المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءةٌ في تَسَنُّن حسن العلوي



2005ليلى
10-12-2009, 08:52 AM
حكمت الحاج

جسر على نهر دجلة


http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_8d5ce816-ed4b-4eb8-890a-ca5ccc3b9a01.jpg


تدافعت حشود عابرة على جسر الأئمة في بغداد لإقامة المهرجان السنوي لذكرى استشهاد الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق المدفون في مقبرة خصصها لقريش الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 150 للهجرة، سميت بمدافن قريش، فدفن فيها ابنه ثم الإمام موسى بن جعفر وحفيده، وعندما توفي الإمام أبو حنيفة النعمان دفن في مقبرة الخيزران، على الجانب الشرقي من دجلة، وهي لعامة الناس، فسميت الأولى بالكاظمية نسبة إلى الإمام الكاظم على الساحل الغربي، وسميت الثانية بالأعظمية نسبة للإمام الأعظم أبي حنيفة، على الجانب الشرقي من دجلة، وحملت اسم الأعظمية. ومن ضاحية الأعظمية هذه، خرج الشاب عثمان العبيدي، وهو من السكان الأصليين، فرمى بنفسه إلى النهر سبع مرات، أنقذ في كل مرةٍ طفلاً أو رجلاً أو امرأةً شيعية، وفي المرة الثامنة أمسكه الغريق وقد أرهقه التعب، وخارت قواه، فلم يقدر على حمله إلى الشاطئ، وغرق عثمان بثقل من كان يستنقذه!.

بهذه الكلمات، وبهذه الروح الجياشة المليئة بالحماس والعاطفة، يفتتح الكاتب والمفكر العراقي الشهير حسن العلوي كتابه الجديد المثير للجدل تحت عنوان: (عمر والتشيع؛ ثنائية القطيعة والمشاركة) وهو من منشورات دار الزوراء للعام الحالي 2007 م.
وكعادته في التقاط الجوهري من اليومي العابر في حياة وتاريخ شعبه ووطنه، يقترب حسن العلوي أيما اقتراب من همس الوجدان الشعبي وضمير الأمة العام وهو يهدي كتابه إلى الشهيد عثمان بن علي العبيدي حبر هذه السطور، وابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي، إليه رجلاً أنقذ سبع أرواح من الموت غرقاً من بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي، الإمام الكاظم، وعند الثامنة تعانقت الروحان وهبط الجسدان معاً تحت مياه الجسر المشترك.
وبالفعل فقد كان لهذه الفاجعة التي حصدت أكثر من ألف ضحية في يوم واحد من أيام سنة خمس وألفين للميلاد، وما فعله الشهيد عثمان العبيدي ذلك اليوم، الوقع الأكبر في وجدان الناس، وخاصة الشباب منهم إذ راحوا يعبرون بمختلف الوسائل من انترنت وهواتف محمولة وقصائد شعرية وحكايات شفاهية ومرويات خيالية وأغانٍ شعبية عن هذه الحادثة وكيف أن هذا الشاب السني النشمي الشهم قضى نحبه وهو يحاول استنقاذ أرواح أخوته الشيعة الغرقى بمياه دجلة. وكانت أغنية (سَمِعْتُ بَغدادَ) للمطرب العراقي الصاعد حسام الرسام هي الأشهر في خضم تلك التعبيرات، إذ تقول في بعض أبياتها:
أيا أمّ الكنائس والمآذن/ مو كاعي ضريح شلون تنداس/ أيا جسر الأئمة من غرقنا/ إلك عثمان هو الكان غطاس/ هنا طفلٌ وشيخٌ هنا أمٌّ/ هنانه خدود كانت قبل تنباس/ وقد كانَ الرصيفُ كالمرايا/ هَسّهْ الجِثَثْ قامْ يكنسها كَنّاسْ.

ويمكنكم الاستماع إليها كاملة بالنقر على الرابط التالي:

http://www.6rbtop.com/listen.php?song_id=42703&type=au&q=hi

وكانت هذه الحادثة وتداعياتها والجو العام الملبد بالسُّحُب الطائفية ونُذُرُ الحرب الأهلية المتربصة بالعراق وأهله مثل شبح مترع باللعنة، هي التي أفضت بحسن العلوي إلى أن يلحظ أن البلاد إنما تنام على بحيرة من التجاذب والتناحر السني الشيعي وانه قد آن الأوان للاعتراف بذلك بل وللخوض فيه مهما كانت النتائج.

فمنذ خمسين عاماً، وعمر بن الخطاب يشكل خطوط صورة مغرية للكتابة والتأليف عند كاتبنا حسن العلوي، وهو وإن كان قد استكمل أدواته العلمية منذ تخرجه في كلية الآداب عام 1958، إلا إن الوقت لم يكن مناسبا للتدوين إلا في السنوات الثلاث الأخيرة، بعد اشتعال النيران الطائفية في العراق وانتقال الحرب من صفحات الكتب وأعمدة المنابر في فترة الحرب العراقية – الإيرانية، وما تلاها من تطورات في العراق إلى واجهات المنازل وأجساد الضحايا وسكاكين الذبح، فأصبحت الكتابة في عمر بن الخطاب وفي نقد الخطاب الطائفي واجبة وجوب الماء لإطفاء النار، على حد تعبير المؤلف.
وكان مِمّا عَجّل في إصدار هذا الكتاب على سوء صحة كاتبه العلوي إن الفضائيات العربية كما يقول صارت تنقل شهادات لعلماء دين من الشيعة يتنافسون على مسبة عمر بن الخطاب وأبي بكر، وكأنهم بهذا يوفرون (الدليل الشرعي)، والمسوغ الفقهي للانتحاريين الذين يستهدفون المدن والبلدات الشيعية بالسيارات المفخخة (نكالاً) لهم على شتمهم عمر وتشهيرهم بعائشة!!.

يذهب المؤلف إلى أن هذا الكتاب ليس من شأنه الولوج في بطون العقائد، ولا الاقتراب من هوامشها وحواشيها، وليس في منهج المؤلف الوقوف بين مشتجر الخلاف وسطاً بين بين، ولا نذهب إلى سوق الاشتجار براية الهلال الأحمر. ولكنه يتساءل أيضا ألا يعني هذا أن السلم الأهلي في العراق يرتبط بالكتابة التاريخية ابتداء من العصر النبوي؟

وهل علينا إبطال المناهج والوسائل والمستحدثات التي قدمها شيوخ مدرسة اللعن، دون أن نغفل المدرسة الأموية التي سبقت السلطان طهماسب في أسلوب السب وشتم الإمام علي بأكثر من عشرة قرون؟

ولا يخرج حسن العلوي في هذا الكتاب عن أفكار تضمنتها كتبه السابقة، لا سيما كتابه المعنون الشيعة والدولة القومية، الصادر عن دار الزوراء عام 1988، الذي لم يتعرض فيه لخلاف المذاهب وتفضيل مذهب على آخر أو الترويج لمذهب ضد آخر. فمثل هذا الحقل سيكون خاصاً بالمشتغلين في العلوم الدينية والفقهية. والعلوي يشتغل بعلوم الفكر والسياسة العامة.

كتاب عمر والتشيع هو تدوينة حرة مفتوحة الاتجاهات في عمر بن الخطاب، وفي سياسة الخطاب الشيعي إزاءه، ولم يبتغيها المؤلف حسن العلوي كتاباً موصد الأبواب، وبحثاً مشروطاً مكبلاً بسلاسل الايدولوجيا وشروط الانتماء، يقصد انتماءه الشيعي. وهي في ناتجها كتابة تاريخية في إشكال سياسي راهن، نطل منها على الطوفان العراقي، والعراق منقسم على ثنائية عمر وعلي، التي تسلّكت في قنواتها السرية إلى السياسة الدولية، منذ مطلع القرن الماضي، فيخطط إستراتيجيون بريطانيون طريقهم إلى البصرة آملين كسب المنبوذين الشيعة في الحرب على الأتراك السنة.

لكن كيف ينتقل بنا حسن العلوي من ثنائية شقت تاريخنا العربسلامي كله وصولا إلى حاضرنا العربي اليوم واعني بها ثنائية علي ومعاوية إلى ثنائية أخرى ليس لها ذلك الحضور القوي في النظر إلى الماضي والحاصر العربيين واعني بها ثنائية عمر وعلي؟ يبدو لي إن الجواب على هذا التساؤل موجود عند العلامة الدكتور علي الوردي الذي يشيد به العلوي في كتابه هذا بشكل واضح إذ يقول علي الوردي:

أصبح النزاع بين الشيعة وأهل السنة في العصور المتأخرة، كأنه نزاع بين علي وعمر. وصار الناس يطلقون على الشيعة اسم "رَبْع علي" أي جماعة علي، وعلى أهل السنة " رَبْع عمر" أي جماعة عمر. وظهر هذا بجلاءٍ في العراق في العهد العثماني يوم كان التنافس شديداً بين الصفويين والعثمانيين. وانهمك العوام في هذا الموضوع انهماكاً غريباً حتى خيل للناظر أن علياً وعمر كانا في حياتهما متباغضين تباغضاً عنيفاً.فقد تزوج عمر من ابنة علي، وتولى أصحاب علي الولايات المهمة في عهد عمر. وكان عمر يستشير علياً في كثير من القضايا ويمدحه، كذلك كان علي يمدح عمر في حياته وبعد مماته كما جاء في نهج البلاغة.

فما هو السبب الذي جعلهما متباعدين بعد موتهما بينما كانا في حياتهما متقاربين تقارباً واضحاً؟ رواية تقول: إن عمر بن الخطاب كان يذهب إلى القصاب الذي يدير مِلْحَمَةً (أي محلا لبيع اللحوم) كبيرةً تابعةً للزبير بن العوام وهي الوحيدة في المدينة، فإذا رأى رجلاً اشترى لحماً يومين متتاليين ضربه بالدِرَّة قائلاً: ألا طويت بطنك لجارك وابن عمك؟.

ونحن نرى في هذا السياق إن كل ما يخص النظر إلى الماضي التاريخي في كتاب حسن العلوي إنما جاء من جهة علي الوردي مثل حديث المِلْحمة والدِرة وهي بكسر الدال وتضعيف الراء عصا تسمى في العراق شطبة كانت تستخدم لخفق البقرة برفق على ضروعها لاستدرارها فسميت بالدرة على ما يعتقد بذلك المؤلف وهي نفسها التي يستخدمها الآن فرسان الخيول في السباقات، والمقصود هنا عصا عمر الشهيرة والتي أفرد لها العلوي صفحات عدة للتغزل بها،

والاستشارة أي استشارة عمر لعلي في مجمل المسائل الفقهية والقانونية والسياسية الخ... وإن كل ما ورد في الكتاب نفسه من النظر إلى الحاضر العراقي الرهيب الآن مثل موضوع المحاصصة الطائفية والمصالحة الوطنية والفيدرالية الخ إنما يجئ من التاريخ الشخصي لحسن العلوي وفكره، ومن موقعه المهم في السلطة العراقية بعد ثورة البعث في 17 تموز عام 1968 وأيضا من علاقته القوية مع الرئيس العراقي السابق صدام حسين،

ومن موقعه المهم فيما بعد في صلب المعارضة العراقية. ولا يغير شيئا من قناعتنا هذه وحسن العلوي يقول في كتابه المهم الذي بين أيدينا الآن بعنوان عمر والتشيع ما نصه (هذا والحمد لله أن العلوي كاتب السطور والذي طارده نظـام البعث في العراق ربع قرن لاستئصاله وقف بعد سقوط نظام الحزب في 9/4/2003 على منصات التلفزيون وأمام الميكروفونات ناصحاً أصدقاءه في السلطة الجديدة بعدم المضي في سياسة الاستئصال وكان من أبرز معارضي قانون الاجتثاث.)

ويقصد قانون اجتثاث البعث الذي نجحت جهود العلوي وغيره من الطيف العراقي البَينَ بَينيّ في إجهاضه ليتحول بقدرة قادر إلى قانون للمُسَاءَلَة والعدالة وهو أكثر غموضا من قصيدة نثرية لشاعر عراقي حداثي سواء أكان اجتثاثاً أم مُسَاءَلَةً.

يأخذنا حسن العلوي في لغة شفافةٍ بَلْ قُلْ شاعريةٍ إلى مسح جوي بكاميرا سياسية متتبعة لأدق الشؤون والنأمات في حياتنا المعاصرة فنرى كيف تغير الحرب الأمريكية على دولة الفقيه الشيعي، الذي حجز في طهران على موظفي أكبر سفارة أمريكية في خليج العرب والمنطقة. ليكون العراق وليس باكستان وتركيا السنيتان والحليفتان مكان الإغارة في حرب تستمر ثماني سنوات، فتتخم أسماك نهر كارون وشط العرب بلحوم الجنود قبل أن يحين الوقت المجهول لحرب أمريكية على السنة. فجاءهم الغيث من كهوف تورا بورا وهجوم تنظيم القاعدة على نيويورك بطائرات مدنية قطرت الرؤوس العليا لمعماريات مانهاتن قبل انهيارها مع ثلاثة ألاف أمريكي أعلن عن هلاكهم في الهجوم. وكان المتوقع، وقد حددت الولايات المتحدة الأمريكية، مساقط رؤوس المهاجمين،

أن تبدأ الحرب الأمريكية على السنة في بلد هم فيه أغلبية مطلقة. لكنهم، ودائما مع حسن العلوي، وجدوا في العراق موطناً للحروب لا يضيق بحرب أمريكية رفضت تركيا اندلاعها على أرضها وكذا باكستان والسعودية ومصر رغم اختلافها السياسي مع شيعة إيران، ولا بحرب أمريكية على سنة العراق سترفض دول العالم الإسلامي والعربي وهي سُنية بالإجماع الاستسلام لها. لكن ثنائية علي وعمر، شكلت جاذباً لوجستياً مغرياً ومضمون النتائج يوفر المناخ الصالح لحروب البيت الأبيض على الشيعة والسنة وحروب الباب العالي وغريمه الصفوي، مادام قصر يلدز حافلاً بحروف عمر المنقوشة على جداريات القصر، وما دام شاه تبريز قد أقام مصنعاً للكاشان الممهور باسم عليًّ، وستجد السياسة البريطانية وحليفتها الأمريكية ما وجده الشاه والسلطان شعباً في بغداد يهلل للمنتصر على ساحلها الغربي وشعباً يستقبل الشاه المنتصر، وقد وسع في الصحن الشريف غرفاً جديدة بعد أن قذف على الساحل الشرقي جثثاً ضاقت بها بساتين الأعظمية. أما أسماك دجلة، فلم تعد تأكل صغيراتها، ففي ثنائية عمر وعلي، الأسماك تأكل البشر، مابين بغداد وخرّم شهر، ومابين القرن العاشر والقرن العشرين.

يجب أن نصفق لهذه البلاغة في التدوين المحترف، ولكن دعونا نتفحص هنا بعض الأفكار. ففي كتابه السابق "الشيعة والدولة القومية" لم يتحدث العلوي على الإطلاق عن حقوق طائفية بل عن حقوق مدنية. وقد جاء في مقدمة الكتاب الصفحة 11 الطبعة الثانية أن الكاتب لا يرجّح، حتى هذه اللحظة مذهباً على آخر، وأنكر أن يكون الخلاف في العراق خلافاً بين أبي حنيفة وجعفر الصادق وأعطى مثلاً أن السلطة التي سميت سنية لا تعرف شيئاً عن مذاهب الإسلام، ولم تحترم رئيس المذهب الحنفي الإمام الأعظم النعمان بن ثابت، فأقامت على أمتار من مسجده دار سينما حرة في عرض الأفلام، وعلى شاطئه صالات تسمح باحتساء الخمور والرقص المختلط في الوقت المناسب.

إن كتاب الشيعة والدولة القومية يدعو لإلغاء فكرة التمذهب، أما وقد سقط النظام القديم، وظهر نظام أعطى للشيعة دوراً أساسيا في صناعة القرار السياسي وبرلماناً هم فيه الأغلبية شبه المطلقة، فقد أوشك أن يكون الشيعة هم المذهب الحاكم وأهل السنة هم المذهب المحكوم.
ومن منطلق توفيقي متضارب أيضا ينفي حسن العلوي في كتابه (الشيعة والدولة القومية) وجود الانتماء الطائفي للعراقيين مع اعترافه بالوجود الطائفي ويقول إن التمييز الطائفي وليس الانتماء لطائفة هو ما يجعل الإنسان طائفيا ً وإن الخلاف بين السنة والشيعة ليس له طابع شعبي أي أن الطائفية العراقية ليست طائفية شارع وإنما طائفية سياسية رسمية تتصل بالسلطة وان التشيع ظهر أيام النبي محمد ونواته كانت مجموعة من الصحابة اعتقدوا بإمامة علي. ويكرر الكاتب على امتداد صفحات كتابة ربط التشيع بالعنصر الفارسي.

http://www.elaph.com/elaphweb/Resources/images/Culture/2007/12/thumbnails/T_acbe6ea6-87d4-4191-b10b-e098dfa85b7a.jpg

يقول حسن العلوي انه بسبب نفوذ حركات إسلامية شيعية، شاعت في الخطاب الشيعي السياسي لغة تضعف موقفه في مواجهة مشروع تعجيم الشيعة الذي اعتنى به وتعهده سنة السلطة في نطاق نظري على الأقل، بينما أوشكت الاتجاهات الراهنة لبعض السياسات الشيعية في العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب كان بعضه رد فعل لممارسات نظام قومي عربي استأثر بالسلطة طائفياً ونكّل بمواطنيه في الأغلبية العربية الداعين لقيام نظام حكم مشترك، غير أن تبريراً لميل شيعة السلطة الحالية نحو عزلة خارج المحيط العربي سيجد معارضة الأغلبية العربية ومثقفيها المستقلين.

في هذا الكتاب يستمر منهج حسن العلوي من منطلقه العربي والعراقي واعتماد منهج تاريخي يؤصل للصراع ويحيله إلى القائلين أولا بالقطيعة التامة والكاملة والمؤبدة بين الإمام علي وسلطة الخلفاء الراشدين الثلاثة واستخدام خطاب تقليدي يتعرض فيه الدعاة والخطباء لمقامات الصحابة فيثيرون حفيظة الأغلبية العربية والإسلامية، في وقت لا يشكل فيه الشيعة نسبة قادرة على تحمل أعباء العزلة والقطيعة وهي تنتقل من تخوم التاريخ إلى أزقة الحاضر.

والكتاب يروج لنظرية المشاركة في سعيه لرفع الحصار عمن ينحدر الكاتب من أصلابهم وذلك وَجْدَاً بعمر وسيراً على طريق السلم الأهلي الذي يبدأ عندي كما يقول العلوي من لحظة التصالح مع التاريخ حتى يسهل لدعاة المشاركة أن يتصافحوا في الحاضر. "فسلام على التشيع سلام على العراق سلام على دجلةَ سلام على السعفات الطوال وألف سلام على ابن حنتمة". وابن حنتمة هو الخليفة الراشدي الثاني. وبئس كتاب يزعم الدفاع عن عمر...

لا يدافع حسن العلوي عن عمر بن الخطاب كما يزعم في أول كتابه هذا، فمن يحتاج إلى هيئة لكتب الدفاع هم الذين لم يكتشفوا عمر حتى الآن. وجزء من الكتاب هو ليس الكتاب، وان كان التجزيئيون من أهل القطيعة سيفعلونها، مثلما جزؤوا التاريخ المشترك لعلي وعمر في القرار وروح المسؤولية التي أدير بها المركز الجديد لإدارة الشرق القديم على حصيرة من سعف النخيل فوق تراب المسجد النبوي.

دخل الإسلام إلى العراق واستقر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. وبقي العراق سُنياً طوال الخلافتين الأموية والعباسية باستثناء تشيع محدود في منطقة الفرات الأوسط. واجتمعت به معظم المدارس الفقهية السنية، فكان للمالكية وجود في البصرة ثم بغداد. وكانت بغداد مركز الحنابلة الرئيسي قبل تدميرها من قبل هولاكو. كما انتشر المذهب الشافعي في الجنوب، والمذهب الحنفي في الشمال. وبالرغم من سيطرة الشيعة على الحكم أثناء حكم البويهيين فإن سكان العراق بقوا على المذهب السني. بعد تمكن الجيش المغولي بقيادة هولاكو من تدمير بغداد بمساعدة الوزير ابن العلقمي، قام المغول بإبادة جماعية لأهل السنة في بغداد بينما تركوا الأقلية الشيعة في الكرخ على حالها. وتعرضت بغداد لتدمير آخر على يد تيمورلنك. وتعرّض العراق في عهد الصفويين لهجمات دموية كانت هدفها نشر التشيع.

ويشير الباحث بشير موسى نافع في كتابه (العراق.. سياقات الوحدة والانقسام، دار الشروق، القاهرة 2006) إلى أن الشيعة لم يكونوا أكثرية في القرن الخامس الهجري في أي من المدن الإسلامية سوى الكوفة والري (قرب طهران اليوم). وكان إسماعيل الصفوي قد توجّه بجيش كثيف إلى بغداد، ودخلها سنة 941هـ وفتك بأهلها وأهان علماءها وخرّب مساجدها وجعلها اصطبلات لخيله.

فاضطر السلطان سليمان القانوني إلى وقف زحفه في أوروبا، وعاد بقسم من الجيش لمحاربة الصفويين وتأديبهم. لكن الشاه عباس الصفوي انتهز تغلغل العثمانيين في أوروبا وحروبهم مع النمسا والمجر، فعاد إلى مهاجمة بغداد، ودخلها سنة 1033هـ 1623. يقول العلامة العراقي د. علي الوردي متحدثاً في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، ج1) عن حكم الصفويين لإيران والعراق: "يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسماعيل الصفوي) عمد إلى فرض التشيع على الإيرانيين بالقوة، وجعل شعاره سب الخلفاء الثلاثة. وكان شديد الحماس في ذلك سفاكاً لا يتردد أن يأمر بذبح كل من يخالف أمره أو لا يجاريه. قيل أن عدد قتلاه ناف على ألف ألف نفس" أي مليون سني. وأدى انهيار الدولة الصفوية في إيران سنة 1722، وما صاحبه من فقدان للأمن وحروب الأمراء، إلى هجرة أعداد متزايدة من العلماء الشيعة إلى النجف وكربلاء.

يقول د. ناصر القفاري في كتابه (أصول مذهب الشيعة، ج3): "في سنة 1326هـ كشف العلامة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد إلى صديقه الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ونشرتها المنار، كشف أثناء سياحته في تلك الديار ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم الذين يرغبون الاستمتاع بكثير من النساء في كل وقت". ويقول إبراهيم الحيدري في كتابه (عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد): "وأما العشائر العظام في العراق الذين اتبعوا مذهب التشيع إلى آل البيت من قريب فكثيرون. منهم ربيعة تشيعوا منذ سبعين سنة. وتميم وهي عشيرة عظيمة تشيعوا في نواحي العراق منذ ستين سنة بسبب تردد رجال الدين الشيعة إليهم. والخزاعل منذ أكثر من مئة وخمسين سنة، وهي عشيرة عظيمة من بني خزاعة فحرّفت وسميت خزاعل. وعشيرة زبيد وهي كثيرة القبائل وقد تشيعت منذ ستين سنة بتردد العلماء إليهم.

ومن المتشيعة عشائرة لمذهب آل البيت بنو عمير وهم بطن من تميم والخزرج وهم بطن من الأزد، وشمر وهي كثيرة، والدوار والدفافعة. ومن المتشيعة عشائر العمارة آل محمد وهي لكثرتها لا تحصى وتشيعوا من قريب. وعشيرة بني لام وهي كثيرة العدد. وعشائر الديوانية وهم خمس عشائر: آل أقرع، وآل بدير، وعفج، والجبور، وجليحة. ومن عشائر العراق العظيمة المتشيعة منذ مئة سنة فأقل: عشيرة كعب وهي عشيرة عظيمة ذات بطون كثيرة". ومع ذلك بقيت أكثر عشائر العراق سنية. إذ أكبر العشائر فيه هم: الدليم ثم الجنابيون ثم شمر ثم عنزة – ومنهم زوبع – ثم الجبور ثم العبيد ثم الغرير ثم قيس ثم العَزَّة. وهذه العشائر كلها سنية، وهي أكبر العشائر في العراق. وأما العشائر الشيعية فهي ربيعة والفتلة. وهؤلاء لا يمثلون ربع ما يمثله أهل السنة.

وعن تأثر العراق بإيران يقول الوردي: "بعد أن تحولت إيران إلى التشيع، أخذت تؤثر في المجتمع العراقي تأثيراً غير قليل. فقد بدأ التقارب بين الإيرانيين وشيعة العراق ينمو بمرور الأيام. وصارت قوافل الإيرانيين تتوارد تباعاً إلى العراق من أجل زيارة العتبات المقدسة (عند الشيعة) أو طلب العلم أو دفن الموتى وغير ذلك". يقول د. فرهاد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين في كتابه "الطائفية والسياسية في العالم العربي" موضحاً أثر تشيع هذه القبائل في جعل الشيعة أكثرية في العراق، فيقول (ص44): "المذهب الشيعي لم ينتشر بصورة كبيرة في العراق إلا تحت حكم المماليك (1743-1831". ويقول في (ص45): "أثَّرت الدعاية الشيعية وذكر الظلم الذي تعرضوا له ومقتل الحسين في كسب القبائل ونشر التشيع". ويضيف في (ص48) أن جماعات السكان من الشيعة من منطقة بلاد ما بين النهرين كانوا يشكلون منذ هجرة القبائل العربية من شبه الجزيرة أعداداً قليلة، وذلك في الفترة منذ القرن السابع عشر وحتى القرن التاسع عشر، ولم يشكل الشيعة الأغلبية في مجموع السكان إلا بعد الهجرة وتحول هذه القبائل إلى المذهب الشيعي. ويقول المؤلف (ص63-64): "إضافة إلى القبائل التي نزحت إلى العراق وتشيعت، فإن هناك الفرس والفرس المستعربين والهنود يشكلون نسبة غير ضئيلة من مجموع السكان الشيعة خاصة في المراكز الحضرية. وكانت هجرة رجال الدين الشيعة وعدد آخر من جماعات السكان إلى العتبات المقدسة قد جاء نتيجة لانهيار الدولة الصفوية. وظلت هذه الهجرات تتوالى حتى نشأة الدولة الحديثة في العراق".

وكان انتشار التشيع في جنوب العراق قد تم تحت سمع الدولة العثمانية وبصرها، وبموافقة رجالها في معظم الأحيان. إذ أنه منذ أن وصل العثمانيون للعراق، قام سليمان القانوني بإتمام بناء الحضرة الكاظمية، وزار المقامات السنية والشيعية، وأمر بحفر نهر الحسينية لإيصال المياه إلى مدينة كربلاء. وتحت الدولة العثمانية انفصل القضاء الشيعي في العراق مديراً شؤونه بقدر كبير من الاستقلال. كما أن الدولة العثمانية كانت صوفية. و بسبب التداخل بين التشيع والتصوف في آسيا الصغرى في العصور الإسلامية الوسيطة المتأخرة، فقد احتلت الرموز الشيعية والولاء لآل البيت موقعاً بارزاً في الثقافة العثمانية المبكرة. وكان الولاة حنفية متصوفة تشوب تصرفاتهم "مسحات شيعية" فكانوا يعتنون بمراقد الأئمة في بغداد والنجف وكربلاء.


بالرغم من وجود أقلية شيعية كبيرة في العراق في بدايات القرن العشرين، لكن العلاقة بين السنة والشيعة ظلّت طيبة في بداية الأمر. وهذا يوضح قبول العشائر الشيعية بأن يحكم العراق أهل السنة بعد الثورة على الإنكليز، التي شاركت بها العشائر السنية والشيعية على حدٍ سواء. وحسب موسوعة ويكيبيديا العالمية www.wikipedia.org على شبكة الإنترنت، حدث أول اضطراب طائفي في صفوف الشيعة بتحريض لاجئ سياسي إيراني – هندي الأصل– يسمى روح الله الخميني. حيث نجح في إحداث اضطرابات شيعية في مدينتي النجف وكربلاء ضد الحكومة المركزية عام 1977. فقامت الحكومة العراقية في العام التالي بطرده إلى فرنسا. وعندما استولى الخميني على الحكم في إيران عام 1979 قام باستفزاز العراق لشن حرب الخليج الأولى عام 1980،

واستمر تأجيجه للعداء الشيعي السني عن طريق علاقاته مع رجال الدين الشيعة. وقام بتأسيس معارضة شيعية عراقية مركزها طهران. وحاول الخميني نقل مرجعية الشيعة من مدينتي النجف وكربلاء في العراق إلى مدينة قُم في إيران. لكن الكثير من رجال الدين الشيعة في العراق عارضوا أفكاره (مثل نظرية ولاية الفقيه). ولذلك بقيت الغالبية العظمى من الشيعة في العراق موالية للعراق وليس لإيران. وأثناء الحرب العراقية الإيرانية، كانت الأفكار القومية هي السائدة في العراق. لذلك كان ثلاثة أرباع جنود الجيش العراقي من الشيعة.

وقد قاتل هؤلاء ضد الإيرانيين الشيعة من منطلق القومية العربية لا المذهب. وبقي العداء التاريخي القومي بين العرب والفرس هو المسيطر. وباعتبار أن غالبية أعضاء حزب البعث في العراق كانوا من الشيعة، فقد وصل الشيعة إلى مناصب عالية في الدولة. وكانت سيطرتهم في التعليم والتجارة والاقتصاد واضحة. ولا يوجد أي إحصاء سكاني في العراق دقيق وحديث، يُظهِر النسب الحقيقية لكل طائفة، حيث تركز الإحصائيات على التوزيعات العرقية وليس الطائفية. ولذلك تختلف التقديرات في نسبة كل طائفة وأي منها تشكل الغالبية.

الشيعة كلمة مشتقة من فعل تشيع وللبحث في الانترنت يمكنك استعمال الكلمات المفتاحية التالية: Shi‘ism التشيع أو المذهب الشيعي، Twelver Shi‘ism الشيعة الاثناعشرية، Shi‘ite Islam الإسلام الشيعي. وهم الذين يتخذون نهجا معينا أو يتبعون طريق أو فكر شخص معين. والشيعة يقصد بهم شيعة علي أي أنصار علي بن أبي طالب وهي طائفة من المسلمين ترى أن محمد بن عبد الله إنما أراد أن يخلفه علي بن أبي طالب ابن عمه وزوج ابنته، ولا يقرون بالخلافة عن طريق الشورى التي انتهت بتولي أبي بكر الخلافة، لذا يُخَطّئ الشيعةُ الخلفاءَ الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان ويتهمونهم بأنهم اغتصبوا الخلافة من علي بعكس ما يعتقده السنة من أن الخلافة انتقلت إلى أبي بكر بإجماع الصحابة (السقيفة) ثم انتقلت إلى عمر ثم عثمان ثم علي.

يؤمن الشيعة أن عليا وأبناءه أئمة في الناس بعد رسول الله بالنص. وورثوا عنه العلم والعصمة وطاعتهم واجبة، وأن لهم مقام لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأن إمامتهم وخلافتهم لرسول الله منصوص عليها بالوحي في أصل القرآن. يطلق على مذهبهم الفقهي اسم المذهب الجعفري لذلك يعرفون أيضا باسم الجعفرية. تأتي كلمة شيعة أساسا من تشيع لشخص أي ناصره وأيده، وقد أطلقت أساسا على أنصار علي، ثم امتدت لتطلق على مناصري حق أولاده في الخلافة بعد مقتل علي بن أبي طالب، بالتالي ولم يكن هناك من خلاف عقائدي بين باقي المسلمين وبين الشيعة سوى بعقيدة الإمامة وكان الكثير من شيوخ البخاري يطلق عليهم لقب متشيع وهم من أئمة الحديث المحسوبين على المذهب السني الآن، وهذا ما يؤدي إلى كثير من اللغط حول اعتبار بعض المحدّثين والمؤرخين شيعة حسب كتب الرجال.

وقد ذكرت كلمة شيع (ج. شيعة) في القرآن بمعنى فرق مستقلة: "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون" (الأنعام 115) في المقابل يرجع الشيعة هذا اللقب "شيعة" إلى نبي الإسلام محمد بن عبد الله الذي أطلقه على أنصار علي من أبي ذر وسلمان الفارسي وغيرهم من الصحابة، ويذكرون أنه بعد وفاة الرسول اجتمع شيعة علي يريدون مبايعته لكنهم لم يتعدوا الأربعين ولو تعدوا الأربعين لقاتل علي باقي الصحابة على الخلافة التي يراها من حقه كما تقول رواياتهم.

يعتمد الشيعة في عقيدتهم على أن محمدا قد نص في حياته حسب ما يفهمونه من الأحاديث المتواترة والموثقة في حديث الغدير على أن الإمام والخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب: فقد قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) واعتبروا هذا التعيين نصا وتبليغا من محمد على خلافة علي بن أبي طالب على جميع المسلمين بعده مباشرة. ويأخذ الشيعة بالمذهب الفقهي الجعفري الذي ينسب للإمام جعفر الصادق والذي تم الاعتراف به من قبل الأزهر الشريف بمصر.

يعتمد الشيعة في علومهم وفي تلقي الدين على ما تم توارثه من أئمة آل البيت، وينكرون الاحتجاج من غيرهم كالصحابة. ولا يؤمن الشيعة بعدالة جميع الصحابة وبذلك فإنهم لا يعرفون بكثير مما صح عند أهل السنة في كتب الحديث السنية من أمثال صحيح البخاري أو صحيح مسلم. إلا أن لهم في ذلك مصادر أخرى متعددة من كتب الحديث أمثال كتاب من لا يحضره الفقيه وكتاب الاستبصار وكتاب الكافي للإمام الكليني وغيره. فالشيعة هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة، ووجوب النصِّ من الله على الإمام بواسطة النبي حيث نصَّ على ولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير.

قال البروفسور هنري كوربان أستاذ الفلسفة في جامعة السوربون والمستشرق الفرنسي الشهير: اعتقد إن المذهب الشيعي هو المذهب الوحيد الذي حافظ على علاقة الهداية الإلهية بين الخالق والمخلوق إلى الأبد، فقد جعل الولاية مستمرة متصلة حية، فالدين اليهودي ختم النبوة التي هي علاقة واقعية بين الّله والعالم الإنساني في النبي موسى وأنكر نبوة المسيح ومحمد بعد ذلك، كذلك المسيحيون توقّفوا عند المسيح أيضاً، وتوقف أهل السنة عند النبي محمد أيضاً، واعتقدوا إنّ علاقة الخالق بمخلوقه قد انتهت بخاتميته وأما المذهب الشيعي فهو المذهب الوحيد الذي يؤمن بأنّ النبوة ختمت بنبوة النبي محمد غير أنه يعتقد بأن الولاية التي هي علاقة الهداية المكملة مستمرة حية بعد النبي إلى الأبد. تؤمن فرق الشيعة كافة بالإمامة أي بوجود إمام يرث العلم وهو المسؤول عن قيادة الأمة الإسلامية بتكليف من الله، ففي الاعتقاد الشيعي أن الله لن يترك الأمة بدون قائد مكلف.

يتركز تواجد الشيعة الاثناعشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، وبنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مناطق عدة كالقطيف والإحساء والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية وفي مسقط والباطنة في سلطنة عمان، وباقي دول الخليج العربي و باكستان وأفغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى. ويتواجد الشيعة الإسماعيلية في نجران في المملكة العربية السعودية و الهند، أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن.

إذن، رَبْعُ عليّ يسبون عمر، ورَبْعُ عمر يسبون الشيعة. وكما ينبهنا حسن العلوي في كتابه عمر والتشيع فإن الشيعي في فريق القطيعة قد يسُّبُ عمر على الشفاه، إذا كان من عامة الناس، ويسبُّه على مجلدات الأسفار إذا كان عالماً موسوعياً أو شاعراً أي شاعر، فيما يتحرك المتأثرون بنظرية المُشاركة وهم أقلية قليلة في المجتمع الشيعي على استحياء فيلوذون بالصمت إلاّ من أُعطي جرأة محمد حُسين كاشف الغطاء وعلي الوَردي ومعهما قلة من الفقهاء والكتّاب.

أما الردُّ السُنّي، والحديث عن العراقيين فلا يخضع إلى قوانين الهجاء ومناقضاته، والسُنّي في ثنائية عمر وعلي لا يتعرض للإمام علي بسوء في رده على من ينال من عُمر، وإنما بفتح شهيته التاريخية على المُرويات الفقهية لسَب الشيعة وليس إمام التشيع، فظهر في وقتٍ مبكر مشروع تعجيم الشيعة في المرويات السُنّية، والتقاط نماذج شيعية في التاريخ الإسلامي والتشهير بها على أن يكونوا دون مقام الأئمة فانتشرت روايات يفيض بها تاريخ بغداد ويتراجمون بها مع فريق القطيعة. وعلى قسوة الانقسام الاجتماعي، ومنذ العهد العثماني في العراق لم تظهر لدى سُنّة العراق كتابات أموية، ولم يتحدث خطيب جمعة في نظرية وحدة الصحابة في منهج المقارنات بين علي ومعاوية. وعندما ظهر كتاب يروّج للدولة الأموية لمؤلفه أنيس النُصولي، وهو مدرّس وفد العراق من الشام، لم يقف فقهاء السُنّة في العراق إلى جانبهِ، مع انتصار كتاب ليبراليين وقوميين لصاحب الكتاب الذي قرر مجلس الوزراء باقتراح من وزير المعارف السيد عبد المهدي المنتفكي إلغاء عقده وإعادته إلى بلاده.

يُستثنى أيضاً ما كتبه عبد الرزاق الحصّان في رسالة تشهيرية في الثلاثينات من القرن الماضي بالشيعة، لكن الأمر لم يتطور إلى فتنة بين الفريقين. حتى في أصعب مراحل الصراع بين الصفويين والعثمانيين وقد اتخذ الفريقان من العراق ميدان حرب لهما، والجيش الصفوي يدمّر أضرحة أئمة السُنّة. وفي الطرف الآخر كان السلطان العثماني يقاتل الشيعة في بغداد، ثم يأمر بتجديد أو بناء ضريح للإمام موسى بن جعفر في الكاظمية قبل أن يتوجه إلى النجف وكربلاء لزيارة أئمة أهل البيت. وخلال ثمانين عاماً من حكم العراق الذي انفرد فيه السُنّة بالقرار السياسي ورئاسة الدولة ومجلس الوزراء والمواقع العُليا بنسب شبه مُطلقة، لم تُصدر السلطة السنيّة قراراً بإطلاق اسم أحد الأمويين على شارع أو معهد أو ساحة.

إن النظام الذي أقامه عمر بن الخطاب، كما يقول طه حسين في "الفتنة الكبرى" لم يكن مستلهماً من أمة أخرى. لم يكن نظام الحكم الإسلامي في ذلك العهد نظام حكم مطلقاً ولا نظاماً ديمقراطياً على نحو ما عرف اليونان ولا نظاماً ملكياً أو جمهورياً أو قيصرياً مقيداً على نحو ما عرف الرومان وإنما كان نظاماً عربياً خالصاً، بيَّّن الإسلام له حدوده العامة من جهة وحاول المسلمون أن يملئوا ما بين هذه الحدود من جهة أخرى. ولا يحتج أحد بشدة عمر، فالرجل بالتأكيد على حد زعم حسن العلوي، كان شديداً لكنه لم يكن عنيفاً. وكان ليناً ولم يكن ضعيفاً. ولتدعيم رأيه يستشهد المؤلف لما قاله هاشم معروف الحسني وهو مؤرخ شيعي معاصر في كتابه سيرة الأئمة الاثني عشر: " إن أحداً من المؤرخين لم ينقل عن الإمام علي أنه وقف موقف المعارض لخلافة بن الخطاب وبدا منه ما يسيء إلى صلاته به، بل رضي لنفسه أن يكون كغيره من الناس، ولا ينطق إلا بلسان البررة الأطهار بمنحه النصيحة ويزوده برأيه، كلما أشكل عليه أمر من الأمور ". وكانت قريش والمتنفذون منها هم الذين ينادونه فيما بينهم بابن حنتمة أو الأعيسر ويعيبون عليه لبس القطوانية وهي عباءة يصنعها الكوفيون، ولم ينقل المؤرخون عن الإمام علي أنه تهاوش الكلام مع عمر، أو تساجل معه كما يتساجل المعارضون.

ويضيف العلوي وهو ينبش في مرويات التاريخ "ثكلتك أمك يا ابن الخطاب إن لم تقلها"، وقد قالها عمر نهارا جهارا إذ يسارع إلى رأس الإمام علي فيقبله "ولا أقامني الله في أرضٍ ليس فيها أبو الحسن".

وفي فصل من أكثر فصول هذا الكتاب المثير للجدل، إثارةً للجدل، بعنوان العراق العمري، يذكر المؤلف انه على المستوى التاريخي وبإجماع لم يخرج عليه مؤرخ، فإن عمر بن الخطاب هو ناشر الإسلام العراقي ومؤسس العراق العربي الأول. ولو كان عمر من أباطرة الأمم والشعوب، التي مرت على العراق فأقامت أو رحلت، لكان "العمريون"هو الاسم الذي يتسمى به سكان وادي الرافدين، بدلاً من لقبهم الوطني حالياً، مثلما سُمي أهل تلك البلاد بالسومريين والآشوريين والبابليين ثم العثمانيين. وتاريخ العراق العمري يبدأ في العام الثاني عشر للهجرة بقرار بناء مدينة البصرة، ثم الكوفة من بعدها، لتشكل هاتان المدينتان الجذر المزروع لحضارة عربية إسلامية، ستنشأ وتربو وتهيئ لأبي جعفر المنصور بناء المدينة الثالثة التي استعصم فيها، فصارت بغداد مركز تلك الحضارة، والبصرة والكوفة جناحيها اللذين طارت بهما من الصين إلى أبواب فرنسا. وحسب العلوي فإن عمر من هذا الجانب مؤسس حضارة رافدينية مثلما كان سرجون الأكدي وحمورابي ونبوخذنصر.

إن عمر بن الخطاب بدوره هذا، إنما مَنَح دوراً للعراقيين ولبقاع مغمورة كالبصرة ومهجورة كالكوفة وغير معروفة كبغداد أن تكون جاذباً لاستقطاب القبائل العربية الكبرى، فاستقرت المضرية في البصرة واليمانية في الكوفةِ وبهما أخذ العراق شكله العربي الأول. و بفضلِ عمر مؤسس البصرة وممُصر الكوفة، تعرفت العرب على مدارس النحو واللغة وعلوم الكلام والفلسفة. إن دور عمر في العراق مثل دوره في مصر، والعراق العمري صنو مصر العمرية التي أضافت إلى حضارتها حضارةً جديدة ومدناً جديدة. ويستغرب مؤلفنا ونحن نستغرب معه، كيف افتخر المصريون ببطلهم الجديد، فأنصفوه وجعلوه أنموذجاً للزهد والتسامي، وروحاً للعدالة الإلهية. فيما كبا أهل العراق كبوتهم، فلم يكتب فيه مثقف ينتسب إلى ثقافة التسنن أو آخر منسوب على التشييع سوى علي الوردي وآخرين خارج المحيط الديني.

إن مؤسس العراق العربي أهملهُ العروبيون، فلم يصدر كتاب مستقل فيه عن مؤرخين "فطاحل"، وأُدباء "فُحول"، أمثال الشيخ محمد بهجت الأثري والدكتور عبد العزيز الدُوري، وأستاذ التاريخ العربي ناجي معروف، كما لم تصدر المؤسسة الدينية ومركزها الأعظمية أو الموصل كتاباً يُعرِّف العراقيين بمؤسس حضارتهم الإسلامية وممّصر بصرتهم وكوفتهم. بيد أن المصريين أخلصوا الودّ لمؤسس حضارتهم العربية. فكتب العقاد عبقرياته منشورةً في غرف الدرس وعلى أرصفة المدن العربية. وكتب طه حسين "الشيخان" و"الفتنة الكبرى" بجزأيها مُنصفاً مستلهماً روح الإسلام ومنهج البحث العلمي الحديث.

وكتبت بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن والمستشار عبد الحليم الجندي والشيخ أبو زُهرة وعبد الرحمن الشرقاوي في الإمام علي وفي تلك الفترة الإسلامية المثيرة، فتشكلت المدرسة المصرية مرجعاً سيوليه حسن العلوي عظيم الاهتمام في كتابه هذا. أمّا العراق والكلام ما زال للعلوي، فَخُلوٌ من هذا المنهج، وتلك المدرسة، رغم كونه ميدان الصراع الطائفي القديم والحاضر، وإذ يعزو المُطلعون على أسبابه إلى جهل الناس بتاريخهم الإسلامي، فَلم يسأل أحدٌ إلى من تُعزى أسباب هذا الجهل.

2005ليلى
10-12-2009, 08:57 AM
ولكن المؤلف يحمل المجتمع بمؤسساته الدينية والدولة بمؤسساتها الثقافية المسؤولية عن جهل الناس بتاريخهم، ويقول إن وزارات الثقافة العراقية كان يمكن لها أن تنهض بمهمة تُجنّب العراقيين شيئاً من هذا الصراع، لو عُنيت بإصدار سلسلة كتب للتعريف بمن تنتسب إليهم تلك المعماريات، لكن وزارة الثقافة أصدرت مرةً كتاباً عن ألعاب الصبيان في سامراء متجاهلةً معمارية سامراء العباسية، تلف أحزانها ملتويةً إلى السماء، وتهمل شاخصة الإسلام العَلوي في معمارية الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، التي تعرف عليها الناس مقطوعة الأسماء وممزقة الأحشاء!.

ومن المفارقات أن حكومات العراق ذات الطابع السُني، في قرارها، وفي أغلبيتها خلال الثمانين عاماً الماضية، لم تلتفت إلى هذا الجانب فتنشر كتاباً مستقلاً بأبي حنيفة المقيم في الأعظمية، وبمعماريته الفقهية، ولا توقفت يوماً في باب الشيخ ودخلت مسجد الشيخ الحسني عبد القادر الكيلاني، فلم يُعرف عنه سوى أنه (أبو قبقاب). وينحى حسن العلوي باللائمة أيضا على علماء السنة وشيوخها ومثقفيها الذين لم يُنصفوا إمامهم الأعظم، ولم ينشروا علم العلماء المدفون في مساجد الشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي وعمر السهروردي وآخرين. ومثلهم في التقصير والإغفال كان فقهاء التشيع، وحوزاتهم العلمية التي لم تنشر بعد ألف عام على تأسيسها كتاباً عن الإمام علي بن أبي طالب يطلع عليه جيل عن جيل،

ولا كتاباً مستقلاً عن الإمام الحُسين، لكن بعض أتباعهم من الدرجات الوسطى ربما اهتموا اهتماماً خاصاً بفاجعة كربلاء فكتبوا عن الفاجعة دون الكتابة عن الحسين. وباستثناء كتابات في التاريخ العام للعتبات المقدسة، ومدن التشيع العراقي وكتب الرجال، وقد صدرت من خارج الحوزات العلمية، فلم يتوفر لشيعة العراق كتاب يُعرفهم بأئمتهم على الطريقة، التي كتب فيها العقاد وطه حسين والشرقاوي وأبو زهرة. ويرفع باحثنا درجة الغرابة في هذا الصدد وهو يلاحظ بشكل ذكي إن الذين أعتنوا بهذا الجانب من التاريخ الإسلامي، هم من خارج الإطار الديني، ومن المحسوبين على العلمانية، وربما اتهموا بالزندقة والإلحاد، كالدكتور علي الوردي وهادي العلوي وفيصل السامر.

إن الخلاف السني الشيعي هو الأطروحة الرئيسية التي تدور حولها باقي الأطاريح في كتاب حسن العلوي الجديد الموسوم عمر والتشيع. وبجردة تاريخية سريعة تذكر لنا بعض كتب التاريخ انه وبعد وفاة النبي محمد سنة 632 م في المدينة حدثت مؤامرة كبيرة للاستيلاء على الحكم فحدث الكثير من المناقشات بين من طمع بالحكم حول تحديد الطريقة الواجب اتباعها في اختيار الحاكم حيث أنهم رفضوا أي وثيقة أو نص قرآني لتحديد نظام الحكم وادعوا أنها بعض القواعد العامة فقط حول علاقة الحاكم بالمحكوم. فيرى علماء المسلمين من المخالفين للشيعة أن حادثة سقيفة بني ساعدة تشير إلى أن من حق المسلمين تحديد ما يصلح لهم في كل عصر ضمن إطار القواعد الرئيسة للإسلام.

توزعت الآراء حول اختيار الحاكم في سقيفة بني ساعدة إلى ثلاثة تيارات رئيسية: رأي يرى بقاء الحكم في قريش مستندا إلى أبي بكر الذي قال "إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قـريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا" وكان هذا مخالفا لرأي أهل المدينة الذين استقبلوا الدعوة الإسلامية واتخذ فيها المسلمون المهاجرون من مكة ملاذا ونقطة انطلاق وكان هناك رأي ثالث بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير آخر ودار النقاش في سقيفة بني ساعدة. وقع الاختيار في النهاية على أبي بكر ليتولى الخلافة ربما على أساس أن محمد اختاره لإمامة جموع المسلمين حين أقعده المرض ولم يكن في الأمر انفرادا في اتخاذ القرار وإنما اعتبرت العملية التي تمت تحت تلك السقيفة في نظر السنة أكثر ديمقراطية في ذلك الوقت من العديد من أنظمة الحكم الوراثية التي كانت ولا تزال لحد هذا اليوم شائعة في بعض مناطق العالم.

من جهة أخرى يعتقد المسلمون الشيعة أن الحوادث التاريخية مثل غدير خم وحادثة الكساء وائتمان الرسول لعلي على شؤون المدينة أثناء غزوة تبوك والنصوص الكثيرة في القرآن والحديث النبوي مثل حديث السفينة و حديث الثقلين وحديث دعوة العشيرة وحديث المنزلة فيها إشارة واضحة إلى حق علي بن أبي طالب بخلافة الرسول على الرغم من اضطرار علي لمبايعة أبي بكر ليكون الخليفة خشية منه على دين الإسلام وتفادياً لحدوث صدع في صفوف المسلمين بينما يذهب البعض الآخر إلى التشكيك أصلا في مبايعة علي لأبى بكر. بعد مقتل عثمان بن عفان الذي كان من بني أمية طمع معاوية بن أبي سفيان الذي كان من بني أمية أيضا بالحكم فاتخذ من حجة الثأر لعثمان بسبب ما اعتبره معاوية عدم جدية علي بن أبي طالب في معاقبة قتلة عثمان وتحجج معاوية على علي بأنه كان بصورة غير مباشرة مسؤولا عن حوادث الاضطراب الداخلي التي أدت إلى مقتل عثمان. وتفاقم الأمر مفضيا إلى صراع مسلح بينهما في معركة صفين ولكن دهاء معاوية في المعركة أدى إلى حدوث انشقاقات في صفوف قوات علي.

وأطلقت تسمية الخوارج على الطائفة التي كانت من شيعة علي ثم فارقته وخرجت عليه وقاتلته. استغل معاوية الفترة الزمنية الطويلة التي بقي فيها حاكماً منذ أن نصبه أبو بكر وأبقاه عمر وأيده وسانده عثمان وقام بصورة غير مركزية ببسط نفوذه على سوريا و مصر وبعد اغتيال علي في عام 661 م كان معاوية في موضع قوة أفضل من الحسن بن علي بن أبي طالب. فحسب السنة قام الحسن بمبايعة معاوية وحسب الشيعة فإن المبايعة تمت بسبب تقديرات الحسن لموقف أهل البيت الذين كانوا في وضع لا يحسدون عليه بعد اغتيال علي بن أبي طالب ويعتبر البعض إن الحسن بن علي تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان على شرط أن تعود الخلافة بعد موت معاوية إلى الحسن بن علي وإن مات الحسن تسلم الخلافة من بعد موت معاوية إلى أخيه الحسين بن علي.

ويعتبر البعض أن اغتصاب يزيد الخلافة من الحسين بن علي والأمر بقتله في كربلاء وسبي عيال وأطفال الحسين إلى الشام بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان كان نتيجة للمؤامرة التي وقعت في السقيفة والتي مثلت نقطة تحول في التاريخ الإسلامي، حيث شكل بداية لسلسلة طويلة من الحكام الذين يستولون على السلطة بالقوة ليورثونها فيما بعد لأبنائهم وأحفادهم ولا يتنازلون عنها إلا تحت ضغط ثورات شعبية أو انقلابات عسكرية أو حركات تمرد مسلحة. يرى الشيعة أن ما ورد لديهم من حديث عن النبي عن طريق رجال بعينهم مثل الإمام علي وشيعته مقبولة لديهم ويدونونها في كتب خاصة بهم مثل الكافي ومن لا يحضره الفقيه و بحار الأنوار وغيرها. أما طائفة السنة فترى أن ما ورد بهذه الكتب لا تنطبق عليه القواعد الأصولية المطلوبة لقبول الحديث عندهم.

وعودا إلى حيث يأخذنا حسن العلوي في مسح جوي بكاميرا سياسية متتبعة لأدق الشؤون والنأمات في حياتنا المعاصرة فنرى كيف طرح الانكليز مشروع دولة متمذهبة تقصي الشيعة عن دور أو تمثيل صحيح لهم في صنع قرارها. فكان العراق البريطاني سني القرار والإدارة دون أن يكون سني الفقه، ولم يكن على البال أن يفكر الألمان وبعض الحلفاء لجعل العراق مسرحاً للحرب ضد الحلفاء بتحريض السفير الألماني كروبا سياسيين وعسكريين عراقيين على فك ارتباطهم مع بريطانيا قبل وصول القوات، ووصل إلى القاهرة، ومنها إلى بغداد، فإذا هي حرب عراقية – بريطانية تندلع في شهر مارس من عام 1941 فيما مدن العالم العربي تتفرج على حرب الألمان والحلفاء. ولأن الثوار الذين طردوا الحكومة العراقية الموالية للانكليز بإسناد من الجيش وضباطه الأربعة هم جميعاً من السنة فقد رأت السياسة البريطانية مغازلة الشيعة، وعرضت لندن على السيد صالح جبر فكرة أن تكون للشيعة حصة كبرى في إدارة الدولة بعد خيبتهم مع الوطنيين السنة، ولم توافق الشخصيات الدينية الخمسة الكبرى (أي المراجع) في النجف وكربلاء والكاظمية على العرض البريطاني، وكان متوقعاً لو قُبل العرض أن يشهد العراق صراعات طائفية كالتي حدثت بعد سقوط النظام في 9 نيسان 2003، وظهور العراق الأمريكي مبشراً بعراق شيعي القرار.

ومرةً أخرى يجتذب العراق بدون دعوة أو إرادة حرباً جديدةً عندما اصطدمت المصالح الأمريكية في الخليج بظهور الثورة الإسلامية، التي قادها فقيه شيعي وقضت بالهجوم على السفارة الأمريكية بطهران وأسرّ من فيها. فكان متوقعاً أن يأتي الردّ الأمريكي عاجلاً والجمهورية الإسلامية في أيامها الأولى وهي شيعية في محيط سني فتقدم دولة سنية صيغة لأمريكا بإعلان الحرب كتركيا العضو القديم في صف الأطلسي أو باكستان العضو المركزي في حلف بغداد أو أن تقوم السعودية بدور سني لمواجهة الثورة الشيعية. ولم يأتِ الردّ عن هذا الجوار المتوقع دخوله في المواجهة. وإنما كان العراق من جديد مسرحاً للحرب الأمريكية على الشيعة.

وإذ ينتهي عقد التخادم السياسي بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية بانتهاء الحرب وغزو العراق للكويت في 2 آب أغسطس 1990، بدأت صلات غزل أمريكية بريطانية مع المعارضة العراقية ذات النفوذ الإسلامي الشيعي الواضح وبدأت فكرة إسقاط نظام صدام حسين تنمو في واشنطن وتتعهدها لندن ودول الخليج، فيقوم تحالف أمريكي مع المعارضة العراقية وفيها أطراف تتمركز في إيران. وكلما سألت المعارضة عن موعد محدد لإسقاط نظام صدام حسين في العراق جاء الجواب ملتبساً حتى هجوم تنظيم القاعدة السني على ناطحات السحاب في نيويورك، فاستدارت الإستراتيجية الأمريكية بثقلها نحو الشيعة في العراق، وقد أصبح السلفيون السنة خصمها العقائدي، فاختير العراق مكاناً للحرب الأمريكية على السنة بعد عشر سنوات من الحرب الأمريكية على الشيعة.

إن هذه الرواية المحبكة التي يقدمها حسن العلوي لأهم أحداث منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي يختتمها قائلا إن الحرب الأمريكية على السنة مستمرة منذ أربع سنوات في العراق فهل تستمر أربعاً أخرى ليتساوى الزمن المفترض للحرب على السنة مع الزمن الذي خصص ما بين عامي 1980 – 1988 للحرب على الشيعة؟.

كانت الإستراتيجية الأمريكية قبيل الحرب العراقية – الإيرانية الأكثر تأثيراً في إحداث المتغيرات الراهنة، كما يراها المؤلف، تبحث عن حليف عقائدي لمواجهة خصمها العقائدي الجديد، فأعطى الرئيس الأمريكي بوش في خطابه بالأمم المتحدة قبيل الحرب رسائل وإشارات واضحة لإيران لكسبها أو لتحييدها في الحرب، فضلاً عن الرسائل السرية التي نقلتها المعارضة العراقية من البيت الأبيض والبنتاغون إلى طهران، ثم قيام العراق الأمريكي، فتجددت الظاهرة البريطانية التي طالما تحدث عنها العلوي في كتبه السابقة لمنح قرار الدولة لطائفة حتى لو كان رئيس الوزراء من الطائفة الأخرى. إذ يصطبغ القرار بلون الطائفة التي بايعت قبل الأخرى، فصار العراق البريطاني سنياً حتى بوجود رئيس وزراء شيعي. وصار العراق الأمريكي شيعياً حتى لو اختير واحد من الزعماء السنة لرئاسة الوزراء.

بمهارة عالية في صياغة خطاب لدبلوماسية الحرب استخدم الجانب العراقي هوية الخصم ثلاثية الأبعاد، إن الخصم في الخطاب العراقي سيكون فارسياً في الخطاب القومي الموجه إلى المحيط العربي الواسع، والخصم سيكون شيعيا رافضيا في التخاطب مع المؤسسات الدينية وحركاتها السياسية وسيجري الحديث عن قادسية صدام وكأنها امتداد لقادسية عمر بن الخطاب وهي في حقيقتها انتحال لها. ولا بأس أن تكتب عبارة (الله أكبر) على العلم القومي للعراق. أما في الخطاب الدولي فإن الجانب العراقي سيستخدم البعد الثالث والمخفي والمتواري من الخطاب في بعديه الأول والثاني وسيكون محور الحديث الثنائي بين وزير خارجية العراق، طارق عزيز البعثي المسيحي، ونظيره الفرنسي. أنها حرب العلمانيين ذوي الاتجاهات العصرية ضد ثورة إسلامية ونظام ظلامي يهدد حضارة الغرب وعلى فرنسا التي كانت الممثل الكاثوليكي للمسيحية الأوربية أن تكون في الوقت ذاته ممثلة للجانب العراقي في حمايته من ضغوط اللجان الدولية لحقوق الإنسان ونشاط معارضين عراقيين في أوروبا فضلاً عما ينفلت في الإعلام الأوروبي من كتابات حول استبداد السلطة العراقية.

ويجدد حسن العلوي القول هنا وفي كتابه عمر والتشيع ما سبق له وأن قاله في كتابه الأسبق (أسوار الطين) الصادر عام 1995: إن صاحبه القديم الرئيس العراقي صدام حسين هو ليس عمر بن الخطاب بالتأكيد، وأن الإمام الخميني هو ليس كسرى يزدجرد، وكان كلا النظامين يعتمدان على نظرية ولاية الفقيه. ففي إيران تقوم الدولة على سلطة الإمام الفقيه وفي العراق كانت ولاية الحزب لأمينه العام ومرشده الروحي ومفكره القومي الأول، الذي لا يعلوه اسم رئيس الجمهورية وأن القيادة القومية مختلطة بين مسيحيين ومسلمين عرباً وعراقيين.

أما الرئيس صدام حسين فقد أمر مرافقه الشخصي بأن يصدر تعميماً حزبياً لمنع قياديين في الحزب رآهم يحضرون صلاة الجمعة في المساجد وقال بالنص: إن ذلك يشكل خطراً على أجيالنا الحزبية وهي ترى قياديين في الحزب منغمسين بقضايا دينية. هذا الكلام على ذمة صاحبه حسن العلوي الذي يزيد قائلا بالحرف الواحد: ولم أر الرجل (يقصد صدام حسين) وبيده نسخة من المصحف إلا في صالة محكمة الجنايات الكبرى، فتمنيت على صاحبي أن يكون أكثر انسجاماً مع أصوله العلمانية...
أقامت حركة النهضة العربية المعاصرة قواعدها الفكرية على فهم جديد للإسلام مغاير ومناهض للفهم العثماني. وزعماء الحركة فقهاء أهل السنة ومفكروها من كابول بلد جمال الدين الأفغاني ومروراً بالإمام محمد عبده في القاهرة وعبد الرحمن الكواكبي في حلب حتى احمد بن أبي الضياف وخير الدين التونسي في المغرب العربي الكبير. وفي الجزيرة العربية وجهّت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نقداً للسياسات العثمانية القائمة على احتضان التصوف المشوه والدروشة التي أنكرها الإسلام على المسلمين. ولم يتهم أهل السنة هؤلاء الفقهاء والشيوخ بالمروق والارتداد عن الإسلام.

إن الطائفية الشيعية ظاهرة تاريخية، تصب جهدها على تشريح من حَرَمَ الإمام علياً من الخلافة الأولى، وما يترتب على ذلك من إشكالات مع الطائفة السنية المتصالحة مع التاريخ، لكنها ذات بُعد سياسي في الحاضر، يستهدف حرمان الشيعي من امتيازات السلطة. ولا ينسحب هذا التفريق بينهما على واقع الصراع ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فقد تطورت الطائفية الشيعية فصارت سياسة تعيش في الحاضر فضلاً عن جانبها التاريخي، ولعل حسن العلوي قد أشار إلى ذلك في كتابه (العراق الأمريكي) الصادر سنة 2006، وتطورت الطائفية السنية إلى مراتب أخرى لم يكن معظمها عراقياً.

ويظن الأستاذ حسن العلوي مؤلف كتاب عمر والتشيع إن الأمور تسير في العراق حالياً على قاعدة ليست بعيدة عما يشير إليه في كتابه، فالخطاب الشيعي عند أهل القطيعة، يواصل التعريض بالصحابة والنيل منهم بلا تحفظ. ويكون ذلك كافياً لتحريض بقية المسلمين وهم الأغلبية العظمى على منابر التشهير، ليس بسبعين ألف منبر أقامها معاوية في الشام للتعريض بالإمام علي، وإنما بإرسال سبعين ألف انتحاري يؤمن بأن في موته موتاً للشيعة وثأراً للصحابة.

وهنا لابد من حاشية على الكلام تخص الطرف الثاني في المعادلة الطائفية في العراق. فأهل السنة والجماعة أو المذهب السني هو مذهب عدد كبير من المسلمين يتبعون القرآن وسنة محمد نصاً وقولاً وفعلاً. ويقرون بالخلافة الراشدة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي. أهل السنة يعتبرون أن مذهبهم هو الإسلام الصافي. وهو مصطلح واسع يستخدم بشكل خاص للدلالة على المذهب الذي يتمايز عن الشيعة. ثمة مفهوم سياسي يتبدى من خلال تأكيد فقهاء السنة دوما على وحدة الجماعة ومنع الفتنة، وهو موقف بدأت بوادره في مواقف الكثير من الصحابة عندما اعتزلوا الفتنة (الصراع بين معاوية وعلي) ومن ثم قبلوا بحكم معاوية بعد أن استتب له الأمر خوفا من الفتنة. تعني كلمة "سنّة" الطريقة أو العادة، وبذلك فإن سنة محمد تعني طريقته أو عادته، وتعرّف السنة بأنها كل قول أو فعل أو تقرير صح عن محمد. والسنة تعتبر ثاني مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن. وقد جمعت بعد وفاة الرسول بفترة طويلة، وكتبها العديد من أمثال البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجة وأبو داود وتسمى أيضا كتب الحديث وهي تختلف عن كتب السيرة النبوية التي تدرس حياة النبي محمد وفق ترتيبها الزمني أما كتب الحديث فتدرس الأحداث من الأقوال والأفعال وفق موضوعاتها بصرف النظر عن ترتيبها الزمني.

وتحاول الكثير من الجماعات الإسلامية مؤخرا جعل هذا المصطلح اسما للفرقة الناجية (المذكورة في أحد الأحاديث النبوية والذي يقول أن الإسلام يفترق على ثلاث وسبعين فرقة لا تنجو منهم إلا فرقة واحدة) وبالتالي تحاول الكثير من هذه الجماعات احتكار هذا الاسم لها كالوهابية وغيرها من الجماعات الإسلامية، رغم أن المفهوم التاريخي لهذا المصطلح كان يشمل جميع المذاهب السنية المتبعة لسنة محمد.

تعود نشأة المذاهب الفقهية السنية إلى بداية الإسلام، وخاصة بعد وفاة النبي، حيث اجتهد صحابته وأتباعه والمسلمين عامة في تطبيق أقواله وأفعاله. ومع انتشار الإسلام وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة الدينية والتشريعية كانت هناك حاجة ملحة للخروج باجتهادات لهذه القضايا الفقهية المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من المتفقهين (العالمين) في الدين تعلم الناس في كل إقليم شؤون دينهم و دنياهم.

إن التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر بها، وأيضا قابلية الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات أدى كل ذلك إلى نشوء مدارس فقهية منتشرة في الأمصار الإسلامية، وأصبح لكل عالم فقيه أتباع يعملون على نشر فتاواه. أما المذاهب الفقهية الأربع التي انتشرت بشكل واسع عند أهل السنة وأصبحت رسمية في معظم كتبهم فهي حسب ظهورها: مذهب أبي حنيفة النعمان ومذهب مالك بن أنس ومذهب الشافعي ومذهب أحمد بن حنبل. وتقوم أصول الفقه السني على القرآن والحديث والإجماع والقياس.

السنة النبوية مجموعة في كتب السنة العشرة ومنها صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنن الأربعة كسنن أبي داود وسنن النسائي والمساند كمسند أحمد بن حنبل وغيرها كمصدر للاعتقاد والتشريع. وهذه المذاهب ما هي إلا مدارس فقهية ولا يوجد بينها اختلاف في العقيدة، كما أن هناك مذاهب فقهية أخرى غير هذه الأربعة لكنها لم تنتشر ويحصل لها الاشتهار مثل هذه المذاهب الأربعة.

يعد المذهب السني أكثر المذاهب الإسلامية أتباعا وسعة انتشار، حيث يبلغ عدد متبعيه حوالي 90% من مسلمي العالم. كما يعد المذهب الرسمي لمعظم الدول الإسلامية اليوم وقديما كان المذهب الرسمي للعديد من دول الإسلام السابقة شرقا وغربا، فعلى سبيل المثال اعتمدت الدولة العثمانية المذهب الماتريدي السني كمذهب رسمي كما اعتمدت المدرسة الحنفية كمصدر لأحكام وتشريعات الدولة، مع الاعتراف بالمذاهب الأخرى وتعيين قضاة ومدرسين لها.

تفترق الطائفة الشيعية عن أهل السنة والجماعة في أنها لا تقر بأحقية خلافة الخلفاء الراشدين الثلاث الأوائل: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان. ويرى (الشيعة) أن الإمامة منصوص عليها ومحددة من قبل الله، بينما يرى أهل السنة أن الإمامة لم يتم تحديدها من قبل الرب. تعود جذور الخلاف الرئيسي بين السنة والشيعة إلى أكبر وأول أزمة مر بها التاريخ الإسلامي ألا و هي الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان، هذه الفتنة وما خلفته وراءها من نزاعات عنيفة سيما بين معاوية وعلي بن أبي طالب الخليفة الراشدي الرابع (الذي رآه علي نزوعا من معاوية للسلطة ورآه معاوية مطالبة للثأر لدم عثمان) كانت السبب الرئيسي وراء تفتت المسلمين. فالانقسام بدا أنه سياسي تطور ليتعمق عقائديا وفقهيا.

الموقف الأساسي لمعظم الصحابة الذي شكل أساس الفكر السني فيما بعد هو محاولة اعتزال هذه الفتنة ومحاولة أخذ موقف حيادي من النزاع ولعل أكبر ممثل لهذا الاتجاه: عبد الله بن عمر الذي صرح بهذا الموقف مرات عديدة. هذه الحيادية وإن كانت تميل في الكثير من الأحيان لإعطاء الأحقية في النزاع لعلي دون معاوية إلا انها في النهاية تنحو نحو تعديل كافة الصحابة وعدم الخوض في تفسيق أحد.

بهذا يعتبر السنة ان هذه الخلافات التاريخية هي مجرد اجتهادات لصحابة عدول. ومع أنهم يجوّزون الحكم على تلك الخلافات، لكنهم لا يجوزون تفسيق الصحابة ويرون أنهم أهل اجتهاد ويطلقون صفة العدالة على كافة صحابة رسول الله بما فيهم معاوية بن أبي سفيان.

ينقسم أهل السنة والجماعة في تحقيق العقيدة إلى ثلاثة مدارس فكرية هي: أولا السلفية نسبة إلى السلف، والسلف بمفهومهم هو القرون الثلاثة الأولى من الأمة الإسلامية، والتي شهد لها النبي محمد بالخيرية، وهم الصحابة والتابعون وتابعو التابعين. كما يتسمون بأهل الحديث أو أهل الأثر. ويعتقدون أنهم هم أصل أهل السنة والجماعة، وإمامهم في التميز عن الفرق الكلامية هو أحمد بن حنبل. وثانيا الكلابية: (بفتح الكاف وتشديد اللام) وهم على قسمين الأشاعرة وإمامهم هو أبو الحسن الأشعرى. والماتريدية وإمامهم هو أبو المنصور الماتريدى. وتعتقد المدرستان (الأشعرية والماتريدية)، أن الإمامان (أبى الحسن الأشعري وأبى المنصور الماتريدي) أثبتا عقيدة أهل السنة والجماعة بطريقة أهل الكلام. ثالثا الصوفية ويختلف تعريف ومفهوم الصوفية بحسب الزاوية التي ننظر منها.

والتصوف لا يتبع أياً من عقيدة السنة او الشيعة، بل هو مجموعة من الآداب والعبادات والعقائد التي تهدف إلى الرقي باتباعها إلى مستوى معين من التعلق بالخالق العظيم، تختلف باختلاف الطرق الصوفية. لذلك فنجد أن من الطرق الصوفية طرقاً تنتسب للسنة، وأخرى تنتسب للشيعة، وطرق مستقلة بذاتها لا تنتسب للسنة ولا الشيعة. ومن الطرق الصوفية التي تنتسب لأهل السنة:- الطريقة القادرية الطريقة التيجانية الطريقة الرفاعية البريلوية. ويكثر التداخل بين الصوفية والكلابية خصوصاً في العصور المتأخرة. فقد ينتسب أتباع الكلابية إلى أي من الطرق الصوفية، أو العكس.

يعتقد السلفيون أنهم متبعين لعقيدة السلف الصالح، أي القرون الثلاثة الأولى من الإسلام (الصحابة والتابعون وتابعو التابعين)، وأن الأشاعرة والماتريدية ضلوا عن طريق الحق بإتباعهم الطرق الكلامية والفلسفة التى لم تكن في عهد رسول الله ولا صحابته ولا الأئمة الأربعة. ويعتقد الأشاعرة والماتريدية أنهم متبعون للأئمة الأربعة وأن ما نقل عن الإمام أحمد وإبنه مما نسب إلى التشبيه والتجسيم هو قول مدسوس، وأن السلفية تبنى عقيدتها على منهج غير سليم بالأخذ بظواهر النصوص وبالأخذ بآحاد الأحاديث.

يجب التفريق بين السنّة وبين الفقه والقرآن، فالفقه هو علم يهتم باستخراج الأحكام الشرعية للقضايا الحادثة بجمع كافة الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والعلماء وفق أصول فقهية محددة. والقرآن، هو كلام الله الذي أنزله إلى محمد بواسطة جبريل وتم تسجيله بين دفتي المصحف، وبالتالي يؤمن المسلمون بقدسية النص العربي الذي نزل به القرآن، ولا يعتبرون أي ترجمة له مقدّسة.

ولا يخفي المؤلف الذي يحلو للبعض أن يطلق عليه لقب هيكل العراق نسبة إلى الأستاذ محمد حسنين هيكل الغني عن التعريف، قلقاً وشعوراً بالأسف لأن السنة العراقيين لم يعودوا يمسكون بامتياز تمتعوا به عبر التاريخ بعدم الرد على سب الصحابة بالإساءة إلى أهل البيت مادام هؤلاء الأئمة عندهم المشترك الإسلامي الموحد بين الطائفتين، ففقدوا هذا الامتياز في لحظة تدمير نازي لمعمارية الحضارة العربية في سامراء والمقامة على جدث الإمامين الهادي والعسكري، فانكسرت معادلات اجتماعية، واختلت موازنات، وتساوى السبابون، وتحول مجرى النزاع من مواجهة المحتل إلى ضرب المقدس المشترك. ودخلت إلى الصراع تيارات شيعية كانت محايدة، فاندفعت بالوازع العاطفي قبل الطائفي برد فعلٍ، والنيران تأكل معمارية المقدس المشترك، فحدث انعطاف هائل أضعف المركز السني، وانتهى المشهد بمضاعفات لا تنتهي فقط عند ترحيل العائلة الشيعية في بلدة سنية والعائلة السنية في شارع شيعي.

إن الطائفية في العراق شكل من أشكال الصراع على السلطة، فالتوزيع الرديء وغير العادل للمواقع العليا والامتيازات “والحقائب” مسؤول إلى حد كبير عن تردى الأوضاع الاجتماعية في هذا البلد وامتداداته العربية الإسلامية. حدث ذلك في العراق البريطاني ـ السني. ويحدث الآن في العراق الأمريكي ـ الشيعي. فهل سينتهي الخلاف برحيل البريطانيين والأمريكيين أم ستكون المواجهة أشرس وأضرى؟.

هكذا يتساءل حسن العلوي الذي سرعان ما سيضيف قائلا إن توزيع السلطة سيكون باهظ الكلفة، وصعباً ما دام يمس الحقائب، والمصالح المباشرة: باعتبار السلطة، مصدر الامتيازات الكبرى، وسيتشبث أي فريق، سني سابق أم شيعي لاحق، بحقائب الامتيازات مستعيناً بالعوامل المباحة وغير المباحة،، فهذه الحقائب الوزارية هي حصة عمر بن الخطاب، وهذه الحقائب الوزارية هي من حصة علي بن أبي طالب، وأن السياسيين مجرد وكلاء أمناء على الأمانة. فهل يجوز لرجل السلطة في العراق البريطاني أن يضحى بحصة عمر بن الخطاب وأبي حنيفة؟ وماذا يقول الشيعي في العراق الأمريكي للإمام علي وللإمام جعفر الصادق، لو أنه تنازل عن حقائبه إلى غريمه السني؟!

فإذا استحال تقسيم السلطة على قواعد العدل والإنصاف وصعب ذلك على السنة، ما قبل سقوط نظام صدام حسين، وإذا ما أستأثر الشيعة بالحصة الكبرى بعد السقوط وصعب عليهم تقسيم السلطة على قواعد الوفاق الوطني والمشاركة وليس المحاصصة الرقمية، فإن الحل الأسلم، كما يخبرنا بذلك حسن العلوي، هو تقسيم الدولة، حتى تتوفر سلطة خاصة لكل طرف في دولته الخاصة، وقد يكتفي أحدهم بأربعة سنتيمترات لتشكل عالمه الكبير، فيغمس فيها إبهامه ويبصم جيناته على وثيقة الاستقلال! وبهذه البساطة يقول العلوي، أصبح عمر بن الخطاب ورقة سياسية، والإمام علي ورقة انتخابية. وكل منهما مجرد لافتة معلقة على خرائب المتقاتلين. وأدخلت ثنائية عمر وعلي في طريقة التوزيع الرديء وغير العادل لامتيازات السلطة. حدث ذلك في العراق البريطاني السني القرار، ويحدث ذلك في العراق الأمريكي الشيعي القرار.

لقد تعثر تنظيم القاعدة ومعه الكثير من سنة العراق بمطب استعماري ومصيدة ماهرة لا بأس أن نطلق عليها كما يقول العلوي مصطلح تبشيع الخصم في الحرب النفسية لتأليب المجتمع المحلي والدولي على ارتكابات الخصم ونشرها على الرأي العام العالمي. فلم يتحرك الشارع العربي ذو الأغلبية السنية المطلقة احتجاجاً على ما ترشه الصواريخ العملاقة فوق سقوف مصنوعة من جذوع النخيل في بلدات الفرات الأعلى وحتى تخوم الفلوجة.. ولو تذكرنا للحظة رد الفعل العربي على قصف بورسعيد والإسماعيلية أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 م، وقارنا ما كان عليه الوجدان العربي مع ما حصل في الحرب على الفلوجة والأنبار وحديثة، لاقتنعنا قليلاً كما يقول المؤلف بأن القصور لا يتصل بحالة الانكماش القومي وظاهرة التراجع العربي الطويل، فحسب، بقدر ما يتصل بالناتج العلمي لنظرية تبشيع الخصم والممارسات التي تهللت لها وجوه المذيعات وأصابع المشاركين المرحبين بمشاهد الرؤوس المقطوعة في براميل القمامة.

لكن جهات سنية عراقية لها عراقة في السياسة المدنية، كالحزب الإسلامي، والإسلاميين المستقلين والعلمانيين السنة، الذين لم تعد لهم قوة مساوية لجموح القاعدة قد تداركوا هذا المنزلق، وصححوا المعادلة وعادوا بالسنة إلى ميراثهم الطويل في إدارة السلطة، بذكاء وخبرة، فأعلنوا مشاركتهم في الاستفتاء على الدستور، والدخول في العملية السياسية، وما يترتب عليها من التزامات ومخاطر، صوناً لميراثهم المدني. ومن جانب آخر وكما يرى المؤلف، فقد تسبب استهداف القاعدة للمعماريات الإسلامية الشيعية، وتفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء، في تأجيج عاطفي وطائفي، لدى قوة شيعية كبيرة كانت تحاول الوقوف على الحياد في الصراع الطائفي. فاندفع التيار الصدري وجناحه العسكري جيش المهدي إلى ميدان الاقتتال بما لديه من حشود بشرية ومساحات جغرافية تحيط ببغداد، ففقدت اللوجستية السنية أهم مراكز قوتها.

ويُغَلّبُ حسن العلوي الظنَّ أن الانشقاق الإسلامي سيأخذ بُعداً تلتبس فيه الانتماءات لو استفرغ الفقهاء والمثقفون بعض جهدهم، فيما نتعارف عليه بثنائية القطيعة والمشاركة، وهل كان الإمام علي في الأولى أم في الثانية بعد وفاة النبي محمد وظهور الخلافة الراشدة. فلعل الناس سنة وشيعة يخنفون حدة القسمة وهم فريقان: أحدهما يأخذ بنظرية القطيعة، والآخر بنظرية المشاركة. ويختتم حسن العلوي كتابه هذا وهو ما يزال ينتظر لحظة اللقاء بين رَبْع عمر ورَبْع علي، ليعودوا إلى الصلاة في المسجد النبوي، ويستكملوا ثمانية عشر ألف صلاة مشتركة بين علي وعمر هناك. وبذلك يُختتم الحُلم القَصي... ذلك الحلم الذي إذا ما تحقق فلربما لن تكون هنالك من حاجة إلى أن يثقل الضمير الشعبي نفسه عبر الموسيقى والغناء بأن يترنم صوت الجيل الشاب من مطربيه بأغنية عاطفية رقيقة تقول كلماتها على سبيل التعجب والاستغراب:

(من الكاظمية ها الولد للأعظمية شجابه).. يمكن لنا أن نستمع إلى ثانية إلى أغنية الفنان حسام الرسام بالنقر على الرابط التالي، وكما استمتعنا بالكتاب فلا بأس أن نستمتع بالموسيقى:

http://www.6rbtop.com/listen.php?song_id=35721&type=au&q=hi

********
هوامش

وجدت في أحد أكبر مواقع بيع الكتب على الانترنت التعليقين التاليين أوردهما هنا لطرافتهما:
1. عمر والتشيع

الاسم: odai - 07/05/2007

تاريخ الميلاد: 1971

بريد الإلكتروني: odai1971@yahoo.com

لن يؤثر من قريب أو بعيد هذا الكتاب في الموقف الشيعي - السني نظرا لعمق الخلاف المتأصل من الطرفين... الشيعة لديهم عقدة الحكم التي لم يحظوا بها خلال القرون الماضية والسنة يقفون موقف المتأهب لهم.... كتاب عمر والتشيع هو نظرة خاطفة من قبل الكاتب والمفكر لمحاولة إعادة النظر في شخصية عمر ولكن ومن وجهة نظري البسيطة أرى إن الشيعي سوف يهمله والسني يقرأه ليزيد من صحة وجهة نظره... الكتاب كان الأكثر مبيعا في معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض ربما لافتقار العامة من الناس هناك لكتب تتحدث عن الأمر الشيعي بسبب منع الرقيب لأغلب الكتب.. أسلوب الكاتب شيق والبحث جاء بصورة أنيقة بعيدة عن التكلف أو التهم. (انتهى التعليق1)
2. كتاب جاد وصادق النية!!

الاسم: نبيل فهد المعجل - 27/03/2007

بريد الإلكتروني: mojilnf@hotmail.com

محاولة جادة وصادقة لتفكيك عوامل الحرب الطائفية في العراق والمنطقة العربية من خلال إزالة التشويهات التي لحقت بشخصية الخليفة عمر بن الخطاب. جاء الكتاب كمحاولة لتصحيح العلاقات ابتداء من التاريخ وإذا لم تصحح انطلاقا منه لن تصحح في هذا الحاضر، والتصالح مع الحاضر لا يتم دون المصالحة مع التاريخ. يتحدث الكتاب بإسهاب عن ثنائية القطيعة والمشاركة، الأخوة الشيعة يواجهون عمر بموقفين، موقف قطيعة كاملة (وأصحابها الشيعة الصفويين) يقول إن الإمام علي لم يعمل مع الخلفاء ويبعدون بين الصحابة وأهل البيت، وموقف آخرين من رجال الدين الفقهاء (ويمثلهم الشيعة العرب) يعتبرون مشاركة علي كانت قائمة في زمن عمر وأبو بكر. كتاب يحمل دعوة للمصالحة ومناقشة ما قيل عن عمر في بعض الكتب. كتاب فيه من التفاصيل الكثيرة التي لا أستطيع من هذا المنبر التحدث عنها بإسهاب ولكن أنصح بقوة وحماس شديدين بقراءة هذا الكتاب بالذات لمن يهمه الشأن العراقي ويريد المساعدة على إطفاء الفتنة الطائفية التي ستأكل الأخضر واليابس. (انتهى التعليق2)

كما يهمني أن أقدم للقراء الكرام هذين الرابطين اللذين سيؤديان إلى قراءة مقالين نقديين ناريين إن صح التعبير ضد مشروع حسن العلوي في كتابه هذا بكل تأكيد. وهذا على سبيل المثال لا الحصر، فقد نال كتاب عمر والتشيع ما لم ينله كتاب عراقي في الشأن العام من سب ونقد ونقاش وهجوم وتسفيه وتجريح، وهذا برأيي دليل على أهميته وراهنيته:

المقال الأول بعنوان حسن العلوي ابن حقيقته بقلم طلال شاكر وتجده على الرابط التالي:

http://www.rezgar.com//debat/show.art.asp?t=0&aid=92988

والمقال الثاني بعنوان حسن العلوي وكتابه عمر والتشيع بقلم مالوم أبو رغيف وتجده على الرابط التالي:

http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=87755


http://www.elaph.com/ElaphWeb/Culture/2007/12/284930.htm

الدكتور عادل رضا
10-12-2009, 04:44 PM
ليس هناك أحد أسمه حسن العلوي

أسمه الحقيقي حسن عليوي هندش و هو كان من أبواق صدام حسين و كتب كتابه دماء علي نهر الكرخا و به شتم للشيعة .

و أبسط الاغلاط شي في كتاب عمر و التشيع حين يصف بأن رسالة عمر أتته من الصحراء و رسالة محمد من الله و كلا الرسالتان واحد؟؟؟!!!!!!!!!!

و الي الان لم أكمل الكتاب و لكن أستوقفني الصبغ الصريح لشخصية عمر بن الخطاب و هو يذكرني بالصبغ الذي كان يصبغه حسن عليوي هندش لصدام حسين.

حسن عليوي هندش الذي يطلق علي نفسه حسن العلوي هو كالكثيرين من العراقيين بعد أن أفنوا عمرهم في خدمة نظام البعث و تم الاقتراب من انهاء خدماتهم ذهبوا الي لعبة المعارضة.

و أعتقد أن حسن عليوي هندش يحاول الان في أخر أيامه أن يكسب معركة التأريخ بعد أن خسر نفسه و هذا سبب كتابة كتابه الجديد شيعة السلطة و شيعة العراق.

حسن عليوي هندش ينفع في الخليج و لكنه مكشوف بين العراقيين.

مقاتل
01-08-2010, 07:29 AM
العلوي متملق كاذب ومتقلب