المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السعودية في يومها الوطني: تنمية مفقودة ومستقبل مجهول



علي علي
09-28-2009, 12:11 PM
بقلم: حمزة قزاز

لا توجد دولة خليجية وعربية تضاهي السعودية في المميزات والإمكانيات، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي.

ميدل ايست اونلاين


كانت المملكة العربية السعودية في بداية تأسيسها دولة تعاني - كباقي الدول من حولها - من انعدام التنمية الاقتصادية والبشرية والبعد عن الحضارة، خاصة وان المملكة دولة حديثة التأسيس، تضم عدد من الأقاليم والمجتمعات المتنوعة والمتعددة، والتي يغلب عليها طابع البداوة والبعد عن المدنية، ولكل منها جذور تاريخية ونمط اجتماعي خاص ولهجة متميزة، وتتنوع على صعيد الانتماء المذهبي والمرجعية الفقهية، في إطار الانتماء للإسلام كدين والعروبة كتاريخ وقومية.

عمدت الحكومة السعودية تحت قيادة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ومن بعهد نجله الملك سعود إلى البحث عن موارد يقوم عليها بناء الدولة ويضمن وحدتها ويثبت سلطة العائلة المالكة، وبعوائدها يتم بناء الشعب السعودي الذي كان يعاني من الفقر والأمية والجهل، وكافة أشكال التخلف الإنساني بمختلف مظاهره وأبعاده وآثاره، حيث إن الإمارات والدول التي حكمت الأقاليم التي تتكون منها السعودية – باستثناء المنطقة الشرقية والحجاز- لم تقم بأية مشاريع تنموية تهدف إلى بناء الإنسان ونشر العلم والمعرفة والتنوير في أوساط رعاياها، فكان أن اكتشف البترول في الثلاثينات، وبدا إنتاجه وتصديره الفعلي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن العشرين، وبدا به عهد الدولة السعودية القوية الراسخة والمسيطرة، فالبترول لعبت السعودية ادوارا إقليمية وعربية كبيرة، وأصبحت دولة لها أهميتها الكبرى في المنطقة العربية، حيث تمتلك المملكة احتياطات ضخمة من النفط تبلغ 264.2 مليار برميل، ومن الغاز الطبيعي 231 تريليون قدم مكعب، وهي بذلك تمتلك اكبر احتياطي نفطي في العالم، وتعتبر اليوم اكبر مصدر عالمي للنفط، إلى جانب ثروة معدنية متنوّعة كالذهب والفضة والنحاس والزنك والرصاص والحديد والألمنيوم والمعادن الصناعية والفوسفات والفحم الحجري والمواد الأولية للبناء، علاوة على امتلاكها لثروة زراعية وحيوانية وسمكية قابلة للنمو، يمكن من خلالها تحقيق نسبة إستراتيجية من الأمن الغذائي، كما تسيطر المملكة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة، اللتان يزورهما ملايين الحجاج والمعتمرين كل عام، ويقع الكيان السياسي والجغرافي السعودي بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويعتبر طريقا هاما جدا لدول الخليج العربية والمنفذ الوحيد لبعضها، وتمتد السواحل السعودية في الخليج العربي والبحر الأحمر على مسافة 2400 كيلو متر، وتطل المملكة على قناة السويس، وتمتد حدودها الدولية لتجاور دول عربية مهمة كالعراق ومصر والأردن، كما إنها طريق التجارة البري الوحيد بين دول الخليج واليمن من جهة، وباقي الدول العربية من جهة أخرى، وتشكل الجزء الرئيسي من الجزيرة العربية، الذي يعج بالثروات، علاوة على ذلك فان عدد سكان المملكة قليل بشكل عام، حيث يبلغ وفق الإحصائيات الأخيرة 25 مليون نسمة، منهم 7 مليون مقيم، أي إن عدد السعوديين لا يتجاوز ال18 مليون نسمة، يعيشون في وطن يمتد على مساحة 2 مليون كيلومتر مربع، يشكل 71% من أراضي شبه الجزيرة العربية.

كل هذه الثروات الهائلة والخصائص التي تتميز بها المملكة، من قلة عدد السكان في مقابل ضخامة الموارد من المفترض أن تبني دولة متطورة وشعبا متقدما ومجتمعا ناهضا في مختلف المجالات والأصعدة والميادين، حيث إن المملكة أغنى دولة في الخليج إن لم يكن في العالم العربي باجمعه. ولا توجد دولة خليجية وعربية تضاهيها في المميزات والإمكانيات، سواء على صعيد الثروة الطبيعية أو عدد السكان أو الموقع الهام أو الإمكانيات المتوفرة، وبالرغم من ذلك فان واقع التنمية في المملكة بمختلف أبعادها شبه كارثي، حيث إن ما تم انجازه على مدى أكثر من خمسين عاما، أي منذ تصدير النفط – لا يشكل إلا جزء محدودا جدا من نسبة العائدات النفطية التي تدفقت على البلاد طوال نصف قرن، بينما تفوقت دول الخليج الأخرى على المملكة في مختلف المجالات، رغم محدودية ثرواتها وإمكاناتها قياسا بالمملكة، التي تعاني اليوم من إشكالات واسعة النطاق تجاوزت معظمها دول الخليج المجاورة لها، أو على الأقل أصبحت لا تعاني منها إلا بنسبة منخفضة كالفقر والتمييز ضد المرأة والأقليات وتخلف أجهزة القانون والقضاء والنظام والاجتماعي، وضعف منظومتي الحقوق والحريات، وزيادة معدلات الفساد وتراجع جودة الخدمات العامة.

ويمكن القول إن المملكة لم تستفد من ثرواتها وإمكانياتها ولم تحقق أي تنمية يعتد بها، إذا ما قورنت بدول الخليج المجاورة لها، فضلا عن الدول التي كانت في نفس مرحلتها التنموية والاقتصادية - كماليزيا وكوريا الجنوبية – التي تفوقت عليها خلال اقل من ثلاثين عاما فقط، بينما ظلت معدلات التنمية في المملكة ثابتة

خلالها ولم تحقق أية انجازات حقيقية.

إن المملكة اليوم تعاني من قلة مشاريع التنمية وإخفاقات حضارية شاملة، وفشل ذريع في التنمية البشرية والاقتصادية والحضارية، تصاحبه عدم وجود إرادة سياسية تأخذ على عاتقها القيام بإصلاحات واسعة النطاق تكون أساسا لتنمية واعدة وتحديث كامل للبلاد يؤدي إلى تطور الحياة الاجتماعية وبناء الإنسان السعودي، والمحافظة على وحدة البلاد وحفظ كيانها السياسي.

قبل أيام احتفلت الحكومة السعودية باليوم الوطني التاسع والسبعين، وكعادة أجهزة الإعلام في الدول النامية فقد بالغت الصحف والقنوات الفضائية الرسمية بإظهار منجزات الدولة، والتقدم الحضاري في مختلف المجالات، وصورت السعودية على أنها دولة تسير في ركب التطور والازدهار، وإنها دولة مستقرة والشعب السعودي يعيش في بحبوحة من الرفاهية والسعادة، ولا يعاني من أية إشكالات أو معوقات خطيرة، يمكن في يوم ما أن تتحول إلى عوامل تؤدي إلى عواقب وخيمة لا يحمد عقباها ولا يمكن تحديد نتائجها وإفرازاتها، هذا هو واقع الإعلام في البلدان التي لا تحظى صحافتها وأجهزتها الإعلامية بالحرية اللازمة التي تمكنها من أداء دورها في رصد مكامن الخلل والضعف ومساعدة الحكومة في أداء مهامها، حيث إن الصحافة في دول العالم الثالث تعمد إلى قلب الحقائق وتزويرها وتساهم في محاصرة الإنسان، فإذا ما كانت أجهزة الأمن تحاصر جسده، فان أجهزة الإعلام تحاصر عقله وتمنعه من التفكير في واقعه وحقيقة ما يعيشه في بلاده، فالمملكة على النقيض مما زينته أجهزة إعلامها، وهذا هو اخطر ما في الأمر، حيث تصور للحاكم والمحكوم إن الأمور بخير وان كل شي على ما يرام، وهو لا يعلم انه يسير في طريق خطير قد تكون نهايته السقوط في وادي عميق، إن لم يتدارك الأمر ويغير الاتجاه.

ونوجز في الآتي: بناء على الإحصائيات الصادرة من الصحف السعودية ومراكز الأبحاث والدراسات الإقليمية والعالمية المشهود لها بالنزاهة والموضوعية حول واقع المملكة وحقيقة مركزها على المستوى الدولي، وصورتها الحقيقة ما بين دول العالم، يكتشف المواطن السعودي واقع بلاده المؤلم، رغم ما تمتلك من إمكانيات ومقدرات، من المفترض إن تتحول بموجبه إلى دولة من أعظم دول العالم، ويصبح الشعب السعودي من أفضل الشعوب وكثرها رقيا وتحضرا.

أولا: واقع الاقتصاد الوطني.

يقوم الاقتصاد القومي المعاصر على إستراتيجية تسخير الموارد القابلة للنضوب كالنفط والغاز والمعادن الصناعية في تشييد بنى تحتية متطورة، واستثمار دائم للموارد الغير قابلة للنضوب، وتحويل المجتمع الاستهلاكي إلى مجتمع قائم على الإنتاج والاعتماد على قدراته الذاتية – برعاية الدولة - في تحقيق الرفاهية وإشباع الحاجات، وتحويل السلطة التنفيذية (الحكومة) إلى مؤسسة تدير الاقتصاد وتشرف على مرافقه، وذلك عبر تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتشييد مرافق خدمية متطورة، وتنفيذ برامج تنمية شاملة، واستغلال شامل لرأس المال البشري والثروة البشرية، باعتبارها رافد لا ينضب، عبر تشييد مؤسسات التعليم والتدريب المختلفة، ومحاربة الفساد المالي والإداري والبيروقراطية وكافة معوقات التنمية، وتحول الدولة من الدولة الرعوية إلى دولة المشاركة، والاستمرار في استغلال الإمكانيات المتاحة من ثروات زراعية ومعدنية عبر القطاع الخاص، وتخصيص المرافق الخدمية التي تشكل عبأ على الميزانية العامة، ووضع خطة إستراتيجية لرسم شخصية الدولة الاقتصادية من خلال المعطيات المتاحة القائمة على الموارد الغير قابلة للنضوب، ووضع خطط عملية دقيقة لتحويل اقتصاد السكان من الاعتماد على النفط إلى تشييد اقتصاد فعلي قائم على الإنتاج الحقيقي والاعتماد على الذات، ودعمه ببرامج تأمينات وقروض ميسرة، ليتحول بموجبها القطاع الحكومي إلى قطاع إدارة وإشراف وخدمات وإنتاج في نفس الوقت، لتكون بذلك ميزانية الدولة من خلال الضرائب والرسوم التي تفرض على دخل الأفراد والمنشئات والمؤسسات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، وأرباح شركات القطاع العام، سواء المملوكة بالكامل للدولة أو الشركات المساهمة التي تمتلك الحكومة جزء من أسهمها،

ليقوم الاقتصاد الوطني في نهاية الأمر على مفهوم المشاركة الإقليمية والعالمية في كافة القطاعات والمجالات المتاحة في إطار الدولة القومية وسيادتها.

هكذا قام اقتصاد اليابان التي لا تمتلك أية موارد تذكر، ولكنها قامت على استثمار ضخم لرأس المال البشري، وماليزيا التي كانت قبل 20 عاما دولة زراعية، ولكنها من خلال تطوير التعليم وتشجيع الاستثمارات تمكنت من جلب المليارات من الدولارات التي شيدت بها بنى تحتية متطورة وأسست قواعد راسخة لاقتصاد مزدهر، تطور بسرعة كبيرة عبر النجاح المنقطع النظير في خطط التنمية الاقتصادية والبشرية وتشييد وتطوير البنى التحتية، وكوريا الجنوبية أيضا - التي كانت قبل 30 عاما دولة استهلاكية وتصدر آلاف العمالة لدول الخليج - شيدت اقتصاد قائم على الصناعة واستثمرت في رأس مالها البشري، فعادت معظم عمالتها إلى الداخل وأعيد تأهيلها وتدريها ثم ضخت في آلاف المعامل والمصانع لتشيد اقتصاد قائم على الإنتاج والمعرفة والابتكار.

والنموذج القريب من المملكة – رغم محدودية التجربة وعدم نضجها- هو اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يشكل العائد النفطي من حجمه الإجمالي 36% فقط، بينما تشكل مصادر الدخل الغير نفطية 64%، وان كانت إمارة ابوظبي ما تزال تعتمد على النفط في تمويل الميزانية الاتحادية، فان إمارة دبي لا يشكل النفط سوى 4% من دخلها، ومع ذلك فإنها ترفد الميزانية الاتحادية بمقدار النصف، حيث تمكنت دبي من تحويل نفسها لمركز مالي وتجاري إقليمي، يضم مقرات وفروع لآلاف الشركات والمؤسسات المالية حول العالم، وأصبحت مركزا إقليما لإعادة التصدير والترانزيت، وأصبح مينائها يستقبل أضخم الحاويات والسفن، وأسست حكومة الإمارة عشرات الشركات الاستثمارية الضخمة التي تدير استثمارات بمليارات الدولارات في مختلف أنحاء العالم، بينما الشركات الحكومية أو شبه الحكومية في المملكة لا تحقق أرباح تذكر وتعوض خسائرها من خلال الدعم الحكومي، فشركة النقل الجماعي والشركة السعودية للكهرباء والخطوط السعودية والمؤسسة العامة للسكك الحديدية، جميعها شركات خاسرة ولولا الدعم الحكومي السخي لأعلنت إفلاسها منذ زمن بعيد

وتمكنت دبي بذلك من بناء اقتصاد محلي يعتمد على الاستثمار في رأس المال البشري، سواء الوطني أو المقيم، وقائم على الخدمات والاستثمار والابتكار، بينما اقتصاد المملكة ما يزال قائما على إنتاج سلعة واحدة فقط هي النفط، الذي يعتبر مصدر دخل لثمانية عشر مليون إنسان يشكلون الشعب السعودي، حيث تبيع حكومة المملكة النفط الخام لتنفق به على البلاد والعباد! من دون وجود خطط إستراتيجية لاستثمار العوائد النفطية في بناء اقتصاد حديث ومتطور، بالرغم من تأكيد الخبراء الدوليين إن حقول النفط السعودية تستنزف بمعدل يتراوح ما بين 7 الـ 12% سنويا

وهو ما يعني أنه يتعين على شركة ارامكو أن تضيف سنويا ما بين 600 ألف و800 ألف برميل يوميا إلى طاقتها الإنتاجية لتعوض هذا النقص، كما تشير الدراسات العالمية المعترف بها إن احتياطات النفط المثبتة في العالم تبلغ 1258 بليون برميل، وإنها قد تكفي لاستهلاك 42 سنة، وإما احتياطات الغاز فلـ 60 سنة والفحم الحجري لـ 122 سنة، وفي تقديرات أخرى إن احتياطات المملكة العربية السعودية من النفط قد تكفي لمدة 80 عاما تقريبا، ومع ذلك لم تتحرك حكومة المملكة للبدء بتنويع مصادر دخلها وتأسيس اقتصاد حقيقي، يقول عبد الرحمن الراشد في مقاله (ارامكو البقرة المقدسة) "والسبب الذي جعل «ارامكو» بقرة مقدسة لا يجوز الحديث عنها، أو لمسها، إنها تعتبر المصدر المالي شبه الوحيد لنحو 26 مليون إنسان في السعودية، كون النفط مصدر الرزق العام. الحقيقة إن أهمية «ارامكو» إنها تملك رخصة اكبر بحيرة نفط في العالم".

ويقول أ. د خالد عبد العزيز السهلاوي "إن المتتبع لمسار الاقتصاد السعودي خلال الثلاثين سنةً الماضية يرى مجموعةً من القرارات التي تم اتخاذها بهدف تنويع مصادر الدخل وتصحيح مسار الاقتصاد. من ذلك ما تم اتخاذه بشأن ضرورة ترشيد الإنفاق الحكومي لتقليص العجز في ميزانية الدولة نتيجة انخفاض أسعار النفط في عامي 1985 و1997، وهذا بلا شك أمر إيجابي وجيد، لكن الغريب في الأمر أن حدوث ارتفاع جديد في أسعار النفط يعيد الأمور لما كانت عليه من قبل وكأن شيئا لم يكن، وأن ما حدث لا يعدو عن كونه رد فعل لظروف قاسية مر بها الاقتصاد خلال سنة أو سنتين، وليس إستراتيجية يتم إتباعها لمعالجة اختلالات جوهرية في هيكل الاقتصاد وتصحيح مساره، فكثير من الإصلاحات يتم لمواجهة إشكالية وظروف معينة ما تلبث أن يتم التراجع عنها بعد تحسن تلك الظروف أو تلاشي الأسباب التي دعت لمثل هذه الإصلاحات".

ويقول مازن السديري في صحيفة الرياض: "أولاً: ما هو الاقتصاد؟ الاقتصاد هو علم يدرس إنتاج أي دولة أو مجتمع مع معرفة المنتجات ومن هم المنتجون وشرائح الغنى والفقر بالإضافة إلى دراسة الاستهلاك وطبقاته وأنواعه... كل ما ينتجه الشعب السعودي لا يشكل نسبة 5% من الدخل القومي العام والباقي يعود الفضل به إلى النفط ومشتقاته الكيميائية لنمتلك سيولة عالية تضيع بين فترة وأخرى.. أزمات في أسواق الأسهم كل عام.. وخصخصة شركات كل شهر لامتصاص السيولة ولم يراعى عند الموافقة على طرحها نسبة البطالة التي سوف تمتصها هذه الشركة. كل ما هو مطلوب طرح شركة لسحب السيولة فقط ومواطن يطلب قرضاً ليستهلك أو يستثمر فيما لا يعرف ليعوض عجزاً في دخله كان أحرى أن يعوض له من خلال عمله الأساسي ليزداد استهلاكه وكذلك إنتاجه وتلك هي دورة الاقتصاد.

الاقتصاد السعودي يفتقد إلى عنصر النمو عن طريق الدورة الاقتصادية وهي إنتاج ثم استهلاك ثم تطوير ومن ثم النمو.. النمو قادم من عنصر خارجي وهو أسعار النفط فقط ولا علاقة له بإنتاج المؤسسات الوطنية.. بصراحة نحن نمتلك سيولة ولا نمتلك اقتصاداً أبداً.

حتى التعليم لم يراعى ولم يصمم بطريقة تناسب سوق العمل وفي الأخير صممنا معاهد لإخراج عمال سوف يكون دخلهم نقطة ضعف على الاقتصاد في بلد تتفجر فيه الشركات ولكن فقط لتحسين وتجميل سوق الأسهم، وهذا ينطبق على ضعف قطاعات أخرى تمس المجتمع مثل (الصحة والقضاء التجاري).. تقرير فرنسي يؤكد كلامي.. ليظهر جانب ضعف الاقتصاد وحقيقة الأبعاد الخفية التي تبين أن السعودية لا تمتلك اقتصاداً حقيقياً..

مجرد سيولة تضيع كل عام في سوق الأسهم أو تتجمد في العقار والسيناريو سوف يتكرر وخبراء اقتصاديون يرسمون لنا الغد عبر التحليل الفني فقط والسبب أن كل هذا لا علاقة له بدخل الدولة ولم يراعي دخل المواطن".

وبسبب افتقاد البلاد لرؤية مستقبلة وخطط مدرسة لتسخير الموارد والطاقات فقد عانت المملكة من كافة مظاهر التقادم والتراجع في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة، ولم تحقق أية انجازات تنموية يعتد بها، وتسجل في تاريخها الممتد لأكثر من 80 عاما، بل نخرت فيها الأمراض والظواهر الخطيرة، وشدت حضاريا وتنمويا عن دول الخليج الأخرى، وساهم المناخ الاجتماعي المحافظ في كبح جماح أي نهضة إنسانية واقتصادية وحضارية يعتد بها، فهربت رؤؤس الأموال والأفكار الاقتصادية والتنموية الخلاقة، واستفحل الجمود في كافة مرافق البلاد، وأصبح الأداء الحكومي عديم الشفافية، وطغى على مختلف المؤسسات الحكومية التقليد والتبعية وغياب الإبداع، وشاعت التناقضات الاجتماعية وزادت المصاعب المعيشية للمواطنين وتراجعت الخدمات العامة وزادت معدلات الفساد، وشاع التدين السلبي الذي حارب قيم العصر ومتطلبات النهضة وأصبح عائقا أمام أي تجديد أو تطوير أو تشييد حضاري واقتصادي وتنموي يعتد به، ولإثبات ذلك نستشهد بالنقاط التالية:

(1) المملكة تسجل أعلى نسبة فساد في دول الخليج: سجلت المملكة نسبت فساد مالي وأداري قدر بـ 3 تريليونات ريال سعودي سنويا، وفقدان 120 ألف وظيفة في العام، وهو الرقم الأعلى في دول الخليج، واحتلت السعودية المرتبة الأخيرة في مدركات الفساد من بين دول الخليج العربية.



حيث جاءت قطر في المرتبة الأولى (28 عالميا)، والإمارات في المرتبة الثانية (35 عالميا)، وعمان في المرتبة الثالثة (41 عالميا)، والبحرين في المرتبة الرابعة (43عالميا)، والكويت في المرتبة الخامسة (65 عالميا)، والسعودية في المرتبة السادسة (المرتبة 80 عالميا)، ويقول اقتصاديون وخبراء قانونيون أن انتشار بعض صور الفساد الإداري في السعودية جعلها في مراتب متراجعة حددتها منظمة الشفافية العالمية، حيث أتت المملكة في المرتبة 80 من أصل 160 دولة في العالم، مشيرين إلى أن الخسائر تعادل الأموال السعودية المهاجرة التي تقدر بنحو 3 تريليونات ريال.

وفي هذا الإطار يتساءل أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الدكتور محمد القحطاني عن النشاطات الحكومية الممولة من الدولة والمتراجعة كالصحة والتعليم وانتشار ظاهرة الفقر، موضحا أن كل هذه القضايا تدل على أن كل الأموال التي تصرفها الدولة لا تذهب في الوجه الصحيح.

(2) خسائر المملكة من سوء الإدارة: تخسر المملكة بسبب سوء الإدارة والبيروقراطية سنويا 16 مليار دولار، ومن أمثلة ذلك ما جاء في خبر نشرته صحيفة الوطن في عددها رقم (10421) تحت عنوان: "تفاقم أزمة تفريغ الحاويات في ميناء جدة ومطالب بتدخل رسمي" جاء فيه: تفاقمت أزمة الحاويات في ميناء جدة الإسلامي بعد أن ارتفعت مدة تسليم الحاويات من ساعات محدودة إلى يومين وسط احتجاج التجار على الشركات العاملة في الميناء والمتعهدة بتقديم خدمات نقل وتفريغ تلك الحاويات... وتحرك عدد من التجار وأصحاب المصانع والمستوردين إلى تحويل البضائع المستوردة لميناء جدة الإسلامي عبر الخطوط الملاحية العالمية إلى موانئ دبي لتلافي الخسائر والتلفيات في البضائع نتيجة تأخر خروج الحاويات.

(3) كارثة سوق الأسهم السعودية: في عام 2006 حلت كارثة في سوق الأسهم السعودية حيث فقد المؤشر 50% وفقد معظم المتداولين السعوديين 75% من رؤوس أموالهم، وبلغت السيولة التي خرجت من سوق الأوراق المالية السعودي أكثر من سبعمائة مليار ريال، وعد ذلك عند بعض الاقتصاديين من اكبر السرقات المالية في التاريخ الحديث، حيث يعادل هذا المبلغ ميزانيات بعض الدول النامية.

وكان رد فعل الحكومة هو تخفيض أسعار البنزين (رغم اعتراض شركة ارامكو لما يسببه ذلك من خسائر مباشرة، حيث إن أسعار المحروقات الحالية مدعومة من قبل الدولة وليس لها مدخول يعتد به) من دون سعيها لمعاقبة المتلاعبين وضبط النشاط في السوق ومساعدة المواطنين على تعويض خسائرهم الفادحة التي كانت لها آثار اجتماعية وأسرية وصحية سلبية، كما فعلت الحكومة الكويتية في أزمة سوق المناخ الشهيرة عام 1983 عندما قررت تعويض كل مواطن عن خسائره.

(4) رغم حصول المملكة على المركز الأول في نسبة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من بين دول الخليج إلا أنها تظل نسبة لا تشكل رصيدا في الدخل الإجمالي الذي يظل معتمدا على النفط كمصدر دخل وحيد، ولم تقم الحكومة باستغلال نشاط الشركات الأجنبية لصالح مواطنيها ومشاريعها التنموية، وذلك بفرض توظيف نسبة محددة من المواطنين السعوديين، كشرط أساسي لدخولها في السوق السعودية، وإلزامها بالقيام بأنشطة تنموية تجاه الدولة والمجتمع، إلى غير ذلك من الشروط التي تفرضها الدول على الشركات الاستثمارية الأجنبية والتي لا تشكل في نفس الوقت أية عوائد تذكر أمام سلاسة ومرونة أعمالها وأنشطتها الاستثمارية.

ومن ناحية أخرى، لم تشكل عوائد الإرباح المتحققة من هذه الشركات أي قيمة لصالح تطوير النشاط الاقتصادي للبلاد، حيث إن رفع معدلات الاستثمار يؤدي غالبا إلى زيادة معدلات النمو ومساهمة القطاع الخاص في التنمية وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد وتوفير مزيد من الفرص الوظيفية في السوق.

من شواهد ذلك ما جاء في مقال للدكتور علي سليمان العلي في صحيفة الوطن بعنوان: "هيئة الاستثمار" والمستثمرون الأجانب!

"في الرابع من شهر جمادى الآخرة 1429هـ كتبت مقالاً بعنوان (استثمار أجنبي في الحُمّص) أشرت فيه إلى أن نظام الاستثمار الأجنبي منح المستثمرين الأجانب المزايا والحوافز والضمانات والقروض الصناعية التي تتمتع بها المنشآت الوطنية بهدف استقطاب أموال أجنبية من خارج البلاد لإقامة مصانع أو مشاريع منتجة توفر فرص عمل لمواطني البلاد وتنقل إليه تقنية وتنتج سلعا أو تقدم خدمات بتكلفة مناسبة، إلا أن غالبية المستثمرين الأجانب الذين تم استقطابهم في بلادنا الغالية كانوا مقيمين يمارسون أنشطة تجارية أو صناعية أو صحية أو زراعية تحت كفالة مواطنين متسترين يكتفون بمبالغ مقطوعة وقيَّض الله لهم نظاما يستطيعون من خلاله خلع كفلائهم والاستمرار في نشاطهم نفسه واستقدام أقاربهم للعمل معهم وإنهاء جميع إجراءاتهم بيسر وسهولة من مركز خدمات شامل يحلم بمثله المواطن السعودي. كما أشرت إلى وجود مكاتب خدمات متخصصة في تسهيل حصول الأجانب المقيمين في المملكة على رخصة استثمار أجنبي دون توفر الشروط المطلوبة.

"وقد كنا سابقاً نعاني من ظاهرة تستر مواطنين على وافدين يعملون لحسابهم الخاص مقابل مبالغ مالية ومع إنشاء الهيئة العامة للاستثمار تغيرت أحوال الوافدين وأصبحوا يتمتعون بمزايا يحلم بها المواطن المسكين ويحصلون على التأشيرات التي يرغبون بها بيسر وسهولة ويتسترون على غيرهم من الوافدين وسيطروا على غالبية أنشطة التجارة والصيانة وغيرها حتى بلغت نسبة المستثمرين الأجانب الذين يعملون في الأنشطة التجارية في مدينة جدة أكثر من تسعين في المائة وتباهت إدارة رخص المستثمرين الأجانب في جدة أنها أصدرت ستمائة رخصة جديدة لممارسة أنشطة صيانة سيارات وأجهزة ومطاعم وعمارة ودباغة وهي أنشطة كانوا يمارسونها بالتستر ومنحتهم الهيئة فرصة التحول من مكفول صغير إلى متستر وكافل كبير لعشرات ومئات من الوافدين لهذا فقد نصحت عددا من رجال الأعمال الذين يعانون من صعوبة الحصول على التأشيرات التي يحتاجونها بأن يتفقوا مع احد مكفوليهم على استخراج رخصة استثمار أجنبي ليتم احترامهم وتقديرهم وإعفاؤهم من السعودة ويحصلوا باسمه على التأشيرات التي يحلمون بها ويبيعوا ما يزيد عن حاجتهم".

ويقول الدكتور على سعد الموسى في مقال: "مهزلة رخصة الاستثمار الأجنبي": "قابلته وهو يقضي بصحبة عائلته رحلة سياحية فاخرة كل شيء بها كان من النجوم الـ5. يقول في ثنايا قصته إنه قدم لهذا البلد منذ 40 عاماً خلت، وعمل في مدينة جدة تحت ستار عشرات الكفلاء وكلما فكر في استثمار جديد عمل معه على نقل الكفالة، طالب بالجنسية واستكمل الملف وعندما وجد أن المعاملة تتراكم أوراقاً دون نتيجة تقدم للهيئة العامة للاستثمار برخصة استثمار أجنبي حصل عليها في أقل من شهر. قصته مع رخصة الاستثمار تبرهن أن الهيئة الموقرة في الطريق لأن تصبح ستارة للتستر وتحويلة نظامية للاستثمار الرخيص وباباً مفتوحاً أمام المستثمر الأجنبي لمزاحمة ابن البلد في فرص استثمارية صغيرة. صاحبنا هذا حصل على رخصة الاستثمار ليدير مجموعة من الشقق المفروشة... كان صاحبنا، وباعترافه، يمتلك سلسلة الشقق المتهالكة والفندق المتواضع تحت مسمى كفيل وهمي ومنحته هيئة الاستثمار أن يمتلكها في وضح النهار برخصة استثمار.

".... كنت قبل مقابلته أظن أن رخصة الاستثمار الأجنبي تمنح للقادمين من وراء الحدود من أجل إقامة مصانع السيارات وتوظيف الآلاف في شركات البرمجة، وكنت أظن أن الشرط الأول أمام رخصة الاستثمار الأجنبي أن يأتي بالملايين إلى هنا!... اليوم، من يصدق أن الهيئة العامة للاستثمار الموقرة تمنح رخصة الاستثمار الأجنبي من أجل 6 مغاسل للثياب والشراشف؟ هذه حقائق أمتلك عليها البرهان وسيستيقظون قريباً أمام بوابة - الفوال - وهو يعلق فوق رأسه رخصة استثمار أجنبي".

(5) المملكة تسجل أعلى نسبة فقر في دول الخليج: حيث كشف عضو مجلس الشورى الدكتور سعيد الشيخ إن 22% من مواطني المملكة هم تحت خط الفقر! في تقارب مع بعض الدول العربية والآسيوية التي تفتقر للثروات والإمكانيات التي تمتلكها المملكة، حيث بلغت نسبة الفقر في باكستان 28%، ولبنان 24%، وسريلانكا 22%، وجميعها دول غير نفطية وتفتقر للثروات الطبيعية، وتفوقت على المملكة في تدني معدلات الفقر كل من تونس 7%، وبالمغرب 15%، وهي كذلك دول لا تمتلك أية ثروات طبيعية.

ويتساءل الشيخ: "لماذا هذا العدد والنسبة الكبيرة في ‏دولة غنية مثل السعودية، في وقت تعتبر فيه كثير من دول العالم أن هذه النسبة غير ‏مقبولة".

وجاء في التقرير السنوي الصادر عن وزارة الشؤون الاجتماعية إن "دائرة مكافحة التسول في المملكة سجلت ارتفاعا في نسبة المتسولين من السعوديين والسعوديات حيث بلغ العدد لعام 1429هـ 5306 وبلغت النسبة 19% مقارنة بالعام الماضي الذي كانت النسبة فيه تساوي 15% وكان العدد يساوي 4952".

يتساءل عبد الله باجبير في "الاقتصادية" فقراء في ثالث أغنى دولة في العالم حسب متوسط الدخل؟ فقراء رغم أننا نملك ثلث احتياطي البترول في العالم كله؟".

(6) السعوديون يسجلون اقل نسب للأغنياء إلى عدد السكان في منطقة الخليج: وذلك وفق تقريرٍ أصدرته مجموعة "بوسطن كونسالتينغ، حيث احتلت قطر المرتبة المرتبة الثانية عالميًا من حيث نسبة الأغنياء إلى عدد السكان بنسبة 7.9% من مواطنيها، سبقتها سنغافورة التي جاءت في المرتبة الأولى عالميًا حيث 10.6% من السكان يملكون ما يزيد على مليون دولار أو أكثر لكل منهم، جاءت سويسرا في المرتبة الثالثة بنسبة 7.3% ثم دولة الإمارات العربية المتحدة وبعدها الكويت في المراتب 4 و 5 على التوالي، بينما حققت المملكة نسبة 2.2% فقط نسبة الأغنياء بين المواطنين، وهي النسبة الأدنى في دول مجلس التعاون الخليجي.

(7) دخل الفرد السعودي ما قبل الأخير في دول الخليج: حيث احتل المواطن القطري المرتبة الأولى بقيمة تزيد على (107) آلاف ريال سنويا، ثم الفرد الإماراتي بما يزيد على (70) ألف ريال سنويا، ثم الفرد الكويتي بما يزيد على (56) ألف ريال سنويا ثم الفرد البحريني بما يزيد على (46) ألف ريال سنويا، بينما دخل الفرد السعودي لا يتجاوز (35) ألف ريال سنويا، وحل الفرد العماني في المركز الأخير ب (30) ألف ريال سنويا.



حمزة قزاز، كاتب وباحث سعودي، جدة

علي علي
09-28-2009, 12:28 PM
تكملة المقال

ووفقا لخبراء اقتصاديين فان:

- معدل دخل المواطن القطري السنوي يعادل دخل سنتين وأكثر عند المواطن السعودي!

- أكثر من 73% من مواطني المملكة العربية السعودية يعانون من أقساط البنوك وشركات التقسيط.

- 60% من السيارات المباعة في الأسواق السعودية بنظام التأجير والتقسيط المنتهي بالتملك.

(8) معدلات البطالة في المملكة لا تقل عن 40%:

جاء ذلك في دراسة أعدها الدكتور محمد بن عبد الله العبيشي هذا ملخصها:

"من الملاحظ أن معدلات وأرقام البطالة الرسمية المعلنة (11.2 في المائة) في سوق العمل السعودية أقل مما هو مدون في بعض الدراسات أو النشرات التي تصدرها المنظمات أو الهيئات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي بما فيها إستراتيجية التوظيف السعودية على موقع الوزارة على الإنترنت، وفي محاولة من الكاتب لفهم وتحليل هذه النسب والأرقام وجدنا: 1) أن هناك فرقا جوهريا وكبيرا بين قوة العمل الرجالية والنسائية، حيث تبلغ قوة العمل الرجالية خمسة أضعاف قوة العمل النسائية تقريبا (جدول رقم 1 المرجع مصلحة الإحصاءات العامة) رغم التماثل تقريبا بين الرجال والنساء من حيث العدد، ويرجع السبب في هذا الفارق الجوهري إلى استبعاد نحو 80 في المائة من قوة العمل النسائية من حسابات البطالة لاختيارهن الأنشطة المنزلية على الرغبة في العمل خارج المنزل حسب الإحصائيات الرسمية (جدول رقم 2 المرجع مصلحة الإحصاءات العامة).

والسؤال المطروح هنا في هذه الدراسة هل هناك فعلا أربع نسوة من كل خمس في سن العمل ترغب أو تفضل الأنشطة المنزلية على العمل خارج المنزل ليتم استبعادها من حسابات البطالة (حسب جداول مصلحة الإحصاءات العامة والتي توصلت بناء على ذلك لمعدل وقدره 11.2 في المائة)، ومن خلال الدراسة التي قمنا بها وجدنا في الحقيقة العكس أي أن هناك أربع نسوة من كل خمس تفضل وترغب وتستطيع العمل خارج المنزل وبناء على ذلك ومن باب التحفظ فلو افترضنا أن فقط 50 في المائة من العدد خارج قوة العمل بسبب أنشطة منزلية تفضل فعلا العمل خارج المنزل وليس أنشطة منزلية ومن ثم يجب تضمين هذا العدد في حسابات وأرقام ومعدلات البطالة لأصبحت النسبة الحقيقية في هذه الحالة للبطالة في السوق السعودية أكبر من 35 في المائة.

2) من المؤكد أن معدل البطالة سيكون أكبر من 40 في المائة إذا أخذنا في الحسبان الأعداد الأخرى خارج قوة العمل أو خارج البطالة بسبب التعريف الضيق للبطالة الذي نتج عنه الرقم المعلن حيث لم يشمل هذا المعدل 11.2 في المائة على سبيل المثال الذين لا يعملون بسبب تفضيلهم مواصفات أو شروطا معينة ولا يشمل الذين يرغبون في العمل في القطاع الحكومي وينتظرون هذه الفرصة فقط وإن طال بهم الزمن, ويصف البعض هذه الشريحة بالبطالة الاختيارية.

3) الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن البطالة بغض النظر عن اسمها أو وصفها بالاختيارية أو المقنعة أو الهيكلية أو الإجبارية أو السافرة أو العادية تظل بطالة ومشكلة كبيرة وتحتاج إلى التدخل الحكومي القوي - إنشاء هيئة سوق العمل - لأنها طاقة بشرية وطنية عاطلة ولكم أن تتخيلوا الحجم الحقيقي للطاقة الوطنية البشرية العاطلة عندما نجمع كل أنواع البطالة.

4) هذه الأرقام والنسب الكبيرة للبطالة - بغض النظر عن الأسماء والأوصاف - تمثل كارثة تحل بعنصر العمل الوطني وتؤثر في جميع جوانب الحياة بما في ذلك الجوانب الأمنية، لذا فالموضوع يستحق مزيدا من الدراسات والتحليل والتأمل والتدخل الحكومي القوي وليس تصريحا أو بيانا أو مؤتمرا صحافيا تشكك أو تنفي أو تفند كل أو بعض ما ورد في هذا المقال أو فقط وصفه بالمتشائم بهدف تقليل وتخفيف حجم المشكلة, الأمر الذي لا يخدم قضية البطالة.

ونقصد بالتدخل الحكومي المطلوب والذي يفرض نفسه في هذه الظروف والمشكلات المتعلقة بعنصر العمل الوطني والتي من أهمها البطالة هو إنشاء هيئة سوق العمل (الوطنية والوافدة) ولها شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري وتمويل ذاتي وتمنح كل الصلاحيات والإمكانات للقضاء على البطالة وتنظيم سوق العمل وإصدار الرخص أو تجديدها والتعامل مع كل المشكلات الأخرى المتعلقة بتنظيم سوق العمل السعودية, والتي من أهمها إنشاء سوق العمل الإلكترونية المقترحة في مقالات سابقة كجزء من مشروع الحكومة الإلكترونية والبرامج الأخرى الطموحة لتوطين الوظائف، وهذه الهيئة لسوق العمل هي الفيصل في كلمة البطالة والتعامل معها من حيث الحجم أو النوع أو المكان, بل كل التفاصيل الأخرى المتعلقة بالبطالة بما فيها الحلول, وتعد هذه الهيئة الجديدة هي البداية الأولى الحقيقية للتعامل مع قضية السعودة أو توطين الوظائف أو مشكلات سوق العمل السعودية الكثيرة, التي من أهمها البطالة."

وإذا صحت هذه الدراسة فان معدل البطالة في المملكة يبلغ 40% ووفقا للإحصائيات الرسمية فان البطالة وصلت ل 14% وهي على كل حال اكبر نسبة في الخليج، حيث تبلغ نسبة البطالة في الإمارات 12% وقطر 3% والبحرين 12,4 وعمان 8%.

وإذا ما صحت دراسة الدكتور محمد بن عبد الله العبيشي فانه على سبيل المقارنة مع دول أخرى فان نسبة البطالة في العراق 28% على ما يعانيه هذا البلد من عدم استقرار جراء مروره بثلاث حروب في اقل من 25 سنة، أما في مصر فقد بلغت معدلات البطالة في إحصائيات عام 2000م 20%، في بلد عدد سكانه 70 مليون نسمة.

• وفي إحصائية صادرة عن مصلحة معاشات التقاعد أن 60٪ من مشتركي قطاع العسكريين تقل رواتبهم الشهرية عن 3 آلاف ريال سعودي! وأظهرت إحدى الدراسات أن غالبية المبحوثين من المتقاعدين أكدوا أن المعاش التقاعدي غير كاف لتلبية احتياجات الأسرة.

• كما أظهرت دراسة ميدانية أخرى عن المتقاعدين في المملكة أن 40٪ منهم لا يملكون مسكنا خاصا بهم! كما أن غالبية المتقاعدين في عينة الدراسة (58٪) يعيشون في بيوت شعبية أو شقق!

ثانيا: تراجع جودة الخدمات العامة والمستوى المعيشي للمواطنين:

لقد أدى عدم وجود اقتصاد إنتاجي حقيقي في المملكة، علاوة على استنزاف عوائد النفط إلى تراجع الخدمات العامة وتدني المستوى المعيشي للمواطنين السعوديين، ونوجز ذلك من خلال الإحصائيات التالية:

(1) السعوديين الأقل في ملكية المنازل في دول الخليج: حيث تفيد الإحصائيات إن السعوديين الذين يمتلكون منازل خاص بهم لا تزيد نسبتهم عن 20% مقابل 80% يعيشون في مساكن مستأجرة أو في مساكن مشتركة، مما يجعل السعودية الأقل بين الاقتصاديات التي يحركها النفط في منطقة الخليج، ويشير الدكتور محمد القحطاني أستاذ الاقتصاد بمعهد الدراسات الدبلوماسية إن المملكة من أقل الدول على مستوى العالم في تملك المواطنين للمنازل،حيث تشير الإحصائيات إلى أن النسبة في بعض دول الخليج تصل إلى90%، كما في دولة الإمارات، و86% في الكويت.

وتشير دراسات أخرى إلى أن 55 في المائة من السعوديين لا يستطيعون تملك منازلهم من دون مساعدة مالية، وأكثر من نصفهم يقطنون مساكن مستأجرة.

بينما في العراق الذي خسر تريليونات الدولارات في حروبه الاقليمية المدمرة تبلغ نسبة المواطنين الذين لا يمتلكون وحدات سكنية 54%!

(2) أكثر من نصف المدارس في المملكة مستأجرة: حسب صحيفة الاقتصادية الالكترونية في العدد رقم (5606) أشارت آخر الإحصائيات الصادرة من وزارة التربية والتعليم أن عدد المباني المدرسية الحكومية في مراحل التعليم العام في المملكة وصلت لأكثر من 4735 مبنى مقابل 4242 مدرسة مستأجرة، أي إن حوالي85% من مباني المدارس غير نموذجية ومستأجرة في دولة تمتلك اكبر احتياطي نفطي في العالم ! وتضيف الاقتصادية انه لم ينفذ حتى تاريخ تعيين الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد وزيرا للتربية والتعليم سوى خمسين مدرسة فقط في مشروع الوزارة الذي يهدف إلى القضاء تماما على ظاهرة المدارس المستأجرة.

* ونشير في ذات السياق إلى إن المملكة لم تتمكن من القضاء على الأمية الأبجدية في البلاد حيث بلغت وفقا لإحصائيات عام 1429هـ 4و13% من عدد السكان.

(3) أكثر من 80% من مراكز الرعاية الصحية الأولية مستأجرة:

حيث نشرت صحيفة المدينة في عددها الصادر بتاريخ 24 مايو/أيار 2008 أن وكيل وزارة الصحة للتخطيط والتطوير الدكتور عبيد بن سليمان العبيد أكد إن (80 بالمائة) من مراكز الرعاية الأولية بالمملكة مستأجرة، مؤكدا أن المنشآت الصحية غير مهيأة لتقديم خدمات صحية صحيحة.

(4) المملكة الأولى في حوادث الطرق في العالم العربي:

تفتقر المملكة العربية السعودية لنظام مواصلات عام، حيث لا توجد في المدن الرئيسية حافلات لنقل الركاب ولا قطارات نقل عام، وتحظر على النساء قيادة المركبات التزاما بفتاوى المؤسسة الدينية الرسمية، وتشكل المركبات الخاصة وسيارات الأجرة وسائل النقل الوحيدة في بلاد شاسعة الإرجاء، وقد احتلت المركز الأول في حوادث الطرق حيث تلتها المغرب ثم قطر، واحتلت المرتبة الأولى فيما تتكبده من خسائر بسبب حوادث الشوارع والطرقات حيث تخسر سنويا ما يقارب من 16.2 مليار دولار سنويا، ولم تقم الحكومة باتخاذ أية إجراءات ملموسة للحد من الخسائر البشرية والمادية على طرقها البرية.

ثالثا: المملكة في مؤشرات وإحصائيات التنمية الإنسانية والحضارية.

لم تحقق المملكة أية انجازات حقيقة يعتد بها في مضمار التنمية الإنسانية والحضارية، ونستشهد بذلك من خلال النقاط التالية:

(1) بطالة السعوديات الأعلى في العالم:

قالت الأميرة عادلة بنت عبد الله بنت عبد العزيز في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط": إن المرأة السعودية التي تمثل 50 في المائة من السكان السعوديين، لا يزيد حجم قوة العمل التي تمثلها على نصف مليون سيدة، من بين خمسة ملايين هي مجموع قوة العمل السعودية، أي أنها تمثل نسبة 9 في المائة فقط من هذه القوة، وهو ما يمثل الحد الأدنى لمشاركة المرأة في قوة العمل في العالم».

(2) احتلال الجامعات السعودية مراكز متدنية في سباق الجودة العالمية:

حيث احتلت الجامعات السعودية المرتبة رقم 2998 من بين 3000 جامعة في العالم في إحصائيات عام 2006.

تم تحسن وضع الجامعات السعودية في إحصائيات عام 2008 ضمن قائمه تصنيف الجامعات العالمية التي يعدها موقع "سايبر ماتريكس" الاسباني، خصوصا جامعه الملك فهد للبترول والمعادن التي احتلت المرتبة 638 عالميا، بينما جاءت جامعه الإمام محمد بن سعود الإسلامية في ذيل القائمة العالمية محرزه المركز 5715

إلا إن بعض المراقبين يقولون إن سر تحسن تنافسية الجامعات السعودية هو في تطوير موقعها الالكتروني الذي يتخذ كمعيار لقياس الجودة في مثل هذه الإحصائيات، ويستشهدون بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي تعتبر أفضل الجامعات السعودية على نحو الإطلاق، ورغم ذلك فقد احتلت مراتب متأخرة في تلك الإحصائيات بسبب حداثة نشأتها وعدم تشغيلها بشكل تام، مما تسبب في قلة محتويات موقعها الالكتروني، فاثر ذلك على تصنيفها واحتلت مركز متأخر، ويعتبرون إن التصنيف الصادر عام 2007 لأفضل 500 جامعة على مستوى العالم هو التصنيف الأكثر مصداقية وحرفية، حيث لم يظهر في القائمة أي جامعة سعودية، وكانت جامعة القاهرة الجامعة الوحيدة في العالم العربي التي دخلت في ذلك التصنيف الذي احتوى عشرات الجامعات الآسيوية والأميركية الجنوبية والإفريقية، كما ضمت القائمة جامعات إسرائيلية.

وفي سياق متصل تشير الإحصائيات المحلية أن:

• ثلث الطلاب المقبولين في الجامعات السعودية لا يكملون مشوارهم الدراسي لأسباب مختلفة.

• ربع الطلاب المتقدمين للدراسة في الجامعات السعودية لا يتممون إجراءات قبولهم.

• ثلث الطلاب السعوديين يدرسون في تخصصات نظرية ليس لها علاقة مباشرة بالتنمية.

(3) المملكة تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التنمية البشرية في منطقة الخليج:

حيث احتلت الكويت المركز الأول من بين الدول الخليجية، والمركز الثاني قطر، والثالث الإمارات، والرابع

البحرين، والخامس عمان، والسادس والأخير السعودية، علما بان المؤشر يقيس مستوى خدمات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه واستخدام التكنولوجيا وتوافرها للمواطنين، والبطالة، والمساواة بين الجنسين، والاهتمام بالبيئة، وغيرها.

(4) المدن السعودية خارج سباق المنافسة الإقليمية والدولية:

تقدمت المدن العربية على المدن السعودية في الدراسة السنوية الثانية التي قامت بها مجلة "صانعو الحديث" عام 2008م للوصول إلى ترتيب أفضل عشر مدن عربية للعيش ولم يظهر من المدن السعودية مجتمعة سوى الرياض في المركز قبل الأخير!

(5) المملكة في ذيل تقارير حرية الصحافة في العالم والعالم العربي:

جاء ترتيب المملكة في مؤشر الحريات الصحفية لعام 2008 الذي تصدره جمعية مراسلون بلا حدود الدولية في المرتبة 161 من أصل 167 دولة، حيث احتلت كوريا الشمالية المرتبة الأخيرة!

وفي تقرير الحريات الصحفية في البلدان العربية الذي يصدره مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان إن السعودية وسوريا ولبيبا في ذيل القائمة لعام 2008، بينما احتلت الصحافة في الكويت وقطر والإمارات مراتب متقدمة نسبيا وفقا للتقرير نفسه.

(6) المطارات السعودية في آخر قائمة مطارات العالم:

حيث احتل مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة والملك خالد الدولي بالرياض آخر قائمة مطارات العالم التي ضمت 192 مطارا، حيث اختيرت مطارات إنشون (كوريا الجنوبية) وهونج كونج، وجانكي (سنغافورة) وزيورخ (سويسرا) وميونخ (ألمانيا) على التوالي أفضل 5 مطارات في العالم لعام 2009. وجاء مطارا البحرين ودبي على رأس أفضل مطارات الشرق الأوسط.


(7) الرياض ثالث أسوء مكان للعمل في العالم:

قامت قيام مجلة بسنزويك العالمية بإجراء بحث عن أسوأ الأماكن في العالم للعمل فيها أخذا بالاعتبار العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والحرية والأمن والترفيه والتشدد الديني، وقد حلت الرياض في المرتبة الثالثة عالميا كأسوأ مدينة في العالم قاطبة للعمل فيها متقدمة على العديد من دول العالم سيئة السمعة، وقد جاء الترتيب من حيث السوء على النحو التالي:

- لاغوس – نيجيريا

- جاكرتا – اندونيسيا

- الرياض – السعودية

- ألماتي – كازاخستان

- مومباي – الهند

- نيروبي – كينيا

- بوغوتا – كولومبيا

وعزت أسباب اختيار الرياض كثالث أسوء مدينة للعمل في العالم استنادا لعدد من المعايير منها التالي:

الدرجة العامة: الرياض منطقة عالية الخطورة.

تعاني من عدة مشاكل، منها:

* قمع وعنف سياسي.

* بيئة اجتماعية وسياسية محافظة.

* انعدام وسائل الترفيه والثقافة.

* المناخ الحار معظم أوقات السنة.

المشاكل الأخرى: ضعف خدمات: السكن، الصحة، وسائل التعليم، المواصلات، الاتصالات.

ومما جاء في التقرير: لا عجب هنا. الحياة في السعودية ليست سهلة. إمكانية هجوم إرهابي تزداد وفقاً لمنظمة أو آر سي (منظمة عالمية للموارد البشرية)، بينما التعليمات المتشددة على الملابس والحركة والسلوك والطعام والكحول والسفر والاتصالات تحد من الحياة المهاجرة. المدينة هي على وجه الخصوص قاسية على النساء الأجنبيات. أن انتهاك العادات الدينية الأخلاقية المتشددة في البلد هي بالذات خطرة في مدينة محافظة".

(9) المملكة في صدارة الدول المدانة في تقارير حقوق الإنسان:

حيث اتهم التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية المملكة، والكويت، وعمان، وقطر، بعدم بذل جهد كافي لمكافحة الاتجار بالبشر.

كما ظلت المملكة في صدارة الدول التي يدينها التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية حول الحريات الدينية، حيث يرصد انتهاك الحريات الدينية للسعوديين والمقيمين في البلاد، وما تزال المنظمات الحقوقية تصدر بشكل شبه دوري تقارير ترصد وتدين انتهاكات المملكة لحقوق الأقليات والنساء والعمالة المهاجرة.

إن المملكة:

* الدولة الوحيدة التي تمنع المرأة من قيادة وسائل المواصلات الخاصة والعامة.

* الدول الوحيدة التي لا يوجد بها دور سينما ومسارح.

* الدولة الوحيدة التي لا يوجد بها نوادي رياضية للنساء وتمنع المرأة من ممارسة الرياضة.

بعد كل هذه الإحصائيات المؤلمة هل من شك في إن المملكة تحتل مرتبة متدنية من التنمية والإعمار والتقدم الحضاري بين جيرانها الدول الخليجية فضلا عن العديد من دول العالم الثالث، بالرغم مما تمتلكه من ثروات وإمكانيات، وان المحزن بحق أن الإعلام السعودي (سواء الرسمي منه أو التجاري، علاوة على مواقع الانترنت) عمد إلى تصوير الوضع في البلاد على انه من حسن إلى أحسن وان التغيير قادم، وان البلاد تقطع كل يوم خطوات إصلاحية جبارة، بدلا من إن يجعل اليوم الوطني يوما للمكاشفة والشفافية حتى في لو كان ذلك في نطاق ضيق، ليعرف الشعب السعودي بمختلف انتماءاته موقعه بين شعوب العالم، ومركز وطنه الحقيقي بين الأوطان والدول، ولا ننكر أن الملك عبد الله بن عبد العزيز قام منذ توليه بخطوات إصلاحية مهمة، وكان آخرها افتتاحه لجامعة العلوم والتقنية، التي تعتبر دون شك صرح علميا حضاريا يحسب للملكة والعالم العربي، إلا إن الأمور بخواتيمها ونتائجها وليس بمقدماتها، وان الفساد المستشري وتخلف الأداء الحكومي وجمود الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وقوة سلطة التيارات السلفية سيحد من فاعلية أية انجازات، فلا توجد ضمانة من استمرارية عمل هذه الجامعة في السنوات القادمة والبلد من دون نظام إداري محكم وقانون أساسي واضح المعالم، يجنب المؤسسات أي تغيير في أشخاص المسئولين في مستويات السلطة المختلفة، مما يضع هذه الجامعة موضع الشك من ناحية الانجاز وتحقيق الأهداف، وهي بذلك تشارك هيئة البيعة، إذ لا يعرف حتى الآن مدى قدرتها على أداء مهامها كضابط لانتقال سلمي للسلطة في المستقبل المنظور، وقد أمر الملك عبد الله قبل 3 سنوات بإصلاح القضاء ورصد أكثر من 3 مليارات ريال، ولكن بسبب تثاقل الأداء والفساد لم يتحقق أي شي يذكر حتى ألان على هذا الصعيد، وأمر الملك في عام 2006 بإنشاء مركز الملك عبد الله المالي ولم يشرع في إنشائه إلا في عام 2009!

وكافة التوصيات التي أصدرها مركز الملك عبد الله الحوار الوطني لم تشرع الحكومة في العمل بالمناسب منها حتى الان، وأكثر من 16 مؤسسة حكومية ترفض الاعتراف ببطاقة الهوية الوطنية للمرأة، ولم تحقق إستراتيجية مكافحة الفقر أية نتائج ملموسة، ولم تقم الهيئة العامة للإسكان بأية مشاريع في نطاق اختصاصها، علما بان مشروع الرهن العقاري مضى عليه أكثر من عشرين عاما ولم يصدر حتى الآن!

إن المملكة تقف على مفترق الطرق، ومركزها المالي والسياسي يعتمد فقط على تصدير 10 مليون برميل من النفط كل يوم، فحجم اقتصادها وسوقها التجاري ومركزها السياسي يعتمد على نحو الإطلاق على تصدير هذه الكمية من النفط الخام، الذي تتناقص احتياطاته عام بعد عام، من دون رصد أية بوادر شجاعة لتنويع مصادر الدخل وتنمية البلاد.

إن الإحصائيات التي ذكرناها، سواء المستقاة من خلال الصحف الرسمية أو مراكز المعلومات والدراسات الإقليمية والدولية، المشهود لها بالنزاهة والحيادية، تشير إلى إن المملكة تمر بمرحلة خطيرة وعويصة، لاحت بوادرها الأولية في نوعية المواقع الالكترونية المعارضة على شبكة الانترنت، وان بداية الحرب كلمة كما يقال في الأمثال، وان مقدمات الخطر قد تكون من خلال بضع مواقع على شبكة الانترنت، يمكن أن تتحول إلى تيار تدميري يحطم كافة الانجازات ويقلب الطاولة بشكل مأساوي! فقد ظهرت على صفحات الانترنت مواقع تدعو بكل سفور إلى إزالة المملكة ككيان سياسي، وتحويل أقاليمها إلى دول مستقلة، في ظاهرة لم تسجلها دول الخليج الأخرى، فإذا كان المواطنين في المنطقة الشرقية من أتباع مذهب آخر وطابور خامس وعملاء، وأسسوا موقعا يدعو إلى تأسيس دولة مستقلة لهم في مناطقهم، كما في هذا الرابط:

http://www.alahssa-alkateef.com

فما بال بعض شباب الحجاز أسوا لهم هم أيضا موقعا يدعو إلى إحياء دولة الحجاز التي كان قائمة قبل دخول الإقليم في الحكم السعودية، كما في هذا الرابط:

www.alhijazonline.com

وما بال إقليم عسير الذي أصبح جزء من المملكة في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين، يدعوا بعض مثقفيه إلى انفصاله عن المملكة وتحويله إلى دولة عربية مستقلة ذات سيادة:

http://www.asseer.com

ثم ما لبثت أن ظهرت المعارضة الالكترونية في إقليم نجد ذاته، وهو مسقط رأس العائلة المالكة ومنه انطلقت لفتح البلاد شرقا وغربا، ونجد كما هو معروف يعتبر مركز الدولة السعودية وثقلها الشعبي، فلماذا ظهر موقع على الانترنت يدعو إلى تأسيس دولة مستقلة عن الحكم السعودي؟

http://www.najed.org

وليس هذا فقط بل ظهرت مدونة واحدة على الأقل ترصد انتهاكات الدولة بحق أبناء القبائل في مختلف أنحاء البلاد:

http://mahsobiah.blogspot.com

يا ترى هل ظهر مواطن كويتي واحد أو موقع انترنت أو تيار شعبي يدعو إلى إقامة نظام جمهوري في الكويت وإقصاء آل الصباح عن الحكم؟

وهل ظهر في الإمارات من يدعو إلى استقلال إحدى الإمارات عن الدولة الاتحادية وتكوين دولة مستقلة؟

وما بال منظمات حقوق الإنسان لم تستثن أية انتماء مدني أو ديني من رصد سياسات تمييز بحقه في بلادنا؟

ابتداء بالأقليات المذهبية، مرروا بالنساء، إلى أصحاب التوجهات الفكرية المختلف وأبناء القبائل المتعددة.

إن الوضع غاية في الخطورة وآخذ في الانهيار يوم بعد يوم وأثاره وانعكاساته ظهرت من خلال هذه الإحصائيات المؤسفة، فان لم تتدارك الحكومة السعودية أمرها وتحسم أمرها لما فيه صالح دولتها وشعبها فان الأمر قد يخرج عن نطاق السيطرة ليندر بعواقب وخيمة لا حدود لها.

إن المملكة بحاجة إلى إصلاحات شاملة وثورة ذاتية على نفسها، وإخراج شعبها من عزلته، وتحريره من القوى الظلامية التي تسيطر عليه وتتحكم بمصيره ومصير أجياله، وتمنعه من تطوير نفسه وانفتاحه على العالم وتنوير شبابه وتسليحهم بمختلف العلوم والمعارف، وتدريبهم على مختلف المهارات التي تمكنهم من المساهمة في بناء بلادهم.

لا احد من شعب المملكة، شباب وشابات، بدو وحضر، أبناء القبائل والمذاهب والأقاليم المختلفة، يعادي في حقيقة الأمر آل سعود أو المذهب السلفي الرسمي، ولا يسعى أهل الحجاز أو الشرقية أو عسير للانفصال.

أو عدم الاعتراف بالحق الشرعي لال سعود في الحكم، فهذه الأسرة هي من بنت هذه الدولة التي وحدت كل هذه المناطق في دولة واحدة، إلا إن هذا الشعب بمختلف انتماءاته وتوجهاته لا يريد سوى العيش الكريم والعدالة، وان يتمتع على الأقل بالحد الأدنى من الحريات والحقوق على غرار دول الخليج الأخرى، فالسعودية تمتلك كافة المقومات التي تؤهل شعب المملكة لان يكون شعبا متطورا ومتقدما على غيره من الشعوب العربية، لا يطلب الشيعة سوى إنهاء التمييز الذي يتعرضون له ومعاملتهم كأي مواطنين آخرين، لهم حقوق وعليهم واجبات، ولا يطلب أهل الحجاز سوى الإنصاف. ولا تطالب المرأة السعودية إلا بحقوقها المشروعة التي كفلتها لها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، ولا يطالب أصحاب التوجهات الفكرية والثقافات الفرعية سوى بالسماح لهم في ممارسة قناعاتهم واختياراتهم، ولا يطالب الشعب من العائلة المالكة سوى بحقه المشروع من الثروة والتنمية ورفع كافة أشكال الوصاية غير القانونية عليه، والمشاركة مع الأسرة الحاكمة في أعمار وطنه وتوجيه دفة الأمور وفقا لدستور رشيد يحفظ حق كل من الأسرة الحاكمة في الحكم والشعب في المشاركة، ويقيم توازنا يمنع الاستبداد والطغيان، ويحفظ السلطة من الانفلات والضعف.

إن المملكة على مفترق طريق، فإما التنمية والأعمار والبناء، وإما السير في طريق المجهول والدخول في نفق مظلم طويل، فأيهما تختار المملكة العربية السعودية يا ترى؟



حمزة قزاز، كاتب وباحث سعودي، جدة