المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإسلام منهم براء، انهم يستهدفون مدرسة الاعتدال



على
09-05-2004, 10:03 AM
محمد صادق الحسيني
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.
الحياة 2004/09/5

http://www.daralhayat.com/opinion/09-2004/Item-20040904-ca5f3595-c0a8-01ed-0022-da17c838db95/Cartoon_09.jpg_440_-1.jpg


عندما كان مسلم بن عقيل رسول الإمام الحسين بن علي، عليه السلام، إلى أهل العراق مختفياً في بيت هاني بن عروة أحد وجهاء الكوفة المعروفين، دخل البيت فجأة قائد جيش معسكر يزيد وهو يبحث عن رسل الحسين، فما كان من هاني بن عروة، وهو المتعاطف مع جبهة الحسين رغم علاقته الاجتماعية «الحيادية»، إلا أن أشار على مسلم باغتنام الفرصة الذهبية للاجهاز على خصمه قبل أن يُجهز هو عليه في ساحة المعركة في ما بعد، لكن رسول الحسين رفض هذا العرض المغري رغم سهولته بالقول الشهير الذي ذهب مثلاً في ما بعد، بعد استشهاد مسلم: «الايمان قيد الفتك».

أي أن الايمان يُقيد المؤمن ويمنعه من الفتك بأعدائه وخصومه إلا في ظروف معركة متكافئة، أما الاغتيال والغدر والقتل وعمليات التصفية في غرف الظلام وبكواتم الصوت أو بالسيوف والبنادق الرشاشة أو صواريخ الكروز أو قنابل «اف 16» أو رشاشات الاباتشي، لأناس غير متهيئين لمعركة أو منخرطين فيها حتى لو كانوا من قادة الأعداء، إنما هو عمل دنيء لا تجيزه قيود الايمان وشروطه.

والآن، إذا كان مثل هذا العمل لا يجوز حتى مع الأعداء والخصوم المباشرين والعلنيين، فكيف نعتبره مجازاً مع مدنيين أبرياء لا علاقة مباشرة لهم بالحرب؟! وما علاقة ذلك بالايمان فضلاً عن علاقته بالدين الإسلامي لا سيما بالمؤمنين والملتزمين به أشد الالتزام؟!

إن كل عمليات الاختطاف والترهيب والارعاب التي جرت في العراق ضد أناس من النوع الآنف الذكر مدانة ولا علاقة لها بالإسلام والمسلمين، لا من قريب ولا من بعيد، فضلاً عن علاقتها بالمؤمنين والمقاومين!

وبتحديد أكثر وبصورة مضاعفة، ينطبق مثل هذا القول على عملية اختطاف الصحافيين الفرنسيين على يد ما يسمى زوراً وبهتاناً «الجيش الإسلامي...!».

لكننا، بالمقابل، يجب أن نعترف ونقر وننتبه بأنه عمل منظم وواعٍ جداً لما يريد على عكس ما ذهب إليه الكثير من المحللين والمراقبين الذين أعز وأقدر، عندما وصفوه بـ«العنف الأعمى».

إنه ليس أعمى بالتأكيد، وذلك للأسباب الآتية بحسب تقديري:

1- إنه يستهدف أول ما يستهدف خلط الأوراق في لعبة القتل المنظم الجارية في العراق على قدم وساق منذ دخلت إليه أنواع القوات الغازية وعصابات المجندين والمجندات من المرتزقة وفي مقدمها مرتزقة الاستخبارات الإسرائيلية. والمهمة الأساسية لهذا الخلط تشويه المقاومة واخراجها نهائياً من معادلة رسم مستقبل العراق الجديد.

2- إنه يستهدف دفع المقاومة الواقعية والحقيقية للاحتلال إلى الدفاع السلبي، ووضعها في الزاوية الحرجة من باب «صك الحديد بالحديد»، كما يقول المثل العربي.

3- إنه يستهدف محاصرة العراق الشعبي المستقل والحر وعزله عن التعاطف الاقليمي والدولي واظهاره بمظهر الرجل المتوحش والبربري الذي لا يملك أي استراتيجية واضحة لمستقبله وبالتالي ليس أمامه إلا التعويل على «محرريه» القادمين من وراء البحار مع «جيش» المتعلمين والمدربين جيداً لمهمة «التحرير» الجليلة!

لاحظ أن هذا «الجيش الإسلامي» هو الذي اختطف القنصل الإيراني مثلاً عشية معركة النجف المشبوهة وإعلان إيران العدو الأول للعراق! وهو الذي يختطف الصحافيين الفرنسيين اليوم على رغم مواقف فرنسا المعروفة في معارضتها للحرب الملعونة ومواقف الصحافيين المشهودة في حياديتها، بل وفي تعاطفها مع قضايا العرب وقضية الحرية والاستقلال في العراق.

ولاحظ أيضاً كيف انبرت أقلام أصدقاء الحرب والمحافظين الجدد من طلاب الحروب وصانعي كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية والمطالبين بضرب مفاعل بوشهر النووي كما ضرب مفاعل تموز العراقي خياراً اسرائيلياً صريحاً، كيف انبرت هذه الأقلام لتنبيه فرنسا وتذكيرها و«تأديبها» على ما اقترفته من «خطيئة» الاعتقاد بأن ابتعادها عن المشاركة في الحرب سيجنبها مخاطر الارهاب!

4 ـ انه يستهدف في ما يستهدف اعطاء زخم اضافي لحملة بوش الانتخابية عشية مؤتمر حزبه الجمهوري وهو بحاجة ماسة الى كسب معركته ضد منافسه الديموقراطي الذي ينافسه على قاعدة السياسات الخاطئة نفسها عدا الطفيف من الأمور وفي طليعتها إشراك الحلفاء الأوروبيين في تداعيات الحرب الملعونة وتحميلهم تكاليف استمرارها بأشكال أخرى!

انه غيض من فيض فما تحمله تلك الحرب الخفية من أهداف وغايات دنيئة بدأت بتهويل وجود «القاعدة» في العراق ومرّت بقصة «البطل» الخرافي المعروف بالزرقاوي والتي وصلت اليوم الى محطة «الجيش الاسلامي...» ولا ندري الى أين هي سائرة في الأيام والأسابيع المتبقية على معركة بوش الانتخابية.

في نهاية الثمانينات حصل تفجير بالقرب من على السفارة الاسرائيلية في لندن واتُهم فلسطينيان اثنان، هما سمر العلمي وجواد البطمة، وصدر ضدهما حكم بالسجن مبالغ في القسوة، ومن دون ان تقدم للمحكمة أي أدلة... وقد كشف الزمن في ما بعد ان وراء العملية شخصاً ثالثاً مختفياً وقيل انه مرتبط بالاستخبارات الاسرائيلية، بحثت الاستخبارات البريطانية وتبحث عنه من دون جدوى، وكان كشفه رجل استخبارات بريطاني سابق وفشل في تجميع كل خيوط القضية حتى الآن.

لكن المهم في القضية ان المجرم الحقيقي طليق حر الآن فيما المتهمان زوراً وبهتاناً لا يزالان يقبعان في السجن والهدف القاضي بتشويه المقاومة الفلسطينية قد تحقق، وانه تم خلط الأوراق على الساحة الأوروبية وقتها بأحسن وجه!

غير ان نقطة أخرى في غاية الأهمية لا بد من الاشارة اليها في هذا السياق وهي ما أشار اليه أحد الزملاء في تعليقه على حادثة اختطاف الفرنسيين وهي: «مسؤولية واضعي الخطط الحربية «النظيفة» عن خلقهم واثارتهم لهذه الوحشية والبربرية واللاانسانية وكيفية مساهمتهم في صنع الارهاب». وأود التعليق على ما ذهب اليه ولأقول معه: ان طلاب الحروب والغزوات والعدوان على الدول والتدخل في شؤونهم الداخلية تحت أية حجة كانت حتى وان بدت في ظاهرها دعوة للاصلاح ونشر الديموقراطية أو التخلص من الطغاة فإنهم لن يستطيعوا ان يغيروا من واقع حالهم بأنهم طلاب حروب وصانعو إرهاب وناشرو ثقافة الفتك والاغتيالات والخطف والخطف المضاد وهي ثقافة بريء منها ديننا وبريئة منها عقيدتنا.

إنهم يستهدفون مدرسة الاعتدال كل يوم في الفلوجة كما في النجف كما مع قصة الصحافيين الفرنسيين.


http://www.daralhayat.com/opinion/09-2004/Item-20040904-ca5f3595-c0a8-01ed-0022-da17c838db95/story.html