2005ليلى
10-12-2009, 08:52 AM
حكمت الحاج
جسر على نهر دجلة
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_8d5ce816-ed4b-4eb8-890a-ca5ccc3b9a01.jpg
تدافعت حشود عابرة على جسر الأئمة في بغداد لإقامة المهرجان السنوي لذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق المدفون في مقبرة خصصها لقريش الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 150 للهجرة، سميت بمدافن قريش، فدفن فيها ابنه ثم الإمام موسى بن جعفر وحفيده، وعندما توفي الإمام أبو حنيفة النعمان دفن في مقبرة الخيزران، على الجانب الشرقي من دجلة، وهي لعامة الناس، فسميت الأولى بالكاظمية نسبة إلى الإمام الكاظم على الساحل الغربي، وسميت الثانية بالأعظمية نسبة للإمام الأعظم أبي حنيفة، على الجانب الشرقي من دجلة، وحملت اسم الأعظمية. ومن ضاحية الأعظمية هذه، خرج الشاب عثمان العبيدي، وهو من السكان الأصليين، فرمى بنفسه إلى النهر سبع مرات، أنقذ في كل مرةٍ طفلاً أو رجلاً أو امرأةً شيعية، وفي المرة الثامنة أمسكه الغريق وقد أرهقه التعب، وخارت قواه، فلم يقدر على حمله إلى الشاطئ، وغرق عثمان بثقل من كان يستنقذه!.
بهذه الكلمات، وبهذه الروح الجياشة المليئة بالحماس والعاطفة، يفتتح الكاتب والمفكر العراقي الشهير حسن العلوي كتابه الجديد المثير للجدل تحت عنوان: (عمر والتشيع؛ ثنائية القطيعة والمشاركة) وهو من منشورات دار الزوراء للعام الحالي 2007 م.
وكعادته في التقاط الجوهري من اليومي العابر في حياة وتاريخ شعبه ووطنه، يقترب حسن العلوي أيما اقتراب من همس الوجدان الشعبي وضمير الأمة العام وهو يهدي كتابه إلى الشهيد عثمان بن علي العبيدي حبر هذه السطور، وابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي، إليه رجلاً أنقذ سبع أرواح من الموت غرقاً من بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي، الإمام الكاظم، وعند الثامنة تعانقت الروحان وهبط الجسدان معاً تحت مياه الجسر المشترك.
وبالفعل فقد كان لهذه الفاجعة التي حصدت أكثر من ألف ضحية في يوم واحد من أيام سنة خمس وألفين للميلاد، وما فعله الشهيد عثمان العبيدي ذلك اليوم، الوقع الأكبر في وجدان الناس، وخاصة الشباب منهم إذ راحوا يعبرون بمختلف الوسائل من انترنت وهواتف محمولة وقصائد شعرية وحكايات شفاهية ومرويات خيالية وأغانٍ شعبية عن هذه الحادثة وكيف أن هذا الشاب السني النشمي الشهم قضى نحبه وهو يحاول استنقاذ أرواح أخوته الشيعة الغرقى بمياه دجلة. وكانت أغنية (سَمِعْتُ بَغدادَ) للمطرب العراقي الصاعد حسام الرسام هي الأشهر في خضم تلك التعبيرات، إذ تقول في بعض أبياتها:
أيا أمّ الكنائس والمآذن/ مو كاعي ضريح شلون تنداس/ أيا جسر الأئمة من غرقنا/ إلك عثمان هو الكان غطاس/ هنا طفلٌ وشيخٌ هنا أمٌّ/ هنانه خدود كانت قبل تنباس/ وقد كانَ الرصيفُ كالمرايا/ هَسّهْ الجِثَثْ قامْ يكنسها كَنّاسْ.
ويمكنكم الاستماع إليها كاملة بالنقر على الرابط التالي:
http://www.6rbtop.com/listen.php?song_id=42703&type=au&q=hi
وكانت هذه الحادثة وتداعياتها والجو العام الملبد بالسُّحُب الطائفية ونُذُرُ الحرب الأهلية المتربصة بالعراق وأهله مثل شبح مترع باللعنة، هي التي أفضت بحسن العلوي إلى أن يلحظ أن البلاد إنما تنام على بحيرة من التجاذب والتناحر السني الشيعي وانه قد آن الأوان للاعتراف بذلك بل وللخوض فيه مهما كانت النتائج.
فمنذ خمسين عاماً، وعمر بن الخطاب يشكل خطوط صورة مغرية للكتابة والتأليف عند كاتبنا حسن العلوي، وهو وإن كان قد استكمل أدواته العلمية منذ تخرجه في كلية الآداب عام 1958، إلا إن الوقت لم يكن مناسبا للتدوين إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد اشتعال النيران الطائفية في العراق وانتقال الحرب من صفحات الكتب وأعمدة المنابر في فترة الحرب العراقية – الإيرانية، وما تلاها من تطورات في العراق إلى واجهات المنازل وأجساد الضحايا وسكاكين الذبح، فأصبحت الكتابة في عمر بن الخطاب وفي نقد الخطاب الطائفي واجبة وجوب الماء لإطفاء النار، على حد تعبير المؤلف.
وكان مِمّا عَجّل في إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه العلوي إن الفضائيات العربية كما يقول صارت تنقل شهادات لعلماء دين من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الخطاب وأبي بكر، وكأنهم بهذا يوفرون (الدليل الشرعي)، والمسوغ الفقهي للانتحاريين الذين يستهدفون المدن والبلدات الشيعية بالسيارات المفخخة (نكالاً) لهم على شتمهم عمر وتشهيرهم بعائشة!!.
يذهب المؤلف إلى أن هذا الكتاب ليس من شأنه الولوج في بطون العقائد، ولا الاقتراب من هوامشها وحواشيها، وليس في منهج المؤلف الوقوف بين مشتجر الخلاف وسطاً بين بين، ولا نذهب إلى سوق الاشتجار براية الهلال الأحمر. ولكنه يتساءل أيضا ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي؟
وهل علينا إبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها شيوخ مدرسة اللعن، دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون؟
ولا يخرج حسن العلوي في هذا الكتاب عن أفكار تضمنتها كتبه السابقة، لا سيما كتابه المعنون الشيعة والدولة القومية، الصادر عن دار الزوراء عام 1988، الذي لم يتعرض فيه لخلاف المذاهب وتفضيل مذهب على آخر أو الترويج لمذهب ضد آخر. فمثل هذا الحقل سيكون خاصاً بالمشتغلين في العلوم الدينية والفقهية. والعلوي يشتغل بعلوم الفكر والسياسة العامة.
كتاب عمر والتشيع هو تدوينة حرة مفتوحة الاتجاهات في عمر بن الخطاب، وفي سياسة الخطاب الشيعي إزاءه، ولم يبتغيها المؤلف حسن العلوي كتاباً موصد الأبواب، وبحثاً مشروطاً مكبلاً بسلاسل الايدولوجيا وشروط الانتماء، يقصد انتماءه الشيعي. وهي في ناتجها كتابة تاريخية في إشكال سياسي راهن، نطل منها على الطوفان العراقي، والعراق منقسم على ثنائية عمر وعلي، التي تسلّكت في قنواتها السرية إلى السياسة الدولية، منذ مطلع القرن الماضي، فيخطط إستراتيجيون بريطانيون طريقهم إلى البصرة آملين كسب المنبوذين الشيعة في الحرب على الأتراك السنة.
لكن كيف ينتقل بنا حسن العلوي من ثنائية شقت تاريخنا العربسلامي كله وصولا إلى حاضرنا العربي اليوم واعني بها ثنائية علي ومعاوية إلى ثنائية أخرى ليس لها ذلك الحضور القوي في النظر إلى الماضي والحاصر العربيين واعني بها ثنائية عمر وعلي؟ يبدو لي إن الجواب على هذا التساؤل موجود عند العلامة الدكتور علي الوردي الذي يشيد به العلوي في كتابه هذا بشكل واضح إذ يقول علي الوردي:
أصبح النزاع بين الشيعة وأهل السنة في العصور المتأخرة، كأنه نزاع بين علي وعمر. وصار الناس يطلقون على الشيعة اسم "رَبْع علي" أي جماعة علي، وعلى أهل السنة " رَبْع عمر" أي جماعة عمر. وظهر هذا بجلاءٍ في العراق في العهد العثماني يوم كان التنافس شديداً بين الصفويين والعثمانيين. وانهمك العوام في هذا الموضوع انهماكاً غريباً حتى خيل للناظر أن علياً وعمر كانا في حياتهما متباغضين تباغضاً عنيفاً.فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عمر. وكان عمر يستشير علياً في كثير من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عمر في حياته وبعد مماته كما جاء في نهج البلاغة.
فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في حياتهما متقاربين تقارباً واضحاً؟ رواية تقول: إن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى القصاب الذي يدير مِلْحَمَةً (أي محلا لبيع اللحوم) كبيرةً تابعةً للزبير بن العوام وهي الوحيدة في المدينة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحماً يومين متتاليين ضربه بالدِرَّة قائلاً: ألا طويت بطنك لجارك وابن عمك؟.
ونحن نرى في هذا السياق إن كل ما يخص النظر إلى الماضي التاريخي في كتاب حسن العلوي إنما جاء من جهة علي الوردي مثل حديث المِلْحمة والدِرة وهي بكسر الدال وتضعيف الراء عصا تسمى في العراق شطبة كانت تستخدم لخفق البقرة برفق على ضروعها لاستدرارها فسميت بالدرة على ما يعتقد بذلك المؤلف وهي نفسها التي يستخدمها الآن فرسان الخيول في السباقات، والمقصود هنا عصا عمر الشهيرة والتي أفرد لها العلوي صفحات عدة للتغزل بها،
والاستشارة أي استشارة عمر لعلي في مجمل المسائل الفقهية والقانونية والسياسية الخ... وإن كل ما ورد في الكتاب نفسه من النظر إلى الحاضر العراقي الرهيب الآن مثل موضوع المحاصصة الطائفية والمصالحة الوطنية والفيدرالية الخ إنما يجئ من التاريخ الشخصي لحسن العلوي وفكره، ومن موقعه المهم في السلطة العراقية بعد ثورة البعث في 17 تموز عام 1968 وأيضا من علاقته القوية مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين،
ومن موقعه المهم فيما بعد في صلب المعارضة العراقية. ولا يغير شيئا من قناعتنا هذه وحسن العلوي يقول في كتابه المهم الذي بين أيدينا الآن بعنوان عمر والتشيع ما نصه (هذا والحمد لله أن العلوي كاتب السطور والذي طارده نظـام البعث في العراق ربع قرن لاستئصاله وقف بعد سقوط نظام الحزب في 9/4/2003 على منصات التلفزيون وأمام الميكروفونات ناصحاً أصدقاءه في السلطة الجديدة بعدم المضي في سياسة الاستئصال وكان من أبرز معارضي قانون الاجتثاث.)
ويقصد قانون اجتثاث البعث الذي نجحت جهود العلوي وغيره من الطيف العراقي البَينَ بَينيّ في إجهاضه ليتحول بقدرة قادر إلى قانون للمُسَاءَلَة والعدالة وهو أكثر غموضا من قصيدة نثرية لشاعر عراقي حداثي سواء أكان اجتثاثاً أم مُسَاءَلَةً.
يأخذنا حسن العلوي في لغة شفافةٍ بَلْ قُلْ شاعريةٍ إلى مسح جوي بكاميرا سياسية متتبعة لأدق الشؤون والنأمات في حياتنا المعاصرة فنرى كيف تغير الحرب الأمريكية على دولة الفقيه الشيعي، الذي حجز في طهران على موظفي أكبر سفارة أمريكية في خليج العرب والمنطقة. ليكون العراق وليس باكستان وتركيا السنيتان والحليفتان مكان الإغارة في حرب تستمر ثماني سنوات، فتتخم أسماك نهر كارون وشط العرب بلحوم الجنود قبل أن يحين الوقت المجهول لحرب أمريكية على السنة. فجاءهم الغيث من كهوف تورا بورا وهجوم تنظيم القاعدة على نيويورك بطائرات مدنية قطرت الرؤوس العليا لمعماريات مانهاتن قبل انهيارها مع ثلاثة ألاف أمريكي أعلن عن هلاكهم في الهجوم. وكان المتوقع، وقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية، مساقط رؤوس المهاجمين،
أن تبدأ الحرب الأمريكية على السنة في بلد هم فيه أغلبية مطلقة. لكنهم، ودائما مع حسن العلوي، وجدوا في العراق موطناً للحروب لا يضيق بحرب أمريكية رفضت تركيا اندلاعها على أرضها وكذا باكستان والسعودية ومصر رغم اختلافها السياسي مع شيعة إيران، ولا بحرب أمريكية على سنة العراق سترفض دول العالم الإسلامي والعربي وهي سُنية بالإجماع الاستسلام لها. لكن ثنائية علي وعمر، شكلت جاذباً لوجستياً مغرياً ومضمون النتائج يوفر المناخ الصالح لحروب البيت الأبيض على الشيعة والسنة وحروب الباب العالي وغريمه الصفوي، مادام قصر يلدز حافلاً بحروف عمر المنقوشة على جداريات القصر، وما دام شاه تبريز قد أقام مصنعاً للكاشان الممهور باسم عليًّ، وستجد السياسة البريطانية وحليفتها الأمريكية ما وجده الشاه والسلطان شعباً في بغداد يهلل للمنتصر على ساحلها الغربي وشعباً يستقبل الشاه المنتصر، وقد وسع في الصحن الشريف غرفاً جديدة بعد أن قذف على الساحل الشرقي جثثاً ضاقت بها بساتين الأعظمية. أما أسماك دجلة، فلم تعد تأكل صغيراتها، ففي ثنائية عمر وعلي، الأسماك تأكل البشر، مابين بغداد وخرّم شهر، ومابين القرن العاشر والقرن العشرين.
يجب أن نصفق لهذه البلاغة في التدوين المحترف، ولكن دعونا نتفحص هنا بعض الأفكار. ففي كتابه السابق "الشيعة والدولة القومية" لم يتحدث العلوي على الإطلاق عن حقوق طائفية بل عن حقوق مدنية. وقد جاء في مقدمة الكتاب الصفحة 11 الطبعة الثانية أن الكاتب لا يرجّح، حتى هذه اللحظة مذهباً على آخر، وأنكر أن يكون الخلاف في العراق خلافاً بين أبي حنيفة وجعفر الصادق وأعطى مثلاً أن السلطة التي سميت سنية لا تعرف شيئاً عن مذاهب الإسلام، ولم تحترم رئيس المذهب الحنفي الإمام الأعظم النعمان بن ثابت، فأقامت على أمتار من مسجده دار سينما حرة في عرض الأفلام، وعلى شاطئه صالات تسمح باحتساء الخمور والرقص المختلط في الوقت المناسب.
إن كتاب الشيعة والدولة القومية يدعو لإلغاء فكرة التمذهب، أما وقد سقط النظام القديم، وظهر نظام أعطى للشيعة دوراً أساسيا في صناعة القرار السياسي وبرلماناً هم فيه الأغلبية شبه المطلقة، فقد أوشك أن يكون الشيعة هم المذهب الحاكم وأهل السنة هم المذهب المحكوم.
ومن منطلق توفيقي متضارب أيضا ينفي حسن العلوي في كتابه (الشيعة والدولة القومية) وجود الانتماء الطائفي للعراقيين مع اعترافه بالوجود الطائفي ويقول إن التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة هو ما يجعل الإنسان طائفيا ً وإن الخلاف بين السنة والشيعة ليس له طابع شعبي أي أن الطائفية العراقية ليست طائفية شارع وإنما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة وان التشيع ظهر أيام النبي محمد ونواته كانت مجموعة من الصحابة اعتقدوا بإمامة علي. ويكرر الكاتب على امتداد صفحات كتابة ربط التشيع بالعنصر الفارسي.
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_acbe6ea6-87d4-4191-b10b-e098dfa85b7a.jpg
يقول حسن العلوي انه بسبب نفوذ حركات إسلامية شيعية، شاعت في الخطاب الشيعي السياسي لغة تضعف موقفه في مواجهة مشروع تعجيم الشيعة الذي اعتنى به وتعهده سنة السلطة في نطاق نظري على الأقل، بينما أوشكت الاتجاهات الراهنة لبعض السياسات الشيعية في العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب كان بعضه رد فعل لممارسات نظام قومي عربي استأثر بالسلطة طائفياً ونكّل بمواطنيه في الأغلبية العربية الداعين لقيام نظام حكم مشترك، غير أن تبريراً لميل شيعة السلطة الحالية نحو عزلة خارج المحيط العربي سيجد معارضة الأغلبية العربية ومثقفيها المستقلين.
في هذا الكتاب يستمر منهج حسن العلوي من منطلقه العربي والعراقي واعتماد منهج تاريخي يؤصل للصراع ويحيله إلى القائلين أولا بالقطيعة التامة والكاملة والمؤبدة بين الإمام علي وسلطة الخلفاء الراشدين الثلاثة واستخدام خطاب تقليدي يتعرض فيه الدعاة والخطباء لمقامات الصحابة فيثيرون حفيظة الأغلبية العربية والإسلامية، في وقت لا يشكل فيه الشيعة نسبة قادرة على تحمل أعباء العزلة والقطيعة وهي تنتقل من تخوم التاريخ إلى أزقة الحاضر.
والكتاب يروج لنظرية المشاركة في سعيه لرفع الحصار عمن ينحدر الكاتب من أصلابهم وذلك وَجْدَاً بعمر وسيراً على طريق السلم الأهلي الذي يبدأ عندي كما يقول العلوي من لحظة التصالح مع التاريخ حتى يسهل لدعاة المشاركة أن يتصافحوا في الحاضر. "فسلام على التشيع سلام على العراق سلام على دجلةَ سلام على السعفات الطوال وألف سلام على ابن حنتمة". وابن حنتمة هو الخليفة الراشدي الثاني. وبئس كتاب يزعم الدفاع عن عمر...
لا يدافع حسن العلوي عن عمر بن الخطاب كما يزعم في أول كتابه هذا، فمن يحتاج إلى هيئة لكتب الدفاع هم الذين لم يكتشفوا عمر حتى الآن. وجزء من الكتاب هو ليس الكتاب، وان كان التجزيئيون من أهل القطيعة سيفعلونها، مثلما جزؤوا التاريخ المشترك لعلي وعمر في القرار وروح المسؤولية التي أدير بها المركز الجديد لإدارة الشرق القديم على حصيرة من سعف النخيل فوق تراب المسجد النبوي.
دخل الإسلام إلى العراق واستقر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وبقي العراق سُنياً طوال الخلافتين الأموية والعباسية باستثناء تشيع محدود في منطقة الفرات الأوسط. واجتمعت به معظم المدارس الفقهية السنية، فكان للمالكية وجود في البصرة ثم بغداد. وكانت بغداد مركز الحنابلة الرئيسي قبل تدميرها من قبل هولاكو. كما انتشر المذهب الشافعي في الجنوب، والمذهب الحنفي في الشمال. وبالرغم من سيطرة الشيعة على الحكم أثناء حكم البويهيين فإن سكان العراق بقوا على المذهب السني. بعد تمكن الجيش المغولي بقيادة هولاكو من تدمير بغداد بمساعدة الوزير ابن العلقمي، قام المغول بإبادة جماعية لأهل السنة في بغداد بينما تركوا الأقلية الشيعة في الكرخ على حالها. وتعرضت بغداد لتدمير آخر على يد تيمورلنك. وتعرّض العراق في عهد الصفويين لهجمات دموية كانت هدفها نشر التشيع.
ويشير الباحث بشير موسى نافع في كتابه (العراق.. سياقات الوحدة والانقسام، دار الشروق، القاهرة 2006) إلى أن الشيعة لم يكونوا أكثرية في القرن الخامس الهجري في أي من المدن الإسلامية سوى الكوفة والري (قرب طهران اليوم). وكان إسماعيل الصفوي قد توجّه بجيش كثيف إلى بغداد، ودخلها سنة 941هـ وفتك بأهلها وأهان علماءها وخرّب مساجدها وجعلها اصطبلات لخيله.
فاضطر السلطان سليمان القانوني إلى وقف زحفه في أوروبا، وعاد بقسم من الجيش لمحاربة الصفويين وتأديبهم. لكن الشاه عباس الصفوي انتهز تغلغل العثمانيين في أوروبا وحروبهم مع النمسا والمجر، فعاد إلى مهاجمة بغداد، ودخلها سنة 1033هـ 1623. يقول العلامة العراقي د. علي الوردي متحدثاً في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1) عن حكم الصفويين لإيران والعراق: "يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسماعيل الصفوي) عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه. قيل أن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس" أي مليون سني. وأدى انهيار الدولة الصفوية في إيران سنة 1722، وما صاحبه من فقدان للأمن وحروب الأمراء، إلى هجرة أعداد متزايدة من العلماء الشيعة إلى النجف وكربلاء.
يقول د. ناصر القفاري في كتابه (أصول مذهب الشيعة، ج3): "في سنة 1326هـ كشف العلامة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد إلى صديقه الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ونشرتها المنار، كشف أثناء سياحته في تلك الديار ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون الاستمتاع بكثير من النساء في كل وقت". ويقول إبراهيم الحيدري في كتابه (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد): "وأما العشائر العظام في العراق الذين اتبعوا مذهب التشيع إلى آل البيت من قريب فكثيرون. منهم ربيعة تشيعوا منذ سبعين سنة. وتميم وهي عشيرة عظيمة تشيعوا في نواحي العراق منذ ستين سنة بسبب تردد رجال الدين الشيعة إليهم. والخزاعل منذ أكثر من مئة وخمسين سنة، وهي عشيرة عظيمة من بني خزاعة فحرّفت وسميت خزاعل. وعشيرة زبيد وهي كثيرة القبائل وقد تشيعت منذ ستين سنة بتردد العلماء إليهم.
ومن المتشيعة عشائرة لمذهب آل البيت بنو عمير وهم بطن من تميم والخزرج وهم بطن من الأزد، وشمر وهي كثيرة، والدوار والدفافعة. ومن المتشيعة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها لا تحصى وتشيعوا من قريب. وعشيرة بني لام وهي كثيرة العدد. وعشائر الديوانية وهم خمس عشائر: آل أقرع، وآل بدير، وعفج، والجبور، وجليحة. ومن عشائر العراق العظيمة المتشيعة منذ مئة سنة فأقل: عشيرة كعب وهي عشيرة عظيمة ذات بطون كثيرة". ومع ذلك بقيت أكثر عشائر العراق سنية. إذ أكبر العشائر فيه هم: الدليم ثم الجنابيون ثم شمر ثم عنزة – ومنهم زوبع – ثم الجبور ثم العبيد ثم الغرير ثم قيس ثم العَزَّة. وهذه العشائر كلها سنية، وهي أكبر العشائر في العراق. وأما العشائر الشيعية فهي ربيعة والفتلة. وهؤلاء لا يمثلون ربع ما يمثله أهل السنة.
وعن تأثر العراق بإيران يقول الوردي: "بعد أن تحولت إيران إلى التشيع، أخذت تؤثر في المجتمع العراقي تأثيراً غير قليل. فقد بدأ التقارب بين الإيرانيين وشيعة العراق ينمو بمرور الأيام. وصارت قوافل الإيرانيين تتوارد تباعاً إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة (عند الشيعة) أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك". يقول د. فرهاد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين في كتابه "الطائفية والسياسية في العالم العربي" موضحاً أثر تشيع هذه القبائل في جعل الشيعة أكثرية في العراق، فيقول (ص44): "المذهب الشيعي لم ينتشر بصورة كبيرة في العراق إلا تحت حكم المماليك (1743-1831". ويقول في (ص45): "أثَّرت الدعاية الشيعية وذكر الظلم الذي تعرضوا له ومقتل الحسين في كسب القبائل ونشر التشيع". ويضيف في (ص48) أن جماعات السكان من الشيعة من منطقة بلاد ما بين النهرين كانوا يشكلون منذ هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة أعداداً قليلة، وذلك في الفترة منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، ولم يشكل الشيعة الأغلبية في مجموع السكان إلا بعد الهجرة وتحول هذه القبائل إلى المذهب الشيعي. ويقول المؤلف (ص63-64): "إضافة إلى القبائل التي نزحت إلى العراق وتشيعت، فإن هناك الفرس والفرس المستعربين والهنود يشكلون نسبة غير ضئيلة من مجموع السكان الشيعة خاصة في المراكز الحضرية. وكانت هجرة رجال الدين الشيعة وعدد آخر من جماعات السكان إلى العتبات المقدسة قد جاء نتيجة لانهيار الدولة الصفوية. وظلت هذه الهجرات تتوالى حتى نشأة الدولة الحديثة في العراق".
وكان انتشار التشيع في جنوب العراق قد تم تحت سمع الدولة العثمانية وبصرها، وبموافقة رجالها في معظم الأحيان. إذ أنه منذ أن وصل العثمانيون للعراق، قام سليمان القانوني بإتمام بناء الحضرة الكاظمية، وزار المقامات السنية والشيعية، وأمر بحفر نهر الحسينية لإيصال المياه إلى مدينة كربلاء. وتحت الدولة العثمانية انفصل القضاء الشيعي في العراق مديراً شؤونه بقدر كبير من الاستقلال. كما أن الدولة العثمانية كانت صوفية. و بسبب التداخل بين التشيع والتصوف في آسيا الصغرى في العصور الإسلامية الوسيطة المتأخرة، فقد احتلت الرموز الشيعية والولاء لآل البيت موقعاً بارزاً في الثقافة العثمانية المبكرة. وكان الولاة حنفية متصوفة تشوب تصرفاتهم "مسحات شيعية" فكانوا يعتنون بمراقد الأئمة في بغداد والنجف وكربلاء.
بالرغم من وجود أقلية شيعية كبيرة في العراق في بدايات القرن العشرين، لكن العلاقة بين السنة والشيعة ظلّت طيبة في بداية الأمر. وهذا يوضح قبول العشائر الشيعية بأن يحكم العراق أهل السنة بعد الثورة على الإنكليز، التي شاركت بها العشائر السنية والشيعية على حدٍ سواء. وحسب موسوعة ويكيبيديا العالمية www.wikipedia.org على شبكة الإنترنت، حدث أول اضطراب طائفي في صفوف الشيعة بتحريض لاجئ سياسي إيراني – هندي الأصل– يسمى روح الله الخميني. حيث نجح في إحداث اضطرابات شيعية في مدينتي النجف وكربلاء ضد الحكومة المركزية عام 1977. فقامت الحكومة العراقية في العام التالي بطرده إلى فرنسا. وعندما استولى الخميني على الحكم في إيران عام 1979 قام باستفزاز العراق لشن حرب الخليج الأولى عام 1980،
واستمر تأجيجه للعداء الشيعي السني عن طريق علاقاته مع رجال الدين الشيعة. وقام بتأسيس معارضة شيعية عراقية مركزها طهران. وحاول الخميني نقل مرجعية الشيعة من مدينتي النجف وكربلاء في العراق إلى مدينة قُم في إيران. لكن الكثير من رجال الدين الشيعة في العراق عارضوا أفكاره (مثل نظرية ولاية الفقيه). ولذلك بقيت الغالبية العظمى من الشيعة في العراق موالية للعراق وليس لإيران. وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، كانت الأفكار القومية هي السائدة في العراق. لذلك كان ثلاثة أرباع جنود الجيش العراقي من الشيعة.
وقد قاتل هؤلاء ضد الإيرانيين الشيعة من منطلق القومية العربية لا المذهب. وبقي العداء التاريخي القومي بين العرب والفرس هو المسيطر. وباعتبار أن غالبية أعضاء حزب البعث في العراق كانوا من الشيعة، فقد وصل الشيعة إلى مناصب عالية في الدولة. وكانت سيطرتهم في التعليم والتجارة والاقتصاد واضحة. ولا يوجد أي إحصاء سكاني في العراق دقيق وحديث، يُظهِر النسب الحقيقية لكل طائفة، حيث تركز الإحصائيات على التوزيعات العرقية وليس الطائفية. ولذلك تختلف التقديرات في نسبة كل طائفة وأي منها تشكل الغالبية.
الشيعة كلمة مشتقة من فعل تشيع وللبحث في الانترنت يمكنك استعمال الكلمات المفتاحية التالية: Shi‘ism التشيع أو المذهب الشيعي، Twelver Shi‘ism الشيعة الاثناعشرية، Shi‘ite Islam الإسلام الشيعي. وهم الذين يتخذون نهجا معينا أو يتبعون طريق أو فكر شخص معين. والشيعة يقصد بهم شيعة علي أي أنصار علي بن أبي طالب وهي طائفة من المسلمين ترى أن محمد بن عبد الله إنما أراد أن يخلفه علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته، ولا يقرون بالخلافة عن طريق الشورى التي انتهت بتولي أبي بكر الخلافة، لذا يُخَطّئ الشيعةُ الخلفاءَ الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان ويتهمونهم بأنهم اغتصبوا الخلافة من علي بعكس ما يعتقده السنة من أن الخلافة انتقلت إلى أبي بكر بإجماع الصحابة (السقيفة) ثم انتقلت إلى عمر ثم عثمان ثم علي.
يؤمن الشيعة أن عليا وأبناءه أئمة في الناس بعد رسول الله بالنص. وورثوا عنه العلم والعصمة وطاعتهم واجبة، وأن لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن إمامتهم وخلافتهم لرسول الله منصوص عليها بالوحي في أصل القرآن. يطلق على مذهبهم الفقهي اسم المذهب الجعفري لذلك يعرفون أيضا باسم الجعفرية. تأتي كلمة شيعة أساسا من تشيع لشخص أي ناصره وأيده، وقد أطلقت أساسا على أنصار علي، ثم امتدت لتطلق على مناصري حق أولاده في الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب، بالتالي ولم يكن هناك من خلاف عقائدي بين باقي المسلمين وبين الشيعة سوى بعقيدة الإمامة وكان الكثير من شيوخ البخاري يطلق عليهم لقب متشيع وهم من أئمة الحديث المحسوبين على المذهب السني الآن، وهذا ما يؤدي إلى كثير من اللغط حول اعتبار بعض المحدّثين والمؤرخين شيعة حسب كتب الرجال.
وقد ذكرت كلمة شيع (ج. شيعة) في القرآن بمعنى فرق مستقلة: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" (الأنعام 115) في المقابل يرجع الشيعة هذا اللقب "شيعة" إلى نبي الإسلام محمد بن عبد الله الذي أطلقه على أنصار علي من أبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة، ويذكرون أنه بعد وفاة الرسول اجتمع شيعة علي يريدون مبايعته لكنهم لم يتعدوا الأربعين ولو تعدوا الأربعين لقاتل علي باقي الصحابة على الخلافة التي يراها من حقه كما تقول رواياتهم.
يعتمد الشيعة في عقيدتهم على أن محمدا قد نص في حياته حسب ما يفهمونه من الأحاديث المتواترة والموثقة في حديث الغدير على أن الإمام والخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب: فقد قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) واعتبروا هذا التعيين نصا وتبليغا من محمد على خلافة علي بن أبي طالب على جميع المسلمين بعده مباشرة. ويأخذ الشيعة بالمذهب الفقهي الجعفري الذي ينسب للإمام جعفر الصادق والذي تم الاعتراف به من قبل الأزهر الشريف بمصر.
يعتمد الشيعة في علومهم وفي تلقي الدين على ما تم توارثه من أئمة آل البيت، وينكرون الاحتجاج من غيرهم كالصحابة. ولا يؤمن الشيعة بعدالة جميع الصحابة وبذلك فإنهم لا يعرفون بكثير مما صح عند أهل السنة في كتب الحديث السنية من أمثال صحيح البخاري أو صحيح مسلم. إلا أن لهم في ذلك مصادر أخرى متعددة من كتب الحديث أمثال كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب الاستبصار وكتاب الكافي للإمام الكليني وغيره. فالشيعة هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة، ووجوب النصِّ من الله على الإمام بواسطة النبي حيث نصَّ على ولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير.
قال البروفسور هنري كوربان أستاذ الفلسفة في جامعة السوربون والمستشرق الفرنسي الشهير: اعتقد إن المذهب الشيعي هو المذهب الوحيد الذي حافظ على علاقة الهداية الإلهية بين الخالق والمخلوق إلى الأبد، فقد جعل الولاية مستمرة متصلة حية، فالدين اليهودي ختم النبوة التي هي علاقة واقعية بين الّله والعالم الإنساني في النبي موسى وأنكر نبوة المسيح ومحمد بعد ذلك، كذلك المسيحيون توقّفوا عند المسيح أيضاً، وتوقف أهل السنة عند النبي محمد أيضاً، واعتقدوا إنّ علاقة الخالق بمخلوقه قد انتهت بخاتميته وأما المذهب الشيعي فهو المذهب الوحيد الذي يؤمن بأنّ النبوة ختمت بنبوة النبي محمد غير أنه يعتقد بأن الولاية التي هي علاقة الهداية المكملة مستمرة حية بعد النبي إلى الأبد. تؤمن فرق الشيعة كافة بالإمامة أي بوجود إمام يرث العلم وهو المسؤول عن قيادة الأمة الإسلامية بتكليف من الله، ففي الاعتقاد الشيعي أن الله لن يترك الأمة بدون قائد مكلف.
يتركز تواجد الشيعة الاثناعشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، وبنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مناطق عدة كالقطيف والإحساء والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وفي مسقط والباطنة في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج العربي و باكستان وأفغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى. ويتواجد الشيعة الإسماعيلية في نجران في المملكة العربية السعودية و الهند، أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن.
إذن، رَبْعُ عليّ يسبون عمر، ورَبْعُ عمر يسبون الشيعة. وكما ينبهنا حسن العلوي في كتابه عمر والتشيع فإن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت إلاّ من أُعطي جرأة محمد حُسين كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء والكتّاب.
أما الردُّ السُنّي، والحديث عن العراقيين فلا يخضع إلى قوانين الهجاء ومناقضاته، والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المُرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع، فظهر في وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة في المرويات السُنّية، والتقاط نماذج شيعية في التاريخ الإسلامي والتشهير بها على أن يكونوا دون مقام الأئمة فانتشرت روايات يفيض بها تاريخ بغداد ويتراجمون بها مع فريق القطيعة. وعلى قسوة الانقسام الاجتماعي، ومنذ العهد العثماني في العراق لم تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية، ولم يتحدث خطيب جمعة في نظرية وحدة الصحابة في منهج المقارنات بين علي ومعاوية. وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الأموية لمؤلفه أنيس النُصولي، وهو مدرّس وفد العراق من الشام، لم يقف فقهاء السُنّة في العراق إلى جانبهِ، مع انتصار كتاب ليبراليين وقوميين لصاحب الكتاب الذي قرر مجلس الوزراء باقتراح من وزير المعارف السيد عبد المهدي المنتفكي إلغاء عقده وإعادته إلى بلاده.
يُستثنى أيضاً ما كتبه عبد الرزاق الحصّان في رسالة تشهيرية في الثلاثينات من القرن الماضي بالشيعة، لكن الأمر لم يتطور إلى فتنة بين الفريقين. حتى في أصعب مراحل الصراع بين الصفويين والعثمانيين وقد اتخذ الفريقان من العراق ميدان حرب لهما، والجيش الصفوي يدمّر أضرحة أئمة السُنّة. وفي الطرف الآخر كان السلطان العثماني يقاتل الشيعة في بغداد، ثم يأمر بتجديد أو بناء ضريح للإمام موسى بن جعفر في الكاظمية قبل أن يتوجه إلى النجف وكربلاء لزيارة أئمة أهل البيت. وخلال ثمانين عاماً من حكم العراق الذي انفرد فيه السُنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة ومجلس الوزراء والمواقع العُليا بنسب شبه مُطلقة، لم تُصدر السلطة السنيّة قراراً بإطلاق اسم أحد الأمويين على شارع أو معهد أو ساحة.
إن النظام الذي أقامه عمر بن الخطاب، كما يقول طه حسين في "الفتنة الكبرى" لم يكن مستلهماً من أمة أخرى. لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد نظام حكم مطلقاً ولا نظاماً ديمقراطياً على نحو ما عرف اليونان ولا نظاماً ملكياً أو جمهورياً أو قيصرياً مقيداً على نحو ما عرف الرومان وإنما كان نظاماً عربياً خالصاً، بيَّّن الإسلام له حدوده العامة من جهة وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخرى. ولا يحتج أحد بشدة عمر، فالرجل بالتأكيد على حد زعم حسن العلوي، كان شديداً لكنه لم يكن عنيفاً. وكان ليناً ولم يكن ضعيفاً. ولتدعيم رأيه يستشهد المؤلف لما قاله هاشم معروف الحسني وهو مؤرخ شيعي معاصر في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر: " إن أحداً من المؤرخين لم ينقل عن الإمام علي أنه وقف موقف المعارض لخلافة بن الخطاب وبدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، ولا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار بمنحه النصيحة ويزوده برأيه، كلما أشكل عليه أمر من الأمور ". وكانت قريش والمتنفذون منها هم الذين ينادونه فيما بينهم بابن حنتمة أو الأعيسر ويعيبون عليه لبس القطوانية وهي عباءة يصنعها الكوفيون، ولم ينقل المؤرخون عن الإمام علي أنه تهاوش الكلام مع عمر، أو تساجل معه كما يتساجل المعارضون.
ويضيف العلوي وهو ينبش في مرويات التاريخ "ثكلتك أمك يا ابن الخطاب إن لم تقلها"، وقد قالها عمر نهارا جهارا إذ يسارع إلى رأس الإمام علي فيقبله "ولا أقامني الله في أرضٍ ليس فيها أبو الحسن".
وفي فصل من أكثر فصول هذا الكتاب المثير للجدل، إثارةً للجدل، بعنوان العراق العمري، يذكر المؤلف انه على المستوى التاريخي وبإجماع لم يخرج عليه مؤرخ، فإن عمر بن الخطاب هو ناشر الإسلام العراقي ومؤسس العراق العربي الأول. ولو كان عمر من أباطرة الأمم والشعوب، التي مرت على العراق فأقامت أو رحلت، لكان "العمريون"هو الاسم الذي يتسمى به سكان وادي الرافدين، بدلاً من لقبهم الوطني حالياً، مثلما سُمي أهل تلك البلاد بالسومريين والآشوريين والبابليين ثم العثمانيين. وتاريخ العراق العمري يبدأ في العام الثاني عشر للهجرة بقرار بناء مدينة البصرة، ثم الكوفة من بعدها، لتشكل هاتان المدينتان الجذر المزروع لحضارة عربية إسلامية، ستنشأ وتربو وتهيئ لأبي جعفر المنصور بناء المدينة الثالثة التي استعصم فيها، فصارت بغداد مركز تلك الحضارة، والبصرة والكوفة جناحيها اللذين طارت بهما من الصين إلى أبواب فرنسا. وحسب العلوي فإن عمر من هذا الجانب مؤسس حضارة رافدينية مثلما كان سرجون الأكدي وحمورابي ونبوخذنصر.
إن عمر بن الخطاب بدوره هذا، إنما مَنَح دوراً للعراقيين ولبقاع مغمورة كالبصرة ومهجورة كالكوفة وغير معروفة كبغداد أن تكون جاذباً لاستقطاب القبائل العربية الكبرى، فاستقرت المضرية في البصرة واليمانية في الكوفةِ وبهما أخذ العراق شكله العربي الأول. و بفضلِ عمر مؤسس البصرة وممُصر الكوفة، تعرفت العرب على مدارس النحو واللغة وعلوم الكلام والفلسفة. إن دور عمر في العراق مثل دوره في مصر، والعراق العمري صنو مصر العمرية التي أضافت إلى حضارتها حضارةً جديدة ومدناً جديدة. ويستغرب مؤلفنا ونحن نستغرب معه، كيف افتخر المصريون ببطلهم الجديد، فأنصفوه وجعلوه أنموذجاً للزهد والتسامي، وروحاً للعدالة الإلهية. فيما كبا أهل العراق كبوتهم، فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إلى ثقافة التسنن أو آخر منسوب على التشييع سوى علي الوردي وآخرين خارج المحيط الديني.
إن مؤسس العراق العربي أهملهُ العروبيون، فلم يصدر كتاب مستقل فيه عن مؤرخين "فطاحل"، وأُدباء "فُحول"، أمثال الشيخ محمد بهجت الأثري والدكتور عبد العزيز الدُوري، وأستاذ التاريخ العربي ناجي معروف، كما لم تصدر المؤسسة الدينية ومركزها الأعظمية أو الموصل كتاباً يُعرِّف العراقيين بمؤسس حضارتهم الإسلامية وممّصر بصرتهم وكوفتهم. بيد أن المصريين أخلصوا الودّ لمؤسس حضارتهم العربية. فكتب العقاد عبقرياته منشورةً في غرف الدرس وعلى أرصفة المدن العربية. وكتب طه حسين "الشيخان" و"الفتنة الكبرى" بجزأيها مُنصفاً مستلهماً روح الإسلام ومنهج البحث العلمي الحديث.
وكتبت بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن والمستشار عبد الحليم الجندي والشيخ أبو زُهرة وعبد الرحمن الشرقاوي في الإمام علي وفي تلك الفترة الإسلامية المثيرة، فتشكلت المدرسة المصرية مرجعاً سيوليه حسن العلوي عظيم الاهتمام في كتابه هذا. أمّا العراق والكلام ما زال للعلوي، فَخُلوٌ من هذا المنهج، وتلك المدرسة، رغم كونه ميدان الصراع الطائفي القديم والحاضر، وإذ يعزو المُطلعون على أسبابه إلى جهل الناس بتاريخهم الإسلامي، فَلم يسأل أحدٌ إلى من تُعزى أسباب هذا الجهل.
جسر على نهر دجلة
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_8d5ce816-ed4b-4eb8-890a-ca5ccc3b9a01.jpg
تدافعت حشود عابرة على جسر الأئمة في بغداد لإقامة المهرجان السنوي لذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق المدفون في مقبرة خصصها لقريش الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 150 للهجرة، سميت بمدافن قريش، فدفن فيها ابنه ثم الإمام موسى بن جعفر وحفيده، وعندما توفي الإمام أبو حنيفة النعمان دفن في مقبرة الخيزران، على الجانب الشرقي من دجلة، وهي لعامة الناس، فسميت الأولى بالكاظمية نسبة إلى الإمام الكاظم على الساحل الغربي، وسميت الثانية بالأعظمية نسبة للإمام الأعظم أبي حنيفة، على الجانب الشرقي من دجلة، وحملت اسم الأعظمية. ومن ضاحية الأعظمية هذه، خرج الشاب عثمان العبيدي، وهو من السكان الأصليين، فرمى بنفسه إلى النهر سبع مرات، أنقذ في كل مرةٍ طفلاً أو رجلاً أو امرأةً شيعية، وفي المرة الثامنة أمسكه الغريق وقد أرهقه التعب، وخارت قواه، فلم يقدر على حمله إلى الشاطئ، وغرق عثمان بثقل من كان يستنقذه!.
بهذه الكلمات، وبهذه الروح الجياشة المليئة بالحماس والعاطفة، يفتتح الكاتب والمفكر العراقي الشهير حسن العلوي كتابه الجديد المثير للجدل تحت عنوان: (عمر والتشيع؛ ثنائية القطيعة والمشاركة) وهو من منشورات دار الزوراء للعام الحالي 2007 م.
وكعادته في التقاط الجوهري من اليومي العابر في حياة وتاريخ شعبه ووطنه، يقترب حسن العلوي أيما اقتراب من همس الوجدان الشعبي وضمير الأمة العام وهو يهدي كتابه إلى الشهيد عثمان بن علي العبيدي حبر هذه السطور، وابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي، إليه رجلاً أنقذ سبع أرواح من الموت غرقاً من بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي، الإمام الكاظم، وعند الثامنة تعانقت الروحان وهبط الجسدان معاً تحت مياه الجسر المشترك.
وبالفعل فقد كان لهذه الفاجعة التي حصدت أكثر من ألف ضحية في يوم واحد من أيام سنة خمس وألفين للميلاد، وما فعله الشهيد عثمان العبيدي ذلك اليوم، الوقع الأكبر في وجدان الناس، وخاصة الشباب منهم إذ راحوا يعبرون بمختلف الوسائل من انترنت وهواتف محمولة وقصائد شعرية وحكايات شفاهية ومرويات خيالية وأغانٍ شعبية عن هذه الحادثة وكيف أن هذا الشاب السني النشمي الشهم قضى نحبه وهو يحاول استنقاذ أرواح أخوته الشيعة الغرقى بمياه دجلة. وكانت أغنية (سَمِعْتُ بَغدادَ) للمطرب العراقي الصاعد حسام الرسام هي الأشهر في خضم تلك التعبيرات، إذ تقول في بعض أبياتها:
أيا أمّ الكنائس والمآذن/ مو كاعي ضريح شلون تنداس/ أيا جسر الأئمة من غرقنا/ إلك عثمان هو الكان غطاس/ هنا طفلٌ وشيخٌ هنا أمٌّ/ هنانه خدود كانت قبل تنباس/ وقد كانَ الرصيفُ كالمرايا/ هَسّهْ الجِثَثْ قامْ يكنسها كَنّاسْ.
ويمكنكم الاستماع إليها كاملة بالنقر على الرابط التالي:
http://www.6rbtop.com/listen.php?song_id=42703&type=au&q=hi
وكانت هذه الحادثة وتداعياتها والجو العام الملبد بالسُّحُب الطائفية ونُذُرُ الحرب الأهلية المتربصة بالعراق وأهله مثل شبح مترع باللعنة، هي التي أفضت بحسن العلوي إلى أن يلحظ أن البلاد إنما تنام على بحيرة من التجاذب والتناحر السني الشيعي وانه قد آن الأوان للاعتراف بذلك بل وللخوض فيه مهما كانت النتائج.
فمنذ خمسين عاماً، وعمر بن الخطاب يشكل خطوط صورة مغرية للكتابة والتأليف عند كاتبنا حسن العلوي، وهو وإن كان قد استكمل أدواته العلمية منذ تخرجه في كلية الآداب عام 1958، إلا إن الوقت لم يكن مناسبا للتدوين إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد اشتعال النيران الطائفية في العراق وانتقال الحرب من صفحات الكتب وأعمدة المنابر في فترة الحرب العراقية – الإيرانية، وما تلاها من تطورات في العراق إلى واجهات المنازل وأجساد الضحايا وسكاكين الذبح، فأصبحت الكتابة في عمر بن الخطاب وفي نقد الخطاب الطائفي واجبة وجوب الماء لإطفاء النار، على حد تعبير المؤلف.
وكان مِمّا عَجّل في إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه العلوي إن الفضائيات العربية كما يقول صارت تنقل شهادات لعلماء دين من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الخطاب وأبي بكر، وكأنهم بهذا يوفرون (الدليل الشرعي)، والمسوغ الفقهي للانتحاريين الذين يستهدفون المدن والبلدات الشيعية بالسيارات المفخخة (نكالاً) لهم على شتمهم عمر وتشهيرهم بعائشة!!.
يذهب المؤلف إلى أن هذا الكتاب ليس من شأنه الولوج في بطون العقائد، ولا الاقتراب من هوامشها وحواشيها، وليس في منهج المؤلف الوقوف بين مشتجر الخلاف وسطاً بين بين، ولا نذهب إلى سوق الاشتجار براية الهلال الأحمر. ولكنه يتساءل أيضا ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي؟
وهل علينا إبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها شيوخ مدرسة اللعن، دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون؟
ولا يخرج حسن العلوي في هذا الكتاب عن أفكار تضمنتها كتبه السابقة، لا سيما كتابه المعنون الشيعة والدولة القومية، الصادر عن دار الزوراء عام 1988، الذي لم يتعرض فيه لخلاف المذاهب وتفضيل مذهب على آخر أو الترويج لمذهب ضد آخر. فمثل هذا الحقل سيكون خاصاً بالمشتغلين في العلوم الدينية والفقهية. والعلوي يشتغل بعلوم الفكر والسياسة العامة.
كتاب عمر والتشيع هو تدوينة حرة مفتوحة الاتجاهات في عمر بن الخطاب، وفي سياسة الخطاب الشيعي إزاءه، ولم يبتغيها المؤلف حسن العلوي كتاباً موصد الأبواب، وبحثاً مشروطاً مكبلاً بسلاسل الايدولوجيا وشروط الانتماء، يقصد انتماءه الشيعي. وهي في ناتجها كتابة تاريخية في إشكال سياسي راهن، نطل منها على الطوفان العراقي، والعراق منقسم على ثنائية عمر وعلي، التي تسلّكت في قنواتها السرية إلى السياسة الدولية، منذ مطلع القرن الماضي، فيخطط إستراتيجيون بريطانيون طريقهم إلى البصرة آملين كسب المنبوذين الشيعة في الحرب على الأتراك السنة.
لكن كيف ينتقل بنا حسن العلوي من ثنائية شقت تاريخنا العربسلامي كله وصولا إلى حاضرنا العربي اليوم واعني بها ثنائية علي ومعاوية إلى ثنائية أخرى ليس لها ذلك الحضور القوي في النظر إلى الماضي والحاصر العربيين واعني بها ثنائية عمر وعلي؟ يبدو لي إن الجواب على هذا التساؤل موجود عند العلامة الدكتور علي الوردي الذي يشيد به العلوي في كتابه هذا بشكل واضح إذ يقول علي الوردي:
أصبح النزاع بين الشيعة وأهل السنة في العصور المتأخرة، كأنه نزاع بين علي وعمر. وصار الناس يطلقون على الشيعة اسم "رَبْع علي" أي جماعة علي، وعلى أهل السنة " رَبْع عمر" أي جماعة عمر. وظهر هذا بجلاءٍ في العراق في العهد العثماني يوم كان التنافس شديداً بين الصفويين والعثمانيين. وانهمك العوام في هذا الموضوع انهماكاً غريباً حتى خيل للناظر أن علياً وعمر كانا في حياتهما متباغضين تباغضاً عنيفاً.فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عمر. وكان عمر يستشير علياً في كثير من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عمر في حياته وبعد مماته كما جاء في نهج البلاغة.
فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في حياتهما متقاربين تقارباً واضحاً؟ رواية تقول: إن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى القصاب الذي يدير مِلْحَمَةً (أي محلا لبيع اللحوم) كبيرةً تابعةً للزبير بن العوام وهي الوحيدة في المدينة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحماً يومين متتاليين ضربه بالدِرَّة قائلاً: ألا طويت بطنك لجارك وابن عمك؟.
ونحن نرى في هذا السياق إن كل ما يخص النظر إلى الماضي التاريخي في كتاب حسن العلوي إنما جاء من جهة علي الوردي مثل حديث المِلْحمة والدِرة وهي بكسر الدال وتضعيف الراء عصا تسمى في العراق شطبة كانت تستخدم لخفق البقرة برفق على ضروعها لاستدرارها فسميت بالدرة على ما يعتقد بذلك المؤلف وهي نفسها التي يستخدمها الآن فرسان الخيول في السباقات، والمقصود هنا عصا عمر الشهيرة والتي أفرد لها العلوي صفحات عدة للتغزل بها،
والاستشارة أي استشارة عمر لعلي في مجمل المسائل الفقهية والقانونية والسياسية الخ... وإن كل ما ورد في الكتاب نفسه من النظر إلى الحاضر العراقي الرهيب الآن مثل موضوع المحاصصة الطائفية والمصالحة الوطنية والفيدرالية الخ إنما يجئ من التاريخ الشخصي لحسن العلوي وفكره، ومن موقعه المهم في السلطة العراقية بعد ثورة البعث في 17 تموز عام 1968 وأيضا من علاقته القوية مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين،
ومن موقعه المهم فيما بعد في صلب المعارضة العراقية. ولا يغير شيئا من قناعتنا هذه وحسن العلوي يقول في كتابه المهم الذي بين أيدينا الآن بعنوان عمر والتشيع ما نصه (هذا والحمد لله أن العلوي كاتب السطور والذي طارده نظـام البعث في العراق ربع قرن لاستئصاله وقف بعد سقوط نظام الحزب في 9/4/2003 على منصات التلفزيون وأمام الميكروفونات ناصحاً أصدقاءه في السلطة الجديدة بعدم المضي في سياسة الاستئصال وكان من أبرز معارضي قانون الاجتثاث.)
ويقصد قانون اجتثاث البعث الذي نجحت جهود العلوي وغيره من الطيف العراقي البَينَ بَينيّ في إجهاضه ليتحول بقدرة قادر إلى قانون للمُسَاءَلَة والعدالة وهو أكثر غموضا من قصيدة نثرية لشاعر عراقي حداثي سواء أكان اجتثاثاً أم مُسَاءَلَةً.
يأخذنا حسن العلوي في لغة شفافةٍ بَلْ قُلْ شاعريةٍ إلى مسح جوي بكاميرا سياسية متتبعة لأدق الشؤون والنأمات في حياتنا المعاصرة فنرى كيف تغير الحرب الأمريكية على دولة الفقيه الشيعي، الذي حجز في طهران على موظفي أكبر سفارة أمريكية في خليج العرب والمنطقة. ليكون العراق وليس باكستان وتركيا السنيتان والحليفتان مكان الإغارة في حرب تستمر ثماني سنوات، فتتخم أسماك نهر كارون وشط العرب بلحوم الجنود قبل أن يحين الوقت المجهول لحرب أمريكية على السنة. فجاءهم الغيث من كهوف تورا بورا وهجوم تنظيم القاعدة على نيويورك بطائرات مدنية قطرت الرؤوس العليا لمعماريات مانهاتن قبل انهيارها مع ثلاثة ألاف أمريكي أعلن عن هلاكهم في الهجوم. وكان المتوقع، وقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية، مساقط رؤوس المهاجمين،
أن تبدأ الحرب الأمريكية على السنة في بلد هم فيه أغلبية مطلقة. لكنهم، ودائما مع حسن العلوي، وجدوا في العراق موطناً للحروب لا يضيق بحرب أمريكية رفضت تركيا اندلاعها على أرضها وكذا باكستان والسعودية ومصر رغم اختلافها السياسي مع شيعة إيران، ولا بحرب أمريكية على سنة العراق سترفض دول العالم الإسلامي والعربي وهي سُنية بالإجماع الاستسلام لها. لكن ثنائية علي وعمر، شكلت جاذباً لوجستياً مغرياً ومضمون النتائج يوفر المناخ الصالح لحروب البيت الأبيض على الشيعة والسنة وحروب الباب العالي وغريمه الصفوي، مادام قصر يلدز حافلاً بحروف عمر المنقوشة على جداريات القصر، وما دام شاه تبريز قد أقام مصنعاً للكاشان الممهور باسم عليًّ، وستجد السياسة البريطانية وحليفتها الأمريكية ما وجده الشاه والسلطان شعباً في بغداد يهلل للمنتصر على ساحلها الغربي وشعباً يستقبل الشاه المنتصر، وقد وسع في الصحن الشريف غرفاً جديدة بعد أن قذف على الساحل الشرقي جثثاً ضاقت بها بساتين الأعظمية. أما أسماك دجلة، فلم تعد تأكل صغيراتها، ففي ثنائية عمر وعلي، الأسماك تأكل البشر، مابين بغداد وخرّم شهر، ومابين القرن العاشر والقرن العشرين.
يجب أن نصفق لهذه البلاغة في التدوين المحترف، ولكن دعونا نتفحص هنا بعض الأفكار. ففي كتابه السابق "الشيعة والدولة القومية" لم يتحدث العلوي على الإطلاق عن حقوق طائفية بل عن حقوق مدنية. وقد جاء في مقدمة الكتاب الصفحة 11 الطبعة الثانية أن الكاتب لا يرجّح، حتى هذه اللحظة مذهباً على آخر، وأنكر أن يكون الخلاف في العراق خلافاً بين أبي حنيفة وجعفر الصادق وأعطى مثلاً أن السلطة التي سميت سنية لا تعرف شيئاً عن مذاهب الإسلام، ولم تحترم رئيس المذهب الحنفي الإمام الأعظم النعمان بن ثابت، فأقامت على أمتار من مسجده دار سينما حرة في عرض الأفلام، وعلى شاطئه صالات تسمح باحتساء الخمور والرقص المختلط في الوقت المناسب.
إن كتاب الشيعة والدولة القومية يدعو لإلغاء فكرة التمذهب، أما وقد سقط النظام القديم، وظهر نظام أعطى للشيعة دوراً أساسيا في صناعة القرار السياسي وبرلماناً هم فيه الأغلبية شبه المطلقة، فقد أوشك أن يكون الشيعة هم المذهب الحاكم وأهل السنة هم المذهب المحكوم.
ومن منطلق توفيقي متضارب أيضا ينفي حسن العلوي في كتابه (الشيعة والدولة القومية) وجود الانتماء الطائفي للعراقيين مع اعترافه بالوجود الطائفي ويقول إن التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة هو ما يجعل الإنسان طائفيا ً وإن الخلاف بين السنة والشيعة ليس له طابع شعبي أي أن الطائفية العراقية ليست طائفية شارع وإنما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة وان التشيع ظهر أيام النبي محمد ونواته كانت مجموعة من الصحابة اعتقدوا بإمامة علي. ويكرر الكاتب على امتداد صفحات كتابة ربط التشيع بالعنصر الفارسي.
http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_acbe6ea6-87d4-4191-b10b-e098dfa85b7a.jpg
يقول حسن العلوي انه بسبب نفوذ حركات إسلامية شيعية، شاعت في الخطاب الشيعي السياسي لغة تضعف موقفه في مواجهة مشروع تعجيم الشيعة الذي اعتنى به وتعهده سنة السلطة في نطاق نظري على الأقل، بينما أوشكت الاتجاهات الراهنة لبعض السياسات الشيعية في العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب كان بعضه رد فعل لممارسات نظام قومي عربي استأثر بالسلطة طائفياً ونكّل بمواطنيه في الأغلبية العربية الداعين لقيام نظام حكم مشترك، غير أن تبريراً لميل شيعة السلطة الحالية نحو عزلة خارج المحيط العربي سيجد معارضة الأغلبية العربية ومثقفيها المستقلين.
في هذا الكتاب يستمر منهج حسن العلوي من منطلقه العربي والعراقي واعتماد منهج تاريخي يؤصل للصراع ويحيله إلى القائلين أولا بالقطيعة التامة والكاملة والمؤبدة بين الإمام علي وسلطة الخلفاء الراشدين الثلاثة واستخدام خطاب تقليدي يتعرض فيه الدعاة والخطباء لمقامات الصحابة فيثيرون حفيظة الأغلبية العربية والإسلامية، في وقت لا يشكل فيه الشيعة نسبة قادرة على تحمل أعباء العزلة والقطيعة وهي تنتقل من تخوم التاريخ إلى أزقة الحاضر.
والكتاب يروج لنظرية المشاركة في سعيه لرفع الحصار عمن ينحدر الكاتب من أصلابهم وذلك وَجْدَاً بعمر وسيراً على طريق السلم الأهلي الذي يبدأ عندي كما يقول العلوي من لحظة التصالح مع التاريخ حتى يسهل لدعاة المشاركة أن يتصافحوا في الحاضر. "فسلام على التشيع سلام على العراق سلام على دجلةَ سلام على السعفات الطوال وألف سلام على ابن حنتمة". وابن حنتمة هو الخليفة الراشدي الثاني. وبئس كتاب يزعم الدفاع عن عمر...
لا يدافع حسن العلوي عن عمر بن الخطاب كما يزعم في أول كتابه هذا، فمن يحتاج إلى هيئة لكتب الدفاع هم الذين لم يكتشفوا عمر حتى الآن. وجزء من الكتاب هو ليس الكتاب، وان كان التجزيئيون من أهل القطيعة سيفعلونها، مثلما جزؤوا التاريخ المشترك لعلي وعمر في القرار وروح المسؤولية التي أدير بها المركز الجديد لإدارة الشرق القديم على حصيرة من سعف النخيل فوق تراب المسجد النبوي.
دخل الإسلام إلى العراق واستقر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وبقي العراق سُنياً طوال الخلافتين الأموية والعباسية باستثناء تشيع محدود في منطقة الفرات الأوسط. واجتمعت به معظم المدارس الفقهية السنية، فكان للمالكية وجود في البصرة ثم بغداد. وكانت بغداد مركز الحنابلة الرئيسي قبل تدميرها من قبل هولاكو. كما انتشر المذهب الشافعي في الجنوب، والمذهب الحنفي في الشمال. وبالرغم من سيطرة الشيعة على الحكم أثناء حكم البويهيين فإن سكان العراق بقوا على المذهب السني. بعد تمكن الجيش المغولي بقيادة هولاكو من تدمير بغداد بمساعدة الوزير ابن العلقمي، قام المغول بإبادة جماعية لأهل السنة في بغداد بينما تركوا الأقلية الشيعة في الكرخ على حالها. وتعرضت بغداد لتدمير آخر على يد تيمورلنك. وتعرّض العراق في عهد الصفويين لهجمات دموية كانت هدفها نشر التشيع.
ويشير الباحث بشير موسى نافع في كتابه (العراق.. سياقات الوحدة والانقسام، دار الشروق، القاهرة 2006) إلى أن الشيعة لم يكونوا أكثرية في القرن الخامس الهجري في أي من المدن الإسلامية سوى الكوفة والري (قرب طهران اليوم). وكان إسماعيل الصفوي قد توجّه بجيش كثيف إلى بغداد، ودخلها سنة 941هـ وفتك بأهلها وأهان علماءها وخرّب مساجدها وجعلها اصطبلات لخيله.
فاضطر السلطان سليمان القانوني إلى وقف زحفه في أوروبا، وعاد بقسم من الجيش لمحاربة الصفويين وتأديبهم. لكن الشاه عباس الصفوي انتهز تغلغل العثمانيين في أوروبا وحروبهم مع النمسا والمجر، فعاد إلى مهاجمة بغداد، ودخلها سنة 1033هـ 1623. يقول العلامة العراقي د. علي الوردي متحدثاً في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1) عن حكم الصفويين لإيران والعراق: "يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسماعيل الصفوي) عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه. قيل أن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس" أي مليون سني. وأدى انهيار الدولة الصفوية في إيران سنة 1722، وما صاحبه من فقدان للأمن وحروب الأمراء، إلى هجرة أعداد متزايدة من العلماء الشيعة إلى النجف وكربلاء.
يقول د. ناصر القفاري في كتابه (أصول مذهب الشيعة، ج3): "في سنة 1326هـ كشف العلامة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد إلى صديقه الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ونشرتها المنار، كشف أثناء سياحته في تلك الديار ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون الاستمتاع بكثير من النساء في كل وقت". ويقول إبراهيم الحيدري في كتابه (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد): "وأما العشائر العظام في العراق الذين اتبعوا مذهب التشيع إلى آل البيت من قريب فكثيرون. منهم ربيعة تشيعوا منذ سبعين سنة. وتميم وهي عشيرة عظيمة تشيعوا في نواحي العراق منذ ستين سنة بسبب تردد رجال الدين الشيعة إليهم. والخزاعل منذ أكثر من مئة وخمسين سنة، وهي عشيرة عظيمة من بني خزاعة فحرّفت وسميت خزاعل. وعشيرة زبيد وهي كثيرة القبائل وقد تشيعت منذ ستين سنة بتردد العلماء إليهم.
ومن المتشيعة عشائرة لمذهب آل البيت بنو عمير وهم بطن من تميم والخزرج وهم بطن من الأزد، وشمر وهي كثيرة، والدوار والدفافعة. ومن المتشيعة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها لا تحصى وتشيعوا من قريب. وعشيرة بني لام وهي كثيرة العدد. وعشائر الديوانية وهم خمس عشائر: آل أقرع، وآل بدير، وعفج، والجبور، وجليحة. ومن عشائر العراق العظيمة المتشيعة منذ مئة سنة فأقل: عشيرة كعب وهي عشيرة عظيمة ذات بطون كثيرة". ومع ذلك بقيت أكثر عشائر العراق سنية. إذ أكبر العشائر فيه هم: الدليم ثم الجنابيون ثم شمر ثم عنزة – ومنهم زوبع – ثم الجبور ثم العبيد ثم الغرير ثم قيس ثم العَزَّة. وهذه العشائر كلها سنية، وهي أكبر العشائر في العراق. وأما العشائر الشيعية فهي ربيعة والفتلة. وهؤلاء لا يمثلون ربع ما يمثله أهل السنة.
وعن تأثر العراق بإيران يقول الوردي: "بعد أن تحولت إيران إلى التشيع، أخذت تؤثر في المجتمع العراقي تأثيراً غير قليل. فقد بدأ التقارب بين الإيرانيين وشيعة العراق ينمو بمرور الأيام. وصارت قوافل الإيرانيين تتوارد تباعاً إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة (عند الشيعة) أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك". يقول د. فرهاد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين في كتابه "الطائفية والسياسية في العالم العربي" موضحاً أثر تشيع هذه القبائل في جعل الشيعة أكثرية في العراق، فيقول (ص44): "المذهب الشيعي لم ينتشر بصورة كبيرة في العراق إلا تحت حكم المماليك (1743-1831". ويقول في (ص45): "أثَّرت الدعاية الشيعية وذكر الظلم الذي تعرضوا له ومقتل الحسين في كسب القبائل ونشر التشيع". ويضيف في (ص48) أن جماعات السكان من الشيعة من منطقة بلاد ما بين النهرين كانوا يشكلون منذ هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة أعداداً قليلة، وذلك في الفترة منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، ولم يشكل الشيعة الأغلبية في مجموع السكان إلا بعد الهجرة وتحول هذه القبائل إلى المذهب الشيعي. ويقول المؤلف (ص63-64): "إضافة إلى القبائل التي نزحت إلى العراق وتشيعت، فإن هناك الفرس والفرس المستعربين والهنود يشكلون نسبة غير ضئيلة من مجموع السكان الشيعة خاصة في المراكز الحضرية. وكانت هجرة رجال الدين الشيعة وعدد آخر من جماعات السكان إلى العتبات المقدسة قد جاء نتيجة لانهيار الدولة الصفوية. وظلت هذه الهجرات تتوالى حتى نشأة الدولة الحديثة في العراق".
وكان انتشار التشيع في جنوب العراق قد تم تحت سمع الدولة العثمانية وبصرها، وبموافقة رجالها في معظم الأحيان. إذ أنه منذ أن وصل العثمانيون للعراق، قام سليمان القانوني بإتمام بناء الحضرة الكاظمية، وزار المقامات السنية والشيعية، وأمر بحفر نهر الحسينية لإيصال المياه إلى مدينة كربلاء. وتحت الدولة العثمانية انفصل القضاء الشيعي في العراق مديراً شؤونه بقدر كبير من الاستقلال. كما أن الدولة العثمانية كانت صوفية. و بسبب التداخل بين التشيع والتصوف في آسيا الصغرى في العصور الإسلامية الوسيطة المتأخرة، فقد احتلت الرموز الشيعية والولاء لآل البيت موقعاً بارزاً في الثقافة العثمانية المبكرة. وكان الولاة حنفية متصوفة تشوب تصرفاتهم "مسحات شيعية" فكانوا يعتنون بمراقد الأئمة في بغداد والنجف وكربلاء.
بالرغم من وجود أقلية شيعية كبيرة في العراق في بدايات القرن العشرين، لكن العلاقة بين السنة والشيعة ظلّت طيبة في بداية الأمر. وهذا يوضح قبول العشائر الشيعية بأن يحكم العراق أهل السنة بعد الثورة على الإنكليز، التي شاركت بها العشائر السنية والشيعية على حدٍ سواء. وحسب موسوعة ويكيبيديا العالمية www.wikipedia.org على شبكة الإنترنت، حدث أول اضطراب طائفي في صفوف الشيعة بتحريض لاجئ سياسي إيراني – هندي الأصل– يسمى روح الله الخميني. حيث نجح في إحداث اضطرابات شيعية في مدينتي النجف وكربلاء ضد الحكومة المركزية عام 1977. فقامت الحكومة العراقية في العام التالي بطرده إلى فرنسا. وعندما استولى الخميني على الحكم في إيران عام 1979 قام باستفزاز العراق لشن حرب الخليج الأولى عام 1980،
واستمر تأجيجه للعداء الشيعي السني عن طريق علاقاته مع رجال الدين الشيعة. وقام بتأسيس معارضة شيعية عراقية مركزها طهران. وحاول الخميني نقل مرجعية الشيعة من مدينتي النجف وكربلاء في العراق إلى مدينة قُم في إيران. لكن الكثير من رجال الدين الشيعة في العراق عارضوا أفكاره (مثل نظرية ولاية الفقيه). ولذلك بقيت الغالبية العظمى من الشيعة في العراق موالية للعراق وليس لإيران. وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، كانت الأفكار القومية هي السائدة في العراق. لذلك كان ثلاثة أرباع جنود الجيش العراقي من الشيعة.
وقد قاتل هؤلاء ضد الإيرانيين الشيعة من منطلق القومية العربية لا المذهب. وبقي العداء التاريخي القومي بين العرب والفرس هو المسيطر. وباعتبار أن غالبية أعضاء حزب البعث في العراق كانوا من الشيعة، فقد وصل الشيعة إلى مناصب عالية في الدولة. وكانت سيطرتهم في التعليم والتجارة والاقتصاد واضحة. ولا يوجد أي إحصاء سكاني في العراق دقيق وحديث، يُظهِر النسب الحقيقية لكل طائفة، حيث تركز الإحصائيات على التوزيعات العرقية وليس الطائفية. ولذلك تختلف التقديرات في نسبة كل طائفة وأي منها تشكل الغالبية.
الشيعة كلمة مشتقة من فعل تشيع وللبحث في الانترنت يمكنك استعمال الكلمات المفتاحية التالية: Shi‘ism التشيع أو المذهب الشيعي، Twelver Shi‘ism الشيعة الاثناعشرية، Shi‘ite Islam الإسلام الشيعي. وهم الذين يتخذون نهجا معينا أو يتبعون طريق أو فكر شخص معين. والشيعة يقصد بهم شيعة علي أي أنصار علي بن أبي طالب وهي طائفة من المسلمين ترى أن محمد بن عبد الله إنما أراد أن يخلفه علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته، ولا يقرون بالخلافة عن طريق الشورى التي انتهت بتولي أبي بكر الخلافة، لذا يُخَطّئ الشيعةُ الخلفاءَ الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان ويتهمونهم بأنهم اغتصبوا الخلافة من علي بعكس ما يعتقده السنة من أن الخلافة انتقلت إلى أبي بكر بإجماع الصحابة (السقيفة) ثم انتقلت إلى عمر ثم عثمان ثم علي.
يؤمن الشيعة أن عليا وأبناءه أئمة في الناس بعد رسول الله بالنص. وورثوا عنه العلم والعصمة وطاعتهم واجبة، وأن لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن إمامتهم وخلافتهم لرسول الله منصوص عليها بالوحي في أصل القرآن. يطلق على مذهبهم الفقهي اسم المذهب الجعفري لذلك يعرفون أيضا باسم الجعفرية. تأتي كلمة شيعة أساسا من تشيع لشخص أي ناصره وأيده، وقد أطلقت أساسا على أنصار علي، ثم امتدت لتطلق على مناصري حق أولاده في الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب، بالتالي ولم يكن هناك من خلاف عقائدي بين باقي المسلمين وبين الشيعة سوى بعقيدة الإمامة وكان الكثير من شيوخ البخاري يطلق عليهم لقب متشيع وهم من أئمة الحديث المحسوبين على المذهب السني الآن، وهذا ما يؤدي إلى كثير من اللغط حول اعتبار بعض المحدّثين والمؤرخين شيعة حسب كتب الرجال.
وقد ذكرت كلمة شيع (ج. شيعة) في القرآن بمعنى فرق مستقلة: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" (الأنعام 115) في المقابل يرجع الشيعة هذا اللقب "شيعة" إلى نبي الإسلام محمد بن عبد الله الذي أطلقه على أنصار علي من أبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة، ويذكرون أنه بعد وفاة الرسول اجتمع شيعة علي يريدون مبايعته لكنهم لم يتعدوا الأربعين ولو تعدوا الأربعين لقاتل علي باقي الصحابة على الخلافة التي يراها من حقه كما تقول رواياتهم.
يعتمد الشيعة في عقيدتهم على أن محمدا قد نص في حياته حسب ما يفهمونه من الأحاديث المتواترة والموثقة في حديث الغدير على أن الإمام والخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب: فقد قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) واعتبروا هذا التعيين نصا وتبليغا من محمد على خلافة علي بن أبي طالب على جميع المسلمين بعده مباشرة. ويأخذ الشيعة بالمذهب الفقهي الجعفري الذي ينسب للإمام جعفر الصادق والذي تم الاعتراف به من قبل الأزهر الشريف بمصر.
يعتمد الشيعة في علومهم وفي تلقي الدين على ما تم توارثه من أئمة آل البيت، وينكرون الاحتجاج من غيرهم كالصحابة. ولا يؤمن الشيعة بعدالة جميع الصحابة وبذلك فإنهم لا يعرفون بكثير مما صح عند أهل السنة في كتب الحديث السنية من أمثال صحيح البخاري أو صحيح مسلم. إلا أن لهم في ذلك مصادر أخرى متعددة من كتب الحديث أمثال كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب الاستبصار وكتاب الكافي للإمام الكليني وغيره. فالشيعة هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة، ووجوب النصِّ من الله على الإمام بواسطة النبي حيث نصَّ على ولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير.
قال البروفسور هنري كوربان أستاذ الفلسفة في جامعة السوربون والمستشرق الفرنسي الشهير: اعتقد إن المذهب الشيعي هو المذهب الوحيد الذي حافظ على علاقة الهداية الإلهية بين الخالق والمخلوق إلى الأبد، فقد جعل الولاية مستمرة متصلة حية، فالدين اليهودي ختم النبوة التي هي علاقة واقعية بين الّله والعالم الإنساني في النبي موسى وأنكر نبوة المسيح ومحمد بعد ذلك، كذلك المسيحيون توقّفوا عند المسيح أيضاً، وتوقف أهل السنة عند النبي محمد أيضاً، واعتقدوا إنّ علاقة الخالق بمخلوقه قد انتهت بخاتميته وأما المذهب الشيعي فهو المذهب الوحيد الذي يؤمن بأنّ النبوة ختمت بنبوة النبي محمد غير أنه يعتقد بأن الولاية التي هي علاقة الهداية المكملة مستمرة حية بعد النبي إلى الأبد. تؤمن فرق الشيعة كافة بالإمامة أي بوجود إمام يرث العلم وهو المسؤول عن قيادة الأمة الإسلامية بتكليف من الله، ففي الاعتقاد الشيعي أن الله لن يترك الأمة بدون قائد مكلف.
يتركز تواجد الشيعة الاثناعشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، وبنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مناطق عدة كالقطيف والإحساء والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وفي مسقط والباطنة في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج العربي و باكستان وأفغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى. ويتواجد الشيعة الإسماعيلية في نجران في المملكة العربية السعودية و الهند، أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن.
إذن، رَبْعُ عليّ يسبون عمر، ورَبْعُ عمر يسبون الشيعة. وكما ينبهنا حسن العلوي في كتابه عمر والتشيع فإن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت إلاّ من أُعطي جرأة محمد حُسين كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء والكتّاب.
أما الردُّ السُنّي، والحديث عن العراقيين فلا يخضع إلى قوانين الهجاء ومناقضاته، والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المُرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع، فظهر في وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة في المرويات السُنّية، والتقاط نماذج شيعية في التاريخ الإسلامي والتشهير بها على أن يكونوا دون مقام الأئمة فانتشرت روايات يفيض بها تاريخ بغداد ويتراجمون بها مع فريق القطيعة. وعلى قسوة الانقسام الاجتماعي، ومنذ العهد العثماني في العراق لم تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية، ولم يتحدث خطيب جمعة في نظرية وحدة الصحابة في منهج المقارنات بين علي ومعاوية. وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الأموية لمؤلفه أنيس النُصولي، وهو مدرّس وفد العراق من الشام، لم يقف فقهاء السُنّة في العراق إلى جانبهِ، مع انتصار كتاب ليبراليين وقوميين لصاحب الكتاب الذي قرر مجلس الوزراء باقتراح من وزير المعارف السيد عبد المهدي المنتفكي إلغاء عقده وإعادته إلى بلاده.
يُستثنى أيضاً ما كتبه عبد الرزاق الحصّان في رسالة تشهيرية في الثلاثينات من القرن الماضي بالشيعة، لكن الأمر لم يتطور إلى فتنة بين الفريقين. حتى في أصعب مراحل الصراع بين الصفويين والعثمانيين وقد اتخذ الفريقان من العراق ميدان حرب لهما، والجيش الصفوي يدمّر أضرحة أئمة السُنّة. وفي الطرف الآخر كان السلطان العثماني يقاتل الشيعة في بغداد، ثم يأمر بتجديد أو بناء ضريح للإمام موسى بن جعفر في الكاظمية قبل أن يتوجه إلى النجف وكربلاء لزيارة أئمة أهل البيت. وخلال ثمانين عاماً من حكم العراق الذي انفرد فيه السُنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة ومجلس الوزراء والمواقع العُليا بنسب شبه مُطلقة، لم تُصدر السلطة السنيّة قراراً بإطلاق اسم أحد الأمويين على شارع أو معهد أو ساحة.
إن النظام الذي أقامه عمر بن الخطاب، كما يقول طه حسين في "الفتنة الكبرى" لم يكن مستلهماً من أمة أخرى. لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد نظام حكم مطلقاً ولا نظاماً ديمقراطياً على نحو ما عرف اليونان ولا نظاماً ملكياً أو جمهورياً أو قيصرياً مقيداً على نحو ما عرف الرومان وإنما كان نظاماً عربياً خالصاً، بيَّّن الإسلام له حدوده العامة من جهة وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخرى. ولا يحتج أحد بشدة عمر، فالرجل بالتأكيد على حد زعم حسن العلوي، كان شديداً لكنه لم يكن عنيفاً. وكان ليناً ولم يكن ضعيفاً. ولتدعيم رأيه يستشهد المؤلف لما قاله هاشم معروف الحسني وهو مؤرخ شيعي معاصر في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر: " إن أحداً من المؤرخين لم ينقل عن الإمام علي أنه وقف موقف المعارض لخلافة بن الخطاب وبدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، ولا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار بمنحه النصيحة ويزوده برأيه، كلما أشكل عليه أمر من الأمور ". وكانت قريش والمتنفذون منها هم الذين ينادونه فيما بينهم بابن حنتمة أو الأعيسر ويعيبون عليه لبس القطوانية وهي عباءة يصنعها الكوفيون، ولم ينقل المؤرخون عن الإمام علي أنه تهاوش الكلام مع عمر، أو تساجل معه كما يتساجل المعارضون.
ويضيف العلوي وهو ينبش في مرويات التاريخ "ثكلتك أمك يا ابن الخطاب إن لم تقلها"، وقد قالها عمر نهارا جهارا إذ يسارع إلى رأس الإمام علي فيقبله "ولا أقامني الله في أرضٍ ليس فيها أبو الحسن".
وفي فصل من أكثر فصول هذا الكتاب المثير للجدل، إثارةً للجدل، بعنوان العراق العمري، يذكر المؤلف انه على المستوى التاريخي وبإجماع لم يخرج عليه مؤرخ، فإن عمر بن الخطاب هو ناشر الإسلام العراقي ومؤسس العراق العربي الأول. ولو كان عمر من أباطرة الأمم والشعوب، التي مرت على العراق فأقامت أو رحلت، لكان "العمريون"هو الاسم الذي يتسمى به سكان وادي الرافدين، بدلاً من لقبهم الوطني حالياً، مثلما سُمي أهل تلك البلاد بالسومريين والآشوريين والبابليين ثم العثمانيين. وتاريخ العراق العمري يبدأ في العام الثاني عشر للهجرة بقرار بناء مدينة البصرة، ثم الكوفة من بعدها، لتشكل هاتان المدينتان الجذر المزروع لحضارة عربية إسلامية، ستنشأ وتربو وتهيئ لأبي جعفر المنصور بناء المدينة الثالثة التي استعصم فيها، فصارت بغداد مركز تلك الحضارة، والبصرة والكوفة جناحيها اللذين طارت بهما من الصين إلى أبواب فرنسا. وحسب العلوي فإن عمر من هذا الجانب مؤسس حضارة رافدينية مثلما كان سرجون الأكدي وحمورابي ونبوخذنصر.
إن عمر بن الخطاب بدوره هذا، إنما مَنَح دوراً للعراقيين ولبقاع مغمورة كالبصرة ومهجورة كالكوفة وغير معروفة كبغداد أن تكون جاذباً لاستقطاب القبائل العربية الكبرى، فاستقرت المضرية في البصرة واليمانية في الكوفةِ وبهما أخذ العراق شكله العربي الأول. و بفضلِ عمر مؤسس البصرة وممُصر الكوفة، تعرفت العرب على مدارس النحو واللغة وعلوم الكلام والفلسفة. إن دور عمر في العراق مثل دوره في مصر، والعراق العمري صنو مصر العمرية التي أضافت إلى حضارتها حضارةً جديدة ومدناً جديدة. ويستغرب مؤلفنا ونحن نستغرب معه، كيف افتخر المصريون ببطلهم الجديد، فأنصفوه وجعلوه أنموذجاً للزهد والتسامي، وروحاً للعدالة الإلهية. فيما كبا أهل العراق كبوتهم، فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إلى ثقافة التسنن أو آخر منسوب على التشييع سوى علي الوردي وآخرين خارج المحيط الديني.
إن مؤسس العراق العربي أهملهُ العروبيون، فلم يصدر كتاب مستقل فيه عن مؤرخين "فطاحل"، وأُدباء "فُحول"، أمثال الشيخ محمد بهجت الأثري والدكتور عبد العزيز الدُوري، وأستاذ التاريخ العربي ناجي معروف، كما لم تصدر المؤسسة الدينية ومركزها الأعظمية أو الموصل كتاباً يُعرِّف العراقيين بمؤسس حضارتهم الإسلامية وممّصر بصرتهم وكوفتهم. بيد أن المصريين أخلصوا الودّ لمؤسس حضارتهم العربية. فكتب العقاد عبقرياته منشورةً في غرف الدرس وعلى أرصفة المدن العربية. وكتب طه حسين "الشيخان" و"الفتنة الكبرى" بجزأيها مُنصفاً مستلهماً روح الإسلام ومنهج البحث العلمي الحديث.
وكتبت بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن والمستشار عبد الحليم الجندي والشيخ أبو زُهرة وعبد الرحمن الشرقاوي في الإمام علي وفي تلك الفترة الإسلامية المثيرة، فتشكلت المدرسة المصرية مرجعاً سيوليه حسن العلوي عظيم الاهتمام في كتابه هذا. أمّا العراق والكلام ما زال للعلوي، فَخُلوٌ من هذا المنهج، وتلك المدرسة، رغم كونه ميدان الصراع الطائفي القديم والحاضر، وإذ يعزو المُطلعون على أسبابه إلى جهل الناس بتاريخهم الإسلامي، فَلم يسأل أحدٌ إلى من تُعزى أسباب هذا الجهل.