات الماضي ولكن لأهالي الشهداء الحق في أن يكون شهداؤهم الى قربهم، وقبورهم متاحة لهم للزيارة، وتحقيق هذا المطلب ليس بالعسير ولا هو بالأمر الذي يُنقص احداً مقامه او يهز له مكانة، بل على العكس فإن المساهمة في عودة تلكم الجثامين الطاهرة الى الكويت ستعزز حالة المودة وتزيل الحنق والحقد وتبني جسوراً من المحبة والاحترام، وهي وسيلة راقية لابراز العقلية الحضارية التي يتم التعامل بها مع الآخر.

نعم الجميع مطالب بطيّ صفحة الماضي والبدء بصفحة جديدة، ولكن هذا لا يتسنى فقط بتقديم التنازلات من طرف دون الآخر ولا بالتغاضي عن أداء الحقوق لأصحابها.

وصحيح أن الشهداء احياء يرزقون فرحين بما اتاهم الله من فضله، ولكن من حق اهاليهم أن يشاطروهم هذا الفرح وشيئا من رزق الله بعد أن تقرّ أعينهم بقرب مراقد ابنائهم الى جوارهم.

د. عبدالنبي العطار


abdul_2345@yahoo.com